قامع الشهوات وشفاء الأحياء الخوف والرجاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله المتفرد بالكبرياء، له ما في الأرض والسماء، وما بينهما من الأشياء، وصلاتي وسلامي على رسوله الأمين، وحجته المبين، ثم على آله وصحبه الميامين ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أخي المسلم: كيف بفؤادك وقلبك إذا تذكرت عظمة الله تعالى وعظيم كبريائه؟
أم كيف أخي حال جوارحك إذا تذكرت ملكه المحيط وجبروته وعزته التي لا توصف؟
أخي في الله: أين ذهب قلبك وفكرك وأنت تقرأ كتابه العزيز؟
فتقف عند وعيده.. وشديد عقابه.. ما يتفطر له أكباد الخائفين.. وتوجل منه قلوب المتقين.
أخي: { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]
{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28 ]
أخي المسلم: خوف الله تعالى ملأ قلوب العارفين.. وملك أفئدة المتقين.. فارقوا اللذات.. وهجروا الشهوات.. وعكفوا على الصالحات.. فأناروا نهارهم بالذكر والحسرات.. وليلهم بالتهجد والآهات..
عجبت للنار نام راهبها *** وجنة الخلد نام راغبها
عجبت للجنة التي شوق *** الله إليها إذا نام طالبها
إني لفي ظلمة من الحب*** للدنيا وأهل التقى كواكبها
{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56]
أخي: "أمر بأن يكون الإنسان في حالة تقرب وتخوف وتأميل لله عز وجل"..(الإمام القرطبي)
أخي المسلم: لا ينال مرتبة الخوف من الله تعالى والخشية منه إلا الصادقون.. المخلصون.. الواقفون على باب خدمته سبحانه وتبارك.. وإن شئت أخي أخبرتك عن أعظم الخلق خوفاً لله تعالى.. وأطلعتك على سر هذا الخوف..
فاسمع مني أخي رعاني الله وإياك "كلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه". وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [النحل 50]
والأنبياء بقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ } [الأحزاب: 39] الإمام ابن حجر.
أخي في الله: أولئك هم أعلى الخلق في الخوف من الله تعالى، وتعال معي لأخبرك عن سر هذا الخوف!
"وإنما كان خوف المقربين أشد لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم، فيراعون تلك المنزلة، ولأن الواجب لله منه الشكر على المنزلة فيتضاعف بالنسبة لعلو تلك المنزلة". الإمام ابن حجر
وأنت أخي لك نصيبك من هذا الخوف.. تحسه في نفسك، وتلمسه بين جوانحك إن صدق إيمانك.. وعظم يقينك..
"فالعبد إن كان مستقيماً فخوفه من سوء العقاب لقوله تعالى: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الأنفال: 24]
أو نقصان الدرجة بالنسبة، وإن كان مائلاً فخوفه من سوء فعله، وينفعه ذلك مع الندم والإقلاع، فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد عليها وأن يُحرم التوبة، أولا يكون ممن شاء الله أن يغفر له، فهو مشفق من ذنبه طالب من ربه أن يدخله فيمن يغفر له". الإمام ابن حجر.
أخي المسلم: ألا أخبرك بأعجب أحوال الخائفين؟!
عساك أن تكون من هذا الفريق.. فيصلح قلبك.. وتهفو نفسك إلى بارئك.. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قالت عائشة أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟
قال: «لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم: أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون». رواه الترمذي وأحمد والحاكم.
أخي في الله: إملأ قلبك من الخوف منه تعالى.. يؤمنك مما تخاف.. ويختم لك بالحسنى عند آخر يوم المطاف..
فلا تكن أخي من اللاهين عن عظمة ملك الملوك.. قيَّام السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من مالك ومملوك.. قال الحسن البصري: "ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق".
ومن وصايا الفضيل بن عياض لهارون الرشيد: "يا أمير المؤمنين فرغ قلبك للحزن والخوف حتى يسكناه فيقطعاك عن معاصي الله ويباعداك من عذاب النار".
وقال ذو النون: "الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق".
وقال أبو سليمان الدارني: "ما فارق الخوف قلباً إلا خرب".
وقال إبراهيم بن سفيان: "إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها".
فخف الإله فإنه من خافه *** سكن الجنان مجاوراً رضوانا
ولمن عصى نار يقال لها لظى*** تشوي الوجوه وتحرق الأبدانا
تبكي وحق لنا البكا يا قومنا*** كي لا يؤاخذنا بما قد كسانا
وقال ابن المبارك: "من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصير ثم لا يبالي ولا يحزن عليه".
أخي المسلم: أرأيت كيف سهونا؟! أرأيت كيف غفلنا؟!
أرأيت كيف أمانينا؟!
أحاطت بنا المهالك ونحن غافلون.. وأطلّت علينا المخاوف ونحن في بحر الغواية سادرون.. لا عقل ينهى.. ولا قلب عن الغواية يلهى..
إلهي ما أعظم حلمك.. وما أوسع عفوك وصفحك.. {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } [فاطر: 45]
أخي: أقالني الله وإياك العثرات.. وأرخى علينا ستره في المحيا والممات.. فلتعلم أخي هديت وإياك إلى الصواب، إن خوف الله تعالى يتبين في سبعة أشياء:
أولها: في اللسان: فيمتنع اللسان عن الكذب والغيبة وكلام الفضول ويشتغل بذكر الله، وتلاوة القرآن ومذاكرة العلم.
ثانيها: في البطن: فلا يدخل البطن إلا طيب حلال، ويأكل من الحلال مقدار حاجته.
ثالثها: في البصر: فلا ينظر إلى الحرام ولا إلى الدنيا بعين الرغبة وإنما يكون نظره على وجه العبرة.
رابعها: في اليد: فلا تمتد اليد إلى الحرام لا تمتد إلا إلى ما فيه طاعة الله عز وجل.
خامسها: في الرجل: فلا تمشي في معصية الله تعالى.
سادسها: في القلب: فتخرج منه العداوة والبغضاء وحسد الإخوان وتدخل فيه النصيحة والشفقة على المسلمين.
سابعها: في الطاعة: أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، ويخاف عليها الرياء والنفاق.
فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال الله فيهم: {وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } وقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } نصر بن محمد السمرقندي.
أخي في الله: جعلني الله وإياك من الخائفين.. الخاشعين..
فهل علمت أخي إن الخوف: "من أجل منازل الطريق وأنفعها للقلب وهي فرض على كل أحد.. قال الله تعالى: { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] وقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة: 40] وقال: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } [المائدة: 44] ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } [المؤمنون: 57] إلى قوله: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [المؤمنون61] الإمام ابن القيم.
أخي: نور الله قلبي وقلبك بمعرفته تعالى، فالخوف أخي نور لقلبك به تبصر الخير والشر.
قال أبو حفص: "الخوف سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر".
أخي: وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله عز وجل فإنك إذا خفته هربت إليه". الإمام ابن القيم.
أحدث لربك توبة*** فسبيلها لك ممكن
واصرف هواك لخوفه*** مما تسر وتعلن
فكأن أهلك قد بكوا*** جزعاً عليك ورنوا
أخي المسلم: ألا أنفحك بنفحات الصالحين.. وأريج أولياء الله المتقين.. عسى النفس المفرطة أن تصحو.. عسى القلب المدل أن يقفو..
أخي: إنها زهرات أهديكها.. من بساتين العارفين.. ورياض الخائفين.. فمتع أخي ناظرك بهائها.. وسرح القلب في سنائها.. فهنالك ترتاح النفوس.. ويذهب البؤس..
أخي في الله: فهيا بنا إلى روضة الأرياض.. وشفاء المريض.. فتأمل معي: نبينا صلى الله عليه وسلم يخبر عنه من رآه يصلي: «وإن في صدره لأزيز كأزيز الرحى من البكاء». رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
وسألوه ذات مرة صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله قد شبت فقال: «شيبتني هود وأخواتها» رواه الترمذي.
وفي رواية: «شيبتني هود والواقعة والمرسلات وهم يتساءلون وإذا الشمس كورت».
أخي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان سيد الخائفين.. وأولى من خشي رب العالمين.. فضاهاه في ذلك أصحابه الميامين.. الذين كانوا من بعده أئمة الهدى والدين.. وسادة أولياء الله المتقين.. فعليهم من الله الرضوان إلى يوم الدين..
وهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه يقول: "والله لودت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد!"
وقال يوماً: "ليتني خضرة تأكلني الدواب".
وهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ يوماً تبنة من الأرض وقال: "يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئاً مذكوراً، يا ليتني كنت نسياً منسياً يا ليتني لم تلدني أمي".
وهذا عثمان بن عفان ذو النورين رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته
وقال: "لو أني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير".
وهذا أبو السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يبكي ويشتد خوفه من اثنين: طول الأمل واتباع الهوى ويقول: "فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق".
وهذا أبو عبيدة الجراح رضي الله عنه قال: "ودت أني كنت كبشاً فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي".
أخي المسلم: هداني الله وإياك إلى التمسك بهدي الصالحين..
والحشر في سوادهم يوم الدين.. أخي ليت شعري لا أدري كيف مشاعرك وأنت تتأمل معي هذه العظات البليغة.. والأوابد النادرة الفريدة؟!!
أخي: أترى أين ذهب قلبك وأنت تقف عند هذه المواعظ؟!!
أخي أتحسسته وأنت تقرأ ذلك؟!
وإذا تحسسته هل كان له وجيف أو خفقان؟
فإن كان أخي فأنت بخير.. وإلا أخي عليك بتأديبه بسياط الخائفين.. عساك أن تدرك ركبهم وإن فاتك أول الركب الميمون.
أخي في الله: أولئك النفر من الصحابة رضي الله عنهم بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فكانوا يمشون على الأرض والناس يعلمون أنه سيطأون بأرجلهم أرض الجنة.. ومع هذا فقد رأيت أخي حالهم وشدة خوفهم من الله تعالى.. فما أعجبها من أحوال تحرك القلوب الغافلة.. والنفوس الجافة.. فوآاه من هذه القلوب القاسية.. والأماني الكاذبة.
لا يذهبن بك الأمل *** حتى تقصر في العمل
إني أرى لك أن تكون*** من الفناء على وجل
أخي المسلم: أما أسقيك من هذه العين النضاحة.. لعلك أن تفيق على لذاتها فتستدرك فارط أمرك.
وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه كان يقول: "إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي: يا أبا الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟!
وهذا تميم الداري رضي الله عنه قرأ ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } جعل يرددها ويبكي حتى أصبح!
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟
فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي".
وهذا عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلىّ من أن أتصدق بألف دينار".
أخي في الله: كم كان الإمام ابن القيم صادقاً عندما قال: "والله سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن.
وقال أبو عثمان الجيزي: "من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو".
أخي المسلم: تلك هي الثمار الدانية.. والمحاسن الغالية.. ومازال أخي مركب الخائفين يسير.. ونفحهم يملأ الدنيا بالعبير.
فهذا إمام العارفين الحسن البصري: أتى بكوز من ماء ليفطر عليه، فلما أدناه إلى فيه بكى وقال: "ذكرت أمنية أهل النار وقولهم: { أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} [الأعراف: 50] وذكرت ما أجيبوا: { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } [الأعراف: 50]
وهذا طاوس كان يفرش له الفراش فيضطجع ويتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى ثم يثيب فيدرجه، ويستقبل القبلة حتى الصباح!
ويقول: طيّر ذكر جهنم نوم الخائفين.
وهذا سفيان الثوري كان ينهض من الليل مرعوباً ينادي: "النار النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات".
ولما حضرت مسعر بن كدام الوفاة دخل عليه سفيان الثوري فوجده جزعاً فقال له: لم تجزع؟ فوالله لودت أني مت الساعة
فقال مسعر: أقعدوني، فأعاد عليه سفيان الكلام
فقال: إنك إذاً لواثق بعملك يا سفيان، لكني والله لكأني على شاهق جبل لا أدري أين أهبط؟!
فبكى سفيان فقال: أنت أخوف لله عز وجل مني.
وقف قوم بعابد يبكي فقالوا: ما الذي يبكيك يرحمك الله؟
قال: قرحة يجدها الخائفون في قلوبهم
قالوا: وما هي؟
قال: روعة النداء بالعرض على الله عز وجل.
أخي في الله: فلتخف الله تعالى خوف المؤمنين الصادقين.. واعلم أخي إن بأس الله لا يطاق.. وإن عذابه أليم شديد.. ولكن أخي لا تيأسن من رحمة الله ورجائه.. فلتخف الله خوفاً ممزوجاً بالرجاء وإذا رجوته أخي فامزج رجاءك بالخوف..
أخي: أما رأيت كيف مدح الله تعالى زكريا عليه الصلاة والسلام وأهل بيته فقال: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]
(رغباً): إنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله..
(رهباً): يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه بتركهم عبادته وركوبهم معصيته.
ليس يرجو الله إلا خائف *** من رجا خاف ومن خاف رجا
أخي المسلم: ما أحلى الرجاء مع الخوف.. فإن نار الخوف لا يخف حرها إلا الرجاء.
الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة، ويطيب لها السير.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إن أكبر آية في القرآن فرجاً آية في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
أخي في الله: أتدري ما هو الرجاء؟
الرجاء أخي هو: حسن الظن بالله تعالى، وليس الرجاء بالأماني والظن الحسن بدون عمل صالح!
وإن شئت أخي فاسمع كلام الإمام ابن القيم يخبرك عن حقيقة الرجاء، قال: "وحسن الظن هو الرجاء فمن كان رجاؤه هادياً له إلى الطاعة وزاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاءً ورجاؤه بطالة وتفريطاً فهو المغرور".
ثم أخي لا أزال وإياك مع الإمام ابن القيم وهو يعرفنا بحقيقة الرجاء.. يقول: "وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ } [البقرة: 218] فتأمل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه الطاعات؟
وقال المغترون: إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لأوامره الباغين على عباده المتجرئين على محارمه أولئك يرجون رحمة الله"!!
أيا عجباً للناس في طول ما سهوا *** وفي طول ما اغتروا وفي طول ما لهوا
يقولون نرجوا الله ثم افتروا به*** كزاد الذين استعصموا الله واتقوا
أخي المسلم: الرجاء سلم الخائفين.. وظل الخاشعين.. وأمنة التائبين.. لامكان في دوحه للمذنبي المغترين..
أخي: وها هو موكب الخائفين يمر علينا في حدائق الراجين، امتلأت نفوسهم بالرجاء وما أهنأهم بالإقالة يوم اللقاء..
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟».
قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف». رواه الترمذي.
أخي في الله: فليحسن رجاؤك بالله تعالى، مع حسن العمل.
وليحسن أخي رجاؤك لأخوانك المسلمين، أن يتجاوزوا عن خطاياهم.. وينفعهم بحسن الرجاء يوم يلقاهم..
قال ابن عون: "ما رأيت أحداً أعظم رجاء للموحدين من محمد ابن سيرين".
وقال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً.
قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.
إذا أمسى فراشي من تراب *** وصرت مجاور الرب الرحيم
فهنوني أحبائي وقولوا *** لك البشرى قدمت على كريم
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل». رواه مسلم.
أخي المسلم: حفظني الله وإياك من كل سوء وهدى قلبي وقلبك إلى الحق.
أخي: "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر".. الإمام ابن القيم
أتيتك راجياً يا ذالجلال *** فرج ما ترى من سوء حالي
إلى من يشتكي المملوك إلا *** إلى مولاه يا مولى الموالي
وها أنا ذا عبيدك عبد سوء *** بابك واقف يا ذالجلال
فإن عاقبت يا ربي فإني *** محق بالعذاب وبالنكال
وإن تعفو فعفوك أرتجيه *** ويحسن إن عفوت قبيح حالي
أخي المسلم: كم من هذه النفس محبة للآمال والرخص العريضة.. سرورها في الكسل والأماني الرخيصة.. وها أنا أخي أدلك على علامات الطريق وأرشدك إلى ملاك الأمر فاستعصم به أخي تفز..
قال مالك بن دينار: "إذا عرف الرجل من نفسه علامة الخوف وعلامة الرجاء فقد تمسك بالأمر الوثيق
أما علامة الخوف: فاجتناب ما نهى الله عنه..
وأما علامة الرجاء: فالعمل بما أمر الله به".
فاجمع أخي الهمة.. وكن من هؤلاء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } [الإسراء: 57]
أزهري أحمد محمود