التصنيفات
منوعات

حسن التوكل

حسن التوكل

خالد بن سعود البليهد

الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المتوكلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فإن التوكل على الحي القيوم عمل جليل لا يستغني عنه العبد في سائر أحواله وقل من الخلق من يفقه هذا الباب ويعتني ويكلف به. والدين مبناه على التوكل. قال سعيد بن جبير: (التوكل على الله نصف الإيمان). والتوكل عمل قلبي ليس من أعمال الجوارح. قال الإمام أحمد: (التوكل عمل القلب).

وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالتوكل فقال:( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ). وقال تعالى:( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). وقد ورد في السنة الأمر بالتوكل وعظم منزلته فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلن على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). رواه أحمد.

والتوكل على الله معناه في الأصل أن يفوض العبد أمره لله ويسلم حاله له وأن يعتمد على ربه في قضاء حاجته ويثق به. قال ابن عباس: (التوكل هو الثقة بالله وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك). وقال الإمام أحمد: (وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به). وقال ابن رجب: (هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها).

ومن مقتضى التوكل وشرط صحته العمل بالأسباب النافعة المأذون بها شرعا لأن الشارع الحكيم ربط بين التوكل والعمل بالأسباب فلا يجزئ التوكل ولا ينفع العبد إلا بالأخذ بالأسباب ولا تنافي مطلقا بين التوكل والعمل بالأسباب. قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور). وقال تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم). فحقيقة التوكل في المفهوم الشرعي إذن اعتماد القلب على الله مع تعاطي الأسباب بالجوارح فهذان هما ركنا التوكل لا يصح التوكل إلا بهما. أما الاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب فقدح في الشرع ونقص في العقل وأما الاقتصار فقط على العمل بالأسباب دون الاعتماد على الله فشرك في الأسباب. قال ابن القيم: (فإن تركها عجزا ينافى التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصولِ ما ينفع العبد في دينه ودنياه ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلا للحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا).

والناس في باب التوكل على ثلاثة أصناف:
1- صنف اعتمد بقلبه على الله وأقبل عليه وترك العمل بالأسباب ولم يبذل جهدا في تحصيل المراد فهذا مسلك مذموم وهو التواكل ليس بالتوكل وهو طريقة الصوفية وقد ذمه السلف.وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسا من اليمن فقال: ما أنتم. فقالوا: متوكلون. فقال: (كذبتم أنتم متكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله عز وجل).

2- صنف تعاطي الأسباب وبالغ فيها ولم يعتمد على الله وفوض أمره إليه فهذا مسلك مذموم مخالف للشرع لأنه جعل الأسباب الحقيقية مؤثرة ومستقلة من جلب الخير ودفع الشر وتناسى خالق الأسباب ومسببها وهذا مسلك أرباب الدنيا وأهل الغفلة والشهوات.

3- صنف جمع في هذا الباب الاعتماد على الله وتعاطي الأسباب التي أذن الله بها وجعلها نافعة وهذا هو مسلك أهل التوحيد والسنة وهو الموافق للشرع وصريح العقل ومقتضى الفطرة السليمة لأن المؤثر حقيقة والمستقل بالنفع والضر هو الله ومن سنة الله أن جعل لكل شيء سببا موصلا إليه فكان تمام الدين وكمال العقل العمل بهما جميعا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوض أمره لله ويجرد اعتماده لمولاه ومع ذلك يتعاطى الأسباب ولا يتحرج من ذلك فقد كان يأكل ويشرب ويتزوج ويتكسب ويلبس البيضة والدرع وغيره من آلات الحرب يتقي بها بأس الكفار مع أنه سيد المتوكلين. وهذا يدل على أن تعاطي الأسباب النافعة مع الاعتماد على الله من السنة. ومن ظن أن العمل بالأسباب مخالف للشرع ونقصان للتوكل فقد خالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم يباشرون الأسباب ويتكسبون ولا يتكلون. في صحيح البخاري: (كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده). وفي صحيح مسلم: (كان زكريا عليه السلام نجاراً).
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث باستعمال الأسباب وبذل الجهد في تحصيل الكسب والمنافع وعدم الركون إلى الكسل والعجز اعتمادا على رحمة الله ونفع الآخرين. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة له فقال يا رسول الله أدعها وأتوكل. فقال: (اعقلها وتوكل). رواه الترمذي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان). رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجههُ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه). رواه البخاري.
إن حسن التوكل مرتبط ارتباطا وثيقا بحياة المسلم فلا جلب للنفع ولا دفع للضر ولا قضاء للحاجت إلا عن طريق حسن التوكل. وحسن التوكل له أثر عظيم في سعادة المرء وتحقق مطالبه وحصول الرضا والاطمئنان في قلبه وقايته من الشرور والفتن. قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ). وفي سن الترمذي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت وقيت فتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي وقي).
إن بعض المسلمين هداهم الله مقصر في حسن توكله بالله غافل قلبه عن هذا الأصل العظيم ذاهل عقله عن خطره وعظيم فائدته. فكثير من المسلمين اليوم تناسوا في سلوكهم العملي وحياتهم المعيشية التوكل على الله واعتمدوا على الوظائف الراتبة والأجور الثابتة. أما المؤمن الحق فعظيم التوكل على الرزاق لعظم يقينه بقدرة الله وعلمه ورحمته ولطفه وسعة رزقه. فالتوكل تابع لليقن كلما زاد اليقين في قلب المؤمن زاد توكله على الرحمن وإذا نقص اليقين نقص التوكل.
فالانحراف اليوم في باب التوكل من جهة غلو الناس في الأسباب واعتمادهم عليها وانصراف قلوبهم بالكلية إليها والتفات القلب عن المسبب والخالق حتى صار الإنسان يعتقد الشفاء حتما بالطبيب الحاذق وحصول الرزق بالوظيفة وحصول الأمن بإجراءات السلامة وحماية الممتلكات بالتأمين وهذا من تأثير الإنصباغ بالحياة المادية ومظاهر المدنية والله المستعان. أما مسلك ترك الأسباب بالكلية والتواكل فقد اندثر بالجملة ولم يبق إلا نزر يسير في الأمة.

إن التوكل مشروع في سائر الأحوال ولكنه يتأكد في أحوال:

1- في طلب الرزق. قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً)

2- عند لقاء العدو. قال تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون).

3- عند كيد الكفار. قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

4- عند نزول البلاء. قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

5- عند المرض. قال تعالى: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).

6- عند طلب الزواج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم المكاتب يريد الأداء والمتزوج يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله). رواه أهل السن إلا النسائي.

7- عند الدعوة إلى الله. قال تعالى: (فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).

وثمة أمور تعين على التوكل وتقوية في قلب العبد:

1- العلم والتعرف على أسماء الله وصفاته وربوبيته وأفعاله.

2- التفكر والتأمل في كمال علم الله وكمال قدرته وإحاطته بكل شيء.

3- أن يوقن العبد ويتفكر في أن الله وحده هو المتفرد بتدبير شؤون الخلق وتصريف أحوالهم.

4- أن يتأمل في فضل التوكل وعظيم أثره في تحقق المطالب.

5- أن يعتقد أن الأسباب مهما عظمت وكانت نافعة فاءنها لا تنفع ولا تضر استقلالا لأنها مخلوقة ليس بيدها شيء.

6- أن يحسن الظن بربه ويعظم الرجاء به.

وثمة أمور تنافي التوكل أو تضعفه في قلب المؤمن:

1- الجهل بأسماء الله وصفاته وقدرته وعلمه.

2- الاغترار بما أوتي العبد من مال ومنصب وجاه وعلم فيتكل قلبه على هذه الأمور ويحرم التوكل.

3- الفتنه بالدنيا والجري وراء الأسباب المادية والمبالغة فيها واعتقاد أنها تحقق المطلوب مطلقا.

4- الركون إلى الخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات.

5- ضعف وازع الإيمان والإعراض عن طاعة الرحمن.

6- الإسراف على النفس بالذنوب والإغراق بالشهوات المحرمة.

وإذا اعتمد العبد بكليته على الله وأحسن التوكل عليه وبذل وسعه في تعاطي السبب تحقق مطلبه بإذن الله ولو كان مقصرا في العمل أو متعاطيا سببا ضعيفا لا يؤثر أثرا كبيرا في العادة. وكثيرا من فتوحات أهل الإيمان وأحوال الأولياء وقصصهم العجيبة تشهد لهذا الأصل. ومن ذلك أيضا ما ورد في الصحيح في قصة المقترض من بني إسرائيل الذي جعل الله شهيدا في قرضه فلما حضر الأجل لم يجد مركبا فوضع المال في خشبة وألقاه في البحر وقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت من فلان ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضي بك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بذلك وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني استودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم وصلت الخشبة إلى المقرض بإذن الله لعظم ثقته بالله وحسن توكله.

والمتأمل اليوم في حياتنا الاقتصادية وإعلامنا ومؤسساتنا يجد غياب مفهوم التوكل أو ضعفه في بعض الأحوال عند خطابنا وتوجيهاتنا في حياتنا المعيشية وهذا يؤذن بشر ويفوت علينا خيرا كثيرا. بينما كان التوكل شاهدا وحاضرا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم. وفي المسند لأحمد: (أن أبا بكر الصديق كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني ألا أسأل الناس شيئا).
إن حسن توكل العبد على المولى يورثه كمال الإيمان ويجعله غنيا بالله متعفا عن كسب الحرام وسؤال الخلق لا ينظر إلا ما في أيدي الناس ولا تتطلع نفسه إلى المكاسب الدنيئة والشبهات كما جاء في الخبر: (ومن يستغن يغنه الله ومن يستعف يعفه الله). متفق عليه. ولما تصدق أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا تركت لهم قال: تركت لهم الله ورسوله.

إن المتوكل على الله حق التوكل مطمأن البال ومنشرح الصدر واثقا بالله لا يحزن من واقع حاله ولا يخشى من المستقبل مفوضا أمره لله إن دعي لطاعة أجاب يتصدق من ماله ولو باليسير ويشارك بالخير ويوقن بأن الله سيخلف عليه خيرا ويحسن له العاقبة خلافا لأهل الدنيا الذين جمعوا الأموال تتناوشهم المخاوف ويخوفهم الشيطان الفقر ويقذف في قلوبهم الوهن والخوف من المستقبل فيبخلون بمال الله ويحرمون أنفسهم من الخير. (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ).

والمتوكل على الله شجاع قوي بالله إن سئل عن علم صدع بالحق ولم يخش إلا الله وفوض أمره لله وأوقن أنه لن يصيبه ضر إلا بأمر كتبه الله عليه فلا يخاف الشيطان وأوليائه متأسيا بتوكل رسول الله حين كاده الكفار. فعن ابن عباس قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل). رواه البخاري.

والمتوكلون حقا في الدنيا هم من السبعين ألفا في الآخرة الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعذاب كما ورد في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).

فينبغي على المؤمن أن يحسن التوكل بالله في حله وترحاله في خوفه وأمنه في فقره وغناه في صحته وسقمه في خلوته وجلوته في طاعته وعبادته ونسكه وجهاده وأن يكون حسن الظن بالله مستوثقا بالله يائسا بما في أيدي الخلق بل ثقته بالله أعظم بما في يده من الأسباب موقنا تمام اليقين أن ما كتب له من أجل ورزق وسعادة وشقاوة وسرور وغم ويسر وضر واقع عليه لا محالة.

خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة




جزاك الله خير وبارك فيك
والمتوكلون حقا في الدنيا هم من السبعين ألفا في الآخرة الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعذاب كما ورد في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).

جعلنا الله منهم




تسلمين يا فلة




التصنيفات
منتدى اسلامي

التوكل على الله بقلم: د. مهران ماهر عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

الأمر بالتوكل:
فإن التوكل على الله عبادة الصادقين، وسبيل المخلصين، أمر الله تعالى به أنبياءه المرسلين، وأولياءه المؤمنين، قال رب العالمين: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِير}
وقال :{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
وأمر به المؤمنين:
فقد قال الله تعالى في سبعة مواضع من القرآن :{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}

تعريف التوكل:
فما هو التوكل؟
هو في اللغة الاعتماد على الغير في أمر ما، واصطلاحا: صدق اعتماد القلب على اللّه تعالى في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة [العلوم والحكم لابن رجب (409)].
وقال الجرجاني رحمه الله: التوكل هو الثقة بما عند اللّه، واليأس عما في أيدي الناس [التعريفات (74)].

التوكل والأخذ بالأسباب.

لابد هنا من لفت الانتباه إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أنّ التوكل لا ينافي أخذ الأسباب.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ -لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» [سنن الترمذي].
وثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل اللّه تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : «لا تبشّرهم فيتكلوا» دليل على أنه لابد من بذل الأسباب وعدم الاتكال.

الأمر الثاني: تتخذ الأسباب وإن كانت ضعيفة في نفسها.
ولذلك أمر الله تعالى أيوب عليه السلام أن يضرب الأرض برجله بعد أن دعا لمرضه، وهل ضربة الصحيح للأرض منبعة للماء؟ لا، ولكن الله يريد أن يعلمنا أنه لابد من اتخاذ السبب ولو كان ضعيفاً، فالأمر أمره، والكون كونه، ولكن لابد من فعل الأسباب.
ولما أراد الله أن يطعم مريم وهي في حالة وهن وضعف أمرها أن تهز جذع النخلة؛ لأن السبب يتخذ ولو ضعف.

الأمر الثالث: أن لا يعتمد عليها، وإنما يجعل اعتماده على الله تعالى.
ابذل السبب ولو كان يسيراً، واعلم أنّ الله هو مسبب الأسباب، ولو شاء أن يحول بين السبب وأثره لفعل سبحانه، ولذا لما أُلقي إبراهيم في النار لم يحترق لأن الله قدر ذلك، وإسماعيل عليه السلام لما أمرَّ أبوه السكين على عنقه وهي سبب في إزهاق الروح لم تزهق روحه لأن الله لم يأذن في ذلك.
فلا يعتمد إلا على الله، وتتخذ الأسباب، لأن الله يقدر الأمور بأسبابها.




جزاك الله كل خير ع المعلومات الرائعه
ليس جديد عليك التميز والابداع والرقى بمواضيعك فدآآئما مواضيعك بغايه الجمال والتميز وبها كل الابداع ….نستفيد ونتعلم منها الكثير الله لا يحرمنا من مواضيعك وتواجدك المميز بيننا مننتظره كل جديد لكِ

دمتي بحفظ الرحمن
خليجية




شكرلكم



التصنيفات
منتدى اسلامي

التوكل سلم التوفيق

خليجية

يغفل كثير من الناس عن فضل عبادات القلوب بل يكتفي معظمهم بعبادات الجوارح دون بذل ما يكفي من اهتمام لإدراك حال القلب مع الله. فحقيقة القلب السليم المعافى أنه لا يفتر عن الإنابة إلى الله والتوكل عليه في كل شأن ومأرب.

ومن فضل عبادات القلوب في الإسلام قدرتها الإعجازية على تقويم حياة الإنسان وتزكية خصاله. وليكن حديثنا هاهنا عن عبادة تعتبر دليلاً على صحة القلب وهي عبادة التوكل على الله عز وجل في كافة أمور ومناحي الحياة.

يقول الله تعالى في محكم آياته: "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"؛ أي أن التوكل شرطًا للإيمان، وهو ما علمه الله عز و وجل لكليمه موسى عليه السلام في أكثر من موضع ففي البداية قال الله لكليمه: "وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرًا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون"؛ إلا أن عظمة الإيمان في قلب نبي الله موسى عليه السلام جعلته ينبذ مخاوفه ويدرك كيف يكون اليقين بالله والتوكل عليه بإحسان؛ فما كان منه إلا أن علم قومه كيف هي الثقة بالله والتوكل عليه، وهو ما جاء ذكره في سورة الشعراء في قوله تعالى: "فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ( 61 ) قال كلا إن معي ربي سيهدين".

أما رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان نموذجًا فريدًا في التوكل والإنابة إلى الله، وقصته مع الأعرابي الذي أراد قتله تقدم مثالاً رائعًا في حسن الظن بالله والاعتماد عليه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها, فأتاه أعرابي فاخترط سيفه, ثم قال: من يمنعك مني ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه." اخرجه احمد

والحقيقة أن لعبادة التوكل ثمارا يهبها الله عز وجل للمتوكل عليه؛ فلا غرو أن يكون الإنسان المتوكل على الله يتمتع بصفات القناعة والزهد والصبر والرضا بما قسمه الله له ويقينًا لا يفتر في إن الأمر كله بيد الله، فلا يحزن على خسارة ولا يجزع من ابتلاء. ليس هذا فحسب فالتوكل الصادق على المولى سبحانه وتعالى يعالج القلب من أمراضه ويرقى بالمرء إلى مراتب أعلى في العبادة فتجد الإنسان المتوكل عبدًا شكورًا يحمد الله في كل وقت وعلى كل حال؛ وهي مرتبة لا يصل لها إلا الأتقياء وهم قلة من العباد المخلصين الذين وصفهم الله بقوله: "وقليل من عبادي الشكور"، ومن ثم يفتح الله على هذا العبد المتوكل الشكور من أبواب نعمته وفضله ويزيده من الطيبات كما جاء في الآية الكريمة: " لئن شكرتم لأزيدنكم ".

وقد يتصور البعض أن التوكل على الله يمنع من الأخذ بالأسباب؛ وهذا بالتأكيد ليس صحيحًا فالأخذ بالأسباب لازم لا شك فيه على كل مسلم ولكن دون تعلق القلب بغير الله وإلا سقط المرء في الخلل
وفي معنى التوكل والأخذ بالأسباب أوضح علماء الأمة كالعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "أن التوكل محض الاعتماد والثقة والسكون إلى من له الأمر كله"، بينما أضاف العلامة ابن حجر رحمه الله تعالى: "إن الدنيا دار الأسباب، فالتمسك بالأسباب لا ينافي حقيقة التوكل".

ومن ثم كان الأخذ بالأسباب ضرورة، فما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليركن لكسل أو تواكل اعتمادًا منه على نصر الله، بل كان يأخذ بأسباب النصر فيعد العدة لغزواته وينظم الصف ويضع الخطط. وهو من علم أصحابه التأمل في حال الطير وتوكله في رزقه على الله، فقال لهم: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم ، كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا".

أما في القرآن الكريم فهناك أعظم الأمثلة على أهمية التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب الدنيوية؛ فهاهو السلطان العادل المظفر "ذي القرنين" يتبع الأسباب، كما قال عنه الله عز وجل في سورة الكهف: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا"، وكذلك في قوله تعالى: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون"، وجميعها آيات تحث الإنسان المسلم على التوكل لا التواكل وهكذا كان الأخذ بالأسباب مع اليقين في مسبب الأسباب هو المقصود من عبادة التوكل. وقد كان الإمام ابن القيم يقول أن التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة؛ وهي المعادلة التي تستقيم بها حياة المسلم كفرد في أسرة وعضو في مجتمع.




بارك الله فيكي



جزاك الله خيرا



شكراا على الموضوع القيم وجزاك الله الف خير



شكرلكم



التصنيفات
منتدى اسلامي

التوكل على الله واليقين بالله

في القضاء ، لو وكلت محامي في قضية . تترك له كافة الأمور يديرها هو بحسب خبرته وتزيح الأمر من رأسك لأن هذا تخصصه وهذا ملعبه ، وتبيت واثقا مرتاح البال لأن قضيتك في يد محام متميز . هذا لأنك تثق به .. في الدنيا لو تركت أمر رزقك لله ووكلته في ذلك واستسلمت له كامل التسليم مع سعيك بما هو في متناول يدك ، تأكد أنك ستذهل من النتيجة .. إن عزلت ربك من القضية وبت ليال تفكر وتشغل رأسك بخوف وضيق في حل مشكلتك فسيتركك الله تحل أمورك بنفسك . لأنك في العمق ألغيت توكيلك ، عندها حتما ستتعقد وستعاني . ربك يريد التخفيف عنك . "يريد الله أن يخفف عنكم" وأنت تريد أن تتصرف بنفسك .. والله يؤتك ما تريد .. راجع علاقتك مع ربك في العمق ، فهي محور تغيير حياتك ،
يارب ارزقنا الرضا واليقين
يامقلب القلوب ثبت قلبى على دينك



كلمات جميله

والله قمه في الروعه

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي ع دينك




التصنيفات
منتدى اسلامي

طفل يعلمنا التوكل على الله

حوار تخشع له القلوب وتدمع له العيون!!

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
دخل أحد الصحابة مسجد رسول الله صلى عليه وسلم في غير
وقت الصلاةفوجد غلاماً لم يبلغ العاشرة من عمره قائماً يصلى
بخشوع انتظر حتى انتهى من صلاته فجاء إليه وسلم عليه
وقال له: يا بني ابن من أنت؟فطأطأ الغلام رأسه وانحدرت
دمعه على خده ثم رفع رأسه وقال: يا عم إني يتيم الأب والأم
فرق له الصحابي وقال له:يا بني أترضى أن تكون ابنا لي؟
فقال الغلام: هل إذا جعت تطعمني؟قال: نعم
فقال الغلام: هل إذا عريت تكسوني؟قال: نعم
فقال الغلام: هل إذا مرضت تشفيني؟قال الصحابي
ليس إلى ذلك سبيل يا بني قال الغلام: هل إذا مت تحيني؟
قال الصحابي: ليس إلى ذلك سبيل قال الغلام: فدعني يا عم

للذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت
فهو يشفين والذي يميتني ثم يحين والذي أطمع أن يغفر لي
خطيئتي يوم الدين فسكت الصحابي ومضى لحاله وهو يقول
آمنت بالله من توكل على الله كفاه وهذا معني التوكل الحقيقي

سبحان الله هذا حال أطفال الصحابة مع التوكل
فما هو حال رجالنا اليوم مع التوكل؟
فما هو حال اولادنا مع القران الكريم
ومن سنه رسولنا صل الله عليه وسلم




التصنيفات
منتدى اسلامي

الفرق بين التوكل والتواكل

شبهة التوكل والتواكل

لقد أثار خصوم الإسلام شبهة أن الإسلام دين يدعو إلى الكسل والتقاعس وعدم العمل، والركون إلى التوكل على الله، وأنه دين يعكس على أتباعه آثاراً سلبية تتمثل في حمل الأفراد على التثاقل والتواكل والكسل والتعلق بأهداب الغيب والعيش في الخيال بعيداً عن الواقع، فهو يقوم على الاعتقاد بأن كل شيء مكتوب في علم الله قبل وقوعه وحدوثه، وأن هذا التصور يجعل المسلم مسلوب الإرادة، منزوع الفعل ينتظر الغيب المحتوم عليه مجبر، فلماذا يعمل؟؟ وهذه الشبهة ليست جديدة وإنما تتجدد مع الزمن لتظهر في كل عصر بثوب جديد. وردُّ هذه الشبهة يكمن في أن من أثارها أساء فهم عقيدة الإيمان بالغيب والقضاء والقدر، وحصل لديه لُبْسٌ بين التوكل والتواكل.

فالتواكل يعني الاعتماد على الله تعالى في تحصيل النتائج دون الأخذ بالأسباب خلافاً لمعنى التوكل الذي دعا إليه الإسلام وهو الاعتماد على الله تعالى في حصول النتائج بعد الأخذ بالأسباب في العمل، وهو المعنى الذي حثّت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ودليل ذلك.

أولاً: القرآن الكريم :

ربطت الآيات الكريمة الإيمان بالعمل، واعتبرت العمل الصالح شرط للإيمان في أكثر من سبعين موضعا، والعمل كلمة جامعة تشمل كل جهد إنساني تصلح به الدنيا وينتفع به الفرد والمجتمع ومن ذلك قوله تعالى «والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعلموا الصالحات» ، وقوله: «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات» وقوله عز وجل: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» وقال أيضاً:«فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» وغيرها الكثير فالعمل والمشي المطلوب في الآيات الكريمة يُنافي التواكل والتقاعس والقعود.

ثانياً: السنة النبوية :

أكدت السنة النبوية الشريفة على العمل والأخذ بالأسباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة والنار، فقيل يا رسول الله: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟، فقال: لا، اعملوا، فكلٌ ميسر لما خُلق له» رواه البخاري.

وقال في حديث آخر: «اعقلها وتوكل»، وقال أيضاً:" أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيعٍ مبرور»السيوطي، وقال: «تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء..» رواه أحمد فالإقبال على الأخذ بالأسباب واجبٌ شرعي، فمن أراد الكسب الشريف سعى له، ومن أراد الذرية تزوج، ومن أراد النجاح درس، ومن أراد الشفاء أخذ الدواء.

ثالثاً: إن الإيمان بالغيب والقدر خيره وشره ،والاعتقاد بأن كل شيء مُقدَّر ومكتوب لا يتصادم مع وظيفة الإنسان في الحياة من ضرورة الإعمار والإستخلاف، فقد ردَّ الإمام أحمد بن حنبل عندما احتجَّ قوم بالتواكل مستندين على حديث «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً» رواه أصحاب السنن،

فقال: أي شيءٍ هذا غير العمل «تغدو وتروح». وأكدّ هذا المفهوم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله: «لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة».

منقول عن المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام [2 /134]

ويقول الشيخ الشعراوي في تفسيره لقوله تعالى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "

أي أن الله لم يطالبنا بأن نكون أقوياء لنفتري على غيرنا ، فهو لا يريد منا إعداد القوة للاعتداء والعدوان ، وإنما يريد القوة لمنع الحرب ليسود السلام ويعم الكون؛ لذلك ينهانا سبحانه وتعالى أن يكون استعدادنا للقتال وسيلة للاعتداء على الناس والافتراء عليهم . ولهذا فإن طلب الخصم السلم والسلام صار لزاماً علينا أن نسالمهم . وإياك أن تقول : إن هذه خديعة وإنهم يريدون أن يخدعونا؛ لأنك لا تحقق شيئاً بقوتك ، ولكن بالتوكل على الله عز وجل والتأكد أنه معك ، والله عز وجل يريد الكون متسانداً لا متعانداً . وهو سبحانه وتعالى يطلب منك القوة لترهب الخصوم . لا لتظلمهم بها فتقاتلهم دون سبب . وقول الحق سبحانه وتعالى :

{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا } [ الأنفال : 61 ] .

أي إن مالوا إلى السلم ودعوك إليه فاتجه أنت أيضاً إلى السلم ، فلا داعي أن تتهمهم بالخداع أو تخشى أن ينقلبوا عليك فجأة؛ لأن الله تعالى معك بالرعاية والنصر ، وأنت من بعد ذلك تأخذ استعدادك دائماً بما أعددته من قوتك .

وقول الحق :

{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الله } [ الأنفال : 61 ] .

أي إياك أن تتوكل أو تعتمد على شيء مما أعددت من قوة؛ لأن قصارى الأمر أن تنتهي فيه إلى التوكل على الله فهو يحميك . ثم يعطينا الحق سبحانه وتعالى حيثية ذلك فيقول :

{ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } [ الأنفال : 61 ] .

أي أنه لا شيء يغيب عن سمعه إن كان كلاماً يقال ، أو عن علمه إن كان فعلاً يتم . وإياك أن تخلط بين التوكل والتواكل ، فالتوكل محله القلب والجوارح تعمل؛ فلا تترك عمل الجوارح وتدعي أنك تتوكل على الله ، وليعلم المسلم أن الانتباه واجب ، وإن رأيت من يفقد يقظته لا بد أن تنبهه إلى ضرورة اليقظة والعمل ، فالكلام له دور هنا ، وكذلك الفعل له دور؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّهُ هُوَ السميع العليم } [ الأنفال : 61 ]




رووووووووووووووووووووعه



رووووووووووووووووووووووووووووو وعه



مشكوره ع الموضوع ,, الحلوؤ يآإ حلوؤه ,, تسلمين يالغلاآإ ,,

سبحآأن الله وبحمده ,, سبحإأن الله العظيم




التصنيفات
منوعات

اليقين بالله والتوكل علية

بسم الله الرحمن الرحيم
اليقين بالله والتوكل عليه
قال الله تعالى " ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " الأحزاب
قال تعالى "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم " آل عمران
قال تعالى " وتوكل على الحي الذي لا يموت " الفرقان
قال تعالى " وعلى الله فليتوكل المؤمنون" إبراهيم
قال تعالى " فإذا عزمت فتوكل على الله " آل عمران والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة
قال تعالى " ومن يتوكل على الله فهو حسبه" الطلاق أي كافيه
قال تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " الأنفال والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة وأما الأحاديث
فالأول عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لى هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فإذا سواد عظيم فقيل لى انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة متفق عليه الرهيط بضم الراء تصغير رهط وهم دون عشرة أنفس والأفق الناحية والجانب وعكاشة بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها والتشديد أفصح
الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا تموت والجن والإنس يموتون متفق عليه وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري
الثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقى في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل رواه البخارى وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان آخر قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل
الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير رواه مسلم قيل معناه متوكلون وقيل قلوبهم رقيقة
الخامس عن جابر رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل نجد فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معهم فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه ونمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا قال من يمنعك مني قلت الله ثلاثا ولم يعاقبه وجلس متفق عليه وفي رواية قال جابر كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاخترطه فقال تخافني قال لا قال فمن يمنعك مني قال الله وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في صحيحه قال من يمنعك مني قال الله قال فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فقال من يمنعك مني فقال كن خير آخذ فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال لا ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فأتى أصحابه فقال جئتكم من عند خير الناس قوله قفل أي رجع و العضاه الشجر الذي له شوك و السمرة بفتح السين وضم الميم الشجرة من الطلح وهي العظام من شجر العضاه و اخترط السيف أي سله وهو في يده صلتا أي مسلولا وهو بفتح الصاد وضمها
السادس عن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وقال حديث حسن معناه تذهب أول النهار خماصا أي ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطانا أي ممتلئة البطون
السابع عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فلان إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيرا متفق عليه وفي رواية في الصحيحين عن البراء قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل وذكر نحوه ثم قال واجعلهن آخر ما تقول
الثامن عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه وهو وأبوه وأمه صحابة رضي الله عنهم قال نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما متفق عليه
التاسع عن أم المؤمنين أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية حذيفة المخزومية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال بسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة قال الترمذي حديث حسن صحيح وهذا لفظ أبي داود
العاشر عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وقال الترمذي حديث حسن زاد أبو داود فيقول يعني الشيطان لشيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقى
وعن أنس رضي الله عنه قال كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف فشكا المحترف أخاه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لعلك ترزق به رواه الترمذي بإسناد صحيح على شرط مسلم يحترف يكتسب ويتسببخليجية[/IMG]



جزاك الله خير



يارب ارزقنا التوكل عليك حق قدرك



جزاك الله خير



يارب ارزقنا التوكل عليك حق قدرك
جزاك الله خير



التصنيفات
منوعات

التوكل سالم العجمي

التوكل على الله

الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف الشدائد والنقم ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فُضِّل على جميع الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد عباد الله:

فإن من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى حسن التوكُّل عليه في أموره كلها؛ وإنّ بلوغ هذه المنزلة لهو من أعظم الامتنان والتفضل على العبد؛ فمن توكلّ على الله عز وجل حق التوكل سكن قلبه؛ واطمأنت نفسه؛ ولذّ عيشه, ذلك أن حقيقة التوكل هي صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح, ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة, وتفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه, وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه, وهذه منزلة لا يبلغها إلا الصدّيقون؛ قال سعيد بن جبير: « التوكل جماع الإيمان » .

فالتوكل عبادة قلبية محضة؛ ليست قولاً باللسان, ولا عملاً بالجوارح؛ ولذلك قال الإمام أحمد : « التوكل عمل القلب » .

فلابد للقلب أنْ يكون متعلقاً بالله حق التعلق, وأنْ يوقن العبد بأن مردَّ الأمور إلى الله ؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ولعظم منزلة التوكل فقد جاءت الأدلة الكثيرة تحث عليه وتبين منزلته ليأخذ به المسلم؛ لما فيه من حلاوة العيش وحسن العاقبة؛ فقد قال الله تعالى: ( و من يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه؛ وقال: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .

وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».

ففي هذا الحديث ضرب النبي r المثل بالطير على ضعفه وأن الله ﻷ قد تكفل له بالرزق وهداه لأسبابه, وهذا مما يورث اليقين عند العبد بأن عَيْشَه مكفول, فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسن ظنٍّ بربه سبحانه, لأن المتوكل حقيقةً من يعلم أن الله قد ضمن لعبده رزقه وكفايته, فيصدِّق الله فيما ضمنه, ويثق بذلك حقَّ الثقة؛ ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق؛ وأن الرزق مقسوم لكل أحدٍ من بَرٍّ وفاجر, ومؤمن وكافر؛ كما قال تعالى: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )؛ هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق, فما دام العبد حياً, فرزقه على الله, وقد ييسره الله بكسب أو بغير كسب, وإن كان بذل الأسباب مطلوباً .

والتوكل دليل على حسن ظن العبد بربه, قال محمد الذهلي: سألت الخريبي عن التوكل فقال: « أرى التوكل حسن الظن بالله », فعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له يكون توكله عليه, فحسن الظن بالله يدعو العبد إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنه به؛ ولا التوكل على من لا يرجوه, وهذا ما فعله أولياء الله تعالى في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ حيث فوضوا أمورهم إلى الله عز وجل لحسن ظنهم بكفايته لهم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: « حسبنا الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم r حين أُلقي في النار, وقالها محمد r حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل » .

فهذا بيانٌ لحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكيف بلغ بهم التوكل على الله تعالى وحسن ظنهم به على الرغم مما هم فيه من الخوف والضنك الشديد؛ فكان قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل؛ أي: أنه كافينا في مهماتنا وملماتنا, وهو نعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمر .

فإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لما دعا قومه إلى التوحيد وكسّر أصنامهم؛ أوقدوا له ناراً عظيمة ثم رموه فيها؛ فلما رموه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فكانت النتيجة أن أنجاه الله من النار؛ قال تعالى: ( قُلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )؛ فنجاه الله ﻷ لحسن ظنه به وصِدْقِ توكله عليه .

و لما رجع النبي r من غزوة أُحد؛ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديد وضنك عظيم وقُتِل منهم خلق كثير, جاء من أخبر النبي r أنَّ المشركين عزموا على العودة إلى النبي r وصحابته ليستأصلوا بقيتهم, وقد جمعوا لذلك الجموع, فما كان من النبي r وصحابته إلا أن فوضوا أمرهم إلى الله؛ وأحسنوا الظن به سبحانه؛ وزادهم ذلك الأمر على شدته إيماناً؛ وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل .

فما كانت النتيجة؟

قال تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).

وفي ذلك أعظم دليل على أن الإنسان مهما مسه من الضنك والشدائد؛ إن لجأ إلى الله سبحانه في أموره أعانه وتولاه و نصره, لكنَّ البلاء العظيم أن بعض الناس إذا مسه الكرب لجأ إلى الأمور المادية يبحث من خلالها عن الفرج؛ ولو تعلق قلبه بخالقه لكفاه ما أهمه .

ثمَّ إن اعتماد القلب على الله تعالى؛ واستناده وسكونه إليه, يُذهِبُ عنه ما يكون في القلوب من التشويش؛ والخوف من فوات الأسباب؛ لعلمه أن هذه الأسباب بيد مسببها سبحانه؛ ولذلك لا يبالي بإقبالها وإدبارها, ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها, وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه, واستناده إليه, قد حصنه من خوفها ورجائها, فحاله في ذلك حال من خرج عليه عدوٌّ عظيم لا طاقة له به, فرأى حصناً مفتوحاً فأدخله صاحبه إليه, وأغلق عليه باب الحصن, فهو يشاهد عدوّه خارج الحصن, فاضطرابُ قلبهِ وخوفُه من عدوّه في هذه الحال لا معنى له .

و مَثَلُه في ذلك مَثَل الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه؛ لا يعرف غيره, وليس في قلبه التفات إلى غيره, ولذلك قال بعض العلماء: المتوكِّل كالطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمِّه, كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه .

وروح التوكل ولبُّه وحقيقتُه في تفويض الأمور إلى الله؛ وأن يلقي المرء أموره كلَّها لله سبحانه, وإنزالها به طلباً واختياراً؛ لا كرهاً واضطراباً؛ بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره أمورَه إلى أبيه العالِمِ بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له, فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه, وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها, فلا يجد له أصلَح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه, وراحتِه من ثقل حملها؛ مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها؛ وعلمه بكمال من فوّض إليه وقدرتهِ وشفقته .

وقد قال الله تعالى فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون حيث قال: ( وأفوِّضُ أمري إلى الله )؛ والمفوِّض لا يفوِّض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده, وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيراً فهو راض به لأنه يعلم أنه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه, وهكذا حال المتوكل سواءً؛ بل هو أرفع من المفوض, لأن مقام التوكّل اعتماد القلب كله على طاعة الله بعد تفويضه .

ومِن أجلِّ ثمرات التوكل على الله الرضا بما يقدره الله سبحانه, وهذا من أعظم درجات العبودية؛ قال بشر الحافي رحمه الله:« يقول أحدهم توكلت على الله, يكذب على الله, لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».

فمن وكّل الله سبحانه في أمره؛ فمن تمام عبوديته أن يرضى بما كتب الله له وقدّره عليه فيما وكّل الله فيه من الأمور .

و من تأمل الجزاء الذي جعله الله تعالى للمتوكِّل عليه؛ وأنه لم يجعلْه لغيره علم أن التوكل أحبُّ السبل الموصلة إليه سبحانه؛ فقد قال تعالى:( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى؛ أحمده سبحانه تنزه عن كل النقائص وعلى العرش استوى؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الحب والنوى؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

أما بعد أيها المسلمون:

فإن من تمام التوكل الأخذ بالأسباب, ولا يعني التوكل أنْ لا يأخذ العبد بالأسباب؛ لأن ترك الأسباب جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً, وما أخل النبيr بشيء من الأسباب, فقد لبس درعين يوم أحد, واستأجر دليلاً مشركاً يدله على طريق الهجرة, وكان إذا سافر في حج أو جهاد حمل الزاد والمزاد, وهكذا فعل أصحابه y وهم أولو التوكل حقاً .

ومع كون الأخذ بالأسباب من تمام التوكل فإن الواجب على المسلم أنْ لا يلتفت قلبه إلى الأسباب بل إلى مسببها سبحانه, فقد يجمع المرء جميع الوسائل المادية ولا يتم له ما عزم عليه, فإن الأمور بيد الله .

ولما كان الأمر كله لله سبحانه , وليس للعبد فيه شيء البتة, كان توكلُه على الله تسليمَ الأمر لمَن هُوَ لَه, وعزْلَ نفسِه عن منازعة مالكه, واعتمادَه عليه فيه, وخروجَه عن تصرفه بنفسه وحولهِ وقوّته إلى تصّرفِّه بربه؛ وكونِه به سبحانه دون نفسه, وهذا مقصود التوكل .

فإذا عزل العبد نفسه عن مقام التوكل عزلها عن حقيقة العبودية, وقد خاطب الله سبحانه- في كتابه- بالتوّكل خواصَّ خلقه وأقربهم إليه وأكرمهم عليه, وشَرَط في إيمانهم أن يكونوا متوكلين؛ وهذا يدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل, فمن لا توكل له لا إيمان له, قال الله تعالى:(وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين)؛ وقال تعالى:(وعلى الله فليتوكل المؤمنون )؛ وقال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)؛ و هذا يدل على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصفة؛ وأخبر تعالى عن رسله بأن التوكل ملجأُهم ومعاذُهم فقال تعالى: (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..)؛ وقال رسل الله وأنبياؤه: ( ومالنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) .

فالعبد آفته إمّا من عدم الهداية, وإما من عدم التوكّل, فإذا جمع التوكلَ إلى الهداية فقد جمع الإيمان كله .

وقد كان في دعاء النبي r ما يدل على توكله الدائم على خالقه سبحانه؛ فكان من دعائه r قولُه: «اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت» .

فإذا كان هذا حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم فينبغي على المسلم أن يقتدي بهم, وأن يستشعر حقيقة التوكل في قلبه, والتي ينتج عنها ترجمة هذه العقيدة القلبية على لسانه وجوارحه؛ ويوقن أشد اليقين بأن العبد إذا توكل على الله تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره حولاً ولا قوة, وأن استطاعته بيد الله لا بيده؛ فهو مالِكُها دونه, وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز, وأنه لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه ولذا كان من دعائه r: «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث؛ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

وكان من دعاء علي بن الحسين رحمه الله: « اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني » .

فالواجب على المسلم أن يلزم التوكل لأنه محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقة؛ ومن ترسخت في قلبه هذه العقيدة فهو الموفق حقاً .

اللهم اغفر لنا وارحمنا؛ وتوفنا وأنت راضٍ عنا..




حبيبتي حطي الموضوع بالقسم الإسلامي



التصنيفات
منوعات

التوكل الشيخ سالم العجمي

التوكل على الله

الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف الشدائد والنقم ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فُضِّل على جميع الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد عباد الله:

فإن من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى حسن التوكُّل عليه في أموره كلها؛ وإنّ بلوغ هذه المنزلة لهو من أعظم الامتنان والتفضل على العبد؛ فمن توكلّ على الله عز وجل حق التوكل سكن قلبه؛ واطمأنت نفسه؛ ولذّ عيشه, ذلك أن حقيقة التوكل هي صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح, ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة, وتفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه, وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه, وهذه منزلة لا يبلغها إلا الصدّيقون؛ قال سعيد بن جبير: « التوكل جماع الإيمان » .

فالتوكل عبادة قلبية محضة؛ ليست قولاً باللسان, ولا عملاً بالجوارح؛ ولذلك قال الإمام أحمد : « التوكل عمل القلب » .

فلابد للقلب أنْ يكون متعلقاً بالله حق التعلق, وأنْ يوقن العبد بأن مردَّ الأمور إلى الله ؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ولعظم منزلة التوكل فقد جاءت الأدلة الكثيرة تحث عليه وتبين منزلته ليأخذ به المسلم؛ لما فيه من حلاوة العيش وحسن العاقبة؛ فقد قال الله تعالى: ( و من يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه؛ وقال: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .

وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».

ففي هذا الحديث ضرب النبي r المثل بالطير على ضعفه وأن الله ﻷ قد تكفل له بالرزق وهداه لأسبابه, وهذا مما يورث اليقين عند العبد بأن عَيْشَه مكفول, فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسن ظنٍّ بربه سبحانه, لأن المتوكل حقيقةً من يعلم أن الله قد ضمن لعبده رزقه وكفايته, فيصدِّق الله فيما ضمنه, ويثق بذلك حقَّ الثقة؛ ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق؛ وأن الرزق مقسوم لكل أحدٍ من بَرٍّ وفاجر, ومؤمن وكافر؛ كما قال تعالى: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )؛ هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق, فما دام العبد حياً, فرزقه على الله, وقد ييسره الله بكسب أو بغير كسب, وإن كان بذل الأسباب مطلوباً .

والتوكل دليل على حسن ظن العبد بربه, قال محمد الذهلي: سألت الخريبي عن التوكل فقال: « أرى التوكل حسن الظن بالله », فعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له يكون توكله عليه, فحسن الظن بالله يدعو العبد إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنه به؛ ولا التوكل على من لا يرجوه, وهذا ما فعله أولياء الله تعالى في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ حيث فوضوا أمورهم إلى الله عز وجل لحسن ظنهم بكفايته لهم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: « حسبنا الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم r حين أُلقي في النار, وقالها محمد r حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل » .

فهذا بيانٌ لحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكيف بلغ بهم التوكل على الله تعالى وحسن ظنهم به على الرغم مما هم فيه من الخوف والضنك الشديد؛ فكان قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل؛ أي: أنه كافينا في مهماتنا وملماتنا, وهو نعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمر .

فإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لما دعا قومه إلى التوحيد وكسّر أصنامهم؛ أوقدوا له ناراً عظيمة ثم رموه فيها؛ فلما رموه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فكانت النتيجة أن أنجاه الله من النار؛ قال تعالى: ( قُلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )؛ فنجاه الله ﻷ لحسن ظنه به وصِدْقِ توكله عليه .

و لما رجع النبي r من غزوة أُحد؛ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديد وضنك عظيم وقُتِل منهم خلق كثير, جاء من أخبر النبي r أنَّ المشركين عزموا على العودة إلى النبي r وصحابته ليستأصلوا بقيتهم, وقد جمعوا لذلك الجموع, فما كان من النبي r وصحابته إلا أن فوضوا أمرهم إلى الله؛ وأحسنوا الظن به سبحانه؛ وزادهم ذلك الأمر على شدته إيماناً؛ وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل .

فما كانت النتيجة؟

قال تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).

وفي ذلك أعظم دليل على أن الإنسان مهما مسه من الضنك والشدائد؛ إن لجأ إلى الله سبحانه في أموره أعانه وتولاه و نصره, لكنَّ البلاء العظيم أن بعض الناس إذا مسه الكرب لجأ إلى الأمور المادية يبحث من خلالها عن الفرج؛ ولو تعلق قلبه بخالقه لكفاه ما أهمه .

ثمَّ إن اعتماد القلب على الله تعالى؛ واستناده وسكونه إليه, يُذهِبُ عنه ما يكون في القلوب من التشويش؛ والخوف من فوات الأسباب؛ لعلمه أن هذه الأسباب بيد مسببها سبحانه؛ ولذلك لا يبالي بإقبالها وإدبارها, ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها, وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه, واستناده إليه, قد حصنه من خوفها ورجائها, فحاله في ذلك حال من خرج عليه عدوٌّ عظيم لا طاقة له به, فرأى حصناً مفتوحاً فأدخله صاحبه إليه, وأغلق عليه باب الحصن, فهو يشاهد عدوّه خارج الحصن, فاضطرابُ قلبهِ وخوفُه من عدوّه في هذه الحال لا معنى له .

و مَثَلُه في ذلك مَثَل الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه؛ لا يعرف غيره, وليس في قلبه التفات إلى غيره, ولذلك قال بعض العلماء: المتوكِّل كالطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمِّه, كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه .

وروح التوكل ولبُّه وحقيقتُه في تفويض الأمور إلى الله؛ وأن يلقي المرء أموره كلَّها لله سبحانه, وإنزالها به طلباً واختياراً؛ لا كرهاً واضطراباً؛ بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره أمورَه إلى أبيه العالِمِ بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له, فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه, وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها, فلا يجد له أصلَح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه, وراحتِه من ثقل حملها؛ مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها؛ وعلمه بكمال من فوّض إليه وقدرتهِ وشفقته .

وقد قال الله تعالى فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون حيث قال: ( وأفوِّضُ أمري إلى الله )؛ والمفوِّض لا يفوِّض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده, وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيراً فهو راض به لأنه يعلم أنه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه, وهكذا حال المتوكل سواءً؛ بل هو أرفع من المفوض, لأن مقام التوكّل اعتماد القلب كله على طاعة الله بعد تفويضه .

ومِن أجلِّ ثمرات التوكل على الله الرضا بما يقدره الله سبحانه, وهذا من أعظم درجات العبودية؛ قال بشر الحافي رحمه الله:« يقول أحدهم توكلت على الله, يكذب على الله, لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».

فمن وكّل الله سبحانه في أمره؛ فمن تمام عبوديته أن يرضى بما كتب الله له وقدّره عليه فيما وكّل الله فيه من الأمور .

و من تأمل الجزاء الذي جعله الله تعالى للمتوكِّل عليه؛ وأنه لم يجعلْه لغيره علم أن التوكل أحبُّ السبل الموصلة إليه سبحانه؛ فقد قال تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى؛ أحمده سبحانه تنزه عن كل النقائص وعلى العرش استوى؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الحب والنوى؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

أما بعد أيها المسلمون:

فإن من تمام التوكل الأخذ بالأسباب, ولا يعني التوكل أنْ لا يأخذ العبد بالأسباب؛ لأن ترك الأسباب جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً, وما أخل النبيr بشيء من الأسباب, فقد لبس درعين يوم أحد, واستأجر دليلاً مشركاً يدله على طريق الهجرة, وكان إذا سافر في حج أو جهاد حمل الزاد والمزاد, وهكذا فعل أصحابه y وهم أولو التوكل حقاً .

ومع كون الأخذ بالأسباب من تمام التوكل فإن الواجب على المسلم أنْ لا يلتفت قلبه إلى الأسباب بل إلى مسببها سبحانه, فقد يجمع المرء جميع الوسائل المادية ولا يتم له ما عزم عليه, فإن الأمور بيد الله .

ولما كان الأمر كله لله سبحانه , وليس للعبد فيه شيء البتة, كان توكلُه على الله تسليمَ الأمر لمَن هُوَ لَه, وعزْلَ نفسِه عن منازعة مالكه, واعتمادَه عليه فيه, وخروجَه عن تصرفه بنفسه وحولهِ وقوّته إلى تصّرفِّه بربه؛ وكونِه به سبحانه دون نفسه, وهذا مقصود التوكل .

فإذا عزل العبد نفسه عن مقام التوكل عزلها عن حقيقة العبودية, وقد خاطب الله سبحانه- في كتابه- بالتوّكل خواصَّ خلقه وأقربهم إليه وأكرمهم عليه, وشَرَط في إيمانهم أن يكونوا متوكلين؛ وهذا يدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل, فمن لا توكل له لا إيمان له, قال الله تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشفوعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين)؛ وقال تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشفوعلى الله فليتوكل المؤمنون )؛ وقال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)؛ و هذا يدل على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصفة؛ وأخبر تعالى عن رسله بأن التوكل ملجأُهم ومعاذُهم فقال تعالى: (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..)؛ وقال رسل الله وأنبياؤه: ( ومالنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) .

فالعبد آفته إمّا من عدم الهداية, وإما من عدم التوكّل, فإذا جمع التوكلَ إلى الهداية فقد جمع الإيمان كله .

وقد كان في دعاء النبي r ما يدل على توكله الدائم على خالقه سبحانه؛ فكان من دعائه r قولُه: «اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت» .

فإذا كان هذا حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم فينبغي على المسلم أن يقتدي بهم, وأن يستشعر حقيقة التوكل في قلبه, والتي ينتج عنها ترجمة هذه العقيدة القلبية على لسانه وجوارحه؛ ويوقن أشد اليقين بأن العبد إذا توكل على الله تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره حولاً ولا قوة, وأن استطاعته بيد الله لا بيده؛ فهو مالِكُها دونه, وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز, وأنه لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه ولذا كان من دعائه r: «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث؛ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

وكان من دعاء علي بن الحسين رحمه الله: « اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني » .

فالواجب على المسلم أن يلزم التوكل لأنه محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقة؛ ومن ترسخت في قلبه هذه العقيدة فهو الموفق حقاً .

اللهم اغفر لنا وارحمنا؛ وتوفنا وأنت راضٍ عنا..




ان شاء الله تستفيدومن الموضوع



باااركـ الله فــيكــي أختــي الغــااالية



وفيكي بارك الله اخيتي



التصنيفات
منتدى اسلامي

ماهو التوكل بمفهمومه الشرعي

التوكل على الله

د. يوسف بن عبد الله الأحمد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.

فأتناول عبادة التوكل على الله من خلال العناوين الآتية:

أولاً: حكم التوكل.
جعل الله تعالى التوكل عليه شرطاً في الإيمان، قال الله تعالى:"وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين" (المائدة 23).
وقال تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ، فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا" (يونس 84-85).
قال الله تعالى:" فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " (هود 123)، قال ابن القيم في مدارج السالكين ص 456:"التوكل نصف الدين".

وقالت رسل الله تعالى لأقوامهم الذين لم يؤمنوا بهم:" وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ" (إبراهيم12).

قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه الآية:" فالعبد آفته إما من عدم الهداية ، وإما من عدم التوكل، فإذا جمع التوكل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه" (مدارج السالكين ص 467).

فالتوكل على الله هو شأن الأنبياء والمرسلين، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم صلوات الله عليه حين أُلقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا:"إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

قال ابن تيمية (7/16):" التوكل على الله واجب من أعظم الواجبات، كما أن الإخلاص واجب، وحب الله ورسوله واجب، وقد أمر الله بالتوكل في غير آية أعظم مما أمر بالوضوء والغسل.." اهـ.

ثانياً: معنى التوكل على الله.
التوكل على الله هو صدق اعتماد القلب على الله في جميع الأمور، مع بذل الأسباب المشروعة.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 628:" وحقيقة التوكل هو صدقُ اعتمادِ القلب على الله عز وجل في استجلابِ المصالحِ ودفعِ المضارِ من أمور الدنيا والآخرة كلها"اهـ.

فالمتوكل على الله: يبرأ إلى الله من حولهِ وقُوَّتِه، ويعلمُ علماً يقينياً أنه لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله. ولذلك كانت هذه الكلمة كنزٌ من كنوز الجنة لعظم شأنها وأثرها، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "..قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنزٌ من كنوز الجنة".

ومعناها: أنه لا تحول لنا من حالٍ إلى حال، ولا قوة لنا على فعل شيء إلا بالله وحده. فلا نستطيع التحول من حال الضعف إلى حال القوة، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفقر إلى الغني، ومن الخوف إلى الأمن، ومن المعصية إلى التوبة، ومن الضلال إلى الهداية.. إلا بالله تعالى وحده لا شريك له.
ولا قوة لنا على إقامة شرعه، وتبليغ دينه، وتحقيق عبوديته إلا بالله، ولا قوة لنا على القيام في الصلاة والركوع والسجود إلا بالله، ولا نستطيعُ الحصولَ على المال، ولا النجاح الدراسي، ولا التوفيق في تربية الأولاد، ولا الصبر والثبات على أمر الله إلا بالله، ولا نستطيع أن نسمع أو نبصر أو نتكلم أو نقف أو نمشي أو نرفع أو نخفض.. إلا بالله.

ولذلك كان من أهم معاني التوكل على الله ولوازمه: الاستعانة بالله؛ فالمؤمنُ بالله المتوكل عليه يستعينُ بالله دائما في أموره كلها ويُلِحُّ في الدعاء. "إياك نعبد وإياك نستعين" فنحنُ لا نعبدُ إلا إياك ولا نستطيعُ عبودتك إلا بمعونة منك، فأعنّا.

فالمؤمنُ يدعو اللهَ تعالى أن يعينَه على طاعتهِ وعلى أمورِ معاشه، والنصوصُ في طلب إعانة الله على فعل الطاعة وطلب النصر كثيرة في الكتاب والسنة، ومن ذلك:
قول الله تعالى:" رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي" (الأحقاف16). وقوله :" رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان75). وقوله تعالى:" رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (البقرة250(.

ومن أدعية السنة:" اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وفي حديث علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قل: اللهم اهدني وسددني" أخرجه مسلم، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.

وأفضل دعاء وأوجبه:" اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" (الفاتحة 6-7). قال ابن تيمية رحمه الله (8/330):" فهذا الدعاء أفضلُ الأدعية وأوجبُها على الخلق.."

ومتى غَفَلَ الإنسان وتَرَك الاستعانةَ بالله التي هي من أهم مقتضيات التوكل، وَرَكَنَ إلى نفسه وقدراته فقد هلك. وهنا مزَّلةُ الأقدام، وهنا تحصلُ الغفلةُ من بعض الناس حينما يَتَوهَّمُ أنه قادرٌ على القيام بما يريد بعلمه، أو فهمه، أو ذكائه، أو مهاراته الفردية، أو قدراته الشخصية، أو قوته البدنية، أو منصبه ونفوذه، أو كثرة ماله.. الخ.

فمن ظن هذا الظن فقد ضلَّ، وقد بين الله تعالى لنا سبب هلاك قارون حينما قال:" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. (القصص:78( فَنَسَبَ حصول هذا المال العظيم إلى علمه وقدرته. ومثلها قول الله تعالى:" فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (الزمر 49).

قال ابن تيمية (8/528):" فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد.. فعلى العبد أن يكون قلبهُ معتمداً على الله، لا على سبب من الأسباب"اهـ.

والمتوكل على الله: يثق بالله ويحسن الظن به، فهو يوقن أن الله تعالى يراه ويسمع صوته ويعلم حاله وحاجته، وهو أرحم به من نفسه، فالله تعالى هو العليمُ الحكيمُ الخبيرُ اللطيفُ البصيرُ بالعباد. فما قدَّرهُ اللهُ تعالى فهو الخير، فيكون المتوكل على الله صابراً ثابتاً مطمئناً راضياً بما قدره الله تعالى، فقد يُقّدِّرُ اللهُ تعالى ما لا يُريده العبد فيكونُ ظاهرُه الشّر، لكنْ في باطنه وعاقبته الخير العظيم "وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216) فلا يضطرب قلبه ولا ييأس من رحمة الله تعالى "إنَّهُ لَا يَيْأَس مِنْ رَوْح اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ" (يوسف 87).

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص635: "واعلم أن ثمرة التوكل الرضا بالقضاء، فمن وكَّل أموره إلى الله، ورضي بما يقضيه له ويختاره، فقد حقق التوكل"اهـ.

والمتوكِّلُ على الله: يُفَوِّضُ أمرَه إلى الله. قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: " وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (غافر44). فكان جزاؤُه من الله على هذا التفويض "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ" (غافر45).

وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال:" اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجّهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت" أخرجه البخاري ومسلم.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله توضيحاً للتفويض بالمثال –ولله المثل الأعلى- وهو أن المفوِّض مَثَلُه مَثَلُ الطفل الصغيرِ العاجزِ الذي فَوَّضَ أمرَه إلى والدِه الذي يقوم بشأنه، فهو يحمله ويذهب به والطفلُ مطمئنٌ لذلك، ويعلم أن أباه أعلم منه بمصلحته، وربما حَمَلَهُ والده، والطفلُ لا يعلم لماذا حمله، ولا أين هو ذاهب، لكنه مطمئن أنه ما فعل ذلك إلا لمصلحته.

وهذا نص كلام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص462:" التفويض.. روح التوكل ولُبُّه وحقيقته، وهو إلقاء أموره كلها إلى الله، وإنزالها به طلباً واختياراً، لا كرهاً واضطراباً، بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمرهِ كُلَّ أموره إلى أبيه العالم بشفقته عليه ورحمتِه، وتمامِ كفايته، وحسنِ ولايتِه لَه، وتدبيرهِ له، فهو يرى أنَّ تدبيرَه له خيرٌ من تدبيرِه لنفسه، وقيامُه بمصالِحِة وتَولِّيه لها خيرٌ من قيامه هو بمصالح نفسه وتَوَلِّيهِ لها، فلا يجد له أصلح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه، وراحته من حَمْلِ كُلِّها وثِقَلِ حملها، مع عجزه عنها، وجهله بوجوده المصالح فيها، وعلمُه بكمال علم مَنْ فَوَّضَ إليه، وقدرتَه وشفقتَه"اهـ.

ثالثاً: بين التوكل على الله وفعل الأسباب.
تَوَهَّم بعضُ الناس أن مقتضى التوكلِ تركُ فعلِ الأسباب، وبعضُهم يرى أن من تمام التوكل على الله بذل الحد الأدنى من الأسباب فقط والتقليل منها.

والصوابُ أنَّ بَذْلَ السبب المشروع هو من مقتضى التوكل على الله، وترك بذل الأسباب ينافي التوكل.

فالتوكل على الله يعني أن يكون قلبُه متعلقاً ومعتمداً على الله وحده لا على شيء من الأسباب، مع فعل الأسباب على وجهها الصحيح دون تقصير.

فنحن بين طرفين ووسط: أناسٌ تركوا فعل الأسباب وآخرون تعلقتْ قلوبُهم بالأسباب؛ وهذا كلّه انحراف، والصواب فعل الأسباب مع توكل القلب على الله وحده.

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص461:".. ومن هاهنا ظنَّ من ظن أن التوكل لا يتم إلا برفض الأسباب، وهذا حق، لكنَّ رفضَها عن القلبِ لا عن الجوارح، فالتوكلُ لا يتم إلا برفضِ الأسباب عن القلب وتعلقِ الجوارح بها، فيكون منقطعاً منها متصلاً بها"اهـ.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 628:" فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به"اهـ.

ومن نظر في نصوص الكتاب والسنة يجدُها واضحةً في الأمر بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله والاستعانة به.

ومن ذلك:
أمرُ الله تعالى لنبيه نوح عليه الصلاة والسلام أن يبذل سبب نجاته من قومه فقال تعالى: "فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا" (المؤمنون27).

وأمرُ اللهِ تعالى مريمَ بنت عمران عليها السلام ببذل السبب للحصول على الطعام:" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا" (مريم 25).

ولما دعى نبيُّ اللهِ أيوبُ عليه الصلاة والسلام ربَّه أن يشفيَه مما أصابَه من المرض والأذى، أمرَهُ الله أن يضرِب برجلِه الأرض حتى تنبع له ماءً بارداً فيغتسل منه ويشرب، فشفاه الله تعالى "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ" (ص 42).

وقال الله تعالى في صفة صلاة الخوف:" فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ" (النساء 103).

وقال الله تعالى في شأن المنافقين:"هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ" (المنافقون4).

وقال تعالى:"وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال 60).

ومن نظر في هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجد أنه لم يُخلَّ بشيءٍ من الأسباب، وهو سيدُ المتوكلين، وقد عصَمَه الله تعالى من الناس " وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة 67) ومع ذلك فقد ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لَبِس الدرعَ والمِغْفَر في الحرب، وحَفَر الخندق، وكان إذا أراد أن يغزو غزوةً ورَّى بغيرها، واستأجر دليلاً مشركاً يدله الطريق يوم الهجرة، وكان يأخذ الزاد والمزاد في سفر الحج والجهاد وغيرهما، ويدَّخر لأهله قوت سنة.

فهذا كلُّه لا ينافي التوكل بل هو من مقتضاه، وإنما الخطأ الذي قد يحصل هو ضعف التوكل على الله حينها فيلتفت القلب إلى الأسباب ويَغْفَلُ عن التوكل على الله.

وهنا تنبيه: وهو أن من الأسباب ما هو مذموم في الشريعة، ومن ذلك سؤال الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا بايعَ الصحابة رضي الله عنهم:" أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً والصلوات الخمس وتطيعوا الله" وأسر كلمةً خفيفة:" ولا تسألوا الناس شيئاً" قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: فلقد رأيتُ بعضَ أولئك النفر يَسْقُطُ سوطُ أحدِهم فما يسأل أحداً يناوله إياه" أخرجه مسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

ومِن سؤال الناس ما هو مأمور به شرعاً كسؤالِ العلم، والشفاعةِ للناس، وطلبِ تغييرِ المنكَر، ومطالبةِ الإنسان بحقه.

رابعاً:غفلة تحصلُ من بعضِ المؤمنين.
نبه ابن القيم رحمه الله تعالى إلى أنواع من التقصير في باب التوكل، ومن ذلك: أنه يتوكل على الله في بعض أَمرهِ ويُهْملَ التوكلَّ في غيره وربما كان هو الأهم. فتجده يتوكل على الله في رِبْحِ التجارة، والحصولِ على الوظيفة، والشفاء من المرض، لكنَّه يُهمل التوكل على الله تعالى في نصرةِ الدين، وإقامة الشريعة، والجهادِ في سبيله، والقيام بأركانِ الإيمان والإسلام، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الخ، والصواب أن يتوكل على الله تعالى في كل أمره، وما عظَّمَه اللهُ فهو الأولى والأهم.

خامساً: فوائد التوكل على الله.
أهم فوائده هو تحقيق العبودية لله وحده في القيام بهذا الواجب العظيم الذي أمر الله تعالى به عباده، وله فوائد عظيمة أخرى، ومنها:
كفايةُ الله له وتحقيقُ مرادِه وسعادتُه في الدارين. قال الله تعالى:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق 3).

وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لو أنكم توكلون على الله حَقَّ توكله لرزقكم كما يرزقُ الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً" أخرجه أحمد والترمذي وقال:"حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه" والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من طرق عن عبدالله بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني أنه سمع عمر رضي الله عنه به وابن هبيرة وأبو تميم كلاهما من رجال مسلم.
قال ابن تيمية رحمه الله (8/531):"الدعاء والتوكل.. من أعظم الأسباب التي تُنَال بها سعادة الدنيا والآخرة".

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين ص456:"ومن صَدَق توكُّلُه على الله في حصول شيء ناله" وقال أيضاً ص461:"فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه".
وقد جعل الله تعالى التوكلَ عليه سبباً وشرطاً في دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:"ويدخلُ الجنة من هؤلاء (أي من أمة محمد( سبعون ألفاً بغير حساب (زاد المسلم: ولا عذاب).. هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون".

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، واجعلنا من عبادك المتوكلين عليك حق التوكل. والحمد لله رب العالمين.

د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض
18 جمادى الأولى 1443هـ




بارك الله فيكي



شكرلك



شكرا لكي على هذا الموضوع وجعله الله في ميزان حسناتك



خليجية