التصنيفات
منوعات

الثلاثي المهلك : الربا والزنا والخمر

هذه الكبائر الثلاثة من علامات الساعة وانتهاء الدنيا لما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" بين يدي الساعة يظهر الربا والزنا والخمر ". رواه الطبراني وهو صحيح لغيره . (انظر صحيح الترغيب والترهيب 2 / 378 ) . هذا الثلاثي ما ظهر في قوم إلا أصابهم المسخ والهلاك .عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" والذي نفسي بيده ليبيتنَّ أناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير". رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائده "، وقال الألباني عنه : حسن لغيره . ( المصدر السابق 2 / 378 ) .
الربا
أول هذا الثلاثي : الربا ، كبيرة من كبائر المعاصي قرنها الله بالشرك والسحر لعظم خطرها وبالغ ضررها ، فهي تـولد العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع وتقضي على مظاهر الشفقة والبر والإحسان، وتدمر قواعد المحبة والإخاء، وتقسم الناس إلى طبقتين، طبقة مترفة: تعيش على النعيم والرفاهية والتمتع بعرق جبين الآخرين. وطبقة معدمة: تعيش على الفاقة والحاجة والبؤس والحرمان .
هذه المعصية حرمتها جميع الشرائع السماوية قال الله تعالى في حق اليهود { فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ ٱلرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.كما حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين خطرها ، ونبه على عظم شأنها وسوء عاقبة أهلها في العاجلة والآجلة ؛ إقامة للحجة ، وقطعاً للمعذرة ، ونصحاً للعباد.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك بالله والسحر وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات " . رواه الشيخان .
إن الربا والأنظمة الربويـة بلاء على الأمة في مختلف المجالات في دينها وفي أخلاقها وفي حياتها الاقتصادية ، إنه نظام بشع يمحق سعادة البشر محقاً، ويفسد ضمير الفرد وخلقه وشعوره تجاه أخيه ، ويفسد نظام المجتمع وتضامنه بما ينشره فيه من روح الطمع والجشع والأثرة .
لهذا كله وقف الإسلام من الربا موقف الحرب التي لا هوادة فيها، وشنع على أصحابه أبلغ تشنيع ، قال سبحانه وتعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم }.قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية : ذكر الظالمين أهل الربا والمعاملات الخبيثة وأخبر أنهم يجازون بحسب أعمالهم فكما كانوا في الدنيا في طلب المكاسب الخبيثة كالمجانين عوقبوا في البرزخ والقيامة بأنهم لا يقومون من قبورهم أو يوم بعثهم ونشورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي من الجنون والصرع , وعقب العلامة ابن عثيمين رحمه الله بقوله : ولقد صدق رحمه الله تعالى فإن المرابين كالمجانين لا يعون موعظة ولا يرعون عن معصية نسأل الله لنا ولهم الهداية أ. هـ.(بعض حيل الربا ص 1 ) .
فأكلة الربا حياتهم كحركة الممسوس الذي لا يستقر له قرار ولا طمأنينة ولا راحة ، يعيش حياة القلق والاضطراب والخوف والأمراض النفسية والعصيبة والخوف على المال، والخوف من الخسارة والخوف من المحق، عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إياك والذنوب التي لا تغفر: الغلول، فمن غلَّ شيئاً أتى به يوم القيامة ، وأكْل الربا ، فمن أكَل الربا بُعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط ، ثم قرأ { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } رواه الطبراني وقال الألباني : حسن لغيره . ( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 378 ).ولهذا نادى اللهُ الذين آمنوا بهذه الصفة الجليلة ناهياً إياهم عنه ومحذراً من سوء عاقبته فيقول { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } . هذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع. إنها حرب على الأعصاب والقلوب ، وحرب على البركة والرخاء، حرب على السعادة والطمأنينة، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض ، حرب المطاردة والمشاكسة، حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش، والدول، إنها الحرب المشبوبة دائما، وقد أعلنها الله على المرابين، وهي مسعرة تأكل الأخضر واليابس، والبشرية غافلة عما يفعل بها .
الربا سبب للعن والطرد من رحمة الله، يشترك في ذلك كل من له علاقة به شهادة أو كتابة أو أخذاً أو إعطاءً، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله .رواه مسلم وأبو داود والترمذي . وعن جابر رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ووموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " . رواه مسلم وغيره .
والجزاء من جنس العمل ، فمن ملأ فمه من مال الربا ملأه الله حجارة تنكيلاً به وتعذيباً له.عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت الليلة رجلين (أي ملكين)، فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم ، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر ، فيرجع كما كان . فقلت: ما هذا الذي رأيت في النهر؟ فقال: آكل الربا ".رواه البخاري .
وبلغ من تشنيع النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الكبيرة أن جعلها أشد من الزنا بل أشد من أن يزني الرجل بأمه ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الربا ثلاث وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ". رواه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم ورواه البيهقي من طريق الحاكم وقال الألباني : صحيح لغيره .( انظر صحيح الترغيب والترهيب 2 / 374) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه ". رواه ابن ماجة والبيهقي وقال الألباني صحيح لغيره . ( المصدر السابق 2 / 377 ) .
والربا سبب لعذاب الله وسبب للعقوبات العاجلة في الدنيا، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُشترى الثمرة حتى تُطعم ، وقال :" إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله". رواه الحاكم وهو حديث حسن . ( المصدر السابق 2 / 377 ).
والمرابي مبغض عند الله وعند الناس لأنه شحيح جشع جموع منوع ، لا ينفق ولا يتصدق، تنفر منه القلوب وينبذه المجتمع ، ومهما جمع من مال فإن عاقبته إلى قلة ومحق.عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما أحد أكْثَر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة ".حديث صحيح رواه ابن ماجة والحاكم ، وفي لفظ له :" الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قِلٍّ " . (صحيح الترغيب والترهيب 2 / 378 ) .
الربا أنواع
ربا النسيئة: وهو الزيادة في الثمن من أجل الزيادة في الأجل.
وربا الفضل معناه: بيع جنس بجنسه متفاضلاً . وهو محصور في أصناف ستة، بيّنها قوله صلى الله عليه وسلم :"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " .
فهذه الأصناف الستة لا يجوز بيع الجنس منها بجنسه متفاضلاً: فلا يجوز بيع مائة جرام ذهبا قديماً بتسعين جراماً ذهباً جديداً، وكذلك الفضة . ولا يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلة من قمح جيد، وهكذا بقية الأصناف.
ولا يجوز التأخير في القبض وإن كان هناك تماثل، بل لابد من التقابض في المجلس.
فإن اختلفت الأجناس والعلة جاز البيع والشراء متفاضلاً وجاز التأخير، كأن تشتري قمحاً بنقد، أو ملحاً بنقد.
وإن اختلفت الأجناس واتحدت العلة جاز التفاضل دون التأخير: فيجوز أن تشتري عشرين جراماً ذهباً بمائة فضة مثلاً. أو تشتري كيلتين قمحا بأربع شعيراً . وكذلك لا يجوز أن تشتري ذهباً بنسيئة، ولا أن تدفع بعض القيمة ويبقى عليك بعضها، بل لابد من دفع القيمة كلها نقداً قبل مغادرة المجلس. ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس عند استبدال الذهب القديم بجديد أنهم يبيعون القديم ولا يقبضون ثمنه، ثم يشترون الجديد ويدفعون الفرق، وهذا داخل في ربا الفضل، والصحيح أن تبيع ما معك وتقبض ثمنه، ثم تشتري الجديد وتدفع ثمنه. يقول العلامة ابن عثيمين يرحمه الله : ( وأما بيع الذهب بالذهب فلا يجوز إلا بشرطين، الأول: أن يكونا سواء في الوزن لا يزيد أحدهما على الآخر، والثاني: أن يكون ذلك يدا بيد بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصاحبه ما بادله به قبل أن يتفرقا فإن زاد أحدهما على الآخر فهو ربا والعقد باطل، وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين فالعقد باطل، وهو من الربا أيضا، وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضة أو البر بالبر أو الشعير بالشعير أو التمر بالتمر أو الملح بالملح فلا بد من هذين الشرطين: التساوي والقبض من الطرفين فلو باع صاعاً من بر بصاع منه وزيادة فهو ربا ولو كانت القيمة واحدة، وعلى هذا فإذا كان عند امرأتين حلي وأحبت إحداهما أن تبادل الأخرى فلا يجوز إلا أن يوزن حلي كل واحدة منهما فيكونا سواء وأن تتقابضا قبل التفرق، وأجاز بعض العلماء التبادل مع زيادة أحدهما على الآخر إذا كان مع الناقص شيء يقابل الزيادة أما إذا بيع الذهب بالفضة فإنه لا يشترط التساوي وإنما يشترط التقابض قبل التفرق بحيث يقبض البائع الثمن كاملاً ويقبض المشتري ما اشتراه كاملاً ، فلو باع شخص سوارين من ذهب بمائتي ريال وكل واحد يساوي مائة فأعطاه المشتري مائة ريال وأخذ السوارين وقال آتي لك بعد قليل ببقية الثمن فهذا حرام عليهما ولا يصح البيع إلا في سوار واحد فقط أما السوار الثاني فبيعه باطل لأن ما يقابله من الثمن لم يقبض … ويتابع : ولقد بلغني أن الصواغ وتجار الحلي يبيعون الحلي بالدراهم ولا يقبضون الثمن من المشتري وهذا حرام عليهم وحرام على المشتري وهو من الربا الملعون فاعله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وفي ظني أن بعضهم لا يدري على حكم هذا المسألة وإلا فلا أظن أن مؤمناً بالله واليوم الآخر يعلم أن هذا ربا ثم يتعامل به لا سيما وأن في التقابض سلامة من الربا ومصلحة للطرفين فالبائع ينتفع بنقد الثمن ويسلم من مماطلة المشتري أو نسيانه أو إعساره المشتري يفك ذمته بتسليم الثمن وخلو ذمته من الطلب. وقد يفتي بعض المتعاملين بهذا نفسه فيقول: أنا لم أبع ذهبا بفضة وإنما بعت ذهبا بقرطاس فنقول هذه الفتوى غلط فإن هذه الأوراق جعلت نقداً وعملةً بين الناس بمقتضى قرار الحكومة فلها حكم ما جعلت بدلا عنه فإذا جعلت بدلاً عن الريالات الفضية كان لها حكم الفضة وكل أحد يعلم بأن هذه الأوراق النقدية ليس لها قيمة باعتبار كونها ورقاً فالأسواق مملوءة من قصاصات الورق التي بقدر ورقة النقد وليس لها قيمة أصلاً بل هي ملقاة في الزبل للإتلاف والإحراق.)أ.هـ . (الربا في الذهب 2 ، بتصرف يسير) .
ويستفاد من كلامه رحمه الله : أنه إذا كان التعامل سابقاً بالذهب والفضة فقد أصبح التعامل الآن بالأوراق النقدية بدلاً عنها والبدل له حكم المبدل فلا يجوز التفرق قبل القبض إذا أبدلت أوراقاً نقدية بجنسها أو بغير جنسها فلو قلت لشخص خذ هذه الورقة ذات المائة اصرفها لي بورقتين ذواتي خمسين فإنه يجب أن تسلم وتستلم قبل التفرق فإن تأخر القبض من الطرفين أو أحدهما فقد وقعا في الربا، ولقد صار من المعلوم عند الناس أنك لو أخذت من شخص مائة ريال من النقد الورقي بمائة وعشرة مؤجلة إلى سنة أو أقل أو أكثر لكان ذلك ربا وهذا حق فإن هذه المعاملة من الربا الجامع بين ربا الفضل وربا النسيئة بين الربا المقصود والذريعة ولكن من المؤسف أن كثيراً من المسلمين صاروا يتحيلون على هذا الربا بأنواع من الحيل .
والحيلة أن يتوصل الشخص إلى الشيء المحرم بشيء ظاهره الحل فيستحل محارم الله بأدنى الحيل.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله : إن الحيل على الربا كثيرة ولكن أكثرها شيوعا أن يجيء الرجل لشخص فيقول له إني أريد كذا وكذا من الدراهم فهل لك أن تدينني العشر أحد عشر أو اثني عشر أو أقل أو أكثر حسب ما يتفقان عليه ثم يذهب الطرفان إلى صاحب دكان عنده بضاعة مرصوصة معدة لتحليل الربا قد يكون لها عدة سنوات إما خام أو سكر أو رز أو هيل أو غيرها مما يتفق عند صاحب الدكان ولو وجدا عنده أكياس سماد يقضيان بها غرضهما لفعلا فيشتريها الدائن من صاحب الدكان شراءً صورياً لا حقيقياً لأنه لم يقصد السلعة من الأصل بل لو وجد أي سلعة يقضي بها غرضه لاشتراها ثم هو لا يقلب السلعة ولا يمحصها ولا يكاسر في الثمن وربما كانت السلعة معيبة أفسدها طول الزمن أو أكلتها الأَرَضَةُ وهو لا يعلم ثم بعد هذا الشراء الصوري يتصدى لقبضها الصوري أيضاً فيعدها وهو بعيد عنها وربما أدرج يده عليها تحقيقاً للقبض كما يقولون ثم يبيعها على المدين بالربح الذي اتفقا عليه ، ثم يقوم المدين ببيعها على صاحب الدكان فإذا اشتراها صاحب الدكان سلم للمدين الدراهم وخرج بها . قال شيخ الإسلام ابن تيميه : لقد بلغني أن من الباعة من أعد بزاً لتحليل الربا فإذا جاء الرجل إلى من يريد أن يأخذ منه ألف بألف ومائتين ذهب إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطي ذلك البز ثم يعيده للآخذ ثم يعيده الآخذ إلى صاحبه ثم قال: فيا سبحان الله العظيم أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيرها إلى أن يُستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصلاً إلا بصورة عقد هي عبث ولعب . أ . هـ (كتاب أباطيل الحيل 109 ) .
هذه الحيلة الربوية التي شاعت بين الناس تتضمن محاذير:
الأول: أنها خداع ومكر وتحيل على محارم الله والحيلة لا تحلل الحرام ولا تسقط الواجب ولقد قال بعض السلف في أهل الحيل يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.
المحذور الثاني: أنها توجب التمادي في الباطل فإن هذا المتحيل يرى أن عمله صحيح فيتمادى فيه أما من أتى الأمر الصريح فإنه يشعر أنه وقع في هلكة فيخجل ويستحي من ربه ويحاول أن ينزع من ذهبه ويتوب إلى ربه.
المحذور الثالث : أن السلعة تباع في محلها بدون قبض ولا نقل وهذا معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي لى الله عليه وسلم : " نهى أن تباع السلع حيث تبتاع "، يعني في المكان الذي اشتريت فيه حتى يحوزها التجار إلى رحالهم رواه أبو داود والدارقطني ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري قال: " كان الناس يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه " .
وقد يتعلل بعض الناس فيقول إن عد هذه الأكياس قبض لها فنقول إذا قدرنا أنه قبض فهل هو نقل وحيازة ؟ ، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع حتى تحاز إلى الرحال ، ثم هل جاء في السنة أن مجرد العد قبض ؟ إن القبض هو أن يكون الشيء في قبضتك وذلك بحيازته إلى محلك بالإضافة إلى عده أو كيله أو وزنه إن كان يحتاج إلى ذلك . أ. هـ . ( بعض حيل الربا 2، بتصرف يسير ) .
ومثل ذلك ما يفعله أصحاب معارض السيارات الذين استغلوا حاجات الناس باسم التقسيط وقد تجلس السيارة في المعرض إلى أن تتلف عجلاتها وإطاراتها ويتغير لونها، وتباع من صاحب الحاجة لأحد الوسطاء والسماسرة الذين يسمّون بالشريطية ( المحللون للبيع ) ثم تعاد لصاحب المعرض وهكذا وهي في مكانها، أو تـُخرج للحيلة فقط لأن القصد اصطياد أصحاب الحاجات وتسجيل الديون المضاعفة عليهم والسيارات التي هي حيل وخداع باسم البيع والشراء، ومثل ذلك في التجار الذين تتلف لديهم أكياس الحب والسكر والبن والهيل والأرز، وطرق المعاملات الربوية كثيرة .
وقد يقول البعض إني مضطر لأن اقترض بالربا كي أكمل عمارتي أو أوسِّع تجارتي ، أو ما شابه ذلك ، ويتعلل بقاعدة عند أهل العلم ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، وهذا لا يجوز لأن هذه المطالب ليس من الضرورات التي تبيح المحرمات.فالضرورة التي تبيح المحظورات هي بلوغ المرء حد الهلاك أو ما قاربه كمن يشرب الخمر لإساغة غصة ، أو يأكل الميتة إذا أشرف على الهلاك جوعاً… .
القرض الحسن هو البديل
إن الإسلام يقيم مجتمعه على دعائم من الإيمان الصادق بالله والثقة بما عنده ، ويربط أفراده برباط الأخوة والتعاون والتآزر ، ويجعل الفرد في كفالة إخوانه ورعايتهم ، فلا يجوز للمسلم أن يترك أخاه فريسة لحاجة، ولا أن يستغل حاجته فيفرض عليه الربا المحرم . وعندما يغلق الإسلام باباً من أبواب الحرام فإنه يفتح أبواباً كثيرة من الحلال ، فعندما حرم الربا أباح القرض .
فالقرض قربة من القربات ، فيه إيصال النفع للمقترض وقضاء حاجة وتفريج كربته وإعانته على كسب قربة أخرى . قال تعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون } .وهذا وعد من الله أن القرض يضاعف مالاً وبركةً وذكراً حسناً . ولأهمية القرض فقد قرنه تعالى بالصلاة والزكاة فقال { وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً }.كما قرنه مع الإيمان بالرسل ومع شعائر العبادة ووعد عليه بتكفير الذنب ودخول الجنان { لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل }.
وتواردت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ترغب في القرض وتحث عليه . فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من منح منيحة لبن أو وَرِق أو هدَّى زقاقاً كان له مثل عتق رقبة " . رواه أحمد وابن حبان والترمذي واللفظ له وهو صحيح . وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" دخل رجل الجنة فرأى مكتوباً على بابها: الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر ". رواه الطبراني والبيهقي وحسنه الألباني رحمه الله . (صحيح الترغيب والترهيب 2 / 537 ) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة " رواه ابن ماجه وابن حبان والبيهقي وقال الألباني : صحيح لغيره . ( المصدر السابق 2 / 538 ) .
وفي القرض تيسير وقضاء لحاجة وتعاون على البر والتقوى { وتعاونوا على البر والتقوى }.
ورغَّب الإسلام في التيسير على المقترض المعسر وإمهاله في الدفع بل رغب في التنازل عنه والوضع ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه طلب غريماً له فتوارى عنه ، ثم وجده فقال إني معسر ، فقال : آلله ــ أي بالله؟ــ قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة ، فلينفس عن معسر أو يضع عنه " ، وعن حذيفةرضي الله عنه :" تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا : عملت من الخير شيئاً ؟ قال لا ، قالوا: تذكر، قال كنت أداين الناس فآمر فتياني أن يُنظِروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر ، قال الله : تجاوزوا عنه " . رواه البخاري ومسلم واللفظ له .
وعن بريدة رضي الله عنه : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أنظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة " ، قال : ثم سمعته يقول : " من أنظر ، فله كل يوم مثليه صدقة " ، فقلت : يا رسول الله سمعتك تقول :" من انظر معسراً فله كل يوم مثله صدقة " ، ثم سمعتك تقول :" من أنظر معسراً فله كل يوم مثليه صدقة " ، فقال له :" كل يوم مثله صدقة ، قبل أن يحلَّ الدين ، فإذا حلَّ فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة ". رواه الحاكم وأحمد وابن ماجه وصححه الألباني.( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 541 ــ 542 ) .
ومن الطرق المباحة البديلة عن الربا : طريقة السلم وهي التي تسمى (المكتب)، وهي أن يعطي البائع المشتري دراهم بسلع معينة إلى أجل معلوم ، وكان الناس يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل أن تعطيه ألف ريال بعشرين كيس سكر مثلاً على أن يعطيك إياها بعد سنة ، فهذا جائز.قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :" وكذلك إذا احتاج إلى سلعة معينة كسيارة تساوي عشرة آلاف فبعتها عليه بأحد عشر ألفا أو أكثر إلى أجل معين، فلا بأس به سواء كان الأجل مدته واحدة أو كان موزعاً على الأشهر والسنوات أ.هـ ( الربا والتحايل عليه 4 بتصرف يسير ) .
أيها الأحبة : إن الكسب حرام يمنع إجابة الدعاء، ويورث الشقاء، ويجلب أنواع البلاء، ويقسي القلوب ، ويغريها بالإثم والفحشاء ، لا تسمع من صاحبه الدعوات، ولا تقبل منه الصدقات، ولا يبارك الله في التجارات، ولا يثاب على النفقات، عليه غرمه ولغيره غُنمه.
فليتق الله أهل الربا وليجتنبوا الحرام، وليحذروا الآثام ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله{ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً }.
الزنا
وثاني علامات الهلاك فشو الزنا . فقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بشريعة متضمنةٍ لمعاني الفضيلة كلها، آمرةٍ بمعالي الأمور وكريمها ، محذّرةٍ من سفاسفها وحطيطها. شريعة جاءت بكلّ ما يجمّل العبد ويزيّنه، ونهت عن كل ما يشينه ويدنّسه. عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كريم يحب الكرماء، يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ". رواه الطبراني وصححه الحاكم والألباني رحمه الله.( السلسلة الصحيحة 1378 ).و في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة أبي سفيان مع قيصر، قال أبو سفيان : (ويأمرناـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن نعبد الله وحده لا شريك له، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة) . أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي ( 7 ) ومسلم في الجهاد والسير ( 1185 ) .
لقد دعا الإسلام إلى العفة التي تضبط سلوك الإنسان عن الانحراف إلى مهاوي الرذيلة والانحطاط ، وتحفظ إرادته وشهوته عن الانخراط في الزلل وعدم الانضباط . عفةٌ تتجلى فيها مظاهر الكرامة الإنسانية، وتبدو فيها الطهارة والنزاهة الإيمانية. عفافٌ يمتزج بتحقيق المروءة والعزّة ، فتقوى النفوس على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب الفاضلة، التي تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن العادات، وجميل الصفات، والترفع عن المحَقَّرات والدنيّات ، وحينئذ يصبح المسلم المتعفف قوي الإرادة ، لا ينقاد صاغراً لشهوة ، ولا يستسلم للذة محرمة ، بل هو مرتق في سماء الفضيلة، متباعد عن حضيض الرذيلة ، واقف بشهواته عند الحد الذي خلقت من أجله، وفق المنظور الشرعي، والمفهوم الأخلاقي.
لهذا كله حرم الإسلام الزنا ، وامتدح الله جل وعلا الحافظين فروجهم والحافظات ، وجعل ذلك من سمات الفلاح ، وعلامات الفوز والنجاح فقال{قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ }.وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم :" من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة ". أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ( 6474 ) . وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت ". رواه أحمد وقال الألباني : حسن لغيره . (انظر صحيح الترغيب 1932 ) .
أيها الأخوة : إن المتأمل في حال البشرية اليوم يتجلى له عظم محاسن هذا الدين، وسمو تعاليمه ، في زمن فقد فيه العالم العفاف ، وسادت فيه الإباحية المطلقة ، لا يعرف المرء شرفًا، ولا يقيم للعرض وزنًا؛ أخلاقٌ بهيمية ، وممارسات فاضحة لا تعرف عزة وشهامة، ولا تتصف بمروءة وكرامة ، إطلاق للشهوات، واستباحة للأعراض، وضياعٌ للحياء والأذواق ، لا غيرة على ذات محارم، ولا اشمئزاز من فاحشة وإجرام ، فماذا جنت إباحية الغرب التي تركت العفاف ظهرياً، ونسفت الطهارة والحياء نسفًا جليًّا؟. لقد جرّت شروراً لا نهاية لها، وأضراراً لا حدّ لمقدارها ، وفساداً لا تقف جرائمه عند حد، ولا تنتهي آثاره السيئة ونتائجه القبيحة إلى غاية ؛ آلامٌ متنوعة، غمومٌ واقعة ، هموم مستطيرة .
ما استجلبت الأمراض المدمرة بمثل الزنا كما جاء في الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على المهاجرين يوماً فقال: يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن فذكر منها : " ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنـوا بهـا إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم "رواه ابن ماجه والدارمي وحسنه الألباني.واسمعوا إلى هذه الأرقام المذهلة عن ضحايا مرض واحد فقط وهو الإيدز : حصد فيروس الإيدز ما بين عامي ( 1981 و 2001 ) من الميلاد ، 22 مليون إنسان ، وفي عام ( 2001 ) فقط أصيب بالفيروس 5.3 ملايين شخص ، أي بمعدل ( 14500 ) شخص يومياً ، ويبلغ عدد المصابين في العالم منذ اكتشافه ( 36 ) مليون شخص منهم ما بين (800 ) ألف و ( 900 ) ألف في الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي الهند ( 3.7 ) مليون إنسان ، ويتوقع أن يصل العدد في الصين في عام ( 2022 ) إلى ( 6 ) ملايين شخص . ( مجلة نيوزويك العدد 53 ، نقلاً عن " العالم في عام " لـ / حسن قطامش 116 ـ 117 ) .
وفي إفريقيا يبلغ عدد المصابين ( 25 ) مليون شخص ، وفي سبعة بلدان واقعة في الجنوب الإفريقي يحمل هذا الفيروس واحد على الأقل من كل خمسة أشخاص بالغين ، وتيتَّم أكثر من ( 13 ) مليون طفل بسبب الإيدز ويتوقع أن يصل الرقم إلى ( 30 ) مليوناً قبل نهاية هذا العقد. ( دورة الأمم المحدة المعنية بفيروس الإيدز 2001 ، نقلاً عن المصدر السابق 117 ) .
هذه الأرقام المخيفة تفسر لنا لماذا جاءت الشريعة بأوامر جازمة ، وتوجيهات قاطعة ، بحفظ الفروج عن الحرام وصيانتها عن الرذيلة والآثام. فحفظ الفروج عن الفواحش مما تزكو به النفوس، وتسلم به المجتمعات ، ويحفظ به الأمن ، وتصان به الأعراض .وما كشفت كربات الدنيا والآخرة بمثل العفة ، كما في قصة الذين انطبق عليهم الغار، فاستصرخ كل منهم ربه بعمل عمله، وكان من أعمال أحدهم أنه راود يوماً امرأة في الحرام ، فلما وقع منها موقع الرجل من امرأته قالت له: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف الله وأقلع عنها، وكان هذا العمل سبباً في رفع جزء من الصخرة عنهم.رواه البخاري ومسلم .
الزنا فاحشة كبرى وسيئة عظمى، لما يترتب عليها اختلاط الأنساب وتوريث الأجانب، وانتهاك الأعراض، وفقر الأغنياء ، فهو من أكبر الفواحش وأعظم الموبقات ، تلي في المرتبة الشرك وقتل النفس بغير حق ، قال تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماًَ}.وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال :" أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك ".
الزنا فاحشة تسلب صاحبها الإيمان حتى يقلع عنها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " . رواه البخاري ومسلم وأبو داود .
وتمنع إجابة الدعاء عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تفتح أبواب السماء نصف الليل ، فينادي منادٍ: هل من داع فيستجاب له ، هل من سائل فيعطى هل من مكروب فيفرج عنه ؟ ، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له ، إلا زانية تسعى بفرجها أو عشَّاراً " . رواه أحمد والطبراني واللفظ له وهو صحيح .
قال ابن القيم رحمه الله : وَسَمَ الله سبحانه الشرك والزنا واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب … فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين : الزنا واللواط ، ولهما خاصية في إبعاد القلب عن الله جل وعلا ، فإذا انصبغ القلب بهما بَعُد من الله الطيب الذي لا يصعد إليه إلا الطيب .أ . هـ .
وما ذك إلا لأنه من أقبح القبائح يبدد الأموال وينتهك الأعراض ويقتل الذرية ويهلك الحرث والنسل، عاره يهدم البيوت و يطأطئ عالي الرؤوس، ويسود الوجوه البيضاء ويخرس ألسنة البلغاء، ويهبط بالعزيز إلى هاوية الذل والحقارة والإزدراء ، هاوية ما لها من قرار ينزع ثوب الجاه مهما اتسع ويخفض عالي الذكر مهما علا، إنه لطخة سوداء إذا لحقت بتاريخ أسرة غبّرت صحائفها ، إنه جرم فظيع وعمل شنيع وذنب عظيم وانحراف خلقي وانحطاط أدبي، إنه العار الذي يطول حتى تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل وبانتشاره تغلق أبواب الحلال ويكثر اللقطاء وتنشأ طبقات بلا هوية ، طبقات شاذة حاقدة على المجتمع لا تعرف العطف ولا العلاقات الأسرية، فيعم الفساد ويسقط المجتمع ، يجمع خلال الشر كلها من الغدر والكذب والخيانة وينزع الحياء ويذهب الورع والمروءة ويطمس نور القلب ويجلب غضب الرب، قال تعالى{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}.
ولهذا فقد خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، فعن عبد الله بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يا نعايا العرب ــ يريد أن العرب قد هلكت ــ يا نعايا العرب ، إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية " . رواه الطبراني وحسنه الألباني .( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 610 ) يقول ابن القيم رحمه الله : ويكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أبشع وأفحش القتلات وأصعبها وأفضحها، وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله، والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ، ولا غيرة تامة على أهله فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحُرُم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.ومن موجباته غضب الرب والفقر اللازم ، ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده، ومنها أنه يسلبه اسم العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن. ومنها أن يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسراً إلى سفك الدماء وربما استعان عليه بالسحر والشرك من حيث يدري أو لا يدري ، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها.فهي محفوفة بجندٍ من المعاصي قبلها وبعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيا الأطباء دواؤه فأسيرها لا يُفدى وقتيلها لا يُودى وقد وكلها الله بزوال النعيم فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله فإنها ضيف سريع الانتقال وشيك الزوال هذا في الدنيا .
وأما في الآخرة فعذاب أشد وأبقى، تـذهل له النفوس وتتقطع له الأفئدة وتشيب من هوله الرؤوس عذاب شديد وموجع وأليم ومهين. ففي صحيح البخاري رحمه الله في حديث منام النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه أنه جاءه جبريل وميكائيل قال : " فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا _ أي صاحوا من شدة حره _ فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني _ يعني من الرجال والنساء _ فهذا عذابهم إلى يوم القيامة " . وعن عطاء في تفسير قوله تعالى عن جهنم: " لها سبعة أبواب " . قال: أشد تلك الأبواب غماً وحراً وكرباً وأنتنها ريحاً للزناة الذين ركبوا الزنا. وورد في الأثر: اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال، ثلاثاً في الدنيا، وثلاثاً في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فذهاب بهاء الوجه، وقصر العمر، ودوام الفقر، وأما التي في الآخرة: فسخط الله تبارك وتعالى، وسوء الحساب، والعذاب بالنار.
هذه الكبيرة ترفضها الفطر و العقول السليمة حتى الحيوان والطير يأنفون منها. ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قرداً يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته. وقال ابن تيمية : وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعاً من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه وجاؤوا ببيض جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب جنسه حتى اجتمع منهم عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها.ثم قال الشيخ: ومثل هذا معروف في عادة البهائم.((الفتاوى 15 / 147 ) .
ولعظم جرم الزنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء على عدم مقارفته، كما يبايعهن على عدم الإشراك بالله تعالى{ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً و لا يسرقن و لا يزنين … الآية } . ولهذا استغربت هند بنت عتبة بن ربيعة، حين بايعها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فيما بايعها، على عدم الزنى ، و قالت: أو تزني الحرة؟ وكان الزنى معروفاً عندهم في الإماء. ((الفتاوى 15 / 146 ) .
الزنا ضررٌ على الإنسان في نفسه، وضررٌ على المزني بها، وضررٌ على المجتمع بأسره، فالزاني لم يكتفِ بما أباح الله له، بل تعدى حدود الله وجاوزها من الحلال إلى الحرام فإن كان محصناً فقد أهدر دمه بفعله هذا.عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا في إحدى ثلاث : زنا بعد إحصان ، فإنه يرجم ، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض أو يقتل نفساً فيقتل بها ".رواه أبو داود والنسائي وهو صحيح( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 609 ) .
ثم المزني بها فقد ظلمها وقضى عليها وعلى كرامتها ولوّث سمعتها وأساء إليها وإلى أهلها . وإذا حملت من الزنا فربما قتلت ولدها فجمعت على نفسها مصيبتين، وحاربت الله بكبيرتين : الزنا وقتل النفس التي حرم الله بغير حق ، وربما ألقته على الطريق حياً ليست بسائلة عنه ولا متحنّنة عليه فهو نطفة وضعت في غير موضعها ، وإن أبقته أدخلت على زوجها وأهله من ليس منهم فيختلط بهم ويرثهم . ثم هو سبب إيقاع العداوة والبغضاء، فربما انتُقِم منه فتشتعل نار الفتنة بينه وبين أهل تلك الفتاة ، فصار جريمة عظيمة يتعدى ضررها وشرها. ثم هو فاحشة تضر بالمجتمع بأسره، وأي ضرر أعظم من إيجاد طبقة من البشر لا يعرفون الأب أو الأم ، لا ينتسبون لأحد ، يعيش أحدهم كلاً على مجتمعه ليس هناك من يربيه أو ينفق أو يرعاه.
وإذا انتشر أولاد الزنا في الأمة كان ذلك مؤذناً بنزول العقوبة عليها . عن ميمونة رضي الله عنها قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا ، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب ". رواه أحمد وحسنه الألباني . ( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 614 ) .
قال بعض أهل العلم : كم في الزنا من استحلال محرمات وفوات حقوق ووقوع مظالم ، ومن خاصيته أنه يوجب الفقر ويقصر العمر ويكسو صاحبه سواد الوجه وثوب المقت بين الناس ويشتت القلب ويمرضه إن لم يمته ويجلب الهم والحزن والخوف ويباعد صاحبه من الملك ويقربه من الشيطان ، فليس بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدة الزنا ولهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها ، ولو بلغ الرجلَ أن امرأته أو حرمته قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت . أ . هـ .
أيها الأحبة : لقد مدح الله جل وعلا المؤمنين بعفتهم فقال { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ … } إلى أن قال تعالى {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ }. فلا يتفاضل الناس في مراقي الشرف والمجد، إلا بمقدار ما تحمله نفوسهم من قوة الإرادة . فالرجل ذو العزيمة يتجلى فيه مظهر الكرامة الإنسانية مطبوعاً على أجمل صورة من الكمال والنبل، وبضعف هذه العزيمة ينزل من سماء الإنسانية العالي ليكون أشبه بالحيوان ساقطاً مهملاً . فقيمة المرء إباؤه وعزيمته، وميزانه نزاهته وسمعته، وشرفه في طهارة عرضه وبياض صفحته ونقاء ذيله.
أسبابه
ــ ضعف الإيمان و اليقين، فمن ضعف إيمانه نسي الوعيد وأمن العقوبة، وتباعد الفضيحة ،وفي الحديث :" من زنى خرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه ".( حديث حسن انظر صحيح الجامع 5 / 296 ) ، ومن صفات المؤمنين التي ذكرها القرآن الكريم أنهم لا يزنون قال تعالى { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما } ــ النظرة المحرمة ، سهم من سهام الشيطان، تـورد صاحبها موارد الهلكة ، ولهذا قال تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ‌‌‌‌‌‌‌* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن }. ربط تعالى بين غض البصر وحفظ الفرج في الآيات ، وبدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب ، كما أن الحمَّى رائد الموت ، كما قال الشاعر:
ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب إلف
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان، وزناهما النظر…الحديث " . فاتقوا زنا العينين ، قال أهل العلم : لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية ولا المرأة إلى الرجل الأجنبي عنها فإن علاقتها به كعلاقته بها، وقصدها منه كقصده منها. ( تفسير القرطبي 12 / 227 ) . فكم نظرة محرمة قادت إلى نظرات أخرى، وقادت النظرات إلى همسات، ثم مواعد فلقاء، ومعظم النار من مستصغر الشرر:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتـك السـهام بلا قـوس ولا وتر
والمرء مـا دام ذا عـين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسـر مـقلته مـا ضر مهجته لا مـرحبا بسـرور جـاء بالضرر
قال الإمام القرطبي رحمه الله : ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته ، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل النظر إلى ذات محرمه نظرة شهوة يرددها ( المصدر السابق ) .فإذا كان هذا في القرن السابع الهجري فماذا لو رأى القرطبي زماننا نحن، وماذا عساه يقول عن كلام الشعبي؟ وإذا كان هذا في النظر إلى المحارم فكيف يكون الحال في النظر إلى الأجنبيات أو إلى الصور الخليعة أو المسلسلات الهابطة التي تختلط فيها النساء بالرجال؟ .
ــ ومن الأسباب الداعية للزنا : كثرة خروج المرأة وتبرج النساء، وتكسرهن في المشية ، وإلانتهن القول ، فهذه وتلك فواتح للشر تطمع الذي في قلبه مرض. وتفتن المستمسك إلا أن يعتصم بالله، وقد نهى الله نساء المؤمنين عن ذلك كله حماية لأعراضهن وصوناً لهن عن مواطن الريب، قال تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .ويقول تعالى مخاطباً نساء النبي صلى الله عليه وسلم ــ وغيرهن من باب أولى ــ { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً } .
ــ ومن دواعي الفاحشة استقدام الخدم والسائقين ، تلك المصيبة التي عمت وطمت، وامتلأت بها البيوت لحاجة ولغير حاجة، واعتاد الرجال على الدخول مع النساء المستخدمات وكأنهن من ذوات المحارم وربما تطور الأمر عند الآخرين فجعلها تستقبل الزائرين وتقدم الخدمة للآخرين . وليس أقل من ذلك : إتاحة الفرصة للسائقين الأجانب بدخول البيوت دون رقيب ، ولقد شهد الواقع بحصول كثير من الجرائم والفواحش من وراء استقدام السائقين والخدم ، هذه الجرائم تجعل اللبيب يحتاط ويحذر فيمن يجلبه من هؤلاء وتجعله لا يجلبهم إلا للضرورة ، ولكن التقليد الأبله ، والثقة العمياء ربما حجبت الرؤية عند قوم وأصمت آذان آخرين.
ــ ويبقى سبب مهم من الأسباب الداعية لفاحشة الزنا، وهو سماع الغناء والعكوف على مشاهدة المسلسلات الهابطة والنظر إلى الأفلام الخليعة التي تبثها وسائل الإعلام بمختلف قنواتها، إن هذه المشاهد المؤذية تروض البنين والبنات على الفحش ، وتذهب عنهم ماء الحياء، وإذا نزع الحياء من أمة فقد تودع منها.
ــ وثمة أسباب أخرى لا تقل أهمية، فالسفر للبلاد الإباحية دونما حاجة، والتردد كثيراً على البلاد التي ينتشر فيها الفساد وتعلن الرذيلة أسباب جالبة لوقوع الزائر في شراك الزنا ، وإن لم يقصدها، وضعف رقابة الآباء والأمهات على البنين والبنات وغلاء المهور .
علاجه
إن الإسلام لا يعوّل على سلاح التعزير المحض لحفظ المجتمع من خطر الزنا وشؤمه ، بل جاء بالتدابير الإصلاحية والوقائية على نطاق واسع وجعل التعزير آخر حل لتطهير المجتمع من الذين يفسدون أعراض الناس . ولأجل ذلك فقد عني بإصلاح الإنسان قبل كل شيء وحرص على أن يعمر قلبه بخشية الله وخوفه ومراقبته في السر والعلن ، وحبب إليه طاعة الله ورسوله التي هي أول مقتضيات الإيمان، ثم نبهه ولا يزال ينبهه مرة بعد أخرى على أن الزنا والفاحشة من كبائر الذنوب الموجبة للعذاب الأليم في الآخرة ، كما في عدة مواضع من القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يرشده بعد ذلك على ما يعينه على الاستعفاف ، فأباح له الزواج المشروع بمثنى وثلاث ورباع ، وهيأ للزوج سهولة طلاق زوجته ، وللزوجة سهولة مخالعة زوجها إذا كان لم يحصل بينهما توافق .
إن تقوية الإيمان في النفوس، وغض الأبصار عن الحرام ولزوم الحجاب الشرعي للمرأة، وعدم اختلاطها بالرجال أو خلوتها بهم، والوعي بمخاطر سفر المرأة دون محرم ، وعدم التهاون بذلك والتنبيه لمخاطر الهاتف والإعراض عن السفهاء، وعدم استقدام السائقين والخدم إلا لضرورة وبالمواصفات الشرعية، فالسائق مع زوجته، والخادمة مع زوجها، والاقتصار على المسلمين دون غيرهم، والحذر من وسائل الإعلام وما تبثه من برامج ساقطة وعدم الانخداع بدعوات المغرضين، أو الاستجابة لأصوات المنافقين ، وتيسير المهور، ومراقبة البيوت، وبذل مزيد من الإشراف والاهتمام بالبنين والبنات، والاقتصاد في السفر للخارج ، كل هذه وسائل ناجحة بإذن الله وطرق مهمة لقطع دابر الفتنة .
وسبب آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشباب بالزواج مع القدرة فقال:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".
وقد وعد الله من تعفف عن الحرام أن يهيئ له سبيل الزواج وييسره عليه فقال { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ }.وتوعدهم بالجنة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا فتيان قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة " . رواه الحاكم والبيهقي وهو حديث حسن .
ومما يعين على ترك الزنا معرفة أن الزنا دين والوفاء في عرض الزاني ، وقد قيل قديماً دقة بدقة ولو زدت زاد السقا.قال الشافعي رحمه الله:
إن الزنا دين إذا أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن يزنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
كان أحد الملوك القدماء قد قبَّل امرأة في صغره فلما سمع أنه يؤخذ بمثله من ذرية الزاني أراد التجربة فأرسل ابنته مع امرأة فقيرة وقد تنكرت وكانت فائقة الجمال وأمرها أن تكشف وجهها وتمشي بين الناس وتتعرض لهم فما مرت بها على أحد إلا أطرق رأسه عنها حياءً وخجلاً ، حتى إذا كانت في طريق رجعتها وقربت من قصر أبيها لتدخل أمسكها إنسان وقبلها ثم ذهب عنها، فأدخلتها عليه فسألها عما وقع فذكرت له القصة فسجد لله شكراً وقال : الحمد لله ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة لامرأة وقد قوضيت بها.
من هتك عرض أخيه هتك الله عرضه ، قال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته " رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وهو حديث حسن.فكما تدين تدان وكيفما تكن يكن الله لك.( الزنا وآثاره / عبد الحميد تركستاني ص 2 ) .
ويبقى بعد ذلك دور الجهات المسؤولة في تنفيذ الأحكام، فلا تأخذهم لومة لائم في تطبيق الحدود وإقامة شرع الله كما أمر، فالله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، وبعض الناس يخيفه عذاب الدنيا ويخشى العار من الخلق أكثر من خوفه من عذاب الله، وخشيته من الفضيحة في الدنيا أكثر من خشيته من الفضيحة الكبرى على رؤوس الأشهاد ، وهؤلاء لا تردعهم إلا القوة، ولا يصلح معهم الضعف والمسامحة ، والله تعالى وهو أرحم الراحمين يقول في تطبيق الحدود على الزناة { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله }.يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : وبهذا يتبين لك أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }.فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير إذ هو في ذلك جاهل أحمق ، وقال : ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض وذوقه ما ذاقوا من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة فيترك ما أمر الله به من العقوبة، وهو في ذلك من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظائره، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم فوجد كبيرهم مرارته فترك شربه ونهى عن سقيه للباقين . ( فتاوى ابن تيمية 15 / 290 ـ 291 ) .
لقد وضعت الشريعة لجريمة الزنا جزاءً حاسماً وحذَّرت من الرأفة بالفاعلين ، وزجرت عن تعطيل الحد أو الترفق في إقامته ؛ بل أمرت بإقامته في محضرٍ مشهود في طائفةٍ من المؤمنين { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } .ولقد علم الله والمؤمنون أن الدماء لا تحفظ ، والأموال لا تصان ، والأعراض لا تحترم، والبلاد لا تصلح، والعباد لا تستقيم، والأمن لا يسود إلا بإقامة الحدود وقطع الأكف الآثمة وسد الأفواه الأفّاكة. لقد شرعت حدود الله لتحفظ النفوس من التعديات الآثمة والنزوات الطائشة . أليس من السر الذي يلفت نظر العقلاء أن دين الإسلام وهو دين الرحمة والرأفة حتى مع الحيوان وقف هذا الموقف الشديد مع هؤلاء الزناة والزواني ؟.أليس هذا الدين الذي يحب الستر ويدعو إليه يقيم هذا الحد على مشهد من المؤمنين؟.
كل هذا لأن الرأفة بالزناة قسوة على المجتمع، وقسوة على الآداب الإنسانية، وقسوة على الضمير البشري، بل قسوة على حقوق الإنسان. إن القسوة في الحد أرأف ثم أرأف بالمجتمع مما ينتظره من شيوع الفواحش لتفسد الفطرة وترتكس في حمأة الرذيلة ويعيش في بيئة الأدواء والأمراض.
الخمر
وآخر هذا الثلاثي : الخمر . إذا وجد في الأمة فقد استحقت العقوبة إلا أن يتداركها الله برحمته . قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون * وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين}.
الخمر محرمة لأنها توقع العداوة والبغضاء وتصور لشاربها خلاف الواقع، ويتوهم وهو سكران القدرة على مصارعة الأسود وأنه السيد المطاع والحاكم المطلق والبحر الخضم في الكرم والجود والحقيقة أنه يكون وقت شربها أضعف من دجاجة وأخبث من جمل وأبلد من حمار وأديث من خنزير، يصده الشيطان بشرابه الخبث عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقعه في معصية الله وسخطه ، يرتكب الكبائر، ويقترف الجرائم ويقع في الآثام ويخبط في الحرام ، ويترك ما يجب عليه ، من الأحكام فيفعل نكراً ، وينطق كفراً يسب ربه وأمه وأباه ، ويطلق ويزني ويلوط ويعبث بالأعراض والكرامات ويتلف أثاثه ويقيء على نفسه ، يبكي بلا سبب ويضحك من غير عجب فتهزأ به الصبيان ويسخر به السفهاء ويمقته العقلاء ويبغضه أهله وجيرانه ورحم الله عدي بن حاتم، إذ قيل له: مالك لا تشرب الخمر؟ فقال: ما أحب أن أصبح حكيم قومي وأمتي وسفيههم .
حرمها الله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع على تحريمها المسلمون سماها النبي صلى الله عليه وسلم أم الخبائث وقال : " هي مفتاح كل شر ". رواه الحاكم وهو صحيح . ( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 601). وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال : اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فأحبته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فجاء البيت ودخل معها فكانت كلما دخل باباً أغلقه دونه حتى وصل إلى امرأة وضيئة ( أي حسناء جميلة ) جالسة عندها غلام وإناء خمر فقالت له إنها ما دعته لشهادة وإنما دعته ليقع عليها أو يقتل الغلام أو يشرب الخمر فلما رأى أنه لابد له من أحد هذه الأمور تهاون بالخمر فشربه فسكر ثم زنى بالمرأة وقتل الغلام ) ثم قال عثمان رضي الله عنه: (فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه).
وردت الأحاديث الكثيرة في تحريم الخمر بل وجعلها عدلاً للشرك . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" لما حرِّمت الخمر مشى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض وقالوا : حرِّمت الخمر وجعلت عدلاً للشرك ". رواه الطبراني وهو صحيح . وقال أبو موسى رضي الله عنه :" ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله عز وجل " . رواه النسائي وهو حديث صحيح موقوف . ولعن صلى الله عليه وسلم أهلها ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة لها" .رواه ابن ماجه والترمذي وهو صحيح .وبيَّن صلى الله عليه وسلم حال شاربها وقت معاقرته إياها فقال صلى الله عليه وسلم : " لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " متفق عليه . وشارب الخمر لا تقربه الملائكة . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ثلاثة لا تقربهم الملائكة :الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق. رواه البزار وصححه العلامة الألباني رحمه الله . ( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 603 ). ولا تقبل له صلاة أربعين يوماً . عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين يوماً " . رواه الحاكم وهو صحيح . وأخبر صلى الله عليه وسلم عن أقوام يخسف بهم ويمسخون قردة وخنازير لشربهم الخمر . عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" يشرب أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير".رواه ابن ماجه وابن حبان وقال الألباني رحمه الله : صحيح لغيره.( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 604 ). واستحلالها يعتبر إيذاناً بنزول الدمار على الأمة . عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار : إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمور ولبسوا الحرير واتخذوا القيان واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء " . رواه البيهقي وقال الألباني : حسن لغيره .( صحيح الترغيب والترهيب 2 / 608 ) . وشبه صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة لشربه الخمر كمن سلب الدنيا ونعيمها . عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من ترك الصلاة سُكْراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ".رواه أحمد وهو حديث حسن.(صحيح الترغيب والترهيب 2 / 608 ) . قال العلامة ابن عثيمين يرحمه الله : أجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقديم الزمان وحديثه على أن الخمر حرام إجماعاً قطعياً لا ريب فيه فمن قال: إنه حلال فهو كافر يستتاب فإن تاب وأقر بتحريمها ترك وإلا قتل كافراً مرتداً لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وإنما يرمس بثيابه في حفرة بعيدة لئلا يتأذى المسلمون برائحته وأقاربه بمشاهدته ولا يرث أقاربه من ماله وإنما يصرف ماله في مصالح المسلمين ولا يدعى له بالرحمة ولا النجاة من النار لأنه كافر مخلد في نار جهنم { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون ولياً ولا نصيراً * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا} .
والخمر اسم جامع لكل ما خامر العقل أي غطاه سكراً وتلذذاً من أي نوع كان قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه :" كل مسكر خمر ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الخمر ما خامر العقل ) . متفق عليه . ومعنى خامر العقل غطاه بالسكر والذهول ، والخمر ليس من نوع معين مخصوص بل هو كل ما أسكر وغطى العقل واختل به التمييز سكراً وتلذذاً.وقد ذكر علماء الشريعة والطب والنفس والاجتماع للخمر مضار كثيرة:
فمن مضارها أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ــ كما مر معنا في الآية أعلاه ــ لأن صاحبها يتعلق بها لا يكاد يفارقها ، وإذا فارقها كان قلبه معلقاً بها .
ومن مضارها أنها تفسد المعدة وتغير الخلقة فيتمدد البطن وتجحظ العيون.وربما أدت إلى الوفاة.وهذه قصة رجل يزيد على الستين عاماً ذهب إلى أحد البلاد واستأجر غرفة في أحد الفنادق وأخذ يشرب من الخمر ويعب عباً، ففي اليوم الأول شرب ست قوارير، ثم اتبعها بثلاث ثم ألحقها باثنتين حتى شعر بالامتلاء، وأحس بأمر غير طبيعي فذهب إلى دورة المياه لكي يتقيأ وسقط هناك ولما طالت به المدة ، طرقوا عليه الباب فلم يرد عليهم ففتحوه بالقوة فوجدوا الرجل ميتاً بأخس مكان وإذا برأسه في نفس كرسي دورة المياه، ومات على أسوأ خاتمة .
أتأمن أيها السكران جهلا بأن تفجأك في السكر المنية
فتضحى عبرة للناس طرا وتلقى الله مـن شر البرية
ومن مضارها أن السكارى يسرع إليهم تشوه الخلقة والهرم وحدوث السل الرئوي وتقرح الأمعاء وإضعاف النسل أو قطعه بالكلية .
ومن مضارها فساد التصور والإدراك عند السكر حتى يكون صاحبها بمنزلة المجانين ، ثم هي بعد ذلك تضعف العقل، وربما أدت إلى الجنون الدائم .
ومن مضارها قتل المعنويات والأخلاق الفاضلة فهي تغري صاحبها بالزنا واللواط وكبائر الإثم والفواحش . عن سالم بن عبد الله بن أبيه أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وناساً جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر ، فلم يكن عندهم فيها علم ينتهون إليه ، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمروٍ أسأله عن ذلك ، فأخبرني أن أعظم الكبائر : شرب الخمر ، فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك ، ووثبوا إليه جميعاً حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيَّره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفساً أو يزني أو يأكل لحم خنزير ، أو يقتلوه إن أبى ، فاختار الخمر ، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوا منه … " رواه الطبراني والحاكم وهو صحيح . (صحيح الترغيب والترهيب2/602).
ومن مضارها أنها تستهلك الأموال وتستنفد الثروات حتى تدع الغني فقيراً، وربما بلغت به الحال أن يبيع عرضه أو عرض محارمه للحصول عليه .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله شيئاً من آفات الخمر في معرض حديثه عن الفرق بين خمر الدنيا وخمر الآخرة التي أعدها الله لعباده في الجنة فقال عن آفات الخمر في الدنيا: (أنها تغتال العقل وتكثر اللغو على شربها وتستنزف المال وتصدع الرأس وهي كريهة المذاق وهي رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتدعو إلى الزنا وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين وتسلبه أحسن الأسماء والسمات وتكسوه أقبح الأسماء والصفات وتسهل قتل النفس وإفشاء السر ومؤاخاة الشياطين في تبذير المال الذي جعله الله قياماً له ولم يلزمه مؤنته، وتهتك الأستار وتظهر الأسرار وتدل على العورات وتهون ارتكاب القبائح والمآثم وتخرج من القلب تعظيم المحارم ومدمنها كعابد وثن ، وكم أهاجت من حرب وأفقرت من غني وذلت من عزيز ووضعت من شريف ، وسلبت من نعمة وجلبت من نقمة، وفسخت مودة ونسجت عداوة وكم فرقت بين رجل وزوجته فذهبت بقلبه وراحت بلبّه، وكم أورثت من حسرة أو جرَّت من عبرة وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير وفتحت له باباً من الشر وكم أوقعت في بليه وعجّلت من منية وكم أورثت من خزية، وجرت على شاربها من محنة فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلاّبة النعم وجالبة النقم ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفى بها من مصيبة وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا وكلها منتفية في الجنة ) أ.هـ .
أورد البخاري عن حمزة رضي الله عنه قبل تحريم الخمر. فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " أصبت شارفاً ـ بعيراً ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغنم يوم بدرٍ، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفاً أخرى، فأنختهما يوماً عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما أذخراً لأبيعه، ومعي صائغ من بني قينقاع لأستعين به على وليمة فاطمة. وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت، فثار إليهما حمزة بالسيف فَجَبَّ أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما. قال: فنظرت إلى منظر أفظعني، فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر، فخرج ومعه زيد، فانطلق معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه، فرجع حمزة بصره، فقال: هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج عنهم ، وذلك قبل تحريم الخمر.
فانظروا إلى ذلك الرجل الجليل الذي أذهبت الخمر عقله وسلبته لبه حتى قال كلمة يكفر قائلها لو كان له عقل ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عذره لأنه كان سكراناً ولم تكن الخمر قد حرمت بعد .
لقد بذلت بريطانيا أيام كانت دولة عظمى جهوداً جبارة بعد عام 1750م للحد من استخدام الخمر خاصة في المستعمرات الأمريكية حتى قال لويد جورج رئيس الوزراء آنذاك : إننا نحارب ألمانيا والنمسا والخمر، وأستطيع القول بأن أعدى هؤلاء الأعداء هي الخمر" . لكن المحاولات باءت بالفشل فلم يأت العام 1920م حتى كان الفرد الواحد يستهلك 27 لترا في السنة. وكذلك حاولت السويد والنروج وفنلاندا، لكن التجربة الكبرى والعظيمة هي التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية فقد عملت الجمعيات العائلية والكنائس الإنجيلكانية بالتعاون مع المؤسسات التشريعية في الحكومة على منع الخمر تجارةً وشرباً في جميع أنحاء أمريكا، واستمرت هذه المحاولات لمدة قرن كامل من الزمن حتى استطاعت أمريكا أن تصدر قرار تحريم الخمر في عام 1920م.ونشرت الدعايات التي تحذر من مضار الخمر وتم طبع أكثر من ألفي مليون ورقة ، ونشرت الدعايات في التلفاز والسينما والمسرح ، وبدأت السلطات تلاحق المخالفين وبلغ عدد الذين أعدموا 300 شخص وبلغ عدد الذين اعتقلوا نصف مليون ، وغرِّم الملايين من الأشخاص وقدرت الخسائر بمليارات الدولارات ، ولكن الحكومة الأمريكية عجزت عن تنفيذ القرار فاضطرت لإلغائه بعد ثلاثة عشر عاماً .
لأجل ما ذكر من المفاسد والمضار حرم الإسلام الخمر التي كانت مسيطرة على العرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم حتى استبدت بهم وتأصلت في نفوسهم وانحدرت بهم إلى مهاوي الرذائل والموبقات.
ولكن التحريم لم ينزل دفعة واحدة بل تدرَّج الشارع الحكيم في ذلك لعلمه مدى سيطرتها على النفوس وتعلق القلوب بها . فبدأ الأمر بإشارة لطيفة إلى مضار الخمر قال تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها أثم كبير ومنافع للناس وأثمها أكبر من نفعها} وفي المرحلة الثانية نزل قوله تعالى{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}،ليخفف الشارب من شربها ويقف بين يدي الله في الصلاة بكامل وعيه وعقله، وكأن في ذلك تحريماً جزيئاً، ولما تهيأت النفوس والأذهان للتحريم القاطع نزل قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} قال عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم : انتهينا انتهينا.وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة ، ألاَ إنّ الخمر قد حُرّمت؛ فكسرت الدِّنان، وأُريقت الخمر حتى جرت في سِكك المدينة. فما كان الصحابة رضي الله عنهم بعد ذلك يرون أشد منها تحريماً.
قال أنس رضي الله عنه : " كنتُ ساقِيَ القومِ في منزلِ أبي طلحةَ ، فنزل تحريم الخمر، فأمرَ مُنادياً فنادَى، فقال أبو طلحةَ : اخرُج فانظرْ ما هذا الصوتُ ، قال : فخرجتُ فقلتُ: هذا مُنادٍ ينادِي: ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت. فقال: لي: اذهَبْ فأهرِقْها. ووالله ما راجعوا فيها . قال: فجَرَتْ في سِكَكِ المدينة. فقال بعض القوم: قُتلَ قومٌ وهي في بُطونهم، قال : فأنزَل اللَّهُ { ليسَ على الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ جُناحٌ فيما طَعِموا } . يقول أنس في رواية أخرى : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ونفراً من أصحابه عند أبي طلحة رضي الله عنه وأنا أسقيهم حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم ، فأتى آتٍ من المسلمين فقال: أو ما شعرتم أن الخمر قد حرمت ، فما قالوا حتى ننظر ونسأل بل قالوا: يا أنس اكفُ ما بقي في إنائك ، قال: فوالله ما عادوا فيها، وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذٍ. وكفأ الناس آنيتهم بما فيها، حتى كادت السكك أن تمتنع من ريحها.
وكان من تمام تحريمها أن لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في بيعها ، قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله حرم الخمر وثمنها ، وحرم الميتة وثمنها ، وحرم الخنزير وثمنه " . رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني رحمه الله . (صحيح الترغيب والترهيب 2 / 598 ) . بل لم يأذن صلى الله عليه وسلم في أن تقتنى لتتخذ خلاً ، فقد جاء أبو طلحة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن في حجري يتامى وقد ابتعت لهم خمراً أفلا أجعله خلاً قال: لا قال : فأهرقه . رواه الترمذي وهو صحيح .
من شربها معتقداً حرمتها فهو عاص لله فاسق عن طاعته مستحق للعقوبة ، فيجلد بما يراه ولاة الأمور رادعاً له ولغيره بشرط أن لا ينقص عما جاء عن السلف الصالح. فقد كان شارب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضرب نحو أربعين ولم يسنه بقدر معين بل كان الناس يقومون إليه فيضربونه بالأيدي والجريد والأردية والنعال فلما عثا الناس فيها وفسقوا جمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم في عقوبة تكون أردع للناس الفاسقين بشربها فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : أخف الحدود ثمانين. فجعله عمر ثمانين فإذا تكرر من الشارب الشرب وهو يعاقب ولا يرتدع فإنه يقتل في المرة الرابعة ، عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه". رواه أبو داود وابن حبان والنسائي والترمذي وهو حديث صحيح . والقتل للجواز حسب ما يراه الإمام وليس للوجوب . قال شيخ الإسلام ابن تيميه : يجوز قتله إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك . أ . هـ . ( مجموع الفناوى 7 / 483 ) . وهذا عين الفقه منه رحمه الله لأن الصائل على الأموال إذا لم يندفع إلا بالقتل قُتل فما البال بالصائل على أخلاق المجتمع وصلاحه لأن ضرر الخمر لا يقتصر على صاحبه بل يتعداه إلى نسله ومجتمعه .
هذه عقوبة شارب الخمر في الدنيا ، أما عقوبته في الآخرة. فإن المدمن لا يدخل الجنة ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة قد حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة : مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث". رواه أحمد واللفظ له والنسائي والحاكم وهو حديث حسن.(صحيح الترغيب والترهيب 2 / 600 ). وشاربها يسقيه الله من طينة الخبال.عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل مسكر حرام ، وإن عند الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال " قالوا يا رسول الله : وما طينة الخبال ؟، قال :" عَرَقُ أهل النار أو عصارة أهل النار".رواه مسلم والنسائي . وإن دخل الجنة حرم من التلذذ بخمرها.عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة".رواه البخاري ومسلم والبيهقي واللفظ له .
لا يزال الشيطان يزين للإنسان الشر لابساً ثوب النصيحة ، فيقدم له الحرام باسم الطب والعلاج وباسم المنافع الصحية المزعومة الكاذبة ويزين له أنَّ الخمر تفتح الشهية للطعام ، فلا بأس عليك من هذا الكأس لأنك فاقد الشهية ، والخمر تدفئ الجسم، وأنت في منطقة يلفها البرد القارس والزمهرير الشديد، فماذا عليك لو أدفأت نفسك بهذا الشراب ، والكأس الواحدة يتلوها ثانية وثالثة ورابعة، وعندما يسير الإنسان خطوة واحدة تكوَّن لديه الاستعداد ليسير إلى نهاية الطريق ، ولهذا حذر الله سبحانه من سياسة الخطوة التي جاء بها إبليس فقال {ولا تتبعوا خطوات الشيطان}.
أما فتح الشهية : فإن الكحول تهيج الأغشية المخاطية في جسم الإنسان ويكون هذا في أول الأمر في حد ذاته فاتحاً للشهية ، ولكن سرعان ما ينعكس الأمر ، فيتكرر التهيج ويؤدي إلى الالتهاب وإلى قلة إفراز الحامض المعدي وبالتالي سوء الهضم وقلة الشهية .وأما تدفئة الجسم ، فقد قرر الطب الحديث أن الدفء الذي يشعر به شارب االخمر ليس إلا من قبيل الوهم فالخمر توسع الأوعية الدموية وخاصة تلك التي تحت الجلد فيشعر المرء بالدفء ويفقد حرارة جسمه في الجو البارد، وقد يؤدي ذلك إلى وفاته وهو ينعم بالدفء الكاذب .
أيها الأحبة : بعد أن حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخمر لم يأذن حتى في الجلوس مع من يشربها، فقال :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ".رواه الطبراني وهو صحيح .
وما ذاك إلا لأن الـخمر أمّ الفواحش تـجمع كل خبـيث ومن أكبر الكبـائر ، من شربها وقع علـى أمه وخالته وعمته ، ومن ثم جعلها الله مفتاح كل إثم كما جعل الغناء مفتاح الزنا ، وإطلاق النظر فـي الصور مفتاح العشق ، والكسل والراحة مفتاح الـخيبة والـحرمان، والـمعاصي مفتاح الكفر ، والكذب مفتاح النفـاق ، والـحرص مفتاح البخـل ، والخمر تصدع وتكثر اللغو علـى من شربها بل لا يطيـب شرابها إلا بـاللغو ، وتستر العقل الذي هو نور الهدى وآلة الرشد.
كان العقلاء من المشركين أيام الجاهلية يمتنعون عن شربها لما ظهر لهم من أبين الأدلة وأوضحها أنه ضارة خبيثة ، فهذا قيس بن عاصم المنقري كان شراباً للخمر مولعاً بها، ثم حرمها على نفسه وامتنع عن شربها، والسبب في ذلك أنه سكر ذات يوم في الجاهلية، فغمز عكنة ابنته وهو سكران، وشتم والديه وأعطى الخمار مالاً كثيراً، فلما أفاق وأخبروه بما فعل حرمها على نفسه وقال:
رأيت الخمر صالحة وفيها خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحـاً ولا أشـفـي بـهـا سقيماً
ولا أعطي بها ثمناً حياتي ولا أدعـو لها أبـداً نديماً
فإن الخمر تفضح شاربيها وتجنيهم بها الأمر العظيماً
لقد تنوعت الخمور في هذه الأيام وأصبحت تسمى بأسماء مختلفة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه وابن حبان :" يَشْرَبُ ناس مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ َيُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا "ولكن الشريعة الخالدة الباقية الصالحة لكل زمان ومكان عرفت الخمر بتعريف جامع يشمل جميع أنواع المسكرات طبيعية كانت أو صناعية، قليلة كانت أم كثيرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"كلٌّ مسكر خمرٌ، وكل مسكرِ حرامٌ … الحديث " رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما . والمخدرات والحشيش من الخمر بل هي أخبث منه من جهة إفساد العقل والمزاج وفقد المروءة والرجولة فإن متعاطيها تظهر عليه علامات التخنث والدياثة حتى تنحط غريزته الجنسية إلى طبع أقبح من طبع الحيوان ، وهذه المضار التي ذكرناها وما هو أكثر منها، منها ما هو ظاهر ومنها ما يظهر سريعاً ومنها ما يتأخر . قال الشوكاني رحمه الله: ويحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروباً كالحشيش وسائر أنواع المخدرات ، ومن قال إنها لا تسكر وإنما تخدّر فهي مكابرة فإنها تحدث ما تحدث الخمر من الطرب والنشوة.وقال: وإذا سُلّم عدم الإسكار فهي مفترة ، وقد أخرج أبو داود أنه "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".وحكى العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة وأن من استحلها كفر. قال ابن تيمية: إن الحشيشة أول ما ظهرت في آخر المائة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكرات ، وهي شر من الخمر من بعض الوجوه لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر.وقال : إن الحد في الحشيشة واجب، قال ابن البيطار: إن الحشيشة مسكرة جداً إذا تناول الإنسان منها. خصالها كثيرة، وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، وقبائح خصالها موجودة في الأفيون وفيه زيادة مضار.
والله وحده الموفق …

موقع الشيخ سعد البريك




بارااك الله فيك



شكرلك



جزاك الله خير



جزاك الله خير



التصنيفات
منتدى اسلامي

بحث فقهي اقتصادي فى الربا

بحث فقهي اقتصادي

أولاً: النصوص في تحريم الربا:

جاء القرآن الكريم بتحريم الربا، ونهى الناس عن التعامل به، وبيَّن أنه ضار بهم غير مفيد في التعامل، بل يجلب عليهم وعلى أموالهم النقص والبوار، وأنهم سيحاسبون على هذه المعاملة في الآخرة كذلك، وينعى على الأمم التي تعاملت به من قبل.

1- فالآية الكريمة في سورة آل عمران تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)﴾ (آل عمران).

2- والآية الكريمة في سورة النساء تبيِّن أن اليهود نُهوا عن الربا، ولكن أكلوه وتعاملوا به، فعاقبهم الله عليه؛ فذلك قوله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)﴾ (النساء).

3- وفي سورة الروم يقول القرآن: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ (39)﴾ (الروم).

4- ولا خلاف بين العلماء في أن من آخر آيات القرآن نزولاً آيات الربا في سورة البقرة، وقد عرضت له بشيء كثير من التفاصيل والتحديد، وتلك هي قول القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281)﴾ (البقرة).

أخرج البخاري عن ابن عباس أن آخر آية نزلت آية الربا. وأخرج البيهقي عن عمر مثله.
قال في الإتقان: والمراد بها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)﴾ (البقرة). وعن أحمد، وابن ماجه عن عمر: (من آخر ما نزل آية الربا).
وعن ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر فقال: "إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا".

وقد ورد من طرق كثيرة أن بين نزول هذه الآيات وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا وثمانين يومًا، وفي بعضها تسع ليال.

وإنما أوردنا هذه الروايات؛ ليعلم أن هذه الآية هي التي تقيد ما سبقها من الآيات التي لا تحديد فيها.

وقد وردت الأحاديث الكثيرة بالنهي عن الربا، والتنفير منه، وبيان أضراره، ونهي المسلمين عن التعامل به؛ وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الربا: آكله وموكله وشاهديه وكاتبه" من حديث البخاري ومسلم، وهو من السبع الموبقات، كبائر المعاصي في حديث آخر، وهكذا.

ثانيًا: تحديد معنى الربا الشرعي:

من النصوص السابقة لفظًا وروحًا، نعلم أن تعريف الربا في الإسلام هين واضح، لا جدل فيه، وهو "ما زاد على رأس المال"، وسمه بعد ذلك ما شئت: سعر الفائدة، أو الربا، أو ثمن الأجل؛ فتلك أسماء لا تغير حقيقة المسمى، وذلك مأخوذ من قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: من الآية 279).

وأكد هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع- وهي من آخر خطبه وبياناته-: "ألا وإن كل ربا موضوع، وأول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب".

وروى ابن جرير عن السدي: أن الآيتين نزلتا في العباس بن عبد المطلب عم النبي، ورجل من بني المغيرة سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو، هم: بنو عمرو بن عمير، فجاء الإسلام، ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة: من الآية 278).

وأخرج عن ابن جريج قال: كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس، وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع، فلما كان فتح مكة استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وكانت بنو عمر بن عمير بن عوف يأخذون الربا من المغيرة، وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كبير، فأتاهم بنو عمر يطلبون رباهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "إن رضوا وإلا فأذنهم بحرب".

فها نحن نرى أن كل ما زاد على رأس المال قد وضع، ولم يجز للمقرض أن يأخذ إلا رأس ماله فقط.

وأما الاحتجاج بقيد الأضعاف المضاعفة في آية آل عمران، فهو احتجاج في غير موضعه؛ فإن ذلك تصوير للظلم الفاحش في الربا، ولم يرد به تحديد معناه، على أن آية البقرة آخر الآيات نزولاً فالتحديد لها، وقد جرى عليها عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، وهم أعرف الناس بمدلولات القرآن؛ فلا محل بعد ذلك للجدل والخلاف.

ثالثًا: الصور التطبيقية المنصوص على أنها ربا:

وردت النصوص في عدة صور بأنها ربا محرم شرعًا؛ فمن هذه الصور:

1- القرض بالزيادة على رأس المال، وهو: ربا الجاهلية المنصوص عليه في الآيات الكريمة، والمعبر عنه في كتب الفقه الإسلامي: (أَنظِرني أزدْك) فهذا ربا محرم بالإجماع، وقد سبق دليله، ولعل هذا هو الربا الشائع الآن في المعاملات الاقتصادية العصرية.

2- النقص في المال في نظير تقريب الأجل، وهو المعبر عنه في عرف الفقهاء "ضع وتعجل" وهو محرم كذلك، وقد مر الخلاف فيه عن بعض الفقهاء.

3- الربا في البيع، وفيه تفصيل.

‌أ- الأصناف التي نص على أنها ربوية ستة، جمعها حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء عينًا بعين. فمن زاد أو ازداد فقد أربى".

ويشير إليها كذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء" أي إلا يدًا بيد.

‌ب- هل لا يكون الربا في البيع إلا في هذه الأصناف على اعتبار أنها منصوص عليها أم يكون في غيرها قياسًا عليها؟ وهل علة القياس والتحريم الكيل والوزن والجنس أم بعض هذه؟ أم يعتبر معها الطعم والادخار أو لا يعتبر ذلك؟ كل هذا موضوع خلاف مفصل في كتب الفقه الإسلامي.

‌ج- يحرم في الأصناف الستة، وكل ما يلحق بها- عند من ألحق بها غيرها- (النَّساء) وهو التأخير في التقابض بالإجمال، والدليل على ذلك حديث عمر رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة".

‌د- ويحرم في هذه الأصناف الستة، وما يلحق بها- عند من ألحق بها غيرها- التفاضل، وهو:

الزيادة في المقدار من غير تأجيل عند الجمهور من الفقهاء، ودليلهم في ذلك حديث عبادة، وأحاديث أخر كثيرة. وخالف في ذلك ابن عباس، وبعض أهل الفقه مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ربا إلا في النسيئة"، ثم صح عنه أنه رجع عن رأيه هذا، وتبع رأي الجمهور في القول بتحريم التفاضل.

هـ- لفقهاء المسلمين في بيان الأصناف والعلل والملحقات، وما إلى ذلك؛ تفصيلٌ واسعٌ، وأظن أن هذا النوع من التعامل ليس كثير التداول الآن في صور المعاملات العصرية.

4- بيوع الآجال: ومنها أن يبيع الرجل نقدًا بثمن، وإلى أجل بثمن أكثر منه، أو أن يبيع السلعة بثمن إلى أجل، ثم يشتريها نقدًا بثمن أقل منه في صور كثيرة مفصلة في كتب الفقه.

وهذه البيوع محل خلاف في الحكم بين فقهاء المسلمين؛ فمنهم من اعتبرها ربا، واستدل بحديث عائشة رضي الله عنها، وقد قالت لها امرأة: "يا أم المؤمنين إني ابتعت (أي اشتريت) من زيد عبدًا على العطاء بثمانمائة درهم، فاحتاج إلى ثمنه، فاشتريته منه قبل محل الأجل بستمائة، فقالت عائشة: بئسما شريت، وبئسما اشتريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب، قالت: أرأيت إن تركت وأخذت الستمائة دينار؟ قالت: نعم فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف"، ومنهم من اعتبرها بيعًا لا ربا فيه ولا حيلة، وأخذ بالقياس، ولم يثبت عنده حديث عائشة.

ملاحظة: ولعل ما يجمع كثيرًا من الصور التطبيقية المنصوص عليها ما ذكره بعض الفقهاء من أن أصول الربا في الإسلام خمسة:

أنظرني أزدك- ضع وتعجل- والتفاضل- والنَّساء- وبيع الطعام قبل قبضه.

رابعًا: صور تطبيقية لم ينص عليها:

وهناك صور أخرى للتعامل لم ينص عليها، أوجدها اتساع العمران، وتشابك المصالح، واستبحار الاقتصاد عند الأفراد والأمم.

مثال ذلك: صناديق التوفير، وما يؤخذ من الفائدة عن الأموال المودعة فيها، وشركات التأمين، وسلفيات الصناعة والتجارة والزراعة، وقطع السندات والكمبيالات، وهكذا. من هذه الصور: مثل هذه الطرائق التي أوجدتها الحضارة الحديثة، منها: ما هو ربا لا شك فيه فهذا يحرم قطعًا، ويبحث عن وسائل أخرى تؤدي فوائده، وتخرج عن نطاق التحريم، ومنه: ما هو موضع شبهة قد يكون بيعًا، وقد يكون شركة، وقد يكون إجارة، وقد يكون ربا، وباب التطبيق والاجتهاد واسع كل السعة في الإسلام.

وهناك أصل جليل ينتظم كثيرًا من فروع الحياة وشئونها في كل نواحيها هو: إباحة النظر في المصالح المرسلة للإمام، وتقرير ما يناسب حال الناس منها، ويحظر ما يتعارض مع هذه المصالح في حدود القواعد الشرعية العامة.

مثال هذه المحدثات وأنواع التعامل الجديدة تختلف فيها أحكام الأفراد قطعًا بحسب ما عندهم من سعة العلم.

ولأجل أن ترتكز على أساس من المصلحة العامة لا بد من تأليف لجنة فنية من علماء الشريعة والاقتصاد تقلب وجوه الرأي، وتطبق هذه الطرائق على ما عندها من العلم، ثم تصدر للناس حكمًا يكون هو المعول عليه والمأخوذ به.

خامسًا: تبرير نظرة الإسلام للربا وبيان حكمة التحريم:

ليس الإسلام الدين الوحيد الذي انفرد بتحريم الربا، بل سبقته في ذلك الشرائع القديمة، وقد جاء القرآن مشيرًا إلى هذا بالنسبة لليهود، فقال: ﴿وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ (النساء: من الآية 161)، وأن كل القوانين الحديثة التي أباحته قد اشترطت فيه عدم الفحش والزيادة البالغة؛ مما يدل على شعور المقنن بما في الربا من حيف وإرهاق.

وإذا عرفنا أن المهمة الأولى للأديان هي: تزكية النفوس وتطهير الأرواح، والبعد بها عن حدة الانغماس في المادة، وعن الأخذ بمقاييس المادة وحدها؛ فليس يعيش الإسلام آلة مادية، لا عاطفة لها ولا روح بها، بل هو روح وإنسانية قبل أن يكون جسمًا ولحمًا ودمًا؛ ولهذا عُنيت الشرائع بالنفس البشرية كل العناية ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس)، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11)، ومن العبث أن نفرض الحياة البشرية مادة، لا تسمو إلا بالأرقام وقواعد الميكانيكا.

إذا عرفنا هذا، عرفنا أن الإسلام لا يقيس الأمور في تشريعه بالمقياس المادي فقط، بل يضع في حسابه كذلك المعنى الروحي الإنساني الذي تهذب به النفوس وتسمو به الأرواح، وما من شك في أن النزول عن فائدة رأس المال للمحتاج إليه مقاومةٌ للنفس وتهذيبٌ لها، وإيثارٌ للمعنى الإنساني العام عن المعنى الفردي الخاص، ويقابله كذلك النزول عن شيء من المال الخاص للفقير المحتاج دون مقابل مادي؛ تطهيرًا وتزكية كذلك.

ففرض الزكاة وتحريم الربا مقاومةٌ للمعنى المادي في النفس البشرية، وإيثارٌ للإنسانية العامة على الفردية الخاصة.

قد يكون في ذلك شيء من الغرم المادي، وإن كان في هذا نفسه نظر، ولكن ليكن هذا؛ فإن ما يربحه الإنسان من تزكية نفسه وكسب قلب أخيه أفضل عند الشريعة من هذه الدريهمات التي يبيع لها أسمى العواطف بين بني البشرية: الرحمة والحب.

ولهذا لم يقف الإسلام- كما قدمت- عند حد تحريم الربا؛ بل أوصى بالانتظار حتى يجد المدين السعة فيسدد ما عليه، بل أوصى بما هو أكثر من ذلك: أن يتصدق الدائن برأس المال على المدين الذي لا يجد سبيلاً إلى السداد؛ فذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)﴾ (البقرة)، فالذين يعيبون الأديان في تحريم الربا غافلون عن مهمة الأديان في إصلاح البشرية والسمو ببني الإنسان.

والذين يريدون منها أن تنزل على حكم الجشع المادي في نفوس الذين لم يتهذبوا بعد، يريدون منها أن تنزل لهم عن أهم أعمالها في الحياة، وأن تعارض الحكمة في وجودها، ومثلهم في ذلك كمثل الذي يريد من الطبيب أن يدع المريض، بل أن يمرض مثله؛ لأن الداء قد أخذ من جسمه مأخذه.

هذا من الوجهة الروحية البحتة، ثم نعود فنلقى بعض نظرات على حكمة تحريم الربا من الوجهة المادية.. فماذا نجد؟

1- أنه يحمل على التواكل والكسل؛ فإن من الناس من يجعل كل عمله في الحياة الإقراض بالربا.

2- ونجد: أنه يعطل النقد عن التداول، وكثرة تداول النقد في السوق هي روح النشاط الاقتصادي.

3- ونجد: أنه غير عادل؛ فإننا نفرض المدين رابحًا دائمًا، وبذلك نبرر ما نأخذ من زيادة على رأس المال، ونقول: إنها بعض الربح الذي جاء عن هذا المال، فليس في ذلك ظلم، مع أن هذا المدين قد يخسر بسبب العمل في هذا المال؛ فكيف يكون الموقف إذن؟ وهل من العدل أن نأخذ منه الفائدة في الوقت الذي سيدفع هو الخسارة الكاملة؟

4- ونجد: أنه يلقي العداوة والبغضاء في النفوس؛ فيساعد على الجريمة والثورة.

هذه بعض الأضرار المادية الملموسة، فضلاً عن انحطاطه بالمعنى الإنساني إلى هذا الدرك الواطئ من دركات المادة البحتة؛ فهل يعيب إنسان بعد هذا على الشرائع السماوية أنها حرمت الربا؟! أم من العدالة أن نعيب على البشرية المقيدة بالشهوات والأطماع أنها عاجزة عن السمو إلى هذه النظرات الكريمة؟!

سادسًا: كيف نعالج داء الربا مع عدم الاختلال الاقتصادي؟:

يتصور كثير من الاقتصاديين-ولهم بعض العذر- أن من المستحيل أن يسير النظام الاقتصادي على غير أساس الفائدة، وحجتهم في ذلك؛ تركز كل الأعمال الاقتصادية الحالية على هذا النظام، وارتباط بعضها ببعض؛ مما يجعل من المستحيل على دولة من الدول أن تخرج على هذا النظام.

هذا كلام له دليله العملي القائم، ولقائليه بعض العذر؛ لأنهم ألفوا هذا النظام، ولكن هل من الصواب أن يعتقد الناس أن أي نظام من النظامات لا يمكن تغييره مهما ترسخت أصوله وتثبتت قوائمه؟ فكم من النظم خرجت عليها الإنسانية، واستبدلت بها غيرها، وظروف الحياة قُلَّب، وليس هذا في النظام الاقتصادي وحده؛ بل هو في كل شئون الدنيا من سياسية واجتماعية واقتصادية، بل وفي النظريات العلمية الكونية التي تعتمد على الأرقام والتجارب المحسوسة؛ فهل يقال بعد هذا: إن نظام الفائدة في الاقتصاد لا يمكن العدول عنه؟ ومتى رضي العقل البشري بهذا العجز واستكان إلى هذا الخمول؟ وما خلق إلا ليجاهد ويكافح في سبيل الحق والخير، وتلك مهمته وخاصته.

أعتقد أنه لمن الممكن الميسر أن يعالج النظام الاقتصادي العام علاجًا يشفيه من داء الربا، لا أقول: إن جريمة الربا ستُمحى من نفوس البشر؛ فإنه متى كانت هناك بشرية فهناك جرائم ولا بد، حتى يتطهر الناس بالروحانية الكاملة، فسيظل- مهما كان من علاج- أفراد يرابون، ولكني أقول: إن النظام العام في الاقتصاد يمكن أن يقوم على غير أساس الربا (الفائدة) إذا صدق العزم، واقتنع الاقتصاديون بشناعة هذه الجريمة.

لقد كان نظام الاسترقاق ضرورة بشرية في عرف الإنسان، وما كان يشعر أحد بانحطاطه بالإنسانية وبخسه قيمتها، وما كان يجرؤ مشرع على أن يمسه أو ينال منه؛ حتى هذه الأدمغة الكبيرة من الفلاسفة لم تستطع إلا الاعتراف به وبضرورته، حتى جاء الإسلام فحاربه، وسد منافسه، ووقف في طريقه، وقامت الدول الحديثة تحاربه كذلك؛ فنجحت، وتحررت نفوس وأرواح، وتطهرت الإنسانية من عار لصق بها منذ القدم.

ولكن الإنسانية التي تحررت من قيود الاسترقاق الأدبي وقفت أمام عبودية المال وشهوة المال، ورضيت بهذه القيود الربوية الثقيلة ولم تتحرر منها بعد؛ فلو هيأ الله للإنسانية أمة فاضلة توقظ ضميرها، وتفتح عينها على فظاعة هذا الجرم الشنيع، وتأخذ في محاربته بالحزم لاعتدل النظام الاقتصادي العالمي ولم يختل التوازن.

ولا نذهب بعيدًا؛ فقد وضع الإسلام علاج ذلك بالزكاة، ولأمر اقترن الربا بالزكاة في كثير من الآيات القرآنية، فليؤخذ من مال الزكاة وصندوقها ما يغني المقرضين عن الربا.

وعلاج فني آخر يراه بعض الاقتصاديين: ذلك أن المهيمن على السوق الاقتصادية في نظامنا الحديث؛ المصارف المالية، وهي التي تعتمد أكثر ما تعتمد على الفوائد إيداعًا وإقراضًا، وفي وسع هذه المصارف أن توظف معظم ودائع العملاء في الأسهم، فتستفيد وتفيد، وتربح لنفسها ولعملائها وتقاسمهم هذا الربح، وتفيد السوق الاقتصادية فائدة جمة، وتستطيع المصارف أن تجد من أبواب الإيراد، وخدمة الاقتصاد ما لا يقع تحت حصر لتوظيف الأموال في التجارة والصناعة، والعمولة والوساطة في بيع المحاصيل، وبيع العملة الأجنبية، وصرف الشيكات، وتأجير الخزن، وحفظ الودائع وغيرها، وهذا من حيث إفادة نفسها وعملائها.

ومن حيث الإقراض للمحتاجين للمال؛ ففي وسعها أن تتخذ لهذا الإقراض بصورة تجعله من صلب الشركة، أو من باب العوض، أو نحو ذلك، وبهذا تستغني تمام الاستغناء عن نظام الفائدة.

وبعد، فحسبنا دليلاً على فساد التعامل بالفائدة هبوط سعرها، وبخاصة في أيام الكساد النسبي حتى صارت اليوم في بنك إنجلترا 2 في المائة، وذلك مما يخفف بعض أضرار الربا، ويجعل الناس لا يشعرون بها شعورًا قويًّا، ولكن الإسلام لا يعرف أنصاف الحلول، بل هو حازم فيما يريد، عملي يواجه الأحكام في صراحة ووضوح؛ فهو يحرم الربا من أساسه، وإن كان ذرة على حمل.

ولا شك أن تعامل المصريين بالربا، وبخاصة مع الأجانب منهم قد أضر بالدولة والأفراد ضررًا نشكو منه مر الشكوى.

وإنا لنأمل أن يثابر أساتذة الاقتصاد على درس هذه الموضوعات دراسة وافية شافية؛ حتى يرفعوا عنا هذا الكابوس الربوي، ويقدموا بذلك لأمتهم وللعالم كله أجلَّ الخدمات.

——–

للمزيد:

البصائر للبحوث والدراسات، من تراث الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية (نقلاً عن: مجلة النذير- السنة الثانية- العدد 14- صـ11 : 18- 3 ربيع الآخر 1358هـ/ 23 مايو 1939م.




مشكورة حبيبتى جداا على الموضوع فانا مهتمة جداا بالاقتصاد الاسلامى وعن جد محتاجينه اليوم فى عالمنا الاسلامى ..نجانا الله من هلاك الربا آمين



جزاكي الله كل خير حبيبتي




عاشقة رسول الله نارنور شكرا على مروركم الجميل



التصنيفات
منتدى اسلامي

موضوع كامل عن اكل الربا فى الاسلام

أولا : تعريف الربا:-
الربا يعتبرأحد البيوع المنهي عنها قطعا.
*الربا في اللغة :
الزيادة ، قال تعالى((..فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت …)) أي زادة ونمتوقال سبحانه((..أن تكون أمة هي أربى من أمة..)) أي أكثر عدداً.
يقال : ((..أربى فلانعلى فلان..)) أي زاد علية.
*الربا في الشرع :
الزيادة في أشياء مخصوصة ( وهذا ماعّرفه الحنابلة.(
– وقيل هو فضل مال بلا عوض في معاوضةمال بمال . ويقصد به فضل مال ولو حكما .(وهذا التعريف عند الحنفية).
فالتعريف يشمل ربا النسيئة والبيوع الفاسدة، باعتبار أن الاجل في أحدالعوضين فضل حكمي بلا عوض مادي محسوس والأجل يبذل بسببه عادة عوض زائد.
فالربا:إذا هو الزيادة في الأموال الربوية على خلاف مقتضى الشرع.
ثانيا :حكمه وأدلة تحريمه:-
حكمه : يعتبر الربا محرم في جميعالأديان السماوية ومحظور في اليهودية والمسيحية والإسلام .
أ-الأدلةمن القرآن الكريم :
فقد رد عليهم القرآن الكريم في أكثر من موضع فيكتابه العزيز:
1 – قال سبحانه وتعالى ((.. وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ..)) ( النساء: 161(

– 2 وقال أيضاً :
((..وأحل الله البيعوحرم الربا..)) ( البقرة: 275(
3- وقال عز وجل :
((… وماءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله …)) (الروم:39)
4- وقال في كتابه العزيز :
((..يا أيها الذين أمنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفه ..)) (آل عمران:130)
– 5 وقال عز منقائل(..يا أيها الذين ء امنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتممؤمنين )) (( البقرة :278)

ب – من السنة النبوية:-
1- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن الرسول اللهصلى الله علية وسلم قال:
))اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا : وما هن يارسول الله؟
قال)) الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلابالحق ، وأكل الربا،
وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصناتالغافلات المؤمنات((.
-2 وعن جابر بن عبدا لله أن رسول الله صلى اللهعلية وسلم قال:
)) لعن الله أكل الربا، و مؤكلة ، وشاهد ية ، وكاتبه((
-3 وروى الدار قطني عن عبد الله بن حنظله أن النبي صلى الله عليةوسلم
قال: (( لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنيه فيالخطيئة((
-4 وقال صلى الله عليه وسلم: (( الربا تسعة وتسعون باباأدناها كأن يأتي الرجل
بأمه((.

ثالثاً: أقسام الربا:-
الربا قسمان:
-1ربا النسيئة 2- ربا الفضل .
اولأً : ربا النسيئة : هو الزيادة المشروطة التي يأخذهاالدائن من المدين نظير التأجير.
وهذا محّرم بالكتاب والسنة والإجماع .
فقد روى أبو سعيد الخدر ي أن النبي صلى الله علية وسلم قال:
((لاتبيعوا الدرهم بدرهمين فإني أخاف عليكم الرماء)) أي الربا
فنهى الحديثعن ربا الفضل لما يخشاه عليهم من ربا النسيئة .
فالحديث نص على تحريمالربا في ستة أعيان:
وهي )) الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر والملح ))

ثانيا: ربا الفضل : وهو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام معالزيادة .
وهو محّرم بالسنة والإجماع لأنه ذريعة إلى الربا النسيئة .
فعنأبي سعيد الخدر ي قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم :
((الذهببالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والملح بالملح مثلا بمثل يداً بيد ، فمن زادأو استزاد فقد أربى . الأخذ والمعطي سواء))
رواه أحمد والبخاري
رابعاً: علة تحريم الربا:-
كما سبق في تعريف الربا على أنه هو:-
الزيادةفي الأموال الربوية على خلاف مقتضى الشر ع فالأموال الر بوية هي:
((الذهبوالفضة والقمح والشعير والتمر والملح))
فهذه الأعيان الستة التي خصتبالذكر تنتظم بها الأشياء الأساسية
التي يحتاج الناس إليها والتي لا غنىلهم عنها
*فالذهب والفضة هما العنصران الأساسيان للنقود التي تضبطبها المعاملةوالمبادلة فهما معيار الأساسيان للنقود التي تنضبط بهاالمعادلة والمبادلة فهمامعيار الائتمان الذي يرجع -أما بقية الأعيانالأربعة فهي عناصر الأغذية وأصول القوت الذي به قوام الحياة . فإذا جرى الربا في هذة الأشياء كان ضارا بالناس ومقتضيا إلىالفساد فيالمعاملة فمنع الشارع منه رحمة بالناس ورعاية لمصالحه

خامسا:إن الربا محرم في جميع الحكمة في تحريم الربا:-
حيث الأديان السماوية ،والسبب في تحريمه ما فيه من ضرر عظيم ومن بين
هذه الأسباب :-
*أنه يسبب العداوة بين الأفراد : فيقضي على روحالتعاون بينهم والأديان
*كلها تدعوا إلى التعاون والإيثار وتبغض الأثرةوالأنانية و استغلال جهد الآخرين.
*يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعملشيئا : فيؤدي إلى تضخيم الأموال في
أيديها دون جهد مبذول فتكون كالنباتاتالطفيلية تنمو على حساب غيرها

* والإسلام يحث على العمل ويمجدهويجعله أفضل وسيلة من وسائل اتق اللهب.
* وسيلة الاستعمار: ولذلك قيل أنالاستعمار يسير وراء تاجر أو قسيس.
فالإسلام بعد هذا يدعوا إلى أن يقرضالإنسان أخاه قرضا حسنا : إذا احتاج
إلى المال ويثيب عليه أعظم مثوبة .. حيث قال عز وجل :
)) وما ء أتيتم من الربا ليربوا في أموال الناس فلايربوا عند الله وما ء أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون )) (( الروم: 39((

سادسا: أثار الربا:-
فكما عرفت أنالربا محرم شرعيا وقد ذكرت فيما سبق الأدلة على تحريمه سوءا أكان من القرآنالكريم أم من السنة النبوية أم من الإجماع ..
كذلك هناك أثار سيئة فيتعاطي الربا :
ومن هذه الآثار :
* أن الله سبحانه وتعالى يمحق الرباولا يبقى عليه ولا يبارك فيه.
لقوله تعالى (( يمحق الله الربا))
* الطرد من رحمة الله تعالى ففي الحديث الشريف :-
))لعن رسولالله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ))وقال هم سواء أياللعن والطرد.

* أن أكل الربا يقوم يوم القيامة مجنونا كمن أصابه الشيطانبجنون ..
لقوله تعالى (( الذين يأكلون الربا لا يقومون ألا كمايقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ((.
ثامنا : أسلوب القرآن في تحريمالربا:-
*الصيغة الطلبية :
أ- صيغة النهي :الفعل المضارع المسبوقبلا الناهية
قال تعالى ((.. لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة …))
ب- صيغة الأمر : الدال على طلب الكف عن العمل .
قال تعالى )).. يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا .((
*لفظ:-حرم – لا يحل – لا يرضى قال تعالى((.. أحل الله البيع وحرم الربا .((
*ذكر الفعل المطلوب تركه مقرونا بالوعيد على فعلة ، قال تعالى )) الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان منالمسّ.((
تاسعا : مذاهب الفقهاء في علة الربا:-
حيث أتفقالفقهاء على تحريم ربا الفضل في ستة أصناف منصوص عليها :

الذهب والفضةوالشعير والتمر والقمح والملح .
فيحرم التفاضل فيها مع إتحاد الجنس،واختلفوا فيما عداها وذهبوا إلى خمسة طوائف -:
– الطائفة الأولى :قصرت التحريم عليها ، وهم الظاهرية
– الطائفة الثانية : حرمته في كلمكيل أو موزون بجنسه، وهذا مذهب أحمد في ظاهر مذهبه وأبي حنيفة.
– الطائفة الثالثة :خصّه بالنقد ين أو بالطعام وإن لم يكن مكيلا ولا موزونا ، وهذاقول الشافعي ، ورواية عن الإمام أحمد.والطعام عندهم : كل ما يؤخذ اقتياتا أوتفكها أو تداويا .
– الطائفة الرابعة : خصته بالطعام إذا كان مكيلا أوموزونا ، وهذا قول سعيد بن المسيب ورواية عن أحمد وقول الشافعي .
– الطائفة الخامسة :خصته بالقوت ، وما يصلحه : وهذا قول مالك
* وأعتبره ابنالقيم أرجح الأقوال .

عاشراً: الأدوار والمراحل التشريعية التي مرّ بها تحريمالربا :
1- المرحلة الأولى وتتمثل في قوله تعالى :
((وما أوتيتممن ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله))
2- التحريمبالتنويه والإشارة وذلك في قوله تعالى :
((فبظلم من الذين هادواحرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عم سبيل الله))
3- تحريم جزئي :
قال تعالى ((.. يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربا أضعافامضاعفة))
4- تحريم قطعي :
قال تعالى ((.. يا أيها الذين أمنوااتقوا الله وذروا ما بقي من الربا))




جزاك الله الخير



جزاكي الله كل الخير




التصنيفات
منوعات

مثل الذين يأكلون الربا

ضرب الله الأمثال في القرآن الكريم للناس جميعاً؛ لتذكِّرهم بخالقهم، وتعظهم في درب حياتهم، بما تحمل من تصوير وتجسيد للنماذج والتجارب البشرية المتنوعة، وبما تقدم من الأدلة التي تهدي إلى الحق المبين، وبما تقيم من البراهين التي ترشد إلى الطريق المستقيم.

ومن الأمثلة القرآنية التي ضربها الله للناس؛ حفظاً لأموال الأمة، أفراداً وجماعات، قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} (البقرة:275).

فقد ضرب الله في هذه الآية الكريمة صورة لآكلي الربا، وما كان لأي تهديد معنوي ليبلغ إلى الحس ما تبلغه هذه الصورة المجسمة الحية المتحركة، إنها صورة مهزوزة، يحركها دافع شيطاني، بل يحركها الشيطان نفسه، بحيث إن المرابين لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يصرعه الشيطان من الجنون، وهذه هي علامة آكلي الربا التي يعرفون بها يوم القيامة.

فهذا المثل يبين سوء منقلب أَكَلة الربا يوم القيامة، وشدة مآلهم في الآخرة، وأنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} أي: يصرعه الشيطان بالجنون، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين، متوقعين لعظيم النكال، وعسر الوبال.

وهذا المثل القرآني، يستحضر هذه الصورة لتؤدي دورها الإيحائي في إفزاع الحس؛ لاستجاشة مشاعر المرابين، وهزها هزة عنيفة، تخرجهم من مألوف عادتهم في نظامهم الاقتصادي؛ ومن حرصهم على ما يحققه لهم من فوائد آنية. وهي وسيلة في التأثير التربوي ناجعة نافعة. وهي في الوقت نفسه تعبر عن حقيقة واقعة.

وقد مضت معظم التفاسير على أن المقصود بـ (القيام) في هذه الصورة المفزعة، هو القيام يوم البعث والنشور. ولكن هذه الصورة – فيما يرى سيد قطب – واقعة بذاتها في حياة البشرية اليوم. وهي تتفق مع ما سيأتي بعدها من الإنذار بحرب من الله ورسوله، {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} (البقرة:279). ونحن نرى اليوم هذه الحرب واقعة وقائمة، ومسلطة على البشرية جمعاء، التي تتخبط كالممسوس جراء النظام الربوي الذي يحكم ويتحكم في أكثر المعاملات المالية العالمية اليوم.

وواقع الأزمة الاقتصادية العالمية التي تمر بها الأنشطة الاقتصادية اليوم بسبب الربا والمرابين، يشهد لذلك؛ حيث إنهم لما انسلبت عقولهم في طلب الأموال الربوية، خفت أحلامهم، وضعفت آراؤهم، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم انتظامها، وتخبطها في أمرها، فهم لا يقومون في الحياة، ولا يتحركون إلا حركة الممسوس المضطرب القلق المتخبط، الذي لا ينال استقراراً ولا طمأنينة ولا راحة.

إن الوضع الاقتصادي العالمي الذي تعيشه البشرية اليوم، يتسم بالقلق والاضطراب والخوف؛ والأمراض العصبية والنفسية، وهذا باعتراف عقلاء أهله ومفكريه وعلمائه ودارسيه، وبمشاهدات المراقبين والزائرين والعابرين لأقطار الغرب. وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية، والإنتاج الصناعي من تقدم وازدهار. وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي التي تأخذ بالأبصار. ثم هو – قبل ذلك وبعده – عالم الحروب الشاملة، والتهديد الدائم بالحروب المبيدة، وحرب الأعصاب، والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك!

ومن المفيد أن نذكر في هذا السياق، أن عدداً من الاقتصاديات العالمية بعد الأزمة المالية الأخيرة قد أخذت تعيد النظر في نظامها الاقتصادي القائم على الربا، وبدأت تدرس إمكانية تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي الخالي من الربا، وفي ذلك خير معتبَرٍ، لمن أراد أن يعتبر، {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (الحشر:2).




خليجية



امين



خليجية




بارك الله فيك