التصنيفات
منوعات

قيود الأسر وفنون الأثر

يقاس عمر الإنسان في هذه الحياة بأمرين اثنين, الأول عدد السنوات التي مرت عليه منذ ولادته, وهو يشترك في هذا المقياس مع غيره من الكائنات الحية وبني الإنسان, فلا تفاضل بين فرد وغيره في هذه المقياس, ولا يملك أن يغير فيه زيادة أو نقصانا.
والثاني بالفعل والأثر الذي قدمه وسيتركه من بعده, ويظهر هنا تمايزه عن بني جنسه وعن غيره من الكائنات الأخرى, فقد يموت الإنسان وبموته ينتهي فعله وأثره, لان حدود تلك الفاعلية, وهذا الأثر, لم تكن تتجاوز ظله, وقد يخلف من بعده أثرا ضخما يدل عليه ويبقي ذكره بين الناس حيا, وإن فني منه الجسد ورمت العظام.
وهذا الذي قضى حياته بمعيار الأيام والسنون, ولم يكن له كبير حظ من الفاعلية والأثر, لم يذق طعم الحياة حقيقة, وقضى على نفسه وذاته بالموت مبكرا, بعدما رضي بالبقاء في جُب الأسر, في ظل معوقات, وقيود, لم يبذل من جهده لإزالتها, وفي مقدمتها تلك القيود النفسية التي تجذبه إلى الدعة والسكون, ظنا أن في ذلك نجاة وحياة, والأمر على خلاف ذلك تماما, فهو الهلاك والموت.
فقد ينظر الإنسان إلى نفسه نظره دونية, فيرى فيها قزما ضئيلا, لا يستطيع أن يحفر لذاته واقعا وأثرا, فيركن إلى عد الأيام والسنون لعلها تمر سريعا, فيمضى كما مضى الأولون, ولا يرنو بصره إلى خارج نفسه ليرى أولئك العمالقة العظام كيف خطوا لأنفسهم أثرا قويا لا تمحوه الأيام واليالي.
أو تراه يقتبس من حياة الآباء والأجداد قيودا يضعها في يديه وقدميه, ظنا أن تلك هي الحكمة والعقل وحسن التدبير, دون أن يفكر يوما في التخلص من أسر هذه القيود والقفز خارج قفص التبعية والابائية الذي نعاه الكتاب الكريم بقوله تعالي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ الَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} (البقرة:170 الآية).
وقد يرى الكون من حوله بمنظار اليأس, فلا سبيل لفعل شيء ناجح, ولا لترك أثر جميل, فيغدو يُقعده اليأس عن الحراك والتأثير بفعل تجربة أو تجربتين مرا بهما, ولم يكن التوفيق فيهما حليفه, فظن أن في أعقاب كل تجربة فشلا وألما نفسيا كبيرا, فترك الحراك وأسلم نفسه لشيطان اليأس فأقعده, على الرغم من العذابات الأليمة التي تلاحقه من جراء هذا القعود وذاك اليأس.
وهنا تجربه جد مفيدة قام بها أحد خبراء علم النفس لدراسة تأثير اليأسِ على الكائن الحي, حيث صمم صندوقا قسمه إلى جزأين:جزء معدني، وجزء خشبي، وكان يُجري تجربته على الكلاب، فيضع كلبا في هذا الصندوق، ويُغريه بالطعام في الجزء المعدني، ثم يُطلق تيارا كهربائيا، فتعلَّم الكلب أن يقفز من القسم المعدني إلى القسم الخشبي، بعد ذلك صار يُطلق صفارة ثم يطلق التيار الكهربائي بعد خمس ثوان، فتعلمت الكلاب أن صوت الصفارة تعقبه الصعقة، فكانت تقفز فور سماعها لصوت الصفارة وحتى قبل إطلاق التيار الكهربائي، بعد ذلك قام بربط الكلاب في الجزء المعدني، وعندما كانت الصفارة تنطلق كانت الكلاب تحاول الهرب ولكن القيود تمنعها، وكانت تحاول الهرب، ثم تأتي الصعقة فتعذب الكلاب عذابا أليما شديدا، وهي تحاول المستحيل للهروب من قيدها وعذابها، ولكن دون جدوى، ومع التكرار أصابها اليأس، وأدركت أنه لا أمل مهما حاولت، فامتنعت عن الحركة حتى مع عذاب الصعق بالتيار الكهربائي، كانت تنام مستسلمة، وقد أدركت أن عذابها لا مفر منه، ولا جدوى من مقاومته.
تكررت التجربة مرارا لعدة أيام، ثم فكَت قيود الكلاب، ولكنها مع ذلك لم تحاول الفرار عند سماعها للصوت الذي يسبق الصعقة، بل ولا تتحرك مع الصعقة نفسها فيما عدا حركات الصدمة الكهربية، ومهما ارتفع الصوت أو اشتدت الصعقات لم تكن الكلاب تتحرك؛ كانت قد تقوضت من الداخل، واكتسبت حالة من اليأس والخمود، والاستسلام والعجز الذي قضى على حياتها باكرا.
وقد يكون المرء متلبسا بوهم كبير ملئ عليه حياته, وأقعده عن الفاعلية والأثر, من نحو الخوف من المخاطر والمجازفة, فلا يرى شيئا يستحق منه أن يتحلى بروح المغامرة والإقدام والريادة, ويبحث عن مبرات للركون والدعة والكسل الحياتي, مُقنعا نفسه, أو تاركا إياه تقتنع بأنه لا فائدة ولا شيء في الحياة كبيرة يستحق تلك الروح الوثابة المتحفزة.
وهذا الذي يعيش في وهمه لا يبرحه, تراه يسعى ليصطاد من حياة الآخرين نماذج فاشلة ليؤكد قناعته بأن لا شيء يستحق الحراك, مغمضا عينيه وقلبه عن الآلاف من بني جنسه الذين تخلوا عن الأوهام وانطلقوا بنفوس كبيرة تبحث عن التحديات الكبرى وتمناها ولا تلفت لشيء سواها ولا تلوي على شيء سوى الأثر الكبير.
وإذا كنا نقول إن الحلم هو الإيمان بالذات وقدرتها على تحقيق شيء وكفاءتها واستعدادها وتأهيلها للنجاح، فالوهم هو عكس ذلك، فهو عدم الإيمان بالذات، وأن ينتقل الإنسان من حقيقته إلى شيء آخر وهمي، وكأنه يستمد منه قدرته وطاقته، ولذلك فإن الأوهام أن تكون إزدراء للنفس والذات.
وإذا تركنا قيود الأسر لنبحث عن فنون الأثر لوجدنا نفوسا كبارا كسرت هذه القيود وانطلقت تغير مجرى الحياة من حولها في ثقة ويقين وعزم لا يلين, وما انفكت حتى غرست غرسها وتركت آثارها.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الغرس الأكبر والأثر الأعظم, الذي جاء لبشرية تعيش في جهالات وظلمات بعضها فوق بعض, وجد الصدود والإعراض والتكذيب, في بضع سنوات, هي قليلة في عمر هذا التاريخ الطويل, استطاع أن يغير من وجه البشرية جميعها.
ونراه ما مضى إلى ربه إلا بعد أن علم البشرية كلها فنون الأثر حتى في الحظة الأخيرة, ليس في عمر الإنسان, ولكن في عمر الحياة كلها, والساعة تقوم, في الإمكان أن نفعل فعلا ايجابيا مؤثرا, فلنفعل ولنترك أثرا…(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها).(السلسلة الصحيحة:9)
وهو يرشد البشرية كذلك إلى فن آخر من فنون الأثر, ويعلمهم أن موت الإنسان لا يعد انقطاعا لأثره في الحياة, فيستطيع وهو بين الأموات أن يؤثر أثرا كبيرا في حياة الأحياء, ويحصد من وراء هذا الأثر الشيء العظيم والكبير النافع له بين يدي ربه.. (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له).(مسلم:1631)
وهذا الجيل الأول الذي تلقف تلك الكلمات, غدا ليكون الأنموذج والمثل في فنون الأثر والفاعلية, فما تعُد من أصحابة الأقربين أحدا إلا وجدت له أثرا ماضيا وفاعلية تعدت حدود الزمن.
فالصديق أثره في الدعوة في حياة النبي وبعدها أكبر من يعبر عنه القلم أو يحيط به قول، والفاروق من بعده نزع نزعا شديدا وأراده أثرا قويا فكان له ما أراد فتحت في عهده الفتوح وبلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها..
ولقد رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر لبعض هؤلاء النفر الكرام أثرهم الذي به يُعرفون (..أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله – تَعَالَى – أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح..) (السلسلة الصحيحة:1224).
وتوارث الفاعلية وفنون الأثر لمن خلفهم حتى رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله في عمره القصير الذي لم يتجاوز بضع وستون سنة أن يترك أثرا بالغا في حياة من تبعه..فمن منا لم يقرأ لابن تيمية.. ومن ذا الذي لم يستفد من علمه الواسع وكتبه العظيمة.. لقد بقي ابن تيمية بهذه الآثار العظيمة حيا, وإن وري الثرى منذ زمن بعيد.
ولم يكن شيخ الإسلام بدعا في سجل العمالقة والكبار الذين استعلوا بنفوسهم عن الدنايا والصغائر وسموا إلى فنون الأثر والفاعلية, فالإمام النوي رحمة الله الذي وافت المنية في الأربعين من عمره, هو ذاك الشخص الذي ترك لنا هذه الآثار الضخمة, والمؤلفات العظيمة التي خطت أثرا بالغا في العقول والأفئدة.
وبقي السؤال بعد هذا التطواف في قيود الأسر, وفنون الأثر..أين أنت؟
أنت بداخلك عملاق ضخم يحن إلى أن تطلقه من أسره الطويل وتعلمه فنون الأثر..
أنت قادر على أن تصنع معجزات وتمضي على الأثر, لتصنع أثرا كما مضى الصحب الكرام ومن تبعهم..
فقط أيقظ ذلك العملاق وانطلق ولا تصغ السمع إلا لصوت الأمل وفنون الأثر



الحقيقه هذا المقال يضم بين سطوره معاني ما كل من يقرأ ويتهجأ يمكنه ان يفهمها …هي معاني تخاطب الامل واليأس في
النفس البشريه ..الدافع السلبي للسكون وهو الياس والدافع الايجابي للبقاء والحركه وهو الامل ..فصعقات الحياة قد تكون مميته للطموح وقاتله للامل ولكن النفوس الكبار لا يضيرها الالم بقدر ما يؤلمها التوقف والبقاء في الخلف فهي دؤوبه في سيرها نحو الامام تعشق المقدمه دوما وتحفر لاسمها اخاديدا في الصخور الجامده …
واذا كانت النفوس كبارا ….تعبت في مرادها الاجسام ..

بارك الله فيك على هذا الاختيار الموفق ..




تم رفض التقييم عن طريق الميزان فوضعت تقييمي مباشره …



بارك الله فيكي



جزاك الله كُل خيَر



التصنيفات
التربية والتعليم

إلى متى تستمرّ المحفظة المدرسيّة تقضّ مضاجع الأسر الفقيرة؟؟


في كل بداية موسم دراسي، تثقل كاهل الأسر بمصاريف الدخول المدرسي والمتمثلة أساسا في توفير المحفظة المدرسية ولوازمها وألبسة لفلذات أكبادها، وهكذا يكون بداية كل موسم دراسي بمثابة فزاعة ترهب الأسر وخاصة الفقيرة منها ومتعددة الأبناء. فكيف إذن يتم تدبير هذه العملية؟ وماهي التأثيرات الجانبية؟
إيمانا من الجميع بأهمية التعليم لتكوين مجتمع متحضر، ونتيجة التطورات الهائلة التي عرفها العالم وكسر كل القيود والحدود في المجال المعلوماتي، اهتمت ساكنة السمارة وبشكل ملحوظ بإيلاج أبنائها المؤسسات التعليمية وتعميم التمدرس بشكل كبير ما هو إلا دليل على ذلك، ولم تتحقق هذه الأهداف إلا نتيجة عوامل مساعدة.
فبفضل الدعم الاجتماعي وخصوصا المبادرة الملكية الخاصة بمليون محفظة، استطاعت مجموعة من الأسر التخفيف من أعباء الدخول المدرسي وخاصة ذوي المتمدرسين بالسلك الابتدائي بعدما استطاعت السلطات التربوية تعميم الاستفادة على كل تلاميذ السلك الابتدائي دون استثناء، إذ أن تلاميذ المستوى الأول بالوسطين، يستفيدون من محفظة كاملة( محفظة + كتب مدرسية+ أدوات مدرسية) بينما تستفيد بقية المستويات الابتدائية الخمس من كتب مدرسية فقط. أما السلكين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهلي فهناك بعض المبادرات للتخفيف على الأسر المعوزة رغم أنها لم ترق بعد للمستوى المنشود، ولهذا فإن الأسر الفقيرة ونظرا لقلة ذات اليد ولأهمية المراجع المدرسية وضروريتها في توفير أذني شروط التحصيل، فهي تجد ضالتها في اقتناء الكتب المستعملة والتي تعرف رواجا كبيرا في مثل هذا الوقت من كل سنة، فمدخل شارع الدخيل مكتظ ببائعي مثل هذه الكتب المستعملة وزبنائهم.
محمد تلميذ يتابع دراسته بالسنة الثانية باكالوريا، أكد لنا أن له علاقة وطيدة مع هذه التجارة الموسمية منذ سنواته الابتدائية وقبل مجانية الكتب بها، مشيرة أن رغم هامش الربح الذي يحصل عليه، فهو يقدم خدمة مهمة لأبناء الفقراء ويمكنهم من مراجع بأثمنة مناسبة بعد الحصول عليها كذلك من تلاميذ أنفسهم أو عائلات، مؤكدا أن هذه العملية تجعل كل هذه السلسة مستفيدة.
بعد تجهيز المحفظة وانطلاق الدراسة، تبدأ معانات أخرى ومن صنف أخر، معانات الأطفال الصغار مع ثقل المحفظة، فكل الآباء والمهتمين بالشأن التربوي يؤكدون على معاناة أبنائهم مع ثقل المحفظة وخاصة تلاميذ المستويات الدنيا(1-2-3) مما يجل البعض يبقى رهينا لمصاحبة الابن جيئة وذهابا لحمل المحفظة (الكابوس) وخاصة حينما تنعدم الخزانات بالأقسام والأمان، لترك بعض الكراسات ودفاتر التمارين، ومن خلال استقصاء الآراء في هذا الشأن، سجلنا انزعاج الآباء من كثر المواد المقررة مما أدى إلى كثرة الكتب والكراسات وكبر حجمها، وهكذا صرح لنا أحدهم وهو غاضب من كثرة الكتب المدرسية وعدم إتمام محتوياتها مع متم السنة الدراسية، مستفسرا عن عدم وضع مرجع مشترك لأكثر من مادة وحصر مجمل الكتب في ثلاث أو أربعة على الأكثر وبذلك نستطيع ترتيب وتنظيم المحفظة والحد من ظاهر نسيان المراجع بالمنزل أو إتلافها ولكل هذا تأثير سلبي على وضعية التلميذ يضيف نفس المصدر. أما الأم عائشة فقد سجلت لومها الكبير للاستعمال الزمني وخاصة بالابتدائي، فتداخل المواد وكثرة الحصص اليومية تجعل التلميذ حاملا لنفس المحفظة، مملوءة بكل المراجع، على طول اليوم وعلى مدار الأسبوع، ولا تستبعد الأم عائشة أن تكون مثل هذه المحفظة الثقيلة ضمن الأسباب التي تجعل بعض التلاميذينفرون من المدرسة.
تعددت الأسباب والمشكل واحد، فمحتويات المحفظة المدرسية في حاجة إلى مراجعة جريئة وخاصة للتقليص من كثرة الكتب والكراسات المخصصة لنفس المستوى وكذا مراجعة أثمنة هذه اللوازم بعد اعتبار المدرسة العمومية رافدا أساسيا لبناء مجتمع مزدهر ومتكامل البنيان. ومراجعة المناهج والمراجع المزمع القيام بها تماشيا مع المقاربة بالكفايات المعتمدة بنظامنا التعليمي ماهي إلا فرصة لمواكبة تطلعات فئة عريضة من الغيورين على قطاع التربية والتكوين.



م/ن



سلام



منورة



التصنيفات
المواضيع المتشابهة للاقسام العامة

حرية بعد الأسر

أنا سميتها " حرية بعد الأسر" وأنت سمها ما شئتخليجية



ههههههههههههههههههههههههه

يحقلووووووووووو

بسلمووووووووووووووووووووووو




هههههههه
بس دى مش حرية دى انتحار
شكرا حبيبتى



هية دي حرية
قولي انتحار
تخلص من الحياة
او ممكن عايز ياخد حمام سباحة
استجمام يعني
ماتسيئو الظن



يسلمو اديكي يا عسل
وانا انتظر جديدك ومواضيعك المميزة روحي



التصنيفات
منوعات

زواج على ورقة طلاق . لماذا تنهار الأسر الجديدة

تألقت السعادة بكل وضوح على شفتيها الباسمتين، وبرقت عيناها بالفرحة التى طالما انتظرتها سنوات عديدة، وهى ترتدى ثوب الزفاف الأبيض الحالم، ينعكس ضوء القاعة المبهر عليها، فتزداد لمعانًا، تتأبط ذراع زوجها الوسيم ذى الحلة السوداء الحالكة، ورباط العنق الصغير الأنيق، تطل السعادة من خلجات وجهه، فتزداد سعادتها، وقبل أن تكتمل الأسرة التى لم تلبث جذورها أن تستقر فى الأرض، فوجئ الجميع بالخبر الصعب ألا وهو الطلاق، انهارت الأسرة قبل أن تبدأ، وتساءل الجميع فى حيرة وذهول عن السبب.

قصة تتكرر كل يوم بعد أن تزايدت حالات الطلاق بشكل ملفت فى مجتمعنا، فما الأسباب؟ وكيف نحمى الأسرة من هذا الكابوس؟

حماتى السبب
تقول ليندا: أنهيت دراستى الإعدادية، وكنت أصغر بنات العائلة التى تتكون من عشرة أفراد، تقدم قريبى لخطبتى، ولم أكن أفهم معنى الزواج، كان عمرى خمسة عشر عامًا فقط، ومن داخلى لم أكن أرغب فى الزواج، إلا أن أهلى وافقوا وأقنعونى، وتزوجت، وكانت نهاية البداية من حماتى، فهى سيدة قوية وصعبة جدًا، وباتت حياتى مستحيلة، إلا أن طيبة زوجى جعلتنى أتمسك به، حتى أتانى من يخبرنى أن زوجى ينوى الزواج بيهودية تعرف عليها فى أثناء سفره للضفة الغربية، فأبلغت أهلى، ورأوا أنى لا يجب أن أبقى على ذمته.

سقط القناع
تُرجع مديحة السعيد سبب طلاقها من زوجها لكثرة المشاكل بينهما فتقول: لقد سقط القناع عنه بعد زواجنا مباشرة، لم يعد ذلك الرجل الرومانسى اللطيف الذى أحببته وتزوجته، وظهرت شخصيته الحقيقية، أصبح جافًا فى تصرفاته وعدوانيًا معى، يغضب لأتفه الأمور، ولا يرضيه شيء مهما فعلت، حتى لو أضأت له أصابعى شمعًا، حاولت مرارًا وتكرارًا تجنب الطلاق للحفاظ على أسرتى، ولكن بعد أن وصل الأمر إلى حد الضرب والإهانة لم أجد حلاً سوى الطلاق.

ليس بالجمال وحده يحيا الزواج
نشأت بينهما قصة حب عميقة، كانا يعملان فى نفس المدرسة، جمالها الملفت للأنظار أثار إعجاب العديد ممن حولها، وكان هو ضمن هؤلاء، حتى تزوجا، وبسبب ظروفها المادية الميسورة أخذت تتجاهل زوجها باستمرار، وتتعالى عليه، فتعرف على فتاة أخرى ليست جميلة كزوجته، ولكنه وجد فيها الحنان الذى افتقده فى زوجته، فقام بتطليقها؛ ولكن بعد أن أنجبت.

مفاجأة شهر العسل
فتاة فى السادسة والعشرين من عمرها، تعمل بالتدريس، خطبت لرجل أعمال خطبة تقليدية، وتزوجا بعد الخطبة بأسبوع، نظرًا لأنه ميسور الحال، وكانت المفاجأة فى يوم زفافها الذى تنتظره كل فتاة بشوق وترقب، وجدته يقوم بحساب ما ستقوم بإنفاقه على المنزل من راتبها، وفى اليوم التالى لزفافها، فوجئت بأصدقائه قد أتوا للمنزل، وأخذ زوجها يلعب معهم القمار حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، واجهته ولكنه تشاجر معها، وأخذ يبيت خارج المنزل لثلاث أو أربع ليالٍ متصلة، وبعد أن نفد صبرها، تركت المنزل وعادت إلى منزل أهلها، وتم طلاقها بعد عام واحد من الزواج.

اختفاء زوج
تعمل حاسبة فى أحد البنوك، طُلقت منذ ثلاث سنوات بعد أن تزوجت من شقيق صديقتها، رجل أعمال، لم تتعد فترة الخطوبة شهرًا واحدًا بعدها تزوجا، وبينما يقضيان شهر العسل فى أحد الفنادق اختفى تمامًا ولم يترك أثرًا، وبعد أن فقدت الأمل فى عودته، اضطرت إلى بيع شبكتها كى تتمكن من تسديد فاتورة الفندق الباهظة، والعودة إلى مصر، وهناك فوجئت بأن ورقة الطلاق تنتظرها بعد ثلاثة أسابيع بالضبط من الزواج.

عفوًا والدى
يتيمة الأب، عمرها 25 عامًا، خطبت لشاب هادئ بالطريقة التقليدية، كان عش الزوجية الجديد مقابلاً لشقة أسرة الزوج، من ثم أخذ الأب والأم بالتدخل فى أدق شئون حياتهما، مما أحال عش الزوجية السعيد إلى جحيم، حتى انتهى الأمر بالطلاق بعد سنة واحدة من الزواج، الذى أسفر عن طفل عمره ثلاثة أشهر.

وهنا لا بد من طرح السؤال.. هل التربية الخاطئة هى المسئولة عن قصر عمر الزواج فى هذه الحالات، أم أنه الاختيار، أم التسرع وعدم دراسة كل طرف لشريكه المنتظر؟

السبب الرئيس.. سوء اختيار
عن أثر التربية المدللة، وعدم تحمل المسئولية، تتحدث الدكتورة آمنة أبو كيفه – الأخصائية النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس، ومدير البعثة التخصصية لإعداد معلمى التوجيه – فتقول:

للطلاق المبكر أسباب عديدة منها: سوء الاختيار، والتسرع فى اتخاذ القرارات، أو الزواج على عجل بعد فترة خطبة قصيرة جدًا، لا تكاد تكفى لمعرفة كل فرد للآخر معرفة جيدة، بالإضافة إلى الأهل الذين يضعون كل تركيزهم واهتمامهم على النواحى المادية فقط، ناسين أو متناسين السؤال عن ذلك المال، ومعرفة مصدره على الأقل، وإذا كان الطرفان يدركان جيدًا أهمية العلاقة الزوجية، وأن أساسها هو الرباط المبنى على المودة والرحمة والحب والود، يمكنهما حينئذ مواجهة أى عقبة تواجههما مهما كانت صعوبتها؛ إذ يتغاضى كل منهما عن بعض العيوب التى يمكن التغلب عليها، والتعايش معها من الطرف الآخر، أما إذا لم يكونا متفاهمين، ولا يوجد بينهما علاقة حب، فكيف ينجح الزواج إذن؟

وتضيف د. آمنة: من الملاحظ أن معدل الطلاق قد زاد فى تلك الآونة عما كان خلال الثلاثين عامًا الماضية مثلاً؛ لأن الشاب المدلل الآن يتعامل مع الزواج بعدم اهتمام، مع توقعه بأن الطرف الآخر سيطيع ويفعل ما يريده على الفور بلا مناقشة، كما اعتاد فى منزل أسرته، فما دام أحد الطرفين مدللاً، فإنه لا يدرك أهمية تحمل المسئولية، سواء مسئولية المنزل، أو الأسرة، أو الأطفال.

كذلك فإن فشل الزواج قد يكون نتيجة تدخل أحد الأبوين، وبالذات الأم، فكثير من الأمهات يتدخلن تدخلاً سافرًا ومباشرًا فى حياة أولادهن، نظرًا لوجود أزمة السكن، واضطرار العديد من الشباب المتزوج إلى المعيشة مع الأسرة، سواء فى حجرة مستقلة، أو شقة مستقلة فى نفس منزل الأسرة، ولا نريد أن نلقى باللوم على الأمهات وحدهن، فزوجة الابن قديمًا كانت مطيعة وهادئة يكاد لا يُسمع لها صوت بالرغم من معيشتها فى منزل أسرة زوجها، أما الآن فهناك العديد من زوجات الأبناء اللائى يردن كيانًا مستقلاً فى منزل مستقل.

وهذا لا يعنى أن الصورة الرومانسية للزواج التى نراها فى الأفلام غير موجودة، فالحياة ليست قائمة بهذه الدرجة، فمؤلفو تلك القصص غالبًا ما يقومون باقتباس هذه القصص والموضوعات من الواقع، سواء رأوها بأنفسهم، أو قصها على مسامعهم أحد الأصدقاء، أو قرءوها.

الخلاصة:
أن تلك القصص جميعها قصص واقعية، فهناك رومانسية، وهناك زواج ناجح، وهناك زوجان متحابان بعد فترة طويلة من الزواج؛ لأن المرأة إذا أحبت الرجل حبًا صادقًا حقيقيًا، فإنها تتحمله إلى أقصى حدّ، وكذلك الزوج، كلما كان قريبًا من الدين، سيتقى الله فى زوجته، ويخشى أن يهينها ولو بكلمة؛ اتباعًا للآية الكريمة: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

إلا أنه فى المقابل توجد حالات يكون فيها عقد الزواج مكتوبًا على ورقة الطلاق، حتى وإن كانت نسبة هذه الحالات ضعيفة ومحدودة، فإن ذلك لا ينفى وجودها الذى يسبب حالة من القلق والتوتر للأسرة.

الحل.. فى التكيف
وذكرنا دكتور حمدى المليجى – أستاذ علم النفس التربوى بكلية التربية بجامعة طنطا – بحقيقة مهمة جدًا، وهى: أن لكل حالة من حالات الطلاق المبكر أسبابها، وليس هناك أسباب عامة، أما الأسباب المحتملة، والتى يمكن أن تؤدى لحدوثه يمكن إجمالها فى الآتى:

1. عدم التوافق الزواجى بين الشريكين، والراجع إلى الفرق فى المستوى الثقافى والفكرى والتعليمى، فالزوج يشعر دائمًا بالنقص إذا كانت زوجته أعلى منه فى الدرجة العلمية، بينما إذا كانت الزوجة هى الأقل فى المستوى التعليمى، فإنها على العكس لا تشعر بالنقص، بل تشعر بالفخر بزوجها، وتحاول دفعه دائمًا إلى الأمام.

2. الغيرة الشديدة من أحد الزوجين على الطرف الآخر، والتى قد تصل إلى حد الشك المرضى.

3. الفرق فى المستوى الاقتصادى فى المعيشة، وخاصة الزوجة حين تكون أسرتها ذات مستوى مادى مرتفع، وتوفر لها كل ما تحتاجه، بينما الزوج لا يمكن تلبية متطلباتها التى كانت توفرها لها أسرتها السابقة.

4. عدم الرغبة فى إتمام الزواج أصلاً وبخاصة الزوجة التي قد تكون أرغمت على الزواج، أما الزوج فلا يمكن إرغامه على ذلك أبدًا.

5. المثل العامى القائل: إن الحب يأتى بعد الزواج، فهو ليس قاعدة، فهناك من الحالات ما يتحقق فيها ذلك، وهناك من يقضايان حياتهما الزوجية بأكملها بلا حب.

وهناك مؤشرات يمكن أن تؤخذ فى الاعتبار للدلالة على نجاح تلك الزيجة أو فشلها، واحتمال حدوث الطلاق المبكر، ومن هذه المؤشرات:

1. وجود فجوة فى التفكير بين الطرفين.

2. أن تكون طلبات المخطوبة فوق مستوى إمكانات الخاطب لعدم تقديرها أن خطيبها شاب فى بداية حياته، لا يمكن أن يحقق لها كل ما تحلم به على الأقل الآن.

3. بخل الزوج والذى قد يظهر أثناء فترة الخطوبة، ومهما حاول مداراة ذلك فلا بد من هفوة صغيرة تكشف للزوجة أن زوج المستقبل بخيل.

4. استعجال الاستفادة من الزواج اقتصاديًا كأن تطلب الفتاة من خطيبها سكنًا كبيرًا وواسعًا، أو حفل زفاف فى أحد فنادق الخمس نجوم.

وليس هناك حل سحرى لتفادى حدوث الطلاق المبكر، ولكن هناك عدة محاولات لذلك منها:

1. انتقاء الأسرة: سواء الزوج أو الزوجة التى سيختار منها شريك المستقبل، بحيث تتوفر فيه مجموعة من الخصائص التى تحقق الاستقرار والعمل بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه..»؛ لذا فإن نقطة البداية لنجاح أي زواج هى الاختيار الصحيح.

2. تفهم ظروف الطرفين سواء كانت مادية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومحاولة التكيف معها، وتحذير كل من أسرتى الزوج والزوجة من التدخل فى حياة أبنائهما إلا بالنصح فقط، بما لا يصل إلى التدخل فى أمورهما الشخصية، كأن تقوم الأم مثلاً – الحماة – باصطياد المواقف الصغيرة فى حياة ابنها أو ابنتها لخلق مشكلة كبيرة قد تصل إلى حد الطلاق.

3. أن تقدم وسائل الإعلام برامج تحقق الإرشاد الزواجى، ويجب على تلك البرامج أن تركز على تقديم الإرشاد الزواجى بصورة علمية مبسطة باستخدام جميع الوسائل المتاحة؛ لأنها تخاطب شرائح متباينة من المجتمع.

وأخيــرًا ينصح د. المليجى الشباب المقبل على الزواج بأن يحاول كل من الشريكين أن يتنازل عن عيوب الطرف الآخر، فقد أتى كل منهما من أسرتين متباينتين، لكل واحدة منهما أسلوب تربية وتفكير مختلف حتمًا ينبغى احترامه كأمر طبيعى.




يعطيكي العافية



الله يعافيكي



فعلا كلام بمحلو
تسلمي حلاتي