عنترة بن شداد العبسي —-هو عنترة بن عمرو بن شداد وشداد جده غلب على اسم أبيه ، وإنما أدعاه أبوه بعد الكبر وذلك أنه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من أمة أستعبده ، كان بعض أحياء العرب قد أغاروا على بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم عمّا معهم وعنترة فيهم ، فقال له أبوه : كر يا عنترة قال : العبد لا يحسن الكر ، إنما يحسن الحلاب والصَّر، فقال : كر وأنت حر فكرَّ وهو يقول :
أنا الهجين عنترة * كل امرئ يحمي حره
أسـودة وأحمرة * والواردات مشفـرة
فقاتل وأبلى واستنقذ ما كان بأيدي عدوهم من الغنيمة فادّعاه أبوه وألحق به نسبه وكان لا يقول من الشعر إلا بيتين أو ثلاثة حتى سابه رجل من بني عبس فرد عليه وافتخر بأفعاله في الغزوات والغارات وكان أول ما قال : هل غادر الشعراء من متردم
وهي بعض قصائده:
بمهندي نلت العلاحـكم سـيوفك فـي رقاب iiالعذل
وإذا نـزلت بـدار ذل iiفـارحل
وإذا بـليت بـظالم كـن iiظـالماً
وإذا لـقيت ذوي الـجهالة iiفاجهل
وإذا الـجبان نـهاك يـوم iiكريهة
خـوفاً عليك من ازدحام iiالجحفل
فـاعص مـقالته ولا تـجفل بها
وأقـدم إذا حـق الـلقا في iiالأول
واخـتر لـنفسك مـنزلا تعلو iiبه
أو مـت كريماً تحت ظل iiالقسطل
فـالموت لا يـنجيك مـن iiآفاته
حـصنُ ولـو شـيدته iiبـالجندل
مـوت في الفتى في عزه خير iiله
مـن أن يبيت أسيرّ طرفٍ أكحل
إن كـنت فـي عدد العبيد iiفهمتي
فـوق الـثريا والـسماك iiالأعزل
أو أنـكرت فرسان عبس iiنسبتي
فـسنان رمـحي والحسام يقر iiلي
وبـذابلي وبـمهندي نـلت العلا
لا بـالـقرابة والـعديد الأجـزل
ورميت رمحي في العجاج فخاضة
والـنار تـقدح من شفار iiالأنصل
خـاض الـعجاج محجلاً حتى iiإذا
شـهد الـوقيعة عاد غير iiمحجل
ولـقد نـكبت بـني حريقه iiنكبة
لـما طـعنت صميم قلب الأخيل
وقـتلت فـارسهم ربـيعة iiعنوة
والـهيذبان وجـابر بـن iiمهلهل
وابـني ربـيعة والحريش iiومالكاً
والـزربقانُ غـدا طريح iiالجندل
وأنـا ابـن سـوداء الجبينِ iiكأنَّها
ضـبع ترعرع في رسوم iiالمنزل
الـساق مـنها مـثل ساق iiنعامة
والـشعر مـنها مثل حب iiالفلفل
والـثغر مـن تـحت اللثام iiكأنه
بـرق تـلألأ في الظلام iiالمسدل
يـا نـازلين على الحمى iiوديارهِ
هـلا رأيـتم في الديار تقلقلي ii؟
قـد طـال عزكم وذلي في الهوى
ومـن الـعجائب عـزكم iiوتذللي
لا تـسقني مـاء الـحياة بذلة iiبل
فـاسقني بـالعز كـأس iiالحنظلِ
مــاء الـحـياة بـذلة iiكـجهنم
وجـهنم بـالعز أطـيب مـنزل
………………………… ……………….. ………
إذا كشف الزمان لك القناعا :
إذا كـشـفَ الـزمـانُ لـك iiالقناعا ومـدّ إلـيـك صـرفُ الـدهـرِ iiبـاعـا
فـلا تـخـشَ الـمـنـيـةَ iiوالـتـقيها ودافـعْ مـا اسـتـطعتَ لها دِفاعا
ولا تــخــتـرْ فِـراشـاً مـن iiحـريـرٍ ولا تــبــكِ الـمـنـازلَ iiوالـبِـقـاعـا
وحَــولـكَ نِـسـوةٌ يَـنـدبـنَ iiحُـزنـاً ويَــهْـتِـكـنَ الـبـراقـع والـلِّـفـاعـا
يـقـول لـك الـطبيب دواك عندي إذا مــا جــس كــفـك والـذراعـا
ولــو عــرفَ الــطـبـيـبُ دواءَ iiداءٍ يَـرُدُّ الـمـوتَ مـا قـاسى iiالنزاعا
وفـي يـوم الـمـصـانـع قـد تـركنا لَــنـا بِـفـعـالـنـا خـبـراً مُـشـاعـا
أقـمـنـا بـالـذوابـلِ سـوقَ حـربٍ وصَـيـرنـا الـنـفـوسَ لـهـا مـتـاعا
حِــصــانـي كـان دَلّال iiالـمـنـايـا فـخـاضَ غُـبـارهـا وشـرى وباعا
وسـيفي كان في الهيجا طبيباً يُـداوي رأسَ من يشكو الصُداعا
أنــا الـعـبـدُ الـذي خُـبـرتَ عـنـه وقـد عـايـنـتـنـي فدعِ iiالسماعا
ولـو أرسـلـتُ رُمـحـيَ مع جَبانٍ لـكـان بـهـيـبتي يَلقى السباعا
مَلأتُ الأرضَ خوفاً من حُسامي وخَـصـمي لم يجدْ فيها iiاتساعا
إذا الأبـطـال فـرَّتْ خـوفَ بأسي تــرى الأقــطــارَ بــاعـاً أو ذِراعـا
ابن الرومي
221 – 283 هـ / 836 – 896 م
*********************
علي بن العباس بن جريج أو جورجيس، الرومي.
شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي، رومي الأصل، كان جده من موالي بني العباس.
ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله -وزير المعتضد- وكان ابن الرومي قد هجاه.
قال المرزباني: لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سبباً لوفاته.
وقال أيضاً: وأخطأ محمد بن داود فيما رواه لمثقال (الوسطي) من أشعار ابن الرومي التي ليس في طاقة مثقال ولا أحد من شعراء زمانه أن يقول مثلها إلا ابن الرومي.
****************************
و من قصائده :
قولا لسُمَّانَة كَهْفِ الزنا .. سبحانَ من وسَّع أحْشاكِ
يغيبُ ماءُ الناس عن أسْرهم .. فيكِ ولا تُبْسطُ أَثناكِ
يا أرضُ هل حُمِّلْتِ في وُسْعها .. باللَّه مذ حُمِّلْتِ أَعباكِ
كأنما يُوحى إلى رِحْمها .. وقيل يا أرضُ ابلعي ماكِ
************************
سَلَوْتُ شَبابي والرّضاعَ كليهما .. فكيف تُراني سالياً ما سِواهُما
وما أحدثَ العَصْران شيئاً نكرْتُه .. هما الواهبان السالبان هما هُما
رأيت احتسابَ الأمرِ قبل وقوعه .. حَمَى مُقْلَتَيَّ أنْ يطولَ بُكَاهُما
***************************
أحمدُ اللّه حمدَ شاكرِ نُعْمَى .. قابلٍ شُكر ربِّه غيرِ آبِ
طار قومٌ بخفَّة الوزن حتى .. لحقوا رفْعَةً بقاب العُقابِ
ورسا الراجحون من جِلَّةِ النا .. س رسوَّ الجبال ذات الهضابِ
وَلَما ذاك للِّئامِ بفَخْرٍ .. لا ولا ذاك للكرام بعابِ
هكذا الصخرُ راجحُ الوزن راسٍ .. وكذا الذرُّ شائُل الوزنِ هابِ
فليَطِرْ معشرٌ ويعلوا فإني .. لا أراهم إلا بأسفل قابِ
لا أعدُّ العلوَّ منهم عُلوَّاً .. بل طُفُوّاً يمينَ غيرِ كِذابِ
ورعاعٌ تغلَّبوا بزمانٍ .. أنا فيه وفيهُم ذو اغترابِ
غلبوني به على كل حظٍّ .. غيرَ حظٍّ يفوتُ كلَّ اغتصابِ
إنني مؤمنٌ وإني أخو الحقـ .. ـقِ عليمٌ بفَرْعهِ والنِّصابِ
قلت إن تغلبوا بغالِب مغلو .. بٍ فحسبي بغالبِ الغَلّابِ
وبِخلٍّ إذا اختللتُ رعاني .. بالذي بيننا من الأسبابِ
كأبي سهلٍ المُسَهِّلِ مأتَى .. كلِّ عُرْفٍ وفاتحِ الأبوابِ
أنا شاكٍ إليك بعضَ ثِقاتي .. فافهم اللحنَ فهو كالإعرابِ
لي صديقٌ إذا رأى لي طعاماً .. لم يكد أن يجودَ لي بالشرابِ
فإذا ما رآهما لي جميعاً .. كفياني لديه لُبسَ الثيابِ
فمتى ما رأى الثلاثة عندي .. فهْي حسبي لديه من آرابي
لا يراني أهلاً لِملْكِ الظَّهاريـ .. يِ ولا موضعَ العطايا الرِّغابِ
وكأني في ظَنهِ ليس شأني .. لَهْوُ ذي نُهيَةٍ ولا مُتصابِ
فيَّ طبعٌ ملائكيٌّ لديهِ .. عازفٌ صادفٌ عن الإطرابِ
أو حماريَّةٌ فمقدارُ حظّي .. شَبعةٌ عندهُ بلا إتعابِ
إنما حظيَ اللَّفاءُ لديهِ .. مَع ما فيهِ بي مِنَ الإعجابِ
ليس ينفكُّ شاهداً لي بفهمٍ .. وبيانٍ وحكمةٍ وصوابِ
ومتى كان فتحُ بابٍ من اللَّـ .. ه توقعتُ منهُ إغلاق بابِ
كاتبٌ حاسبٌ فقد عامل الخل .. لَةَ بيني وبينهُ بالحسابِ
ليس ينفكّ من قِصاصي إذا أحـ .. سنَ دهرٌ إليَّ أو من عقابي
كلما أحسن الزمانُ أبَى الإحـ .. سانَ يا للعُجابِ كلِّ العجابِ
أحمدُ اللَّه يا أبا سهلٍ السهـ .. ـلَ مرامِ النوال للطُلّابِ
والفتى المُرتجَى لفصل القَضايا .. عند إشكالها وفصلِ الخطابِ
أترى الدهرَ ليس يُعجب من هَيْـ .. ـجك عتبي إذا نوى إعتابي
أفلا إذا رأيتَ دهري سقاني .. بِذَنوبٍ سقيتني بِذنابِ
أين منك المنافساتُ اللواتي .. عَهِدَ الناسُ من ذوي الأحسابِ
أين منك المقايساتُ اللواتي .. عَهِدَ الناسُ من ذوي الألبابِ
أمن العدلِ أن تعُدَّ كثيراً .. ليَ ما تستقلُّ للأوقابِ
أتُراني دون الأُلى بلغوا الآ .. مالَ من شُرطةٍ ومن كُتّابِ
وتِجارٍ مثل البهائمِ فازوا .. بالمنى في النفوس والأحبابِ
فيهمُ لُكنةُ النَّبيط ولكنْ .. تحتها جاهليَّةُ الأعرابِ
أصبحوا يلعبون في ظلِّ دهرٍ .. ظاهِر السُّخْف مثلهم لَعَّابِ
غيرَ مُغنين بالسيوف ولا الأقْـ .. لامِ في موطنٍ غَنَاءَ ذُبابِ
ليس فيهم مُدافعٌ عن حريمٍ .. لا ولا قائمٌ بصدر كتابِ
مُتَسمّين بالأمانة زوراً .. والمَناتينُ أخربُ الخُرَّابِ
كاذبي المادحين يعلمُه اللَّـ .. هُ عُدول الهُجاة والعُيَّابِ
شَغَلتْ موضعَ الكُنى لا بلِ الأسْـ .. ماء منهم قبائحُ الألقابِ
خيرُ ما فيهُم ولا خيرَ فيهم .. أنهم غيرُ آثمي المُغتابِ
ويظلون في المنَاعم واللذ .. ذاتِ بين الكواعب الأَترابِ
لَهُمُ المُسمِعَاتُ ما يُطربُ السا .. معَ والطائفاتُ بالأكوابِ
نَعَمٌ ألبستهُمُ نِعَمُ اللَّـ .. ه ظلالَ الغصون منها الرِّطابِ
حين لا يشكرونها وهي تَنمي .. لا ولا يكفرونها بارتقابِ
إن تلك الغصونَ عندي لتُضحي .. ظالماتٍ فهل لها من متابِ
ما أُبالي أأثمرتْ لاجتناءٍ .. بعد هذا أم أيبستْ لاحتطابِ
كم لديهم لِلَهوِهِم من كَعابٍ .. وعجوزٍ شبيهةٍ بالكَعابِ
دُرُّ صهباءَ قد حكى دُرَّ بيضا .. ءَ عَروبٍ كَدمْيةِ المحرابِ
تحملُ الكأس والحُلِيَّ فتبدو .. فتنة الناظرين والشُرَّابِ
لَذةُ الطَّعمِ في يَدَيْ لذّةِ الملْـ .. ثَمِ تدعو الهوى دعاءَ مُجابِ
حولَها مِنْ نِجَارِها عينُ رملٍ .. ليس ينفكُّ صَيدُها أُسدَ غابِ
يُونقُ العينَ حسنُ ما في أَكُفٍّ .. ثَمَّ تَسقي وحُسْنُ ما في رقابِ
ففمٌ شاربٌ رحيقاً وطَرفٌ .. شاربٌ ماءَ لَبّةٍ وسِخابِ
وَمزاجُ الشَّراب إن حاولوا المز .. جَ رُضابٌ يا طيبَ ذاك الرُّضابِ
من جَوارٍ كأنهنَّ جَوارٍ .. يتسلسلنَ من مياهٍ عِذابِ
لابساتٍ من الشفوف لَبوساً .. كالهواء الرّقيق أو كالشرابِ
ومن الجوهرِ المضيءِ سناهُ .. شُعلاً يلتهبنَ أيَّ الْتهابِ
فترى الماءَ ثَمَّ والنارَ والآ .. لَ بتلك الأبشارِ والأسلابِ
يوجسُ الليلُ رِكزَهُنَّ فينجا .. بُ وإن كان حالِكَ الجِلبابِ
عن وجوهٍ كأَنهنَّ شموسٌ .. وبدورٌ طلعنَ غبَّ سحابِ
سالمتْها الأَندابُ وهي من الرِّقـ .. ـقَةِ أَوْلى الوجوهِ بالأندابِ
أوجهٌ لا تزال تُرمَى ولا تَدْ .. مَى على كثرةِ السّهام الصِّيابِ
بل تَرُدُّ السَهام مُنكفئاتٍ .. فتصيبُ القلوبَ غيرَ نوابِ
جُعِلَ النُّبْلُ والرَّشاقةُ حظَّيْ .. نِ لتلك الأكفالِ والأقرابِ
ناهداتٍ مطرّفاتٍ يمانعـ .. ـنك رُمَّانَهُنَّ بالعُنَّابِ
لو تَرى القومَ بينهنّ لأجبر .. تَ صُراحاً ولم تقلْ باكتسابِ
من أناسٍ لا يُرْتَضون عبيداً .. وهمُ في مراتبِ الأربابِ
حالُهُمْ حالُ من له دارتِ الأفـ .. لاكُ واستوسقتْ على الأقطابِ
سوءةً سوءةً لصُحبة دنيا .. أسخطتْ مثلَه من الأصحابِ
لهفَ نفسي على مَناكيرَ للنُّكـ .. ـرِ غضابٍ ذوي سيوف عِضابِ
تغسِلُ الأرضَ بالدماء فتُضحى .. ذاتَ طُهرٍ تُرابُها كالمَلابِ
من كلابٍ نأى بها كلَّ نأْيٍ .. عن وفاءِ الكلابِ غدرُ الذئابِ
واثباتٍ على الظِّباء ضِعافٍ .. عن وثابِ الأسود يومَ الوِثابِ
عندهم كلُّ ما اشتهوْهُ من الآ .. كال والأَشْرِبات والأشوابِ
والغوالي وعَنبرِ الهندِ والمسـ .. ك على الهام واللِّحَى كالخضابِ
لم أكُن دون مالكي هذه الأمـ .. لاكِ لو أنصفَ الزمانُ المُحابي
آتياً ما أتى الزمانُ من الظلـ .. مِ وهاتيك منك سوطُ عذابِ
قاتَل اللَّه دهرَنا أو رماهُ .. باستواءٍ فقد غدا ذا انقلابِ
فمتى ما رأى له قوتَ شهرٍ .. عدَّهُ المَلْكَ في اقتبال الشبابِ
لا تُصَمِّمْ على عقابك إيَّا .. يَ إذا أحسن الزمانُ ثوابي
كم نوالٍ مباركٍ لك قد قا .. د نوالاً إليَّ طوعَ الجنابِ
وأُمورٍ تيسّرت وأُمورٍ .. بالمفاتيح منك والأسبابِ
لا تُقابِلْ تَيَمُّني بك بالرد .. دِ ولا الظنَّ فيك بالإكذابِ
واجبي أن أرى جوابيَ عُتبا .. كَ فلا تجعلِ السكوتَ جوابي
إن في أنْ تَعُقُّني بعضَ إغضا .. بي وفي أن تُهينَني إغضابي
كنتَ تأتي الجميلَ ثم تنكَّرْ .. تَ فعاتبتُ مُجملاً في العتابِ
فأتَنِفْ توبةً وراجعْ فعالاً .. ترتضيهِ الأسلافُ للأعقابِ
******************************
طَرِبْتُ ولم تَطْربْ على حين مَطْرَبِ .. وكيف التصابي بابن ستَّينَ أشيبِ
ومما حداك الشوقَ نوحُ حمامة .. أرنَّتْ على خُوطٍ من البانِ أهدبِ
مطوَّقةٍ تبكي ولم أرَ قبلها .. بدا ما بدا من شجوها لم تسلَّبِ
****************************** **********
وشاعرٍ أَجوْعَ من ذيبِ .. معشِّشٍ بين أَعاريبِ
سَلَّتُهُ أقفرُ من سبسبٍ .. فيها طِرازٌ للعناكيبِ
لا مستهِلٌّ فيه يُكْنى به .. غير سُلاحٍ كالمَيازِيبِ
****************************** *********
وكم عائبٍ قد عابني وهو صادقٌ .. وأدبرَ عنّي والذي فيه أَعيَبُ
رماني بسوءٍ لستُ أُعديه صاحبي .. ولا هُو ممّا يُستفادُ ويُكسَبُ
وباءَ بسوءٍ فيه يُعديهِ غيرَه .. ويجلبُهُ والسوءُ يُعدي ويُجلبُ
وما ذاك إلا ثلبُهُ الناسَ طائعاً .. وما بَرِحَ الثُّلَّابُ للناس تُثلَبُ
وكم بين ذي سوءٍ تعدَّاهُ سُوؤُهُ .. مُريداً لما يأتيه يبغي ويَشغَبُ
وآخرَ لا يعدوه ما فيه طالبٍ .. زوالَ التي تُنعَى عليه وتُندَبُ
لن تنالَ العلا بشكرٍ عَريبِ .. مثلَ شكرِ الحرِّ الشريفِ الأديبِ
إنما تُبذَلُ اللُّهى لابتغاء الـ .. حمدِ في سدِّ خَلَّةِ المنكوبِ
ليس في الباذلات مُكتسبَ الأم .. والِ في كسبِ موبقاتِ الذُّنوبِ
كلُّ وَفْرٍ يفنى ويبقى من الصَّا .. حبِ حسنُ الثناءِ للمصحوبِ
****************************** ***********
هَبُوا أبا يوسفٍ هجاني .. فالشاعرُ العالم الأديبُ
ولابنِ بورانَ وجهُ عذرٍ .. لأنه مُطرِبٌ مُصيبُ
وخالدٌ فهو قَحْطبيٌّ .. مثلهما هاهَ أو قريبُ
ورَّاقُ ساباطَ لِم هجاني .. عُثنونُهُ في استه خضيبُ
****************************** ******
ولما رأيتُ الدهرَ يؤذنُ صرفُهُ .. بتفريق ما بيني وبين الحبائبِ
رجعت إلى نفسي فوطنتُها على .. ركوب جميل الصبر عند النوائبِ
ومن صحِبَ الدنيا على جَوْرِ حُكمها .. فأيّامُهُ محفوفةٌ بالمصائبِ
فخذ خُلسةً من كلّ يومٍ تعيشُهُ .. وكن حذراً من كامناتِ العواقبِ
ودع عنك ذكَر الفألِ والزجر واطَّرح .. تَطيُّر جارٍ أو تفاؤلَ صاحبِ
****************************** ***************
يا غائباً عني بعيدَ الإيابْ .. نَغَّصني فقدُك بَرْدَ الشرابْ
لهفي على لُبسك ثوبَ البِلى .. من قبل إخلاقِك ثوبَ الشبابْ
****************************** ****
ياصاحباً أعضلَ في كيدِهِ .. لستَ خبيراً أيها الصاحبُ
فَهِمتُ أبياتَك تلك التي .. أَثقبَ فيها كيدُك الثاقبُ
بيتٌ وبيتٌ عقربٌ تُتَّقَى .. وأرْيُ نحلٍ في اللَّها ذائبُ
جرَّحتَني فيها وداويتني .. فأنت أنت الصادعُ الشاعبُ
****************************** ***********
عدوُّكَ من صديقك مستفادٌ .. فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ
فإن الداءَ أكثرَ ما تراهُ .. يحولُ من الطعام أو الشرابِ
إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً .. مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ
ولو كان الكثيرُ يَطيبُ كانتْ .. مُصاحبةُ الكثير من الصوابِ
ولكن قلَّ ما استكثرتَ إلّا .. سقطتَ على ذئابٍ في ثيابِ
فدعْ عنك الكثير فكم كثيرٍ .. يُعافُ وكم قليلٍ مُستطابِ
وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُروياتٍ .. وتلقى الرِّيّ في النُّطَفِ العِذابِ
****************************** *********
إذ لم يكن درهمي دِرْهميـ .. ـن عندك لم يزكُ عند الغريبِ
فَزِدنيَ فوق الذي استحقـ .. ـقُ ما تستحقُّ بحقِّ الأديبِ
وحقِّ الأريب وحقِّ اللبيب .. وحق الحسيب وحق النجيبِ
وإلا فلا فرقَ فيما لديْـ .. ـكَ بين البغِيض وبين الحبيبِ
****************************** *********
لَحظاتُ أجفانِ الحبيبْ .. رُسُل القلوب إلى القلوبْ
والشوقُ يفعل بالعزاء .. فعلَ الإنابة بالذنوبْ
لا والذي بجفائهِ .. وَصَلَ المدامعَ بالنحيبْ
ما شفَّ جسمي في الهوى .. إلا مراقبةُ الرقيبْ
****************************** ********
هي سوداءُ غيرَ أنَّ عليها .. ظُلمةً تَدْلهمُّ منها القلوبُ
فتراها كأنها حين تبدو .. عِظْلِمٌ فوق صَدرها مَصبوبُ
أشربُ الماءَ إذا ما التهبَتْ .. نار أحشائي لإطفاء اللَّهَبْ
فأَراهُ زائداً في حُرقتي .. فكأن الماء للنار حَطَبْ
****************************** *********
قِدِم الأميرُ أخو الأميـ .. ـرِ أبو الحسين المُصْعَبُ
فالأهلُ والسهلُ المرَيـ .. ـعُ لوجهه والمَرْحَبُ
مَلِكٌ أغرٌّ مُحجَّبٌ .. معروفُهُ لا يُحجَبُ
يغدو بِعرْضٍ وافرٍ .. يحميهِ مالٌ مُنْهَبُ
بدرٌ كأن البدرَ مقـ .. ـروناً إليه كوكبُ
بحرٌ كأن البحر مقـ .. ـروناً إليه مِذْنَبُ
سيفٌ له من كلّ نا .. حيةٍ ووجهٍ مَضْربُ
ليثٌ لَهُ في كلِّ جا .. رحةٍ وعضوٍ مخْلبُ
وَهَبَتْ له كفٌّ وَهُو .. بٌ كلَّ ما لا يُوهَبُ
عَضُدٌ لسيّدِنا وغيـ .. ـثٌ للورى يَتصبّبُ
************************
وامتناعُ النفسِ مما تشتهي .. خشيةَ الإنفاق نقصٌ في النسَبْ
****************************** *****
قالوا اشتكتْ عينُه فقلتُ لهم .. من كثرة القتل مسَّها الوَصَبُ
حُمرتُها من دماءِ من قَتَّلَتْ .. والدمُ في النَّصلِ شاهدٌ عَجَبُ
***************************
دعوا الأُسدَ تربِضُ في غابِها .. ولا تدخلوا بين أنيابِها
**********************
فتحتُ أبوابَ مدحٍ لا انغلاقَ لها .. من إخوة لك جاؤوا بالأعاجيبِ
فجازِني بمديحي أو مديحِهِمُ .. إن المسبِّبَ محقوقٌ بِتثويبِ
سبِّبْ أو افعل بل اسمح لي بجمعهما .. فعلاً بفعلٍ وتسبيباً بتسبيبِ
يا من يقولُ بما فيه مُقَرِّظُهُ .. ولا يَمُتُّ إليه بالأكاذيبِ
أما يستديمُ المرءُ نعمةَ ربّهِ .. بإكرامِ أحرارِ الرجالِ ببابِهِ
ويعلم أنَّ الحمدَ والذمَّ للفتى .. حذيَّتُهُ في إذنه وحجابِهِ
**************************
أيسيرُ مدحي في الأمير وكلُّهُ .. يا للرجال مُؤرَّجٌ بعتابِ
ما قلت قافيةً تخبِّر أنهُ .. فيما يُثيب أثابني بثوابِ
ظنِّي لئن أنا دام لي حرمانُهُ .. لألقَّبَنَّ بشاعرٍ كذابِ
يا بؤسَ للشعراءِ يسهرُ ليلُهمْ .. ويُلقَّبون بأسوَأِ الألقابِ
***************************
اللَّه يعلمُ أنني .. يا سيدي أحيا بِقربِكْ
كَمِدٌ على ما فات منْكـ .. ك فلا بُليتَ بيوم عَتبِكْ
وهواك شغلي عن سوا .. كَ فليتني من شغل قلبِكْ
**************************
طرِبتُ إلى المِرَاةِ فروَّعتْني .. طوالعُ شَيبتينِ ألمَّتا بي
وأما شَيبةٌ فصفحتُ عنها .. لتشهَدَ بالبراءَة من خضابي
فأعجِبْ بالدليلِ على مَشيبي .. أقمتُ به الدليلَ على شبابي
*********************
كيف يرجو الحياءَ منه صديقٌ .. ومكانُ الحياء منه خرابُ
***************************
أيها الواعدُ الذي .. برقُهُ الدهرَ خُلَّبُ
لستُ أدري أأنتَ أمْ .. ظنُّ راجيك أكذَبُ
**********************
شَهَد اللَّهُ وهو عدلٌ رضيُّ .. أنَّ عبدَ القويِّ عبدٌ قويُّ
آخَذُ الناسِ كلهم لكتَابٍ .. أَخْذَ يَحيى لكنَّ يحيى نبيُّ
وهو يحيى لولا النجاسةُ والجهْـ .. لُ وإن لم يَجِئْ به زكريُّ
**************************
رأيتُك تدّعى رمضانَ دعوى .. وأنت نظيرُ يومِ الشك فيهِ
إنما ألبَسُ العمامةَ في الصيـ .. ـفِ لأنِّي أروقُ أختَكَ فيها
ليَ رأسٌ يُقرُّها لا كرأسٍ .. لك ما زال قرنُه ينفيها
****************************** *****
هنيئاً يا أبا حسن هنيئاً .. بلغتَ من الفضائل كلَّ غايهْ
شركتَ القِردَ في سُخْفٍ وقبح .. وما قصَّرْتَ عنه في الحكايهْ
وكنتَ إذا جريتَ إلى المخازي .. إلى أبويكَ جاوزتَ النهايهْ
شَهدتُ بأنَّ من تَنْمَى إليه .. خلافُ أبيك لكنْ كان دايهْ
صَححتَ من الخمولِ ألا فصبراً .. ستُرفع رايةٌ لك بعد رايهْ
****************************** ***
رَمِدتْ مُقلتي اشتياقاً إليكا .. واكتسى الذُّلَّ وجهُ حِرصي عليكا
وانقضتْ كلُّ حسرةٍ لك إلا .. حسرتي للمغيب عن ناظريكا
أيها السيدُ المُحَجَّب عني .. أنت لي واقفٌ على حالتيكا
حين أبهجتَ بي الصديقَ وأشجيـ .. تَ عدوّي قذفتني منْ يديكا
*****************************
ما فيهِ معنىً لمشتهيهِ .. عجبْتُ من جهلِ عاشقيه
لأيِّ معنىً تخيَّرُوه .. وكلُّ عيب له وفيهِ
****************************** ******
أبصرت باقةَ نرجسٍ .. في كف من أهواه غضَّهْ
فكأنها قصبُ الزُمر .. رُد أنبتتْ ذهباً وفضّهْ
****************************** **
رُبَّ أُناسٍ فرضوا فافترضُوا .. فعُرِّضوا فاعترضوا فقبّضوا
فقبضُوا فقُبّضوا فانْقرضوا
****************************** ***
رُبَّ هيفاءَ رَدَاحٍ .. ذاتِ بُدنٍ وبياضِ
بعلُها شيخٌ جليلٌ .. لو تراهُ قُلتَ قاضي
لم يُبالِ الشيخُ عاراً .. وهو عن يومين ماضي
بكَ عرَّضتُ وإن كنـ .. تَ قليل الامتعاض
ثم صرَّحتُ وما معـ .. نى احتشامي وانقباضي
ليس مثلي يترك القصْـ .. ـدَ ويمشي في العِراض
****************************** *********
أتيتُك شاعراً فهجَوْتَ شعري .. وكانت هفوةً مني وغلطَهْ
لقد أذكرتني مثلاً قديماً .. جزاءُ مُقبِّلِ الوجعاءِ ضرطَهْ
****************************** ***
بكيتَ فلم تترك لعينك مدمعا .. زماناً طوى شرخ الشباب فودَّعا
سقى الله أوطاراً لنا ومآرباً .. تقطَّع من أقرانها ما تقطعا
إذا ما قضيت اليوم لم أبك عهده .. وأخلفت أدنى منه ظلّاً وأفنعا
فأصبحت أقتص العهود التي خلت .. بآهة محقوق بأن يتفجَّعا
لأحسنت الأيام بيني وبينها .. بديئاً وإن عفت على ذاك مرجعا
ليالي لو نازعته رجع أمسه .. ثنى جيده طوعاً إلي ليرجعا
تُجلِّي عيون الناظرين فُجاءةً .. لنا منظراً مُروىً من الحسن مُشبعا
كمنطقة الجوزاء لاحت بسحرة .. بعقب غمام لائح ثم أقشعا
وقد ضربت في خضرة الروض صُفرةٌ .. من الشمس فاخضر اخضراراً مشعشعا
فلله عينا من رآهم وقد غدوا .. مُزيِّين مشهوراً من الزِّيِّ أروعا
هنالك تغدو الطير ترتاد مصرعاً .. وحسبانُها المكذوب يرتاد مرتعا
ولله عينا من رآهم إذا انتهوا .. إلى موقف المرمى فأقبلن نُزَّعا
وقد وقفوا للحائنات وشمَّروا .. لهنَّ إلى الأنصاف سوقاً وأذرعا
وجدَّت قسيُّ القوم في الطير جدَّها .. فظلت سجوداً للرماة وركَّعا
فظل صحابي ناعمين ببؤسها .. وظلت على حوض المنية شُرَّعا
فلو أبصرت عيناك يوماً مقامنا .. رأيت له من حلة الطير أمرعا
طرائح من سودٍ وبيضٍ نواصعٍ .. تخال أديم الأرض منهن أبقعا
****************************** ******
إذا كنت لا تستطيع الجماعَ .. وأنت لأهل الزنا مَجمعُ
فإنك في ذاك مثل المسنِّ .. يحدُّ الحديد ولا يقطعُ
****************************** *
وقع الفراق وما يزال يروعني .. فكأن واقع شره متوقعُ
****************************** ***
نزا بعضُ المجانين .. على شيخٍ له مالُ
وقد ضمَّهما الحِمَّا .. مُ والمجنون صوّالُ
وكان الشيخُ رجراجاً .. له لحمٌ وأوصالُ
فأوعى جوفه المجنو .. ن جُردانا له حالُ
فصاح الشيخ بالناسِ .. وفي الحمَّامِ أجيالُ
فلما كثُر القيل .. على المجنونِ والقالُ
إذا المجنونُ قد قامَ .. وللغُرمولِ دِلدالُ
يُعيد القولَ مرَّاتٍ .. يرَونا نشتهي قالوا
****************************** *********
أين من يشتري حِماراً ضليعاً .. ليس في مشيه دنيَّةُ رَيْثِ
يحمل الدِّينَ والأمانةَ والمَنـ .. نَ اضطلاعاً ويحمل ابنَ حُريثِ
*************************
يا ربِّ لا تبعثْ بغيثٍ عَيْثا .. فإنه إن حَثَّ غيثٌ غيثا
عادت لَبونُ المُمْطراتِ لَيثا .. وأنتَ أهدَى عَجَلاً ورَيْثا
بني المشرف جذَّ الله دابِرَكم .. ما ضَرَّ مُعقِبَكم لو أنه دَرَجَا
****************************** **
عيني إلى من أحبُّ تَخْتَلِجُ .. والصبر عن حسن وجهه سَمِجُ
طال اشتياقي إلى مُنَعَّمَةٍ .. يستعبد القلبَ طرفُها الغَنِجُ
لو طلعتْ في الظلام غُرَّتُها .. ظلت سُتُورُ الظلام تنفرجُ
متى أرى خَلْوةً يظلُّ بها .. ريقِي بريق الخليل يمتزجُ
يا حُورُ ما للحبيب يفعل بي .. أشياء لا يستحلُّها الحَرَجُ
****************************** ***
لك الطائر الميمونُ والطَّالع السَّعْدُ وطولُ بقاء ليس من بعده بَعْدُ
تأمَّلْ وأنتَ المرءُ ينظر نظرة فلا غَوْرَ إلا وهو في عينه نجْدُ
ذكاءً وإشرافاً على كل غامضٍ يقصِّرُ قِدْماً دون عفوهما الجُهْد
وتكميل معروف الكريم بِحشده وأسديْتَ معروفاً وقد بقي الحشْدُ
ولستُ براضٍ منك ما لستَ راضياً ولستَ براضٍ غير ما يرتضي المجدُ
وما العينُ عيناً حين تفقد أختَها ولا الأذنُ أذُناً ما طوى أختَها الفقْدُ
وما اليدُ لو لا أختُها بقويَّةٍ ولا الرِّجل لو لا الرجل تمشي ولا تعدو
ولا كلُّ محتاج إلى ما يشدُّه يُسَفْسِفُ إلا والوهاءُ له وكْدُ
فعزِّزْ كتاباً منك وِتْراً بَشْفعه فما عزَّ إلا اللَّه مُسْتَنْجَدٌ فرْدُ
****************************** *****
كفاك من ذلّتي للشيب حين أتى أني تَوَلَّيْتُ نتفاً لحيتي بيدي
سيرة الشاعر
السياب – النص الأخير قبل القبر
البداية السريعة على امتداد شط العرب إلى الجنوب الشرقي من البصرة، وعلى مسافة تقطعها السيارة في خمس و أربعين دقيقة تقع أبو الخصيب التي تمثل مركز قضاء تابع للواء البصرة يضم عددا من القرى من بينها قرية لا يتجاوز عدد سكانها ألفا ومائتي نسمة
تقع على ما يسمى نهر أبو فلوس من شط العرب تدعى جيكور تسير إليها في طريق ملتوية تمتد بالماشي مدى ثلاثة أرباع الساعة من أبي الخصيب وهي الزاوية الشمالية من مثلث يضم أيضا قريتين أخريين هما بكيع وكوت بازل، قرى ذات بيوت من اللبن و الطين، لا تتميز بشيء لافت للنظر عن سائر قرى العراق الجنوبي
فهي عامرة بأشجار النخيل التي تظلل المسارح المنبسطة ويحلو لأسراب الغربان أن تردد نعيبها فيها، و عند أطراف هذه القرى مسارح أخرى منكشفة تسمى البيادر، تصلح للعب الصبيان ولهوهم في الربيع والخريف، وتغدو مجالا للنوارج في فصل الصيف، فكل شخص يعمل في الزراعة ويشارك في الحصاد و الدراس، ويستعين على حياته بتربية الدجاج والأبقار، و يجد في سوق البصرة مجالا للبيع أو المقايضة، ويحصل على السكر و البن و الشاي وبعض الحاجات الضرورية الأخرى لكي ينعم في قريته بفضائل الحضارة المادية، وإذا كان من الطامحين إلى (الوجاهة) فلا بأس أن يفتح ديوانا يستقبل فيه الزائرين من أهل القرية أو من الغرباء ليشاركوه في فضائل تلك الحضارة المادية
السياب – دراسة في حياته وشعره
والبلدة التي ولد الشاعر في إحدى قراها و أكمل دراسته الأولى فيها والتي بقي يتردد إليها طيلة عمره القصير، برز فيها شعراء كثيرون، وان لم يشتهروا كشهرته، لضعف وسائل الأعلام ولخلود أكثرهم إلى السكينة ولعزوفهم عن النشر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء محمد محمود من مشاهير المجددين في عالم الشعر و النقد الحديث، ومحمد علي إسماعيل، زميل السياب في العالية وصاحب الشعر الكثير، وأبوه شاعر مشهور أيضا و اسمه ملا علي إسماعيل، ينظم القريض والشعر العامي، و الشاعر خليل إسماعيل توفي في 1961 الذي ينظم المسرحيات الشعرية ويخرجها بنفسه ويصور ديكورها بريشته
و الشاعر مصطفي كامل الياسين الدكتور و الموظف الكبير في الخارجية وعبد الستار عبد الرزاق الجمعة، وعبد الباقي لفته و عبداللطيف الدليسي وعبدالحافظ الخصيبي ومؤيد العبدالواحد الشاعر الوجدان بالرقيق ومن رواة شعر السياب، والشاعر الأستاذ سعدي يوسف هو من أبناء أبي الخصيب، ظهرت له عدة دواوين شعرية، ونال شهرة واسعة بين شعراء البلاد العربية، اشتهر كالسياب بشعره الحر
ونذكر الشاعر الشعبي عبدالدايم السياب، من أقارب الشاعر ولشعره شهرة في المنطقة الجنوبية، والشاعر الشعبي كذلك عدنان دكسن وهو معلم
ولد السياب في منطقة (بكيع) بكاف فارسية وجيكور محلة صغيرة فيها وهي كلمة فارسية تعني (بيت العميان) وتبعد عن أبي الخصيب بما يقارب الكيلوين و تقع القرية على شط العرب، وأمامها جزيرة جميلة اسمها (الطويلة) كثيرا ما كان السياب يقضي الساعات الطوال فيها
و نهر (بويب) الذي تغنى به الشاعر كثيرا، يسيل في أملاك عائلة السياب وهو يتفرع من النهر الكبير إنها قرية صغيرة اسمها مأخوذ من العبارة الفارسية (جوي كور) أي الجدول الأعمى
و آل السياب يملكون أراضي مزروعة بالنخيل، وهم مسلمون سنيون عرفتهم جيكور لأجيال عدة. و على الرغم من أنهم لم يكونوا من كبار الملاكين في جنوب العراق، فانهم كانوا يحيون حياة لائقة محترمة حسب المعايير المحلية
إن أعضاء الأسرة من الذكور لا يزيدون على ثلاثين في الوقت الحاضر مصطفى السياب ، في رسالة إلى المؤلف، بيروت 32 نيسان 1966 لكن الأسرة كان أكبر مما هي اليوم في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت تصم عائلة المير
لكن كثيرين من أعضائها ماتوا في الطاعون الذي انتشر في العراق سنة 1831 وكان سياب بن محمد بن بدران المير أحد أعضائها، وكان قد فقد جميع أهله الأقربين
وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا. وهي تلفظ سياب في اللهجة المحلية بتسكين السين
وفي عام تزوج شاكر بن عبدالجبار ابنة عمه كريمة،وكانت أمية في السابعة عشرة من عمرها. و أسكنها معه في دار والده على ما تقضي به العادات المرعية. وفي 1926 ولدت له ابنا دعاه (بدرا). وقد طار به فرحا وسجل تاريخ ميلاده حتى يتذكره، لكنه ما لبث أن فقده وبقي تاريخ ميلاد بدر مجهول
ولم تكن إدارة البلاد في ذلك الوقت متفرغة لتنظيم تسجيل المواليد، ولا سيما في النواحي النائية. وفي 1928 ولدت له ابنا ثانيا دعاه عبدالله، وفي 1930 ولدت له ابنا ثالثا دعاه مصطفى وكان فخورا بأبنائه الثلاثة، واثقا من أنهم سيكبرون ويساعدونه في عمله لكن أحدا منهم ما ساعده كما كان ينتظر ويأمل
أما في البيت فقد كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة المحلية
وكان هذا البيت في العهد العثماني يؤوي عبيد الأسرة (مصطفى السياب، من مقابلة مع المؤلف، بيروت 41 حزيران 1966) و من هنا أسمه، إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد
وقد دعاه بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد محلها على الحائط في غرفة الإدارة
وتشمل ذكرياته أقاصيص جده – على نحو مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم
كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون
غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في واقع الحال الا حلة من جيكور
ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965 وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛ عبدالمجيد السياب
وهو الذي يسكن الآن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه" جريدة الثورة العربية، بغداد عدد 184 – 12 شباط 1965
دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا العبدالواحد في سنة 1910 في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن
و تخرج من هذه المدرسة في تاريخ 1-10-1938
ولدى مراجعة محمود العبطة سجلات المدرسة المحمودية ، عثر على معلومات خاصة بالشاعر نقلها من السجل رقم 6 وصفحة السجل 757 و المعلومات هي