التصنيفات
منتدى اسلامي

سنه مجالسه الصالحين

من السهل جدًّا أن تنتقل أخلاق الصاحب إلى صاحبه؛ فالمعايشة والمجالسة وطول الحوار تؤدي إلى تَطَبُّع الإنسان بأخلاق وطبائع مَنْ يُصاحبه، وقد يحدث هذا بشكل متدرِّج فلا يلحظ المرء التغيير على نفسه؛ ومن ثَمَّ لا بُدَّ أن يكون الإنسان حَذِرًا في اختيار جلسائه؛ لذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمْرُ المسلمين بانتقاء مَنْ يُصاحبون أو يُجالسون؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ".

وقد نَبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن التغيير في حياة الإنسان نتيجة المصاحبة سيصل إلى تغيير في الدين، وهو أمر خطير كما هو معلوم، حتى المجالسة السريعة البسيطة قد تُحْدِث أثرًا؛ فقد روى البخاري عن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً".

لهذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسة الصالحين، ومصاحبة المؤمنين؛ بل الحرص على بروز التقوى فيمَنْ تدعوهم إلى دخول بيتك والأكل من طعامك؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا, وَلاَ يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ".

فهذه سُنن تحفظ لنا ديننا، وتُعيننا على الطاعة، فليحرص كلٌّ منا على انتقاء جلسائه، ونسأل الله الهداية لنا أجمعين.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني

منقولخليجية




موضوع حلو ومفيد
يا رب ما ننحرم من تواجدك معنا



الله يعطيك العافيه



الله يعطيك العافيه



بجد انت رائعة .



التصنيفات
منتدى اسلامي

شارب الخمر امام الصالحين ؟؟؟

ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺃﻧﻪ ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻴﺎﻟﻲ ﺿﻴﻖ ﺷﺪﻳﺪ ﻻﻳﻌﻠﻢ
ﺳﺒﺒﻪ ﻓﻨﺎﺩﻯ ﻟﺮﺋﻴﺲ ﺣﺮﺳﻪ ﻭﺃﺧﺒﺮﻩ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺗﻪ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ
ﻣﺘﺨﻔﻴﺎ ..
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻨﺨﺮﺝ ﻧﺘﻤﺸﻰ ﻗﻠﻴﻼ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﻓﺴﺎﺭﻭﺍ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺣﺎﺭﺓ ﺑﺎﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻪ ﻓﻮﺟﺪ ﺭﺟﻼ ﻣﺮﻣﻴﺎ ﻋﻠﻰ
ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺤﺮﻛﻪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﻣﻴﺖ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﻤﺮ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻬﺘﻢ
ﻓﻨﺎﺩﻯ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﻌﺎﻟﻮﺍ ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻪ .. ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺮﻳﺪ ؟
ﻗﺎﻝ : ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﻴﺖ ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﻫﻮ ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﺃﻫﻠﻪ ؟
ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻫﺬﺍ ﻓﻼﻥ ﺍﻟﺰﻧﺪﻳﻖ ﺷﺎﺭﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺯﺍﻧﻲ ..
ﻗﺎﻝ ﺁﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ .. ؟
ﻓﺎﺣﻤﻠﻮﻩ ﻣﻌﻲ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﻔﻌﻠﻮﺍ ..
ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﺗﻪ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺒﻜﻲ ﻭﺫﻫﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺑﻘﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺭﺋﻴﺲ
ﺍﻟﺤﺮﺱ ..
ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺑﻜﺎﺋﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻝ
( ﺭﺣﻤﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎﻭﻟﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻧﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ) ..
ﻓﺘﻌﺠﺐ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺮﺍﺩ ﻭﻗﺎﻝ ﻛﻴﻒ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﺗﻘﻮﻝ ﻋﻨﻪ ﻛﺬﺍ

ﻭﻛﺬﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺮﺛﻮﺍ ﻟﻤﻮﺗﻪ ؟
ﻗﺎﻟﺖ : ﻛﻨﺖ ﺃﺗﻮﻗﻊ ﻫﺬﺍ ..
ﺇﻥ ﺯﻭﺟﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻟﻠﺨﻤﺎﺭﺓ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﺛﻢ
ﻳﺤﻀﺮﻩ ﻟﻠﺒﻴﺖ ﻭﻳﺼﺒﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﺎﺽ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺃﺧﻔﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ..
ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﻔﻌﻞ ﺍﻟﻔﺎﺣﺸﺔ ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ
ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎﺑﻲ ﺍﻏﻠﻘﻲ ﺑﺎﺑﻚ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻭﻳﺮﺟﻊ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺧﻔﻔﺖ
ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻋﻦ ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﻠﻴﻠﺔ !!!!!
ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺸﺎﻫﺪﻭﻧﻪ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﻳﺪﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻴﺘﻜﻠﻤﻮﻥ
ﻓﻴﻪ ..
ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻣﺮﺓ ﺇﻧﻚ ﻟﻮﻣﺖ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﻐﺴﻠﻚ ﻭﻳﺼﻠﻲ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻳﺪﻓﻨﻚ ﻣﻦ
ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ..
ﻓﻀﺤﻚ ﻭﻗﺎﻝ ﻻﺗﺨﺎﻓﻲ ﺳﻴﺼﻠﻲ ﻋﻠﻲ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ
ﻭﺍﻻﻭﻟﻴﺎﺀ ..
ﻓﺒﻜﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺮﺍﺩ ﻭﻗﺎﻝ : ﺻﺪﻕ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﺮﺍﺩ ﻭﻏﺪﺍ
ﻧﻐﺴﻠﻪ ﻭﻧﺼﻠﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻧﺪﻓﻨﻪ ..
ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺬﺍﻟﻚ ﻓﺸﻬﺪ ﺟﻨﺎﺯﺗﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻳﺦ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ..
ﻧﺤﻜﻢ ﻉ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑَــﻤﺎ ﻧﺮﺍﻩ ﻭﻧﺴﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ….
ﻭﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﺧﻔﺎﻳﺎ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟـــﺨﺮﺳﺖ ﺃﻟﺴﻨﺘﻨﺎ ..




اللهم ارزقنا بمن يحمل هم هذا الدين
جزاك الله خيرا



اللهم امييين

شكرا لمرورك حبيبتي




التصنيفات
منوعات

في باب قضاء حوائج المسلمين من كتاب رياض الصالحين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون … في باب قضاء حوائج المسلمين من كتاب رياض الصالحين يقول الله سبحانه وتعالى في الآية السابعة والسبعين من سورة الحج :

(وافعلو الخير لعلكم تفلحون)* (77)
( سورة الحج )

الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ربط الفلاح بفعل الخير ، أليس هناك في القرآن الكريم آيات تحض على الاستقامة ؟ بلى ، وهناك آياتٌ تحضُّ على فعل الخير ، فما العلاقة بين الاستقامة وفعل الخير ؟ أو ما العلاقة بين الاستقامة وبين العمل الصالح ؟ وأيهما مقدم على الآخر؟ وأيهما أخطر في حياة المؤمن ؟ بل ما العلاقة فيما بينهما إذا كانا متكاملين؟
أيها الإخوة الأكارم … قضية دقيقة جداً ؛ إذا كان الطريق إلى الله مليئاً بالعقبات التي تحول بين العبد والوصول إلى الله ، كل معصيةٍ يعصيها الإنسان عقبة كؤود فيما بينه وبين الله ، المعاصي – كما قال عليه السلام – بريد الكفر ، المعصية عقبة كؤود ، المعصية حجاب بينك وبين الله ، المعصية صخرة كبيرة تسد الطريق عليك ، هذه المعصية ، وكلما كبرت كلما زاد الحجاب ، وإذا استقمت على أمر الله ، وقد أمرك الله سبحانه وتعالى بالاستقامة ماذا فعلت ؟ إذا كانت كل معصية ، ومخالفة ، وانحراف ، وتجاوز ، وتعدٍّ عقبةٌ في طريقك إلى الله ، فالاستقامة تعني إزالة هذه العقبات من طريق الإيمان طريق إلى الله .
نقطةٌ مهمة جداً هذه المعصية حجاب ، وهذه حجاب ، وهذه حجاب ، الطريق إلى الله مسدود ، إذاً ما تفعله من شعائر إسلامية ليس إلا حركات وسكنات وقراءات لا تقدم ولا تؤخر ، ولابد من أن تُمَل ، ما دام هناك معاص ، ما دام هناك مخالفات ، ما دام هناك عدوان ، إذاً ما يفعله المخالف والمقصِّر من عبادات ما هو إلا حركات وسكنات وقراءات ليس غير ، فإذا ترك هذه المعصية فقد أزاح عقبة ، أو هتك حجاباً ، إذا ترك هذه المعصية ، أزاح عقبة وترك حجاباً ، هناك معاصي متعلِّقة في علاقتك بالنساء ، فأنت بمجرد أن تغض بصرك عن محارم الله ، أزلت من طريقك إلى الله عقبة كبيرة ، فإذا حررت دخلك من الحرام ، أزلت أيضاً من طريقك إلى الله عقبة كبيرة ، وكلما تركت معصية ، وكلما تركت مخالفةً ، وكلما تجاوزت عدواناً ، فقد أزلت عقبةً من طريقك إلى الله عز وجل .
فلو فرضنا أن المؤمن استطاع أن يستقيم على أمر الله استقامة تامة ، ماذا فعل ؟ أزال كل العقبات ، التي كانت في طريقه إلى الله ، إذا أزال كل العقبات من طريقه إلى الله ، وبقي مكانه من دون أن يتحرك إلى الله ، ماذا فعل ؟ لو أن لك بحمص حاجةً خطيرة ، وكان على الطريق عقباتٌ كثيرة ، فلو أزلتها ، وبقيت في الشام لم تفعل شيئاً ، فلذلك الاستقامة والعمل الصالح شيئان متكاملان ، الاستقامة تمهيدٌ للعمل الصالح ، والعمل الصالح لا يكون إلا بالاستقامة ، فالاستقامة أولاً ، والعمل الصالح ثانياً ، إذاً الاستقامة والعمل الصالح متكاملان .
أنت إذا استقمت على أمر الله ، كأن الله سبحانه وتعالى يعاتبك يوم القيامة ، يقول لك : أما غضك للبصر فقد تعجلت فيه الراحة لقلبك ، وأما تركك الحرام فقد كنت في حرز حريز ، حصَّنت مالك من التلف ، وأما صدقك بين الناس فقد رفعت من شأنك ، وأما عفَّتك ، فقد كانت كذا كَذا ، وكأن الله سبحانه وتعالى يقول : ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟ هذه كلها فعلتها من أجلك ، كل ألوان الاستقامة ، والانضباط ؛ ضبط العين ، والأذن ، واللسان ، واليد ، وقبض المال وإنفاقه ، والعلاقة بالنساء ، كل هذه الألوان من ألوان الاستقامة ، إنما هي تعود عليك بالمنفعة في الدنيا قبل الآخرة ، ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟ ما الذي قدمته من أجلي ؟ من الذي وصلته من أجلي ؟ من الذي قطعته من أجلي ؟ متى غضبت من أجلي ؟ متى رضيت من أجلي ؟ ماذا فعلت من أجلي ؟
فلذلك الآن جاء دور العمل الصالح ، الله سبحانه وتعالى يقول :

(وافعلو الخير لعلكم تفلحون)* (77)

( سورة الحج : من آية " 77 " )

أي لا تفلحون إلا إذا فعلتم الخير ، ولا يصح فعل الخير إلا إذا سبقته استقامة ، فعل الخير يصح إذا سبقته الاستقامة ، أما استقامة من دون فعل الخير ، لا يحقق الفلاح كما ينبغي ، لا يحقق النجاح كما ينبغي ، فالباب اليوم : ( باب فعل الخير ، وقضاء حوائج المسلمين ) ، في كتاب رياض الصالحين ، وأتمنى عليكم أن يكون هذا الكتاب في مكتبتكم ، وهل من كتابٍ أثمن من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والشيء الذي أحب أن أنوه إليه ، أن كتاب رياض الصالحين مقسَّم وفق أبواب دقيقة جداً ، وتدور مع حاجات الناس في عباداتهم ، ومعاملاتهم ، وأخلاقهم ، وأن هذا الكتاب إذا كان عندك في البيت ، فإذا عدت في البيت بعد الدرس تفتحه فتراجع فيه الحديث الذي تم شرحه ، إنك كلما فتحته تذكرت دروس يوم الأحد كلها ، ألا تحب أن يكون لك زاد ، زاد من حديث رسول الله ؟ حديث سمعت خلال نصف ساعة تفسيره ، وجدته في الكتاب ، فوجود الكتاب في بيتك نوع من أنواع استذكار العلم .
إذا ذهبت إلى نزهة ، أو دعيت إلى سهرة ، أو أقمت حفلة ، وأردت أن تكون هذه الحفلة فيها إرضاءٌ لله عز وجل ، معك الكتاب ، افتح الكتاب ، وذكر إخوانك ومن حولك بما سمعته من تفسير لبعض الأحاديث الشريفة ، لأن نقل العلم شيء مقدس ، فتلقي العلم شيء ، وإلقاؤه شيء آخر .

* * * * *

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)) .
[مسلم]

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ … )) ، وما أكثر كرب الدنيا ؛ هموم ، أشياء مقلقة ، ديون ، أعباء ، مرض ، يحتاج إلى نفقة ، زوجة ، زواج ، دَيْن ، الدَيْن هم ، ومشروع الزواج هم ، وأن يقع الإنسان في ورطةٍ هذا هم كبير ، وأن يخاف جهةً هذا هم أكبر ، وأن يفقد الأمن والطمأنينة هذا همٌ أكبر ، فإذا كنت تحب الله ورسوله فأنت مصدر أمن وطمأنينة ، أنت مصدر سلام وعافية ، أنت تبثُّ الأمن في كلامك ، وفي أعمالك .
فـ .. من نفس عن مؤمن كربة ، من كرب الدنيا ، استمعوا ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، استمعوا ماذا يقول عليه الصلاة والسلام :((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ … )) ، وما أشد كرب يوم القيامة ، فكل إنسان بحكم إمكانياته ، بحكم مكانته الاجتماعية ، بحكم شأنه ، بحكم حجمه المالي ، يستطيع يخفف عن الناس آلامهم ، يستطيع يكون مصدر خير ، مصدر سلام ، مصدر طمأنينة ، فأنت إما أن تكون مصدر شر ـ لا سمح الله ـ وإما أن تكون مصدر خير ، فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي : (( الخير بيدي والشر بيدي ، فطوبى لمن قدرت على يديه الخير والويل لمن قدرت على يده الشر)) .
وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك .
لذلك ، يا أخي الكريم سؤال دقيق اسأل نفسك كل يوم : أنا ماذا فعلت هذا اليوم ؟ كل يوم ينشق فجره يخاطب ابن آدم يقول : يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، هذا اليوم كيف مضى ؟ هل دعوت فيه إلى الله ؟ هل أمرت بالمعروف ؟ هل نهيت عن المنكر ؟ هل بثثت الطمأنينة في نفس إنسان ؟ هل نفست عن مؤمن كربة ، من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم ربه .
أحياناً أخوك المؤمن في قضية تقلقه ، تخيفه ، جئت أنت واستخدمتك نفوذك ووجاهتك في بث الطمأنينة له ، أو في إزالة هذه الكربة ، لذلك اجعل شعارك كل يوم : ( إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ) ، بماذا استعملك الله عز وجل ؟ وما أكثر الأبواب المفتحة بالعمل الصالح ، فـ .. ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ … )) ،
هذا الحديث يجعل العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين متماسكة جداً ، فكل مؤمن انطلاقاً من تطبيق السنة يسعى إلى تفريج الهم عن أخيه المؤمن ، لو أن لك على أخيك المؤمن ديناً ، وكان هذا الأخ المؤمن معسراً ، وهو مهتم ، ومغتم ، ومنقبض ، فعلمت أنه معسر ، فقلت : يا أخي لك شهر آخر ، حتى يفرج الله عنك هذا العسر ، أنت بهذا فرجت عنه كربة من كرب الدنيا ، أخوك له مشكلة تحل مالياً ، وتملك أنت هذا المبلغ ، وهذا أخوك في الله ، فإذا دفعت له هذا المبلغ ، فقد نفست عنه كربة من كرب الدنيا ، لذلك ربنا عز وجل يعدك أن ينفس عنك كربة من كرب يوم القيامة ، هذا الحديث يجب أن يكون في ذهن كل مؤمن ، وأن يبقى ماثلاً أمام كل مؤمن .
((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، الإنسان أحياناً يواجه عقبات ، يقول لك : الأمر معسر أمامي ، أضربها شرقًا تأتي غربًا .
أُغَرِّب خلف الرزق وهو مشرِّقٌ وأقســم لو شرقت راح يغرِّب

* * *

هكذا قال بعض الشعراء ، فهذا معسر ، فإذا أنت نفست عنه هذا الإعسار ، أزلت عنه هذا الإعسار ، ماذا فعلت ؟ أكرمت أخاك المؤمن .
فلذلك مرة ثانية أقول لكم : حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، الفقير من كان فقيراً من العمل الصالح ، والغني من أجرى الله على يديه الخير ، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، وكما قال عليه الصلاة والسلام : (( لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله قرباً )) .
عن الطريق العمل الصالح .
و .. (( لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله علماً )) .
إذاً طلب العلم والعمل الصالح ، لذلك وردت كلمة الذين آمنوا وعملوا الصالحات أكثر من ألف مرة في كتاب الله ، آمنوا وعملوا الصالحات ، آمنوا الناحية النظرية ، عملوا الصالحات الناحية العملية ، والإيمان والعمل الصالح جناحان متكاملان ، لا تطير إلى الله إلا بهما ، فلو اكتفيت بالعلم لم تفلح ، ولو عملت من دون علم لا تفلح ، العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر ، والعمل بلا علم ذنوب ، ((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((غفر الله لرجل …)) .
فإذا مر معكم بالحديث الشريف كلمة غفر الله لرجل لا تظنوها كلمة الله يرحمه ، هذه الكلمات لكثرة استعمالها فقدت مدلولها ، هل تدري ماذا تعني كلمة غفر الله أو رحم الله عبداً ؟ رحم الله عبداً أي تجلى على قلبه ، وإذا تجلى الله على قلبك نسيت الدنيا وما فيها ، فأنت تأكل ، وتشرب ، وتستمتع ، وتذهب ، وتتنزه ، وتنام على فراش وثير ، وتقيم في غرفة مكيفة ، وتركب مركبة وثيرة ، وتنظر إلى مناظر جميلة ، هذه كلها متع الحياة الدنيا ، ولكن ينبغي ألا يغيب أن الله سبحانه وتعالى ، فلو تجلى على قلبك لذقت سعادةً لا توصف ، ولهانت عليك الدنيا وما فيها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ((غفر الله لرجل كان سهلاً إذا باع ، سهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا قضى ، سهلاً إذا اقتضى )) .

( من الجامع الصغير : عن " جابر " )

هذا اليسر في التعامل دليل الإيمان ، دليل العطف الذي أودعه الله في قلبك تجاه المسلمين ، تدخل امرأة فقيرة جداً إلى صيدلي ، تطلب دواء ، مبلغها أقل من ثمن الدواء ، ويشعر أنها ليست محتالة ، بريئة ، هناك من يطردها ، هناك من يقول : أتقرب إلى الله بخدمة هذه المرأة العجوز ، ليس كل الربح مادياً ، وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، كما قال السيد المسيح ، ليس كل الربح مالاً ، هناك ربح ، لأن تربح أخاً في الله أفضل من أن تربح الدنيا وما فيها .
فعود على بدء ، فأحياناً يرى الإنسان الأمور مسدودة أمامه ، هل تحبون أن تكتشفوا الحل العجيب لتعسير الأمور ، حل التعسير العمل الصالح ، إذا ضاقت عليك مذاهب الحياة ، إذا ضاقت عليك السُبُل ، إذا ظننت أن الله لن ينصرك في الدنيا ولا في الآخرة ..

(((((((((( يتببببببببببببع )))))))))))




[IMG]http://www.nabulsi.com/****/04hadeth/5saliheen/307-21/image002.gif[/IMG]
( سورة الحج : من آية "15 " )

أي ليعمل عملاً صالحاً كما قال بعضهم ، هذا العمل الصالح هو الذي يجعل العسر يسراً ، والضيق فرجاً ، والانقباض انشراحاً ، والتلكؤ انطلاقاً ، فمن ضاقت عليه السبل ، من شعر أن أمره معسر ، من شعر أن الدنيا كلها ضده ، فعليه بالعمل الصالح ، والعمل الصالح يرفعه ، ولكل درجات مما عملوا ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، وربما كان التيسير في الدنيا قبل الآخرة .
فربنا عز وجل يقدر لسبب تافهٍ تافه أن يجعل حياة الإنسان جحيماً ، لسبب تَافه تافه يذهب المال كله ، لسبب تَِافه تافه يفقد حريته على مدى عشرين عامًا ، ولسبب تافه ، ولو أن هذا الحكم بسبب وجيه يقول : هذه بتلك ، ولكن لسبب تافه يفقد الإنسان حريته ، ولسبب آخر يفقد ماله ، ولسبب في صحته تصبح حياته جحيماً ، إذاً افعل الخير وارجُ الله بهذا الخير أن يجعل أمورك ميَّسرةً ، وأن يتم عليك نعمة الهدى ، ونعمة الصحة ، ونعمة التوفيق .
فأنا الذي أعرفه أن المؤمن يندفع إلى العمل الصالح اندفاعاً لا حدود له ، فتنتهي حريتك في أن تفعل هذا العمل الصالح أو لا تفعله ، حينما تعرف الله عز وجل ، ويجب أن أقول لكم : إن العمل الصالح لا ينبغي أن يكون قاصراً على إنسان دون إنسان ، أخي هذا من إخوان جامع النابلسي يجب أن أخدمه ، هذا كلام مرفوض ، يجب أن تخدم الناس كلهم ، يجب أن تخدم المؤمنين كلهم ، يجب أن تخدم المسلمين كلهم ، يجب أن تخدم الناس كلهم ، يجب أن تخدم الخلق كلهم ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام : (( الخلق كلهم عيال الله ـ وسع الدائرة وسعها لأقصى درجة ـ وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله )) .
وهذا الذي تخدمه ولا تعرفه ، تخدمه وقد لا يكون في المستوى المطلوب ، ربما بهذه الخدمة صار في المستوى المطلوب ، أنت إذا خدمته ربما جعلته مؤمناً بعد أن كان غير ذلك ، العمل الصالح أعظم من أن يكون لك به حسنة ، العمل الصالح تجذب به الناس إلى الإيمان . والله البارحة حدثني أخ نسيت مَن هو : أن إنسان معذب في حياته جداً ، وكان عصبي المزاج ، ودائماً يسب الدين ، وحياته شقاء بشقاء ، وساكن بغرفة متضايق فيها مع أولاده وزوجته ، فقال له شخص : هل حولك بيت أجرة لفلان ؟ قال له : والله أجرة لا يوجد ، لكن إذا تحب نتعاون على شراء بيت ، الذي حدثني اليوم أو البارحة لا أذكره ، قال لي : هذا الإنسان بعد سكن في بيت مستقل أصبح من المؤمنين الصالحين ، دخل المسجد ، وصلى ، واقترب من المؤمنين ، طبعاً الإنسان عبد الإحسان ، فقول سيدنا علي خطير جداً قال : (قوام الدين والدنيا أربعة رجال ؛ عالم مستعمل علمه ـ وإلا أداة تنفير ـ وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ـ من صفات الجاهل التي تليق به أن يكون متواضعاً ، أما جاهل متكبر لا يحتمل ، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، هذا شيطان ، فمن صفات العالم التي تليق به أن يستعمل علمه ، أن ترى علمه في الممارسة اليومية ، في التعامل اليومي ، أن ترى علمه في علاقاته كلها ، عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ـ وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه … ) .
الآن دققوا ماذا يحدث لو اختل الأمر : (فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ـ إذا ضيع العالم علمه نفر الناس من العلم ، وزهدوا في العلم ، واحتقروا العلم ، أنا لا أفعل فعله ، أنا زاهد في علمه ، طبعاً ، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ـ وإذا بخل الغني بماله ، باع الفقير آخرته بدنيا غيره ـ أي عندئذٍ يبيع الفقير نفسه للشيطان ، من أجل أن يؤمن حاجاته ) ، وما يجري العالم من أعمال عنف أساسها أن الغني بخل بماله ، فباع الفقير نفسه للشيطان .
إذاً ، ((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )) ، هذا قانون ، إذا ضاقت عليك الأمور ، إذا سدَّت في وجهك سبل الرزق ، إذا ظننت أن الدنيا كلها ضدك ، إذا شعرت أن الله لن ينصرك في الدنيا ولا في الآخرة ، فافعل عملاً صالحاً خالصاً لوجهه ، وقد وقال عليه الصلاة والسلام : ((استنزلوا الرزق بالصدقة )) .

( من الجامع الصغير : عن " جبير بن مطعم " )

يعني ادفع صدقةً ، وعندئذٍ تشعر أن الله سبحانه وتعالى أغدق عليك من نعمه .
((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، كان هناك رجل عالم فاضل ، توفي رحمه الله ، كان قاضيًا ، جاءته امرأة إلى مركز عمله ، يبدو أنها صدر منها صوتٌ ورائحةٌ كريهة ، وقد شعرت بذلك ، فأصبح وجهها محمراً من شدة الخجل ، قالت لأختها : لعله سمعنا ، فلما وصلت إليه قال :
ـ ما اسمك يا امرأة ؟
ـ قالت : اسمي فلانة .
ـ قال : ما سمعت ، ارفعي صوتك أنا لا أسمع ، ارفعي صوتك ، وما زال يقول : ارفعي صوتك أنا لا أسمع حتى تأكدت أنه ما سمعها .
هذا كرم ، لا تحمروا الوجوه ، من صفات المؤمن أنه لا يحرج الناس ، لا يضيق عليهم ، لا يضعهم في زاوية ضيقة ، لا يسفههم ، لا يكذبهم ، لا تحمروا الوجوه .
((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، الله من أسمائه الستِّير ، فإذا كنت مؤمناً حقاً تخلَّق بأخلاق الله ، وأنت خليفة الله في الأرض ، وكما قال عليه الصلاة السلام : (( إن الله خلق آدم على صورته )) .
يعني تخلق بأخلاق الله ، فإذا كان الله ستّيراً فاستر أنت ، الحقيقة إذا طبّق الإنسان هذا الأمر يشعر بسعادة كبرى ، فأنت تعلم عن إنسان شيئًا ، هذا الشيء ما تكلمت به لأحد ، تشعر أنك في المستوى المطلوب ، هكذا الإنسان ، والحقيقة الحديث عن أحوال الناس وعن فضائحهم ، شيء ممتع ، الناس يستمتعون بذلك ؛ قصة غريبة تلقى في هذه الجلسة متعة بالغة ، الناس ينصرفون إلينا ، يستمعون باهتمام بالغ ، هذه فضيحة ، أنت فضحت فلاناً ، لذلك ، ((من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه في عقر بيته )) .
الإنسان يجعل شعاره : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه )) ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، الإسلام أخلاق ، الإسلام صفات راقية ، فهل أنت ستير ؟ شاهدت مشكلة ، أنت طبيب ، جاءك مريض ، وقص عليك قصته ، معه مرض بسبب زلة قدم ، هذا المريض له زوجة ، وله أولاد ، وتاب من هذه المعصية ، يجب أن تذكر قصته للناس ؟‍! هذا مخالف لأمانة الطب ، أنت محامِ ، ثمة مشكلة بين زوجين ، وعلاقة خاصة جداً بين زوجين ، و لو حدثت بها الناس لكانت مادة دسمة بحديث ممتع ، أينبغي لك أن تقول هذا للناس ؟ لقد خنت أمانة الحرفة ، فأحياناً المحامين ، الأطباء ، رؤساء المخافر أحياناً ترفع لهم قضايا خطيرة جداً ، وحساسة جداً ، فإذا كان الشخص مؤمنًا ، هذا الموضوع في طي الكتمان ، لأن الله ستير .
سيدنا عمر أذكر فتاة زلت قدمها في عهده ، وتاب الله عليها ، ثم خطبت ، فجاء أخوها يسأل سيدنا عمر ، فقال له :
ـ جاء فلان يخطب أختي ، أفحدثه بما كان منها ؟
ـ يا لطيف ، وكأن القيامة قامت ، قال له :
ـ ويحك ، والله لو حدثته بما كان منها لعلوتك بالدرة .
تابت ، وانتهى الأمر ، تابت وحسنت توبتها ، فالإنسان يجب أن يكون ستّيراً ، الآن البيوت متلاصقة يحدث شجار بالبيت أحياناً ، طبيعة البيوت الحديثة الآن طوابق ، وشقق ، فالكلام ينتقل من بيت إلى بيت ، والإنسان لا يخلو من تخاصم مع زوجته ، تخاصم مع أولاده ، هل ما سمعته البارحة تذكره للناس ؟!
((وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )) ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، من لا يرحم لا يرحم ، تعين أخاك فيعينك الله ، ترحمه فيرحمك ، تستره فيسترك ، تنفِّس عنه كربةً من كرب الدنيا ، فينفس الله عنك كربة من كرب القيامة ، تضع عنه بعض الدين ، يضع عنك بعض الوزر ، تفرج عن عسرته يفرج الله عن عسرك يوم القيامة وهكذا .
أما الآن ، ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) ، هناك أخ يأتينا من دوما ، ومن حرستا ، من أماكن بعيدة ، أغلب الظن يظل ساعة ونصفًا ، أو ساعتين بالطريق ، لماذا جاء إلى هنا ؟ لا في ضيافة ، ولا في مقعد وثير ، ولا لشيء مغرٍ ، جاء ليلتمس علماً ، استمعوا أيها الإخوة ماذا يقول عليه الصلاة والسلام : ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) .
فأنت في طريقك إلى مجلس العلم في الحقيقة أنت في الطريق إلى الجنة ، والجنة السعادة الأبدية ..
((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ)) ـ هذا اجتماع مبارك ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً ، كما أدعو كل يوم ـ ((يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ)).
شعور صعب أن يوصف ، السكينة شعور يصعب وصفه ، قال بعضهم : إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين ، هذه السكينة خاصة بالمؤمنين ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، أما أهل الدنيا لا يعرفونها ، لأنهم بعيدون عنها ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، فالسكينة توازن ، طمأنينة ، ثقة بالله عز وجل ، شعور بالفوز ، شعور بالرضا ، شعور بالاستسلام ، شعور بالغنى ، شعور بالنجاح ، بالفلاح ، بالتفوق ، لذة روحية ، سعادة مادية ، والله أعلم ، هذه السكينة .
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ)) ، على المجموع ، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً ، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً .
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)) ، لذلك " ما من عبد يذكر الله في نفسه إلا ذكره الله في ملأٍ من ملائكته ، وما من عبد يذكر الله في خلقه ، إلا ذكره الله في ملأٍ خير منهم " ، أنت إذا ذكرت الله عز وجل للناس ، إذا ذكرت الله لأناس من مستوى معين ، ذكرك أناس من مستوى أرقى بالطيب والمديح والثناء .
((وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) ، تقول لي : أنا ابن فلان ، وجدي كان فلانًا ، تشرّفنا ..
لا تقل أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل

* * *

دائماً الإنسان حينما يفتقر من العمل الصالح يفتخر بنسبه ، " أنا جد كل تقي ولو كان عبداً حبشياً " ، الحديث الشريف الذي يلغي النسب : (( يا فاطمة بنت محمد أنا لا أغني عنك من الله شيئاً ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)).
ولكن هنا سؤال ، قد يقول قائل عن النسب : ألم يقل سيدنا جعفر عن رسول الله : " نعرف صدقه وأمانته وعفافه ونسبه " ، له نسب رفيع اللهم صل عليه ..
((خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء )) .

( من الجامع الصغير : عن " علي " )

الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، سيدنا يوسف ، في القرآن إشارات إلى النسب ، العلماء قالوا : فيما لو توافر الإيمان ، والصدق ، والأمانة ، عندئذٍ يستأنس بالنسب ، فالنسب لا يذكر إلا إذا توافر الإيمان ، والصدق ، والصلاح ، والطيب ، والورع ، والتقوى عندئذٍ يمكن أن نقول : فلان ابن فلان ، ما شاء الله على هذا النسب ، أما نسب مع العمل السيئ فلا يذكر إطلاقاً ، هذا الحديث ، رواه الإمام مسلم في صحيحه ، أعيده على أسمعاكم مرة ثانية : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) .

( رواه سلم )

هذا الحديث من باب قضاء حوائج المسلمين في كتاب رياض الصالحين ، ارجعوا إليه إذا شئتم .

* * * * *

كنت قد وعدتم في درس سابق أن نبدأ الحديث ـ بعون الله جل وعلا ـ عن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، والحقيقة هذا الموضوع جليل ، وعظيم ، وخطير ، وسوف أمضي ما تبقى من الوقت في التمهيد لهذا الموضوع الجليل .
أولاً : سيرة النبي عليه السلام ؛ قراءتها ، ومدارستها ليست قراءة أحداث تاريخية ، ولا دراسة أعمال بشرية مما ألِفَ الناس سماعه وقراءته ، تكاد تكون سيرة النبي عليه السلام شيئاً متميِّزاً عن أية سيرةٍ أخرى ، عن أي تاريخ ، عن أيَّة ترجمةٍ شخصية لأي إنسان آخر ، لماذا ؟ لأن سيرة النبي عليه السلام هي المفتاح الأول لفهم كتاب الله تعالى ـ كلمات دقيقة جداً ـ سيرة النبي عليه السلام هي المفتاح الأول لفهم كتاب الله تعالى ، لأنه من خلال سيرة النبي ، يتضح لك كيف فهم النبي هذه الآية ، وكيف عمل بها ، وكيف وقف الموقف الصحيح في هذا الموطن .
إذاً إذا أردت مزيداً من فهم كتاب الله ، إذا أردت أن تعمِّق فهمك لكتاب الله ، فعليك بسيرة النبي عليه السلام ، فليست القضية أنه إنسان عظيم نقرأ أحداث حياته ، لا ، هذا إنسان نبي مرسل ، أي نموذج لكل البشر .
شيءٌ آخر : سيرة النبي عليه النبي عليه السلام تعدُّ المثل الأسمى للكيفية التطبيقية للعمل بكتاب الله ، مفتاح كتاب الله الأول ، والكيفية التفصيلية لتطبيقه والعمل به .
عندنا شيء دقيق جداً : أن حياة رسول الله تشريع ، سيدنا عمر هاجر ـ شيء جميل ـ هو اجتهد أن يهاجر جهاراً ، وأن يتحدِّى بهذه الهجرة المشركين وقال قولته الشهيرة : (من أراد أن تثكله أمه أو ييتم ولده فليحقني إلى هذا الوادي ) ، هاجر جهاراً ، وعلانية ، ومتحدياً ، ولكن سيدنا عمر لو أنه فشل بهذا التحدي ، لو أنه قُتِل ، يمثل مَن ؟ يمثل نفسه فقط ، لكن النبي عليه السلام حينما هاجر من مكة إلى المدينة ، لأنه مشرِّع أخذ بالأسباب ؛ اتجه نحو البحر ، وقبع في غار ثور ، ووكَّل أناساً يأتونه بالأخبار ، وأناساً يمحون الآثار ، وأناساً يأتونه بالزاد ، واستأجر راحلةً ، ودليلاً يتمتع بالخبرة الكافية ، وهو مشرك ، يعني أخذ بكل الأسباب ، ثم توكل على رب الأرباب ، فهل يعد النبي عليه السلام أقل جرأةً من سيدنا عمر ؟! مستحيل ، كان إذا حمي الوطيس لم نر أقرب منه إلى العدو ، كان إذا حمي الوطيس واحمرت الحِدَق كان أقربنا إلى العدو ، كنا نتقي به العدو، كان شجاعاً ، ومع ذلك هاجر بهذه الطريقة لأنه مشرِّع ، لو أنه هاجر كما هاجر عمر رضي الله عنه لعد اقتحام الأخطار سنةً ، وترك الأخذ بالأسباب واجباً ، وإلقاء النفس في التهلكة عملاً طيباً ، لو أنه هاجر كما هاجر عمر لهلكت أمَّته من بعده ، هو مشرِّع ، فأنت إذا قرأت سيرة النبي تقرأ شيئاً خطيراً جداً ، تقرأ ما ينبغي أن تفعله أنت الآن ، إنك تقرأ النموذج الأول لبني البشر . إذاً حياته تشريع ، وحياته نموذجٌ أسمى للكيفية التطبيقية لكتاب الله ، وحياته مفتاح لفهم كتاب الله .
الذي أريد أن أنبِّه عليه : إن حياة النبي عليه السلام ؛ وما فيها من أحداث ، ومواقف ، وغزوات ، إن هذه الحياة ليست وقائع تتلا ، ولا معلومات ، ولا ثقافات ، ولا دراسات تاريخية ، إنها تجسِّد الحقيقة الإسلامية في مجموعها الاعتقادي والسلوكي ، يعني إذا أردت أن ترى الإسلام مطبَّقاً في إنسان ففي النبي العدنان ، تحب أن تقرأ عن الإسلام ، القرآن ، تحب أن ترى الإسلام بعينيك ، اقرأ سيرة النبي ، تحب أن ترى قرآناً يمشي ، النبي عليه الصلاة والسلام ، الكون قرآنٌ صامت ، والقرآن كونٌ ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي ، حياته شيء مهم جداً ، بل إن حياة النبي عليه الصلاة والسلام في كل حركةٍ ، وسكنة ، سكوته حديث ، سكوته إقرار ، إذا فعل صحابيٌ جليل شيئاً أمام النبي ، وسكت النبي ، فهذا الفعل مشروع ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يسكت على غلط .
فامرأة نادت زوجها المسجَّى على فراش الموت ، وقالت له على مسمعٍ من النبي عليه الصلاة والسلام : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله. لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لكان كلامها صحيحاً ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((ومن أدراك أن الله ـ طبعاً من وراء حجاب ـ أكرمه؟ )) .
من أنتِ حتى تعرفي الغيب ؟ أو تعرفي ما سيكون ؟ (( ومن أدراك أن الله أكرمه ، قولي : أرجو الله أن يكرمه …)) .
قل : أرجو يا أخي ، لا تزكي على الله أحداً ، قال : ((… وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم)) .
إذاً ، يجب أن تعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا سكت فسكوته إقرار ، وإذا تكلم فكلامه تشريع ، وإذا فعل ففعله منهج ، إذاً هل من سيرة إنسانٍ على وجه الأرض ترتقي إلى مستوى النبي الكريم ؟ قراءة سيرته تكاد تكون شيئاً واجباً على كل مسلم ، لأنك إذا قرأت سيرته رأيت الإسلام على حقيقته ، رأيت الإيمان ، رأيت الصدق .
ولكن دائماً أحب أن أنوِّه إلى أننا في أثناء الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ، لا نتحدث عنه كعبقريٍ ، كإنسان ذكي متفوق ، بعض الأعاجم من العلماء يركِّزون على عبقريته ، وعلى تفوقه الذكائي ، والقيادي ، والاجتماعي من أجلل أن يقللوا من قيمة نبوته ورسالته ، هوية هذا النبي الكريم أنه نبيٌ مرسل ، فالحديث عنه من خلال نبوَّته ورسالته ، ومن أنه المشرع ، لا من زاوية عبقريته ، وذكائه ، وقدراته الاجتماعية ، هذا انحراف عن الخط الصحيح للسيرة .
شيء آخر : الله سبحانه وتعالى جعل النبي عليه الصلاة والسلام قدوةً لنا ، ما معنى قدوة لنا؟ أحياناً الإنسان يقف في موقف الفقر ، هو النبي عليه الصلاة والسلام ذاق طعم الفقر ، فوقف الموقف الأكمل حينما كان فقيراً :
ـ هل عندكم شيء ؟
ـ قالوا : لا .
ـ قال : فإني صائم .

( من الجامع الصغير : عن " السيدة عائشة " )

لم يسب بالدين ، انظروا إذا كان فقير جاهل يا لطيف !! هل عندكم شيء ؟ قالوا : لا . قال : ((فإني صائم )) ، علّم الفقير التجمل ، والصبر ، والحلم ، وعلمه العفة ، وعلمه الانتظار ، وانتظار الفرج فرج .
والنبي عليه السلام ذاق طعم الغنى فلم يبطر ، ولم يستعلِ على الناس ، دخل عليه رجل أصابته رعدة ، قال : ((هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء )) .

( من الدر المنثور : عن " جرير " )

رأى رجل وادياً من الغنم ، فقال للنبي الكريم .
ـ لمن هذا الوادي ؟ .
ـ قال : هو لك .
ـ قال : أهزأ بي ؟
ـ قال : لا والله هو لك .
ـ قال ، أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر .
ذاق الغنى ووقف الموقف الأكمل حينما كان غنياً ، وذاق الفقر ، ووقف الموقف الأكمل حينما كان فقيراً ، علَّمك أيها الإنسان كيف ينبغي أن تكون إذا كنت فقيراً ، وكيف ينبغي أن تكون إذا كنت غنياً .
وذاق القوة ؛ دخل مكة في حشدٍ من الجيش يزيد عن عشرة آلاف سيف ، كلها تأتمر بحركةٍ من شفتيه ، وبإمكانه أن يقضي على أعدائه من آخرهم بكلمة واحدة ، أذاقه الله القوة ، دخل مكة خاضعاً ، متذللاً تذلل الشاكرين المغمورين بالنِعَم ، ولم يدخل مكة دخول المتجبرين المتغطرسين ، حتى إن ذؤابة عمامته لامست عنق بعيره ، النبي عليه السلام يغلب فلا يبطر ، ويُغْلَب فلا يضجر .
وأذاقه الله طعم الضعف في الطائف قال : ((إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى )) .

( من الجامع الصغير : عن " عبد الله ين جعفر " )

وأذاقه طعم فقد الولد فقال : ((إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون )) .

( من الأذكار النووية : عن " أنس " )

أكمل موقف .
وذاق أن يقترن بامرأة تكبره خمسة عشر عاماً ، الآن إذا الواحد كانت زوجته من نفس السن يندب حظه ، أخي أخذناها كبيرة ، هكذا يقول لك ، خمسة عشر سنة فوق عمره ، ومع ذلك كان وفياً لها ، عندما فتح مكة ما قبل إلا أن ينام في خيمةٍ نصبت له إلى جانب قبر خديجة وفاءً لها ، وما رضي أن يقول كلمةً لمَن جاءته بعدها يقول : ((والله ما أبدلني الله خيراً منها )) .
علمك الوفاء الزوجي .
ذاق طعم اليتم . في دار أيتام من أشهر دور الأيتام ، بمدخل الدار رُسِمَ قبر النبي عليه السلام ، وكتبوا تحته : ( أكرم يتيمٍ على وجه الأرض) ، كان يتيم اللهمَّ صلِ عليه ، ما ذاق طعم الأبوة ، ذاق طعم اليتم وموت الأولاد ، وكبر الزوجة ، وذاق الفقر ، وذاق الغنى ، والقوة والضعف ، كله ذاقه ، لذلك جعله الله عز وجل قدوةً لنا ، جعله قدوةً صالحة ، وأسوةً حسنة ، ومثلاً يحتذى ، إذاً قراءة سيرته شيءٌ خطير جداً.
شيء آخر النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((إنما بعثت معلماً)) .

( من تخريج أحاديث الإحياء : عن " عبد الله بن عمرو " )

((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) .

( من الجامع لأحكام القرآن )

كان مربي من الطراز الأول ، فإضافةً إلى أنه نبي مرسل كان مربياً من الطراز الأول يعلمك كيف تؤدب وتربي ، قال عليه والسلام : ((علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خيرٌ من المعنف)).

( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " )

السؤال والجواب ، والأخذ والعطاء ، والعتاب والمتابعة ، والتوجيه والنصح أحسن من الضرب ، ((علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خيرٌ من المعنف)) .
قال : ((لا يكون الرفق في شيءٍ إلا زانه ، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه )) .

( من الجامع الصغير : عن " السيدة عائشة " )

كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، كان يقول : ((لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات)) .

( من مسند الإمام أحمد : عن " عقبة بن عامر " )

علمك كيف تتعامل مع الناس .
كان يقول : (( لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه)) .
كان مربيًّا من أعظم المربين ، إذاً قرأت عن حياته تتعلم منه كيف يعامل زوجته ، وأولاده ، وإخوانه ، وجيرانه ، ومرؤوسيه ، وجنوده ، كان مثلا أعلى .
فالشاب المندفع إلى الله عز وجل ، يجد في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام نماذج بطولية رائعة ، الداعية إلى الله ، وما يلقى من خصومات ، ومن معارضات ، ومن متاعب ، ومن هموم، ومن أعباء ربما لا يتحملها ، إذا قرأ سيرة النبي يستصغر نفسه يقول : أنا لا شيء إطلاقاً ، إذاً إذا قرأت سيرة النبي كان عليه الصلاة والسلام كان قدوة لك في الدعوة إلى الله في الصبر ، في تحمل الشدائد ، في التفاؤل ، في الثقة بالله عز وجل ، في مواجهة الخصوم ، في التلطف ، في الرحمة .
الزوج ، كلٌ منا زوج ، أو أكثرنا ، فهل يا ترى ما في ولا مشكلة بالبيت ؟ قال عليه السلام : ((لا يفرك ـ أي لا يكره ـ مؤمناً مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر )) .

( من الجامع لأحكام القرآن : عن " أبي هريرة " )

هكذا علمك النبي الكريم ، منزعج من هذه الصفة ، لكنها امرأة حصان ، رزان ، تطهو لك الطعام ، تنظف لك البيت ، تطمئن إذا غبت عنها ، تحفظك في مالها ، هذه كلها ميزات ، ألا تشفع لها بهذه السيِّئة ؟ إن كره منها خلقاً رضي منها خلقا آخر .
الأب ، عطفه وحنانه ، حدبه على أولاده ، إذا قرأ هذه السيرة أبٌ كان النبي عليه الصلاة والسلام قدوةٌ له .
إذا قرأ هذه السيرة قائد حربي ، فالنبي الكريم لما سيدنا جعفر بن أبي طالب استشهد في مؤتة ، توجَّه بنفسه إلى بيت جعفر ، ورأى زوجته وقد عجنت عجينها ، وألبست أطفالها ، ودهنتهم ، وغسلتهم ، كلهم يتهيؤون للقاء جعفر ـ وهو قد استشهد في مؤتة ـ ذهب بنفسه لإخبارهم باستشهاده كي يخف عليهم وقع هذا الخبر ، أخذ أولاده وضعهم في حجره ، قبَّلهم ، عانقهم ، ذَكَر أباهم بخير ، وأعلمهم بالنبأ .
فإن كنت قائدًا ، وإن كنت زوجًا ، وإن شابًّا ، وكنت داعية ، أي إنسان إذا قرأ سيرة النبي الكريم يرى في النبي عليه الصلاة والسلام نموذجاً أعلى ، ومثلاً يحتذى ، وقدوةً صالحة ، وأسوةً صالحة .
وإن شاء الله في الدروس القادمة نبدأ بعض الأحداث ، ونستنبط منها بعض العبر ، فلعل الله عز وجل ينفعني وإياكم بهذه السيرة .

والحمد لله رب العالمين
* * *




باارك الله فيكي



جزاك الله خير



مها ام وفاء

باارك الله فيكي وجزاك الله كل خير
شكرا لمرورك الكريم




التصنيفات
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار

من أدعية الصالحين في القرآن الكريم 2

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد بدأنا في مقال سابق الحديث عن دعاء الصالحين في القرآن وعرضنا بعض النماذج التي تدل على قوة الرجاء بالله عز وجل ، ونكمل في مقالنا ما بدأناه في المقال السابق، ونبدأ ب :
تلطف عيسى عليه السلام في دعائه وأدبه
إذا تأملنا دعوة نبي الله عيسى عليه السلام، ومن معه، يسألونه آية لزيادة إيمانهم، وتثبيتهم على دينهم.. مائدة من السماء، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة المائدة:114). تطمئن قلوبهم كما طلب إبراهيم عليه السلام من قبل ذلك؛ ليكون زيادة في إيمانه، ولما كانت القضية ابتلاءً فقد تأدب عيسى عليه السلام غاية الأدب، ينادي ربه يا الله، يا ربنا، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} فجمع في الدعاء بين ألوهيته تعالى وربوبيته، {اللَّهُمَّ} الميم في قول: {اللَّهُمَّ} بدلاً من ياء النداء المحذوفة قبل لفظ الجلالة، يا الله، {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} يعني يا ربنا، وهكذا دعا بالاثنين جميعاً، دعا بألوهية ربه وبربوبيته، يا الله يا ربنا، {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء} فهو يريد التثبيت للحوارين أصحابه، ويريد نعمة لهم وفرحاً وعيداً، {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، إنه رزق من الله، وهو خير الرازقين عز وجل، فلا يرزق أحد مثل رزق الله تعالى، ولا يملك أحد مثل رزق الله تعالى، ونجد التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بأن الله يملك الأمر كله.
في دعاء عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (سورة المائدة:118) لست بظالم لهم لو عذبتهم؛ لأنك تملكهم، ومن ملك الشيء يفعل فيه ما يشاء، إن عذبهم فهذا عدل، وإن رحمهم فهو فضل، {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} تفعل فيهم ما تشاء، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة:118) أنت أرحم بهم من أنفسهم، وأعلم بأحوالهم منهم، ومغفرتك صادرة عن تمام عزتك وقدرتك، ليست كمغفرة وعفو العاجز الذي لا يقدر، لا، إنها مغفرة صادرة عن تمام العزة والقوة والقدرة، فمع قدرته على الانتقام، ومع قدرته على التعذيب، ومع قدرته على الإهلاك فهو يعفو، وهذا السر وراء ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العزيز الحكيم، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ لأن المعتاد أن ينتهي مثل هذا الدعاء فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه انتهى باسمين عظيمين لله، عجيبين في هذا المقام {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ليست مغفرتك وعفوك صادرة عن ضعف، لكن عن قدرة وقوة، أنت عزيز منيع الجناب، لا يستطيع أحد أن يغلبك، تغلب كل أحد.
وأيوب الذي دعا ربه بأنه أرحم الراحمين، وأنه مسه الضر.
أدعية علمها الله نبيه عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم
هكذا نجد الأدعية تتوالى من الأنبياء، ويعلم الله محمداً صلى الله عليه وسلم أدعية أخرى كما ورد في كتاب الله العزيز: {وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، الشيطان له همزات، وهمزات الشيطان هذه الوساوس، وهذا المس، وهذا الأذى، والشر عموماً الذي يكيد به البشر، ولذلك الاستعاذة بالله الحصن الحصين والركن الشديد {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}؛ لأنهم عدو خفي غير مرئي، عدو خفي لا يرى، فلا بد من الاستعاذة بالله عز وجل الذي يعلم مكان الشياطين، ويعلم شر الشياطين، وكيد الشياطين، وماذا يفعلون، ومتى يفعلون، وبمن يريدون الإيقاع؟ فإذا التجأ المسلم إلى الله الذي يعلم هذه الخفايا والغيوب دفع عنه كيد عظيم وشر كبير.
{وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، لا يحضروني عند طعامي ولا شرابي، ولا نكاحي، ولا أمري، {أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} ولا يحضرون في صلاتي فيشوشون علي خشوعي، لا يحضروني في أي أمر من أموري، أبعدهم يا رب.
وكذلك علم الله نبيه: {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (سورة المؤمنون:118)، وهكذا دائماً حاجة العباد حتى الأنبياء إلى المغفرة والرحمة، الدعاء بالمغفرة والرحمة، علم الله نبيه دعاءً للزيادة من العلم، {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (سورة طه:114)، لم يعلم الله نبيه أن يستزيد من شيء في الأدعية في القرآن إلا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}؛ لفضل العلم وشرف العلم ومكانة العلم وحفظ العلم لصاحبه.
العلم خشية الله، العلم الفقه في الدين، هذا العلم الذي ينجي الله به من الظلمات، ويحفظ به من الشبهات، ويثبت به على الصراط المستقيم، ولذلك نسأل ربنا دائماً هذا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
من أدعية الصالحين في القرآن
لقد زخر القرآن الكريم بأدعية للصالحين سوى الأنبياء فضرب الله مثلاً لنا امرأة فرعون، قال تعالى: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة التحريم:11)، كان فرعون يعذبها، ويفتنها عن دينها، لم يمنعها نعيم القصر، ولا ملك المصر، لم يمنعها ذلك الغنى والجاه والمكانة من الالتحاق بركب المؤمنين مع نبي الله موسى عليه السلام، آمنت بموسى فضرب الله هذه المرأة مثلاً للمؤني { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} (سورة التحريم:11)، كملت من النساء آسية بنت مزاحم.
من فقهها في الدعاء أنها طلبت الجار قبل الدار، لما دعت {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} ولم تقل: بيتاً عندك، فاختارت الجار قبل الدار، سألت الجار قبل الدار، ومن هو الجار هنا؟ الواحد القهار سبحانه وتعالى، فقهر فرعون زوجها الطاغية، وأهلكه.
{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ} العندية شرف، العندية رحمة، العندية إذا صار الإنسان عند ربه، هنالك في ذلك المقام الكريم، والشرف العظيم حظي بكل خير، {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} أين؟ {فِي الْجَنَّةِ}، وسقف الجنة عرش الرحمن، فهو عز وجل يتجلى لأهل الجنة من فوقهم، فينظرون إليه فلا يعطون نعمة قط أعظم من النظر إلى وجه ربهم، فتنسيهم لذة النظر كل نعيم في الجنة، من القصور والأنهار والأشجار والطعام والحور العين، الزوجات، إن نعيم رؤية الله تعالى فوق كل نعيم.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الجنة بمنتك وفضلك يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربما إنك رؤوف رحيم.
والحمد لله رب العالمين.



جزاك الله خيرا



بارك الله فيكي



مشكوره



خليجية



التصنيفات
منوعات

قصتان مؤثرتان جدا لأثنين من الصالحين (ارجوكم أقرئ

اقرء لهذه القصة من خبر ذاك العابد الزاهد الورع التقي إنه الربيع بن خثيم حيث أن أشخاص أرادوا المكيدة للربيع وفتنته عن الحق والنور وأرادوا إضلاله فأمروا أمرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه وجعلوا لها أن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ماقدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ماقدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه سافره فقال لها الربيع بكل قوة وحزم :
كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ماأرى من لون بهجتك أم كيف بك لوقد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتيد أم كيف بك لو سألك منكر ونكير فصرخت المرأة صرخه فسقطت مغشي عليها يقول الراوي فو الله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ماأنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق 00 أرأيتم ايه الأحبه أن نور التقوى لم يفقد بل أعطاه الربيع لتلك المرأة التي كانت تعيش في الظلمات فعاشت بذلك النور إلى أن ماتت على العبادة يرحمها الله 0

واقرء هذه القصة لذاك الشاب التقي لله الذي حماه الله من الزيغ والضلال والولوع في أوحال الظلمات ، ظلمات الكفر والموبقات والمعاصي قيل لأبي بكر المسكي إنا نشم منك رائحة المسك مع الدواء فما سببه يرحمك الله : قال والله لي سنين عديده لم استعمل المسك ولكن سبب ذلك
إن امرأة احتالت علي حتى ادخلتني دارها واغلقت دوني الأبواب وراودتني عن نفسي فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل فقلت لها أن لي حاجة للطهارة فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ففعلت فلما دخلت بيت الراحه أخذت العذره اكرمكم الله والقيتها على جميع جسمي ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة فلم رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت فلم كان تلك الليله رأيت في المنام قائل يقول لي : فعلت مالم يفعله أحد غيرك لأطيبن ريحك في الدنيا والآخره فأصبحت والمسك يفوح مني واستمر ذلك إلى الآن 00 هذه القصتان سمعتهما من شريط نور وظلمــات للشيخ عبدالواحد المغربي وكتبتهما نرجو الله أن يثبتنا على طاعته أنه القادر على كل شيء




خليجية



التصنيفات
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار

من أدعية الصالحين في القرآن الكريم

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن في أدعية الصالحين مما قص الله علينا في القرآن الكريم لعبرة عظيمة للمؤني، وهذا الفقه العظيم من أولئك النفر الكرام من الأنبياء والصالحين فيه قدوة لعباد الله في أدعيتهم، وإن المؤمن ليرى في أدعية هؤلاء الأنبياء والصالحين المعاني العظيمة، والعبودية الكاملة لله عز وجل.
إن أدعيتهم رفعت في السراء والضراء في الشدة والرخاء للحي القيوم ديان السماوات والأرضين.
القرآن يقص جانباً من دعاء موسى عليه السلام
فهذا موسى عليه السلام لما ابتلي بفرعون، واشتد أذى فرعون على قوم موسى عليه السلام، وطالت تلك المناظرات والمواجهات بين هذا النبي الكريم وعدو الله فرعون، رفع موسى يديه يدعو ربه {إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة يونس:89).
وهكذا كان القرار الأخير بعد استنفاذ كافة الوسائل في الدعوة، لما صارت البيوت المزخرفة، والأموال العظيمة، والمراكب الفاخرة، صارت فتنة لهؤلاء القوم، يستعينون بما آتاهم الله على معصيته وعلى فتنة عباده، وعلى الإفساد في الأرض، دعا موسى أن يتلفها الله عز وجل إما بهلاك الذين يستعملونها، أو بجعل هذه الأموال على وجه لا ينتفع به، فقال ذلك الدعاء.
لقد كان موسى عليه السلام حريصاً ألا يزداد أولئك القوم في الطغيان لأمرين؛..
أولهما: أن زيادتهم في الطغيان زيادة لعذابهم.
وثانيهما: أن في زيادة طغيانهم فتنة للمؤني، والمحافظة على المؤمنين وقاية هؤلاء المؤمنين من فتنة الكافرين والطاغين أمر مهم للغاية يحرص عليه موسى عليه السلام، وكانت أذية بني إسرائيل بعد ذلك لموسى عليه السلام، وتمردهم عليه، موجبة لشكوى موسى الكليم إلى ربه {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (سورة المائدة:24)، بهذه الوقاحة يواجهون نبيهم، كأن القوم سيخرجون لهم من البلد ليدخلوها هم برداً وسلاماً، ما كان ذلك ليحصل، ولما حصلت هذه المعصية والتمرد من بني إسرائيل على نبيهم ماذا قال؟ {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} (سورة المائدة:25)، وصل موسى عليه السلام إلى مرحلة صار ليس له كلمة إلا على أخيه، تمرد عليه القوم، وهذا من طبع اليهود. ولذلك دعا عليهم بقوله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (سورة المائدة:25). وهكذا قص الله سبحانه وتعالى علينا من خبره مع أخيه مع بني إسرائيل لما عبدوا العجل في غيابه، وتمردوا على هارون الذي قال معتذراً لموسى: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (سورة الأعراف:150-151).
ينظر نبي الله حوله، يتلفت، فلا يجد إلا الواحد والعدد القليل من الناس الذين ثبتوا، والبقية زلوا سقطوا في الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (سورة التوبة:49)، فماذا يقول، وبماذا يدعو لمن ثبت معه؟ قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} (سورة الأعراف:151) أدخلنا فيها، فتكون الرحمة محيطة بهما من كل جانب، فهي حصن حصين، وخير وسرور، وحماية من الشرور.
إلهي أشكو البث والحزن كله

إليك فكن لي راحماً لشكيتي

يشتكي موسى إلى ربه، ويدعوه بأن يفرق بينه وبينه القوم الفاسقين، يجعل له هناك فرقاناً، ويجعل له العلو والظفر والظهور عليهم، وهو محتاج إلى رحمة ربه، ومغفرته، يدعو بها ولأخيه، فلا ينسى أخاه.
وهكذا حصل لموسى أيضاً مع بني إسرائيل لما أخذتهم الرجفة، لقد تواقح القوم وتمردوا لدرجة أنهم قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} (سورة البقرة:55) أخذتهم الصاعقة، ماتوا، أخذ الله أرواحهم، وكان من قبل قد حصل لهم أمور وأخذتهم رجفة، ومن بعد نتق الجبل فوقهم، فلما أخذتهم الرجفة {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} (سورة الأعراف:155) يتوسل إلى ربه بقدرة ربه على الإهلاك وعلى الإماتة، ثم قال: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (سورة الأعراف:155- 156).
فتأمل في عظمة هذا الدعاء في توجه موسى إلى ربه، يتوسل إليه، يعلن الخضوع والاعتراف بقدرته، وهذا مهم في الدعاء، ويعتذر وكأنه هو المذنب، مع أن أولئك القوم الذين تمردوا عليه هم الذين أجرموا، وفعلوا فعلتهم الشنعاء بعبادة العجل، وموسى يطلب المغفرة لنفسه، أولئك يذنبون وهو يطلب المغفرة، سبحان الله تسليم مطلق لقدرة الله، يقدمه موسى بين دعائه لربه، هي القدرة على الإهلاك {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} ، { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}، ثم يدعو ربه أن يكتب له في هذه الدنيا حسنة {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً} (سورة الأعراف:156) حسنة الدنيا عظيمة، تشمل العلم النافع، والعمل الصالح، والذكر الجميل، والرزق الواسع، والصحة والذرية الطيبة، هكذا حسنة الدنيا شاملة.
{وَفِي الآخِرَةِ} (سورة الأعراف:156) ظل في العرش، وقاية من النار، وسلامة في العبور عليها، ودخول الجنة، حسنات، إنها حسنة عظيمة، حسنة الآخرة المتضمنة لكل هذه المزايا.
{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} (سورة الأعراف:156) ونحن عندنا هذا الدعاء، علمنا الله إياه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } (سورة البقرة:201) ومنا من يغفله، والله المستعان.
إن تقديم الاعتذار والاعتراف، وبيان ضعف المخلوق أمام خالقه، وقدرة الخالق على المخلوقين؛ تقديم ذلك بين الدعاء سر عظيم من أسباب الإجابة. {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (سورة القصص:16) {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة القصص:21)، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (سورة القصص:24)، إظهار الحاجة.
دعاء داود والترتيب العظيم في إيراده
تأمل في حال داود عليه السلام ومن معه من المؤمنين، لما برزوا لجالوت وجنوده أمام ذلك الحشد من الأعداء، العدد والعُد الجبابرة، {قَالُواْ} أي: عباد الله المؤمنين، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (سورة البقرة:250)، أمام هذا الجحفل من الأعداء، أمام هذا الجحفل من الطغاة يدعو المؤمنون ربهم، ويلجؤون إليه في الشدائد، والله إذا دعاه المضطر لا يخيبه، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، إفراغ الشيء على الشيء يدل على تعميمه به، ولذلك فإنهم لم يقولوا: ارزقنا صبراً ونحو ذلك، وإنما قالوا: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا}؛ لأنهم يحتاجون الصبر الآن، يحتاجون صبراً عظيماً، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، الإفراغ: صب الشيء الكثير، الإفراغ من أعلى إلى أسفل، إنزال، تعميم، شمول، كثرة. {أَفْرِغْ عَلَيْنَا} فقه في الدعاء، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، حسن الدعاء والترتيب الجيد فيه، سألوا أولاً الصبر الذي يعم القلب والبدن {أَفْرِغْ عَلَيْنَا}، ثم ثبات القدم المترتب على الصبر {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، فسألوا التثبيت الظاهر والباطن، ثم النصر المترتب عليهما، والنصر لا ينال إلا مع الصبر، والصبر مجلبة للمعونة، فتأمل الترتيب في هذا الدعاء {ربنا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} ينزل في القلب، {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} نتيجة الصبر في القلب، {وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ثبات القلب وثبات البدن هو المهيئ للنصر، ولذلك سألوا ربهم هذا السؤال، وجعلوا فيه هذا الترتيب.
قوة الرجاء بالله والافتقار إليه ملموس في أدعية الأنبياء
لم يغر ملك سليمانَ سليمانُ عليه السلام، وإنما قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} (سورة ص:35)، {رَبِّ اغْفِرْ لِي} تأمل كيف حاجتهم إلى المغفرة وهم الأنبياء، يسألون ربهم المغفرة، وكأنهم أجرموا وأذنبوا الذنوب العظيمة، يسألون مغفرة ورحمة، إنها حاجة المؤمن إلى مغفرة ربه عز وجل، إنه إظهار الافتقار للواحد القهار.
{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الأنبياء:87-88) قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا} يعني: من أجل ربه عز وجل، "غضبت لك" يعني: من أجلك، والمؤمن يغضب لله إذا عصي، وكان الأولى أن يصبر فذهب مغاضباً من أجل ربه، وقد أعلن سخطه على قومه مما فعلوا وأصروا وتمردوا وعصوا، فقدر الله أن يلتقمه الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} إنها لحظات الاضطراب، إنها أوقات الشدة، {نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} ظلمة بطن الحوت، ظلمة قاع البحر واليم، ظلمة الماء.. ظلمات، أمواج يغشى بعضها بعضاً، وكذلك ظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، اجتمعت الظلمات الحسية والظلمات المعنوية، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، ولكن لم يأس يونس أبداً من ربه عز وجل {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} شكا إلى ربه حاله، وتضرع إليه، وتوسل إليه بوحدانيته {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ}، ثم نزه ربه عما لا يليق به {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} اعترف لله عز وجل بالظلم لنفسه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له))1 في شيء من الحاجات عموماً، ولذلك كانت النتيجة بعد دعائه هذا كما حكاه الله في القرآن بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وإذا كنت في شدة فالله ينقذك منها، وإذا كنت في ظلمة وكربة فالله ينجيك منها.. فهو ملجأ الخائفين، ومجير المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين.. لا إله إلا هو.
وهكذا أنعم الله على يونس؛ لأنه كان المسبحين، فإن سجله الماضي في الطاعات جعل له شفاعة عند ربه، فنجاه الله وأنبت عليه شجرة من يقطين، ورده إلى قومه ليؤمنوا، {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (سورة الصافات: 147- 148).
ولذي النون وقد ناداه من
ظلمات البحر إذ فيه استقر

حين نجاه من الغم فهل

بعد ذا شك لعبد ذي نظر

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} (سورة الأنبياء:88)، العمل الصالح يساند الدعاء، الدعاء المبني على عمل صالح مسبق إنه أمر عظيم.
ماذا قال زكريا عليه السلام في أدعية الأنبياء أيضاً؟
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (سورة الأنبياء:89)، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (سورة مريم:3-6)، لما تقارب أجله ولم يرزقه الله بولد، هو مسن لا يولد لمثله، وامرأته عاقر لا تنجب، اجتمعت الأسباب الأرضية على عدم الإنجاب، ولكن نبي الله لا يأس من رحمة الله، وهذا ذكر رحمة ربه له إذ وفقه للدعاء {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} (سورة مريم:3) أمر يدل على الإخلاص، والإقبال على الله، توسل إلى الله بضعفه، وهذا سر مهم نجده متكرراً في أدعية الأنبياء، يذكرون ضعفهم.. يذكرون افتقارهم.. يذكرون حاجتهم إلى ربهم، {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (سورة مريم:4)، ومع كل هذا {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (سورة مريم:4)، إنه يعتقد بأن الدعاء سعادة، ولا يمكن أن يشقى العبد مع الدعاء، ولذلك دعا، ودعا وسأل ولم يأس، مع أن كل الأسباب الأرضية والنتائج والمقدمات وكل البيانات تدل على أنه لا فائدة، ولن يولد له ولد، ولكن {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} لا يشقى الإنسان من دعاء ربه، لا يعدم خيراً؛ لأن المسؤول كريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} (سورة مريم:5)، دعا في جوف الليل {هَبْ لِي} أعطني، الهبة: إحسان بلا مقابل، انتفاع الموهوب بإحسان الواهب، فهو محتاج إلى الهبة الربانية والتي تتمثل في الذرية الطيبة كما في الدعاء الآخر: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} (سورة آل عمران:38)، إنك تجيب سائليك، إنك تسمع أصواتهم مهما كانت ضعفاً وخفاءً، وأنت تعطي ولا تحرم؛ لأنك كريم منان، ولذلك لما سأل، وهب الله له يحيى كما قال سبحانه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (سورة الأنبياء:90)، فهو أعطاه أكثر مما سأل، أصلح الله زوجته بعدما كانت عاقراً لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح الله رحمها للحمل لأجل نبيه ودعائه، فبشرته الملائكة بذلك.
وكل ماسبق يبين أهمية وعظم شأن الدعاء، وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالى،وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.




مشكوره يا عسل

وبارك الله فيك




شكرلك



جازاكي الله خيرآ



بارك الله فيكي



التصنيفات
منتدى اسلامي

۩ مختصر من كتاب رياض الصالحين ۩

خليجية
مختصر من كتاب رياض الصالحين للإمام المحدث الفقيه أبي زكريا النووي
باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر

قَالَ الله تَعَالَى : ]إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [[ يونس : 24 ] .

وقال تَعَالَى : ]وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً[[ الكهف : 45-46 ] .

وقال تَعَالَى : ]اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ [[ الحديد : 20 ] .

وقال تَعَالَى : ]وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [[ العنكبوت : 64 ] .

وقال تَعَالَى :]زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ [[ آل عمران : 14 ] .

وقال تَعَالَى : ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ [[ فاطر : 5 ] .

وقال تَعَالَى : ]ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [[ التكاثر : 1-5 ] .
قال رسول الله r: ( أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قال رسول الله r : ( إنَّ ممَّا أخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r: ( إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإنَّ الله تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r : ( اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r: ( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيبْقَى عَمَلُهُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r : ( يُؤْتَى بِأنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأشَدِّ النَّاسِ بُؤسَاً في الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ بُؤساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فيَقُولُ : لاَ وَاللهِ ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأيْتُ شِدَّةً قَطُّ)) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r: ( مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُفي اليَمِّ،، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ! ) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r : ( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

قَالَ رسول الله r ( أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى،، وَمَا وَالاهُ ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسنٌ .

وعن جابر t : أنَّ رسول الله r مَرَّ بالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( أَيُّكُم يُحِبُّ أنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدرْهَم؟؟)) فقالوا : مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثُمَّ قَالَ:: ( أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ ) قَالُوا : وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً ، إنَّهُ أسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ ميِّتٌ ! فقال : ( فوَاللهِ للدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ) رواه مسلم .
( كَنَفَتَيْهِ ) أيْ : عن جانبيه . وَ( الأَسَكُّ ) : الصغير الأذُن .

قَالَ رسول الله r : ( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قال رسول الله r : ( مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضي عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، إِلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ في عِبَادِ الله هكذا وَهَكَذَا وَهكَذَا ) عن يَمِينِهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ،، ثُمَّ سَارَ ، فقال : ( إنَّ الأَكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا ) عن يمينِهِ وعن شِمَالِهِ وِمنْ خَلْفِهِ ( وَقَلِيلٌ مَاهُمُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r: ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالقَطِيفَةِ ، وَالخَمِيصَةِ،، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) رواه البخاري .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله r بِمَنْكِبَيَّ،، فقال : ( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ ) .
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .
قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه : لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً،، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا ، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا إلا بِمَا يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ .

قال رسول الله r : ( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ ) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .

قَالَ رسول الله r : ( لاَ تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيَا ) رواه الترمذي ، وقال:: حديثٌ حسنٌ .

وعن عبد الله بن مسعود t ، قَالَ : نَامَ رسول الله r عَلَى حَصيرٍ،، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ؟ فَقَالَ : ( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ! مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح.

وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه ، قَالَ : مَا تَرَكَ رسولُ الله r عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً ، وَلاَ دِرْهَماً ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا ، وَسِلاَحَهُ ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رواه البخاري .

قَالَ رسول الله : r ( إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وفِتْنَةُ أُمَّتِي : المَالُ ) رواه الترمذي ، وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
قَالَ رسول الله r : ( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مالي ، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟! ) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r : ( لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ في سِوَى هذِهِ الخِصَالِ : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ،، وَثَوْبٌ يُوارِي عَوْرَتَهُ ، وَجِلْفُ الخُبز وَالماء ) رواه الترمذي ، وقال : حديث صحيح .( الجِلْفُ ) : الخُبْز لَيْسَ مَعَهُ إدَامٌ ، وقيل : هُوَ غَليظُ الخُبُزِ . والله أعلم .

قَالَ رسول الله r : ( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِلِدِينهِ ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

قَالَ رسول الله r : ( يدْخُلُ الفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمئَةِ عَامٍ ) رواه الترمذي ، وقال : حديث صحيح.

قَالَ رسول الله r : ( اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r : ( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَاالمَسَاكِينُ،، وَأصْحَابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ ، غَيْرَ أنَّ أصْحَابِ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِم إِلَى النَّارِ ) متفقٌ عَلَيْهِ .( الجَدُّ ) : الحَظُّ والغِنَى .


باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات

قال تَعَالَى : ]فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُريدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا

لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ

ثَواب اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً[[ القصص: 79-80 ] .

وقال تَعَالَى : ]ثُمَّ لًتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[[ التكاثر : 8 ] .

وقال تَعَالَى : ]مَنْ كَانَ يُريدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُريدُ ثُمَّ

جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً[[ الإسراء : 18 ] .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مَا شَبعَ آلُ مُحَمّد r مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ رسول الله rيَبيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِياً ، وَأهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً ، وَكَانَ أكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبزَ الشَّعيرِ . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

وعن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنّها كَانَتْ تقول : وَاللهِ ، يَا ابْنَ أُخْتِي ، إنْ كُنَّا نَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ ، ثُمَّ الهِلالِ : ثَلاَثَةُ أهلَّةٍ في شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَ في أبْيَاتِ رسول الله r نَارٌ . قُلْتُ : يَا خَالَةُ ، فَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قالت :الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلاَّ أنَّهُ قَدْ كَانَ لرسول الله r جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، وكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رسول الله r مِنْ ألْبَانِهَا فَيَسْقِينَا . متفقٌ عَلَيْهِ . ( المنحة والمنيحة ) : أن يعطيه ناقة أو شاة ، ينتفع بلبنها ويعيدها .

قَالَ رسول الله r : ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمّدٍ قُوتاً ) متفقٌ عَلَيْهِ .( قُوتاً ) أيْ : مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ فِرَاشُ رسول الله rمِنْ أُدْمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ . رواه البخاري . ( الأدم ) : الجلد المدبوغ .

وعن أَبي موسى الأشعري t ، قَالَ : أخْرَجَتْ لَنَا عَائِشَةُ رضي الله عنهاكِسَاءً وَإزاراً غَلِيظاً، قالَتْ : قُبِضَ رسول الله r في هَذَيْنِ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أنسٍ t ، قَالَ : رَهَنَ النَّبيُّ r دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبيِّ r بخُبْزِ شَعِيرٍ وَإهَالَة سَنِخَةٍ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ( مَا أصْبَحَ لآلِ مُحَمّدٍ صَاعٌ وَلاَ أمْسَى ) وَإنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أبيَات . رواه البخاري .( الإهالَةُ ) : الشَّحْمُ الذَّائِبُ . وَ( السَّنِخَةُ ) : المُتَغَيِّرَةُ . وَ( الصاع ) : مكيال يسع أربعة أمداد .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوُفِّي رسول الله r وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِي في ثَلاثِينَ صَاعاً مِنْ شَعِير . متفق عَلَيْهِ .

قال رسول الله r : ( قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ ) رواه مسلم .

قال رسول الله r : ( مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .( سِربه ) : أي نَفْسه ، وَقِيلَ : قَومه .

قال رسول الله r : ( يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ أن تَبْذُلَ الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَأن تُمْسِكَه شَرٌّ لَكَ ، وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ) رواه مسلم .

قال رسول الله r :: ( ألاَ تَسْمَعُونَ ؟ ألاَ تَسْمَعُونَ ؟إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ،، إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ ) رواهُ أَبو داود .( البَذَاذَةُ ) هِيَ رَثَاثَةُ الهَيْئَةِ وَتَرْكُ فَاخِرِ اللِّبَاسِ .

قال رسول الله r : ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاء شَرّاً مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فإنْ كانَ لا مَحالةَ فثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسه ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .( أكُلاَتٌ ) أيْ : لُقَمٌ .

وعن عِمْرَان بنِ الحُصَيْنِ رضي الله عنهما ، عن النبي r ، أنّه قَالَ : ( خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) قَالَ عِمْرَانُ : فَمَا أدْري قَالَ النبي r مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاَثاً ( ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهمُ السَّمَنُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .




التصنيفات
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار

ادعية اولياء الله الصالحين

دعاء عائشة رضي الله عنها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: عليك بالجوامع الكوامل قولي:
(اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله. وما علمت منه وما لم أعلم وأسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل. وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، وأسألك من الخير ما سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، وأستعيذك مما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم. وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشداً برحمتك يا أرحم الراحمين).

من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي الحسن
كان عطاء -الحسن بن علي رضي الله عنهما – كل سنة مائة ألف، فحبسها عنه معاوية في بعض السنين فحصلت له ضائقة شديدة، قال: فدعوت بدواة لأكتب إلي معاوية لأذكره نفسي، ثم أمسكت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: كيف أنت يا حسن فقلت بخير يا أبت. وشكوت إليه تأخر المال عني فقال: أدعوت بداوة لتكتب إلي مخلوق مثلك تذكره؟ فقلت: نعم يا رسول الله فكيف أصنع؟
فقال: قل: (اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحداً غيرك. اللهم وما ضعفت عنه قوتي، وقصر عنه علمي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي. ولم يجر على لساني، مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصني به يا أرحم الراحمين).
قال: فوالله ما ألحت به أسبوعاً حتى بعث إلي معاوية بألف وخمسمائة. فقلت الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال يا حسن كيف أنت؟ فقلت بخير يا رسول الله وحدثته بحديثي. فقال: يا بني هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق.

دعاء أبي ذر الغفاري
خاتمة الفرج
هذا الدعاء هو خاتمة الفرج الذي رواه جعفر الصادق رضي الله عنه وعن سلفه الكرام.
قال في نوادر الأصول بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أتى جبريل عليه السلام، فبينما هو عنده إذ أقبل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، فنظر إليه جبريل عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أمين الله أتعرفون اسم أبي ذر؟ فقال: نعم، والذي بعثك بالحق إن أبا ذر أعرف في السماء منه في الأرض، وإن ذلك بدعاء يدعو به، في كل يوم مرتين وتعجبت الملائكة منه، فادع به واسأله عن دعائه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر دعاء تدعو به كل يوم مرتين!؟ قال: نعم فداك أبي وأمي ما سمعته من بشر وإنما هي عشرة أحرف ألهمني ربي إياها إلهاماً وأنا أدعو به كل يوم مرتين: استقبل القبلة، فأسبح لله مليا وأحمده ملياً وأكبره ملياً ثم أدعو بتلك العشر كلمات:
"اللهم إني أسألك إيماناً دائما، وأسألك قلباً خاشعاً، وأسألك علماً نافعاً، وأسألك يقيناً صادقاً، وأسألك دينا قيما، وأسألك العافية من كل بلية، وأسألك تمام العافية، وأسألك دوام العافية، وأسألك الشكر على العافية وأسألك الغنى عن الناس"
قال جبريل عليه السلام: يا محمد والذي بعثك بالحق لا تدعو أحد من أمتك بهذا الدعاء إلا غفرت ذنوبه، وإن كانت أكثر من زبد البحر أو عدد تراب الأرض، ولا يلقى الله أحد من أمتك وفي قلبه هذا الدعاء إلا اشتاقت إليه الجنة، واستغفر له المكان، وفتحت له أبواب الجنة فنادته الملائكة: يا ولي الله ادخل من أي باب شئت!!

دعاء أنس بن مالك
(من دعا بهذا الدعاء في الصباح لم يقدر أحد على إيذائه)
روي عمر بن أبان أنه قال: أرسلني الحجاج في طلب أنس بن مالك رضي الله عنه، ومعي فرسان ورجال، فأتيته وتقدمت إليه، فإذا هو قاعد على بابه، قد مد رجليه.
فقلت له: أجب الأمير.
فقال: من الأمير!؟
فقلت له: الحجاج بن يوسف!!
فقال: أذله الله تعالى!! هذا صاحبك قد طغى وبغى. وخالف الكتاب والسنة فالله تعالى ينتقم منه.
فقلت له: أقصر الخطبة وأجب.
فقام معنا. فلما دخل قال الحجاج: أنت أنس بن مالك!؟
قال: نعم!!
قال: أنت الذي تسبنا وتدعو علينا!؟
قال: نعم، وذلك واجب علي وعلى كل مسلم، لأنك عدو الله وعدو الإسلام، تعز أعداء الله، وتذل أولياءه.
فقال له الحجاج: أتدري لم دعوتك؟
قال: لا.
قال: أريد قتلك شر قتله!؟
فقال أنس بن مالك: لو عرفت صحة ذلك لعبدتك من دون الله تعالى، وشكت في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه علمني دعاء وقال (كل من دعا به في كل صباح لم يقدر أحد على أذيته. ولم يكن لأحد عليه سبيل) وقد دعوت به صباحي هذا.
قال الحجاج: أريد أن تعلمني هذا الدعاء.
قال: معاذ الله أن أعلمه أحدا مادمت حيا.
فقال: خلوا سبيله.
فلما خرج: قال له الحاجب: أصلح الله الأمير، وتكون في طلبه منذ كذا وكذا، حتى إذا أصبته أخليت سبيله!؟
قال: والله لقد رأيت على كتفيه أسدين، كلما كلمته يهمان إلي فكيف لو فعلت به شيئاً.
ثم أن أنس بن مالك رضي الله عنه، لما حضرته الوفاة علمه ابنه، وهو هذا:
(بسم الله الرحمن الرحيم. بسم الله خير الأسماء. بسم الله رب الأرض والسماء. بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء أذى. بسم الله افتتحت وبالله ختمت وبه أمنت. بسم الله أصبحت، وعلى الله توكلت. بسم الله على قلبي ونفسي. بسم الله على عقلي وذهني. بسم الله على أهلي ومالي. بسم الله على ما أعطاني ربي. بسم الله الشافي. بسم الله المعافي. بسم الله الوافي. بسم الله الذي لا يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. هو الله الله .. الله الله ..الله ربي لا أشرك به شيئاً الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. وأعز وأجل مما أخاف وأحذر. أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك. عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي. ومن شر كل سلطان ومن شر كل شيطان مريد، ومن شر كل جبار عنيد، ومن شر كل قضاء سوء، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم. وأنت على كل شيء حفيظ (إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين). اللهم إني أستجيرك، واحتجب بك من كل شيء خلقته واحترس بك من جميع خلقك، وكل ما ذرأت وبرأت. وأحترس بك منهم، وأفوض أمري إليك. وأقدم بين يدي في يومي هذا، وليلتي هذه، وساعتي هذه وشهري هذا. بسم الله الرحمن الرحيم. (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). عن أمامي: بسم الله الرحمن الرحيم. (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) ومن فوقي: بسم الله الرحمن الرحيم. (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). وعن يميني: بسم الله الرحمن الرحيم. (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). عن شمالي: بسم الله الرحمن الرحيم. (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). بسم الله الرحمن الرحيم (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم).
بسم الله الرحمن الرحيم. (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم). ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين (فإن تولوا. فقل: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) "سبع مرات".

دعاء آدم عليه السلام
قالت عائشة رضي الله عنها: لما أراد الله عز وجل أن يتوب على آدم عليه السلام، طاف بالبيت سبعاً وهو يومئذ ليس بمنى ربوه حمراء، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: (اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فأقبل معذرتي. وتعلم حاجتي فأعطى سؤالي. وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي. ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبته علي؛ والرضا بما قسمته لي يا ذا الجلال والإكرام).
فأوحى الله عز وجل إليه (قد غفرت لك ولا يأتيني أحد من ذريتك فيدعوني بمثل الذي دعوتني به. إلا غفرت له وكشفت غمومه وهمومه، ونزعت الفقر من بين عينيه، واتجرت له من رواء كل تاجر، وجاءته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها).

المواظبة على الأدعية الواردة عن الأنبياء
قال جعفر الصادق:
(1) عجبت لما بلى بالضر كيف يذهل عنه أن يقول: (مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) والله تعالى يقول: (فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر).
(2) وعجبت لمن بلى بالغم كيف يذهل عنه أن يقول: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). والله تعالى يقول: (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك. نجي المؤمنين).
(3) وعجبت لمن خاف شيئاً كيف يذهل عنه أن يقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل). والله تعالى يقول: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم سوء).
(4) وعجبت لمن كوبد في أمر كيف يذهل عنه أن يقول: (وأفوض أمري إلي الله، إن الله بصير بالعباد). والله تعالى يقول: (فوقاه الله سيئات ما مكروا)
(5) وعجبت لمن أنعم الله عليه بنعمة خاف زوالها. كيف يذهل عنه أن يقول: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله)

دعاء الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام
كان يقول إذا أصبح: (اللهم إن هذا خلق جديد فافتحه علي بطاعتك واختمه لي بمغفرتك ورضوانك وارزقني فيه حسنة تقبلها مني وزكها وضعفها لي، وما عملت فيه من سيئة فاغفرها لي إنك غفور رحيم ودود كريم).
قال: ومن دعا بهذا الدعاء إذا أصبح فقد أدى شكر يومه.

دعاء عيسى عليه الصلاة والسلام
اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو وأصبح الأمر بيد غيري. وأصبحت مرتهنا بعملي فلا فقير أفقر مني، اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسوء بي صديقي ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا اكبر همي، ولا تسلط علي من لا يرحمني .. يا حي يا قيوم.

من دعاء سيدنا موسى عليه السلام
لا إله إلا الله الحليم، لا إله إلا الله العلي العظيم. سبحان الله رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم. والحمد لله رب العالمين. اللهم إني أدرأ بك في نحره وأعوذ بك من شره وأستعينك عليه .. فأكفنيه بما شئت.

دعاء سيدنا يعقوب عليه السلام
لما رد الله جل جلاله سيدنا يوسف على أبيه سيدنا يعقوب قال (أي سيدنا يعقوب عليه السلام):
(بسم الله الرحمن الرحيم .. يا من خلق الخلق بغير مثال ويا من بسط الأرض بغير أعوان .. ويا من دبر الأمور بغير وزير .. ويا من يرزق الخلق بغير مشير.)
(ثم تدعو بما شئت فيستجب لك الله)

من دعاء سيدنا أيوب عليه السلام
(اللهم إني أعوذ بك اليوم .. فأعذني..
وأستجيرك اليوم من جهد البلاء فأجرني..
وأستغيث بك اليوم .. فأغثني..
وأستصرخك اليوم على عدوك وعدوي .. فأصرخني..
وأستنصرك اليوم .. فانصرني ..
واستعين بك اليوم على أمري .. فأعني..
وأتوكل عليك .. فاكفني..
وأعتصم بك .. فاعصمني..
وآمن بك .. فآمني..
وأسألك .. فأعطني ..
وأسترزقك .. فارزقني ..
وأستغفرك .. فأغفر لي..
وأدعوك .. فاذكرني..
وأسترحمك .. فارحمني).

طليق الرحمن
روي عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: كنت بواسط (بلد بالعراق) فرأيت رجلاً كأنه نبش من قبر فقلت: ما دهاك يا هذا؟
فقال: (اكتم علي أمري. حبسني الحجاج منذ ثلاث سنين فكنت في أضيق حال، وأسوأ عيش، وأقبح مكان، وأنا مع ذلك كله صابر لا أتكلم. فلما كان بالأمس، أخرجت جماعة كانوا معي فضربت رقابهم، وتحدث بعض أعوان السجن أن غدا تضرب عنقي فأخذني حزن شديد وبكاء مفرط وأجرى الله تعالى على لساني فقلت: (إلهي اشتد الضر وفقد الصبر، وأنت المستعان)! ثم ذهب من الليل أكثره فأخذتني غشية، وأنا بين اليقظان والنائم إذ أتاني آت، فقال لي: قم فصل ركعتين، وقل:
(يا من لا يشغله شيء عن شيء..
يا من أحاط علمه بما ذرأ وبرأ..
أنت عالم بخفيات الأمور..
ومحصي وساوس الصدور..
وأنت بالمنزل الأعلى..
وعلمك محيط بالمنزل الأدنى..
تعاليت علوا كبيراً..
يا مغيث أغثني..
وفك أسري..
وأكشف ضري..
فقد نفذ صبري).
فقمت وتوضأت في الحال، وصليت ركعتين وتلوت ما سمعت منه ولم تختلف علي منه كلمة واحدة، فما تم القول حتى سقط القيد من رجلي، ونظرت إلي أبواب السجن فرأيتها قد فتحت، فقمت فخرجت ولم يعارضني أحد، فأنا والله طليق الرحمن، وأعقبني الله بصبري فرجا، وجعل لي من ذلك الضيق مخرجاً.
ثم ودعني وانصرف يقصد الحجاز.

دعاء ذي النون المصري
قال عمرو السراج لذي النون المصري رضي الله عنه: كيف كان خلاصك "من المتوكل" وقد أمر بقتلك؟
فقال له: لما أوصلني الغلام إلي الستر رفعه، ثم قال لي أدخل، فنظرت فإذا المتوكل مكشوف الرأس، وعبد له قائم على رأسه متكئ على السيف، وعرفت في وجوه القوم الشر، فتح لي باب فقلت:
(يا من ليس في السماوات دورات، ولا في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح دلجات، ولا في الأرضين خبيئات، ولا في قلوب الخلائق خطرات، ولا في أعصابهم حركات، ولا في عيونهم لحظات إلا وهي لك شاهدات، وعليك دالات، وبربوبيتك معترفات وفي قدرتك متحيرات. فبالقدرة التي تحير بها من في الأرضين، ومن في السماوات .. إلا صليت على محمد وعلى آل محمد، وآخذت قلب من أرادني بسوء عني).
فقام إلي "المتوكل" حتى اعتقني ثم قال لي: (أتعبناك يا ذا النون، فإن شئت أن تقيم عندنا فأقم، وإن شئت أن تنصرف فانصرف) فاخترت الانصراف.

دعاء الخضر عليه السلام
يقال أن الخضر والياس عليهما السلام إذا التقيا في كل موسم لم يفترقا إلا بهذه الكلمات: (بسم الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله..
ما شاء الله كل نعمة من الله..
ما شاء الله الخير كله بيد الله..
ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله).
فمن قالها ثلاث مرات إذا أصبح أمن الحرق والسرق والغرق إن شاء الله تعالى.

دعاء الشاذلي لضيق الحال
من كلام الإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، الذي كان يعلمه لأصحابه لضيق الحال:
(يا واسع يا عليم .. يا ذا الفضل العظيم..
إن تمسني بضر فلا كاشف له إلا أنت وإن تردني بخير فلا راد لفضلك..
تصيب به من تشاء من عبادك، وأنت الغفور الرحيم).

دعاء معروف الكرخي
كان دعاء معروف الكرخي رضي الله عنه، الذي لا يفتر لسانه عن ذكره، والذي أجمع الصالحون على أنه من الكلمات التي لا ترد، ومن الابتهالات التي تفتح لها السبع الطباق:
(حسبي الله لدنياي..
حسبي الله لديني..
حسبي الله الكريم لما أهمني..
حسبي الله الحكيم القوي لمن بغى علي..
حسبي الله الشديد لمن كادني بسوء..
حسبي الله الرحيم عند الموت..
حسبي الله الرؤوف عند المسألة في القبر..
حسبي الله الكريم عند الحساب..
حسبي الله اللطيف عند الميزان..
حسبي الله القدير عند الصراط..
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).

دعاء أبي الدرداء رضي الله عنه
قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه قد احترقت دارك! وكانت النار قد وقعت في محتله فقال: ما كان الله ليفعل ذلك. ثم أتاه آت فقال: يا أبا الدرداء أن النار حين دنت من دارك أطفئت!! قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يقول هؤلاء الكلمات في ليل أو نهار لم يضره شيء وقد قلتهن وهي:
(اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عددا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم).




بارك الله فيك

موضوع شامل




خليجية



جزاك الله كل الخير على هذا الموضوع الرائع



جزاك الله خير



التصنيفات
منوعات

مجالس الصالحين

كتبه/ ماهر السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الإنسان كما يقولون: "مدني بطبعه"، ولابد له من مخالطة الناس، فإذا كان الأمر كذلك وكانت مخالطة الناس أمرًا لابد منه؛ فالأجدر بالعبد أن يختار الصحبة الطيبة التي يقضي معها وقته في مجالسه ورحلاته وسفراته، وقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خطورة هؤلاء الذين نصاحبهم ونجالسهم حين قال: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (متفق عليه).

وإن نظرة واحدة على مجالسنا اليوم تبعث في النفس الأسى لما آل إليه حالنا؛ حيث تنتشر الغيبة، واللغو والباطل، وغير ذلك من المظاهر الفارغة، ويزداد الأسى حين تقارن هذه المجالس بمجالس الصالحين، والتي سنعرض لنماذج منها في مقالنا هذا.

الصحابة أكابر الصالحين:

لقد اختار الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأصحاب؛ فهم أفضل الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، والجهاد في سبيله؛ لنشر الإسلام.

هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا، وإذا كان أحدهم يرى الرأي؛ فينزل القرآن بموافقة رأيه، فإن رأيه صادر من قلب ممتلئ نورًا وإيمانًا وحكمة وعلمًا ومعرفة وفهمًا.

هؤلاء الصالحون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لهم مجالس، لكنها مجالس عامرة بالإيمان والخير، قال فضيل بن غزوان: "كنا نجلس أنا ومغيرة نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء بصلاة الفجر"!

وكانوا يجتمعون فيأمرون أحدهم أن يقرأ عليهم القرآن، اجتمعوا فقال عمر -رضي الله عنه-: "يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فقرأ وهم يستمعون".

وكان الواحد منهم يقول للآخر ولمن معه: اجلسوا بنا نؤمن ساعة، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم– بأصحابه التطوع في جماعة مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ، فجلس معهم يستمع.

فعن جابر -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نقرأ القرآن، وفينا العربي والأعجمي، فقال: (اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلاَ يَتَأَجَّلُونَهُ) (رواه أبو داود، وصحه الألباني).

وكان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلسوا يتذاكرون، فإنهم يذكرون ما بعد الموت، والآخرة، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطَّلَعَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: (مَا تَذَاكَرُونَ؟). قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: (إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ) (رواه مسلم)، ثم ذكر لهم علاماتها.

هكذا كانت مجالسهم يتذاكرون الخير وأحكام الآخرة، وأمور الدين والإيمان، وكانوا يستعدون بما يتذاكرون للفتن، فعن أبي سعيد قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟) قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: (الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

كان جلوسهم للفقه في الأعمال، ومعرفة ما هو الأقرب إلى الله، فعن عبد الله بن سلام قال: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى الَّهِ لَعَمِلْنَاهُ… " (رواه الترمذي، وصحه الألباني).

وهكذا كانوا يجلسون فيتذاكرون: مَن هؤلاء أهل الجنة؟ ما هي صفاتهم؟ روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الَّهَ. قَالَ آلَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟ قَالُوا: وَالَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟). قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: (آلَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟). قَالُوا: وَالَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ).

هكذا كانت مجالسهم، ولا يمنع أن يكون في بعض مجالسهم شيء من الشعر، وأيام العرب، وأمور الجاهلية، والذكريات القديمة، لكنه ليس حديثًا محرمًا ولا مُسفّاً؛، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَحَزِّقين، وَلاَ مُتَمَاوِتِينَ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَيَذْكُرُونَ أمْرَ جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الله دَارَتْ حَمَالِيقُ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ" (رواه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة في مصنفه، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد).

مُتَحَزِّقين: أي: منقبضين، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ فِي مَجَالِسِهِمْ: أي: ليسوا أصحاب كآبة، وإنما كانت فيهم حيوية، وكان فيهم نشاط، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الله: أي: معصية.

فلا يرضى الواحد منهم بالمنكر، ولا يمكن أن يشترك فيه، وإذا رأى أمامه منكرًا، أو دُعي إلى منكر فهكذا يكون حاله.

أمام البيوت:

إن كثيرًا من الصحابة ما كانت لهم داخل بيوتهم أماكن للجلوس، فكانوا يجلسون في أفنيتها وعلى حافة الطريق.

قال أبو طلحة: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ فَجَاءَ رَسُولُ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: (مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ -أي: الطرقات- اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ) -وذلك لأن الجلوس فيها قد يضيق الطريق، ويكون فيه من إطلاق البصر ما فيه، إلى غير ذلك من الآفات-. فَقُلْنَا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ -أي: في أمر القرآن والوحي، وأمر الفقه والأحكام، وأمر الآخرة وتذكر ما فيها-. قَالَ: (إِمَّا لاَ فَأَدُّوا حَقَّهَا -أما إذا أبيتم إلا هذا ولم يكن عندكم غيره فأدوا حق الطريق- غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلاَمِ وَحُسْنُ الْكَلاَمِ) (رواه مسلم).

فكانوا يضطرون للجلوس فيها، لكن لأي شيء؟ لأجل أن يتذاكروا؛ ولأجل أن يتفقهوا ويتدارسوا، وهكذا كانوا.

وإذا حصل منهم في مجلس شيء من الخوض في قضية لا يصلح الخوض فيها، أو لابد لها من ضوابط، كان التذكير النبوي يأتي؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي الْقَدَرِ – أي: نتباحث في شأنه- فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ -من شدة الغضب- فَقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تَتَنَازَعُوا فِيهِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

فالدخول في القدر إذا كان بعلم وفقه فلا بأس به، وإذا كان جدالاً ونقاشًا بلا حجة، ولا بيان، فيُنهى الإنسان عنه.

وكذلك فإن بعض مجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيها شيء من شكوى الحال بين بعضهم البعض، قال أبو الدرداء: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: (آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا، حَتَّى لاَ يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدِكُمْ إِزَاغَةً إِلاَّ هِيَهْ، وَايْمُ اللهِ، لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ) (رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني)، وفي رواية: "كنا نتذاكر الدنيا وهمومها ونخشى الفقر.. ".

وفي هذا بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم-لأمة بأن الله سيغنيها من فقرها، ولكنه حذرهم من فتنة الغنى؛ لأن حب الدنيا يزيغ القلوب بعد استقامتها، ويضلها بعد هداها، وتكون الفتنة، ولذلك لم يكن يخشى عليهم الفقر، وإنما كان يخشى عليهم فتنة الغنى، هذا بعض ما كان في مجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فكيف هي مجالس اليوم؟!

هذه حال مجالس أصحاب محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-، فما هي حال مجالسنا نحن اليوم؟

كم فيها من الدين؟ وكم فيها من الدنيا؟!

كم في مجالسنا من الطاعة، وكم فيها من العصيان؟! كم يطغى عليها من أخبار الدنيا، وتجارة الدنيا، وأمور البيع والشراء، والبضائع والأسعار، والمحلات، والخدمات؟!

وهكذا يدور أصحاب كل همٍ إذا اجتمعوا في همهم الدنيوي، فمجالس الموظفين، ومجالس الطلاب، ومجالس التجار، ومجالس الأطباء، ومجالس النساء، إذا ارتقت تكلموا فيما يعملونه بالنهار، وأما مجالس نسائنا فكثيرًا ما تكون مشغولة بالأزياء، والموضات، والأكلات، والحفلات، وحال الأسواق والمحلات!

هل مجالسنا عامرة بذكر الله؟ هل تُطرح فيها قضايا العلم والفقه؟ هل يحصل فيها التذاكر لأمور الآخرة؟

هل يكون فيها شيء من معاني القرآن والسنة أم أن فيها من الغيبة، والنميمة، ونهش الأعراض، والتفكه بلحوم الخلق، مهاترات، مماراة، جدال، مجاملات، ومداهنات باطلة؟!

بل قد لا تسلم من شيء من الانتقاص، أو الاستهزاء بعض أمور الدين، وذلك أمرٌ خطيرُ جدًا، اعتداء على الخلق، وانتقاص، وازدراء، واحتقار، واستهزاء!

أين تلك المجالس التي كان يجلس فيها أولئك الصحابة، فيعمرونها بالعلم والإيمان؟! (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ فَتَفَرَّقُوا، وَلَمْ يَذْكُرُوا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِلا كَانَ مَجْلِسُهُمْ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد، وصحه الألباني)، تِرَةً: أي: حسرة.

(مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذِكْرٍ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ إِلاَّ قِيلَ لَهُمْ: قُومُوا مَغْفُوراً لَكُمْ) (رواه الحسن بن سفيان، وصحه الألباني).

فالقرآن ذكرٌ، والسنة ذكرٌ، والفقه ذكرٌ، وأمور الآخرة ذكرٌ، وهكذا، أمور الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمور تقويم المجتمع والمحافظة على الأسرة إسلامية، أمور تربية النفس وتربية الأولاد، أمور التفقه في الحلال والحرام، أمور القيام بتبليغ الإسلام، وهكذا يُذَكّر الناس بأبواب الصدقات، وأيضًا يُجالس المسلم قومًا يلتقطون له طيب الكلام كما يُلتقط طيب الثمر، فإذا كان أصحابك من الأخيار كان مجلسك كذلك.

المجالس الإلكترونية:

يا مسلمون: هذه مجالسنا الإلكترونية اليوم التي طغت على المجالس الوجاهية الحضورية الاجتماعية، فصار الناس يجالس بعضهم بعضًا عبر الشاشات: محادثات، مجموعات، منتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، فماذا يحدث فيها؟ ما هي موضوعات المجالس الإلكترونية؟ يقولون: دردشات، ثم تنظر فيها، فإذا فيها من أمور الجنس ما لا يمكن أن يتحمله من عنده حياء، ثم فيها أمور من إشاعة الفاحشة، وهذه المجالسة للطرف الآخر، سواء كان أمامك مباشرة، أو خلف شاشته، فإنها تؤثر في النفس، بل هي مجلس ولو كان على البعد.

هذه المجالس الإلكترونية لها اليوم آثار كبيرة، وخطيرة، كان السلف يلتمسون مجالس العلم، مجالس الحديث، ولمجالس آداب، فهاهنا التماس مجلس الرجل الصالح وصاحب العلم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا، فأتيت قومًا فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: مَن هذا؟ قالوا: أبو الدرداء قال علقمة -وهو تابعي- فقلت: إني دعوت الله أن يسر لي جليسًا صالحًا، فيسرك لي.

وقال حريث بن قبيصة: "قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليس صالح، قال: فجلست إلى أبي هريرة".

إذاً: كان هناك دعاء يلتمس فيه هذا من ربه أن يسر له جليسًا صالحًا: صاحب علم، صاحب دين، يُذكّر، ينصح، وهكذا مجالس الصالحين والأخيار، يوقَّر فيها الكبير، ويُرحم الصغير، ويُغض من الصوت، ويقال فيه الكلمة الطيبة، والمجالس بالأمانة، فلا تفشى فيها الأسرار، ولا يتناجى اثنان فيها دون الثالث، وفيها تلك الكفارة العظيمة إذا قاموا من مجلسهم: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

فيها التفسح للداخل، والتزكية، والتهذيب، والتربية وغيرها من فوائد مجالس الصالحين، نسأل الله أن يجعل مجالسنا عامرة بذكره، وأن تكون في موازين حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهم اجعل مجالسنا عامرة بذكرك، اللهم ارزقنا مجالسة الأخيار، وباعد بيننا وبين الأشرار




التصنيفات
منوعات

أويس بن عامر القرني مواقف إيمانية من حياة الصالحين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مواقف إيمانية من حياة الصالحين
أويس بن عامر القرني

ملاحظه حقا الموضوع طويل لكن والله مفيد للغاية اسأل الله أن ينفع به اقرأ منه مقدار ما تكتفى حتى لو سطرين وجدد النية وأحسن الظن بالله جل وعلا فلن يخيب ظنك ابدا

رجل من أولياء الله الصالحين، جعل نصب عينه مراقبة الله، ورعاية حرماته…
زهد في الدنيا بعد أن جاءت إليه راغمة، وتعالت نفسه على الرئاسة والإمارة بعد أن دُعي إليها من الخليفة عمر بن الخطاب، وعزفت نفسه عن الشهرة بعد أن كانت منه قاب قوسين أو أدنى…
وترفعت نفسه عن المجد المبتذل المزيف؛ فأبى المجد الصادق الحقيقي إلا أن يسير في ركابه …
أرأيت إنساناً يختار أن يعيش أجيراً فقيراً و في مقدوره أن يكون سيداً مطاعاً، وثرياً واسع الثراء، وزعيماً يصدر القوم عن رأيه !!!
نعم إنه أويس القرني، عاش حياته خامل الذكر، فقير الحال، يحتقره أكثر الناس؛ لما يظهر عليه من رثاثة الثياب، وضآلة البدن، والعمل في خدمة الناس كأجير يرعى الإبل، بل أنه كان يتوسل إلى أحدهم أن يكف عن أذيته والسخرية منه، ومن رثاثة ثيابه…
هذا الرجل قد ذكره رسول الله ج ووصفه بالصلاح والتقوى، وأنه لو أقسم على الله لأبره …
قال عمر بن الخطاب ط سمعت رسول الله ج يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر في أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبريء منه إلا موضع درهم، له والدة هو بار بها، لو أقسم على الله لأبر قسمه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)(1).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال :قال رسول الله ج: ((إن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء، الأبرياء، الشعثة روؤسهم، المغبرة وجوههم،الخمصة بطونهم، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم يُنكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن طلعوا لم يفرح لطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا…

قالوا يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟
قال ؛: ذاك أويس القرني…
قالوا : ومن أويس القرني…
قال: أشهل ذو صهوبة()، بعيد ما بين المنكبين، معتدل، آدم() شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله يتلوا القرآن، ويبكي على نفسه، ذو طمرين()، لايؤبه له()، مئتزر بإزار صوف…
مجهول في أهل الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله تعالى لأبر قسمه، ألا وأن تحت منكبه الأسير لمعة بياض، ألا وأنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد أدخلوا الجنة، وقيل لأويس: قف فاشفع، فيشفعه الله ﻷ في مثل عدد ربيعة ومضر
يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه، فأطلبا إليه أن يستغفر لكما…
فمكث عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب يطلبانه عشر سنين، لا يقدران عليه، فلما كان آخر السنة التي توفي فيها عمر ط قام على جبل أبي قبيس فنادى بأعلى صوته:
يا أهل الحجيج من اليمن
أفيكم أويس من مراد؟
فقام شيخ كبير اللحية فقال:
– إنا لا ندري من أويس، ولكن هناك ابن أخ لي يقال له أويس، وهو أخمل ذكراً، واقل مالاً، وأهون أمراً، من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى أبلنا، **** بين أظهرنا…
فعمى عليه عمر كأنه لا يريده، وقال: أين ابن أخيك هذا؟ أبحرمنا هو؟
قال: نعم…
قال عمر: وأين يصاب…
قال الرجل بأراك عرفات…
ثم ركب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب من ساعتهما سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة ، فأوقفا راحلتيهما؛ ثم اقبلا عليه فقالا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فخفف أويس الصلاة وقال: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته، ثم قالا: من الرجل؟
قال: راعي إبل وأجير قوم…
قالا: لسنا نسأل عن الرعاية ولا عن الإجارة…
ما اسمك؟
قال: عبدالله…
قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله…
فما اسمك الذي سمتك به أمك؟
قالا: يا هذان ما تريدان مني؟
قالا: وصف لنا محمد ج أويس القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة؛ فأخبرنا؛ أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء، فأوضحها لنا فإن كانت بك، فأنت هو فأوضح منكبه؛ فإذا اللمعة تلوح…
فابتدراها يقبلانها وقالا: نشهد إنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك…
قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحد من بني آدم، ولكنه في البر والبحر، في المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات…
ثم قال: يا هذان إنه قد شهر الله لكما حالي، وعرفكما أمري، فمن أنتما؟
قال علي: أما هذا فهو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وأما أنا فعلي بن أبي طالب، فاستوى أويس قائماً…
وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته…
السلام عليك يا ابن أبي طالب ورحمة الله وبركاته…
جزاكما الله عن هذه الأمة خيراً…
قالا: وأنت جزاك الله خيراً عن نفسك…

وقال له عمر: أنت أخي، لا أريدك تفارقني أبداً، وعندما رأى عمر رثاثة ثيابه، وضآلة بدنه…
قال له: مكانك يرحمك الله؛ حتى أتيك بنفقة من عطائي، وكسوة من فضل ثيابي، وهذا المكان ميعاد بيني وبينك…
قال أويس: لا أراك بعد اليوم تعرفني…
ما أصنع بالنفقة؟…
وما أصنع بالكسوة؟…
أما ترى علي إزاراً من صوف، ورداء من صوف، متى تراني أخرقهما، أما ترى نعلاي مخصوفتين.. متى تراني أبليهما؟
أما تراني قد أخذت من أجرتي أربعة دراهم متى تراني أكلهما…
ثم قال: يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كوؤدا، لا يكاد يجاوزهما إلا ضامر مخف مهزول فأخف رحمك الله…
فلما سمع عمر ط ذلك ضرب بدرته الأرض! ثم نادى بأعلى صوته….
ألا يا ليت أم عمر لم تلده…
ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها…
يا ويلتاه من يوم تشخص فيه الأبصار…
يا ويلتاه من يوم صبيحته القيامة…
يا وليتاه من جواز السراط…
يا وليتاه من الوقوف بين يدي رب العالمين…
ثم التفت أويس إلى عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقال:
وداعاً لا لقاء بعده…
يا أمير المؤمنين خذا من هذا الطريق؛ حتى أخذ أنا من الطريق الآخر، فولى عمر وصاحبه ناحية مكة، وساق أويس أبله حتى وافى القوم بإبلهم وخلا عن الرعي، وأقبل على العبادة…
هذا الحديث أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء 2/80 عن أبيه عن حامد بن محمد عن مسلمة بن شبيب عن الوليد بن إسماعيل الحراني عن مجالد بن يزيد عن نوفل بن عبدالله عن الضحاك بن مزاحم عن أبي هريرة وأورده الحسن الواسطي في كتابه مجمع الأحباب بدون إسناد، وأورده أيضاً ابن الجوزي في صفة الصفوة بدون إسناد، وتعقبه الذهبي في سير أعلام النبلاء وقال: هذا سياق منكر…
يذكر أن أويساً سافر إلى الكوفة بعد أن رفض دعوة عمر بن الخطاب للبقاء معه في المدينة؛ ليعينه على أمور المسلمين، كل ذلك خوفاً على نفسه من الفتنة، ورعاية لحقوق الله ـ وزهداً في الدنيا واستصغاراً لشأنها…
ثم انظر إلى أخباره في الكوفة تجد عجباً!!
لقد تحمل العري والجوع وأذية الأشرار صابرا محتسبا!!
علماً أنه لو أراد أن يكون أميراً على ذلك البلد لحصل على ذلك، ولو أراد أن يكون بيته مزاراً للناس لتقاطروا عليه من كل حدب وصوب؛ يقبلون يديه ورجليه؛ ليفوزوا بأعظم منحة، وهي أن يستغفر لهم …
عن يسير بن جابر قال: كان هناك محدث بالكوفة يحدثنا؛ فإذا فرغ من حديثه انصرف ، ويبقى رهط فيهم رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحد يقول مثله يدخل القلب، ويؤثر في النفس، قال : فأحببت ذلك الرجل، ثم أني فقدته بعد مدة، فقلت لأصحابي هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا صفته كذا وكذا…
قال رجل منهم: نعم أعرفه.. ذلك أويس القرني…
قلت: أفتعرف منزله؟
قال: نعم…
فانطلقت معه حتى جئت حجرته؛ فخرج إلينا فقت يا أخي: ما حبسك عنا؟
قال: العري!
قال: وكان أصحابه يسخرون منه، ويؤذونه، قال: قلت خذ هذا الثوب فألبسه حتى تتمكن من الحضور إلينا…
قال: لا تفعل؛ فإنهم إذاً يؤذونني إذا رأوه…
قال: فلم أزل به حتى لبسه، ثم خرج عليهم فعندما رأوه، قالوا: من ترون خدع هذا عن برده.
قال: فعاد إلى موضعه وقال: أرأيت…
قال : فأتيت القوم في مجلسهم فقلت: ما تريدون من هذا الرجل…
قد آذيتموه، فهو يعرى مرة ويكتسي مرة…
قال: فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً…
قال: ثم أن وفداً من أهل الكوفة ذهب إلى المدينة المنورة، وعندما علم بهم عمر بن الخطاب سألهم عن أويس القرني، وكانوا لا يعلمون عن حاله شيئاً، وكان معهم ابن عم له يولع به؛ فإن رآه مع قوم أغنياء قال: ما هو إلا يستأكلهم…
وإن رآه مع قوم فقراء قال: ما هو إلا يخدعهم…
وأويس لا يقول: في ابن عمه ذلك إلا خيراً غير أنه إذ مر به استتر منه ، مخافة أن يأثم في سبه ، فعندما سأل عمر عنه تقدم ابن عمه ذاك وقال: يا أمير المؤمنين هو ابن عمي، وهو رجل **** خامل الذكر، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت. قال عمر: ويلك هلكت.. ويلك هلكت، ذلك من أولياء الله الصالحين، ثم عرف القوم خبره…
ثم أن ذلك الرجل ندم على ما كان يفعل بأويس وعندما عاد على الكوفة ذهب إلى ابن عمه أويس قبل أن يدخل بيته وقال: استغفر لي يا ابن عمي…
قال أويس: ما هذه بعادتك؛ فما بدا لك…
قال: سمعت عمر يقول كذا وكذا، فاستغفر لي يرحمك الله…
قال أويس لا أفعل حتى تجعل لي عليك:
– أن لا تسخر مني فيما بعد…
– وأن لا تخبر أحداً بالذي سمعت من عمر…
قال يسير: فما لبث أن فشا أمره في الكوفة وتكاثر عليه الناس، يطلبون منه أن يستغفر لهم…
فاختفى من الكوفة فجأة ولم يعثر له على أثر.. وكان ذلك آخر العهد به ..
هذا الخبر قد ورد أكثره في صحيح مسلم…
وقال هرم بن حيان: قدمت الكوفة، فلم يكن لي هم إلا طلبه؛ حتى وجدته على شط الفرات يتوضأ ؛ فعرفته بالنعت الذي نعت لي.. وكان مهيب المنظر؛ فسلمت عليه، ورد علي السلام…
ونظر إلي.. فمددت يدي لأصافحه، وقلت له: رحمك الله وغفر لك…
كيف أنت؟
وخنقتني العبرة من حبي إياه، ورقتي عليه لما رأيت من رقة حاله.. فبكيت.. وبكى ثم قال: وأنت حياك الله يا هرم بن حيان كيف أنت يا أخي؟
من دلك عليّ؟
قلت: الله…
قال: لا إله إلا الله…
(
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)[الإسراء:108]
فقلت من أين عرفت أسمي واسم أبي…
قال: عرفت روحي روحك، حين كلمت نفسي نفسك…
إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً، ويتحابون بروح الله، وإن نأت بهم الدار، وتفرقت بهم المنازل قلت: حدثني – رحمك الله – عن رسول الله ج قال: إني لم أدرك رسول الله ج ولم يكن لي معه صحبه – بأبي هو وأمي – ولكن قد رأيت رجالاً قد رأوه…
ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب ؛ فأني لا أحب أن أكون محدثاُ ولا قاصاً ولا مفتياً ؛ إن في نفسي لشغل عن ذلك…
فقلت له: اقرأ علي آيات من كتاب الله ﻷ؛ فإني أحب أن أسمعها منك، وأوصني بوصية أحفظها عنك، فأني أحبك في الله تعالى…
فأخذ بيدي وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
قال ربي، وأحق القول قول ربي، وأصدق الكلام ربي.. ثم قرأ
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ( 40 ) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 41 ) إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 42 ) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)﴾

[الدخان 38-42]
قال: فشهق شهقة، فنظرت إليه، كاد أن يغشى عليه!.. ثم قال:
يا ابن حيان.. مات أبوك، ويوشك أن تموت، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات آدم، وماتت أمك حوى، ومات نبي الله نوح، ومات إبراهيم خليل الله، ومات موسى نبي الله، ومات داوود خليفة الرحمن، ومات محمد حبيب الرحمنج عليهم أجمعين، ومات أبوبكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب ط…
قلت له: يرحمك الله، إن عمر لم يمت…
قال: بلى قد نعاه إليّ ربي ﻷ، ونعى إليّ نفسي، وأنا وأنت غداً في الموتى ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم…
ودعا بدعوات خفاف ثم قال:
وصيتي إليك كتاب الله، ونعي المرسلين، ونعي صالح المؤمنين، وعليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم، وأنصح لأمة محمدصلى الله عليه وسلم جميعاً وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك؛ وأنت لا تعلم؛ فتدخل النار، ادع لي ولنفسك.. ثم قال: اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك…
فعرفني وجهه في الجنة… وادخله دار السلام وأحفظه ما دام في الدنيا حيا ورضه من الدنيا باليسير، واجعله لما أعطيته من نعمك من الشاكرين…
ثم قال: عليك السلام ورحمة الله وبركاته لا أراك بعد اليوم رحمك الله؛
فإني أكره الشهرة، والوحدة أحب إلي لأني كثير الغم، مادمت مع الناس حياً…
وقال: لا تسأل عني، ولا تطلبني، وأعلم أنك مني على بال، وإن لم أرك وتراني واذكرني، وادع لي، فأني سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله…
والآن انطلق أنت من هاهنا حتى آخذ أنا من هاهنا…
قال يسير فحرصت على أن أمشي معه ساعة فأبي علي ذلك، ففارقته يبكي وأنا أبكي! فجعلت أنظر إليه حتى دخل بعض السكك، ثم سألت عنه بعد ذلك، وطلبته، فلم أجد من يخبرني عنه بشيء.. وما أتت على جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين.. انتهى
وكان أويس إذا أمسى يقول: هذه ليلة ركوع فيركع حتى يصبح…
ومرة يقول: هذه ليلة سجود فيسجد حتى يصبح…
وكان إذا أمسى يتصدق بما في بيته من طعام وغيره ويقول: اللهم من بات جائعاً فلا تؤاخذني به؛ فإنني لا أملك إلا ما بطني، ومن بات عرياناً؛ فلا تؤاخذني فإنني لا أملك إلا ما على ظهري…
قالوا: وبلغ من عري أويس: أنه جلس في قوصرة() لا يبرحها؛ لأنه لا يجد ما يلبس!…
وكان يلتقط كسر الخبر الجاف من المزابل، فيغسلها ويأكل بعضها، ويتصدق ببعضها ويقول:
اللهم أني أبرأ إليك من كل ذي كبد جائع…
لا إله إلا الله… ومن يطيق ذلك!!!
اللهم أزل حب الدنيا من قلوبنا، وأجرنا من فتنة المحيا والممات
وهنا سؤال يطرح نفسه.
لماذا يعمد هذا الرجل الصالح إلى إخراج كل ما بيته من قليل أو كثير، ثم يضطر إذا عضه الجوع بنا به؛ أن يبحث في المزابل عن كسر الخبز اليابس التي لا يستطيع الناس أن يأكلوها ليبسها …
والجواب أن أويسا قد جعل الموت نصب عينيه؛ يظن أنه إذا أصبح لن يعيش إلي المساء، وإذا أمسى لن يعيش إلى الصباح؛ ولذلك يسارع إلى التصدق بما عنده حتى لايفجأه الموت ولديه شيء من حطام الدنيا..
أسمع إليه يتحدث عن الموت عندما طلب منه أحدهم الوصية
قال: توسد الموت إذا نمت وأجعله نصب عينيك إذا قمت…
وادع الله أن يصلح قلبك، ويثبتك، فلم تعالج شيئاً أشد عليك منه…
بينما هو مقبل إذا هو مدبر…
وبينما هو مدبر إذا مقبل…
ولا تنظر في صغير الخطيئة…
ولكن انظر إلي عظمة من عصيت…
هذه نظرة أويس للموت والحياة وقد تحدث عن الموت أيضاً في وصيته لهرم بن حيان التي سبق ذكرها.
المراجع
1) مختصر صحيح مسلم لمحمد بن ياسين بن عبدالله (2/376) حديث رقم (2542).
2) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني (2/79).
3) مجْمَع الأحباب لمحمد بن الحسن الواسطي (2/81).
4) سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي (4/19).
صفة الصفوة لابن الجوزي (3/29)




بــــووووركـــــتي