السلام عليكم ، أبارك لكم بالعيد وكل عام وأنتم بخير
الصراحة ليست مقترنة بالوقاحة مع أن الكثير من الناس يقرنهما ببعض , فالصراحة فن , والصراحة هي تسمية الأشياء بأسمائها
والتوجه إلى المقصود بدون التفاف ولا تلميح ولا تعريض , فالتلميح والطريقة الغير مباشرة
لا تقدم حواراً مفيداً لذلك الصراحة دائما تحتاج شجاعة وتحتاج تمكناً وتأكداً من المعرفة والمعلومات والمنطق بل تدفع إلى ذلك .
الصراحة تعني القوة في الأخلاق وحتى الاعتذار والتراجع يحتاج إلى قوة , فالحوار الصريح المحترم الخالي من الالتفافات هو دليل
على التوكل على الله والرضا بالنتائج , ومن فوائده العظيمة اختصار المجهود والوقت
والكلام والطاقة والفهم أيضاً .
أعمارنا تُضيّعها قلة الصراحة , فلا تغيير حقيقي يأتي بدون صراحة ووضوح وحوار صريح , الحوار الصريح يختصر السنة في
ساعة ويجعل الكلام عالقاً في الذهن ويأخذ حقه من الدراسة حتى بعد الابتعاد , الكلام
الصريح يقطع المجال على الشكوك التي تتوه عن الأصل , ويريح الطرف الآخر في موضوع التحديد والفهم ويوقفه على القرار فقط
.
الحوار الصريح إذا كان يتعلق بالشخص فهو يحتاج إلى كلمة (أنت) ، لا أن يلف ويدور ويشبه الحالة بحالة شخص آخر ..ومن ضمن
هذا الحوار الصريح إذا كنت تخاف أن تكون قاسياً على الطرف الآخر , فهذا لن يكون،
لأن هناك مشاعر جيدة له يجب أن تخرجها الصراحة من ضمن ما تخرج , فالصراحة لا تعني إبراز العيوب فقط دون المحاسن بل
كليهما , حينها تقدم صورة واضحة عن رؤيتك للشخص , بل تقدم صورة واضحة ليس
فقط عن الطرف الآخر بل وعنك أنت أيضا , فما أحوجنا للحوار الصريح الصادق المحترم الخالي من المداراة وتغيير الأشياء عن
أسمائها وتحريف الكلام عن من يدور حوله .
فكرة تكبير موضوع الشخصنة لا يسمح بتقديم حوار صريح ومفيد , الاكتفاء بالعيوب فقط يثير النرفزة والأعصاب ويشوش على الفهم
, لأنه ناقص بصراحة , الحوار الصريح المتكامل لا يثير الغضب بل يدفع إلى التقارب
دائما ويزرع المحبة لأنه معتمد على الفضيلة ، ففيه فضيلة الشجاعة وتحمل مسؤولية الكلام وفيه الصدق وفيه التراجع وفيه القدرة
على اكتشاف محاسن الآخرين وكذلك القدرة على اكتشاف أخطائهم وفيه دعوة مستمرة
للتقارب , إذا هو ما نحتاج إليه .
صاحب هذا النوع من الحوار هو المريح دائما والجذاب دائما وهو الذي يترك أثراً في الآخرين وهو الأشجع والأصدق والأكثر
احتراما للحقيقة والأكثر محافظة على وقت الآخرين أيضا , والأكثر توكلا على الله ورضا بما
يأتيه والأبعد عن النفاق والمجاملة الزائدة , وقد يبدو خشناً لكنه هو الأنعم والأجمل , وقالوا قديما : (في الصراحة راحة) .
أما البذاءة والوقاحة فليست من الصراحة , لأنها ليست هي حقيقة ما يحسه الشخص , وغالبا ما يفعلها المهزوم وفاقد الحيلة , ولو كان
صريحاً لقال : إني مهزوم وفاقد الحيلة . إذاً الوقح غير صريح لأنه يستعير الوقاحة
للتعويض عن انفعاله وضيق حيلته , الصريح هو من يعبر عما يحسه فعلاً بأدق تعبير (أو بأدق تعريف) والدقة بحد ذاتها ليست إلا
جمالاً , ودائما نسمع عبارة (هات من الآخر) بعد الملل من التمهيدات غير المفيدة والمتوهة،
فنحن في عصر السرعة ! والصراحة المحترمة هي سرعة وجودة في التواصل .
منقول من مدونة الورّاق