خطبة لما بعد عيد الفطر
أما بعد أيها الناس :
فإن من أعظم نعم الله عليكم يا أمة الإسلام أن هداكم إلى دينه دين الإسلام وأن بلغكم شهر الصيام والقيام وأخَّركم حتى عشتم ذلك الشهر الكريم وأدركتم تلكم الأيام
وماهي إلا أيام معدودة وساعات محدودة حتى انتهى ذلك الشهر العظيم وودعه الجميع ما بين مجتهد تقلب فيه في صنوف الطاعات وأنواع القربات، ومفرِّط أضاع الساعات وقطع الأوقات
وانقضى الشهر المبارك وانصرمت تلك الأيام والليالي الحافلة بالذكر والطاعة والصيام والقيام والقرآن والدعاء ، فما إن يأتي هزيع الليل إلا وترنّ جنبات البلاد وتتعالى أصوات العباد بالتلاوة والصلاة كلهم يدعو ربه ، كلهم يخشى ذنبه ، كلهم يعلنها توبة صادقة وأوبة
يا لها من ليالٍ عظام مليئة بالخير والصلاح طالما تاقت لها نفوس صالحة وطالما حزنت على فراقها ووداعها
ثم أتى العيد ليعلن للناس أن سفينة الزمن ستمضي إلى سبيلها وأنها ستقطع مشوار رحلتها حتى تستكملها
أتى العيد وأتى معه بالفرح والسرور ليعم الصغير والكبير ، ففيه يجتمع الأحباب ويلتقي الأصحاب يسلم بعضهم على بعض فيعلنون الصفاء والوفاء ويزيلون الغل ويدحرون الشيطان ، فالعيد شعارٌ من شعارات أهل الإسلام ويومٌ من أعظم أيامهم فلقد قدم نبينا صلى الله عليه وسلم ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال : قدمتُ المدينة ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم النحر ويوم الفطر
فلنعتز بشعائر الله ولنفرح بهذا اليوم الذي اختاره الله لنا عيداً
أيها المسلمون :
هذا الفرح وذلك السرور يجب أن يكون محدوداً بحدود الله مقيداً بشرعه مقتصراً على ما أحله بعيداً عما حرمه ونهى عنه
فيتواصل المسلمون ويأنس بعضهم ببعض ويتمتعون بطيبات ما أحله الله لهم لا يزيدون على ذلك شيئاً ، أما الاجتماع على الطرب والغناء أو المشاركة في الاحتفالات المختلطة فما هو من فعل الشاكرين ولا دأب الصالحين
فاحذروا يا رعاكم الله من المشاركة فيها فهي من الإثم والعدوان الذي يجب اجتنابه
واحرصوا على مراقبة أبنائكم وبناتكم من الخروج إلى الأماكن غير المناسبة فإن الشباب وقتٌ حافل بالإغراءات وإن أولادكم وبناتكم مسئولية عظيمة وأنتم رعاتهم وأولياؤهم، وإهمالهم غش لهم وذلك أمر عظيم كما في الحديث المتفق عليه "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة" وفي رواية "فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة"
إخوة الإسلام :
نعم جاء العيد ليعلن توديع ذلك الشهر السعيد والذي شمر فيه المجدون عن سواعدهم وتأهبوا لطاعة ربهم فياليت شعري من المقبول فنهنيه ومن البائس المردود فنعزيه ؟؟
يا ليت شعري بماذا سنعقب ذلك الشهر الكريم ؟ أبالمداومة والاستمرار أم بالرجوع إلى الأدبار ؟ اللهم تداركنا برحمتك ومغفرتك يا غفار
ولقد قرت أعين المؤمنين بحمد الله بتلك الجموع وهي تتدفق إلى بيوت الله لتؤدي فرائضه وتحوز على مراضيه ، فترى الصفوف تتلو الصفوف تكبر راكعة ساجدة لربها تعالى فلو رأيتهم وسمعتهم يؤمنون تأمينا ترتج له جنبات المسجد خشوعاً وإنابة، لرأيت من ذلك عجبا يفرح القلب ويسر الفؤاد ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
ثم إنها رسالة موعظة ونصيحة أوجهها لمن هجر الجماعة بعد رمضان ، أقول له : أيها المسلم ، يا عبد الله ، يا أخي في الله : ها أنت قد صليت في رمضان فهل رأيت الصلاة أمراً شاقاً ؟ أم هل وجدتها عبئاً ثقيلاً ؟
فاتق الله في نفسك واعلم أنما هما طريقان أمامك : طريق أهل الخير المطيعين للرحمن، وطريق أهل الشر المطيعين للشيطان .. فأيهما أحب إليك ؟
فأجب أيها المسلم داعي وأطع أمره وعص عدوك وعدوه ..
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ}
ويا أيها المجتهد في رمضان لا تظن الاجتهاد موقوفاً عليه ، بل إن الصالحين في سباق دائم إلى الخيرات ، وهاهي أبواب الخير مفتوحة في كل آن "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولأن استعاذني لاعيذنه".
لئن انقضي قيام رمضان فإن قيام الليل مشروعٌ في كل ليلة ، فالله ينزل آخرَ كل ليلة فيقول من يدعوني فاستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفر لي فاغفر له "
هذا الوتر سنةٌ مؤكدة أكثره إحدى عشرة ركعة وأقله ركعةٌ واحدة لا ينبغي للمسلم تركه ، قال إمام أهل السنة والجماعة الأمام أحمد بن حنبل رحمه الله : من ترك الوتر فهو رجل سوء لا تنبغي أن تقبل له شهادة .
وهذه السنن الرواتب من حافظ عليها بُني له بيتٌ في الجنة .
وهذا صيام النوافل يعدل عند الله شيئاً عظيماً ، ففي الحديث المتفق عليه : "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله".
وفي هذه الأيام بالذات – أعني أيام شهر شوال – يسنُّ صيام ستة أيام من شوال، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم : "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر"
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم
أقول قولي هذا …
الخطبة الثانية
أما بعد أيها المسلمون :
فبالسلام واللقاء وبالود والصفاء وبالفرحة والسرور والبهجة والحبور ، يتذكر المؤمن لقاء الله الأعظم يوم تفتح الجنان ويقال لأولياء الرحمن : ادخلوها بسلام آمنين فيدخل الطائعون في رحمة ربهم فيسلم الله عليم : "سلام قولاً من رب رحيم".
ثم يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم فيقولون ألم تبيِّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم ، وينادي مناد : إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ً" .
{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ( 68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ}
ألا هل من مشمر للجنة ؟ ألا هل من مشمر للجنة ؟
قولوا إن شاء الله : نحن المشمرون لها
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا
الله أعز الإسلام والمسلمين