الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
والصلاة والسلام علي : سيد المستقيمين ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، صلاة وسلاما عليه وعلي صحابته الأخيار، وأهله وذريته الأطهار.
المنهج المستقيم والطريق القويم هو: دين الله تعالي(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)
وهو الذي نسأل الله إياه كلما قرأنا فاتحة الكتاب : (اهدنا الصراط المستقيم)
هؤلاء الذين أنعم الله عليهم: هم الذين اتبعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، وتحروا مواطن رضاه ، وتنحوا عن مواطن غضبه سبحانه ، حتى صار ذلك هدفهم ، وفي إطاره يدور سلوكهم، وبه تسطبع تصرفاتهم .
وليس هذا الهدي بالأمر الهين ، بل هو الذي يتحاج مجاهدة جادة ، وعزيمة راشدة ، وإرادة قوية ، ومثابرة مستمرة .
حيث إن السير علي هذا الصراط المستقيم، بما يصير معه المرء مستقيما : يمكنه من أن يكون عضوا نافعا في بيئته، خيرا في مجتمعه، قدوة صالحة لغيره.
وهذا ما أراده النبي صلي الله عليه وسلم للصحابي الذي قال له : قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه غيرك.
فقال له : " قل آمنت بالله ، ثم استقم"
نتائج الاستقامة
لو استقام الفرد، وطبق ما أراده الله منه، وتجنب ما نهاه الله عنه.
ولو استقامة الأسرة…
ولو استقامت الأمة…
ولو استقام المسئولون..
لانعدمت ـ أو كادت ـ الرذائل، والفواحش، والضعف والخنوع ، والتبعية الذليلة، من صفوف الأمة.
ولسادت ـ أو كادت ـ الفضائل والمكارم، والقوة والعزة، والاستقلالية الراشدة، والتفوق البناء، في جموع هذه الأمة الخيرة.
وفوق هذا وذاك ، لنالت هذه الأمة أفرادا وجماعات ـ أحلي وأغلي وأجمل ما يتمناه إنسان في الآخرة.
فإن جزاء الاستقامة في الآخرة : يكون بالخير في أحرج الأوقات وأصعب الأزمات.
حيث يقول عز وجل(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا).
أي لا خوف عليهم من أهوال ما هو آت ، ولا هم يحزنون علي ما فات.
كما يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).
أي هؤلاء المستقيمون، الذين أطاعوا الله فرضي عنهم : لهم يوم القيامة ثمانية أشياء:
1-تتنزل عليهم الملائكة بالبشارات.
2-تثبتهم (ألا تخافوا).
3-تطمئنهم (ولا تحزنوا)
4-تفرحهم (وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون).
5-تصارحهم (نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة).
6-تكشف لهم النعم (لكم فيها ما تشتهي أنفسكم).
7-تبين لهم سعة النعيم (ولكم فيها ما توعدون).
8-تعرفهم فضل الله تعالي عليهم(نزلا من غفور رحيم).
ويقول العلماء: هذه البشارات من الملائكة تكون في أحرج الأوقات وأصعب الأزمات.
وهي :
ساعة سكرات الموت.
وفي القبر.
ويوم الحشر.
ألا من مراجع لنفسه..!!
ألا هل من مشمر…؟!!
ألا هل نستقيم..؟!!
والاستقامة على صراط الله المستقيم يجب أن تكون بصدق نية وإخلاص وإتباع .. فعلى المستقيمين دائماً تجديد النية والعزم للعمل الصالح مع سلامة القلب من أمراضه وتطهير النفس من أدرانها لأنها تعلق بها فتوهنها وتبعدها عن فعل الطاعات .. وعليهم بكثرة الذكر والاستغفار والتوبة والدعاء .. فرسول الله إمام المتقين وأتقى المستقيمين , الكامل المبرأ من فوق سبع سماوات كان لا يفتر لسانه من الذكر والاستغفار ويكثر دائماً من الدعاء في كل أحواله وأقواله وأفعاله ..
وقد ذخرت السنة النبوية بأدعية مباركة , نطقها الفم النبوي الطهور , فجاءت كالبلسم الشافي لكل داء . ومن وجد المأثور لا يلتفت إلى سواه .
(( اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها )) .
((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع , وقلب لا يخشع , ونفس لا تشبع , ودعوة لا يستجاب لها )) .
ذكر ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه / طريق الهجرتين . الطريق الموصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال . أمور كثيرة يمكن الرجوع إليها ..
وقفة : ما لفرق بين الاستقامة والالتزام ؟
في اللغة العربية فرق بين الكلمتين .
فالاستقامة : تعني الاعتدال والانتصاب وإزالة الاعوجاج . فالكلمة من : قوم , ويقال في التعجب : " ما أقومه " أي ما أكثر اعتداله . ويقال : استقام له الأمر : أي اعتدل له . ومن ذلك معنى قوله تعالى : " ذلك دين القيمة " أي دين الأمة المستقيم .
وكذلك قوله تعالى : " واتقوه وأقيموا الصلاة ". " وأن أقيموا الدين .." . " وأقيموا الوزن بالقسط " . " وأقيموا الشهادة له " . " فاستقم كما أمرت " . " قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما .. " . " إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه .. " . وغيرها من الآيات .
والالتزام : تعني الثبات والدوام . ولزم الشيء : أي لم يفارقه . وهذا الالتزام وعدم المفارقة تكون على أي شيء سواء كان شيء حسن أم قبيح , وسواء كان مستقيم أم معوج . ومن ذلك قوله تعالى : " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " . " وألزمهم كلمة التقوى " . " أنلزمكموها وأنتم لها كارهون " . " فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً " . وغيرها من الآيات .
فالاستقامة لا تكون إلا في الشيء الحسن المعتدل الخالي من الاعوجاج , لذلك وصف الله تعالى صراطه بالمستقيم كما في قوله سبحانه في سورة الأنعام آية 153 :
( وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) .
ففرق كبير بين كلمتي الاستقامة والالتزام .
وهناك فرق بين قولنا " ملتزمون " و " مستقيمون " وإن كانت كلمة
" ملتزمون " أصبحت هي المصطلح الشائع بين الناس فيوصف بها المستقيمون , وكل مستقيم ملتزم , ولكن ليس كل ملتزم مستقيم .
هذا هوالمعنى اللغوي العربي الصحيح للكلمتين .
ودليل ذلك كثير في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . ومنه قوله تعالى : في سورة الأحقاف آية 13 : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون " . قال تعالى : "استقاموا " ولم يقل
" التزموا " .
ومن السنة النبوية حديث أبي عمرة سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله : قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحد غيرك , قال : " قل أمنت بالله ثم استقم " . أيضاً قال له " استقم " ولم يقل له : " التزم "
وقال في حديث آخر : عندما أتاه رجل من الصحابة يستأذنه في الجهاد , فسأله عن أبويه فأخبره أن له أم , فقال : " الزمها فإن الجنة تحت أقدامها " وفي رواية أخرى " الزم رجلها , فثم الجنة " . أي داوم واثبت عندها . فالفرق في المعنى واضح بين كلمتي " استقم و التزم " .
لذلك كلمة " مستقيمون " أصح وأفضل من كلمة " ملتزمون "
إن أصبت ووفقت فمن الله ، وإن أخطأت وقصرت فمن نفسي ومن الشيطان .
اللهم : اجعلنا من المستقيمين ، وارزقنا هذه البشارات، وأرض عنا يا رب العالمين..
وصلى اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين .
ويستاهل احلى تقييم