الجمال في القرآن والسنة
لقد استلهم المسلمون من الجمال المكنوز الذي تسيل به آيات القرآن وأحاديث النبي ، فألهمهم هذا صناعة جنانٍ على الأرض.
كان لا بُدَّ لوصف الجنة الذي تحفل به آيات القرآن ويملأ أحاديث النبي أن يشكِّل الحاسة الجماليَّة عند المستمع، ولما كان الإسلام دين عمل، فالمتوقع أن السامع سيحوِّل لذة السماع إلى لذة البناء.
ولقد عُني الإسلام بجمال البيئة بما يجعل تعاليمه في هذا الشأن إضافة أصيلة للحضارة الإنسانية التي لم تهتم -إلا حديثًا- بأمر البيئة ورعايتها وجمالها.
نعرض للجمال الذي صنعته الحضارة الإسلامية على البيئة المحيطة بها، تلك التي جعلت الطبيعة حُلوة خضرة نضرة.. تَسُرُّ الناظرين.
أولاً: الجمال في القرآن والسنة
الجمال في القرآن
لا تقتصر حكمة خلق الأشجار والنباتات والثمار على الفوائد الحيوية المعروفة من كونها غذاء للإنسان والحيوان، أو رئة تتنفس بها البيئة، بل إن الله أشار في كتابه الكريم إلى وظيفة أخرى تُؤَدِّيها الأشجار والحدائق في حياة الإنسان ووجدانه، وهي تلك البهجة والنشاط والحيوية التي تبعث في القلب، فقال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 60].
وإن تلك الصبغة الجمالية التي تُمَيِّز الطبيعة على اختلاف مُكَوِّناتها ليست إلاَّ تطبيقًا لقاعدة عامَّة أَقَرَّها الله تعالى في كل ملمح من ملامح الكون، كما أَحَبَّ لعِباده أن يتخلَّقُوا بها؛ تلك هي (قاعدة الجمال)! فعن ابن مسعود tأن النبي قال: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْـجَمَالَ"[1].
ولعلَّ من اللافت للنظر كثرة الحديث عن الشجر والثمار والجنات في القرآن الكريم؛ حيث ورد لفظ شجر بمشتقَّاته في القرآن نحو 26 مَرَّة، كما وردت لفظة ثمر بمشتقَّاتها 22 مَرَّةً، ونبت بمشتقاته 26 مَرَّة، وذُكِرَت الحدائق 3 مَرَّات، أمَّا الجنة مفردة ومجموعة فقد وردت 138 مَرَّة.
بل إن القرآن الكريم عندما يعرض للأشجار والثمار من حيث هي طعام للإنسان والأنعام، يأتي ذلك العرض في سياق لافت لجمال المنظر، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ *أَنَّا صَبَبْنَا الْـمَاءَ صَبًّا *ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا *فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا *وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24-32].
تصوير الجنة في القرآن
وإلى جانب إظهار الحكمة الجمالية من وراء خَلْقِ الحدائق بأشجارها وثمارها على هذا النحو البديع، فقد كان لتصوير القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة للجنَّة، بما تحتويه من مُتَعٍ حسِّيَّة ومعنويَّة، كان لتلك العوامل مجتمعة أثرٌ قوي في دفع المسلمين لمحاكاة هذا التصوير المثالي في التعامل مع البيئة.
فمن مشاهد الجنة في القرآن الكريم قوله تعالى:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *ذَوَاتَا أَفْنَانٍ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْـجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْـمَرْجَانُ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *مُدْهَامَّتَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *فيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْـخِيَامِ *فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ*فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ *مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 46-76].
وغيرها من الآيات القرآنية الكثيرة.
الجمال في السنة النبوية
وكذلك كانت السنة النبوية و حديث رسول الله المنبع الثاني الذي استقى منه المسلمون رؤيتهم لجمال البيئة؛ فعن أبي هريرة قال: قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنَا عَنِ الْـجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: "لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلاَطُهَا الْـمِسْكُ الأَذْفَرُ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلاَ يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلاَ يَمُوتُ، لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُه"[2].
وعنأبي موسى الأشعري عن النبي قال: "إِنَّ لِلْـمُؤْمِنِ فِي الْـجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً، لِلْـمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْـمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا"[3].
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إِنَّ فِي الْـجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا"[4].
وعن أنس أن رسول الله قال: "بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْـجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْـمُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ. فَإِذَا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ[5]"[6].
وإذ كثرت النصوص القرآنيَّة والنبويَّة الحافلة بهذا الجمال، تم تشكيل الوجدان الإسلامي العام على التطلُّع إلى هذا النعيم، فقدَّم المسلمون للحضارة الإنسانية ما استطاعت أيديهم أن تصنعه محاكاةً لهذه الصورة القرآنية والنبوية الرائعة.
[1] مسلم:كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (91)، وأحمد (3789)، وابن حبان (5466)، والحاكم(68).
من سحب ثيابه لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو ريحانة لقد أمرضنا ما حدثتنا إني أحب الجمال حتى أجعله في نعلي وعلاقة سوطي أفمن الكبر ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده لكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس أعمالهم الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني – المصدر: السلسلة الصحيحة – الصفحة أو الرقم: 4/167
خلاصة حكم المحدث: صحيح
[2] أحمد (8030)، وقال شعيب الأرناءوط: صحيح بطرقه وشواهده.
لبنة ذهب ، ولبنة فضة ، وبلاطها المسك ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولايبأس ، ويخلد ؛ لا يموت ، لاتبلى ثيابه ، ولايفنى شبابه . . . الحديث . الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 3711
خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره
[3] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة الرحمن (4598)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين (2838)، واللفظ له.
إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، عرضها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الترغيب – الصفحة أو الرقم: 3715
خلاصة حكم المحدث: صحيح
[4] البخاري:كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3079)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها (2827).
إن في الجنة لشجرة ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها . قال أبو حازم : فحدثت به النعمان بن أبي عياش فقال : حدثني أبو سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة لشجرة ، يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها الراوي: سهل بن سعد الساعدي المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6552
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[5] مسك أَذفر:أَي طيب الريح. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادَّة ذفر 4/306.
[6] البخاري عن أنس بن مالك: كتاب الرقاق، باب في الحوض (6210)، وأحمد (13012).
– بينما أنا أسير في الجنة ، إذا أنا بنهر ، حافتاه قباب الدر المجوف ، قلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر ، الذي أعطاك ربك ، فإذا طينه ، أو طيبه ، مسك أذفر . شك هدبة . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 6581
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
د. راغب السرجاني