الحمد لله الواحد القهار، الحميد الغفار، أجاد علينا من فضله المدرار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة إقرار، وعملٍ بالجوارح بلا إنكار، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما نفح روضٌ معطار، وسح صوب أمطار، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم القرار.
وبعد:
فإن من نعم الله تعالى وكرمه على عباده أن يرسل السماء لهم بالأمطار، ويطرح فيها البركة ويجري الأنهار، لأن المطر قطر فماء، والماء حياة، {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون}، لذا امتن الله على عباده بهذه النعمة فقال تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}، ولأن المطر رحمة، وقد سماه الله بذلك فقال: {وينشر رحمته}، وقال تعالى، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}، أي: بين يدي المطر، فلله المنة والفضل والحمد أولاً وآخراً.
وإن من حسنات الصيب النافع أنه يجدد للناس الجو، وينظفه من الأمراض والأوبئة، كما إنه يجدد للنفوس راحتها وأنسها، لذلك نرى السعادة والسرور تغمران وجوه الناس بعد هطول الغيث، كأنما أعطي كل واحد مبلغاً من المال ينسيه الغيث همومه وغمومه، وترى الصغار يتنادون للعب فرحاً وبهجة به، فما أكرم الله على عباده، وإن كانوا من قبله لمبلسين، قال تعالى: {اللهُ الَّذِي يُرسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيبسُطهُ فِي السَّماءِ كَيفَ يَشاَء وَيَجعَلُهُ كِسفَاً فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِه فَإِذا أَصابَ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبَادِهِ إِذَا هُم يَستَبشِرُون، وَإِن كَانُوا مِن قَبل أَن يُنزَّلَ عَلَيهِم مِن قَبلِهِ لمَبُلسِين}، أي يائسين مكتئبين قد ظهر الحزن عليهم والقنوط لاحتباس المطر عنهم، فنسأل الله تعالى أن يجعله صيباً نافعاً.
وبما أننا نعيش موسم الأمطار، ونتوسل إلى الله بنزولها، ونستسقيه بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنني لا حظت أن الكثير من الناس يدعون الله ببعض الأدعية الواردة في ذلك أو يؤمنون من غير وعي وفهم لمعاني ألفاظ دعاء الاستسقاء الواردة، بل يفوت الكثير من الخطباء والأئمة، وطلاب العلم معانيها، ويدعون بما اعتادوه من غير محاولة منهم لفهم المعاني، والغوص فيها، والبحث عنها.
وقد عُرِفت بعض ألفاظ دعاء الاستسقاء بالعمق والصعوبة، والبلاغة والغرابة، يعسر فهمها عند العوام، بل أحياناً عند بعض طلاب العلم خاصة صفات المطر كالغدق، والمربع، والمجلل، والسح…
ومن المقرر في الشرع أن من أسباب إجابة الدعاء فهم الداعي ما يقوله وما يدعو ربه به، ومن هذا المعنى قول عمر رضي الله عنه: "لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء".
ومن هنا جاءت الفكرة للوقوف مع الألفاظ الواردة في دعاء الاستسقاء، وجمعها برواياتها وبيان معانياها وشرحها، فأصبح البحث مرتعاً خصيباً، وطبقاً ربيعاً، ومجللاً مريعا، أصابه وابل مغزور من غيث كلام العلماء والشراح وأهل اللغة، فأسأل الله تعالى أن ينفع به ويبقيه، وأن يُونِق قارئه، فَيَسِحُّ سحاً إلى فؤاده الرحب، فيغرز به، ومن ثم يستسيغه هنيئا مريئا، وقد جاء هذا البحث البسيط مقسماً إلى ثلاثة أقسام:
الأول: سرد الأحاديث الواردة في الباب، وقد حرصت على الألفاظ المشهورة، مع بيان موجز لدرجة الحديث من خلال كلام أهل الشأن، وقد تعمدت إيراد بعض الأحاديث الضعيفة لبيان معاني ألفاظها لا للاحتجاج بها.
الثاني: بيان معاني صفات المطر كما جاءت في السنة كالغدق والصيب والسح والمجلل والمربع…، وقد وصلت بعد جمع الروايات إلى 47 صفة منها الثابت، ومنها الضعيف.
الثالث: بيان معاني الدعاء، من خلال كلام الشراح وأهل اللغة في كتبهم.
فالقسم الأول: سرد الأحاديث الواردة في الباب:
1- روى البخاري ومسلم من حديث أنس في استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة أنه قال: قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه فقال "اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا"، وفي رواية (أغثنا) بدل اسقنا، وقال في الاستصحاء: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر".
2- روى أبو داود وابن خزيمة والحاكم عن" جابر بن عبد الله قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً"، (وفي رواية مريَّاً) "مريعاً نافعاً غير ضار عاجلا غير آجل، قال: فأطبقت عليهم السماء".
قال الحافظ: "وقد أعله الدار قطني في العلل بالإرسال وقال: رواية من قال عن يزيد الفقير من غير ذكر جابر أشبه بالصواب وكذا قال أحمد بن حنبل"، وفي العلل قال عبد الله بن الإمام أحمد: فحدثت بهذا الحديث أبي فقال أبي أعطانا محمد بن عبيد كتابه عن مسعر فنسخناه ولم يكن هذا الحديث فيه ليس هذا بشيء كأنه أنكره من حديث محمد بن عبيد (5531) قال أبي وحدثناه يعلى أخو محمد قال حدثنا مسعر عن يزيد الفقير مرسلا ولم يقل بواكي خالفه)، وقال النووي (صحيح على شرط مسلم)، قال ابن عبد البر (وأحسن شيء روي في الدعاء في الاستسقاء مرفوعا)، وصححه الألباني
3- وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل . فصعد المنبر فحمد الله ثم قال "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً طبقاً مريعاً غدقاً عاجلاً غير رائثٍٍ" ثم نزل . فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا)، وهذا الحديث فيه حبيب بن أبي ثابت، قال البخاري: سمع ابن عمر، وابن عباس، ووثقه يحيى بن معين، وقال الأزدي ثقة صدوق، وقال العجلي: كان ثقة ثبتا في الحديث سمع من ابن عمر غير شيء ومن ابن عباس، قال الذهبي: (واحتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد). ولكن حبيب موصوف بالتدليس كما قال ابن حبان والدر اقطني وابن خزيمة، والأشبه عندي في هذا الحديث أنه مرسل؛ لأن ابن أبي شيبة رواه عن حسين بن علي عن زائدة عن حصين عن حبيب بن أبي ثابت مرسلاً، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره…
4- وروى أحمد في مسنده وابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى: عن شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب بن مرة أو مرة بن كعب حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا على مضر فأتيته فقلت يا رسول الله إن الله قد أعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم فقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مرياً مريعاً غدقاً طبقاً عاجلاً غير رائثٍ نافعاً غير ضار فما كانت إلا جمعة أو نحوها حتى سقوا) ورواه الحاكم في المستدرك، وقال: « هذا حديث صحيح إسناده على شرط الشيخين بهز بن أسد العمي الثقة الثبت قد رواه، عن شعبة بإسناده، عن مرة بن كعب، ولم يشك فيه، ومرة بن كعب البهزي صحابي مشهور »، وصححه الألباني.
5- وروى البيهقي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت) ورواه مالك مرسلاً، والحديث مداره على يحيى بن سعيد واختلف في وصله وإرساله، قال ابن البر في التمهيد: هكذا رواه مالك عن يحيى عن عمرو بن شعيب مرسلا وتابعه جماعة على إرساله منهم المعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن مسلم، فرووه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب مرسلا، ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا منهم حفص بن غياث، والثوري وعبد الرحيم بن سليمان وسلام أبو المنذر)، ورجح أبو حاتم إرساله كما يقول الحافظ، وقال النووي في الأذكار، وإسناده صحيح، والحديث حسنه الألباني.
6- وروى أيضاً: عن عبد الله بن جراد : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريا توسع به لعبادك تغرز به الضرع وتحيي به الزرع) رواه البيهقي في الكبرى، وإسناده ضعيف جدا كما قال الحافظ ابن حجر.
7- وأما حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً غدقاً مجللاً سحاً طبقاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً) فقد قال الحافظ ابن حجر في التلخيص "هذا الحديث ذكره الشافعي في الأم تعليقاً، فقال: وروي عن سالم عن أبيه فذكره وزاد بعد قوله مجللا: عاما وزاد بعد قوله والبلاد "والبهائم والخلق" والباقي مثله سواء ولم نقف له على إسناد ولا وصله البيهقي في مصنفاته، بل رواه في المعرفة من طريق الشافعي، قال: ويروى عن سالم به، ثم قال: وقد روينا بعضه هذه الألفاظ وبعض معانيها في حديث أنس بن مالك، وفي حديث جابر وفي حديث عبد الله بن جراد وفي حديث كعب بن مرة وفي حديث غيرهم ثم ساقها بأسانيده)، وقد اعتنى فقهاء الشافعية بحديث ابن عمر الذي ذكره الشافعي، فشرحوه وبينوا ألفاظه كما سترى بإذن الله.
8- روى ابن سعد في الطبقات عن أبي وجزة السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر ثم دعا: اللهم اسق بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا طبقًا واسعًا عاجلاً غير آجل نافعًا غير ضار اللهم اسقنا سُقْيا رحمةٍ لا سُقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء) ورواه والبيهقي في الدلائل، ولكن قال أبي وجزة السلمي، قال ابن حجر في الإصابة، "وهذا مرسل. وأبو وجزة تابعي مشهور بالسعدي".
9- اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا عاجلاً غير رائث نافعًا غير ضار سُقْيا رحمة لا سُقْيا عذاب ولا هدم ولا غرق اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء)، قال الحافظ في الإصابة (2/222 ، ترجمة 2135 خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر: (ذكره ابن شاهين من طريق المدائنى عن أبى معشر عن يزيد بن رومان قال : قدم خارجة بن حصن وجماعة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فشكوا الجدب والجهد وقالوا : اشفع لنا إلى ربك . فقال : اللهم اسقنا …) الحديث .
10- روى أبو عوانة في مستخرجه عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فصلى بنا ركعتين، ثم قلب رداءه، ورفع يديه فقال: اللهم ضاحت جبالنا، واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، معطي الخيرات من أماكنها، ومنزل الرحمة من معادنها، مجري البركات على أهلها بالغيث المغيث، أنت المستغفر الغفار فنستغفرك للحامات من ذنوبنا، ونتوب إليك من عوام خطايانا، اللهم فأرسل السماء علينا مدرارًا، وصل بالغيث واكفًا من تحت عرشك حيث يسقينا، ويعود علينا غيثًا مغيثًا عامًا طبقًا مجللاً غدقًا خصيبًا رايعًا ممرع النبات)، وفيه المسيب بن شريك ضعيف جداً، بل أجمعوا على ترك حديث، ضعفه البخاري، وقال أحمد: متروك…
11- وروى ابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: قحط الناس على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد معتماً بعمامة سوداء قد أرخى طرفها بين يديه، والآخر بين منكبيه، متكئاً قوساً عربية، فاستقبل القبلة فكبر وصلى بأصحابه ركعتين جهر فيهما بالقراءة، قرأ في الأولى:{إذا الشمس كورت}، والثانية: {والضحى}، ثم قلب رداءه لتنقلب السنة، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم رفع يديه، فقال: اللهم ضاحت بلادنا، وأجدبت أرضنا، وهامت دوابنا، اللهم منزل البركات من أماكنها، وناشر الرحمة من معادنها بالغيث المغيث، أنت المستغفر للآثام، فنستغفرك للحامات من ذنوبنا، ونتوب إليك من عظيم خطايانا، اللهم أرسل السماء علينا مدراراً واكفاً مغزوراً من تحت عرشك من حيث ينفعنا غيثاً مغيثاً دارعاً رايعاً ممرعاً طبقاً غدقاً خصباً تسرع لنا به النبات، وتكثر لنا به البركات، وتقبل به الخيرات، اللهم إنك قلت في كتابك {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، اللهم فلا حياة لشيء خلق من الماء إلا بالماء، اللهم قنط الناس أو من قنط منهم وساء ظنهم، وهامت بهائمهم، وعجت عجيج الثكلى على أولادها إذ حبست عنا قطر السماء فدقت لذلك عظمها، وذهب لحمها، وذاب شحمها، اللهم ارحم أنين الآنة، وحنين الحانة، ومن لا يحمل رزقه غيرك، اللهم ارحم البهائم الحائمة والأنعام السائمة، والأطفال الصائمة، اللهم ارحم المشايخ الركع، والأطفال الرضع والبهائم الرتع، اللهم زدنا قوة إلى قوتنا ولا تردنا محرومين إنك سميع الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين، فما فرغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى جادت السماء حتى هم كل رجل منهم كيف ينصرف إلى منزله فعاشت البهائم، وأخصبت الأرض، وعاش الناس كل ذلك ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
12- وعن أنس بن مالك قال: أمحل الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه المسلمون، فقالوا: يا رسول الله قحط المطر، ويبس الشجر، وهلكت المواشي، وأسنت الناس فاستسق لنا ربك، فقال: إذا كان يوم كذا وكذا فاخرجوا، واخرجوا معكم بصدقات، فلما كان ذلك اليوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يمشي ويمشون، وعليهم السكينة والوقار، حتى أتى المصلى، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية، فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه، وقلب رداءه، ثم جثا على ركبتيه، ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي، ثم قال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً رحباً ربيعاً وجداً غدقاً طبقاً مغدقاً هنيئاً مريعاً مربعاً وابلاً شاملاً مسبلاً نجلاً دائماً درراً نافعاً غير ضار عاجلاً غير رائث، اللهم تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد، اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سَكَنَها، اللهم أنزل علينا من السماء ماءً طهوراً فأحي به بلدة ميتة، واسقه ما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً، قال: فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب، فالتأم بعضه إلى بعض، ثم مطرت عليهم سبعة أيام ولياليهن لا تقلع عن المدينة)، رواه الطبراني في الأوسط والدعاء، قال الهيثمي في مجمع الزوائد "وفيه مجاشع بن عمرو قال ابن معين: قد رأيته أحد الكذابين"، قلت وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.
13- وعن جابر بن عبد الله وأنس قالا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال اللهم اسقنا سقيا وادعة نافعة تشبع بها الأموال والأنفس غيثاً هنيئاً مرئياً طبقاً مجللاً يتسع به بادينا وحاضرنا، تنزل به من بركات السماء، وتخرج لنا به من بركات الأرض، وتجعلنا عنده من الشاكرين إنك سميع الدعاء). رواه الطبراني في الأوسط، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم الحارث التيمي وهو ضعيف.
الثاني: بيان معاني صفات المطر كما جاءت في السنة كالدق والصيب والسح والمجلل والمربع…
1-قوله: (غيثاً): الغَيْثُ المطر والكَلأُ، وقيل الأَصلُ المطر، ثم سُمِّي ما يَنْبُتُ به غَيْثاً( ).
2-قوله: (مُغِيثًا): بِضَمِّ أَوَّله أَيْ مُعِينًا مِنْ الْإِغَاثَة بِمَعْنَى الْإِعَانَة( )، وقيل: أي مشبعاً، وقيل: منقذا من الشدة( ).
3-قوله: (اللهم صيباً): بتشديد الياء والصيب هو المطر كما فسره ابن عباس، وقيل المطر الشديد الذي يصوب أي ينزل ويقع، وقيل الصيب السحاب، وفي رواية (سيباً) بالسين مبدلة من الصاد، وقيل: (سيباً) بمعنى العطاء؛ لأن العطاء يعم المطر وغيره من أنواع الخير والرحمة وَْمُنَاسَبَة وصف الصيب وتقييده بالنافع؛ لأَنَّ الصَّيِّب لَمَّا جَرَى ذِكْره فِي الْقُرْآن قُرِنَ بِأَحْوَالٍ مَكْرُوهَة ، فوُصِفَ في الحديث بِالنَّفْعِ احترازاً عن النوع الآخر من الصيب وهو الضار( ).
4-قوله: (نَافِعًا): أَيْ: شَافِيًا لِلْقَلِيلِ، وَمُزِيلًا لِلْعَطَشِ، وهي صِفَة لِلصَّيِّبِ( ) وَكَأَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهَا عَنْ الصَّيِّب الضَّارّ .
5-قَوْله: (مَرِيئًا): بِفَتْحِ الْمِيم وَالْمَدّ وَيَجُوز إِدْغَامه أَيْ: هَنِيئًا مَحْمُود الْعَاقِبَة، لَا ضَرَر فِيهِ مِنْ الْغَرَق وَالْهَدْم، يقال مَرَأَني الطعامُ وأَمْرَأَني إِذا لم يَثْقُل على المَعِدة وانْحَدَر عنها طَيِّباً( ).
6-قَوْله: (مريعاً): مَرِيعًا بِفَتْحِ الْمِيم وَبِضَمٍّ أَيْ كَثِيرًا، مِنْ الْمَرَاعَة وَهُوَ الْخِصْب يُقَال مِنْهُ أَمْرَعَ الْمَكَان إِذَا أَخْصَبَ، أي: صارت الأرض كثيرة الماء والنبات، وغَيْث مَرِيع لم يُجَدَّعْ نَباتُه أَي لم ينقطع عنه المطر.
7-ويروى (رايعاً): وهو بمعنى مريعاً، ويحتمل من الريع: والرَّيْع النَّماء والزيادة، والعَوْدُ والرُّجوع( )، فيكون المعنى مطراً ينمو ويزيد، ويتكرر ويعود، والله أعلم.
8-ويروى (مُمْرِع النبات): المُمْرِعةُ الأَرض: المُعْشِبةُ المُكْلِئةُ، وقد أَمْرَعَت الأَرضُ إِذا شَبِعَ غنمها، وأَمْرَعَتْ إِذا أَكْلأَتْ في الشجر والبقل، ولا يزال يقال لها مُمْرِعةٌ ما دامت مُكْلِئةً من الربيع واليَبِيسِ، وأمرعت الأَرضُ إِذا أَعْشَبَتْ، وغَيْثٌ مَرِيعٌ ومِمْراعٌ تُمْرِعُ عنه الأَرضُ.
9-وَيُرْوَى (مُرْبَعًا): بِالْبَاءِ بِضَمِّ الْمِيم أَيْ مَنْبَتًا لِلرَّبِيعِ المغني عن الارتياد لعمومه والناس يربعون حيث شاؤوا ولا يحتاجون إلى النجعة، وَيُرْوَى مَرْتَعًا بِفَتْحِ الْمِيم وَالتَّاء أَيْ يَنْبُت بِهِ مَا يَرْتَع الْإِبِل( ).
10-وروي (ربيعاً): الربيع المطر الذي يكون في الربيع، وربما سمي الكَلأُ والغَيْثُ، ورُبِعَت الأَرضُ فهي مَرْبُوعة إِذا أَصابها مطر الربيع ومُرْبِعةٌ ومِرْباعٌ كثيرة الرَّبِيع( ).
11-قوله: (نافعاً): أي تظهر آثار بركته على الأرض والعباد، فتنتفع به الأرض وتخرج نباتها، وينتفع به العباد، فيستقوا ويرتووا منه هم ودوابهم، وبدون بركة للمطر فإنه ليس بشيء،
12-قوله: (غير ضار): تأكيد للنفع( ).
13-قوله: (عاجلاً غير آجل): سريعا ينقذنا و(غير آجل) مبالغة( ).
14-ويروى (عاجلاً غير رائث): أي غير بطيء متأخر . راث علينا خبر فلان يريث إذا أبطأ، والرَّيْثُ الإِبْطاءُ راثَ يَرِيثُ رَيْثاً أَبْطَأَ( ).
15-قوله: ( طبقاً): أي مالئا للأرض مغطيا لها. يقال غيث طبق أي: عام واسع يقال هذا مطر طَبَقُ الأَرض إِذا طَبَّقها( ).
16-قوله: (مجللاً): أي: يجلل الأرض بمائه أو بنباته، ويروى بفتح اللام على المفعول, وجَلَّل الشيءُ تجليلاً أَي: عَمَّ والمُجَلِّل السحاب الذي يُجَلِّل الأَرض بالمطر أَي يعم( )،قال الأزهري هو الذي يجلل البلاد والعباد نفعه ويتغشاهم خيره( ).
17-قوله: (غدقاً مغدقاً): الغدق بفتح الدال: المطر الكبار القطر. يقال : أغدق المطر يغدق إغداقا فهو مغدق، والمُغْدِقُ مُفْعل منه أَكَّده به، وقيل الغدق المطر الكثير الغزير العام( ).
18-قوله: (تُغرِزُ به الضرع): يحتمل أن المراد من الغرز وهو الإدخال في الشيء كناية عن إيصال المطر إلى جوف الضروع من كثرته، يقال: غَرَزَ الإِبْرَةَ في الشيء غَرْزاً وغَرَّزَها أَدخلها وكلُّ ما سُمِّرَ في شيء فقد غُرِزَ( ).
19-ويروى (تَغزُر): بتقديم الزاي من الغزارة، وهي الكثرة، وقد غَزُرَ الشيء بالضم يَغْزُر، فهو غَزِيرٌ والغَزِيرُ الكثير من كل شيء، وأَرض مغزورةٌ أَصابها مطرٌ غَزِيرُ الدَّرِّ، والغزِِيرة من الإِبل والشاء وغيرهما من ذوات اللبن الكثيرةُ الدَّرِّ، وغَزُرَت الماشيةُ عن الكلإِ دَرَّت أَلبانُهاَ( )، فيكون هذا دعاء بالبركة في المطر بأن يكون سببا في در الضروع، وكثرة اللبن فيها، وهذه الرواية أظهر من الأولى، والضرع، مَدَرُّ اللبن.
20-وفي رواية (مغزوراً): أي: مطرا غزيراً من الغزارة وهي الكثرة.
21-قوله: (هَنِيئًا): أَيْ نَافِعًا مُوَافِقًا لِلْغَرَضِ لا ضرر فيه ولا تعب، وقيل: طيبا سائغا لا ينغصه شيء( ).
22-قوله: (سحاً): هو شديد الوقع على الأرض، يقال سح الماء يسح – بضم السين – في المضارع إذا سال من فوق إلى أسفل، واشتد انصبابه وساح يسيح إذا جرى علي وجه الأرض، والسح الصب ( ).
23-قوله: (دَائِمًا): أَيْ: مستمراً إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ دَوَامَهُ عَذَابٌ، والديمةُ المطر الذي ليس فيه رَعْد ولا برق( ).
24-قوله: ( فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ): أَيْ السَّحَابَ أَوْ الْمَطَرَ،ويجوز أن يكون السماء المظلة؛ لأن المطر ينزل منها إلى السحاب( ).
25-قوله: (مدراراً): بِكَسْرِ الْمِيمِ، والمدرار الكثير الدر والقطر المتوالي وقيل: معناه غيثا مغيثا، وَالْمَعْنَى أَرْسِلْ عَلَيْنَا مَاءً كَثِيرًا متوالياً( ).
26-قوله: (عاماً): أي: يعم ويشمل سائر البلاد والعباد، داخل البلد وخارجها.
27-قوله: (واسعاً): أي يسع مساحة كبيرة من البلاد والأماكن.
28-قوله: (سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ): عَلَى وزن فُعْلَى بِضَّمِّ السين: أَيْ اسْقِنَا غَيْثًا فِيهِ نَفْعٌ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا تَخْرِيبٍ( ).
29-قوله: (وَلَا مَحْقٍ): بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، هُوَ الْإِتْلَافُ وَذَهَابُ الْبَرَكَةِ( )
30-قوله: (وَلَا بَلَاءٍ): بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ، هُوَ الِاخْتِبَارُ، وَيَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي( )
31-قوله: (وَلَا هَدْمٍ): بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ ضَارٍّ يَهْدِمُ الْمَسَاكِنَِ( ).
32-قوله: (ولا غرق): الغرق بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ أَيْ هَلَاكٌ بِالْمَاءِ( ).
33-قوله: (واكفاً): الواكِفُ : المطَرُ المُنْهلُّ( )
34-قوله: (خصيباً)، وفي رواية (خصباً): الخصب نَقِيضُ الجَدْبِ وهو كَثرةُ العُشْبِ ورفَاعةُ العَيْشِ( ) والمراد أن يكون المطر سبباً للخصب، وهي بمعنى مريعاً.
35-قوله: (مَرتَعاً): بِفَتْحِ الْمِيم وَالتَّاء أَيْ: يَنْبُت بِهِ مَا يَرْتَع الْإِبِل وَكُلّ خِصْب مَرْتَع، والرَّتْعُ الأَكل والشرب رَغَداً في الرِّيف ورتَعَت الماشِيَةُ أَكلت ما شاءت وجاءت وذهبت في المَرْعَى نهاراً( ).
36-قوله: (رحباً): الرُّحْبُ بالضم السَّعةُ، ومطر رحب أي واسع( ).
37-قوله: (وجداً): المَطَرُ العامّ وغيثٌ جَداً لا يُعرف أَقصاه ومَطَرٌ جداً أَي عامّ ويقال أَصابنا جَداً أَي مطر عامّ ويقال إنها لسماءٌ جَداً ما لها خَلَفٌ أَي واسع عامّ( ).
38-قوله: (وابلاً): الوَبْلُ والوابِلُ المطر الشديد الضَّخْم القطْرِ( ).
39-قوله: (مونقاً): الأَنَقُ: الإعْجابُ بالشيء تقول أَنِقْت به وأَنا به أَنِق مُعْجَب، وإنه لأَنِيقٌ مؤنق لكل شيء أَعجبَك حُسْنه، وقد أَنِق بالشيء وأَنِق له أَنَقاً فهو به أَنِقٌ أُعْجِبَ، وأَنا به أَنِق أي مُعْجَب( ).
40-قوله: (شاملاً): أي عاماً يغشاهم ويحيط بهم جميعا( ).
41-قوله: (مسبلاً): أي هاطِلاً غَزِيراً، وأَسْبَلَت السحابةُ إِذا أَرْخَتْ عثانِينَها إِلى الأَرض، والسَّبَل بالتحريك وهو المطر بين السحاب، وقيل المَطَرُ المُسْبِلُ( ).
42-قوله: (نجلاً): النَّجْل الماء السائل والنَّجْل الماءُ المُستنقِع( )
43-قوله: (درراً): الدِّرَّةُ في الأَمطار أَن يتبع بعضها بعضاً وجمعها دِرَرٌ وللسحاب دِرَّةٌ أَي صَبٌّ والجمع دِرَرٌ( ).
44-قوله: (وحياً): الحيا: المطر لإحيائه الأرض، وقيل الخِصْبُ وما تَحْيا به الأَرضُ والناس( )
45-قوله: (طهوراً): بالفتح والضم أي يتطهر به( ).
46-قوله: (وادعة): أي ساكنة مطمئنة( ).
47-قوله: (بالغة): توصل إلى المطلوب، ويحتمل كافية( ).
الثالث: بيان معاني الدعاء:
1-قوله: (اسقنا): في لسان العرب: تكرر ذكر الاسْتِسْقاء في الحديث، وهو اسْتِفْعال من طَلب السُّقْيا أَي: إنْزال الغَيْثِ على البلادِ والعِبادِ، يقال اسْتَسْقى، وسَقى اللهُ عبادَه الغَيْثَ، وأَسْقاهم، والاسم السُّقْيا بالضم، واسْتَسْقَيْت فلاناً إذا طلبت منه أَن يَسقِيَك، واستَقى من النهَر والبئرِ والرَّكِيَّة والدَّحْل استِقاءً أَخذ من مائها، وأَسْقَيْت في القِرْبة، وسَقَيْتُ فيها أيضاً)( ).
قال ابن عبد البر: الاستسقاء هو طلب الماء من الله تعالى والدعاء إليه فيه( ).
2-قوله: (الآكام): قَالَ أَهْل اللُّغَة: ( الْإِكَام ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة جَمْع أَكَمَة ، وَيُقَال فِي جَمْعهَا : آكَام بِالْفَتْحِ وَالْمَدّ، وَيُقَال: أَكَم بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْكَاف، وَأُكُم بِضَمِّهِمَا وَهِيَ دُون الْجَبَل وَأَعْلَى مِنْ الرَّابِيَة ، وَقِيلَ : دُون الرَّابِيَة، وقيل: تَلٌّ من القُفِّ وهو حَجر واحد، وقيل هو الموضع الذي هو أَشدُّ ارتفاعاً ممَّا حَوْلَه وهو غليظ لا يبلغ أَن يكون حَجَراً، وقيل: هُوَ التُّرَاب الْمُجْتَمِع،وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : هِيَ الْهَضْبَة الضَّخْمَة، وَقِيلَ الْجَبَل الصَّغِير ، وَقِيلَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض( ).
3-قَوْله:(وَالظِّرَاب): بِكَسْرِ الظاء وَآخِره مُوَحَّدَة، جَمْع ظَرِب بِكَسْرِ الرَّاء، وَقَدْ تُسْكَن. قيل:هُوَ الْجَبَل الْمُنْبَسِط لَيْسَ بِالْعَالِي، وقيل:هو الرَّابِيَة الصَّغِيرَة،وقيل: هو الجَبَلُ الصغير ( ).
قال العلماء: وإنما خص الآكام والظراب لأنها أوفق للراعية من شواهق الجبال.
4-قَوْله: ( وَبُطون الْأَوْدِيَة ): أوساطها التي يكون فيها قرار الماء واحدها بطنَا، والْمُرَاد بِهَا الخالية عن الأبنية ومَا يَتَحَصَّل فِيهِ الْمَاء لِيُنْتَفَع بِهِ حيث لا يخشى هدم بيت ولا هلاك حيوان ولا نبات، وفي رواية: زيادة (وَرُءُوس الْجِبَال)( ) .
5-قَوْله: (وَمَنَابِتَ الشَّجَرِ): أي المنتج للثمر، ويُرِيدُ مواضع المرعى حيث ترعى البهائم، رَغْبَةً مِنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَكُونَ الْأَمْطَارُ بِحَيْثُ لَا تَضُرُّ بِأَحَدٍ كَثْرَتُهَا وَهَذَا أَصْلٌ فِي الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى الْمَنَابِرِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْمَطَرِ وَيَدْعُو بِذَلِكَ الْإِمَامُ( ).
6-قوله: (اللهم اسق عبادك): لأنهم عبيدك المتذللون الخاضعون لك فالعباد هنا كالسبب للسقي( )، وفي رواية: (اسق بلادك)، وإذا سُقي البلد سُقي العباد.
7-قوله: (وبهائمك): جمع بهيمة، وفي رواية: (وبهيمتك) وهي كل ذات أربع؛ لأنهم يرحمون فيسقون، وفي خبر لابن ماجه لولا البهائم لم تمطروا( ).
8-قوله: (وانشر رحمتك): أي: ابسط بركات غيثك ومنافعه على عبادك( ).
9-قوله: (وأحي بلدك الميت): أَيْ بِإِنْبَاتِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا أَيْ يُبْسهَا، ويريد به بعض بلاد المبعدين عن مظان الماء الذي لا ينبت فيه عشب للجدب فسماه ميتاً على الاستعارة ثم فرع عليه الأحياء( ).
10-قوله: (ولا تجعلنا من القانطين): أَيْ الْآيِسِينَ مِنْ رَحْمَتِك بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْمَطَرِ عَنَّا، والقُنُوط اليأْس وقيل: اليأْس من الخير، وقيل: أَشدّ اليأْس من الشيء والقُنُوط بالضم( ).
11-قوله: (اللَّأْوَاء): قَالَ أَهْل اللُّغَة: بِالهمز والْمَدِّ : الشِّدَّة وَضِيقُ الْمَعِيشَةِ وَشدة الْجُوع، وَتَعَذُّرُ التَّكَسُّبِ، وتطلق ويراد بها القحط( ).
12-قوله: (والجهد): الْجَهْد: الْمَشَقَّة وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيم، وَفِي لُغَة قَلِيلَة بِضَمِّهَا بمعنى الطاقة، والمراد: قلة الخير والهزال، وسوء الحال، وأرض جهاد أي لا تنبت شيئا( ).
13-قوله: (الضنك): الضيق من كل شيء، وشدة التعب، والضَّنْك ضَيق العيش( ).
14-قوله: (أنبت لنا الزرع): أي: أخرج لنا الزرع بسبب المطر( ).
15-وقوله: (وأدر لنا الضرع): أي أكثر لنا دره وهو اللبن ، و(أَدِرَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ الْإِدْرَارِ، وَهُوَ الْإِكْثَارُ، وَالضَّرْعُ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وهو محل اللبن من البهيمة، يُقَالُ أَضْرَعَتْ الشَّاةُ أَيْ: نَزَلَ لَبَنُهَا قَبْلَ النِّتَاجِ( ).
16-وقوله: (وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ): أخيراتها وهَو الْمَطَرِ( ).
17-وقوله: (وأنبت لنا من بركات الأرض): أَيْ: الْمَرْعَى، وقيل: خيراتها، والمراد بها النبات والثمار؛ وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب والأرض تجري مجرى الأم، ومنهما يحصل جميع الخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره( ).
18-قوله: (والعري): وهو خلافُ اللُّبْسِ( ).
19-قوله: (وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ): بِالْمَدِّ أَيْ الْحَالَةِ الشَّاقَّةِ( ).
20-قوله: (ضاحت بلادنا): وفي رواية: (أرضنا) أَي خلت جَدْباً وبرَزَت للشمس وظهرت لعدم النَّبات فيها، والمعنى أَنَّ السَّنَة أَحْرَقَت النباتَ فَبَرَزَت الأَرض للشمس( ).
21-قوله: (وهامت دوابنا): أي عَطِشَت والهُيامُ في الإبل دَاءٌ يُكْسِبُها العَطَش فَتَمُصُّ الْمَاءَ مَصّاً ولا تَرْوَى( )
22-قوله: (نستغفرك للحامات): بالحاء جمع حوم، والحَوْمُ القَطيع الضخمُ من الإِبل أَكثرُه إِلى الأَلف، وقيل هي الإِبل الكثيرة من غير أَن يُحَدَّ عددُها، وفي روية: [اللهم ارْحَمْ بَهَائِمنا الحَائمة] وهي التي تَحُوم على الماء أي تَطُوف فلا تَجد ماء تَرِدُهُ( )، والمعنى أننا نستغفرك لتحرم هذه الإبل الحائمة على الماء.
23-قوله: (وعجت عجيج الثكلى على أولادها): العج والعجيج رفع الصوت والضجيج والصياح، وعَجَّةُ القوم وعَجِيجُهم صِياحُهم وجَلَبتهم( ).
والثكالى جمع ثكل وثكلى، وهي التي فقدت زوجها وقيل التي فقدت ولدها( ).
24-قوله:(تسرع لنا به النبات): أي: يكون من بركة هذا المطر أن ينبت الزرع سريعاً.
25-قوله: (فدقت لذلك عظمها): أي: أصبحت دقيقة وضعيفة بسبب الجوع والعطش والقحط.
26-قوله: (أنين الآنة): الأنين: التأوه والتشكي والتوجع، والآنّةُ الأَمَةُ تَئِنّ من التعب( ).
27-قوله: (وحنين الحانة): الحَنينُ الشديدُ من البُكاءِ فالحانَّةُ الإِبلُ التي تَحِنُّ، والآنَّةُ الشاةُ، وقيل هي الأَمَةُ لأَنها تَئِنُّ من التَّعَب ( ).
28-قوله: (الأطفال الصائمة): أي التي عز عليها وجود الطعام والشراب، فأصبحت من الجوع كالصائمة.
29-قوله: (المشايخ الركع): أي الذين انحنت ظهورهم كأنهم ركوع من الكبر.
30-قوله: (والأطفال الرضع): جمع طفل ورضيع، وهو ما كان في الحولين.
31-قوله: (البهائم الرتع): الرتْعُ الرَّعيُ في الخِصْبِ ورتَعَت الماشِيَةُ أَكلت ما شاءت وجاءت وذهبت في المَرْعَى نهاراً( ).
32-قوله: (بلاغاً للحاضر والباد): البَلاغُ ما يُتَبَلَّغُ به، ويُتَوَصَّلُ إِلى الشيء المطلوب( )، فلعل المعنى يصل المطر الحاضر والباد ويبلغهم كلهم، ويطلق البلاغ ويراد به الكفاية، وتقول له في هذا بَلاغٌ وبُلْغةٌ وتَبَلُّغٌ أَي كِفايةٌ، فلعل المعنى: تجعل المطر يكفي الحاضر والباد، وفي رواية "يتسع لحاضرنا وبادينا"
33-قوله: (أَنزل علينا في أَرضنا زِينتَها): أَي نباتَها الذي يُزَيّنها( ).
34-قوله: (أَنْزِلْ علينا في أَرضنا سَكَنَها): بفتح السين والكاف أَي: غياث أَهلها الذي تَسْكُن أَنفسهم إليه، والمراد أنزل علينا من المطر ما يكون سبباً للنبات الذي تسكن الأرض به وتخرب بعدمه( ).
وبهذا نكون قد رتعنا في مرتع مريع للعلم شمل كل ما ورد من صفات الغيث حسب ما وقفت عليه، وإنها لصفات جَداً لا يعرف أقصاها إلا الله، كتبتها على عجل بلا ريث، خشية فوات موسمه، أسأل الله تعالى أن يجعلها بالغة شاملة، مريحة للقارئ وادعة، كالغيث المدرار على القلوب الواسعة، وأن يعم نفعها الحاضرة والبادية، والله المستعان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم