كاذبة الفنجان
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أتجوّلُ في قلبِ وطني ولا أطلالَ في وطني تذكرني بك , ولا أطلال في وطنكَ تذكرك بي ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أرتدي فستاني الأحمر , وأملأُ ذراعي وقدمي بإكسسواراتِ الغجر التي عشقتُـها منذ السنةِ الأولى لمراهقتي ؟
لماذا تذكرتك اليوم , وأنا أقرأُ محفوظات هاتفي المتحركِ بكلّ تفاصيلِ الحب والفراق والعذابِ والحزنِ والحنين؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أتصفّــحُ قديمَ مقالاتي :
"أوصيكَ بهِ خيراً" , "أحبكَ مع الإعتذارِ إليها" , " تعالَ أعيشك" ؟
أواه لو تعلم كم ناديتُــك بهـــا ..
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أقفُ أمام المرآةِ بكاملِ زينتي
وأحاولُ جاهدةً إخفاءَ آثار البكـــاءِ عليك تحت عينيّ , وفوقَ جفني ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أسير في الطريق وحدي وصاحب "الأماكن" يشدو بها , فيختفي الطريق من أمامي ولا ألمح سوى دموعي ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أقف أمام البحر بشموخِ حوريةِ البحر , أنادي من قاعِ البحرِ أميري ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أقرأُ أشعار المجنونِ في ليلاه , وأستشعرُ عذابهُ وهو يمــــرُّ على ديارها يقبل ذا الجدارِ وذا الجدار ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أمــرُّ على حيـّـنا القديم خِـلسةً ..
أبحثُ بين طرقاتهِ عن عطرِ طفولتي وخربشات رفاقي على جدرانِـه؟
لماذا تذكرتك اليوم … وأنا أزورُ بيت جدي المغلق منذ سنواتٍ أستنـــشقُ عطره بين الجدران..
وأسألها عن طفلةِ كانت أنا ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أتحـسسُ ظهري ويُـخيـّل إليّ من شدةِ الطعنة أن الخنجرَ ما زال عالــقاً يتأرجحُ في ظهري ذهاباً وإياباً ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أقطعُ ورقةِ من "روزنامةِ" الأيام
وأحصي عددَ الأيام المتبقيةِ عن يومِ ميلادك الذي كان يوماً هاجسي الجميل ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أنظــرُ إلى كفّ يدي وأملحُ خطّ الحياةِ القصيـر وأتساءل : هل ستخدمُ الصدفة قارئةَ الكفّ وأغادرُ الحياة كا أخبرتني يوماً …. باكراً ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أحــدّق في قاعِ الفنجان وأتـذكـرُ حديث كاذبةِ الفنجان حين ادّعــت أن طفلي الأول سيكون طفلك ؟
لماذا تذكرتك اليوم وأنا أدفنُ وجـهي في وسادتي باكيـــة
وأردد بحرقة قوله تعالى : (وما كنتُ بدعائكَ ربِّ شقياً) ؟