بـسـم الله ـآ‘لـرحـمـن ـآ‘لـرحـيـم
ـأيـهـا الإخـوٍة وٍ ـآ‘لأخـوٍات :-
سوف نتكلم فى هذه الدروس عن كيفية تطوير الذات ،.. أعني به لو إنسان قال لك : أنا لا أعرف أن أبتسم ، فتقول له : حاول أن تبتسم ، فيقول لك : والله أنا حاولت فلا أستطيع أن أبتسم ..
ماهي الطريقة التي تجعله يستطيع أن يفعل ذلك .؟
ووواحد آخر يقول : أنا لا أستطيع أن أتحدث مع الذي أمامي حسب ذهنه وقدراته ، كيف نعلمك أن تصل إلي المرحلة التي تقيس ذكاء الذي أمامك وتعطيه الكلام الذي يستحقه والذي يصلح لمثله ..
سنتكلم أيضاً عن المهارات فى الكلام ونحو ذلك ..
بعض الإخوة يحضر هذه الدورات سواء في المسجد أو في المراكز التدريبية وهو قد وضع فى نفسه أنه لا يمكن أن يتغير ، إنني سأتكلم مثلاُ عن أنه مما يبغض الناس فيك كثرة الغضب ثم سأذكر سبع طرق
لأجل التغلب علي الغضب ..لا أريد واحداً من الحاضرين يقول : صحيح لكن أنا لا يمكن أن أترك الغضب أبداً أنا أصلاً أبي غضوب وأمي غضوبة وأخواتي غضوبات وجيراننا غضوبين والسائق غضوب
وأبت وعمي غضوبين وتقريباً الولد الذي في بطن زوجتي غضوب ويبدأ يسد عليك الباب .. إذاً لماذا حضرت ؟! ..
وأحياناً تقول لبعض الإخوة – لابد – إن من الأخلاق السيئة مثلاً فرضاً يعني في الطعام إنك تفعل كذا وكذا مثلاً ..فيقول المسلم : أنا تعودت أنا لا أستطيع أن أغير هذا ..
إذاً ياأخي لماذا حضرت وأتعبت نفسك وجئت بالسيارة .؟ ..أريد أيها الإخوة لكل من يحضر معنا أن تكون عنده القدرة علي تغيير نفسه وعلي تطويرها ..
أذكر أني ألقيت هذه الدورة في الرياض ألقيتها فى مركز تدريبي لمدة ثلاثة أيام ففوجئت بالدورة التي بعدها .. نفس الدورة ألقيتها بعدها بشهر ..ففوجئت ببعض الإخوة وهو أخ ، قد تخرج من كلية الطب
وهذا الأخ حضر الدورة الأولي وحضر الدورة الثانية ومعه نفس المذكرة التي وزعناها فى المرة الأولي وجلس يسمع نفس الكلام .. فناديته وقلت له : يازيد تعالي .. أنت حضرت عندي الدورة الأولي .؟
قال : بلي ، قلت : مالذي جاء بك فى الدورة الثانية مع أنك تدري أنني سأكرر نفس الكلام بدليل أننا وزعنا عليكم نفس المذكرة التي نشرحها ..
فقال : والله ياشيخ بعد الدورة الأولي كل من أعرف من زملائي ..إخواتي .. جيراني .. كل من أعرف قالوا لي : يازيد أنت تعاملك معنا متغير إلي الأحسن .. يقول : فقلت : ماداموا قد لاحظوا علي هذا
التغيير للأحسن فينبغي أن أحسن أكثر .. فجئت لأجل أن أثبت معك هذه الأمور .. وفعلاً كنت ألاحظ منه الإهتمام جداً يكتب كل صغيرة وكبيرة حتي الأمثلة الواقعية يحاول أن يشير لها حتي يتذكرها لو أراد
أن يحكيها لأحد .. إذاً أيها الإخوة والأخوات ينبغي لنا عندما تستمع إلي شئ يكون فيه نوع من التنبيه علي أخطاء عندنا ينبغي أن يكون عندنا الشجاعة لأجل تطوير أنفسنا ..
فبعض الناس الآن قد يحضر خطبة جمعة حول بر الوالدين ، ورغم ذلك يبقي عاقاً لوالديه ليس لأنه يجهل حكم عقوق الوالدين كلا بل إنه يعلم أن عقوق الوالدين محرم ويعرف الطريقة التي يتوب بها من
عقوق الوالدين لكنه مع ذلك ما عنده عزيمة ليكسر الحواجز بينه وبين بر الوالدين ويدخل إليه ..
كذلك بعض الناس يحضر خطبة جمعة عن أكل المال الحرام وهو يأكل مالاً حراماً أو يحضر خطبة جمعة عن غض البصر ، وهو يطلق بصره فى المحرمات إلي غير ذلك من الأمثلة التي فيها نوع محرم ،
فإذا حضرت خطبة عن غض البصر وتعلمت فضله ، أو حضرت خطبة عن تحريم معاكسة الفتيات وتعلمت ما يتعلق بذلك أو حضرت أي خطبة حول بعض الأمور التي فيها نوع خلل فلماذا لا تعدل من نفسك .؟
قد يقول الرجل هنا أنا مقتنع بأنني بحاجة إلي تعديل نفسي لكن أنا ما أقدر علي ذلك ، إذاً فما الفائدة من حضورك هذا .؟
أنا أريدك أن تكون بطلاً بحيث تستطيع أن تطبق كل مهارة تتعلمها ، نعم أيها الإخوة عندنا أحياناً مهارات وقدرات لم يفلح أحد في إكتشافها ولم نكتشفها نحن الآن ..
تقرؤون فى بعض الأحيان مقابلة مع بعض المغنين يسألونه كيف بدأت الغناء وكيف فعلت كذا ، ومن ضمن الأسئلة التي يسألونه إياها .. كيف بروزك إلي الوسط الفنى .؟
فيجيب قائلاً : كان الفضل لله تعالي أولاً ثم للمطرب فلان الذي اكتشفني وهذا موجود بكثرة فى المجلات التي تعمل مقابلات مع هذا أو ذاك كيف إكتشف ذلك المطرب .؟
مر بهذا الشاب يردد أغنية ، فقال هذا والله صوت حسن كرر هذه الأبيات أعطني هذه الأغنية تعالي معنا إلي الإستديو وضع له بعض المحسنات وجد إن نبرات صوته تجعله صالحاً لأن يكون مغنياً فشجعه إلي أن جعل منه مغنياً ويكون عليه وزره ووزر من ضل به إلي يوم القيامة …
لكن المقصود أن هناك قدرات أهل الباطل يكتشفونها فى أصحابهم بينما أهل الحق لا يزالون لم يستطيعوا أن يكتشفوا ذلك ..
وأعطيكم الآن مثالاً ، الآن البرنامج الذي ظهر منذ فترة وصار عليه ضجة ستار أكاديمي هذا البرنامج إنما أنشئ لأجل إكتشاف قدرات كامنة فى أقوام لإنتاج مغنيين وأنتم تعرفون أن المغنيين بدأوا يموتون واحد إثنان ثلاثة فمشكلة لابد أن تبحث الأمة عن مغنيين جدد حتي لا يموت هذا الفن ، وقد بدأوا وهم يقيمون مثل هذه البرامج لأجل أن يكتشفون مغنيين جدد ..
وأنا أسأل السؤال ، الآن ياجماعة لو أقمنا مثل هذا البرنامج لاكتشاف أناس عندهم قدرة علي الإقناع ألم نجد .؟ بلي ، سوف نجد ..
وكذلك لو أقمنا مثل هذا البرنامج وجمعنا مائة من الشباب ووضعناهم في بيت وقلنا له : هيا ، إن كان هؤلاء عندهم مسابقات فى الفن والغناء أنتم عندكم مسابقات فى إلقاء الكلمات وبدأنا نشجعهم علي هذا وعملنا معهم لقاء كل أسبوعين – مثلاً – لقاء مع داعية من الدعاة والله لاكتشفنا قدرات عند شبابنا لم يستطيع أحد أن يحركها ..
في يوم من الأيام أقبل رجل إلي النبي صلي الله عليه وسلم يسأله مالاً ، ومعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم من منهجه أن لا يعطي الشخص الذي أمامه حل مباشرة ، وإنما يجعله يشعر أن الحل من عنده هو لا من عند الرسول صلي الله عليه وسلم ..
فالمقصود من هنا أنه كان يعطي منهجاً فأقبل عليه هذا الرجل يوماً فقال يارسول الله : أنا فقير ، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم :"هل عندك شئ فى البيت .؟" فذهب الرجل إلي بيته وبحث فوجد نعلين
قديمين فأحضرهما وجاء بهما إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فأخذهما رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال : " من يشتري هذين النعلين .؟" فاشتراهما رجل من الصحابة بدرهمين ، فأخذ النبي صلي الله عليه وسلم الدرهمين وأعطاهما للرجل وقال له : " اشتر حبلاً وفأساً "..
لماذا يارسول الله .؟ اذهب اشترهما ثم نفهمك القضية بعد ذلك فذهب الرجل واشتري فأساً وحبلاً وجاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم وجلس ..
هذا الرجل عنده قدرات لكنه لا يستطيع أن يكتشفها ،فقال له النبي صلي الله عليه وسلم :" خذ هذا الفأس وهذا الحبل وإذهب إلي المكان الفلاني وقطع الحطب واربط الحطب بهذا الحبل واحضره عندي "، فذهب الرجل وقطع الحطب وجاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم وجلس ، فقال النبي :" من يشتري هذا الحطب .؟" فباعه بدرهم أو درهمين ،ثم ناول النبي صلي الله عليه وسلم المال للرجل ، فقال له :" خذ درهماً اشتر به طعاماً لأهلك ولولدك ودرهماً اشتر به نعلاً بدلاً من نعلك "..
وبذلك قضي النبي صلي الله عليه وسلم لأسرة كانت مشكلتها الفقر قضي علي هذه المشكلة واكتشف الرجل أن عنده قدرة لكنه معطل لها غير مستغل لها ، إذا نحن عندنا قدرات نستطيع أن نفعلها .. بعض الناس عنده قدرة علي أن يجذب الناس إليه وبعض المدرسين عنده قدرة علي التأثير علي الطلاب وبعض الموظفين عنده قدرة علي التأثير فيمن حوله وبعض الإخوات عندها قدرة ، كذلك بعض الأزواج عنده القدرة علي التأثير في زوجته وأولاده ..
بعض الناس يستعلم عن هذه المهارات فيقول : هذه المهارات وهذه الفنون التي سوف نتكلم عنها وهذه القواعد التي تجعلك تحسن التعامل مع الناس ما فائدتها وما ثمرتها .؟
فائدتها أولاً : إنك ستستمتع بحياتك ..
أيها الأحباب أي متعة أعظم من أن تشعر أن الناس كلهم يحبونك .؟
إذاً فأنت تستطيع أن تجذب الناس إليك بالتعامل من غير أن يعلموا ما وظيفتك وما قدراتك مجرد ابتسامتك فى وجوههم استطعت أن تجذب الناس إليك وتجعلهم بين يديك .. وهذا ما كان يفعله النبي صلي الله عليه وسلم مع أصحابه استطاع صلي الله عليه وسلم أن يجرهم ويجذبهم إليه بمثل هذا التعامل الحسن ..
أخي ما الذي يمنعك من أن تبتسم .؟ أريدك إذا جلست فى مجلس يوماً طبقها من الليلة ، إذا كنت مدعواً علي العشاء وأريدك إذا دخل واحد من المدعوين وأراد أن يسلم دقق في الناس وهم يسلمون ستجد أن الناس أنواع فمنهم من لا يريد أن يبتسم فتجده يسلم عليك ، ويقول : حياك الله وهو مقطب الجبين ..
وستجد عند التعامل مع الناس أن القليل منهم هو الذي يستطيع أن يكلمك عن التلقي بك مع أنه يستطيع أن يفعل ذلك وهو يفعله أحياناً عندما يشعر أن الذي أمامه بينه وبينه مصلحة،فالإبتسامة فقط لهذا الذي يرجو منه مصلحة ، أما غيره فلا توجد مصلحة ، فلا يرجو ولا يريد منه شيئاً وهذا مع الأسف واقع عند المسلمين وعند غيرهم أيضاً …
وانظر إلي ما يقوله الصحابي الجليل جرير ابن عبدالله البجلي رضي الله عنه يقول : ما حجبني رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي ..
*** إسـلام خـالـد بـن الـوٍلـيـد :-
وهذا الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه يحكي قصة إسلامه ، فيقول : أقبلت إلي المدينة ، لأجل أن أدخل فى الإسلام ، فلما رآني رسول الله صلي الله عليه وسلم مقبلاً من بعيد ، تبسم فلم يزل متبسماً حتي وقفت بين يديه ، فانظر إلي التأثير .. ( أحبتي فى الله .. لو لم تكن هذه الحركة أثرت فى خالد ابن الوليد هل كان سيذكرها فى القصة ..
فالواحد منا دائماً لا يذكر إلا الأشياء التي أثرت فيه فلم يقل خالد مثلاً : وجعلت الريح تحرك ثوبي ، لم يقل مثلاً : وكان النبي صلي الله عليه وسلم يحرك عمامته يعدلها .. هذا ما أثرت فى القصة لم يقل : نظر إلي وهو يكلمني لانه قد اعتاد أن ينظر إليه الناس وهم يكلمونه لكن لأن التبسم علي خلاف ما يفعله الناس لذلك أثر فيه .. خالد بن الوليد كافر لم يسلم بعد وكان سبباً في هزيمة المسلمين فى أحد وكان يعذب المسلمين في مكة كل ذلك قبل الإسلام ومع ذلك أول ما رآه النبي من بعيد تبسم في وجهه صلي الله عليه وسلم ..
فلماذا لا تستخدم هذه المهارات عن التعامل مع الناس .؟
*** تـفـاوٍت الـمـهـارات :-
وانظر إلي تفاوت الناس فى مهاراتهم تجد أن أمر ظاهر عندنا جميعاً ، فالآن قد يأتيك اثنان من الخطباء كل واحد منهما أخذ يعد في بيته خطبة عن صلة الرحم وأقبل : ففتح كتاب الشيخ ابن حميد " خطب الجمعة " عن صلة الرحم ، صور الخطبة علي الآلة التي عنده البيت ، ثم طلع ليخطب خطبة الجمعة عن الرحم فى نفس اليوم تجد أن الخطيب الأول وهو يخطب عن صلة الرحم الناس منهم من يبكي ومنهم من يستعبر ومنهم من خفض رأسه متأثراً ومنهم من فتح عينيه وشده معه ، إلي أن انتهي من الخطبة ..
والخطيب الثاني خطب والناس منهم من يتثاءب ومنهم من ينظر إلي الساعة يريد أن ينتهي الخطيب ومنهم أناس جلسوا يخططون علي الفرش مربعات ومثلثات ومنهم من جلس ينظر إلي اللمبات والكشافات ، ومنهم من ينسي ويخرج جواله ويقرأ الرسائل ويدخله ثانية ، ومنهم النائم لماذا هذا .؟ لماذا اختلفوا .؟ بسبب القدرة في الإلقاء القدرة علي الإلقاء ..
ومثل هذا مدرس فى مدرسته يخرج ليمشي فى الممر أو بعد الصلاة فتجد أن أربعة طلاب أو خمسة طلاب يمشون معه ، ومدرس آخر قد يمشي يهش الذباب عن وجهه وماحوله أحد فهذه مشكلة .. وضع مثل هذا فى الولائم فأحياناً لو كان هناك عرس وأقبلت أنت إلي العرس ، تلاحظ أن بعض الناس يأتي ويسلم ثم يذهب ويجلس وحده فى مكان فتري واحداً قد جلس عن يمينه ، ثم جاء واحد آخر وجلس عن شماله ، ثم ثالث قد وقف أمامه ثم رابع وخامس لماذا هذا .؟ هل هذا مغناطيس يجذب الناس إليه …
كيف استطاع أن يصل إلي هذه القدرات .؟ مع أنه أحياناً قد يكون عنده نوع من المعصية حتي لا يقول بعضكم : ياشيخ هذا قبول يضعه الله لمن يشاء ومسألة قبول يضعه الله لمن يشاء ، هذا يذكرني ببعض الناس ، إذا قلت له ياشيخ : ماشاء الله عليك والله إنك لخطيب جيد ، علمني كيف استطيع أن أخطب خطبة جيدة مثلك فيخاف من أن تأخذ الجو عليه ، أو تغطي الجو عليه ، فيقول لك : هذه قدرات يضعها الله رب العالمين ، حتي يغلق الباب عليك ، كذلك بعض معبري الأحلام ممن يعبرون الأحلام ، إذا جئت لتسأله وتقول له : يا أخي كيف تعبر الرؤيا .؟ أعطني الأسس والقياسات التي تقيس عليها ، كيف تعلم أنني عندما أسلم علي امرأة فى المنام فهي دنيا .؟ كيف تقول أنني لو سبحت فى بحر فمعناها أنها فتنة كيف تعلم .؟ علمني ، من الممكن يعلمك أسبوع أسبوعين وقد تعبر أحياناً ممكن إلي ستين بالمائة لكن بعضهم يسد الباب ويقول : هذه فطرة من الله عز وجل يضعها فى الإنسان فكذلك هذا الذي يقول لك يا أخي هذا يحبه الناس ، لأن هذا قبول يضعه الله ..
فهل طالب العلم العالم الزاهد الذي يأتي ويجلس وحده فهل هذا فاسق فاجر الله لا يحبه ، ولهذا لم يجلس معه أحد فالمسألة ياجماعة قدرة علي أن يجذب الناس إليه ..
*** دعـوٍة ـإلـي ـآ‘لـصــلاة :-
ذكروا أن رجلاً كان ذاهباً يوماً إلي المسجد ليصلي الظهر وفي أثناء الطريق رأي رجلاً واقفاً علي نخلة يخرص رطباً ويجمع الرطب والإقامة للصلاة قريبة بعد قليل ، فتضايق هذا الرجل الذاهب لصلاة الظهر ، فقال : أعوذ بالله لهذه الدرجة الدين ما يساوي شئ عندك أنت يا فلان واقف علي هذه النخلة ، والإمام يقيم الصلاة بعد قليل ، فغضب صاحبنا وقال : يا هذا أنت ما سمعت الأذان ، قال : نعم سمعت الأذان فقال صاحبنا : انزل ياحمار ، فقال الرجل : أنا حمار أنا سأعلمك أني حمار وأخذ عسيب من النخلة ونزل فجري صاحبنا إلي المسجد وخاف أن يضرب فلما جاءت صلاة العصر طبعاً صاحب النخلة هذا نزل وصلي في بيته وتناول الغداء ونام له ساعة ، أو ساعة ونصف وطلع مرة أخري ليكمل خرص الرطب ، وبينما هو يعمل وإذا بصاحبنا خارج ليصلي العصر ووجد هذا الرجل علي النخلة نفسها يقطع ويخرص هذا الرطب والإقامة قريبة لصلاة العصر ، فجاء إليه واستعمل مهارات معه فجاء إليه وقال : السلام عليكم ، وهو مشغول بهذا الرطب ، فقال له : عسي أن تكون الثمرة طيبة هذه السنة ، فقال الرجل : الحمدلله ، فقال صاحبنا : الله يبارك لك ويوفقك ويرزقك ويجزيك خيراً عن وقفتك فى هذه الشمس ويجعلك يارب مبارك فى ذريتك وعيالك ويعظم الله الأجر فقال الرجل فى سرور : الله يجزيك خيراً آمين آمين ..
فقال الرجل : ربنا يجعلك تربح إن شاء الله .. ثم قال الرجل : ولكنك مع هذا التعب وهذه الشمس واليوم حار قليلاً أظنك ما دريت وما علمت أنه قد أذن لصلاة العصر والإقامة بعد قليل ، عسي الله أن يجعلك فى الجنة والنعيم أنت ووالديك ، فقال الرجل : والله جزاك الله خيراً والله ما انتبهت إلا الآن ، وألقي ما بيده ، ثم جاء وسلم علي صاحبنا وقال : والله جزاك الله خيراً علي أنك ذكرتني بالصلاة ، والله يا أخي أنت أحسن من واحد جاءني الظهر ويقول لي : صل يا حمار والله لو أدري من هو لأضربنه ..
أخي انظر الي الفرق فالغاية التي يسعي لها صاحبنا فى الحالتين واحدة ، إنك تنزل وتصلي ، لكن المرة الأولي سلك طريقاً وعراً فتورط في هذا الطريق وتوقف فى منتصفه ..
بعض الناس ياجماعة يحرص علي اكتساب المال ، بينما لا يحرص علي اكتساب الرجال ، مع أن كسب الناس هو طريق فى الحقيقة لكسب المال ، أليس كذلك .؟
أعطيكم مثالاً : الآن لو دخلت إلي بقاله ، أول ماجئت لهذه البقالة تقول : السلام عليكم صديق أنا أبغي واحد لبن ، فيقول لك : اذهب إلي الثلاجة وخذ ماتريد من اللبن ، ذهبت أنت إلي الثلاجة وفتحتها ولم تجد لبناً فناديت عليه قائلاً : صديق هذه الثلاجة كلها عصير ، أين الثلاجة التي فيها اللبن .؟ فيقول لك : أنت لا تري في هذه ابحث فى الثانية ..فجئت أنت إلي الثلاجة الثانية وفتحتها فوجدت مثلاً اللبن تاريخه قديم ، فقلت له : صديق أنا ما أبغي لبناً كهذا ، أنا أريد الثاني ، فيقول غاضباً : أنت ما تري ، ثم يأتي عندك ويصرخ فيك : أنت ما بتشوف بالله عليك هل ستشتري منه .؟ أظنك لن تشرب اللبن إلي أن تموت .. وممكن تبغض اللبن ، وقد يسد نفسك عن اللبن فانظر إلي سوء تعامله الذي قد يجعله يفسد المال ..
لكنك لو دخلت وقلت : السلام عليكم صديق .. هل في لبن .؟
فقال : نعم .
قلت له : أين .؟
قال لك : مكانك وجاء وأخرج لك اللبن ثم أحضر الكيس ووضع فيه اللبن وقال لك : تفضل وابتسم ، أخذت اللبن وأخرجت الخمسة ريالات ،فقال لك : لا لا خلي علينا خلي علينا ، فتصبح تأتي وتشتري دوماً من هذه البقالة ..لقد استطاع هذا الرجل أن يكسب الناس فاستطاع تبعاً لذلك أن يكسب المال ، لذلك تجد بعض الناس ممن عنده قدرة علي التفاوض والتلطف مع الناس ، يعمل مندوب مبيعات ناجح مع أنه قد يكون غير متخرج من جامعة ، لكنه إذا جاء وهش وبش فى وجهك وتلطف ..
أحياناً بعض الناس يفتح البقالة ويجلس ويبيع بشكل عجيب ، كل هذا لأن عنده قدرة مغناطيس يستطيع أن يجذب الناس إليه ..
السؤال المهم الآن هو : هل هذا المغناطيس فقط يضعه الله عز وجل .؟ هل لا تستطيع أنت بسعيك أن تستنزله من الله ، وأن تجعل الله تعالي يوفقك إليه .؟
بلي ..وبممارسة مهارات معينة تستطيع أن تصل إلي مثل هذا الحال إن شاء الله ..
*** زٍبـون ـآ‘لـدقـيـقـة ـآ‘لـوٍاحـدة :-
هناك كتاب اسمه " زبون الدقيقة الواحده " : هذا الكتاب يتكلم فى مهارات البيع والشراء والاكتساب والتجارة ، وهو يبين لك كيف تستطيع أن تصل إلي مرحلة تداوم فى هذا المحل ثماني ساعات ، ليس فى كل ساعة تبيع سلعتان أو ثلاث ،بل فى كل دقيقة تبيع سلعة يعني أربعمائة وثمانون سلعة ..
قرأت هذا الكتاب ،لمؤلف عربي مترجم قرابة المائتي صفحة ، اطلعت عليه اطلاعاً عاماً ووجدت ياجماعة أن جل التدريبات والقواعد التي وضعها لأجل أن تصل إلي مرحلة أن تجذب الناس إلي محلك ، كلها تعتمد علي التأثير في الآخرين من خلال التعامل ..
تكلم عن الابتسامة ، تكلم عن طريقة مناولته الكيس ، ما تأخذ الكيس وترميه أمامك لا .. بل تأخذ البضاعة وتضعها فى الكيس ما هي العبارات التي تقولها وأنت تعطيه هذا الكيس ..
ياجماعة ..بالله عليكم أيهما أولي باستعمال ذلك ، الغرب الكفار الفجار ، الذين يستعملون الأساليب الحسنة هذه أحياناً لجذب الناس إلي شهواتهم وفواحشهم ، أم الأولي بها يا إخواني الدعاة إلي الله والمسلمون وطلبة العلم من أمثالكم أنتم أولي ..
قد تعجب أحياناً من بعض الذين يسعون إلي نشر الفاحشة فى بعض البلاد ، أحياناً تذهب لبعض البلاد وبمجرد أن تنزل من المطار ، تجد بعض الناس يتلقفونك تلقفاً ، طبعا هم لا يتلقفون الأخيار من أمثالكم من أصحاب اللحي ، لكن يأتون إلي شاب بهيئة معينة يقبلون عليه ، ليدعونه إلي حرام معين ، أو يعرضوا عليه فاحشة أو غير ذلك ..
فهؤلاء عندهم أساليب لجذب الناس إليهم ، تجدهم يأتون ويقولون : كيف حالك نورت البلد ، أنت نحملك فوق رؤوسنا ، أنت نحملك فى عيوننا ، فيعطيونك بعض الكلمات الحلوة ليجذبونك إليهم فتساق معهم إلي ما يريدونه منك ، لماذا يا إخواني هؤلاء يستعملون مثل هذا ونحن لا نستعمله .؟
*** ـأخــلاق ـآ‘لـحـبـيـب :-
النبي صلي الله عليه وسلم كان يتعامل مع الناس علي مثل هذا الأساس ، كان يستعمل مثل هذه المهارات مع جميع الناس ، بل كان أحياناً صلي الله عليه وسلم يستعمل مهارات مع بعض الناس لأجل إصلاحهم ..
وانظر إلي قصة الإعرابي الذي جاء ليتبول فى مسجد الرسول ، والنبي صلي الله عليه وسلم يحدث أصحابه ، هذا الأعرابي مسلم ، لكن ماعنده همة لطلب العلم ، ليأتي ويجلس مع الصحابة ، وليس له الحرص علي ملازمة النبي صلي الله عليه وسلم بدليل أنه دخل المسجد ورأي النبي جالساً وسط أصحابه ، لم يذهب ويجلس معهم ، إنما جاء إلي جهة من المسجد ورفع إزاره ، وتبول ، وهم بالإنصراف من المسجد وانتهي الأمر عنده إلي هذا الحد انتظر اجلس اسمع كلمة أو كلمتين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ،فلما رآه الصحابة هموا به ليضربوه ويؤدبوه والقصة مشهورة لما أرادوا أن يقطعوا عليه بولته ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم :"لاتذرموا ، لا تقطعوا عليه بوله "..
ثم ناداه النبي صلي الله عليه وسلم وانتبه فلقد مارس معه النبي صلي الله عليه وسلم مهارات ، التي قال الله عز وجل عنه قيها : " وإنك لعلي خلق عظيم "..القلم:4 ، وقالت عائشة :" كان خلقه القرآن "..رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة ..، وقال تعالي :" فبما رحمة من الله لنت لهم " ..آل عمران :159 ، وقال تعالي :" وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين " ..الأنبياء:107 ..وهذه المهارات ..الله سبحانه وتعالي صوره عليها وطبعه عليها …
لقد مارس النبي صلي الله عليه وسلم مع هذا الأعرابي عدة مهارات -سلم عليه- ، وقال له :" إن هذه المساجد لم تبن لهذا " نحن ما بنينا المسجد أعز الله حتي تبول فيه لا .لا " إنما بنيت للتسبيح والصلاة وقراءة القرآن " ، ولذلك صار هذا الرجل يحب النبي صلي الله عليه وسلم حباً عظيماً ، يعني يهيم به ، ولذلك عندما جاءت الصلاة كبر الرجل ، وصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم وفي الصلاة يرفع الرسول صلي الله عليه وسلم رأسه من الركوع قائلاً :" سمع الله لمن حمده " إلا هذا الرجل زاد كلمتين فقال : ربنا لك الحمد ، اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً ..
*** شـاب يـطـلـب ـآ‘لـزٍنــا :-
وهذا شاب يأتي إلي النبي صلي الله عليه وسلم يطلب منه ويستأذنه فى الزنا ، فانظر كيف مارس عليه النبي صلي الله عليه وسلم المهارات غير طبيعة هذا الشاب ، دخل النبي صلي الله عليه وسلم إلي قلبه وعمل له مايشبه الفرمتة لجهاز كمبيوتر الآن ، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم :"أترضاه لأمك .؟" فقال الشاب : لا . لا أرضاه لأمي ، فقال له النبي :" وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وترضاه لعمتك .؟ ترضاه لخالتك .؟ ترضاه لأختك .؟" ..، والشاب عنده نوع تعلق بالشهوة ، لكن رغم ذلك عنده مروءة …رجل ، ولذلك لما ذكر له النبي صلي الله عليه وسلم إن أمه ممكن تزني ، قام ينتفض ، لما يتخيل أن أمه تزني قام ينتفض ، لا ، ما أرضي هذا لأمي ولا لأختي ، ولا لعمتي ، ولا لخالتي …
فقال له النبي صلي الله عليه وسلم :" كذلك الناس مايرضونه لعماتهم وخالاتهم "..انظر …مارس معه مهارة الهدوء وفن الإقناع ..
الشاب جلس يفكر … وتراجع عما فى قلبه فقال الشاب للنبي : ادع الله أن يطهر قلبي ، فكلمة الشاب هذه "يطهر" معناها : أنه قد اقتنع بأن قلبه مريض ، فالعيب ليس فى الدين الذي حرم الزنا وإنما فى قلبي أنا ، قلبي ليس منضبطاً …
فقال النبي صلي الله عليه وسلم بعد أن رفع يده :" اللهم اهد قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه " ، خرج الشاب .. بعد أن مارس عليه النبي صلي الله عليه وسلم مهارات فغيره ، فخرج يقول : والله لقد دخلت علي رسول الله وما شئ أحب إلي من الزنا ، شاب يهيم بالنساء حباً وعشقاً يري حرمة أو امرأة فى السوق يضيع ، يقول : دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ما شئ أحب إلي من الزنا وخرجت من عنده وما شئ أبغض إلي من الزنا ..
إذاً نحن عندنا قدرة أحياناً علي تطوير مهاراتنا وأحياناً علي تغيير المهارات عند الناس الذين هم أمامنا …
*** ـآ‘لـنـعـيـم يـغـيـرٍ ـآ‘لـطـبـاع :-
ذكروا أن علي بن الجهم كان شاعراً في البر ، يعني بدوي ما يعرف إلا الغنم والكلب الذي يرعي الغنم ، والذئاب ، هذا شغله ، في البر ، أقبل علي بن الجهم يوماً ، ودخل علي أبي جعفر المنصور ، وأبو جعفر هو أبو جعفر لا يحتاج إلي تعريف ، كان يقتل الرجل كقوله السلام عليكم ، حتي فى مرة من المرات يحكي واحداً عنه قصة يقول : كنا عند أبي جعفر فجاءه فلان ، فقال : كذا وكذا وذكر كلاماً لم يعجب الخليفة ..
يقول : فجمعنا علينا ثيابنا …لماذا جمعوا ثيابهم .؟
تأكدوا بأنه سيضرب عنقه ، فقاموا حتي لا يصيبهم الدم ..فهذا رجل يقتل مثل السلام عليكم ..فدخل علي بن الجهم علي أبي جعفر المنصور ، فنظر أبو جعفر إلي عل بن الجهم وقال : ياعلي أعطني قصيدة ، يريد المدح بها ..
علي بن الجهم رجل آتٍ قادم من البر ، فقال علي لأبي جعفر :-
أنت كالكلب فى حفاظك للود …. وكالسيف فى صراع الخطوب
فنظر أبو جعفر متعجباً .. ماذا تقول .؟
كالكلب .!! من عنده جمعوا ثيابهم فلقد تعودوا علي ذلك ، لكن أبا جعفر تروي وصار أحكم من ذي قبل ، قال لمن حوله : أسكنوه فى القصر الفلاني ، ولا تخرجوه منه حتي أدعوه أنا إلي هنا ..
فظل علي بن الجهم فى القصر وهو لأول مرة يري جدراناً مدهونة " مطلية " وستائر معلقة وفرش وأشكال حلوة تحضر له الأكل والطعام والشراب ، فجلس فى هذا القصر ستة أشهر يأكل الزبداً وحلاوة وبسبوسة وكريمة ، ثم ناداه أبو جعفر بعد ستة أشهر ، وقال له : ياعلي أنشدني أبياتاً ، فجعل علي يقول له علي الفور :-
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن …. الهوي من حيث أدري ومن حيث لا أدري
وبدأ يعطيه من هذا الكلام كأنها قصة عاطفية ، فانظر كيف استطاع أبو جعفر أن يغير من طباعه إذاً ياجماعة فالمطلوب من الدعاة من أمثالكم ليس تغيير طباعكم أنتم فقط ، بل نريد تغيير طباع الطلاب الذين تدرسون لهم ..
فإذا كان هناك واحد عنده مشكلة فى طبعه تستطيع أن تغييره .. إذاً الغاية التي نريدها منك أعلي ، مانرضي منك أنت ترضي بالدون ، فمثلاً أنا أغضب فأقوم بتعديل نفسي ، ما أغضب ، أنا لا أبتسم ، فأعدل نفسي فأصبح أبتسم ، لا لا . أنا أريدك أن تصبح همتك أعلي لدرجة أنك لا تكتفي بتطوير قدراتك أريدك أن تكون لديك قدرة علي تطوير قدرات الآخرين كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم مع الشاب ومع الرجل الذي تبول فى المسجد وكما فعل أبو جعفر مع علي بن الجهم ، والنبي صلي الله عليه وسلم كان يستخدم المهارات لجذب الناس مع الناس بأنواعهم ليس مع من يرجو منه مصلحة فقط ، إنما كل الناس ، كان النبي صلي الله عليه وسلم يستعمل معه هذه المهارات العالية ..
لقد صار تعاملنا مع كثير من الناس الآن ينبني فى كثير من الأحيان علي أشكالهم ، والنبي صلي الله عليه وسلم ما كان عنده هذا المقياس بل يجلس مع أصحابه يوماً فيمر بهم رجل قد لبس أحسن الثياب فنظر إليه النبي صلي الله عليه وسلم من بعيد ، ثم قال لأصحابه :" ما تقولون فى هذا .؟" .. قالوا : هذا يارسول الله حَري إن خطب أن يزوج وإن شفع أن يُشفع ..
سكت النبي قليلاً – خمس دقائق – عشر دقائق – ثم مر رجل آخر ، رجل مسكين ضعيف يتصبب العرق منه والعمامة معوجة ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم :" وماتقولون فى هذا .؟" ، .. قالوا : يارسول الله هذا حَريٌ إن خطب ألا يزوج وإن شفع ألا يُشفع ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم وهو يعطي لهم ويبين لهم المقياس الحقيقي ، وقال :" والذي نفسي بيده إن هذا خيرٌ من ملء الأرض من ذاك " ..
فانظر إلي الفرق ، وإلي المقياس عنده وعندكم لذلك لا تستغرب ما فعله النبي صلي الله عليه وسلم وقد ثبت هذا فى صحيح مسلم – عندما يأتي زاهر بن حرم الأشجعي يوماً إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، يأتي إليه فى حاجة ، وزاهر كان النبي صلي الله عليه وسلم يحبه ، وكان زاهر فقيراً شديد الفقر ، عنده بنتان أو ثلاث بنات فى البر ، عنده بعير أو بعيرين ، ماهو تاجر كبير ، يقول أنس بن مالك راوي القصة يقول : وكان زاهر دميم الوجه شديد الدمامة ، مافيه أي مسحة جمال ، فزاهر رجل ، كما يقولون ، لا مال ولا جمال ولا من أصحاب المناصب الرفيعة جداً ، أقبل زاهر إلي المدينة وكان أحياناً إذا جاء يُهدي إلي النبي صلي الله عليه وسلم هدايا من البادية ، سمن أو أقط أو غيره ، فيعطيه النبي صلي الله عليه وسلم هدية من المدينة ، تمر فى الغالب ، يتبادلون الهدايا ، وفى يوم من الأيام جاء زاهر فطرق الباب علي النبي صلي الله عليه وسلم فلم يجده ، فانصرف إلي السوق ووضع بضاعته فى السوق ، وفى نفس الأثناء يرجع النبي صلي الله عليه وسلم إلي بيته فيخبره أهله بأن زاهراً قد مر عليه ، ما قال النبي صلي الله عليه وسلم من زاهر هذا .؟ سنراه فى صلاة العصر أو المغرب كلا كلا ، بل يخرج النبي صلي الله عليه وسلم فى لحظته ..
قد لا يكون زاهر له من الأهمية ما لأبي بكر وعمر فى الإسلام بحكم أنهما كانا وزيرا رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانا ينفعانه بمشورتهما أيضاً زاهر زاهر له ثقله فى الإسلام عند النبي صلي الله عليه وسلم ، فخرج النبي صلي الله عليه وسلم يسأل أين ذهب زاهر .؟ قالوا : ما ندري ، فتسأل النبي فى نفسه فى أي مكان أجده الآن .؟ أكيد ذهب إلي السوق ، لأنه دائماً يأتينا ثم يذهب إلي السوق ، فخرج النبي صلي الله عليه وسلم فى هذا الظهر ليبحث عن زاهر فى السوق وانظر لهذا الموقف وتأمل .. زاهر واقف هو راعي غنم ورائحته رائحة غنم وشديد الدمامة وأكيد يلبس أيضاً فروة والرمضاء تصليه من تحت ، والشمس تصليه من فوقه ، وأطيب الناس ريحاً .. محمد صلي الله عليه وسلم ، وأجمل الناس وجهاً محمد صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه جابر بن سمرة نظرت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوماً فى ليلة مقمرة ، فجعلت أنظر إلي وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنظر إلي القمر فوالله لوجه رسول الله عندي أجمل من القمر ..
وكان يعرف بريحه الطيب إذا أقبل صلي الله عليه وسلم ، كان عرقه طيباً ، كان يوماً قد نام وكان قد أصابه العرق ، فجاءت أم سليم وهو نائم ، فجعلت تسلت العرق وتجمعه فى قارورة فاستيقظ فتعجب ، فقالت له : يارسول الله ، عرقك ننجعله فى طيبنا ، فرسول الله صلي الله عليه وسلم كان جميلاً وسيماً طيب الرائحة ، أقبل به1ه العظمة ، فوجد زاهراً واقفاً فى السوق ، فأمسك به رسول الله صلي الله عليه وسلم وضمه ، فلما رأي زاهر ذلك قال : أرسلني أي أتركني ، وكأنه وقع فى نفسه أن هذا الرجل جاء ليمسك به ويقوم رجل آخر بسرقة متاعه الذي هو كل رأس ماله ، فجعل يقول : أرسلني ، وإذا بالنبي صلي الله عليه وسلم يقول بأعلي صوته :" من يشتري العبد ، من يشتري العبد " .. فتعجب زاهر وأخس بأنهم لا يريدون سرقته وبيع متاعه فحسب ، بل يريدون أن يبيعوه هو الآخر مع المتاع .. والعجيب أن زاهر يري أن الناس غير متفاعلين مع الموقف بل يضحكون ولا يبالون ، ويلتفت زاهر فيجد النبي صلي الله عليه وسلم ، فسكن روعه وهدأت نفسه ، وكان يلصق كتفه بصدر النبي صلي الله عليه وسلم فرحاً به ، ويقول : أتبيعني .؟ إذاً والله تجدني كاسداً يارسول الله ، من يشتريني يارسول الله .؟ فلست من أجمل الناس ، ولست صاحب صنعة ، إذاً والله تجدني كاسداً يارسول الله ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم :" ولكنك عند الله لست بكاسد ، أنت عند الله غالٍ " انظر كيف رفعه النبي لأعلي وأعطاه قيمته الحقيقية والتي لا يشعر بها الناس ما عليك من الناس لا يهمك أن الناس لا يلتفتون إليك المهم عند الله ..
الشاهد من هذا الكلام : أن النبي صلي الله عليه وسلم ما كان يتعامل التعامل الحسن مع فلان ممن أعطاهم الله مالاً أو سلطة كلا كلا .. بل كان يستعمل مع أمثال هؤلاء الفقراء تلك المهارات مثل المدح والتلطف ..
بعضنا الآن قد يمزح لكن لو رأي ضعيفاً أو مسكين أو فقير فى الشارع أحياناً قد لا تتنازل لتمزح معه بيديك أو بكلامك قد لا تتنازل له لكن لو كان واحد له شأنه تجد نفسك تهتم به وتبحث عن نكته جميلة لتقولها له بل وتفرح إذا فرح ، لماذا .؟ لأن المقاييس عندنا الآن ليست تلك المقاييس الشرعية المطلوبة ..
**** مـن سـن سـنـة حـسـنـة فـلـه ـأجـرهــا :-
وخذ مثالاً آخر : النبي صلي الله عليه وسلم جالس يوماً وسط أصحابه ، فجاء قوم من مضر ، قد اجتابوا النمار ، وعلقوا السيوف وليس عليهم أزر ولا أردية ولا سراويل ولا قمص ، والواحد منهم لا عليه إلا عمامة ..
هل تعلم ما معني اجتابوا النمار .؟
معناه ياإخواني أن يأتي أحدهم إلي قطعة القماش فيخرقها من نصفها فإذا خرقها لبسها علي رأسه أتدرون لماذا .؟ لأن قيمة الإبرة والخيط ليست عنده لا يملكها وهذا من شدة الفقر ، أقبل هؤلاء مجتابي النمار وتقلدوا السيوف ودخلوا المسجد وبمجرد أن رآهم النبي صلي الله عليه وسلم لم يتحمل الموقف وقام ودخل إلي بيته ينظر يمين ويسار فخرج النبي صيل الله عليه وسلم والحديث رواه مسلم فوقي المنبر وقال بعد أن حمد الله وأثني عليه ، وقال : " إن الله سبحانه وتعالي يقول :" يأيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " .. آل عمران :102
ويقول :" ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس وحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً " النساء:1
ثم صاح بأعلي صوته صلي الله عليه وسلم وقال :" تصدقوا قبل أن لا تصدقوا تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة " .. ثم أخذ يفصل لهم أنواع الصدقات حتي لا يدع عذراً لأحد .. فقال :" تصدق رجل من ديناره تصدق رجل من درهمه تصدق رجل من ثوبه حتي قال : تصدق رجل ولو بشق تمره ".. يقول راوي الحديث : فظل الرسول يقول ذلك حتي انصرف الناس إلي بيوتهم حتي رأيت بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم كومين كوماً من ثياب وكوماً من طعام فتهلل وجه النبي صلي الله عليه وسلم لما رأي ذلك ثم نزل وقسمه بين الناس ..
إذغ يا إخواني هذه المهارات التي سنذكرها أيضاً نتعامل بها حتي مع أمثال هؤلاء الفقراء ..كذلك نتعامل بها مع النساء ، ما نحتقرهن ..
**** تـواضـع ـآ‘لـمـصـطـفـي – صلي الله عليه وسلم – :-
وهذا هو النبي صلي الله عليه وسلم كان يمشي فى الطريق فتأتي الجارية المسكينه فتقول له : يارسول الله لي عندك حاجة فيقول لها النبي صلي الله عليه وسلم : " ما حاجتك .؟" وهذا أمر ما ينبغي لرسول الله حتي أن ينشغل بها ، يارسول الله : أهلي عندهم أشغال كثيرة ويتعبونني فى الأشغال فأريد منك يارسول الله أن تتوسط لي عندهم لكي يخففوا عني والنبي صلي الله عليه وسلم يقول :" هذه يدي فى يدك إذهبي بها حيث شئت " ، حتي يقضي لها حاجتها ..
وهذه خولة بنت ثعلبة يظاهرها زوجها ، أي يقول لها : أنت علي كظهر أمي ..
وكان الأمر عندهم فى الجاهلية أن يقول الرجل لإمرأته : أنت علي كظهر أمي معناه : أنت طالق ..
لكن المرأة الآن فى ظل الإسلام ..
يقول : أنت علي كظهر أمي معناها ، أنت طالق أم له معني آخر ، فذهبت لتسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم هل هو طلاق أم غير طلاق ، والنبي يقول :" لا أدري ، ما جاءني الوحي " ، ويأمرها أن تأتي فى وقت آخر ، فتذهب المرأة وتأتي إلي رسول الله عدة مرات وتشتكي نفس الشكوي ، يارسول الله نثر بطني وأخذ شبابي و…."
والرسول يستمع إلي شكواها مرة ومرتين وثلاثة ماضجر منها ولا تأفف والواحد منا الآن لو اتصل به مسلم يقص عليه قصته سواء فى طلاق أو غيره تجده قد أضجر وتضايق وال يتحمل ، لكن رسول الله يتحمل المرأة ويتحمل سؤالها وشكواها لأكثر من مرة ..
كذلك كان يتعامل الرسول صلي الله عليه وسلم هذا التعامل الحسن الجميل مع الأطفال الصغار ، فيتلطف معهم..
فنسأل الله أن يجعل قدوتنا فى كل شؤون حياتنا وفي كل تعاملنا وفى كل معاملاتنا رسوله المصطفي وحبيبه المجتبي عليه الصلاة والسلام ..
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين ….