أيُّها الإخوة الكرام، الآية الثامنة والعشرون والآيات التي بعدها تشكِّل مجموعة: محورها القدوة في الإسلام لها حساب خاص، فالأب قدوة في البيت، وخطأ الأب غير خطأ الابن، والمعلم قدوة، والطبيب في المستشفى قدوة، ومدير المستشفى قدوة، وأي إنسان يحتلّ ُمنصبًا قياديا ولو كان على مستوى الأسرة الذي هو أقل منصب قيادي، فلا بد أن تكون قدوة، والمعلم في الصف قدوة، ومدير المدرسة قدوة، فالذي يحتل منصبا قياديا له حساب خاص.
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)﴾
[سورة الأحزاب]
لماذا قال تعالى:
﴿فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)﴾
[سورة الأحزاب]
" منكن " أي يا نساء النبي، أجرا عظيما، لأن زوجة النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لنساء المؤمنين، ثم قال تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)﴾
(سورة الأحزاب)
فإن أرادت الله و الدار الآخرة فإن الله سيؤتيها أجرا عظيما، و إن أتت بفاحشة مبينة يُضَاعف لها العذاب ضعفين، وهذا حكم، لأن القدوة إن أحسن فله أجر إحسانه و أجر مَن اقتدى به، والقدوة إذا أساء فعليه وزر إساءته و وزر مَن قلَّده، فإذا كان الأب يُدخِّن أمام أبناءه ملء السمع والبصر، وصار ذلك مألوفا عند الولد، و قد لا يشتهي الابن أن يدخِّن، ولكن حتَّى يقلِّد والده صار يدخَّن.
فيا أيها الإخوة، المنصب القيادي ولو على مستوى أب أو معلم مدرسة عنده خمسة وخمسون طالبا، أو طبيب في مستشفى، و الأم تحتل مركزا قياديا أمام بناتها، ولو أنها مثلا قالت لزوجها: لن أخرج في غيبتك ؛ وقد خرجت على مرأى من بناتها كذبت على زوجها أمام بناتها، فتحمل وزر إساءتها ووزر ابنتها التي قلَّدت أمها في الكذب على زوجها بعد أن كبرت، فكل إنسان قيادي له حساب خاص، إن أحسن فله أجره وأجر من قلده، وإن أساء فله وِزْرهُ وِ وِزْرَ من قلَّده قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28)﴾
[سورة الأحزاب]
هناك موضوع ثانٍ، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في أعلى مستويات الكمال ؛ وهو كذلك ؛ ولم تكن نساءه كذلك ما الذي يحصل ؟! أردْن الحياة الدنيا و زينتها، و المظاهر و الفخامة، و قد رُكِّب في طبيعة المرأة حبُّ المظاهر، فلو أنَّ المرأة لم تكن على شاكلة زوجها وكان زوْجها له دَعوة إلى الله عز وجل، ما الذي يَحصل ؟ يقول الناس جميعًا: لو كانت دَعْوته واقِعِيَّة لطَبَّقَها على أهل بيْتِهِ، فما دام هذا الدَّاعِيَة عاجِزًا عن تطْبيق دَعْوتِهِ على أهْل بيْتهِ، فالدَّعْوَة غير واقِعيَّة، وإن كانت واقِعِيَّةً فلماذا لا يطبِّقها على لا أهل بيته ؟ و في أحسن الظروف نقول: إنّ الدعوة غير واقعية، مثالية، فكما يقال: يا طبيب طُبَّ لنفسك، لذلك أكاد أقول إنك إذا دعوتَ إلى الله فزوجتك وبناتك و أبناءك جزء من الدعوة، فإن لم يكونوا كما تريد فقد حُطِّمتْ الدعوة، وليس ثمَّة عذرٌ، فأنت مرشد وموَجِّه تنصح الناس بكذا و كذا فإذا كانت النصيحة غير واقعية فدعْنا منها، و إن كانت واقعية فلِمَ لا تطبِّقها في بيتك ؟!، لذلك فالله عز وجل تولَّى بذاته العلية تطهير بيت أهل النبي.
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾
[سورة السجدة]
و أهل البيت الزوجة و الأولاد جزء من الدعوة، فإن لم يكن البيت منسجمًا مع الدعوة صار للناس ألف استفهام واستفهام و ألف مأخذ ومأخذ و هذه الآيات تؤكِّد ذلك.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29)﴾
[سورة الأحزاب]
ثم قال تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)﴾
[سورة الأحزاب]
ما المقصود بالفاحشة ؟ الحقيقة أنَّ الفاحشة وردت للزنا، لكنَّ العلماء قالوا: لا يُعقَل و لا يمكن و لا يرد على الخاطر أن تقع زوجة رسول الله في الزنا، فالعلماء لحسن ظنِّهم وفهمهم الدقيق قالوا: إنَّ الفاحشة في حقِّ نساء النبي أ نْ يزعجن النبيَّ في طلب الدنيا فقط، فلو طلبتْ منه شيئا لا يستطيعه كأنَّما أتتْ بفاحشة لِعِظَم مقام النبي عليه الصلاة والسلام، فلو أنَّ إحداهنَّ طلبت طعاما من النبي لا يملك ثمنه يُعَدُّ في حقِّها فاحشة لعِظَم مقام النبي عند الله عز وجل، فإرهاق الخلق بمطالب مادية شيء يزعجه ويعرقل الدعوة إلى الله عز وجل، و تمر ّأيام عديدة لا تُوقَد نار في بيوت النبي، لأنّ النبي كان فقيرا، وقد قال الله له:
((يا محمد أتريد أن تكون نبيًّ ملِكا أم نبيا عبدا ؟ قال: بل نبيا عبدا، أجوعُ يوما فأذكره و أشبع يوما فأشكره…"))
و دخل عليه عديُّ بن حاتم فألق له وِسادةً مَحشُوَّة ليفاً، قال: اجلس عليها، قلتُ: بل أنت، قال: بل أنت، قال: فجلستُ عليها وجلس هو على الأرض ليس في بيته وهو سيِّدُ الخلق إلا وسادة واحدة، " ومَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31)﴾
[سورة الأحزاب]
كان إذا أراد أن يصلِّيَ قيام الليل غرفتُه التي ينام فيها مع عائشة لا تتَّسع لصلاته و نوم عائشة، فلو أن الدنيا أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر جرعة ماء ! فلينظر ناظرٌ بعقله أنَّ الله أكرم محمَّدًا أم أهانه فإن قال: أهانه فقد كذب، و لئِن أكرمه فقد أهان غيره إذ أعطاه الدنيا قال تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)﴾
[سورة الأحزاب]
ث
هل لاحظْتُم ؛ في الإكرام هناك مُضاعفة وفي العقاب هناك مضاعفة و هذا ينسحبُ على كلِّ قدوة في المجتمع الإسلامي، فكل إنسان له منصب قيادي بدءًا بالأب ونهاية بأعلى منصب ؛ فهذا يُحاسَب حسابا خاصًّا ؛ إنْ أحسن فأجره وأجر من قلَّده، وإن أساء فعليه وزرُه ووزرُ من قلده، ثم قال تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
[سورة الأحزاب]
فالمرأة إذا دخلت لتشتريَ حاجة و أَلاَنَت القولَ طمع فيها هذا الرجُل وهذه قاعدة خطيرة جدًّا، ومِن أُولى آداب المرأة أنْ تقول مع الرجل الأجنبي قولاً معروفا، ذكر لي أحد الإخوة القصةَ التالية ؛ عنده محلٌّ تجاري أمام بيته، فجاءه يوما ابنه يقول له: إنَّ في بيتنا رجلا و أُمِّي تستغيث بك، فأسرع إلى بيته فرأى رجلا داخل بيته و الزوجة لابسةٌ لباسا كاملا، كيف دخل إلى البيت ؟ هذا الرجل بائع، دخلتْ عليه هذه الزوجة لتشتريَ، وبدأتْ تناقش البائع في السعر، فظنَّ أنَّ هذه المرأة تقبل أن يتَّصل بها و هي تسكن قريبا منه، فطرق بابها ودخل البيت و المرأة جاهلة، وإن أرادتْ بنقاشها في الشراء شيئا إلاَّ أن تخفِّض السعر، ولكن ألاَنَتْ القول، فيجب أن نربِّيَ نساءنا إذا كلَّمْنَ رجلا أجنبيا أن يقُلْن قولا معروفا، لأنَّ الكلمة اللَّيِّنة من المرأة تعني أنَّها ترضى الفاحشة، وهذه نقطة دقيقة قال تعالى:
﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
[سورة الأحزاب]
ثم قال تعالى:
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾
[سورة الأحزاب]
فالأصل أن تقررْن في بيوتكن، فقائدُ الطائرة يقود طائرةً تحمل ستمائة راكب، غرفة القيادة هل تُعَدُّ سجنا لهذا الطيَّار، هو أخطرُ مكان، فإذا ظنَّ الطيَّار أنَّ هذه الغرفة تقييدًا لحرِّيته، ويجب أن ينطلق إلى رحاب الطائرة أودَى بحياة الركاب، كذلك هذا البيت هو مركز قيادة لهذه الأُسرة،وفي الحديث:
(( أيُّما امرأة قعدتْ على بيت أولادها فهي معي في الجنة…"))
و المرأة المؤمنة تتفرَّغ لأولادها.
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾
[سورة الأحزاب]
فإذا خرجْتُنَّ لأمر قاهر فلا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الأولى، قال تعالى:
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23)﴾
[سورة القصص]
فحياء المرأة منعها أن تختلط بالرجال، وما خرجتْ من البيت إلا لأمر قاهر؛ لأنَّ أبانا شيخٌ كبير، قال تعالى:
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾
[سورة الأحزاب]
" يطهركم تطهيرا " لأنَّكنَّ جزء من الدعوة، فإذا كان الواحد ملتزما وزوجته متفلِّتة لا يُقبَل ذلك منه، هو مطبِّق وبناته كاسيات عاريات مائلات مميلات، معنى ذلك لستَ أبًا، فزوجتك و أولادك جزء من دعوتك إلى الله، هذا هو معنى الآيات، فدرس اليوم القدوة، والقدوة له حساب خاص، إنْ أحسن فله أجره مرَّتين، و إن أساء فله العقاب مرَّتين، والأصل في الزوجة أن تقرَّ في بيتها لتربية أولادها و" أيُّما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة.
والحمد لله رب العالمين