كما قدمت مزيدا من المعلومات التوضيحية حول مدى احتمالات تسبب تناول الحوامل للمضادت الحيوية بأي أضرار على تكوين أعضاء الجسم لدى الأجنة.
العنوان الأبرز في نتائج تلك الدراسة هو أن تناول الحوامل لغالبية أنواع المضادات الحيوية لا يتسبب برفع الإصابات بين الأجنة بالعيوب التكوينية لبناء أجهزة أجسامهم، أو ما يُسمى مجازا ب «العيوب الخلْقية».
ومع هذا، فإن هناك نوعين، أو ربما أكثر، من المضادات الحيوية، يرفعان من تلك الإصابات.
مضادات وحوامل
وكان موضوع تأثيرات تناول الحوامل للمضادت الحيوية على العيوب الخلْقية، قد عرض في مجلة «أرشيفات طب الأطفال والمراهقين» الصادرة في الولايات المتحدة، ضمن عدد نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من خلال دراسة الباحثين من «المركز القومي الأميركي للعيوب الخلْقية وإعاقات نمو الأطفال» National Center on Birth Defects and Developmental Disabilities.
وهو المركز التابع ل«مراكز مراقبة الأمراض والوقاية» الأميركي.
وكانت الدكتورة كريستا كريدار، الباحثة الرئيسية في الدراسة، قد قامت مع أعضاء فريق البحث المُشارك معها بمراجعة تحليلية للمعلوات التي تجمعت لديهم بعد متابعة أكثر من 13 ألف حالة حمل لنساء أنجبن أطفالا مُصابين بنوع أو أكثر من 30 نوعا للتشوها الخلْقية، مثل شق سقف الحنك cleft palate أو تشوهات القلب أو تشوهات الأطراف أو تشوهات الجمجمة، أو غيرها.
وقارن الباحثون بين مجموعتين من الحوامل.
الأولى شملت مجموعة حالات الحمل التي أنتجت أطفالا مُصابين بأحد أنواع التشوهات الخلْقية.
والمجموعة الثانية ضمت أكثر من 5 آلاف حالة من الحمل الذي لم يُؤدي إلى ولادة أطفال مُصابين بأي نوع من التشوهات الخلْقية.
وكان عنصر المقارنة بين المجموعتين هو مدى تناول المرأة الحامل لأحد أنواع المضادات الحيوية، وذلك في الشهر الذي حصل الحمل فيه، وفي خلال الثلث الأول من الحمل.
نتائج مهمة
وتوفرت المعلومات حول الحمل ونتائجه، من أرشيفات برنامج الدراسة القومية الأميركية لمنع حصول الإصابات بتشوهات الولادة.
وهي الدراسة القومية الرائدة والمميزة، والتي بدأت عام 1997، وشملت في بداياتها عشر ولايات أميركية.
وكان اعتماد الباحثين على مصادر المعلومات هذه منطقيا وأخلاقيا، بدلا من إجراء الدراسة بطريقة استشراف مستقبلي لمتابعة التأثير، أي بدلا من متابعة تأثيرات إعطاء أحد أنواع المضادات الحيوية للحوامل عموما عند الحاجة الطبية إلى وصفها وتناول المرأة لها.
والواقع أن أهمية هذه الدراسة لا تأتي فقط من إعطاء رؤية أوضح للأطباء، وللحوامل أيضا، حول أنواع المضادات الحيوية الآمنة من التسبب بتشوهات خلْقية لدى الأجنة.
وهذا الجانب وإن كان مهما بالفعل، إلا أن هناك مشكلة أخرى أصبحت واضحة في السنوات القليلة الماضية، ألا وهي تفشي حالات مقاومة الميكروبات البكتيرية للأنواع الشائعة الاستخدام من أنواع المضادات الحيوية المعروفة.
وهي المشكلة التي تضطر الأطباء في معالجة الحالات الصعبة تلك، إلى اللجوء لوصف أنواع متقدمة من المضادات الحيوية المتطورة التي هي أقوى تأثيرا في سحق البكتيريا، ولكنها أقل استخداما.
وهذه الأنواع الجديدة، لا تتوفر حولها معلومات كافية حول مدى التسبب بتشوهات الأجنة، على حد قول الباحثين.
كما أن هناك جانبا ثالثا لأهمية الدراسة، وهو أن نسبة مهمة لا يُستهان بها، من الحوامل يتناولن مضادات حيوية خلال الحمل.
ذلك أن الباحثين وجدوا أن حوالي 30 في المائة من الحوامل تناولن بالفعل أحد أنواع المضادات الحيوية، إما في الشهر الذي حصل الحمل فيه، أو خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل.
بعض المضادات الضارة
بداية لاحظ الباحثون أن نسبة حصول التشوهات الخلْقية لدى الأجنة بالعموم، نحو 3 في المائة من بين عموم حالات الحمل.
كما لاحظ الباحثون أن المضادات الحيوية من فئة البنسلين Penicillin، كانت أكثر أنواع المضادات الحيوية استخداما من قبل الحوامل.
وبالإضافة إليه، لوحظ استخدام الحوامل الواسع لكل من المضاد الحيوي «إريثرومايسن» erythromycin، والمضادات الحيوية من فئة مجموعة «كيفالوسبورين» cephalosporins، ومن فئة مجموعة «كوينوليون» quinolones.
وفي العموم، لم يكن تناول الحوامل لإحدى هذه المجموعات من المضادات الحيوية، سببا في ارتفاع الإصابات في حوالي 30 نوعا من التشوهات الخلْقية لأجنتهن.
إلا أن الباحثين لاحظوا أن هناك نوعين من المضادات الحيوية التي يرتفع، حال تناول الحوامل لها، حصول عدة أنواع من التشوهات بالأجنة. وهما أحد أنواع المضادات الحيوية من مجموعة «نايتروفيرانتوين» nitrofurantoins و«سالفونامايد» sulfonamides.
والأخيرة هي المعروفة لدى الكثيرين باسم «أدوية السلفا» sulfa drugs، والتي توصف في الغالب لعلاج حالات الالتهابات البكتيرية للمسالك البولية، وهي الالتهابات التي قد تُصيب الحوامل.
وعلى سبيل المثال، لاحظ الباحثون أن نسبة الإصابات بتشوهات حجم وشكل الجمجمة والدماغ، أعلى بنسبة 3 أضعاف لدى أجنة الحوامل اللواتي تناولن أحد أدوية السلفا.
كما ارتبط تناول الحوامل للسلفا، بارتفاع نسبة الإصابة بضمور البطين الأيسر من القلب hypoplastic left heart syndrome، وبضيق الشريان الأبهر الأورطي coarctation of the aorta، وبسد مجرى الأنف التنفسي choanal atresia، وبفتق الحجاب الحاجز الولادي diaphragmatic hernia.
كما كان تناول الحوامل لأحد أنواع المضادات الحيوية من مجموعة «نايتروفيرانتوين»، مرتبطا بارتفاع الإصابات بعدة أنواع من التشوهات الخلْقية في العين وفي القلب والفم وغيرها. وعلى سبيل المثال، ارتفاع الإصابات بحالات «شق سقف الحنك» بنسبة الضعف.
لا داعي للقل
ولكن الباحثين كانوا واضحين بشكل شفاف في تذكير النساء الحوامل بضرورة عدم الإفراط في القلق جراء تناول أحد أنواع المضادات الحيوية في الفترة التي لم تكن المرأة على علم بحملها، أو حينما يضطر الطبيب لوصف أحد أنواعها لعلاج حالات صحية تتطلب ذلك خلال فترة الحمل.
وقالت الدكتورة كريدار: «الرسالة التي من المهم توصيلها من خلال هذه الدراسة ونتائجها، هي أن الغالبية العظمى من المضادات الحيوية المُستخدمة لا يبدو أنها مرتبطة بالتسبب بالتشوهات الخلْقية التي ركزت عليها الدراسة لدى الأجنة.
كما أن الباحثين لم يتمكنوا من الجزم بما إذا كان تناول هذه المضادات الحيوية سببا في الإصابات بالتشوهات الخلْقية، أم أن السبب هو أحد أنواع الميكروبات التي نجحت في الوصول إلى الجنين.
ولذا علقت الدكتورة جينيفر واي، طبيبة أمراض النساء والتوليد بمستشفى لينوك هيل بنيويورك، بالقول: على الحوامل تذكّر أن تناول المضاد الحيوي قد يكون جيدا للجني وللأم.
وعلى الرغم من أن كثيرا من الحوامل يتجنبن تناول المضادات الحيوية خلال الحمل، فإن الإصابة بأحد الميكروبات، تحمل في طياتها مخاطر على الأم وعلى الجنين، مما يُوجب معالجتها بأحد المضادات الحيوية.
وأضافت: عدم علاج البكتيريا خلال الحمل، قد يُؤدي إلى عواقب صحية وخيمة، مثل حصول حالات التسمم الميكروبي في الدم، أو الولادة قبل حلول الموعد الطبيعي.
ولذا فإن الدراسة الجديدة تدعم بالدليل أن تناول المضادات الحيوية خلال مرحلة الحمل هو سلوك آمن، وتُذكّر الأطباء والحوامل بضرورة الحصول على معلومات أكثر حول مدى أمان تناول تلك الأنواع من الأدوية خلال فترة الحمل.
وفي هذا الجانب، شدت الدكتورة كريدار على حقيقة أن الاحتمالات متدنية لحصول تشوهات خلْقية لدى الجنين، حتى حال تناول الأم الحامل لأحد أنواع المضادات الحيوية التي ترفع من خطورة الإصابات بالتشوهات الخلْقية.
والسبب أن الدراسة توصلت في نتائجها إلى أن احتمالات حصول تلك التشوهات بسبب تناول أحد المضادات الحيوية «السيئة السمعة» لا تزال متدنية.
وللتوضيح، ذكرت أن احتمالات حصول حالة ضمور البطين الأيسر من القلب هي عادة واحد لكل 4200 جنين.
وعند تناول أحد أنواع أدوية السلفا التي ترفع بنسبة 3 أضعاف ذلك النوع من التشوهات، فإن نسبة الاحتمال هي واحد لكل 1400 جنين. وعليه، فإن المهم ليس هو عدم تناول المضاد الحيوي، بل هو ضرورة ألا تتناول المرأة الحامل أي مضاد حيوي قبل مناقشة الأمر مع الطبيب.
في إشارة واضحة منها إلى أن استشارة الطبيب مهمة لجهة تقرير ما إذا كانت الحالة الصحية للمرأة الحامل تستدعي ضرورة تناول المضاد الحيوي بالأصل.
كما أن استشارة الطبيب ستُفيد الحامل من جهة انتقاء الطبيب لأحد الأنواع المناسبة لعلاج تلك الحالة المرضية بالذات.
والأهم اختياره أنواعا ذات مستوى أفضل في الأمان على الجنين وسلامته، مع مراعاة تحقيق القضاء على البكتيريا المتسببة بالحالة المرضية الطارئة.
تصنيف سلامة أنواع المضادات الحيوية للحوامل
تُصنف المصادر الطبية أنواع المضادات الحيوية إلى أربع مراتب، وذلك وفق درجة أمان تناولها من قبل الحوامل، وذلك على سلامة صحة الحمل والحامل والجنين.
المرتبة الأولى، أو مرتبة «إيه» A: هناك القليل جدا من المضادات الحيوية التي يُمكن بشكل مطلق اعتبارها آمنة. ووصف مرتبة «إيه» يعني أن الدراسات على البشر أثبت أنه لا يُوجد دليل على تسببها بأي أضرار خلال المرحلة الأولى من الحمل، أو المرحلة الثالثة والأخيرة منه.
وأفضل مثال على هذا عقار «نيستاتين» Nystatin المضاد للفطريات حينما يكون على هيئة كريم بلسم يُوضع مباشرة داخل المهبل.
المرتبة الثانية، أو مرتبة «بي» B: غالبية أنواع المضادات الحيوية تُوضع في هذه المرتبة. أي أنها أنواع لا يُعلم ارتباطها بالتسبب بتشوهات خلْقية لدى الجنين، أو ارتباطها بالتسبب بأي أنواع من المضاعفات الصحية على الحامل أو على الحمل. ولذا فإن من الغالب أن يكون، تناول هذا المضاد الحيوي، شيئا آمنا.
وتضم هذه الفئة كلا من:
مجموعة «البنسلين»، مثل «أموكسيسيلن» Amoxicillin و«أمبيسيلن» Ampicillin و«أوغمنتين» Augmentin.
«كيفالوسبورين»، مثل: «كيفلكس» Keflex، «سيكلور» Ceclor، أو غيرهما. «إريثرومايسن» بكافة أنواعه. «أزيثرومايسن» azithromycin أو ما يُعرف ب«زيثروماكس» Zithromax.
أدوية مجموعة السلفا، ولكن فقط إلى ما قبل المراحل الأخيرة من الحمل.
«نيتروفيرانتوين».
«فلاجيل» Flagyl، على الرغم من بعض الملاحظات الطبية على تناوله في الثلث الأول من مراحل الحمل.
«زوفيراكس» Zovirax المضاد للفيروسات. «فالتريكس» Valtrex المضاد للفيروسات.
المرتبة الثالثة، أو مرتبة «سي» C: وهي التي تعني أنه لا تُوجد معلومات كافية لتأكيد أمان تناولها من قبل الحوامل، أو أن هناك هواجس طبية من ضر تناول الحوامل لها نتيجة تجارب على الحيوانات، دون إثبات أنها تتسبب بتشوهات خلْقية لدى أجنة البشر.
وتضم هذه المجموعة أدوية:
«باكتريم» Bactrim. أو أي أنواع أخرى تحتوي على «ترايمثوبريم» Trimethoprim.
«كلاسيد» KLACID المحتوي على «كلاريثرومايسن» clarithromycin.
«سيبرو» Cipro المحتوي على «سيبروفلوكساسين» ciprofloxacin.
«ايزونيازايد» Isoniazid و«ريفامبين» Rifampin المُستخدمان في علاج الدرن (السل).
مجموعة من الأدوية المضادة للفطريات أو الطفيليات، مثل «فلوكونازول» fluconazole و«ميكونازول» miconazole و«تيركونازول» terconazole و«ميبندازول» mebendazole.
مجموعات من أنواع اللقاح. مثل لقاح التنشيط للكزا «تيتانوس» tetanus toxoid، ولقاح التهاب الكبد الفيروسي من نوع بي hepatitis B، ولقاح الإنفلونزا بأنواعها، ولقاح الحمى الشوكية meningococcus، ولقاح التهاب «نيموكوكس» الرئوي pneumococcus، ولقاح شل الأطفال polio.
المرتبة الرابعة، أو مرتبة «دي» D: وهي مجموعة تضم مضادات حيوية ثبت علميا أنها ضارة بالحمل. ولذا يجب تجنب تناولها من قبل الحوامل، إلا في حالات الضرورة وعدم وجود بدائل متوفرة.
وتضم:
«تيتراسيكلين» أو المشتقات الأخرى منه، مثل «دوكسيسايكلين» doxycycline المعروف ب«فيبرومايسن» Vibramycin. نظرا لتسببها في تشوهات لون الأسنان.
ولا تُعطى أدوية مجموعة السلفا في مرحلة ما قبل الولادة، نظرا لتسببها بحالات صفار اليرقان لدى الأطفال حديثي الولادة newborn jaundice.
التعامل مع الالتهابات البكتيرية في مرحلة الحمل
إذا ما أُصيبت الحامل بأحد أنواع الالتهابات الميكروبية البكتيرية، فإنه يُمكن التعامل مع الأمور في الغالب بطريقة آمنة لضمان نجاح تخليص الجسم من تلك البكتيريا وإزالة الحالة المرضية الناجمة عن دخولها إلى جسم المرأة الحامل، والأهم الحفاظ على سلامة الأم الحامل وحالة الحمل وصحة الجنين.
ولذا من المهم انتقاء نوع المضاد الحيوي بعناية، وهناك أنواع من المضادات الحيوية التي يُمكن تناولها خلال مرحلة الحمل، وأخرى يجب تجنب استخدامها، وتعتمد سلامة تناول المضاد الحيوي، على الأم والحمل والجنين، وعلى عدة عناصر، وهي:
الحالة الصحية الأصلية للأم الحامل.
مدى الحاجة إلى تناول المضاد الحيوي، أي هل أن المضاد الحيوي هو العلاج اللازم؟
مدى وجود حساسية لديها ضد أي نوع من المضادات الحيوية.
نوع المضاد الحيوي الذي يرى الطبيب ضرورة تناوله.
فترة الحمل التي تمر بها الحامل خلال حاجتها لتناول المضاد الحيوي.
كمية جرعة المضاد الحيوي التي يحتاجها علاج الحالة الالتهابية لدى الحامل للقضاء على تلك البكتيريا.
المدة الزمنية لتناول المضاد الحيوي