حكم من أتى كاهنا أو عرافا ، الشرك بالله ، زيارة الكهنة و العرافين و التعامل معهم ، خطر الكهنة و العرافين على العقيدة
خطورة التعامل مع الكهنة والعرافين ( 1- 2 )
عن صفية، عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) (1).
* * *
أهمية الحديث:
هذا الحديث يبحث عن موضوع مهم، يمس حياة كثير من الناس ابتلاهم الله – سبحانه وتعالى- بملاحقة الكهان، والعرّافين، والمشعوذين لمعرفة مستقبل حياتهم – كما يزعمون – أو لشفاء أمراضهم والتداوي عندهم، أو حلّ مشكلاتهم، وما يعترضهم من العقبات.
نقف مع هذا الحديث الوقفات الآتية:
الأولى:
ورد هذا الحديث بهذه الرواية بلفظه السابق، كما جاء بروايات وألفاظ أخرى، نعرض بعضاً منها:
ما رواه الإمام أحمد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أتى عرافاً أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – ) (2) ، قال الحاكم: صحيح على شرطهما، وقال الذهبي: إسناد قوي.
وروى أبو داود في سننه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من أتى كاهنا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – ) (3) .
وروى البزار –بإسناد جيد – والطبراني – بإسناد حسن – عن عمران بن الحصين، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ليس منا من تطيّر أو تُطير له، أو تكهن له، أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – ) (4) .
الثانية:
مرّ معنا في الروايات السابقة بعض المصطلحات، نوضّحها في الآتي:
قوله: (من أتى عرّافاً) العرّاف هو: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق، ومكان الضالة، ونحو ذلك، قاله البغوي – رحمه الله تعالى- (5).
وقوله: (من أتى كاهناً) فالكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: (العراف اسم للكاهن، والمنجم، والرمال، ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق) (6).
ويقول ابن القيم – رحمه الله-: (من اشتهر بإحسان الزجر عندهم سموه عائفا وعرّافا، والمقصود من هذا معرفة أن من يدعي علم شيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به، وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل، والزجر، والطير، والضرب بالحصى، والخط في الأرض، والتنجيم، والكهانة، والسحر، ونحو هذا من علوم الجاهلية، ونعني بالجاهلية: كل من ليس من أتباع الرسل كالفلاسفة، والكهان، والمنجمين، وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهنا، وعرافا، أو ما في معناها، فمن أتاهم فصدقهم بما يقولون لحقه الوعيد) (7) اهـ كلامه – رحمه الله-.
الثالثة:
قوله – صلى الله عليه وسلم – : (من أتى عرّافاً فسأله عن شيء…).
ظاهر هذا اللفظ أن الوعيد مرتب على مجيئه وسؤاله، سواء صدقه أو شك في خبره، فمن ذهب إلى عرّاف – ولو لم يصدقه- فيدخل في الوعيد الشديد؛ لأن مجرد الإتيان إليهم منهي عنه.
روى مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: قلت يا رسول الله: إن منا رجالا يأتون الكهان، قال: (فَلاَ تَأْتِهِمْ) (8).
ولأنه إذا شك في خبره فقد شك أنه لا يعلم الغيب، وذلك موجب للوعيد، بل يجب عليه أن يقطع، ويعتقد أنه لا يعلم الغيب إلا الله.
من هنا نعلم أنه يجب على المسلم أن يبتعد كل البعد عن هؤلاء العرافين، أو الكهان، أو الدجالين، الذين يلبّسون على الناس أمور دينهم، ويشككونهم في معتقداتهم، وفي علاقتهم بربهم وخالقهم، ويضعفون يقينهم وإيمانهم بالله – عز وجل-.
الرابعة:
قوله – صلى الله عليه وسلم – : (لم تقبل له صلاة أربعين يوماً…).
قال النووي: (معناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه، ولا يحتاج معها إلى إعادة). اهـ (9).
الخامسة:
قوله – صلى الله عليه وسلم – : (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – ) .
قال أهل العلم: ظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان؛ لاعتقاده أنه يعلم الغيب، وسواء كان ذلك من قبل الشياطين، أو من قبل الإلهام، لاسيما وأن غالب الكهان في وقت النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين.
إن حيل العرافين والكهان كثيرة، وأحوالهم متعددة، فينبغي للمسلم الحذر كل الحذر منهم، ومن أفعالهم، فكما رأينا الوعيد الشديد لمن أتاهم، أو صدّق فعالهم، فكيف إذن بمن يتعاطى هذه الأفعال!
وإنه لمن المؤسف حقا أن تجد بعض المسلمين اليوم ممن ضعف إيمانه بربه، وتزعزع يقينه بخالقه يلجأ في مشكلاته وأحواله، وفي خوفه من مستقبله، إلى هؤلاء الكهان، فيقف عند بابهم، ولو من خلال اتصال هاتفي، أو في شاشة فضائية، مستجديا له، ليحلُّ له ما وقع فيه، أو يطلب منهم شفاء لمرضه، أو مريضه، أو ليتنبؤوا له بما سيجري له في مستقبل أيامه، فمن فعل ذلك فقد ارتكب أمراً خطيراً، وجرماً كبيراً، نعوذ بالله من الخذلان