بسم الله الرحمن الرحيم
حديثٌ من أحاديث الحبيب سيِّد الأنبياء والمرسلين، محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – يتحدَّث فيه عن فِئة مِن عباد الله، متميِّزين.
عن أبي مالك الأشعري، قال: كنتُ عند النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فنزلتْ عليه هذه الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]
قال: فنحن نسأله إذْ قال: ((إنَّ لله عبادًا ليسوا بأنبياءَ ولا شُهداء يَغبطهم النبيُّون والشهداء بقُربهم ومقعدهم مِن الله يومَ القيامة))،
قال: وفي ناحية القوم أعرابي، فجثَا على رُكبتيه، ورمَى بيديه، ثم قال: حدِّثْنا يا رسولَ الله عنهم مَن هم.
قال: فرأيتُ في وجه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – البِشْر، فقال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هم عبادٌ مِن عباد الله مِن بلدان شتَّى، وقبائل شتَّى مِن شعوب القبائل، لم تكن بينهم أرحامٌ يتواصلون بها، ولا دُنيا يتباذلون بها، يتحابُّون برُوح الله، يجعل الله وجوهَهم نورًا، ويجعل لهم منابرَ مِن لؤلؤ قدَّام الناس، ولا يَنزعون، ويخاف الناس ولا يخافون)).
رواه أحمد (5/341، 343)، والبغويُّ في شرْح السنة (13/51)، وقال محقِّقُه: وشهر بن حوشب مختلَف فيه، وله شاهد بنحوه مِن حديث ابن عمرَ، أخرجه الحاكم في المستدرك (4/170، 171)، وصحَّحه، وأقرَّه الذهبي، وآخَر من حديث أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه (2508) وإسناده صحيح.
ما أشْرَفَه مِن وصف! (لله عباد):
• إنَّه اختصاص وتمييز مِن الله سبحانه، وتكريم من النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – لفِئة من عبادٍ نسبهم إلى جلالِ الله بأنْ جعلهم لله عُبَّادًا وله عِبادًا.
• إنَّه الرِّضا والحب مِن الله ونبيِّه لفئة مِن العباد شرَّفهم بتعبيدهم لله.
• إنَّها الخصوصية التي يتمنَّاها كل عبد مِن عباد الله؛ ليسعد بالوصال الربَّاني، والحب النبوي النوراني.
• إنَّه الانتساب الأشرف، والفضل الأكرم، والبُغيةُ المرجوَّة، والغاية المنشودة.
• إنَّه وصفٌ للتكريم، وعزةٌ للتمكين، وسعادة للعبدِ المستقيم.
فالله الله، والشرف الشرف، والفخر الفخر أنْ يكون العباد كل العباد ممَّن قال عنهم النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ لله عبادًا)).
تكريم جديد: قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليسوا بأنبياء ولا شهداء)).
وهذا تكريمٌ آخَر مِن نوع آخَر، فقدْ كان التكريم الأوَّل بأن نَسَبهم الرسولُ لله انتسابًا، فقال: إنَّ لله عِبادًا.
أمَّا التكريم الآن فهو بتقريبهم مِن فئتين عظيمتين، الأنبياء والشهداء، في الفضل والفضيلة، والمنهج والوسيلة.
يتحابُّون بروح الله:
1- أي: لم تجمعْهم على الدنيا مصلحةٌ ولا منفعة، ولا ولادة أمِّ واحِدة، ولا قرابة.
2- تقرَّبوا إلى الله بحبِّهم لبعضهم بعضًا؛ إيمانًا منهم بقول تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فحقَقوا الإيمان بتحقيقِ الأُخوَّة فيهم وبينهم.
3- يَدلُّون بعضَهم على الخير.
4- يُفرِحُ بعضُهم قلبَ بعض، فسعادة أحدِهم سعادةٌ للآخر.
5- يُؤثِرون بعضَهم على بعض، حتى ولو كانتْ به الخَصَاصة.
6- تآخَتْ على الله أرواحُهم إخاءً يروع بِناء الزَّمن.
7- باتتْ فِدى الحقِّ آجالُهم بتوجيه قرآنهم المؤتمن.
8- تعاهَدوا على أن يكونوا في الله أحبابًا وعُبَّادًا، وأخذوا بذلك ميثاقًا.
9- عاونوا بعضَهم على الاستفادة مِن أوقاتهم فلم يُضيِّعوها.
10- أحْسنوا بينهم العشرةَ والمعاملةَ، فلانوا بأيدي بعضِهم.
11- تعاودوا عندَ مرضِهم وتزاوروا، حتى ولو بعدتْ مسافاتُهم.
12- زاروا المحاكمَ فعرَفوا فضلَ الله عليهم بحُسنِ أخلاقهم.
13- زاروا المستشفيات فعرَفوا فضلَ الله عليهم في صِحَّتهم وعافيتهم.
14- ذلَّلوا سُبُل المعالي وما عَرَفوا سوى الإسلام دِينًا.
15- إذا ضاقتْ عليهم دُنياهم نادوا بأعْلى صوتهم: يا ألله.
16- إذا أصابَهم الهمُّ والحزن نادوا بأعْلى صوتهم: يا ألله.
17- تَغافرُوا، تصافحُوا، تهادَوا، تحابُّوا، تبسَّموا، تزاورُوا، تشارَبوا، تعايشوا.
18- تَذاكروا وتدارسوا، وذكروا ربَّهم، وتلوا قرآنهم، وتخلَّقوا بأخلاق نبيِّهم.
19- تَناصحوا وتشاوروا وتأدَّبوا.
20- بالغيب كلٌّ منهم لغيره دعَا ورجَا ربَّه.
21- إذا تخاصموا – ونادرًا – لم يَفجُروا.
22- يرجون مِن بعضهم الدعاءَ ويُعينون بعضَهم على نوائبِ الدهر واللأواء.
23- استوعَب بعضهم بعضًا وتصبَّر عليه تصبُّرًا.
24- بالدِّين ترشَّدوا وبالعقلِ تَسدَّدوا وبالحياءِ تخلَّقوا.
25- مِن طاعة الله اتَّخذوا التجارة، وعَلِموا أنَّ فيها الربحَ بلا بضاعة، ولا خسارة.
26- مِن خصال الجهل تبرَّؤوا وبكلِّ خير تمسَّكوا.
27- علموا أنَّ الدنيا ليستْ دارًا للكرامة، بل الآخِرة هي خيرٌ وأبْقى، وأخلد وأسعد.
28- الواحد منهم كالنخلة، إنْ قعدتَ في ظلِّها أظلتْك، وإنِ احتطبْتَ من حطبها نفعتْك، وإنْ أكلتَ من ثمرها وجدته طيِّبًا (مِن كلام لقمان لابنه).
29- لم يكشفْ أحدُهم حجابَ غيره، ولم يفضحْ ما نظَر إليه مِن نفْسه وعورته وبيْته.
30- نمَتْ في نفوسهم بذورُ البِّرِّ فأثمرتْ بينهم ثمارًا كثيرة مِن ثمار الخير.
31- وطَّنوا قلوبَهم عندَ الله، فسكنوا واستراحوا.
32- توادَّوا وتحابُّوا وتراحمُوا، فكانوا كالبنيانِ المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا.
33- ما تحاسَدوا وما تَباغضوا، وكانوا عبادَ لله إخوانًا.
34- تواضَعوا فيما بينهم فلم يَعرفِ الكِبر والغطرسة لهم سبيلاً.
35- اهتمُّوا بأمْر دِينهم، وتابعوا أحوالَ بلدانهم، وفرحوا بصلاحِ أوطانهم.
36- أرواحهم الجنودُ المجنَّدة التي تعارفتْ فتآلفتْ وانصهرتْ فأنارتْ.
37- اجتَهدوا في إصلاح أنفسِهم، وتعاونوا على إصلاح غيرِهم برِفق وجمال مِن حُسن أخلاقهم.
الجوائز:
1- مقعدٌ قريبٌ مِن الله يومَ القيامة، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا.
2- فرح النبي محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – بهم.
3- غبطة النبيِّين والشهداء لهم، نبيون وشهداء؟! سبحان الله!!
4- منابر عالية مِن لؤلؤ يجعل المشهد كلَّه متوجهًا إليهم مِن نورهم الفياض.
5- ارتفاع مكانِهم عن الأرض، حيث المنابرُ تكون أعْلى من الأرض.
6- يجعل الله في وجوهم النورَ، فهو النورُ وربُّ النور.
7- يجعلهم على منابرَ مِن لؤلؤ، اللهَ الله في اللؤلؤ.
8- الأمَان الأمان مِن الخوف، فلا يفزعون.
9- يخاف الناس ولا يخافون.
خاتمة ورجاء:
اللهمَّ إنَّا نسألك حبَّك وحبَّ مَن يحبُّك، وحبَّ كل عمل يقرِّبنا إلى حبِّك، اللهمَّ اجعلْنا ممَّن يتحابون فيك على غيرِ أرْحام ولا أنساب، ولا مصالح ولا منافع، اللهمَّ اجعلْنا من عبادك فإنَّه مَن كان لك عبدًا نال فخرًا وعزًّا.
اللهُمَّ اجعلْ حبَّك أحبَّ إليَّنا مِن أنفسنا وأزواجنا، ومالنا وولدنا، ومِن الماء البارِد على الظمأ، اللهمَّ اجعلْنا نحبُّك بقلوبنا كلِّها ونُرضيك بجهودِنا كلِّها.
اللهمَّ اجعلْ حبَّنا لك كلَّه، وسعينا لك كلَّه، ومقالنا لك كلَّه، وعملنا في مرضاتِك، اللهمَّ ما زويت عنَّا ممَّا نحبُّ فاجعلْه قوةً لنا فيما تحبُّ، واجعلْنا عبادًا لك كما تحب.
اللهمَّ حبِّبْنا إليك وإلى ملائكتك، وأنبيائك وحبيبك محمَّد، وجميع خلقك وعبادك المخلصين، اللهمَّ إنَّا نسألك التوفيقَ لمحابِّك مِن الأعمال، وصِدْق التوكُّل عليك، وحُسن الظن بك.
اللهم اجعلْنا ممن توكَّل عليك فكفيتَه، واستهداك فهديتَه، واستغفرك فغفرتَ له، واستنصرك فنصرتَه، ودعاك فأجبتَه.
اللهم أفِضْ علينا مِن نورك حتى نرَى حِكمتك في كلِّ شيء، اللهم اجعلْ لنا نورًا نُميِّزُ به بيْن الحق والباطل.
اللهم افتحْ علينا حِكمتك، وانشر علينا رحمتك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ ألْزِمنا الفهم، وارزقنا العلم، والحِكمة والعقل، اللهمَّ زِدنا حكمةً وفَهمًا، ومعرفةً وعلمًا، اللهمَّ أخرِجْنا مِن ظلمات الوهْم، وأكرمنا بنور العِلم والفَهم.
اللهمَّ اجعلْنا من الساجدين لوجهِك، المسبِّحين بحمدك، المتحابِّين في جلالك المتآخِين على منابِر النور يومَ السرور.
اللهمَّ اجعلْ عملَنا صالحًا، واجعلْه لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا، برحمتك يا أرحمَ الراحمين
من موقع الالوكة