السؤال س : أستفتيكم بإذن الله في موضوع قد عرض لي في برنامج طبي كنت أستمع إليه ، وهو : هل يجوز للمريض الذي لا يرجى أمل في شفائه أن يطلب الموت ، وهل يلبى طلبه تخفيفا من الألم الذي يتعرض له ؟ وقد قال المتحدث : إن مريض السرطان مثلا الذي لا يرجى شفاؤه من الأفضل له أن يموت ، فهل يجوز أن يلبى طلب المريض ونقتله تخفيفا من ألمه وعذابه المستمر ؟ وقد تكلم المتحدث عن كتاب يسمى : (الحقوق) ، فقال : إن من حق الإنسان أن يحدد متى تنتهي حياته إذا كان في حياته تعذيب وألم له ولغيره ، فما رأي الدين في هذا الأمر ؟ جزاكم الله خيرا .
الجواب الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد.
فيحرم على المريض أن يستعجل موته سواء بطريق الانتحار أو بتعاطي أدوية لقتل نفسه ، كما يحرم على الطبيب أو الممرض أو غيره أن يلبي طلبه ، ولو كان مرضه لا يرجى برؤه ، ومن أعانه على ذلك فقد اشترك معه في الإثم ؛ لأنه تسبب في قتل نفس معصومة عمدا بلا حق ، وقد دلت النصوص الصريحة على تحريم قتل النفس بغير حق ، قال الله تعالى : سورة الأنعام الآية 151 وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.
وقال تعالى : سورة النساء الآية 29 وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ الَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا سورة النساء الآية 30 وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الَّهِ يَسِيرًا .
وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : رواه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – : أحمد 2 / 254 ، 478 ، 488 – 489 ، والبخاري 7 / 32 ، ومسلم 1 / 103 – 104 برقم ( 109 ) والفظ له ، وأبو داود 4 / 204 برقم ( 3872 ) بعضه ، والترمذي 4 / 386 برقم ( 2043 ، 2044 ) ، والنسائي 4 / 67 برقم ( 1965 ) ، وابن ماجه 2 / 1145 برقم ( 3460 ) بعضه من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا متفق عليه .
وعن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : صحيح البخاري الأدب (6047) ، صحيح مسلم الإيمان (110) ، سن النسائي الأيمان والنذور (3770) ، سن أبو داود الأيمان والنذور (3257). من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة رواه الجماعة ، وعن جندب بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3463) ، صحيح مسلم الإيمان (113). كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات ، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة متفق عليه ، وهذا لفظ البخاري .
ولهذا نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يتمنى الإنسان الموت لضر أصابه ، في حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أحمد 3 / 104 ، 171 ، 195 ، 208 ، 247 ، 281 ، والبخاري 7 / 10 ، 155 ومسلم 4 / 2064 برقم (2680) ، وأبو داود 3 / 480 ، 481 برقم (3108 ، 3109 ) ، والترمذي 3 / 302 برقم (971) ، والنسائي في (السن) 4 / 3 برقم (1820 ، 1821 ) وفي (عمل اليوم واليلة) ص / 574 ، 575 ، برقم (1057 ، 1059 ، 1061 ) ، وابن ماجة 2 / 1443 برقم (4265) . لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه ، فإن كان لا بد فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي أخرجه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ البخاري ، وأخرج البخاري أيضا بلفظ آخر من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : صحيح البخاري المرضى (5673). لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب.
فإذا كان الإنسان منهيا عن مجرد تمني الموت وسؤال الله ذلك ، فإن إقدام الإنسان على قتل نفسه أو المشاركة في ذلك تعد لحدود الله وانتهاك لحرماته ؛ لأن فعل ذلك ينافي الصبر على أقدار الله ، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره ، وجزع من ذلك الذي اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر امتحانا واختبارا لعباده ، قال تعالى : سورة الأنبياء الآية 35 وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ وقد يبتلي الله بعض عباده بالمرض ، وهو الحكيم فيما يفعل ، العليم بما يصلح عباده ، ويكون في ذلك خير له وزيادة في حسناته وقوة في إيمانه ، وقرب من الله سبحانه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله سبحانه وتوكله عليه ودعائه له ، فينبغي للإنسا إذا أصيب بأحد الأمراض : أن يحتسب الأجر في ذلك ويصبر على ما أصابه من البلاء ، فإن من أنواع الصبر ، الصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه ، وزيادة حسناته ورفع درجاته في الآخرة ، ويدل لذلك ما رواه صهيب – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : صحيح مسلم الزهد والرقائق (2999) ، مسند أحمد بن حنبل (4/332) ، سن الدارمي الرقاق (2777). عجبت من أمر المؤمن ، إن أمر المؤمن كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤن ، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير ، وإن أصابته ضراء فصبر فكان ذلك له خير . أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه) ، والإمام أحمد في (المسند) ، وهذا لفظ الإمام أحمد .
وقوله تعالى : سورة الحج الآية 35 وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وقوله تعالى : سورة البقرة الآية 155 وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ سورة البقرة الآية 156 الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وقوله تعالى : سورة الأحزاب الآية 35 وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ إلى قوله تعالى : سورة الأحزاب الآية 35 أَعَدَّ الَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا وما رواه أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : سن الترمذي الزهد (2396). إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط أخرجه الإمام الترمذي في (جامعه) ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وما رواه مصعب بن سعد عن أبيه – رضي الله عنهما – قال : أحمد 1 / 172 ، 174 ، 180 ، 185 ، والترمذي 4 / 601 – 602 برقم ( 2398 ) ، وابن ماجه 2 / 1334 برقم ( 4033 ) ، والدارمي 2 / 320 ، وابن أبي شيبة 3 / 233 ، وأبو يعلى 2 / 143 برقم ( 830 ) ، والطيالسي 1 / 174 برقم ( 212 ) ت : محمد التركي ، وابن حبان 7 / 160 ، 161 ، 184 برقم ( 2900 ، 2901 ،2920 ، 2921 ) ، والبزار ( البحر الزخار ) 3 / 349 ، 353 برقم ( 1150 ، 1154 ، 1155 ) ، والحاكم 1 / 41 ، والدورقي في ( مسند سعد بن أبي وقاص ) ص / 87 ، 89 برقم ( 41 ، 42 ) ، والبيهقي في ( السن ) 3 / 372 – 373 ، وفي ( الشعب ) 17 / 286 برقم ( 9318 ) ط : الهند ، والبغوي 5 / 244 برقم ( 1443 ) قلت : يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة شد عليه في البلاء ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .
وما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : سن الترمذي الزهد (2399) ، مسند أحمد بن حنبل (2/450). ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة أخرجه الترمذي .
وعلى ذلك يحرم على الإنسان المبتلى بأحد الأمراض أن يسعى في قتل نفسه ؛ لأن حياته ليست ملكا له ، وإنما هي ملك لله الذي قدر الأقدار والآجال ؛ ولأن العبد . بموته تنقطع أعماله ، وحياة المؤمن التي يعيشها يرجى له خير منها ، فلعله أن يتوب إلى الله سبحانه مما مضى من ذنوبه ، ويتزود من الأعمال الصالحات من صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر ودعاء لله سبحانه وقراءة قرآن ، فيرتقي بذلك أعلى الدرجات عند الله ، كما أن المريض يكتب له أجر ما كان يعمله في زمن صحته ، كما ثبت بذلك الأحاديث الصحيحة .
أما أولئك الذين يرون أن يلبى طلب المريض في قتل نفسه ويعينونه على ذلك من أطباء وغيرهم – فإنهم آثمون بذلك ، ونظرتهم قاصرة ، ويدل ذلك على جهلهم ؛ لأنهم ينظرون إلى حياة الإنسان وبقائه من جهة أن يكون ذا قوة حيوانية ذا سلطة وأشر وبطر ، ولا ينظرون من حياته أن يكون متصلا بربه متزودا بالأعمال الصالحة ، قد رق قلبه لله وخضع واستكان وتضرع بين يديه سبحانه وتعالى ، فكان أحب وأقرب إلى الله ممن تجبر وطغى واستغل قوته الحيوانية فيما يغضب الله . كما أن الله سبحانه قادر على شفائه وما يكون اليوم مستحيلا في نظر البشر قد يكون ميسورا علاجه مستقبلا بقدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس عبد العزيز آل الشيخ
عضو صالح الفوزان
عضو عبد الله بن غديان
عضو بكر أبو زيد