الصداقة تكسب طفلك القدرة على ضبط النفس
تخلصه من العدوانية
علاقات الصداقة الطيبة التي يعقدها الأبناء لها انعكاسات ومردود صحي إيجابي يعود على صحتهم النفسية، وعلى علاقتهم الاجتماعية بالمجتمع من حولهم.
وينبغي أن تتاح للأطفال فرص التفاعل الاجتماعي مع الأقران، فمن واجبنا أن نشجع الطفل الذي يفتقد علاقات الصداقة على الدخول في علاقات مع أترابه لكي تقوى ثقته في نفسه، ويكتسب المهارات الاجتماعية الأساسية، كما يبين الدكتور أسامة سعد أبو سريع.
في بعض الأحيان يخشى الطفل المبادرة بالتفاعل، إما لقصور في رصيده من المهارات الاجتماعية أو لخوفه من رفض أقرانه له. وهنا يتجلى دور الوالدين والمدرسين في تشجيعه على البدء في المحاولة ثم تكرارها بعد طمأنته وإقناعه بأنه من الضروري أن يكون له أصدقاء يقضي وقت فراغه معهم ويلعب معهم ويفيد منهم كما يفيدون منه. حتى الطفل العدواني يمكن أن تساعد الصداقة الانخراط في اللعب على تخلصه من العدوانية اكتساب قدر من الضبط النفسي عند ممارسة اللعب مع أقرانه.
ينبغي أن يدرك المسئولون عن التنشئة الاجتماعية أن مفهوم الصداقة يختلف تبعاً لاختلاف المراحل الارتقائية التي يمر بها الأبناء – يضيف أبو سريع – ويفرض هذا الاختلاف تغييراً موازياً في الأساليب المناسبة لدعم علاقات الصداقة، ففي سنوات الطفولة المبكرة وقبل الالتحاق بالدراسة تتركز الصداقة حول المشاركة في اللعب فحسب، كما تفتقد خاصية الاستقرار.
أما في سنوات الدراسة الابتدائية فيبدأ الأطفال في تكوين صداقات وثيقة تتسم بتبادل المشاعر الوجدانية، وعندما يتقدم العمر بأولئك الأطفال نجدهم يولون عناية أكبر بإرساء علاقة حميمة تقوم على الفهم المتبادل والحرص على الولاء. وفي ضوء تلك التغيرات الارتقائية يحسن أن يوجه الراشدون اهتمامهم نحو دعم مهارات اللعب والنشاطات المتبادلة البسيطة في سنوات الطفولة المبكرة ونحو تدريب مهارات بدء ومواصلة الصداقة في سنوات التعليم الابتدائي، على أن تتجه جهودهم إلى تعليم الأبناء كيف يعقدون صداقة وثيقة ومتبادلة في سنوات العمر التالية.
ومن المرغوب فيه أن يعرف المنشئون أن هناك خصالاً معينة تسهم إسهاماً خاصاً في تشكيل إدراك الأقران لطفل بعينه، ويلاحظ أن بعضها صعب التغيير ومن ذلك المظهر العام والتفوق الرياضي والقدرات العقلية والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، ومن ذلك يبدو أن المهارات اللازمة لاكتساب الأصدقاء تتفاوت من طفل إلى آخر وفقاً لدرجة تميزه أو افتقاده تلك الخصال، فمن الممكن أن يشجع الطفل المتفوق دراسياً على اكتساب الأصدقاء من خلال إبدائه المساعدة لزملائه في الموضوعات المدرسية، بينما ينصح الطفل الرياضي بعقد صداقات جديدة من خلال المشاركة مع زملائه في الممارسات الرياضية التي يبرز فيها.
وينبغي أن يدرك المنشئون في الأسرة والمدرسة أن من بين ظروف وأحداث الحياة ما يفرض صعوبات شديدة في علاقات الأبناء بأقرانهم، ومن تلك الأحداث الانتقال إلى مدرسة أو سكن جديد، وكذلك الخلافات الأسرية أو انفصال الوالدين. وتوجب هذه الظروف توجيه عناية خاصة للأبناء حتى يتجاوزوا الظروف الحرجة. ورغم ما يمكن أن يضطلع به الراشدون من دور رئيسي في دعم مهارات الصداقة لدى الأبناء إلا أن هذا الدور ينبغي أن يؤدى بحرص حتى لا يرسخ في تصور الصغار أن الكبار يتدخلون في حياتهم طوال الوقت. ومن الضروري أن يتجنب الراشدون إحراج الطفل أمام أقرانه بتوجيه النقد اللاذع له إذا فشل في عقد علاقات اجتماعية ناجحة مع بعض الزملاء أو الأصدقاء، حتى لا يفقد ثقته في نفسه وفي قدرته على التغلب على خجله وتحسين علاقاته.
ويؤكد أبو سريع على ضرورة أن يحترم الراشدون ميول الطفل ودوافعه وتفضيلاته الاجتماعية، حيث تنطوي صداقات الأطفال على العديد من الصور، إذ يفضل بعض الأطفال تكوين علاقات مع عدد كبير من الزملاء، ويفضل البعض الآخر تكوين علاقة وثيقة مع صديق واحد أو اثنين. وعلى الآباء والمدرسين أن يحترموا تلك الرغبات وأن يكون تركيزهم ليس على مجرد زيادة كم علاقات الصداقة وإنما على تحسين نوعيتها. ونؤكد في نهاية المطاف أن العناية بتحسين العلاقات الاجتماعية لأبنائنا لا تعني دفعهم إلى الإفراط في نشاطات اجتماعية تستنفد كل طاقاتهم وأوقاتهم ، صحيح أن الصداقة دعامة أساسية للتوافق النفسي، إلا أن نفعها مقيد بشروط لا ينبغي تجاوزها، ولعل من أهمها توخي الاعتدال سواء في عدد الأصدقاء أو في مقدار الوقت الذي ينفق في صحبتهم دون إفراط أو تفريط. فالصداقة النافعة تشبع حاجات الأبناء إلى المشاركة الوجدانية والإفصاح عن الذات والتعاون وتبادل المساعدة والخبرات، والترويح عن النفس.
ولكن لا ينبغي لها أن تكون على حساب إشباع الحاجة إلى الاستقلال والشعور بالحرية والتفرد وتأمل الذات ، وتكريس الجهود لتحصيل الدروس وتنمية المواهب الشخصية والانخراط في العمل والمشاركة في تحمل أعباء الأسرة وتحسين الصلات مع الأهل والأقارب.