أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في المعاملات المادية
القرض و القضاء
مقدمة
القرض في اللغة القطع و اطلق على ما يعطيه الانسان من ماله ليُقضاه كأنه قد قُطع من ماله و منه القراض في التجارة و هو توكيل مالك بجعل ماله بيد آخر ليتجر فيه و الربح مشترك بينهما. اما المعنى الشرعي للقرض هو "تمليك الشىء برد بدله" فلم يرد إلا بمرادفه و هو الدين الذي وردت فيه أكبر آيات القرآن الكريم و هي آية المداينة في البقرة.
القرض في القرآن الكريم
استخدم في القرآن بأحد معانيه و هو قرض الله عز و جل و ذلك لغرض حث العباد و ترغيبهم على أن يعاملوه في القرض و ذلك منه سبحانه و تعالى على سبيل التلطف و الإحسان بهم حيث ندبهم إلى الإنفاق في سبيله بما يعهدونه من القرض الواجب قضاؤه لتركن أنفسهم إلى القضاء و ترغب في عظيم الأجر و الجزاء فتبادر إلى بذل المال في مرضاة الله و خلع الشح المسيطر على النفوس في حب المال و عدم بذله إلا إذا علمت الربح الوفير.
و إقراض الله تعالى يثيب عليه و الآخرة و ان كان يعود له في الدنيا مثل ما بذله لما في ذلك من التيسير على عباد الله و تفريج كربتهم فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "من نَفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة و من يَسًر على مُعسر يَسًر الله عليه في الدنيا و الآخرة و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (اخرجه مسلم في الذكر و الدعاء)
معنى إقراض الله سبحانه و تعالى
قال تعالى:" مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"- (سورة البقرة آية 245)
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "و استدعاء القرض في هذه الآية إنما هو تأنيس و تقريب للناس بما يفهمونه و الله هو الغني الحميد لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به الثواب في الآخرة بالقرض كما شبه عطاء النفوس و الأموال في اخذ الجنة بالبيع و الشراء"
و قيل المراد بالآية: الحث على الصدقة و إنفاق المال على الفقراء و المحتاجين و التوسعة عليهم و في سبيل الله بنصرة الدين و كني الله سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة كما كني عن المريض و الجائع و العطشان بنفسه المقدسة عن النقائص و الآلام ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى: "يا ابن ادم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك و أنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب و كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا بن آدم استسقيتك فلم تسقيني قال: يا رب و كيف أسقيك و أنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي" (أخرجه مسلم في البر و الصلة)
حث القرآن الكريم على إقراض الله تعالى
لضمان التكافل الاجتماعي في المجتمع توالت آيات القرآن الكريم في الحديث عنه بأساليب مختلفة من الأمر و الحض منها:
1- أما الأمر به فهو ما جاء في قوله تعالى: " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا " (سورة المزمل-آية 20) وقد قرن الله تعالى الاقراض بالصلاة و الزكاة مما يدل على عظم اهميته و يوحي بوجوبه و قد قال الامام الحسن البصري رضي الله تعالى عنه: (كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع) و لكن طلب الله تعالى له بصيغة الامر و قرنه بفريضتي الصلاة و الزكاة يدل على طلب الله تعالى له طلب حثيث.
و يلاحظ أن القرض هنا هو القرض الحسن و هو الذي يجمع أمورا ثلاثة:
أ- أن يكون حلالا خالصا لا يختلط به حرام
ب- أن لا يتبعه بمن أو أذى
ج- أن يفعله على نية التقرب لله تعالى
2- حضٌ الله تعالى عباده عليه و ترغيبهم فيه فهو ما جاء بقوله تعالى: " مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا" (سورة البقرة آية 245, سورة الحديد آية 11) هو اسلوب للحض على الانصاف بالخير كأن المستقهم لا يدري من هو الأهل لهذا الخير و الجدير به
3- اتبع الله تعالى الحض بالترغيب في الإقراض بالأجر المضاعف أضعافا كثيرة فقال سبحانه: "فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"- (سورة البقرة آية 245) و قد كرر الله تعالى الوعد للعباد في غالب آيات الحث عليه و الترغيب به كما في قوله تعالى: "إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ" (سورة الحديد آية 18) و مثل: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (سورة البقرة آية 261) و غيرها من الآيات
4- و قد رغب الله تعالى ليس فقط في الاقراض بل فيما ترتب عليه من خيرات كالمغفرة و تكفير السيئات كما قال سبحانه و تعالى: " إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ" (سورة التغابن آية 17) و كما قال تعالى: " وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ" (سورة المائدة آية 12)
حديث القرآن الكريم عن الدين
أما ما جاء بمعناه و هر الدين فذلك في اكبر آية من آيات كتاب الله تعالى و هي الآية المعروفة بآية الدين او المداينة حيث قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ( سورة البقرة آية 282) و هي اطول آية في القرآن و اكثرها تفصيلا و ايضاحا و هذه الآية العظيمة هي لبيان احكام المداينة بين العباد و قد استنبط منها اهل العلم ثلاثين حكما و عقد لها الامام القرطبي اثنين و خمسين مسألة و من ابرز الآداب التي وردت في الآية العظيمة ما يلي:
1- الأمر بكتابة الدين أيا كان نوعه
2- ارشد الله تعالى عباده إلى كيفية المداينة و هي أن تكون إلى أجل مسمى أي وقت محدد فقد وصفه الله تعالى بالـ"مسمى" دليل على ان الجهالة لا تجوز
3- أمر الله تعالى أن تكون الكتابة بالعدل أي بالحق بحيث لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله و لا أقل و لا يكون في قلب الكاتب و لا قلمه تحيز لطرف دون الآخر
4- نهى الله تعالى عن رفض الكتابة فعلى الكاتب ان يحسن كما أحسن الله تعالى إليه و هناك خلاف بين أهل العلم في هل هذا النهي للتحريم أم لا و ظاهر الآية تفيد الوجوب و لذلك وجه الله تعالى الأمر إلى الكاتب مرتين ووسط بينهما النهي عن أن يأبى ذلك و في ذلك من التأكيد للكاتب على الكتابة
5- على المملى عليه و هو المدين إذا ما تهيأ الكاتب للكتابة أن يملي عليه بالحق
6- أمر الله تعالى المتداينين إلى كتابة الحقير و الجليل من غير ملل لما في ذلك من قطع الخصومة بين المسلمين و حفظ أموالهم
7- لما كانت الكتابة وحدها لا تكفي في إثبات الحقوق أمر الله تعالى أن تقترن بشهادة شاهدين ممن ترتضى شهادتهما من الرجال أو رجل و امرأتان فيشهدان بإقرار المدين و صحة كتابة الكاتب فيثبت بذلك الدين عند المقاضاة
8- أحاط الله تعالى كل أحكام و آداب هذه الآية الجليلة بتقوى الله تعالى و مراقبته في تنفيذ هذه الأحكام
و قد روى عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال :"يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" (أخرجه مسلم)
تمثل أخلاق القرض و القضاء في النبي صلى الله عليه و سلم
عرف النبي صلى الله عليه و سلم بمساعدة من يلوذ به من أهل أو ضيف أو سائل و إن كان ذلك عن طريق الاستدانة لما جُبل عليه صلى الله عليه و سلم من مكارم الأخلاق فكان يستدين لذلك فإذا ما وجد ما يؤدي به بادر إلى القضاء.
و قد دل على ذلك قول السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها: "..كلا و الله ما يخزيك الله ابدا, إنك لتصل الرحم و تحمل الكل…" و الكل بالفتح يعني الأشياء الثقيلة التي تكون على القبيلة؛ يعني غرامة أو دية أو دين أو نحو ذلك، يكون هو ممن يتحملها، إذا حصل عليهم شيء يثقل كواهلهم ويعجزون عن أن يقوم به واحد فإنه يحمله، إما أن ينفرد بحمله وأدائه، وإما أنه يشارك فيه.
و من امثلة ذلك:
عن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال:" استسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل تمر لون (نوع من النخل) فلما جاءه يتقاضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس عندنا اليوم من شيء فلو تأخرت عنا حتى يأتينا شيء فنقضيك". فقال الرجل: واغدراه. فتذمر له عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه يا عمر فإن لصاحب الحق مقالاً. انطلق إلى خولة بنت حكيم الأنصارية فالتمسوا عندها تمراً". فانطلقوا فقالت: يا رسول الله ما عندي إلا تمر ذخيرة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا فاقضوا". فلما قضوه أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أستوفيت؟" قال: نعم قد أوفيت وأطبت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خيار عباد الله من هذه الأمة المطيبون". رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجاله رجال الصحيح، وروى البزار بعضه وقال في آخره فذكر الحديث.
وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس قضاء و من ذلك:
1- روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوه). فقالوا: ما نجد إلا سنا أفضل من سنه،
فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أعطوه، فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء (أخرجه البخاري)
2- عن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال: "استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا، فجاءه مال فدفعه إلي، وقال: إنما جزاء السلف الحمد والاداء ". أخرجه النسائي (2 / 533) وابن ماجه (2424) وأحمد (4 / 36)
3- عن العرباض بن سارية قال: "بعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : أجل ، لا أقضيكها إلا نجيبة ، فقضاني أحسن قضاء ، وجاء أعرابي يتقاضاه سنه (أي ناقة ذات سن معين) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوه سنا ، فأعطوه يومئذ جملا ، فقال : هذا خير من سني ، فقال : خيركم خيركم قضاء ". أخرجه النسائي(2 / 236) وابن ماجه (2286)
و من أقواله صلى الله عليه و سلم في القرض و الإقراض
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم ) و أي كربة يصاب بها المسلم أعظم من الاحتياج إلى المال
2-عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من أقرض الله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به.(أخرجه ابن حبان)
3- عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دخل رجل الجنة فرأى مكتوبا على بابها الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر (عزاه الهيثمي في المجمع إلى الطبراني في الكبير)
و من أقواله صلى الله عليه و سلم في القضاء و المبادرة به
كان صلى الله عليه و سلم يحث على القضاء و إحسانه بقوله و سلوكه فقد كان صلى الله عليه و سلم شديد الحرص على المبادرة بالقضاء كما حث صلى الله عليه و سلم على ذلك بقوله
و من أمثلة ذلك:
1- عن ابي ذر رضي الله تعالى عنه قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصر أحدا قال: ما أحب أنه يحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث، إلا دينارا أرصده لدين " (أخرجه البخاري) فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم إمام الزاهدين الذي لا يطيق أن يبيت و عنده بضع دراهم حتى ينفقها إلا إنه سوغ لنفسه أن يدخر المال لقضاء الدين
2- كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو الله و يقول: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم المغرم" فقال له قائل:
"ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم"
قال: "إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف" (أخرجه البخاري)
3- قال صلى الله عليه و سلم:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه, و من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" (أخرجه البخاري)
4- و قد قضى النبي صلى الله عليه و سلم بما رواه عنه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " مطل الغني ظلم" (أخرجه البخاري) و معلوم أن "الظلم ظلمات يوم القيامة" (أخرجه مسلم)
5- قال صلى الله عليه و سلم: "ليُ الواجد يحل عرضه و عقوبته" (أخرجه أبو داوود)
و(ليُ): أي مطله
و (الواجد): القادر المليء و المعنى أن فعله ذلك يحل عرضه بالإغلاظ عليه و عقوبته بالحبس حتى يقضي
زجره صلى الله عليه و سلم عن ترك الدين بغير قضاء
1- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يؤتى بالرجل المتوفي عليه دين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حٌدث أنه ترك وفاء صلى عليه و إلا قال للمسلمين: "صلوا على صاحبكم" قال: فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من انفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعليَ قضاؤه و من ترك مالا فلورثته" (أخرجه البخاري)
2- و عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم و أتى برجل يصلي عليه فقال: هل على صاحبكم دين؟ قالوا: نعم قال: فما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره لا تصعد روحه إلى السماء؟ فلو ضمن لي رجل دينه قمت فصليت عليه فإن صلاته تنفعه" (عزاه الهيثمي في المجمع إلى الطبراني في الكبير)
حرصه صلى الله عليه و سلم على مساعدة المدينين في تسهيل القضاء عليهم
و لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يسره أن لا يصلي على أحد من امته فقد كان يود أن يصلي حتى على المنافقين لو أنها تنفعهم لكمال رحمته صلى الله عليه و سلم و لكن لا يملك لهم نفعا يقدر عليه و لكنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يدخر جهدا إن استطاع فقد كان يتوسط إلى الدائنين في تسهيل قضاء مدينيهم بالوضع عنهم أو تيسير تقاضيهم و من أمثلة ذلك:
1- فقد سمع ذات يوم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم و إذا أحدهما يستوضع الآخر (أي يطلب منه أن يحط شيئا من دينه) و يسترفقه في شيء فيقول: و الله لا أفعل, فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: "أين المتألي علي الله لايفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب" (متفق عليه)
و(له): أي لخصمي ما رغب من الحط أو الرفق
و(َيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ): يطلب أن يحط عنه شيئا من الدين،
و(الْمُتَأَلِّي على الله): الحالف المبالغ في اليمين
2- عن عبد الله بن كعب بن مالك أخبره عن أبيه: "أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك قال كعب قد فعلت يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فاقضه" (أخرجه البخاري)
3- َعنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَقَالَ صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ" (أخرجه البخاري)
حثه صلى الله عليه و سلم على تيسير قضاء مديونيهم أو إعفائهم
و إضافة لما كان يبذله النبي صلى الله عليه و سلم من الوساطة أو الوفاء بنفسه في تيسير القضاء و الوفاء فقد كان صلى الله عليه و سلم يرغب الدائنين بالتخفيف عن مدينيهم و ذلك ببيان ما ينالونه من الأجر و الثواب عند الله تعالى ليشجعهم في التيسير على مدينيهم بالوضع أو الإنظار إلى ميسره:
1- كما في قوله صلى الله عليه و سلم: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه" (أخرجه مسلم)
2- و قوله صلى الله عليه و سلم: "كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس فإن رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزا عنه لعل الله يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه" (متفق عليه)
3- وقوله صلى الله عليه و سلم: "من انظر معسرا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" (أخرجه الترمذي)
4- عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"رحم الله رجلا سمحا إذ باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا اقتضى" (أخرجه البخاري)
المراجعمن كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
منقول