عندما درس نيوتن طبيعة الكون الذي نعيش فيه على أساس قانونه للجاذبية وصل إلى أن الكون يتكون من كل النجوم و السدم مركزة في مركز الكون، و الفضاء الذي حولها خاو لا يحتوي على شيء من المادة. أي إن الكون يبدو كما لو كان جزيرة محدودة في وسط محيط لا نهائي من الفضاء. و بالقياس إلى الأمثلة السابق توضيحها يمكن أن نقول بأن الكون من وجهة نظر نيوتن (( منته و محدود )).
و كان هناك الكثيرون ممن لم يقبلوا فكرة نيوتن عن الكون، على أس فلسفية فقط، إذ أنها كانت تعني أن الضوء و الطاقة التي تشعها النجوم بصورة مستمرة تنتشر في الفضاء بعيداً عن النجوم و لا تعود أبداً. و قد بدا أنه من غير المعقول أن الكون يبد طاقته تدريجياً بهذه الكيفية إلى أن يصل إلى الفناء. كما أنه لم يكن من المقبول عقلاً التسليم بهذا الفضاء فيما وراء النجوم دون أن نعلم شيئا عن ماهيته أو عما وراءه هو نفسه.
و لقد استطاع آينشتاين باستخدام النظرية النسبية العامة أن يبين، لأسباب رياضية، بأن الكون كما تصوره نيوتن غير محتمل الحدوث إن لم يكن مستحيلاً. و على وجه التحديد، أثبت آينشتاين أن متوسط كثافة المادة في مثل هذا الكون لا بد و أن تنعدم. فقد بنيت قوانين نيوتن على أساس أن الضوء يسير في خط مستقيم بينما ثبت في النسبية العامة أن أشعة الضوء تنحرف بتأثير الكتل الجاذبة ( ليس لهذه الحقيقة أية علاقة بالنتيجة التي توصل إليها آينشتاين بخصوص الكون الذي تصوره نيوتن). و لقد استنبط آينشتاين مبدئياً على أساس النظرية النسبية العامة أن الكون الذي نعيش فيه (( منته و غير محدود )).
فالكون يشبه السطح الكروي ذا البعدين فهو منته و غير محدود، إذ لو سرنا في خط مستقيم على سطح كرة (كالأرض مثلاً) فإننا سوف نعود في النهاية إلى النقطة التي بدأنا منها دون أن نشعر بأي دوران أثناء الرحلة. فالخط المستقيم على الأرض هو الخط الذي يتبع سطح الأرض. و نحن نعلم أن سطح الأرض مستدير، و لكن لا يمكننا إدراك ذلك بسهولة بأعيننا لأن مقدار الانحناء ضئيل جداً.
أما في الفضاء الخارجي فإن الخط المستقيم يحدده المسار الذي يتخذه شعاع الضوء. و الأشعة الضوئية حينما تسير بعيدا عن أي من الكتل الجاذبة فإنها لا تتأثر بها، و لكنها إذا مرت على مقربة منها فإنها تنحني أو تنحرف نحوها. و من أجل ذلك فإنه يقال بأن الفضاء نفسه (( منحن )). و من هنا نشأت عدة اصطلاحات مثل (( منحنى الفضاء ))، (( انحناء الفضاء )). و يجب ألا نتصور أن الفضاء منحن على الصورة التي يتضمنها المعنى العادي للكلمة، و لكن بمعنى أن الفضاء يحتوي على كتل جاذبة (النجوم و المجرات الشمسية الأخرى التي يحتمل وجودها) تعمل على انحراف الأشعة الضوئية التي تمر على مقربة منها.
و ظاهرة انحراف الأشعة الضوئية. بواسطة الكتل الجاذبة تفسر لنا كيف أن الكون غير محدود. لأنه على الرغم من أن الأشعة الضوئية تسير في خطوط مستقيمة في الأصقاع السحيقة في الفضاء بين النجوم، إلا أنها تنحرف عندما تمر بالقرب من النجوم. و إذا تكرر انحراف الأشعة الضوئية لعدد كاف من المرات فإنه من الممكن أن تدور وتجه في الاتجاه المضاد تماماً، كما يحدث تماماً لمسافر حول الأرض عندما يصل إلى منتصف رحلته. و كما أن المسافر على الأرض يعود إلى نفس النقطة التي بدأ منها إذا سار في خط مستقيم على سطح الأرض، كذلك أيضاً المسافر في الفضاء في الكون الذي نعيش فيه فإنه يجد نفسه ثانية على سطح الأرض إذا سار فيما يبدو له أنه خط مستقيم في الفضاء.
و لن يزيد إدراكه للدائرة الهائلة التي يقطعها عبر الفضاء عن شعور المسافر على الأرض بالدائرة التي يراها على سطحها. و على العموم فالخط المستقيم في الفضاء هو إذاً المسار الذي يتخذه شعاع ضوئي و قد يكون مستقيماً أو منحنياً أو مزيجاً منهما. و لكي نتفادى الخلط بينه وبين ما نعنيه عادة بالخط المستقيم فسوف نطلق على الخطوط التي يسير فيها الضوء في الفضاء اسم ((خطوط الفضاء )) بدلاً من الخطوط المستقيمة في الفضاء.
و على ذلك إذا كانت فكرة آينشتاين عن الكون صحيحة فإن (( رحالة الفضاء )) الذي يترك الأرض و يسير باستمرار في خط من خطوط الفضاء سينتهي دائماً بأن يعود إلى الأرض مهما كان اتجاهه الأصلي بعيداً عن الأرض. ومثل رحالة الأرض لن يقابله أي عائق من أي نوع في أثناء رحلته حول الكون. و على ذلك فإن الكون الذي نعيش فيه غير محدود.
إن الكون منته، لأنك إذا كنت تسافر باستمرار في خط من خطوط الفضاء و تنتهي آخر الرحلة بعد بعض من الوقت عند نقطة الابتداء فإنك بذلك تكون قد مررت خلال جزء محدود من الفضاء، و هنا أيضاً كما في حالة السطح الكروي، هذا الجزء من الفضاء يمكن قياسه.
إن الصورة الفيزيائية للكون هي صورة محيط متسع من الفضاء موسدة فيه مجموعات النجوم (مضافاً إليها كل ما يمكن أن يكون هناك من المادة السماوية) في توزيع يكاد يكون منتظماً مثل الزبيب في كعكة الزبيب. (و بعضهم يشير إلى الكتل الجاذبة على أنها (( دمامل في الفضاء )) أو (( تجعدات )) أو (( تموجات )) على سطح الفضاء). و فضلاً عن ذلك فإنه ليس هناك حافة خارجية للكون، فقد رأينا أن السفر المستمر في خط من خطوط الفضاء يعود بك ثانية عند نقطة الابتداء. إن الكون الذي نعيش فيه (( مقفلُ على نفسه )).
فيه ترى الأرض في الوسط (يجب ألا نستنتج من ذلك أن الأرض هي فعلاً مركز الكون؛ إذ لا يوجد هناك شيء مثل ذلك، كما هو الشأن في حالة السطح الكروي ذي البعدين). فإذا سرت مبتدئاً من الأرض في المركز متجهاً إلى الخارج على أحد خطوط الفضاء (التي تمثلها أنصاف الأقطار الممتدة إلى الخارج من الأرض إلى المركز) فإنك ستأخذ في الابتعاد عن الأرض أكثر فأكثر.
و هذا ما يناظر على السطح الكروي ذي البعدين أن تبتعد أكثر فأكثر عن نقطة البداية عندما تسير في خط مستقيم على سطح الأرض. و على بعد معين، تمثله الدائرة الكبيرة، يكون (( رحالة الفضاء ))، أبعد ما يمكن عن الأرض، بنفس الطريقة التي يصبح بها المسافر على سطح الأرض أبعد ما يمكن عن نقطة الابتداء عندما يصل إلى الطرف الآخر للقطر المار بنقطة الابتداء.
و إذا استمر (( رحالة الفضاء )) في السير على خط فضائه فإنه يجد نفسه يقترب من الأرض ثانية. و يوضح ذلك تلك الأجزاء من خطوط الفضاء الموجودة خارج الدائرة و تنتهي بالكرات الأرضية الأخرى. و هذه الكرات الأرضية تمثل فعلاً أرضنا التي في وسط الشكل، إلا أنه بالنسبة إلى مسافر الفضاء الذي لا يعرف طبيعة كوننا فإنها تظهر كأنها صور أخرى مكررة لأرضنا إلى أن ينزل فعلاً على سطح الأرض و يجد أنها حقيقة نفس الأرض التي بدأ منها رحلته.
و هذا أيضاً هو ما يحدث على السطح الكروي ذي البعدين، فإن المسافر على الأرض يرى في النهاية أن نقطة الابتداء تقع أمامه في حين أنه يعلم أنه قد تركها خلفه. و هو أيضاً، إذا لم يكن يعرف طبيعة عالمه الذي يسير فيه، فإنه يظن أنه يرى صورة أخري لنقطة البداية.
و حيث إنه يوجد حد أقصى للبعد عن الأرض، فإنه يمكننا اعتبار هذا البعد على أنه (( نصف قطر الكون )). و هذا أيضاً يناظر ما حدث على السطح الكروي، إذ أن كل نقطة عليه تقابلها نقطة أخري المسافة بينهما تكون نهاية عظمى وتقع عند الطرف الآخر للقطر المار بالنقطة الأولى. و المسافة بين النقطتين تتوقف طبعاً على نصف قطر الكرة، فكلما زاد نصف القطر زادت المسافة بين النقطتين. في حالة كرة في حجم الأرض مثلاً تكون أبعد نقطة عن القطب الشمالي هي القطب الجنوبي.
و في الشكل السابق يعين نصف قطر الدائرة الكبيرة نصف قطر الكون. و لقد تمكن آينشتاين من إيجاد نصف قطر الكون، و قد وجد أنه يتوقف على متوسط كثافة المادة في الكون (و بالتعبير الرياضي: وجد آينشتاين أن نصف قطر الكون يتناسب عكسياً مع الجذر التربيعي للكثافة). و باستعمال أحسن التقديرات لمتوسط كثافة المادة في الكون يكون التقدير الحالي لنصف قطر الكون هو:
200,000,000,000,000,000,000,00 0 ميل
و يمكننا أن نستنتج، على حسب النظرية النسبية العامة، أن الكون (( منته و غير محدود ))، و لا يمكن التحقق عملياً عما إذا كان حقيقةً كذلك أم لا. و مع كل فقد يلذ لنا أن نتأمل فيما يمكن أن يحدث بعد سنين عديدة من الآن.
فربما يتمكن أحد الفلكين يوماً ما من بناء تلسكوب كبير بعيد المدى و نستطيع أن نتخيل ما يمكن أن يحدث عندما ينظر خلاله. ربما يرى جسما لامعاً مضيئاً يشبه القمر، و ينمو على سطحه شجرة منحنية غريبة المنظر. و قد تمضي ساعات طويلة من البحث و التدقيق قبل أن تشرق عليه الفكرة بأنه ينظر إلى صلعته اللامعة و قد أتم الضوء الصادر عنها دورته حول الكون و عاد ثانية مؤخرة رأسه .