شهدت القاهرة انعقاد المؤتمر الدولي التاسع لجراحات مناظير البطن، الذي افتتح صباح الخميس 20 من يناير (كانون الثاني)، واستمر على مدار ثلاثة أيام. وشارك في المؤتمر، الذي نظمته الجمعية المصرية لجراحة مناظير البطن بالاشتراك مع جمعية البحر المتوسط والشرق الأوسط لجراحة المناظير، أكثر من 300 متخصص في جراحات المناظير من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى عدد من الأطباء والباحثين وخبراء جراحات المناظير في الجامعات المصرية.
واستعرض المحاضرون والمشاركون أحدث الدراسات والأبحاث العلمية المتعلقة بجراحات مناظير البطن، مثل إصلاح فتق الحجاب الحاجز وفتق جدار البطن، إلى جانب إظهار الدور الجديد، الذي تلعبه التقنيات الحديثة لمناظير البطن الجراحية في مجال جراحات إنقاص الوزن وعلاج السمنة المفرطة.
قال الدكتور حسن شاكر، أستاذ أمراض الجهاز الهضمي وجراحة المناظير بجامعة عين شمس: إن «تاريخ جراحات المناظير بدأ عندما استخدم أطباء النساء والتوليد المناظير الصلبة لرؤية وتشخيص بعض الأمراض بالجهاز التناسلي لدى الأنثى، التي كان تشخيصها عبر الطرق التقليدية أمرا عسيرا».
وأضاف شاكر: «وبمرور الوقت وتقدم التقنية، تم استخدام كاميرات الفيديو الرقمية الدقيقة في المناظير، وتطور استخدام المناظير من مرحلة التشخيص إلى مرحلة العلاج، وتمكن الجراحون من استخدامه في جراحات عدة، بدأت في عام 1989 عندما استخدم المنظار الجراحي للمرة الأولى في جراحة لاستئصال الزائدة الدودية دون شق جدار البطن».
ويؤكد شاكر أن أكثر العمليات شيوعا اليوم، التي يستخدم فيها منظار البطن الجراحي، هي «عمليات استئصال الحويصلة المرارية، نظرا للنتائج الرائعة التي يتم الحصول عليها، إضافة إلى تفادي الكثير من المشكلات والمضاعفات والآثار الجانبية التي تعقب العمليات التقليدية في هذه النوعية من الجراحات، وأبرزها الاستشفاء السريع وقلة الآلام عقب العمليات بالمنظار».
جراحات الجهاز الهضمي
* من جانبه، أوضح الدكتور محمد حقي، أمين عام المؤتمر واستشاري جراحة المناظير، أن استخدام المناظير في مجال علاج أمراض الجهاز الهضمي في مصر والشرق الأوسط، يشهد تقدما ملموسا في السنوات الأخيرة، وعن أحدث الاستخدامات لتلك التقنية، قال حقي: «استخدمنا المناظير بنجاح كبير في علاج حالات الارتجاع الحمضي المعدي، التي لا تستجيب لطرق العلاج الدوائي التقليدية».
وأشار حقي إلى أن مصر، ومنطقة الشرق الأوسط، على وجه العموم، مهتمة بمتابعة كل ما يحدث في مجال العلاج باستخدام المناظير الجراحية والتشخيصية، ومتابعة كل التطورات على الساحة العالمية في هذا المجال، وهو ما يدل عليه الحضور الكبير للأطباء والمتخصصين في المؤتمر، الذي استقدم عددا من أبرز الخبراء في هذا المجال.
أما البروفسور أحمد أحمد، مدير قسم جراحة إنقاص الوزن بجامعة إمبريال كوليدج بلندن، فقال ل«الشرق الأوسط»: إن «الحديث في مجال جراحات مناظير البطن على المستوى العالمي حاليا، هو استخدامها في العمليات المساعدة لإنقاص الوزن وعلاج البدانة». ويوضح أحمد أن البدانة أصبحت أقرب ما يكون إلى وباء عالمي، قائلا: «يعاني نحو ثلث السكان بالولايات المتحدة الأميركية، ونحو خمس سكان المملكة المتحدة من داء البدانة. ويلاحظ أن تلك الأعداد تظهر زيادة أكبر بمنطقة الشرق الأوسط، حيث يبلغ عدد من يعانون منها بالإمارات العربية المتحدة – على سبيل المثال – ما بين 40 إلى 50 في المائة من مجموع السكان».
وأكد أحمد أن مشكلة البدانة الحقيقية تكمن في ما يصاحبها أو تتسبب فيه من أمراض.. إذ ترتفع في الأشخاص البدناء نسبة الإصابة بأمراض مثل السكري، وأمراض القلب والشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض تآكل المفاصل، والمشكلات التنفسية أثناء النوم، إضافة إلى المشكلات الجنسية لدى الزوجين.
وأضاف أن «الأشخاص من ذوي البدانة المفرطة يتبعون في العادة أنظمة غذائية صارمة، إضافة إلى ممارسة الرياضة وتناول العقاقير المساعدة على فقدان الوزن الزائد في بعض الأحيان.. ولكن العقبة الرئيسية التي تواجه هؤلاء تكمن في استعادتهم مجددا للوزن الزائد بعد فترة من الوقت، أو بمجرد التوقف عن ممارسة تلك الأنشطة. وهو ما دفع العلماء إلى البحث عن حلول غير تقليدية لحل هذه المشكلة المزمنة، وتثبيت الوزن عند الحدود المثالية، أو أقرب ما يكون إليها».
عمليات شد المعدة
* وأكد أحمد أن «استخدام تقنيات المناظير الجراحية في إنقاص الوزن يحسن كثيرا من مشكلات المريض الصحية، إذ إنه يخسر ما بين 25 إلى 30 في المائة من وزنه الزائد في السنة الأولى، بالإضافة إلى تحسن مرض السكري من النوع الثاني بشكل كبير بعد إجراء الجراحة في أكثر من 80 في المائة من الحالات، ذلك إذا لم يشف المريض منه كلية».
وعند سؤاله إذا كان يشترط على المريض بعد إجراء العملية اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام، أجاب أحمد: «بداية، قد لا تصلح كل الجراحات لكل المرضى، ولكن المثير في الأمر أنه بعد إجراء عمليات إنقاص الوزن بالمناظير لفئران التجارب، فإنها كانت تختار الطعام الأكثر صحة بين الأطعمة المقدمة إليها، فالجراحة تغير من نظرة المريض للطعام، فتجعله يشعر بقدر أقل من الجوع ويشعر بالشبع بشكل أسرع، وتغير من طريقة تذوقه للطعام، فتجعله يتجه للأطعمة الصحية بصورة أكبر».
وأضاف أحمد أن «العمليات الرئيسية لإنقاص الوزن هي (رباط المعدة Gastric Band)، حيث نقوم بوضع ما يشبه الرباط المطاطي على المنطقة العليا للمعدة، ما يجعل حجمها أصغر. والجراحة الثانية هي (الاستئصال الجزئي للمعدة Sleeve Gastrictomy)، ويتم فيها استئصال جزء من المعدة وتغيير شكلها إلى ما يشبه الأنبوب الضيق.. أما الجراحة الثالثة، فهي (التجاوز المعدي إلى الأمعاء Gastric Bypass)، حيث يتم توصيل المعدة بالأمعاء، لتمرير الأكل بصورة أسرع، مما يقل من حجم الطعام المهضوم وامتصاصه»، مشيرا إلى أن المريض في كل هذه الجراحات لا يمكث بالمستشفى لأكثر من يومين على الأكثر، حيث إن الجراحة تتم ن خلال فتحة صغيرة، تشبه ثقب الباب Keyhole Cut، لا يتعدى قطرها سنتيمترا واحدا أو اثنين.
الوقاية من السكري
* وعند سؤاله عن أحدث ما توصل إليه في جراحات المناظير الهادفة لإنقاص الوزن، قال البروفسور ويليام أومالي، أستاذ الجراحة بجامعة روشيستر بنيويورك ومدير وحدة جراحة إنقاص الوزن بمستشفى High Land، ل«الشرق الأوسط»: «بعد عدة سنوات من إجراء جراحات إنقاص الوزن على المرضى البدناء، توصلنا إلى أنه بعد الجراحة يتحسن معدل السكر في الدم بشكل كبير.. في الغالب يعاني المرضى البدناء من مرض السكري (النوع الثاني)، وفي حالات (Gastric Bypass) نلاحظ تحسنا كبيرا في معدلات السكر في الدم بعد إتمام العملية، وهو ما قد يسبق خسارة الوزن الفعلية».
ويفسر أومالي ذلك قائلا: «نتيجة للتغير التشريحي الناجم عن الجراحة بالجهاز الهضمي، ينتج تغير وظيفي، وتتحسن استجابة الخلايا للأنسولي، كما أن تمثيل السكر بالدم يتحسن بدوره». وأضاف أن «مثل ذلك التحسن، هو ما حفزنا على تجربة إجراء مثل تلك الجراحات لعلاج مرضى السكري (من النوع الثاني) من غير البدناء. وهذا هو الجديد، إذ إن العلاج الجراحي لمرض السكري غير موجود على أرض الواقع حتى اليوم، ولكنه يظل مرضا يعتمد على العلاج الدوائي، سواء باستخدام الأقراص المحفزة لإفراز الأنسولين (في النوع الثاني)، أو باستخدام محاقن الأنسولين (في النوع الأول)».
وتابع أومالي: «ومرض السكري من الأمراض القابلة للتحسن باستخدام العلاج، ولكنه حتى الآن يظل من الأمراض المزمنة التي لم يعرف لها علاج شاف. ولذلك، فإن استخدام مثل ذلك الخط العلاجي (الجراحي)، كمحاولة للوصل إلى علاج نهائي ومستديم للمرض قد يعد ثورة تغير خارطة الطب الحديث، فمرض السكري آخذ في الانتشار بصورة كبيرة على المستوى العالمي، وإذا نجحنا في مساعينا، فإن الكثيرين من مرضى النوع الثاني من السكري سيكتب لهم الشفاء التام، ويتوقفون عن استخدام العقاقير مدى الحياة، أو على أقل الفروض، سيخفضون من استخدامهم للعقاير التي تسبب لهم أعراضا جانبية ومشكلات أخرى صحية».