الفساد في الأرض
الأحد, 22 مارس 2022 01:28 مساءً
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
أشهد أن لا إله إلا الله، نهي عن الإفساد في الأرض بقوله (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56]
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، سيد المصلحين ، وأشرف من حارب الفساد أهله.
أما بعد:
فموضوعنا عن ( الفساد في الأرض)
حيث نبهنا الله علي خطورته بقوله سبحانه (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41]
– وللفساد أسباب
– وللفساد صور
– وللفساد أهل
– وللفساد مقاومه
– وللمفسدين جزاء
وأما أسباب الفساد : فقد أشار إليها القرآن في قوله نعالي (كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني)
وأما صوره، فتتجلي في:
أ- محاربة شريعة الله ، أو الاستهزاء منها، والعمل علي تغييرها.
ب- إهمال شريعة الله ، وعدم العمل بها، والادعاء بعدم صلاحيتها لهذا الزمان.
ج- ظلم الناس وإذلالهم، والتحكم في أرزاقهم، وكتم أنفاسهم، وحبس حرياتهم.
د- التخلي عن نصرة الضعفاء والمظلومين من أبناء هذه الأمة، الذين يعانون من احتلال العدو لأرضهم، وانتهاك أعراضهم..الخ.
و- تشوية صورة الصالحين المصلحين، حتى لا يلتف الناس حولهم، وينصلح بهم ما أفسدوه.
ح-إشاعة الفاحشة في مجتمع المسلمين،وبث روح الهزيمة في نفوس شباب هذه الأمة، التي هي ( خير أمة أخرجت للناس)[آل عمران:110]
وأما أهله فهم:
أ – كل من تولي أمرا وأفسد فيه وبه، تقول بلقيس ملكة سبأ كما حكي عنها القرآن ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)
[النمل:34]
وهم الذين صار حالهم كحال (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ)[الفجر:11-13].
ب – بعض أجهزة الأعلام، وبعض الكتاب وأصحاب الأقلام، وغيرهم، ممن قال الله تعالي فيهم :(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[البقرة:204-206].
وقال أيضا : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا..) [النور19]
ولخطورة الإفساد في الأرض والمفسدين: نهي الله تعالي عنه.
حيث قال تعالي(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا)[الأعراف:56]
وقال ايضا (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[هود:58].[الشعراء:183]
ولخطورة الإفساد في الأرض والمفسدين: أشار سبحانه إلي وجوب مقاومته.
حيث يقول جل وعلا (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ)[هود:116]
وفي الحديث النبوي الشريف " مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها.
فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء : مروا علي من فوقها، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ..!!
فإن يتركوهم وما أرادوا : هلكوا جميعا. وإن أخذوا علي أيديهم : نجوا، ونجوا جميعا " [البخاري: كتاب الشركة، باب هل يفرع في القسمة..]
ولهذا : تجب مقاومة الفساد والمفسدين بكل وسيلة عاقلة حكيمة ممكنة.
وذلك:
أ- بوعظهم (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
[القصص:77].
ب- بعدم مخالطتهم،وإظهار عدم الرضا بأفعالهم (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)[الأنعام:68]
ج- بكشف إفسادهم وتزييفهم وألاعيبهم، وعبثهم بكل وسيلة ممكنة.
د- بردعهم بالوسائل المناسبة، التي لا يكون ضررها أكثر من نفعها ، والاستعانة بالله تعالي في هذه الحالة عليهم (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) [العنكبوت:30].
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، صلي الله عليه وآله ومن والاه.
وبعد: فقد بقي لنا أن نبين جزاء المفسدين في الأرض ، في الدنيا وفي الآخرة .
ففي الدنيا:
يقول المولي (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة:33].
حيث إنه (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة:32].
وأما في الآخرة:
فيقول تبارك وتعالي عنهم (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[الوعد:25].
وهذا أيها الأحبة في الله : عين العدل الإلهي معهم.
يقول سبحانه (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)[ص:28]
اللهم أجعلنا صالحين مصلحين، ولا تجعلنا مفسدين ولا فاسدين .
وأصلح لنا ديننا الذي هوعصمة أمرنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.