التصنيفات
منوعات

انت لي كامله من البدايه حتى النهاية الحلقة 19

انت لي : الحلقة 19

كنت قد دخلت إلى داخل المنزل لإحضار سيجارة …
فكلما شعرت بالضيق ، عكفت على التدخين بشراهة …
و رؤية رغد و سامر يقبلان نحونا … و أصابعهما متشابكة جعلت شعبي الهوائية تنقبض و تنسد …
سامر جلس معنا ، و ذهبت رغد إلى الداخل …
بعد قليل دخلت ُ قاصدا الذهاب إلى غرفة سامر و إحضار السجائر ، فرأيتها أمامي …
الغضب الذي كان يسد شعبي مع ذلك الهواء خرج فجأة باندفاع مصبوبا عليها … فتحدثت معها بقسوة رافضا الإصغاء إلى ما كانت تود إخباري به …
الآن أنا في الغرفة أشعر بالندم …
لماذا أصبحت أعاملها بهذه الطريقة ؟؟
أليست هذه هي رغد … طفلتي الحبيبة المدللة ؟؟
رغد …
أتسمعون ؟؟
أتدركون ؟؟
إنها رغد ! رغد !
حملت سجائري و ذهبت في طريقي إلى الخارج …

عند عبوري الممر قرب المطبخ لمحت أختي دانه ، و كانت ترتدي مريلة خاصة بالمطبخ و توشك على المسير نحو الباب …
" وليد ! … أوه سجائر !
ثم مسكت أنفها بإصبعيها كمن يمنع رائحة كريهة من اقتحام أنفه !
" لن أدخن هنا ! "
قالت :
" أنا أيضا ذاهبة لوداع سامر ! رغد الكسولة تركتني أعمل وحدي ! "
و خرجنا سوية …
رغد كانت تجلس قرب سامر … الذي يبدو على وجهه الانفعال و السرور !
قالت دانة :
" آسفة سامر سأودعك الآن و أعود للمطبخ ! "
و وجهت كلامها إلى رغد :
" فالكسالى يجلسون هنا ! و لكن بعد أن أتزوج ستقع على رؤوسهم أعمال المنزل رغما عنهم ! "
سامر ضحك ، و كذلك والدي … أما رغد فألقت نظرة لا مبالية على دانة ثم أخذت تشرب الشاي …
والدتي قالت :
" بل على رأسي أنا ! فأنتما ستخرجان من هنا في ليلة واحدة ! "
أنا صعقت … و اكفهر وجهي … و حملقت في رغد … أما دانة فقالت :
" ماذا … أمي ؟؟ هل …؟؟ "
سامر قال :
" قررنا أخيرا !! "
دانة سارت نحو رغد ببهجة فوقفت الأخرى و تعانقتا …
" أيتها الخبيثة ! هل تريدين سرقة الأضواء مني ؟؟ "
و ضحكتا بمرح …
ثم عانقت دانة سامر و تمتمت ببعض الكلمات ، ثم ودعته و عادت إلى الداخل …
" يجب أن أغادر الآن ! "
قال ذلك سامر … فوقف والداي ، فاحتضنهما و قبل رأسيهما …
ثم أمسك بيدي رغد ، و ضمها إليه في عناق طويل …
كل هذا و أنا واقف كالشجرة التي إلى جانبي … أشعر بالصواعق تضربني من كل جانب ، و أعجز عن فعل شيء …
و الآن … يقبل الخائن نحوي أنا … يريد توديعي …
ابتعد يا سامر فأنا أشعر برغبة جنونية في ضربك ! و لا أعرف أي قوية امتلكت لحظها و منعت يدي من أن تحطم وجهه …
صافحته و عانقته عناقا باردا خال من أية مشاعر … و تركته يذهب …
بعدما خرج ، تجاوزت الطاولة و من يجلس حولها ، و وقفت بعيدا لئلا أزعج أحدا بدخان سجائري …
كنت أسمع أصوات الثلاثة ، أبي و أمي و الخائنة يتحدثون عن أمور الحفلة و الإعداد لها …
و كنت أشعر بأن طبقة سميكة من الإسمنت قد صبت على صدري و يبست و كتمت أنفاسه …
أمي ذهبت بعد ذلك للمطبخ لتساعد دانة ، و بقي والدي مع رغد …
كنت أختلس نظرة ناحيتهما من حين لآخر … والدي كان يجلس موليا ظهره إلي أما الخائنة فكانت تواجهني
و لم يحدث أن التفت ُّ إلا و اصطدمت نظراتنا ، فزادت الإسمنت على صدري طبقة بعد طبقة …
والدي تلقى مكالمة عبر هاتفة المحمول ، ثم انصرف إلى الداخل …
و بقيت صغيرتي وحدها تشرب الشاي … توقفت عن الالتفات إلى الوراء … و شردت في اللاشيء الذي لا أراه أمامي …
و الآن شعرت بحركة خلفي … و بقيت كما أنا أرتقب … و ظهر ظل أمامي يكبر و يكبر … و الفتاة الواقفة خلفي تقترب و تقترب … و الآن توقفت …
لثوان معدودة … ظلت رغد واقفة خلفي و أنا لا أملك من الشجاعة و القوة ما يمكنني من الاستدارة إليها … و لكني أرى ظلها أمامي … و أرى يدها تتحرك نحوي … ثم تتراجع … ثم تستدير … ثم تنسحب …
عندما ابتعدت استدرت أنا للخلف و رأيتها و هي تسير مبتعدة و يدها تمسح ما قد يكون دموعا منسكبة على وجهها …
مددت يدي … أريد أن أمسك بها … أمسك بظلها … أمسك بطيفها … أمسك بدمعها … أمسك بذرات الهواء التي لامستها … و اختفت رغد … و عادت يدي فارغة لم تجني غير الحسرة و الألم …
عندها ، تلوّت معدتي أيما تلوي … و عصرت كما تعصر الملابس المبللة باليدين …
في تلك الليلة ، حضر نوّار خطيب شقيقتي و قد جالسته لبعض الوقت …
و رغم أنه دمث الخلق ، إلا أن نفسه لا تخلو من الغرور و التعالي … و قد أحرجني لدى سؤاله لي عن دراستي المزعومة و أعمالي و خبراتي المعدومة !
و كنت أختصر الإجابات ببعض جمل غامضة ، و سرعان ما انسحبت تاركا الخطيبين يستمتعان بعشائهما …
و لشدة الآلام ـ الجسدية منها و النفسية ـ فإنني اكتفيت بقدر يسير من الطعام … و ذهبت إلى غرفة سامر متحججا بالنعاس …
رغد لم تكن قد شاركتنا الوجبة ، فلا أظنها تفكر في فعل ذلك بعد الطريقة الفظة التي عاملتها بها …
الندم يقرصني و يوخز جميع أعصابي الحسية … إضافة إلى آلام المعدة الحادة …
و مرة أخرى خرجت الدماء من جوفي و زادت قلقي … لابد أنني مصاب بمرض … و لابد لي من مراجعة الطبيب …
على السرير تلويت كثيرا حتى قلبت المفارش و البطانيات و الوسائد رأسا على عقب …
أفكاري كانت تدور حول رغد … كيف لي أن أهدأ لحظة واحدة … و موعد زفافها قد تحدد !
لو كان باستطاعتي تأجيله قرنا بعد … فقط قرن واحد … أضمن فيه أنها تبقى معزولة عن أي رجل … و تموت دون أن يصل إليها أحد …
أخرجت صورة رغد الممزقة و جعلت ألملم أجزاءها ، و أتاملها ، ثم أبعثرها من جديد
و أعود لتجميعها كالمجنون …
نعم مجنون … لأن تصرف كهذا لا يمكن أن يصدر من كائن عاقل …
تركتها ملمومة على المنضدة التي بجواري … و قمت أذرع الغرفة ذهابا و جيئة كبندول الساعة !
اقتربت الساعة من الواحدة ليلا … و أنا ما بين آلم معدتي الحارق و ألم قلبي المحترق … حتى رغبت في تناول أي شيء من شأنه أن يهدئ الحريق المشتعل بداخلي …
و تنفُّس أي شيء يطرد الضيق من صدري …
أخذت علبة سجائري … و خرجت من الغرفة … تاركا الباب مفتوحا …
ذهبت أولا إلى المطبخ و حملت علبة حليب بارد معي فقد لاحظت تأثيره المهدئ على معدتي ، و خرجت إلى الفناء … و بدأت بشربه و التدخين معا …
لا أستطيع أن أنام و أنا أفكر … و أفكر و أفكر … فيما قاله وليد لي … و الصداع يشتد لحظة بعد أخرى …
كم آلمني … أن أكتشف أنه لم يعد يهتم بي أو يرغب في رعايتي كالسابق …
لقد تغير وليد … و أصبح قاسيا و مخيفا … و غريبا …
كنت أبكي حسرة و مرارة … فأنا فقدت شيئا كان يشغل حيزا كبيرا من حياتي …
و منذ ظهوره ، و أنا في صراع داخلي …
بقيت فترة طويلة أتأمل صورته التي رسمتها قبل شهور … و لم أتمها …
و إذا بي أرى نفسي ألّون بياض عينيه باللون الأحمر الدموي … ! غضبا و حسرة …
صار مخيفا … مرعبا …
دانه كانت تمضي وقتا غاية في السعادة و المتعة مع خطيبها الذي تحبه … و هذا يجعلني أتألم أكثر … لأنني لا أحظى بالسعادة التي تحظى بها … و لا أشعر بالمشاعر التي تشعر هي بها تجاه خطيبها …
غدا هو يوم دراسة ، و يجب أن أنام الآن و إلا فإنني سأنام في القاعة وسط الزميلات !
خرجت من غرفتي و في نيتي ابتلاع قرص مسكن من الأقراص الموجودة في الثلاجة ، و فيما أنا أعبر الردهة لاحظتُ باب غرفة سامر مفتوحا …
تملكني الفضول !
سرت بحذر و هدوء نحو الغرفة !
وقفت على مقربة و أصغيت جيدا … لم أسمع شيئا …
اقتربت أكثر خطوة بعد خطوة ، حتى صرت عند فتحة الباب ، و أطللت برأسي إلى الداخل بتهور … لكني لم أجد أحدا !
عندها فتحت الباب على مصراعيه بسرعة … و بذعر و هلع صحت :
" وليد ! "
قفزت و أنا أركض كالمجنونة … أجول في أنحاء المنزل و في رأسي الاعتقاد الصاعق بأن وليد قد فعلها و رحل خلسة …
الدموع تسللت من عيني من شدة ما أنا فيه ، و شعرت برجلي ّ تعجزان عن حملي فصرت أترنح في مشيتي مخطوفة الفؤاد … منزوعة الروح …
و انتهى بي الأمر إلى باب المدخل …
وقفت عنده و مسكت قبضته و ركّزت كل ثقلي عليها لتدعمني لئلا أقع … فإن انفتح الباب … فلا شك أن وليد قد غادر و تركه مفتوحا …
و انفتح الباب و انهرت أنا مع انفتاحه …
لقد فعلها و فر خلسة دون وداعي … خارت قواي و أخذت أبكي و أنحب بصوت عال …
" لماذا ؟ لماذا يا وليد لماذا ؟؟ "
فجأة … ظهر شيء أمامي !
كنت أجلس عند الباب بلا حول و لا قوة … و شعرت بشيء يتحرك فأصابني الذعر الشديد … فإذا به وليد يظهر في المرأى …
" رغد !!؟ "
لم أصدّق عيني … هل هذا شبح ؟؟ أم حقيقة ؟؟
جسم كبير … طويل عريض … متخف في الظلام … يتقدم نحوي … لا يُرى شيءٌ منه بوضوح غير لهيب السيجارة التي بين إصبعيه …
" رغد … ما … ماذا تفعلين هنا …؟؟ "
و كدمية كهربائية قد فُصِل سلكها عن المكبس ، شللت ُ عن الحركة …
حتى رأسي الذي كان ينظر إلى الأعلى … الأعلى .. حيث موضع عيني وليد ، هوى إلى الأسفل … متدليا على صدري سامحا للدموع بأن تبلل الأرض …
لم أجد في بدني أي مقدار من القوة لتحريك حتى جفوني …
وليد وقف مندهشا متوجسا برهة … ثم جلس القرفصاء أمامي … و قال بصوت حنون جدا …
" صغيرتي … ؟؟"
الآن … كسبت من الطاقة ما مكنني من رفع رأسي للأعلى و النظر إليه …
و بقيت أنظر إلى عينيه و تحجبني الدموع عن قراءة ما فيهما …
" ما الذي تفعلينه هنا ؟؟ "
" هل تريد الرحيل دون وداعي ؟؟ "
لم تخرج الكلمات كالكلمات … بل خرجت كالبكاء الأجش …
" الرحيل ؟؟ من قال ذلك ؟؟ "
" ألست … ألست تريد الرحيل ؟؟ "
" لا … خرجتُ أدخّن ! … لكن … ما الذي تفعلينه أنت هنا في هذا الوقت ؟؟ "
أخذت نفسا عميقا و أطلقت الكلمات التالية باندفاع و بكاء :
" ظننت أنك رحلت … دون علمي و وداعي … كما فعلت قبل سنين …
تركتني وحيدة … في أبشع أيام حياتي … "
مد وليد يده فجأة و بانفعال نحوي ، ثم أوقفها في منتصف الطريق ، و سحبها ثانية …
قلت :
" حتى لو لم أعد أعني لك شيئا … لا ترحل دون علمي يا وليد … أرجوك لا تفعل … عدني بذلك … "
وليد ظل صامتا لا يجرؤ على شيء سوى الإصغاء إلي …
قلت :
" عدني بذلك وليد أرجوك … "
هز رأسه إيجابا و قال :
" أعدك .. "
نظرت إليه بتشكك … كيف لي أن أثق بوعوده … ؟؟ …
قلت :
" اقسم "
وليد تردد قليلا ثم قال :
" أُقسِم … لن أرحل دون علمك … صغيرتي … "
شعرت بالراحة لقسمه … و سحبت نفسا عميقا ليهدئ من روعي …
وليد حملق بي قليلا ثم وقف … و رفع سيجارته إلى فمه و سحب بدوره نفسا عميقا …
وقفت أنا ، و سمحت للباب الذي كنت أستند عليه و أحول دون انغلاقه أن ينغلق
نفث هو الدخان للأعلى ، ثم قال و هو لا يزال ينظر عاليا :
" لم استيقظت الآن ؟؟ "
قلت ، و أنا أراقب الدخان يعلو و ينتشر …

" لم أنم بعد "
قال :

" لم ؟ ألن تذهبي غدا إلى الكلية ؟ "
قلت :

" بلى … لكن … لدي أرق "
و صمت …
ثم سألته :
" و أنت ؟ "
قال :
" كذلك ، لذا خرجتُ أدخن … في ساعة كهذه "
قلت :
" هل … يريحك التدخين ؟؟ "
وليد لم يجب مباشرة ، ثم قال :
" نعم … إلى حد ما … يرخي الأعصاب … "
قلت :
" دعني أجرب ! "
وليد التفت إلي بدهشة و نظر باستغراب !

"قال
" أريد أن أجرب ! "

اعتقد أنها ابتسامة تلك التي ظهرت على إحدى زاويتي فمه !
قال :
" هل تعنين ما تقولين ؟؟ "
" نعم … أتسمح ؟؟ "
وليد هز رأسه اعتراضا و قال :

" لا … لا أسمح "
" لم ؟ "
" لا أسمح لشيء كهذا بدخول صدرك … "
" لكنه يدخل صدرك ! "
قاע :

" أنا صدري اعتاد على حمل السموم و الهموم … "
ثم رمى بالسيجارة أرضا و سحقها تحت حذائه …

" لندخل "
و حينما دخلنا ، قال :
" تصبحين على خير "
و اتجه نحو المطبخ …
أنا تبعته إلى هناك فرأيته يخرج علبة حليب بارد و يجلس عند الطاولة و يرشف منها …
و بعد رشفة أو رشفتين سمعته يتأوه … و يسند رأسه إلى الطاولة في وضع يوحي للناظر إليه بأنه يتألم …
دخلت المطبخ … فأحس بوجودي … فرفع رأسه و نظر إلي …
" ألن تخلدي للنوم ؟ الوقت متأخر
شعرت بقلق شديد عليه … قلت :

" ما بك ؟؟
أبعد نظره عني و قال :

" لا شيء "
لكني كنت أرى الألم باد على وجهه … و عاد يشرب الحليب جرعة بعد جرعة …

" وليد … هل أنت مريض ؟؟ "
تنهد بنفاذ صبر و شرب بقية الحليب دفعة واحدة ، ثم نهض … و خطا نحوي …
" تصبحين على خير
و تجاوزني ، و ذهب إلى غرفة سامر … و أغلق الباب …
صحوت من النوم على صوت والدتي توقظني من أجل تأدية صلاة الفجر …

كنت قد نمت قبل ساعة و نصف ، و أشعر بإعياء شديد …
أفقت من النوم فوجدتها واقفة قربي … نهضت و ذهبت للتوضؤ ، و عندما عدت وجدتها لا تزال واقفة عند نفس المكان تنظر إلى المنضدة …
ما إن أحست بوجودي حتى استدارت نحوي بسرعة ، و قالت :

" والدك ينتظرك … "
ثم خرجت من الغرفة ….
ألقيت نظرة على المنضدة التي كانت أمي تراقبها قبل مجيئي … فإذا بي أرى صورة رغد الممزقة … التي نسيتُ إعادتها إلى محفظتي ليلا …
شعرت بالقلق … لابد أن أمي رأت الصورة واضحة … و لابد أن شكوكا قد راودتها
إلا إذا كان احتفاظ رجل بصورة ممزقة لطفلة كان متعلقا بها بجنون … هو أمر مألوف و مشهد تراه كل يوم … !
أدينا الصلاة في مسجد قريب و عدت إلى السرير و نمت بسرعة قياسية …
عندما نهضت ، كان ذلك قبيل الظهر و لم يكن في البيت غير والدتي ، فوالدي في مكتبه ، و رغد في الكلية ، و دانه مدعوة للغداء في مطعم ، مع خطيبها …
أمي لم تشر إلى أي شيء بحيال تلك الصورة … لذا ، تجاهلت الأمر … و أقنعت نفسي بأنها نسيت أمرها …
لم أرَ صغيرتي ذلك النهار ، إذ يبدو أنها عادت من الكلية عصرا و ذهبت للنوم مباشرة في وقت كنت أنا فيها مشغول بشيء أو بآخر ….
و في الليل … و قبل ذهابي إلى غرفة المائدة لتناول العشاء ، مررت بالمطبخ فرأيت صغيرتي تأكل وجبتها منفردة هناك …
عندما رأتني توقفت عن الأكل و انخفضت بعينيها إلى مستوى الأطباق … في انتظار مغادرتي …
آلمني أن أراها وحيدة هكذا فيما نحن مجتمعون معا … قلت :
" تعالي و انضمي إلينا "
رغد حملقت بي قليلا متشككة ثم سألت :
" ألا يزعجك ذلك ؟؟ "

قلت :
" لا … صغيرتي "
و سرعان ما حملت أطباقها و طارت إلى غرفة المائدة … بمنتهى البساطة !
فيما نحن نتحدث عن أمور شتى ، قال والدي :
" أيمكنك يا وليد اصطحاب رغد من و إلى الجامعة يوميا ؟؟ إن تفعل تزيح عن عاتقي مشوارا مربكا "
و لأنه لم يكن لدي ما أقوم به ، لم أجد حجة تمنعني من الموافقة … لكن بعض الاستياء ظهر على وجه والدتي … أنساني إياه البهجة التي ظهرت على وجه رغد … أو ربما توهمت أنها ظهرت على وجه رغد !
في اليوم التالي كان علي أن أنهض باكرا من أجل هذه المهمة ، و رافقتنا والدتي هذه المرة ….
المشوار كان يستغرق قرابة العشرين دقيقة .
رغد كانت تركب المعقد الخلفي لي ، ذهابا و إيابا … و كانت تلتزم الصمت معظم المشوار إلا عن تعليقات بسيطة عابرة …
في المساء ، كنا نقضي أوقاتا ممتعة في مشاهدة أحد الأفلام ، أو مزعجة في متابعة الأخبار و ما آلت إليه الأوضاع الأخيرة ، أو محرقة في الحديث عن الزفاف المرتقب …
أتناول وجباتي معها … آخذها إلى الجامعة أو أي مكان تود … أتبادل بعض الأحاديث معها بشأن دراستها و ما إلى ذلك … أتفرج على لوحاتها الجديدة …
أرافقها هي و دانة و أمي إلى الأسواق … أنصت باهتمام كلما تحدثت و أراقبها دون أن أشعر كلما تحركت …
كل هذا … قد أثار جنوني … و ذكريات الماضي … فصرت أشعر بأنها عادت لي … طفلتي الحبيبة التي أعشقها و أعشق رعايتها …
أخذني جنوني إلى التفكير بعدم الرحيل …
كيف لي أن أبتعد عنها و أنا متعلق بها بجنون …
كيف لي أن أسمح للمسافات و الزمن بتفريقنا ؟؟؟
إنني سأبقى حيث تكون رغد … لأنه لا شيء في هذه الدنيا يهمني أكثر منها هي …
سأبحث عن عمل ، و استقر هنا إلى جانبك …
سأبقى قربك يا رغد … نعم قربك يا صغيرتي الحبيبة …
ثم … و باتصال هاتفي واحد من سامر … يتحطم كل شيء ، و أسقط من برج الأوهام الطرية ، إلى أرض الواقع القاسية الصلبة … و يتدمر كل شيء …
لم تكن صغيرتي تملك هاتفا في غرفتها ، لذلك فإن مكالماتها تكون على مرأى و مسمع من الجميع … و كلما تحدثت إلى سامر غمرتني رغبة في تقطيع أسلاك الهاتف و الكهرباء … في المنزل برمته !
في أحد الأيام ، كنت ذاهبا لإحضارها من الجامعة ، و صادف أن الشارع كان مزحوما و شبه مسدود بسبب حادث مروري …
طال بي المشوار و أنا أسير ببطء شديد بسبب الحادث … و عوضا عن الوصول خلال 20 دقيقة وصلت بعد 40 دقيقة على الأقل …
عادة ما تكون صغيرتي تنتظرني عند الموقف حيث تقف الطالبات ، إلا أنني الآن لم أجدها …
انتظرت بضع دقائق ، لكنها لم تخرج … وقفت في مكاني حائرا
ثم اتجهت إلى الحارس و أخبرته بأنني أنتظر قريبتي و لم أرها ، فطلب اسمها ثم اتصل برقم ما ، و بعدها بدقيقتين رأيت رغد تخرج من البوابة … مع بعض الفتيات …
كنت لا أزال واقفا قرب الحارس ، نظرت هي باتجاهي و ظلت واقفة حيث هي … و تتحدث إلى زميلاتها …
شكرت الحارس ثم تقدمت ُ إليها فودعتهن و أتت نحوي …
" أنا آسف … تأخرت ُ بعض الشيء "
" بل كثيرا "
قالت بغضب … ثم سارت نحو السيارة …
بعدما اتخذنا مقعدينا ، و قبل أن ننطلق عدت ُ أقول :
" آسف صغيرتي … "
و لكنها لم تجب ، و فتحت نافذة السيارة لأقصى حد … يبدو أنها مستاءة و غاضبة
و نحن نسير بالسيارة مررت من حارس الأمن ذاته فألقيت التحية عبر النافذة و انطلقت …

" كيف تلقي تحية على شخص بغيض و غير مهذب كهذا ؟؟ "
تعجّبت من سؤالها ! قلت :
" لم تقولين عنه ذلك ؟؟ "
" كلما خرجت ُ لأرى ما إذا كنت َ قد وصلت َ أم لا ، وجدته ينظر باتجاه المدخل … كان أجدر بك أن تصفعه … لقد كنت أخرج فأجد والدي في انتظاري هنا كل يوم … إياك و أن تتأخر ثانية "
يا له من أسلوب !
قلت :
" حاضر … أنا آسف "
صمتت برهة ثم قالت :
" و كذلك ابق هاتفك المحمول مشغلا ، كلما اتصلت وجدته مغلقا "
و أخرجت هاتفي من جيبي فاكتشفت أنه كان مغلقا سهوا …
" حسنا … لم انتبه له "
و أيضا صمتت برهة ثم عادت تقول :
" و لا تخرج من السيارة … ابق حيث أنت و أنا سآتي إليك "
عجبا لأمر هذه الفتاة ! قلت :
" و لم ؟؟ "
قالت بعصبية :
" افعل ذلك فقط … مفهوم ؟؟ "
قلت باستسلام :
" مفهوم … سيدتي !! "
لحظتها اجتاحتني رغبة بالضحك ، كتمتها عنوة !
و توقفت عن الكلام …
و طوال الوقت ظلت صامتة بشكل لم يرحني … لابد أنها لا تزال غاضبة لأنني تأخرت …
حينما شارفنا على بلوغ المنزل … راودتني فكرة استحسنها قلبي و استسخفها عقلي … لكنني قبل أن أقع في دوامة التردد طرحت السؤال التالي :
" هل … هل ترغبين ببعض البوضا ؟؟ "
طبعا السؤال كان غاية في السخف و الحماقة … لكنني كنت أسيرا للذكريات … ففي تلك الأيام … كنت أغدق العطاء بالبوضا و غيرها على صغيرتي كلما غضبت لإرضائها !
شعرت بالندم لأنني تفوهت بهذه الجملة الغبية … و كنت على وشك الاعتذار إلا أن رغد قالت بمرح و على غير ما توقعت :
" نعم … بالتأكيد ! "
أوقفت السيارة عند محل لبيع البوضا ، قريب من المنزل … و سألتها :
" أي نوع تفضلين ؟؟ "
قالت :
" هل ستتركني وحدي ؟؟ سآتي معك "
و فتحت الباب هامة بالنزول
دخلنا المحل ، و كان يحوي عددا من الناس ، ما جعل رغد تسير شبه ملتصقة بي …
بعد ذلك … انتهى بنا المطاف إلى المنزل ، و لو تركت الساحة لأحلامي لأخذتني مع صغيرتي في نزهة … كما في السابق …
إلا أنني طردتها بعيدا و عدت بالصغيرة إلى المنزل … و أنا مسرور و مرتاح … فرائحة الماضي أنعشت رئتي …
ليت الأقدار لم تفرقني عنك يا رغد …
ليتك تعودين إلي !
ليتنا نتناول البوضا أو البطاطا المقلية سوية … كل يوم …
ما أجملها من لحظات …
و نحن نحمل البوضا اللذيذة برضا و سرور دخلنا إلى داخل المنزل ، ثم إلى غرفة المعيشة … حيث فوجئت بالنار تصهر ما بيدي … و ما بصدري … و ما بجوفي و داخلي …
هناك كان سامر يجلس مع والدي ّ و دانة …
حضر على غير توقع و دون سابق إبلاغ …
حينما رآنا نهض بسرور و جاء يرحب بنا …
نصيبي من الترحيب كان محدودا … مقابل نصيب الفتاة التي تقف إلى جواري … تحمل البوضا في يد ، و الحقيبة في اليد الأخرى …
السعادة المؤقتة التي أوهمت نفسي بها تلاشت نهائيا … و أنا أرى سامر يطوقها بذراعيه …
" اشتقت إليك عروسي ! "
البوضا وقعت و لوثت الأرض …
بل قلبي هو من وقع أرضا و لوثت دماؤه الكرة الأرضية بأكملها …
انثنيت نحو البوضا المنصهرة أود التقاطها …
" دعها بني ، أنا سأرفعها "
و أقبلت أمي لتنظف ما تلوث …
" ملابسك تلوثت وليد "
" حقا ؟ سأذهب لتغييرها "
أهي ملابسي من تأذت ؟؟
و انصرفت مسرعا … لا يحركني شيء غير الغضب و الغيرة المشتعلة في صدري … و رغبة مجنونة في أن أوسع سامر ضربا … إن بقيت انظر إليه دقيقة أخرى بعد …

محال أن أبقى في هذا المنزل ليلة أخرى … و الليلة بالذات … سأرحل و بلا عودة .
بدأت أشعر بأن وليد يهتم بي … إلى حد ما … و هو شعور جعلني أحلق في السماء …
و اليوم ، تأخر عن موعد حضوره للجامعة عصرا ، و بعدما وصل خرجت أنا و بعض زميلاتي كل واحدة في طريقها لسيارتها …
وليد كان يقف قرب حارس البوابة … و هو شخص غير محترم … نبغضه جميعنا..
رأتني إحدى زميلاتي أنظر ناحية وليد فسألتني :

" إلى من تنظرين !؟ "
قلت باستياء :
" من تظنين ؟ الحارس ؟ طبعا إلى ابن عمّي "
قالت و هي تنظر إليه :
" تعنين هذا الرجل ؟؟ "
" نعم "
قالت :

" واو ! كل هذا ابن عمك !؟ حجم عائلي ! "
و ضحكت هي و فتيات أخريات ضحكات خفيفة !
و قالت أخرى :
"ما شاء الله ! مع أنك صغيرة الحجم ! أنت و ثلاث أخريات معك مطلوبات من أجل التوازن ! "
و ضحكن كلهن !
قلت بغضب :
" مهلا فليس هذا هو خطيبي "
ثم ودعتهن على عجل و سرت نحوه …
عندما عدنا إلى البيت و نحن نأكل البوضا باستمتاع ، وجدت سامر هناك فدهشت …
لم يكن قد أبلغنا بأنه قادم ، كما و أنه غير معتاد على الحضور نهاية أسبوعين متتاليين !
أخبرني في وقت لاحق بأنه اشتاق إلي .. و يريد أن نتحدث عن الزفاف المرتقب ، و الذي لم يسعه الوقت للحديث حوله في المرة الماضية …
قضينا أمسية عائلية هادئة لم يشاركنا فيها وليد معللا بآلام معدته المزعجة …
أظن أن السبب هو التدخين !
في اليوم التالي ، أيقظتني أمي لتأدية صلاة الفجر …
عندما رأيتُ عينيها حمراوين متورمتي الجفون ، سألت بقلق :
" أمي .. ماذا هناك ؟؟ "
أمي مسحت براحتها على رأسي و قالت بحزن :
" رحل وليد "
جن جنوني …
و قفزت … و ركضت خارجة من غرفتي … إلى غرفة سامر … فوجدتها خالية … و جلت بأنحاء المنزل غير مصدقة و غير مقتنعة … لا يمكن أن يكون قد رحل !
لقد وعد بألاّ يرحل دون وداعي …
أقسم على ذلك …
تدفقت دموعي كمياه السد المتهدم … تجري بعنف و تدمر كل أمل تصادفه في طريقها … باب المنزل كان موصدا… والدي و سامر قد ذهبا للمسجد … فتحت الباب … و خرجت للفناء مندفعة … ثم إلى البوابة الخارجية … فتحت منها القدر الذي يكفي لأن أرى الموقف خال ٍ من أي سيارات … استدرت … و هرولت أقصد المرآب … والدتي أوقفتني … و أمسكت بكتفي …
" لا داعي يا رغد … لقد ودعنا قبل قليل … "
لا !
لا يمكن أن يفعل ذلك !
لا يمكن أن يختفي من جديد …
صعقت … و انفضت أطرافي … و صحت :
" لماذا لم يودعني ؟؟ "
أمي هزت رأسها بأسى …
صرخت :

" لماذا يفعل بي هذا ؟؟ لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ "
و مسكت بعضدي أمي بقوة و انفعال … و زمجرت بقوة و عصبية و بكاء أجش :

" لماذا يعاملني بهذا الشكل ؟؟؟ لقد وعد بألا يرحل دون وداعي … إنه كاذب … كاذب … كان يسخر مني … كان يستغفنلي و يهديني البوضا ! … كما فعل سابقا
أنا أكرهه يا أمي … أكرهه … أكرهه … أكرهه




التصنيفات
منوعات

برنامج أحداث النهاية لشيخنا الجليل محمد حسان

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
برنامج أحداث النهاية لشيخنا الجليل محمد حسان

خليجية

وفكرة البرنامج رائعة ارجو ان تتابعوا الحلقات يوميا ان شاء الله
وبالنسبه لحجم الحلقات وجودتها ان شاء الله الحجم والجوده مناسبين جدا جدا

الحلقة الاولي
http://www.4shared.com/file/12438627…/1_o.html

الحلقة الثانية

http://www.4shared.com/file/12474460…/2_o.html

الحلقة الثالثة

http://www.4shared.com/file/12475455…/3_o.html

الحلقة الرابعة

http://www.4shared.com/file/12484144…/4_o.html

الحلقة الخامسة

http://www.4shared.com/file/24383404…/5_o.html

الحلقة السادسة

http://www.4shared.com/file/12539457…/6_o.html

الحلقة السابعة
http://www.4shared.com/file/12541385…/7_o.html

الحلقة الثامنة
http://www.4shared.com/file/17002951…/8_o.html

الحلقة التاسعة
http://www.4shared.com/file/12763089…/9_o.html

الحلقة العاشرة
http://www.4shared.com/file/12658525…10_o.html

الحلقة الحادية عشر
http://www.4shared.com/file/12775365…11_o.html

الحلقة الثانية عشر

http://www.4shared.com/file/12779136…12_o.html

الحلقة الثالثة عشر
http://www.4shared.com/file/12783157…13_o.html

الحلقة الرابعة عشر
http://www.4shared.com/file/64612534…14_o.html

الحلقة الخامسة عشر
http://www.4shared.com/file/12786239…15_o.html

الحلقة السادسة عشر

http://www.4shared.com/file/12788096…16_o.html

الحلقة السابعة عشر

http://www.4shared.com/file/12828663…17_o.html

الحلقة الثامنة عشر

http://www.4shared.com/file/15324290…18_o.html

الحلقة التاسعة عشر

http://www.4shared.com/file/12841411…19_o.html

الحلقة العشرون

http://www.4shared.com/file/12461123…20_o.html

الحلقة الواحده والعشرون

http://www.4shared.com/file/12842670…21_o.html

الحلقة الثانية والعشرون
http://www.4shared.com/file/15077959…22_o.html

الحلقة الثالثة والعشرون

http://www.4shared.com/file/15077959…22_o.html

الحلقة الرابعة والعشرون

http://www.4shared.com/file/12868191…24_o.html

الحلقة الخامسة والعشرون

http://www.4shared.com/file/12869084…25_o.html

الحلقة السادسة والعشرون
http://www.4shared.com/file/64618527…26_o.html

الحلقة السابعة والعشرون والاخيرة

http://www.4shared.com/file/12891700…27_o.html

ولا اطلب منكم غير الدعوة

والموضوع منقول للامانة




بــاركــ اللهــ فيكي ياا الغالية



التصنيفات
ادب و خواطر

في النهاية انت انسان

°•.♥.•° فـي الــنـهـاي ـه انــت إنســــــا ن °•.♥

°•.♥.•° فـي الــنـهـاي ـه انــت إنســــــا ن °•.♥

الســلام عليـــكمـ ورحمــهــ اللهـ ..

°•.♥.•° فـي الــنـهـاي ـه انــت إنســــــا ن °•.♥.•°

تستطيع أن تحب جميع الناس
ولكن لا تستطيع أن تجبرهم على أن يحبوك ..

°•.♥.•°

تستطيع أن تظلم وتتجبر وتتسلط
ولكن لا تستطيع أن تكون منصف عادل دائماً …

°•.♥.•°

تستطيع أن تصفح وأن تنسى
ولكن لا تستطيع أن تجبر أحد على مسامحتك ..

°•.♥.•°

تستطيع أن تثور تنفجر وتغضب ببساطة
ولكن لا تستطيع أن تمسك بأعصابك ببساطة ..

°•.♥.•°

تستطيع أن تحلم كيفما تشاء ومتى تشاء
ولكن لا تستطيع أن تحقق أحلامك من دون عناء ومتى تشاء ..

°•.♥.•°

تستطيع أن ترتقي إلى قمة المجد والشهرة بسهولة
ولكن لا تستطيع أن تحافظ على نفس مستواك بنفس السهولة ..

°•.♥.•°

تستطيع أن تمنع نفسك من الفرح والسرور
ولكن لا تستطيع أن تمنع نفسك من الحزن والألم ..

°•.♥.•°

تستطيع أن تكون حريصاً حذراً من جور الأيام والغدر
ولكن لا تستطيع أيضا أن تسلم دائماً فلا ينفع الحذر مع القدر ..

°•.♥.•°

هنالك أفعال كثيرة تستطيع أن تقوم بها
وهنالك أيضا أفعال لا تستطيع أن تقوم بها ..

°•.♥.•°

وذلك لسبب بسيط جداً هو لأنـك إنســـــــان .. !!




وين ردوودكم لي تكفووون



ابدااااااااع ..

لا تحرمينا جديدك ..

كلي غموض




طرح رائع يستحق
المشاهده
تسلم الايادي



التصنيفات
منوعات

رواية انت لي كاملة من البداية حتى النهاية,الحلقة10

انت لي : الحلقة العاشرة

ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف …
كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم … حلم الحرية …
أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة
و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون … بلا قيود و لا حواجز …
و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية … عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر …
لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير …
تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت !
أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟
أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟
أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي …؟؟

" حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز "

قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع …

و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة
و أنفي كذلك !

قلت :

" عدا عن كسر بسيط في الأنف ! "

و ضحكنا !

قلت :

" فعلها والدك ؟ "

ابتسم و قال مداعبا :

" والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ "

" بثمان سنين من عمري أهديها لك !"

ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة … الطويل
كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة …
طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي …
الطريق …
الشارع …
الأشجار
كل شيء يتحرك …
بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت …

8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى … فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى …
أو أكثر
أو أقل ؟؟
دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار … تخرب البلد …
الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال .
بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك …
إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي … منزلي … مدينتي …
و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد !
آه يا رغد !
ها أنا أعود …
فهل أنا في حلم ؟؟

كانت الشمس قد استأذنت للرحيل على وعد بالحضور صباحا ، لحظة أن فتحت عيني على صوت يناديني …

" وصلنا ! انهض عزيزي "

لم أشعر بنفسي حين نمت مقدارا لا أعلمه من الوقت ، إلا أنني الآن أفقت بسرعة و بقوة …
كان جسدي معرقا و ملتصقا بملابسي و بالمقعد … و مع ذلك لم أشعر بأي انزعاج أثناء النوم …

" وصلنا ! إلى أين ؟ "

قلت ذلك و أنا أتلفت يمنة و يسرى و أرى الدنيا مظلمة … إلا عن أنوار بسيطة تتبعثر من مصابيح موزعة فيما حولي …

قال سيف :

" إنه منزلي يا وليد "

حدقت بسيف برهة ، ثم قلت :

" خذني إلى منزلي رجاءا ! "

سيف علاه شيء من الحزن و قال :

" كما تعرف يا وليد … أهلك قد غادروا … ستبقى معي لحين نهتدي إليهم سبيلا "

قضيت تلك الليلة ، أول ليالي الحرية ، في بيت العزيز سيف .
هل لكم بتصور شعوري عندما وضعت أطباق العشاء أمامي ؟؟
طبخات لم أذقها منذ ثمان سنين ، شعرت بالخجل و أنا مقبل على الطعام بشراهة فيما سيف يراقبني و يبتسم !

" أنا آسف ! إنني جائع جدا ! "

قلت ذلك و أنا مطأطئ بعيني نحو الأسفل خجلا ، إلا أن سيف ضحك و قال :

" هيا يا رجل كل قدر ما تشاء و اطلب المزيد ! بالهناء و العافية "

رفعت بصري إليه و قلت :

" لو تعلم كيف كان طعامي هناك … ! "

هز سيف رأسه و قال :

" انس ذلك … لقد كان كابوسا و انتهى ، الحمد لله "

هل انتهى حقا … ؟؟

رغم أنه كان سريرا ناعما واسعا نظيفا و عطرا ، ألا أنني لم استطع النوم جيدا تلك الليلة …
كيف تغمض لي عين و أنا مشغول البال و التفكير … بأهلي …
و بعد صلاة الفجر ، و حينما عادت الشمس موفية بوعدها ، و اطمأننت إلى أنها صادقة و ستظهر لتشرق حياتي كل يوم ، فتحت النافذة لأسمح بأشعتها للتسرب إلى الغرفة و معانقة جسدي بعد فراق طويل …

رأيت أشياء كثيرة و مزعجة في نومي …
سمعت صوت نديم يناديني …

" انهض يا وليد ، جاء دورك "

كان العساكر يقفون عند باب السجن ينظرون إلي … لم أشأ النهوض …
هززت رأسي معترضا ، لكن نديم ظل يناديني
أفقت ، و فتحت عيني لأنظر إليه ، و أرى السقف و الشقوق التي تملأه ، و تخزن عشرات الحشرات بداخلها …
لكنني رأيت سقفا نظيفا و مزخرف … منظر لم أعتد رؤيته … نهضت بسرعة و نظرت من حولي …

" وليد ! هل أفزعتك ! أنا آسف ! "

كان صديقي سيف يقف إلى جانبي …
قلت و أنا شبه واع ، و شبه حالم :

" أنت سيف ؟ أم نديم ؟؟ هل أنا في السجن ؟ أم … "

سيف مد يده و أمسك بيدي بعطف و قال :

" عزيزي … إنك في بيتي هنا ، لا تقلق … "

خشيت أن يكون حلما و ينتهي ، حركت يدي الأخرى حتى أطبقت على يد سيف بكلتيهما ، و قلت :

" سيف ! أهي حقيقة ؟ أرجوك لا تجعلني أفيق فجأة فأكتشف أنه مجرد حلم ! هل خرجت أنا من السجن حقا ؟؟ "

الآن فقط ، تفجرت الدموع التي كانت محبوسة في بئر عيني ّ

بعد ذلك ، أصررت على الذهاب للمنزل حتى مع علمي بأن أحدا لم يعد يسكنه
و كلما اقتربنا في طريقنا من الوصول ، كلما تسارعت نبضات قلبي حتى وصلنا و كادت تتوقف !
اتجهت نحو الباب و جعلت أقرع الجرس ، و سيف ينظر إلي بأسى
لم يفتحه أحد …
جالت بخاطري ذكرى تلك الأيام ، حينما كانت رغد و دانة تتسابقان و تتشاجران من أجل فتح الباب !
التفت إلى الخلف حيث يقف سيف ، و كانت تعابير وجهه تقول : يكفي يا وليد ، لكنني كنت في شوق لا يكبح لدخول بيتي …
نظرت من حولي ، ثم أقبلت إلى السور ، و هممت بتسلقه !

" وليد ! ما الذي تفعله !؟ "

أجبت و أنا أقفز محاولا الوصول بيدي إلى أعلى السور :

" سأفتح الباب ، انتظرني "

و بعد أن قفزت إلى الداخل فتحت الباب فدخل سيف …

" و لكن لا جدوى ! كيف ستدخل للداخل ؟ "

بالطبع ستكون الأبواب و النوافذ جميعها مغلقة و موصدة من الداخل ، ألا أنني أستطيع تدبر الأمر !

قلت :

" سترى ! "

و انطلقت نحو الحديقة …
لم تعد حديقتنا كما كانت في السابق ، خضراء نظرة … بل تحولت إلى صحراء صفراء جافة …
انقبض قلبي لدى رؤيتها بهذا الشكل …
أخذت أتلفت فيما حولي و سيف يراقبني باستغراب
وقعت أنظاري على أدوات الشواء التي نضعها في إحدى الزوايا ، في الحديقة
كم كانت أوقاتا سعيدة تلك التي كنا نقضيها في الشواء
توجهت إليها و أخذت أحفر الرمال …

" ما الذي تفعله بربك يا وليد ؟؟! هل أخفيت كنزا هناك ؟؟ "

و ما أن أتم سيف جملته حتى استخرجت مفتاحا من تحت الرمال !

تبادلت أنا و سيف النظرات و الابتسامات ، ثم قال :

" عقلية فذة ! كما كنت دائما ! "

و ضحكنا …
كنت أخفي مفتاحا احتياطيا في تلك الزاوية تحت الرمال منذ عدة سنوات …
و أخيرا دخلت المنزل
للحظة الأولى أصابت جسدي القشعريرة لرؤية الأشياء في غير أمكنتها …
تجولت في الممرات و شعرت بالضيق للسكون الرهيب المخيم على المنزل …
عادة ما كان البيت يعج بأصوات الأطفال و صراخهم …
صعدت إلى للطابق العلوي قاصدا غرفة نومي ، حيث تركت ذكريات عمري الماضي … و حين هممت بفتح الباب ، وجدتها مقفلة …

" تبا ! "

توجهت بعد ذلك إلى غرفة رغد الصغيرة ، المجاورة لغرفتي مباشرة .. مددت يدي و أمسكت بالمقبض ، و أغمضت عيني ، و أدرت المقبض ، فلم ينفتح الباب …
كانت هي الأخرى مقفلة
أدرت المقبض بعنف ، و ضربت الباب غيظا … و ركلته من فرط اليأس …
أخذت أحاول فتح بقية الغرف لكنني وجدتها جميعا مقفلة
فشعرت و كأن الدنيا كلها … مقفلة أبوابها أمامي …
عدت إلى غرفة رغد و أنا منهار …
جثوت على الأرض و أطلقت العنان لعبراتي لتسبح كيفما تشاء …

" أين ذهبتم … و تركتموني ؟؟ … "

أغمضت عيني و تخيلت …
تخيلت الباب ينفتح ، فأرى ما بالداخل …
على ذلك السرير تجلس رغد بدفاتر تلوينها ، منهمكة في التلوين …
و حين تحس بدخولي ترفع رأسها و تبتسم و تهتف : وليــــــــد !
ثم تقفز من سريرها و تركض إلي … فألتقطها بين ذراعي و أحملها عاليا !

" أين أنتم ؟ عودوا أرجوكم … لا تتركوني وحيدا … "

كنت أبكي بحرقة و مرارة و عيناي تجولان في أنحاء المنزل و أتخيل أهلي من حولي … هنا و هناك …
و أتوهم سماع أصواتهم …
لقد رحلوا … و تركوا المنزل خاليا و الأبواب مقفلة … و وليد وحيدا تائها …
هل تخلوا عني ؟؟
هل أصبحت في نظرهم ماض يجب نسيانه ؟
مجرما يجب إلغائه من الحسبان ؟؟
كيف يمتنعون عن زيارتي و السؤال عني كل هذه السنين …
ثم يرحلون …
أخرجت الصورتين اللتين احتفظ بهما منذ سنين من أحد جيوبي … و جعلت أتأمل وجوه أهلي و أناديهم … واحدا تلو الآخر كالمجنون …
أبي …
أمي …
سامر …
دانه …
رغد …
لقد عدت !
أين أنتم ؟؟
أجيبوا أرجوكم …

سيف ظل واقفا يراقب عن بعد …
كنت لا أزال جاثيا عند باب غرفة رغد غارقا في الحزن و البكاء المرير … حين لمحت شيئا لم أكن لألمحه لو لم أجثو بهذا الوضع …
من بين دموعي المشوشة للرؤية أبصرت شيئا تحت باب غرفتي
مددت أصابعي و أخرجته ببعض الصعوبة ، فإذا به قصاصة ورق صغيرة مثنية ، و حين فتحتها وجدت التالي :

( وليد ، لقد ذهبت مع أمي و أبي و دانة و سامر إلى المدينة الصناعية . عندما تعود تعال إلينا . أنا أنتظرك كما اتفقنا . رغد )

لكم أن تعذروا سيف للذهول الذي أصابه حين رآني أنهض واقفا فجأة ، و أطلق ضحكة قوية بين نهري الدموع الجاريين !

" وليد !! ماذا دهاك ؟؟ "

نظرت إليه و أنا أكاد أقفز فرحا و قلت :

" إنها رغد العزيزة تخبرني بأنهم في المدينة الصناعية ! هل رأيت شيئا كهذا ؟؟ "

و أخذت أحضن الورقة و الصور بجنون !

سيف قال :

" عقلية … فذة … أظن ذلك ! ! "

و ضحكنا من جديد .

و بعد يومين ، حين رتب سيف أموره للسفر ، انطلقنا أنا و هو بالسيارة ميممين وجهينا شطر المدينة الصناعية …
لقد تكبلنا مشاقا لا حصر لها أثناء الطريق ، إذ أن الشوارع كانت مدمرة و اضطررنا لسلك طرق ملتوية و مطولة جدا …
كما و أننا واجهنا عقبات مع الشرطة المحليين
إنني لمجرد رؤية شرطي ، ارتعش و أصاب بالذعر … حتى و إن كان مجرد شرطي مرور …
لن أطيل في وصف الرحلة ، لم يكن ذلك مهما … فرأسي و قلبي و كلي … مشغول بأهلي و أهلي فقط …
و أولهم … مدللتي الصغيرة الحبيبة …
رغد …
رغد …
أنا قادم إليك أخيرا …
قادم أخيرا …

وصلنا للمدينة الصناعية مساء اليوم التالث ، و قد نال منا التعب ما نال
لذا فإن سيف أراد استئجار شقة نقضي فيها ليلتنا لنبدأ البحث في اليوم التالي …

" ماذا ؟ لا أرجوك ! لا أستطيع الانتظار لحظة بعد ! "

تنهد سيف و قال :

" يا عزيزي دعنا نبات الليلة و غدا نذهب إلى بلدية المدينة و نسألهم عن أهلك ! أين تريدنا أن نبحث الآن ؟؟ نطرق أبواب المنازل واحدا بعد الآخر ؟؟ "

" أجل ! أنا مستعد لفعل ذلك ! "

ابتسم سيف ، ثم ربت على كتفي و قال :

" صبرت كثيرا ! اصبر ليلة أخرى بعد ! "

لم تمر علي ساعات أبطأ من هذه من قبل …
لم أنم حتى لحظة واحدة و أصابني الإعياء الشديد و الصداع
و في اليوم التالي ، وقفنا عند إحدى محطات الوقود ، و ذهب سيف لشراء بعض الطعام و هممت باللحاق به ، لكنني شعرت بالتعب الشديد …
عندما عاد سيف ، التفت نحوي مقدما بعض الطعام إلي :

" تفضل حصتك ! "

هززت رأسيا ممتنعا ، فأنا لا أشعر بأي رغبة في الطعام فيما أنا قد أكون على بعد قاب قوسين أو أدنى من أهلي …
أسندت رأسي إلى المعقد و رفعت يدي إلى جبيني و ضغطت على رأسي محاولا طرد الصداع منه …

" أ أنت بخير ؟؟ "

سألني سيف ، فأجبت :

" صداع شديد "

" خذ تناول بعض الطعام و إلا فإنك ستنهار ! "

و هززت رأسي مجددا …
ثم التفت إليه و قلت :

" هل لي ببعض المال ؟؟ "

أخرج سيف محفظته من جيبه و دفعها إلي … فأخذتها ، و فتحت الباب قاصدا النزول و الذهاب إلى البقالة المجاورة …
ما كدت أقف على قدمي حتى انتابني دوار شديد فانهرت على المقعد …

" وليد ! "

تركت رجلي متدليتين خارج السيارة و أنا عاجز عن رفعهما
سيف أسرع فعدّل من وضعي و سأل بقلق :

" أ أنت بخير ؟؟ "

" دوار … "

أسرع سيف فقرب عبوة عصير من شفتي و قال :

" اشرب قليلا "

رشفت رشفتين أو ثلاث ، و اكتفيت . سيف كان قلقا و ظل يلح علي بتناول بعض الطعام ألا أنني لم أكن أشعر بأدنى رغبة حتى في شم رائحته …
بعد قليل ، زال الدوار جزئيا و فتحت عيني ، و مددت بالمحفظة إلى سيف و قلت :

" هل لي بعلبة سجائر ؟ "

…تتمة…

…تتمة…

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا ، حينما أشار آخر شخص سألناه عن منزل شاكر جليل ، أبي وليد ، إلى منزل صغير يقع عند المنعطف التالي …

سأل سيف الرجل :

" أ أنت متأكد ؟ شاكر جليل المكنى بأبي وليد ، رجل قدم مع عائلته من وسط البلاد ؟"

" نعم إنه هو و يقيم هنا منذ سبع أو ثمان سنين ! "

لم يكن الشيء الذي يهتز هو قلبي فقط ، بل و أطرافي ، و شعري ، و مقعدي بل و السيارة أيضا !
تبادلنا أنا و سيف النظرات … ثم تحرك بالسيارة ببطء حتى أصبحنا إزاء المنزل مباشرة …

" هيا يا وليد … "

بقيت في مكاني و لم تخرج مني بادرة تشير إلى أنني أنوي النهوض

" وليد ! هيا بنا ! أم تفضل الانتظار حتى الغد فربما يكون الجميع نيام ! "

قلت بسرعة :

" لا لا … مستحيل أن أنتظر دقيقة بعد … "

و مع ذلك ، بقيت في مكاني بلا حراك ، عدا عن الاهتزازات التي تعرفون …

" ما بك ؟ قلق ؟؟ "

" ماذا لو لم يكن المنزل المقصود أو العائلة المعنية ؟؟ هل نستمر في البحث أكثر ؟؟ أنا مجهد جدا "

" هوّن عليك ، ربما وصلنا أخيرا . سنتأكد من ذلك "

كيف لي أن أبقى صامدا قويا و أنا على وشك رؤية أهلي … ؟؟
في داخل هذا المنزل … يعيش أمي و أبي … و أخي و أختي … و الحبيبة رغد !
ربما هم نيام الآن !
لا بد أنهم سيفاجؤون لدى رؤيتي ….
كم أنا مشتاق إليكم جميعا …
إن هي إلا لحظات … و ألتقي بكم !
يا إلهي ! أكاد أموت من الشوق و القلق …
أخرجت الصورتين من جيبي و أخذت أتأمل أفراد عائلتي …
ثم ثبت ّ أنظاري على صورة رغد ، و هي تلون …
رغد …
يا حلوتي الصغيرة …
ها أنا قد عدت …

" دعك من الصورة … و هيا إلى الأصل ! "

قال سيف و هو يفتح الباب و ينزل …
قرعنا الجرس مرارا … حتى خشيت أن يكون البيت قد هجر … و أهلي قد رحلوا … و أملي قد ضاع …

و لكن الباب انفتح أخيرا …

و أطل منه شاب يافع … طويل القامة … نحيل الجسم … مشوّه الوجه بندبة أكدت لي بما لا يقبل الشك … أنه شقيقي الوحيد … سامر ….

" سامر … يا أخي ! "

دخلت في دوامة لا أستطيع وصفها … من الصراخ و الهتاف … البكاء و النحيب … الدموع و العناق …

تلقفتني الأيدي و الأذرع و الأحضان … و أمطرت بالقبل و امتزجت الدموع بالآهات و التهاليل بالولاول … و ما عدت أدرك إن كان أهلي من حولي حقا ؟ أم أنني توهمت خروجهم من الصورة …؟
لقد مضى وقت لا أعرف مقداره و أنا أدور بين أحضانهم في عناق تختلط فيه الدموع …

والدتي لم تقو على الوقوف من هول المفاجأة فجلسنا جميعا قربها و استحوذت على رأسي و ضمته إلى صدرها و جعلنا نبكي بحرارة
و أبي جالس قربي يكرر حمد الله و شكره و يجهش بكاءا
و أخي سامر ممسكا بذراعي من جهة ، و دانة من جهة أخرى
و لم يعد هناك مجال للكلمات …

لا أستطيع وصف المزيد
أنى لذاكرتي أن تستوعب حرارة كهذه دون أن تنصهر ؟؟
أطلقت والدتي سراح رأسي لبعض الوقت … فالتفت نحو دانة
كم كبرت و أصبحت … فتاة مختلفة !
فتحت فمي لأتكلم ، فإذا بالدموع الحارة تتسلل إلى داخله …
و ربما هذا ما منح لساني القدرة على الحركة و النطق …
لكن صوتي جاء مبحوحا خافتا ضعيفا ، كصوت طفل يختنق …

" رغد ؟؟ "

هبت دانه واقفة ، و صعدت عتبات تلي المدخل عتبتين عتبتين ، و أسرعت الخطى ذاهبة لاستدعاء رغد
وقفت في قلق و وقف الجميع معي ، و هم لا يزالون يقتسمون حضني و ذراعي …
كنت أنظر إلى الناحية التي ذهبت إليها دانه … و لو لم أكن مربوطا بالجميع لذهبت خلفها …
لا …
بل لسبقتها …
الآن ستظهر رغد !
هل نفذ الهواء الذي من حولي ؟؟ أنا اختنق …
هل طلعت الشمس في غير موعدها ؟ إنني أحترق …
هل تهتز الأرض من تحت رجلي ؟؟ أكاد أنهار … لولا أنهم يمسكون بي …

ستأتي رغد … سأحضنها … و أحملها على ذراعي … و أؤرجحها في الهواء كما كنت أفعل دائما …

هيا يا رغد … اظهري … تعالي … أسرعي إلي …

و من حيث كنت أحدّق بصبر نافذ تماما ، ظهرت مخلوقة جاءت تركض بسرعة … و توقفت عند أعلى العتبات ….

كما توقفت هي ، توقف كل شيء كان يتحرك في هذا الكون فجأة … بما فيهم قلبي المزلزل …
توقفت عيني حتى عن سكب الدموع ، و عن الطرف …
و تثبتت فوق عيني الفتاة الواقفة أعلى العتبات … تنظر إلي بذهول … فاغرة فاها

هل جرب أحدكم أن يوقف شريط الفيديو أثناء العرض ؟
هكذا توقف الكون عند هذه اللحظة التي ربما تجاوزت القرون طولا …
وجها لوجه … أمام مخلوقة يفترض أن تكون رغد … و لم تكن رغد …
كنت انتظر أن تظهر رغد … تماما كما تركتها قبل ثمان سنين … طفلة صغيرة أعشقها بجنون … تركض نحوي بلهفة … و ترفع يديها إلي بدلال … و تقول :
وليـــد … احملني !

لم أعد أرى جيدا … أصبت بغشاوة من هول الصدمة المفاجئة … و المشاعر المتلاطمة بعنف …
أردت أن أخرج الصورة من جيبي … و أسأل الجميع … أهذه هي صغيرتي رغد ؟؟
لكنني بقيت جامدا متصلبا متخشبا كما أنا …
أول شيء تحرك كان فم الفتاة … ثم إصبعها الذي أشار نحوي ، و بصعوبة و بجهد و بحروف متقطعة قالت :

" و … لـ … يــ … ــد ؟؟؟ "

ثم فجأة ، و دون أن تترك لي الفرصة لأستعد لذلك ، قفزت رغد من أعلى العتبات باندفاع نحوي فحررت ذراعي بسرعة من بين أذرع البقية و رفعتها نحو رغد التي هوت على صدري و هي تهتف

" وليـــــــــــــــــــــــــــ ــــــد "

الآن فقط ، آمنت تماما بحقيقة دوران الأرض حول نفسها …
لقد كنت أنا المحور
و كانت الأشياء تدور من حولي بسرعة …
بسرعة …
بسرعة …

كدنا نهوي أرضا لو لم يسرع أبي و سامر لإسنادنا لكنني لم أكن قادرا على الوقوف
أما رغد …
صغيرتي التي كبرت … فقد كانت ممسكة بي بقوة جعلتني أشعر أنها ستخترق جسدي
بل اخترقته …
لثمان سنين فقط ، أريد لهذه اللحظة أن تستمر …
لثمان سنين ، عادت بي الذاكرة …
لذلك اليوم المشؤوم …
لتلك اللحظة الفظيعة ، التي كانت فيها رغد متشبثة بي بذعر و تكاد تخترق جسدي …
فيما عمّار واقف يبتسم ابتسامة خبيثة و هو يرمي إلي بحزام رغد …
لحظة تذكرت هذا ، أطبقت على رغد بقوة و كأنني أريد حمايتها من مجرد الذكرى الأليمة
و شددت ضغطي أكثر و أكثر … و لو كانت لجسدي قوته و عضلاته السابقة ، لربما سحقت عظامها بين ذراعي …
إلا أنني الآن أشعر بضعف شديد يسري في جسدي ، و أريد أن أنهار

أبعدت رأسها عني قليلا لأتأكد … أنها رغد …
رغم أنها كبرت إلا أن ملامح وجهها الدائري الطفولية ، لا زالت كما هي …

" رغد ! صغيرتي ! "

لقد عشت لأراك ثانية …
و نجوت لأعود إليك …

" آه "

أطلقت هذه الآهة ، ثم خررت أرضا …
أعتقد أنني أصبت بإغمائه لبضع دقائق
عندما فتحت عيني ، رأيت وجوه الجميع من حولي فيما أدمعهم تنهمر و تبلل وجهي و ملابسي الغارقة في العرق …
لم يكن لدي ما هو أغلى من دموع مدللتي رغد و حين رأيتها تسيل على خديها قلت

" لقد عدت ! لن أسمح لدموعك بأن تسيل بعد اليوم ! "

ثم نقلت بصري بين أعينهم جميعا ، و قلت :

" أنا متعب جدا "

و لحظتها فقط انتبهت لعدم وجود سيف …
لا أذكر أنني رأيته بعد قرعنا للجرس ! هل عاد للسيارة ؟ أم ماذا حدث ؟

قلت :

" أين سيف ؟ "

أجاب سامر :

" غادر … قال أنه سيأتي غدا "

و لأنني كنت متعبا جدا جدا ، فسرعان ما نمت بعدما أرخيت جسدي فوق سرير أخي سامر ، و الذي نام على الأرض إلى جواري في غرفته تلك الليلة …

عندما أيقظني سامر وقت صلاة الفجر ، لم أكن قد نلت ما يكفي من الراحة… لذا لم أرافقه و أبي إلى المسجد ، بل أديت صلاتي في الغرفة ذاتها …

أثناء غيابهما للصلاة ، تجولت في المنزل بحثا عن المطبخ فقد كنت شديد العطش و لم يكن البيت كبيرا لذا فإن غرفه و أجزائه متقاربة …
وصلت إلى المطبخ و هناك رأيت شخصا يقف أمام الثلاجة المفتوحة ، موليا ظهره إلي ، و يرتدي حجابا …

لم يكن من الصعب علي أن أستنتج أنها رغد ، من صغر حجمها

" رغد ؟ "

التفتت رغد نحوي بفزع ، إذ أنها لم تشعر بدخولي المطبخ …

" أنا آسف … هل أفزعتك ؟؟ "

أحنت رغد رأسها نحو الأرض و هزته قليلا …

قلت :

" أريد بعض الماء … رجاء ً "
رغد تنحت جانبا موسعة المجال أمامي ، و عندما اقتربت رفعت رأسها فنظرت إلي برهة …

" لقد … كبرت ِ ! "
لم تنطق بأي كلمة ، و نزلت ببصرها أرضا …

قلت :

" لكنك لم تتغيري كثيرا … "
رفعت رأسها مرة أخرى و نظرت إلي ، ثم طأطأته من جديد …

قلت :

" و أنا ؟ هل تغيرت كثيرا ؟؟ "
ترددت قليلا ثم قالت :
" هل بدّلت أنفك ؟ "
ابتسمت ، بل كدت أضحك ، لكنني قلت :

" بدّله الزمن ! هل يبدو سيئا جدا ؟؟ "

رغد قالت دون أن ترفع بصرها عن الأرض :

" على العكس ! "

ثم أسرعت بالخروج من المطبخ …

استدرت و ناديت :

" رغد انتظري … "

ألا أنها اختفت بسرعة !
و بسرعة شربت كمية كبيرة من الماء البارد شعرت بها تجري في فمي و حلقي و معدتي و حتى شراييني !

عدت إلى فراشي و أغمضت عيني …
إنه ليس مجرد حلم …
لقد عدت إلى أهلي أخيرا
عدت إلى رغد …
و حتى و أن كبرت و لم تعد صغيرتي المدللة ، فهي لا تزال محبوبتي التي أعشق منذ الصغر …
و التي أفعل أي شيء في سبيل إسعادها
و التي لا زلت مشتاقا إليها أكثر من أي شخص آخر …
و التي يجب أن أقربها مني أكثر من أي وقت مضى …
فهي …
صغيرتي الحبيبة المدللة …
حلم حياتي الأول …
محبوبتي منذ الطفولة …
قد كبرت أخيرا ….




مشكووووره على الروايه ياعسل

ننتظر جديدك المميز




لهون راح اوقف تحميل الرواية غير ازا في طلب معين انو اكمل لانو طويييييله, بارك الله فيكم جميعا



كم باقي لك اذا ماقدرتي قولي لي باي موقع وانا اكملها

بس على الخاص اوك




بعتلك الموقع حبوبه تمتعي بالقصة :p



التصنيفات
منتدى اسلامي

فى النهاية هى . مصيرك

راقبى افكارك ستصبح كلمات
راقبى كلماتك ستصبح افعالا
راقبى افعالك ستصبح عادات
راقبى عاداتك ستصبح طباع
راقبى طباعك ستصبح مصيرك

******************

(إذا ضاقت بيكى الدنيا لاتقولى عندى هم كبير ,بل قولى عندى رب كبير):rmadeat-55943b70d4:




ونعم بالله يسلمو حياتي كلك ذوق



مشكوره قلبي



مشكورة والله يعطيكى الف عافية



التصنيفات
ادب و خواطر

بداية النهاية

ودعني الشوق على أعتاب نهايتي
وناداني الألم في بدايتي
صعوبة أجدها في تضرعي
وخطورة في دفاتري
لعلي كنت في الليالي…
جديدة بغيضة هي الثواني
كليمة وحيدة هي الآثار
سطور وعبرات على طريقي
وذاك الشبح يسخر مني
فليس لي أن أضاهي قدري
فما من عدل أو جواب
أجده سيدي بين صفحات قلبي
مع كل حرف إلا ذكرياتي
فودعني الشوق إلا والموت يلاحقني
وناداني الألم في وحدتي
ومع ذكراك دامت حياتي



يعطيــــــك العااافيــــــه ع الكلمـــااااات الراااااااائعــــــــه
سلمـــــــــــــــــــت يــــــــــــــــدااااااااكـــ ــ
يــــــــــــالـــغـــــــــــ ــلااااااااااااااااا



التصنيفات
المواضيع المتشابهة للاقسام العامة

رواية انت لي كاملة من البداية حتى النهاية,الحلقة 3

انت لي: الحلقة الثالثة

أشياء ثلاثة تشغل تفكيري و تقلقني كثيرا في الوقت الراهن
دراستي و امتحاناتي ، رغد الصغيرة ، و الأوضاع السياسية المتدهورة في بلدتنا و التي تنذر بحرب موشكة !
إنه يوم الأربعاء ، لم أذهب للمدرسة لأن والدتي كانت متوعكة قليلا في الصباح و آثرت البقاء إلى جانبها .

إنها بحالة جيدة الآن فلا تقلقوا

كنت أجلس على الكرسي الخشبي خلف مكتبي الصغير ، و مجموعة من كتبي و دفاتري مفتوحة و مبعثرة فوق المكتب .

لقد قضيت ساعات طويلة و أنا أدرس هذا اليوم ، إلا أن الأمور الثلاثة لم تبرح رأسي

الدراسة ، أمر بيدي و أستطيع السيطرة عليه ، فها أنا أدرس بجد

أوضاع البلد السياسية هي أمر ليس بيدي و لا يمكنني أنا فعل أي شيء حياله !

أما رغد الصغيرة …

فهي بين يدي … و لا أملك السيطرة على أموري معها !

و آه من رغد !

يبدو أن التفكير العميق في ( بعض الأشياء ) يجعلها تقفز من رأسك و تظهر أمام عينيك !

هذا ما حصل عندما طرق الباب ثم فتح بسرعة قبل أن أعطى الفرصة المفروضة للرد على الطارق و السماح له بالدخول من عدمه !

" وليـــد وليـــــــــد و ليـــــــــــــــــــــــــد ! "

قفزت رغد فجأة كالطائر من مدخل الغرفة إلى أمام مكتبي مباشرة و هي تناديني و تتحدث بسرعة فيما تمد بيدها التي تحمل أحد كتبها الدراسية نحوي !

" وليد علّمتنا المعلمة كيف نصنع صندوق الأماني هيا ساعدني لأصنع واحدا كبيرا يكفي لكل أمنياتي بسرعة ! "

إنني لم أستوعب شيئا فقد كانت هذه الفتاة في رأسي قبل ثوان و كانت تلعب مع سامر على ما أذكر !

نظرت إليها و ابتسمت و أنا في عجب من أمرها !

" رويدك صغيرتي ! مهلا مهلا ! متى عدت ِ من المدرسة ؟ "

أجابتني على عجل و هي تمد يدها و تمسك بيدي تريد مني النهوض :

" عدت الآن ، أنظر وليد الطريقة في هذه الصفحة هيا اصنع لي صندوقا كبيرا ! "

تناولت الكتاب من يدها و ألقيت نظرة !

إنه درس يعلم الأطفال كيفية صنع مجسم أسطواني الشكل من الورق !
و صغيرتي هذه جاءتني مندفعة كالصاروخ تريد مني صنع واحد !
تأملتها و ابتسمت ! و بما إنني أعرفها جيدا فأنا متأكد من أنها سوف لن تهدأ حتى أنفذ أوامرها !

قلت :

" حسنا سيدتي الصغيرة ! سأبحث بين أشيائي عن ورق قوي يصلح لهذا ! "

بعد نصف ساعة ، كان أمامنا أسطوانة جميلة مزينة بالطوابع الملصقة ، ذات فتحة علوية تسمح للنقود المعدنية ، و النقود الورقية ، و الأماني الورقية كذلك بالدخول !

رغد طارت فرحا بهذا الإنجاز العظيم ! و أخذت العلبة الأسطوانية و جرت مسرعة نحو الباب !

" إلى أين ؟؟ "

سألتها ، فأجابتني دون أن تتوقف أو تلتفت إلي :

" سأريها سامر ! "

و انصرفت …

اللحظات السعيدة التي قضيتها قبل قليل مع الطفلة و نحن نصنع العلبة ، و نلصق الطوابع ، و نضحك بمرح قد انتهت …

أي نوع من الجنون هذا الذي يجعلني أعتقد و أتصرف على أساس أن هذه الطفلة هي شيء يخصني ؟؟
كم أنا سخيف !

انتظرت عودتها ، لكنها لم تعد …
لابد أنها لهت مع سامر و نسيتني !
نسيت حتى أن تقول لي ( شكرا ) ! أو أن تغلق الباب !

غير مهم ! سأطرد هذا التفكير المزعج عن مخيلتي و أتفرغ لكتبي … أو حتى … لقضايا البلد السياسة فهذا أكثر جدوى !

بعد ساعة ، عادت رغد …
كان الصندوق لا يزال في يدها ، و في يدها الأخرى قلما .

اقتربت مني و قالت :

" وليد … أكتب كلمة ( صندوق الأماني ) على الصندوق ! "

تناولت الصندوق و القلم و كتبت الكلمة ، و أعدتهما إليها دون أي تعليق أو حتى ابتسامة

هل انتهينا ؟

صرفت ُ نظري عنها إلى الكتاب الماثل أمامي فوق المكتب ، منتظرا أن تنصرف

يجب أن تنتبه إلى أنها لم تشكرني !

" وليد … "

رفعت ُ بصري إليها ببطء ، كانت تبتسم ، و قد تورّد خداها قليلا !

لابد أنها أدركت أنها لم تشكرني !

قلت ُ بنبرة جافة إلى حد ما :

" ماذا الآن ؟ "

" هل لا أعطيتني ورقة صغيرة ؟ "

يبدو أن فكرة شكري لا تخطر ببالها أصلا !

تناولت مفكرتي الصغيرة الموضوعة على المكتب ، و انتزعت منها ورقة بيضاء ، و سلمتها إلى رغد

أخذتها الصغيرة و قالت بسرعة :

" شكرا ! "

ثم ابتعدت …

ظننتها ستخرج إلا أنها توجهت نحو سريري ، جلست فوقه ، و على المنضدة المجاورة و ضعت ( الصندوق ) و الورقة … و همّت بالكتابة !

أجبرت عيني ّ على العودة إلى الكتاب المهجور … لكن تفكيري ظل مربوطا عند تلك المنضدة !

" وليد … "

مرة أخرى نادتني فأطلقت سراح نظري إليها …

" نعم ؟"

سألتني :

" كيف أكتب كلمة ( عندما ) " ؟

نظرت ُ من حولي باحثا عن ( اللوح ) الصغير الذي أعلم رغد كيفية كتابة الكلمات عليه ، فوجدته موضوعا على أحد أرفف المكتبة ، فهممت بالنهوض لإحضاره ألا أن رغد قفزت بسرعة و أحضرته إلي قبل أن أتحرك !

أخذته منها ، و كتبت بالقلم الخاص باللوح كلمة ( عندما ) .

تأملتها رغد ثم عادت إلى المنضدة …

بعد ثوان ، رفعت رأسها إلي …

" وليد ! "

" نعم صغيرتي ؟ "

" كيف أكتب كلمة ( أكبُر ) ؟ "

كتبت الكلمة بخط كبير على اللوح ، و رفعته لتنظر إليه .

ثوان أخرى ثم عادت تسألني :

" وليد ! "

ابتسمت ! فطريقتها في نطق اسمي و مناداتي بين لحظة و أخرى تدفع إي كان للابتسام !

" ماذا أميرتي ؟ "

" كيف أكتب كلمة ( سوف ) " ؟؟

كتبت الكلمة و أريتها إياها ، صغيرتي كانت مؤخرا فقط قد بدأت بتعلم كتابة الكلمات بحروف متشابكة ، و لا تعرف منها إلا القليل …
بقيت أراقبها و أتأملها بسرور و عطف !
كم هي بريئة و بسيطة و عفوية !
يا لها من طفلة !

رفعت رأسها فوجدتني أنظر إليها فسألت مباشرة :

" كيف أكتب كلمة ( أتزوج ) ؟ "

فجأة ، أفقت من نشوة التأمل البريء …

هناك كلمة غريبة دخيلة وصلت إلى أذني ّ في غير مكانها !

حدقت في رغد باهتمام ، و اندهاش …

هل قالت ( أتزوج ) ؟؟

أتزوج !

ألا تلاحظون أنها كلمة ( كبيرة ) بعض الشيء ! بل كبيرة جدا !

سألتها لأتأكد :

" ماذا رغد ؟؟ "

قالت و بمنتهى البساطة :

" أتزوج ! كيف أكتبها ؟؟ "

أنا مندهش و متفاجيء …

و هي تنظر إلي منتظرة أن أكتب الكلمة على لوحها الصغير …

أمسكت بالقلم بتردد و شرود … و كتبت الكلمة ( الكبيرة ) ببطء ، ثم عرضتها عليها فأخذت تكتبها حرفا حرفا …
انتهت من الكتابة ، فوضعت اللوح على مكتبي ، في انتظار الكلمة التالية …

انتظرت …
و أنتظرت …
لكنها لم تتكلم

لم تسألني عن أي شيء
رأيتها تطوي الورقة الصغيرة ، ثم تدخلها عبر الفتحة داخل صندوق الأماني !

( عندما أكبر سوف أتزوج ((…. )) ؟؟؟ )

الاسم الذي تلا كلمة أتزوج هو اسم تعرف رغد كيف تكتبه !
كأي اسم من أسماء أفراد عائلتنا أو صديقاتها …
كـ وليد ، أو سامر ، أو أي رجل !

رغد الصغيرة !
ما الذي تفعلينه !؟؟

الآن ، هي قادمة نحوي …
و الصندوق في يدها …

" وليد اكتب أمنيتك ! "

" ماذا صغيرتي ؟؟ "

" أكتب أمنيتك و ضعها بالداخل ، و حينما نكبر نفتح الصندوق و نقرأ أمنياتنا و نرى ما تحقق منها ! هكذا هي اللعبة ! "

إنني قد افعل أشياء كثيرة قد تبدو سخيفة ، أما عن وضعي لأمنيتي في صندوق ورقي خاص بطفلتي هذه ، فهو أمر سأترك لكم أنتم الحكم عليه !
نزعت ورقة من مفكرتي ، و كتبت إحدى أمنياتي !
فيما أنا اكتب ، كانت رغد تغمض عينيها لتؤكد لي أنها لا ترى أمنيتي !

أي أمنية تتوقعون أنني أدخلتها في صندوق الأماني الخاص بصغيرتي العزيزة …؟؟

لن أخبركم !

بعد فراغي من الأمر ، طلبت مني رغد أن أحفظ الصندوق في أحد أرفف مكتبتي ، لأنها تخشى أن تضيعه أو تكتشف دانة وجوده فيما لو ضل في غرفتها !

" وليد لا تفتح الصندوق أبدا ! "

" أعدك بذلك ! "

ابتسمت رغد ، ثم انطلقت نحو الباب مغادرة الغرفة و هي تقول :

" سأخبر سامر بأنني انتهيت ! "

بعد مغادرتها ، تملكتني رغبة شديدة في معرفة ما الذي كتبته في ورقتها
كدت انقض وعدي و أفتح الصندوق من شدة الفضول …
لكني نهرت نفسي بعنف … لن أخيب ثقة الصغيرة بي أبدا

( عندما أكبر سوف أتزوج ………. ؟؟؟ )

من يا رغد ؟؟

من ؟

من ؟؟

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

في عصر اليوم ذاته ، قرر والدي أخذنا لنزهة قصيرة إلى أحد ملاهي الأطفال ، حسب طلب و إلحاح دانة !
أنا لم أشأ الذهاب ، فأنا لم أعد طفلا و لا تثير الملاهي أي اهتمام لدي ، إلا أن والدتي أقنعتني بالذهاب من باب الترويح عن النفس لاستئناف الدراسة !
قضينا وقتا جيدا …
وقفت رغد أمام إحدى الألعاب المخيفة و أصرت على تجربتها !
طبعا لم يوافق أحد على تركها تركب هذا القطار السريع المرعب ، و كما أخبرتكم فإنها حين ترغب في شيء فإنها لن تهدأ حتى تحصل عليه !

و حين تبكي ، فإنها تتحول من رغد إلى رعد !

والدي زجرها من باب التأديب ، إذ أن عليها أن تطيع أمره حين يأمرها بشيء

توقفت رغد عن البكاء ، و سارت معنا على مضض …

كانت تمشي و رأسها للأسفل و دموعها تسقط إلى الأرض !

أنا وليد لا أتحمّل رؤيتها هكذا مطلقا … لا شيء يزلزلني كرؤيتها حزينة وسط الدموع !

" حسنا يا رغد ! فقط للمرة الأولى و الأخيرة سأركب معك هذا القطار ، لتري كم هو مخيف و مرعب ! "

أعترض والداي ، ألا أنني قلت :

" سأمسك بها جيدا فلا تقلقا "

اعتراضهما كان في الواقع على سماحي لرغد بنيل كل ما تريد
أنا أدرك أنني أدللها كثيرا جدا
لكن …
ألا تستحق طفلة يتيمة الأبوين شيئا يعوضها و لو عن جزء من المائة مما فقدت ؟
تجاهلت اعتراض والدي ّ ، و انطلقت بها نحو القطار

ركبنا سوية ذلك القطار و لم تكن خائفة بل غاية في السعادة ! و عندما توقف و هممت بالنزول ، احزروا من صادفت !؟؟

عمّار اللئيم !

" من وليد ! مدهش جدا ! تتغيب عن المدرسة لتلهو مع الأطفال ! عظيم ! "

تجاهلته ، و انصرفت و الصغيرة مبتعدين ، ألا أنه عاد يلاحقني بكلام مستفز خبيث لم أستطع تجاهله ، و بدأنا عراكا جديدا !

تدخل مجموعة من الناس و من بينهم والدي لفض نزاعنا بعد دقائق …

عمار و بسبب لكمتي القوية إلى وجه سالت الدماء من أنفه

كان يردد :

" ستندم على هذا يا وليد ! ستدفع الثمن "

أما رغد ، و التي كانت تراني و لأول مرة في حياتها أتعارك مع أحدهم ، و أؤذيه ، فقد بدت مرعوبة و التصقت بوالدتي بذعر !

عندما عدنا للبيت وبخني أبي بشدة على تصرفي في الملاهي و عراكي …
و قال :

( كنت أظنك أصبحت رجلا ! )

و هي كلمة آلمتني أكثر بكثير من لكمات عمّار
استأت كثيرا جدا ، و عندما دخلت غرفتي بعثرت الكتب و الدفاتر التي كانت فوق مكتبي بغضب
لا أدري لماذا أنا عصبي و متوتر هذا اليوم …
بل و منذ فترة ليست بالقصيرة
أهذا بسبب الامتحانات المقبلة ؟؟

بعد قليل ، طرق الباب ، ثم فتح بهدوء …
كانت رغد

" وليد … "

ما أن نطقت باسمي حتى قاطعتها بحدة :

" عودي إلى غرفتك يا رغد فورا "

نظرت إلي و هي لا تزال واقفة عند الباب ، فرمقتها بنظرة غضب حادة و صرخت :

" قلت اذهبي … ألا تسمعين ؟؟ ! "
أغلقت الصغيرة الباب بسرعة من الذعر !
لقد كانت المرة الأولى التي أقسو فيها على رغد …
و كم ندمت بعدها

ألقيت نظرة على ( صندوق الأماني ) ثم أمسكت به و هممت بتمزيقه !

ثم أبعدته في آخر لحظة !
كنت أريد أن أفرغ غضبي في أي شيء أصادفه
إنني أعرف أنني يوم السبت المقبل سأقابل بتعليقات ساخرة من قبل عمّار و مجموعته
و كل هذا بسبب أنت أيتها الرغد المتدللة …
لأجلك أنت أنا أفعل الكثير من الأشياء السخيفة التي لا معنى لها !
و الأشياء المهولة … التي تعني أكثر من شيء … و كل شيء …
و التي يترتب عليها مصائر و مستقبل …
كما سترون …

اراكم في الحلقة الرابعة




تهبببببل ننتظر الباقي



التصنيفات
منتدى اسلامي

سوف تبكي بالنهاية

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

طفلة سعودية عمرها 14 سنة اسلم على يدها الكثير

اتمنى ان تقرأوها وكانكم تسمعوها من لسان والدتها
سأروي لكم بالتفصيل قصة افنان على لسان والدتها
بدايتها
تقول والدة افنان : حينما كنت حاملا بابنتي افنان
راى والدي في منامه عصافير صغيره تطير في السماء
وبينهم كانت تطير حمامه بيضاء وجميله جدا
طارت الى بعيد وارتقت بالسماء
>>
>> وسالت والدي عن تفسيره فأخبرني
>> ان العصافير هم اولادي
>> واني سأنجب فتاة تقيه ….؟؟
>> ولم يكمل
>> وانا لم استفسر عن تأويل هذه الرؤيا
>> وبعدها انجبت ابنتي افنان
>> وكانت تقيه بالفعل وكنت ارى فيها المراة الصالحه منذ طفولتها
>>>>
>> وبعد ان اصبحت بالصف الرابع الابتدائي
>>
>> ابتعدت عن كل مايغضب الله
>> فرفضت الذهاب الى الملاهي او الى الزواجات
>> وحتى لو كان قريباً جداً
>> وكانت متعلقة بدينها غيورة عليه
>> محافظه على صلواتها وعلى السن
>> وعندما وصلت الى المرحله المتوسطه
>> بدأت مشروعها في الدعوة الى الله
>> وكانت ماترى منكرأ الا انكرته
>> وتأمر بالمعروف وتحافظ على
>>حجابها
>> وهي لم يجب عليها بعد.
>>
>> بداية الدعوه الى الله
>>
>> وكان اول من أسلم على
>>يدها هي خادمتنا (السيرلانكيه)
>> تقول والدة افنان:
>> حين انجبت ابني الصغير (عبدالله)
>> واضطرت لأستقدام خادمه لتعتني به في غيابي لاني موظفه
>> وكانت ديانتها ( مسيحيه)
>> وبعد ان علمت افنان ان الخادمه غير مسلمه غضبت
>> وجائتني ثائره وهي تقول :
>> امي كيف تلمس ملابسنا وتغسل او انينا
>> وتعتني بأخي وهي كافره
>>؟؟؟
>> انا مستعده لاترك مدرستي
>> واقوم بخدمتكم اربع وعشرين ساعه
>> ولا تخدمنا كافره ! !
>> ولم اعطها اي اهتمام لحاجتي الملحه لتلك الخادمه
>> وبعدن شهرين فقط
>> وجائتني الخادمه وهي فرحه
>> وتقول : ماما انا خلاص في مسلم افنان علمتني الاسلام
>> وفرحة جدا لهذا الخبر
>>
>> اول واخر زواج حضرته
>>
>> وحينما كانت افنان في الصف الثالث المتوسط
>> طلب منها عمها الحضور لحفل زفافه واصر عليها
>> والا فانه لن يرضى عنها طيلة حياته
>> وافقت افنان على طلب عمها بعد الحاحه الشديد ولانها كانت تحبه
>>كثيرا
>> واستعدت افنان لهذا الزواج ولبست له فستان ساتر باكمام
>> وضعت لها تسريحة بسيطه وكانت غاية في الجمال
>> كانت افنان شديدة الجمال وكل من يراها ينبهر بجمالها
>> لازلت اذكر شعرها حينما تلفه كان طويلا وكثيرا
>> الجميع انبهر بها ويسألني من هذه ؟؟؟ولماذا اخفيتها عنا طيلة هذه
>>المده

>>
>> وبعد زواج عمها بفتره بسيطه احست افنان بالم شديد في رجلها
>> وكانت تخفي عنا هذه الالم وتقول الم بسيط في رجلي
>>
>> وبعد شهر ين اصبحت (تعرج) وحينما سالناها
>> قالت الم بسيط سيزول …ان شاء الله
>> وبعد شهر اصبحت عاجزه كلياً عن المشي
>> اخذناها للمستشفى وتم عمل الفحوصات الازمه والاشعه
>> وفي احد الغرف في ذلك المستشفى الكبير
>> كان هناك انا والد افنان وعمها
>> ودكتور (تركي)
>> ومترجم وممرضه (غير مسلمين)
>> وافنان مستلقيه على السرير
>> وكان الدكتور والمترجم لاينظرون الينا
>> ويكلمون افنان
>> اخبرها الدكتور انها مصابة بالسرطان في رجلها
>> وانها سوف تعطى ثلاث ابر كيماوي
>> وسيسقط شعرها وحواجبها كلها
>> صعقت لهذا الخبر انا والدها وعمها
>> وجلسنا نبكي بحرقه
>> اما افنان فوضعة يديها على فمها وهي فرحه وتقول
>> الحمد لله …الحمدلله …الحمدلله
>> قربتها من صدري وانا ابكي افنان وش فيك؟؟
>> قالت : يمه الحمدلله المصيبه فيني وليست في ديني (الله اكبر) >> واخذت تحمد الله بصوت عالي والجميع ينظرون اليها بدهشه!!
>> استصغرت نفسي وانا ارها طفلتي الصغيره وقوة ايمانها
>> ومدى ضعف ايماني
>> كل من كان معنا تاثر من هذا الموقف
>> ومن قوة ايمانها
>> اما الدكتور والمترجم والممرضه فقد اعلنوا اسلامهم

لله درها من فتاة
>>
>> رحلة العلاج والدعوه الى الله
>>
>> قبل ان تبدا افنان جلساتها بالكيماوي
>> طلب منها عمها ان يحضر لها ( كوافيره)
>> لتقص لها شعرها قبل ان يسقط بالعلاج
>> فرفضت وبشدة حاولت انا اقناعها لتلبية رغبة عمها
>> ولكن كانت ومازالت ترفض واصريت عليها ومازالت ترفض
>> وهي تقول : لاأريد انا احرم اجر كل شعره تسقط من رأسي!!
>>
>> انطلقنا انا وزوجي وافنان في اول طائره الى امريكا لعلاج افنان
>>
>>وعندما وصلنا هناك قابلتنا دكتوره امريكيه كانت تشتغل بالسعوديه منذ خمسة عشر سنه
>>وتقن بعض الكلمات العربيه حينما راتها افنان سألتها : هل انتي مسلمه..؟
>> فقالت لا …
>> اخذتها افنان الى احد الغرف وجلست تدعوها الى الاسلام
>> جائتني الدكتوره وقد امتلاءت عيناها بالدموع وقالت
>> انها منذ خمسة عشر سنه بالسعوديه
>>لم يدعوها احد للإسلام وهنا تاتي هذه الصغيره واسلم على يدها (الله اكبر)
>>في امريكا اخبرونا انه لا علاج لها غير بتر رجلها خشية ان يصل السرطان الى رئتها
>> ويقضي عليها افنان لم تخش البتر بل كانت تخاف على مشاعر والديها
>>
>> وفي احد الايام كانت افنان تحدث احد صديقاتها (رانيا)
>> وكانت تسألها : وش رايك اخليهم يبترون رجلي ؟؟
>> فحاولت ان تطمئنها وانه يمكن ان يضعون لها رجل بديله
>>فأجابتها وقالت بالحرف الواحد : انا ماهمتني رجلي بس ودي اذا حطوني بقبري اكون كامله >>
>> تقول رانيا اني بعد اجابة افنان احسست باني صغيره امامها لافقه
شي
>>كان تفكيري كله كيف ستعيش وكان تفكيرها ارقى من ذلك كانت تفكر كيف ستموت !!
>>
>>عدنا الى الرياض بعد ان بترنا رجل افنان وكانت المفاجئه ان السرطان وصل الى الرئتين!!
>> وكانت حالتها ميؤس منها
>> بالمستشفى لم يكن يسمع صوت الاذان
>> وكانت حالتها شبه غيبوبه
>>وبمجرد دخول وقت الصلاة تستيقظ من غيبوبتها وتطلب الماء ثم تتوضاء وتصلي دون ان يوقظها احد!!
>>
>> اخر ايام افنان
>>
>>اخبرنا الاطباء انه لاجدوى من وجودها بالمستشفى فكلها يوم او اثنان وستفارق الحياة
>>وانه بإمكاننا ان نأخذها للبيت وكنت اود ان تقضي ابنتي ايامها الاخيره في بيت امي بجانبي
>>وفي بيت امي كانت تنام افنان في تلك الغرفه الصغيره كنت اجلس الى جانبها في بعض الاحيان واتحدث معها
>> وفي احد الايام حضرت زوجت عمها لزيارتها واخبرتها انها بالغرفة
نائمه
>> وحين دخلت للغرفه صعقت ثم اغلقت الباب فخفت ان يكون حدث لافنان امر
>>
>>سالتها ولم تخبرني لم اتمالك نفسي فذهبت اليها وحين فتحت الغرفه
>>اذهلني مارايت
>> كانت الانوار مطفئه وجه افنان يشع نورا في وسط الظلام راتني ثم
>>ابتسم ت وقالت : امي تعالي ساخبرك برؤيا رايتها
>> وقلت :خيرا ان شاء الله
>> قالت: لقد رايت اني عروس في يوم زفافي وكنت ارتدي فستان ابيض كبير
>>وانتي واهلي كلكم حولي كلهم كانوا فرحين بزواجي الا انتي يامي
>> وسالتها وماذا تظنين تفسير رؤياك
>> قالت اضن باني ساموت وكلهم سينسوني وسيعيشون حياتهم فرحين
>>الا انتي يامي فستظلين تذكريني وتحزنين على فراقي
>>
>>وصدقت افنان انا الان وانا اقول القصه احترق في داخلي وكل ماتذكرتها حزنت عليها
>>
>> وفي احد الايام كنت جالسة بقرب افنان انا والدتي
>> وكانت افنان مستلقيه على سريرها
>> ثم استيقظت وقالت: امي اقتربي مني اريد ان اقبلك
>> فقبلتني ثم قالت اريد ان اقبل خدك الثاني فاقتربت منها وقبلتني
>> وعادت تستلقي على سريها
>>
>> قالت لها والدتي : افنان قولي لاإاله إلا الله
فقالت : اشهد ان لا إله إلا الله..
>> ثم توجهت الى القبله وقالت اشهد ان لا إله الا الله ونطقتها عشر
مرات
>>ثم قالت اشهد ان لا إاله الا الله واشهد ان محمد رسول الله وخرجت
روحها..
رائحة مسك
اصبحت الغرفه تعم برائحه المسك
لمدة اربع ايام ولم استطع ان اتحمل وخافوا اهلي علي وعلى نفسيتي
وطيبوا الغرفه
لكي لاحس بانها رائحة افنان .

>>

نسأل الله لنا ولكم حسن الختام

وبعد ان قراتم قصة افنان واستفدتم منها فلا تبخلوا احبتي بنشرها لكل
من عرفتم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم انا نسألك حسن الخاتمة
وان تجعل اخر كلامنا من الدنيا
ان لا اله الا الله محمد رسول الله

اللهم توفنا وانت راض عنا ياذا الاجلال ولاكرام

و

احسن لنا خاتمتنا واقطفنا قطف الريحان

من مواضيعي:




اللهم أرزقنا حسن الخاتمة

وأجعل خير أيامنا خواتيمها




الله اكبر
اللهم ارحمها وارزقها فسيح جنانك
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة يارب



يسلمو يا عسل



الله يرحمها ويغمد روحها للجنه. :a2:

هذي عز البنت مو بنات اليوم لاحول ولاقوة إلا بالله البنت لا صلاه ولا مخافه من الله :a3:………..
يالله حسن الخاتمه……….




التصنيفات
قصص و روايات

نحن اليوم مع قصه النهاية 00 نعم النهاية التي لطالما غفلنا أو تغافلنا عنها مشوقة

نحن اليوم مع قصه النهاية 00 نعم النهاية التي لطالما غفلنا أو تغافلنا عنها مع أننا مستيقنين بها . إنها الحظات الأخيرة من عمر لعله يكون طويلا أو قصيرا..

أنها الحظات التي قال المولى عز وجل : { كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق } . نعم عباد الله إنه الفراق … إنه ليس فراقا عاديا وليست رحله عاديه يودع فيها المرء أهله وذويه فترة ثم يعود إليهم وليست تجربه حرة يؤديها الإنسان فإن فشل فيها لجأ إلى غيرها حتى يرتاح إلى نتائجها .إنها تجربة نادرة مع المرء .. ورحلة إلى عالم آخر وفراق في غاية الألم والحرقة .

إنها لحظات تكون فيها حالة الزفير أطول من الشهية ويضيق مجرى التنفس حتى وكأن المرء بتنفس من ثقب إبرة والمهم هنا وقبيل توديع الحياة في الحظات الأخيرة .. في الدقائق الأخيرة من العمر .. بماذا يتلفظ الإنسان ؟

مما يشار إليه هنا أن المرء لا يقدر أن يتلفظ بما خط له في حياته ولا يستطيع أن يقول الكلمات التي دبلجها سابقا الله اكبر ما أعظمها من لحظات .

——————————————————————————–

القصة الأولى

إنه يقرأ القرآن

شخص يسير بسيارته سيراً عادياً , وتعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة . ترجّل من سيارته لإصلاح العطل في أحد العجلات وعندما وقف خلف السيارة لكي ينزل العجلة السليمة . جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف .. سقط مصاباً إصابات بالغة .
يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق : حضرت أنا وزميلي وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله شاب في مقتبل العمر .. متديّن يبدو ذلك من مظهره . عندما حملناه سمعناه يهمهم .. ولعجلتنا لم نميز ما يقول , ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا .. سمعنا صوتاً مميزاً إنه يقرأ القرآن وبصوتٍ ندي .. سبحان الله لا تقول هذا مصاب .. الدم قد غطى ثيابه .. وتكسرت عظامه . بل هو على ما يبدو على مشارف الموت .
استمرّ يقرأ القرآن بصوتٍ جميل .. يرتل القرآن .. لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة . أحسست أن رعشة سرت في جسدي وبين أضلعي . فجأة سكت ذلك الصوت .. التفت إلى الخلف فإذا به رافعاً إصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه قفزت إلي الخلف .. لمست يده .. قلبه .. أنفاسه . لا شيء فارق الحياة .
نظرت إليه طويلاً .. سقطت دمعة من عيني..أخفيتها عن زميلي.. التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات.. انطلق زميلي في بكاء.. أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف.. أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثر.
وصلنا المستشفى.. أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل.. الكثيرون تأثروا من الحادثة موته وذرفت دموعهم.. أحدهم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه.. الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يُصلى عليه ليتمكنوا من الصلاة عليه.اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى.. كان المتحدث أخوه.. قال عنه.. إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة قي القرية.. كان يتفقد الأرامل والأيتام.. والمساكين.. كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة الدينية.. وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين..وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها..وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق..إني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته.. وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية.. وإني أحتسب عند الله كل خطوة أخطوها..
من الغد غص المسجد بالمصلين .. صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة .. وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة .. أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة ..
استقبل أول أيام الآخرة . وكأني استقبلت أول أيام الدنيا *

الزمن القادم عبد الملك القاسم .

——————————————————————————–

القصة الثانية

وهذا شابٌ في سكرات الموت يقولون له : قل لا إله إلا الله .فيقول: أعطوني دخاناً. فيقولون: قل لا إله إلا الله .
فيقول: أعطوني دخاناً. فيقولون : قل لا إله إلا الله عله يختم لك بها. فيقول : أنا برئٌ منها أعطوني دخاناً .

شريط الشيخ على القرني / الإيمان والحياة

——————————————————————————–

القصة الثالثة

وشابٌ آخر كان صاداً وناداً عن الله سبحانه وتعالى وحلت به سكرات الموت التي لابد أن تحل بي وبك .
جاء جُلاسه فقالوا له : قل لا إله إلا الله . فيتكلم بكل كلمة ولا يقولها . ثمّ يقول في الأخير أعطوني مصحفاً فرحوا واستبشروا وقالوا : لعله يقرأ آية من كتاب الله فيختم له بها
فأخذ المصحف ورفعه بيده وقال:
أشهدكم إني قد كفرت برب هذا المصحف .

المصدر السابق

——————————————————————————–

القصة الرابعة

توبة شاب .. معاكس

حدثت هذه القصة في أسواق العويس بالرياض . يقول أحد الصالحين : كنت أمشي في سيارتي بجانب السوق فإذا شاب يعاكس فتاة , يقول فترددت هل أنصحه أم لا ؟ ثم عزمت على أن أنصحه , فلما نزلت من السيارة هربت الفتاة والشاب خاف توقعوا أني من الهيئة ,فسلمت على الشاب وقلت : أنا لست من الهيئة ولا من الشرطة وإنما أخٌ أحبت لك الخير فأحبت أن أنصحك . ثم جلسنا وبدأت أذكره بالله حتى ذرفت عيناه ثم تفرقنا وأخذت تلفونه وأخذ تلفوني وبعد أسبوعين كنت أفتش في جيبي وجدت رقم الشاب فقلت: أتصل به وكان وقت الصباح فأتصلت به قلت : السلام عليكم فلان هل عرفتني , قال وكيف لا أعرف الصوت الذي سمعت به كلمات الهداية وأبصرت النور وطريق الحق . فضربنا موعد القاء بعد العصر, وقدّر الله أن يأتيني ضيوف, فتأخرت على صاحبي حوالي الساعة ثم ترددت هل أذهب له أو لا . فقلت أفي بوعدي ولو متأخراً, وعندما طرقت الباب فتح لي والده . فقلت السلام عليكم قال وعليكم السلام , قلت فلان موجود , فأخذ ينظر إلي , قلت فلان موجود وهو ينظر إلي باستغراب قال يا ولدي هذا تراب قبره قد دفناه قبل قليل . قلت يا والد قد كلمني الصباح , قال صلى الظهر ثم جلس في المسجد يقرأ القرآن وعاد إلى البيت ونام القيلولة فلما أردنا إيقاظه للغداء فإذا روحه قد فاضت إلى الله . يقول الأب :ولقد كان أبني من الذين يجاهرون بالمعصية لكنه قبل أسبوعين تغيرت حاله وأصبح هو الذي يوقظنا لصلاة الفجر بعد أن كان يرفض القيام للصلاة ويجاهرنا بالمعصية في عقر دارنا , ثم منّ الله عليه بالهداية .
ثم قال الرجل : متى عرفت ولدي يا بني ؟
قلت : منذ أسبوعين . فقال : أنت الذي نصحته ؟ قلت : نعم
قال : دعني أقبّل رأساً أنقذ أبني من النار

شريط نهاية الشباب منوع

——————————————————————————–

القصة الخامسة

سقر وما أدراك ما سقر

وقع حادث في مدينة الرياض على إحدى الطرق السريعة لثلاثة من الشباب كانوا يستقلون سيارة واحدة تُوفي اثنان وبقي الثالث في الرمق الأخير يقول له رجل المرور الذي حضر الحادث قل لا إله إلا الله . فأخذ يحكي عن نفسه ويقول :
أنا في سقر .. أنا في سقر حتى مات على ذلك . رجل المرور يسأل ويقول ما هي سقر ؟ فيجد الجواب في كتاب الله {سأصليه سقر . وما أدراك ما سقر . لا تبقي ولا تذر . لواحةٌ للبشر …} { ما سلكم في سقر . قالوا لم نكُ من المصلين .}

شريط كل من عليها فان .. منوع

——————————————————————————–

القصة السادسة

توبة محمد

يقول أحد الشباب :
نحن مجموعة من الشباب ندرس في إحدى الجامعات وكان من بيننا صديقٌ عزيزٌ يقال له محمد . كان محمد يحي لنا السهرات ويجيد العزف على النّاي حتى تطرب عظامنا.
والمتفق عليه عندنا أن سهرة بدون محمد سهرةٌ ميتة لا أنس فيها.
مضت الأيام على هذا الحال. وفي يوم من الأيام جاء محمد إلى الجامعة وقد تغيّرت ملامحه ظهر عليه آثار السكينة والخشوع فجئت إليه أحدّثه فقلت : يا محمد ماذا بك؟ كأن الوجه غير الوجه. فرد عليه محمد بلهجة عزيزة وقال :
طلّقت الضياع والخراب وإني تائبٌ إلى الله. فقال له الشاب على العموم عندنا اليلة سهرة لا تفوّت وسيكون عندنا ضيفٌ تحبه إنه المطرب الفلاني . فرد ّ محمد عليه : أرجو أن تعذرني فقد قررت أن أقاطع هذه الجلسات الضائعة فجنّ جنون هذا الشاب وبدأ يرعد ويزبد . فقال له محمد:
اسمع يا فلان . كم بقي من عمرك؟ ها أنت تعيش في قوة بدنية وعقلية . وتعيش حيوية الشباب فإلى متى تبقى مذنباً غارقاً في المعاصي . لما لا تغتنم هذا العمر في أعمال الخير والطّاعات واصل محمد الوعظ وتناثرة باقة ٌمن النصائح الجميلة . من قلبٍ صادق من محمد التائب. يا فلان إلى متى تسوّف؟ لا صلاة لربك ولا عبادة . أما تدري أنك قد تموت اليوم أو غداً . كم من مغترٍ بشبابه وملك الموت عند بابه كم من مغتر عن أمره منتظراً فراغ شهره وقد آن إنصرام عمره . كم من غارقٍ في لهوه وأنسه وما شعر . أنه قد دنا غروب شمسه . يقول هذا الشاب : وتفرقنا على ذلك وكان من الغد دخول شهر رمضان . وفي ثاني أيام رمضان ذهبت إلى الجامعة لحضور محاضرات السبت فوجدت الشباب قد تغيّرت وجوههم . قلت : ما بالكم ؟ قال أحدهم:
محمدٌ بالأمس خرج من صلاة الجمعة فصدمته سيارة مسرعة .. لا إله إلا الله توفاه الله وهو صائم مصلّي الله أكبر ما أجملها من خاتمة .
قال الشاب : صلينا على محمد في عصر ذلك اليوم وأهلينا عليه التراب وكان منظراً مؤثراً

المصدر السابق

——————————————————————————–

القصة السابعة

مصيبة

أتوا بشاب إلى جامع الراجحي بالرياض بعد إن مات في حادث لكي يُغسل . وبدأ أحد الشباب المتطوعين يباشر التغسيل وكان يتأمل وجه ذلك الشاب. إنه وجهٌ أبيض وجميل حقاً لكان هذا الوجه بدأ يتغير تدريجياً من البياض إلى السمرة . والسمرة تزداد حتى أنقلب وجهه إلى أسود كالفحم . فخرج الشاب الذي يغسله مسرعاً خائفاً وسأل عن وليّ هذا الشاب . قيل له هو ذاك الذي يقف في الركن ذهب إليه مسرعاً فوجده يدخن . قال : وفي مثل هذا الموقف تدخن ماذا كان يعمل أبنك؟
قال : لا أعلم . قال : أكان يصلي؟ قال: لا والله ما كان يعرف الصلاة. قال: فخذ أبنك والله لا أغسله في هذه المغسلة ثم حُمل ولا يُعلم أين ذُهب به .

المصدر السابق

——————————————————————————–

القصة الثامنة

الرحيل ..

بدت أختي شاحبة الوجه نحيلة الجسم.. لكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .. تبحث عنها تجدها في مصلاها راكعة ساجد رافعة يديها إلى السماء .. هكذا في الصباح وفي المساء وفي جوف اليل لا تفتر ولا تمل ..
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي .. أشاهد الفيديو بكثرة لدرجة أني عُرفت به.. ومن أكثر من شيء عُرف به.. لا أؤدي واجباتي كاملة , ولست
منضبطة في صلواتي ..
بعد أن أغلقت جهاز الفيديو وقد شاهدت أفلاماً منوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة.. ها هو ذا الأذان يرتفع من المسجد المجاور .. عدت إلى فراشي .
تناديني من مصلاها .. قلت نعم ماذا تريدين يا نورة ؟
قالت لي بنبرة حادة : لا تنامي قبل أن تصلي الفجر ..
أوه.. بقي ساعة على صلاة الفجر وما سمعته كان الأذن الأول بنبرتها الحنونة هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش نادتني : تعالي يا هناء إلى جانبي .. لا أستطيع إطلاقاً ردّ طلبها ..تشعر بصفائها وصدقها نعم ماذا تريدين ؟ أجلسي .. ها قد جلست ماذا تريدين ؟
بصوت عذب {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة }.
سكت برهة .. ثم سألتني: ألم تؤمني بالموت ؟.. بلى مؤمنة ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟
بلى .. لكن الله غفور رحيم .. والعمر طويل ..
يا أختي ألا تخافين من الموت وبغته ؟
انظري هنداً أصغر منكِ وتوفيت في حادث سيارة .. وفلانة وفلانة .. الموت لا يعرف العمر وليس مقياساً له ..
أجبتها بصوت خائف حيث مصلاها المظلم ..
إني أخاف من الظلام وأخفتيني من الموت .. كيف أنام الآن؟
كنت أظن أنكِ وافقتي على السفر معنا هذه الإجازة .
فجأة .. تحشرج صوتها وأهتز قلبي ..
لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً.إلى مكان آخر..ربما يا هناء الأعمار بيد الله .. وانفجرتُ بالبكاء..
تفكرت في مرضها الخبيث وأن الأطباء أخبروا أبي سراً أن المرض ربما لن يمهلها طويلاً .. ولكن من أخبرها بذلك .. أم أنها تتوقع هذا الشيء ؟
ما لك بما تفكرين ؟ جاءني صوتها القوي هذه المرة ..
هل تعتقدين أني أقول هذا لأني مريضة ؟ كلا .. ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء .. وأنت إلى متى ستعيشين ؟ ربما عشرين سنة .. ربما أربعين .. ثم ماذا ؟
لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة..لا فرق بيننا, كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا إما إلى الجنة أو إلى النار ..
تصبحين على خير هرولتُ مسرعة وصوتها يطرق أذني هداك الله .. لا تنسي الصلاة ..
وفي الثامنة صباحاً أسمع طرقاً على الباب .. هذا ليس موعد استيقاظي .. بكاء .. وأصوات .. ماذا جرى ؟
لقد تردت حالة نورة وذهب بها أبي إلى المستشفى ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
لا سفر هذه السنة , مكتوب عليّ البقاء هذه السنة في بيتنا ..
بعد انتظار طويل .. بعد الواحدة ظهراً هاتفنا أبي من المستشفى .. تستطيعون زيارتها الآن .. هيا بسرعة..
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير ..
ركبنا في السيارة .. أمي بجواري تدعو لها ..إنها بنت صالحة ومطيعة .. لم أرها تضيّع وقتاً أبداً ..
دخلنا من الباب الخارجي للمستشفى وصعدنا درجات السلم بسرعة . قالت الممرضة : إنها في غرفة العناية المركزة وسآخذكم إليها , إنها بنت طيّبة وطمأنت أمي إنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها .. ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد . هذه غرفة العناية المركزة .
وسط زحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إليّ وأمي واقفة بجوارها , بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطع إخفاء دمعتها .
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها بشرط أن لا أتحدّث معها كثيراً .
كيف حالك يا نورة ؟ لقد كنتِ بخير البارحة.. ماذا جرى لك ؟
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأن الآن والحمد لله بخير كنتُ جالسة على حافة السرير ولامست ساقها فأبعدته عني قلت آسفة إذا ضايقتكِ .. قالت : كلا ولكني تفكرت في قول الله
تعالى : { والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق }
عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن ما قريب أول أيام الآخرة .. سفري بعيد وزادي قليل .
سقطت دمعة من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت ..
لم أنتبه أين أنا .. استمرت عيناي في البكاء .. أصبح أبي خائفاً عليّ أكثر من نورة .. لم يتعودوا هذا البكاء والانطواء في غرفتي ..
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين .. ساد صمت طويل في بيتنا .. دخلت عليّه ابنة خالتي .. ابنة عمتي
أحداث سريعة.. كثر القادمون .. اختلطت الأصوات .. شيء واحد عرفته ………
نورة مات .
لم أعد أميز من جاء .. ولا أعرف ماذا قالوا ..
يا الله .. أين أنا ؟ وماذا يجري ؟ عجزت حتى عن البكاء ..
تذكرت من قاسمتني رحم أمي , فنحن توأمان .. تذكرت من شاركتني همومي .. تذكرت من نفّست عني كربتي .. من
دعت لي بالهداية .. من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدّثني عن الموت والحساب ..
الله المستعان .. هذه أول ليلة لها في قبرها .. اللهم ارحمها ونور لها قبرها .. هذا هو مصلاها .. وهذا هو مصحفها ..
وهذه سجادتها .. وهذا .. وهذا ..
بل هذا هو فستانها الوردي الذي قالت لي سأخبئه لزواجي..
تذكرتها وبكيت على أيامي الضائعة .. بكيت بكاءً متواصلاً ودعوت الله أن يتوب علي ويعفو عنّي .. دعوت الله أن يثبّتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو .

الزمن القادم عبد الملك القاسم

——————————————————————————–

القصة التاسعة

يريد أن يجدّد العلاقة مع ربه

يقول من وقف على القصة : ذهبنا للدعوة إلى الله في قرية من قرى البلاد فلما دخلناها وتعرفنا على خطيب الجامع فيها قال خطيب الجامع: أبنائي أريد منكم أحد أن يخطب عني غداً الجمعة . يقول فتشاورنا , فكانت الخطبة عليّ أنا . فتوكلت على الله . وقمت في الجمعة خطيباً ومذكراً واعظاً, وتكلمت عن الموت وعن السكرات وعن القبر وعن المحشر وعن النار وعن الجنّة . يقول : فإذا البكاء يرتفع في المسجد فلما انتهينا من الصلاة فإذا شابٌ ليس عليه سمات الالتزام يتخطى الناس ويأتي إليّ وكان حليق الحية مسبل الثوب رائحة الدخان تنبعث من ثيابه فوضع رأسه على صدري وهو يبكي بكاءً مراً , ويقول : أين أنتم أخي ؟ أريد أن أتوب مللت من المخدرات مللت من الضياع . أريد أن أتوب يريد أن يجدد العلاقة مع الله , يريد أن يمسك الطريق المستقيم
يقول فأخذناه إلى مكان الوليمة الذي أعد لنا . فأعطيناه رقم الهاتف .. واتصل بنا بعد أيام وقال : لا بد أن أراكم . يقول فذهبنا إليه وأخذناه إلى محاضرة . وبعد أيام أتصل بنا أيضاً وقال سآتيكم .
يقول : فيا للعجب عندما رأيناه وقد قصر ثوبه وأرخى لحيته وترك الدخان , يقول والله لقد رأيت النور يشعّ من وجهه .
يقول : ثم ذهب من قريته إلى مدينة أخرى في نجد . ذهب إلى أمه . جلس معها عند أخيه فإذا هو باليل قائم وبالنهار صائم لمدة ثلاثة أشهر وفي رمضان قال لأمه : أريد أن أذهب إلى إفغانستان .. لا يكفر ذنوبي إلى الجهاد . قالت أمه:
أذهب بني .. أذهب رعاك الله .
قال : بشرط أن أذهب بكِ إلى العمرة قبل أن أذهب إلى إفغانستان . فإذا بأخيه يقول له : أخي لا تذهب بسيارتي إلى العمرة فقد اشتريتها بأقساط ربويه . قال : والله لن أذهب إلى مكة ولكن سوف أذهب إلى الرياض لأبيع هذه السيارة واشتري لك سيارة خيراً منها .
وفي طريقه إلى الرياض تنقلب به السيارة ويموت وهو صائم .. ويموت وهو يحمل القرآن .. ويموت ذاهبٌ إلى إفغانستان .. ويموت وهو بارٌ بأمة .. ويموت وهو بنية العمرة

شريط نهاية الشباب .. منوع

——————————————————————————–

القصة العاشرة

من يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار

** ذكر هشام عن أبي حفص قال :
دخلتُ على رجلٍ بالمصيصة {مدينة على شاطيء جيحان} وهو في الموت . فقلت : قل لا إله إلا الله . فقال : هيهات حيل بيني وبينها .

** وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله . فقال : شاه رخ { اسمان لحجرين من أحجار الشطرنج لأنه في حياته كان مفتوناً به} غلبتك . ثم مات .

** وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله. فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتنا تنتنا حتى مات .

** وقيل لآخر : قل لا إله إلا الله . فقال : ما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ارتكبتها ثم مات ولم يقلها .

** وقيل لآخر ذلك . فقال : وما يغني عنّي وما أعرف أني صليت لله صلاة ثم قُضي ولم يقلها .

** وقيل لآخر ذلك فقال : هو كافر بما تقول وقضي




لا تقرا وتنصرف دون وضع رد



مشكورة على الموضوع تسلمي والله جزاك الله الف خير



تسلم ايدك يا قمر



شكرا على المرور ياية انتى واثورة نورتوا الصفحة



التصنيفات
منوعات

رواية انت لي كاملة من البداية حتى النهاية,الحلقة 5

انت لي: الحلقة الخامسة

أنهيت دراستي الثانوية أخيرا !
إنني أريد الالتحاق بالجامعة ، ألا أن القصف الجوي الذي تعرضنا له مؤخرا دمر مبنى الجامعة التي كنت أريدها
كما دمّر جزءا من المصنع الذي يملكه والدي
أوضاع بلدنا في تدهور ، و الحرب منذ أن اندلعت قبل عامين تقريبا لم تتوقف …
مستوانا المادي تراجع نتيجة لهذه الأحداث .
الدراسة تعني لي الكثير الكثير ، خصوصا بعدما حدث …
إنها أحد أحلام حياتي …
ما أكثر الأحلام !

أتذكرون صندوق الأحلام الخاص برغد و الذي صنعته لها قبل ثلاث سنوات ؟
أضفت ُ إليه حلما جديدا يقول :

( أريد أن أصبح رجل أعمال ضخم ! ) !
اعتقد أن الأمور الإدارية تليق بي كثيرا !

وجدت فرصة هبطت علي ّ من السماء لأبتعث للدراسة في الخارج ، شرط أن أجتاز أحد امتحانات القبول ، و الذي سأجريه بعد الغد

و ما أقرب بعد الغد !

إن مصيري و مستقبلي معلّق بذلك اليوم …

إنني قد عدت لقراءة بعض المواضيع من المواد الدراسية المختلفة استعداد له

ادعوا لي بالتوفيق !

في الوقت الراهن أنا بدون شاغل ، أو لنقل … عاطل عن المستقبل !
خلال السنوات الثلاث الماضية ازداد طولي وحجمي كثيرا و أصبحت عملاقا و ضخما !
تعديت طول والدي و أصبحت أشعر ببعض الخجل كلما وقفت إلى جانبه !
أما صغيرتي المدللة ، فلم تتغير كثيرا !
لا تزال نحيلة و صغيرة الحجم ، كثيرة المطالب ، و شديدة التدلل !
و المنافسة بينها و بين دانة حتى على الأشياء البسيطة لا تزال قائمة !
و اعتقد أنكم تتوقعون أنني …
لازلت مهووسا بها كما السابق ، بل و أكثر …
وصلت الآن إلى بوابة المدرسة الابتدائية ، و ها أنا أرى الفتاتين تقبلان نحو السيارة !
و راقبوا ما سيحصل !
تتسابق الاثنتان نحو الباب الأمامي …
تصل إحداهما قبل الأخرى بجزء من الثانية
تحاول كل واحدة فتح الباب و الجلوس في المقعد المجاور لي
تتنازعان
تتشاجران
تحتكمان إلي !

" وليد ! أنا وصلت قبلها "

" بل أنا يا وليد … أليس كذلك ؟ "
" وليد قل لها أن تبتعد عني "
" أنا من وصل أولا ! دعها تركب خلفك وليد "
" كفى ! "

كل يوم تتكرر نفس القصة ! و الآن علي ّ أن أضع جدولا مقسما فيما بينهما !
" حسنا … من التي كانت تجلس قربي يوم أمس ؟ "

أجابت دانة :
" أنا "
قلت :
" إذن ، اليوم تجلس رغد و غدا دانة و هكذا ! اتفقنا ؟؟ "

و بزهو و نشوة الانتصار ، ركبت السيدة رغد و جلست على الكرسي الأمامي بجانبي !
فيما ترمق دانة بنظرات ( التحسير ) !
كم سأفتقد هاتين المشاكستين !
" وليد تعلمنا درسا صعبا في ( الرياضيات ) أريدك أن تساعدني في حل التمارين "
" حسنا رغد "
" و أنا أيضا أريدك أن تساعدني في تمارين القواعد "
" حسنا دانة ! "
قالت رغد بسرعة :
" لكن أنا أولا فأنا سألتك أولا "
قالت دانة :
" درسي أنا أصعب . أنا أولا يا وليد "
أنا أولا … أنا أولا … أنا أولا …
ويلي من هاتين الفتاتين !
كلا ! لن أفتقدهما أبدا !
كنت معتادا على تعليم الفتاتين في أحيان كثيرة ، خصوصا بعد تخرجي من المدرسة …
مواقف كثيرة ، و كثيرة جدا ، هي التي حصلت خلال السنوات الماضية و لكنني اختصرت لكم
قدر الإمكان …
حينما وصلنا إلى البيت ، بالتحديد عندما هممت بإدخال المفتاح في الباب لفتحه ، بدأت منافسة جديدة …
" أعطني المفتاح أنا سأفتحه "
" لا لا ، أنا سأفتحه وليد "
" لا تقلديني ! "
" أنت لا تقلديني "
و احتدم النزاع !
أوليت الباب ظهري و وقفت بين الفتاتين و عبست في وجهيهما !
قلت بحدة :
" أنا من سيفتح الباب و إن سمعتكما تتجادلان على هذا المفتاح ثانية فتحت رأسيكما و أفرغت ما بهما "
المفروض أن نبرتي كانت حادة و مهددة ، و تثير الخوف ! إلا أن رغد أخذت تضحك ببساطة !
التفت إليها و قلت :
" لم الضحك ؟؟ "
قالت و هي تقهقه :
" لن تجد شيئا في رأس دانة من الداخل ! "
قالت دانة :
" بل أنت الجوفاء الرأس ! أتعلمين ماذا سيجد وليد في رأسك ؟ "
رغد :
" ماذا ؟ "
دانة :

" البطاطا المقلية التي تلتهمينها بشراهة كل يوم ! "
رغد ـ و هي تضحك بمرح ـ
" و أنت الفاصولياء التي أكلتها البارحة "
و تبادلت الاثنتان مجموعة من الأكلات و الأطباق المفضلة في رأسي بعضهما البعض حتى أصابتاني بالصداع و التخمة !!
قلت :
" يكفي ! إنني من سيفتح رأسي أنا حتى ارمي بكما إلى الخارج منه "
و استدرت ، و فتحت الباب ، فأسرعت دانة بالدخول لتسبق رغد ، بينما سارت رغد ببطء و انتظرتني حتى دخلت ، ثم أقفلت الباب …
" وليد ! "
التفت إليها و أنا ممتلئ ما يكفي و يزيد من سخافاتهما ، و قلت بتنهد :
" ماذا بعد ؟؟ "
قالت :
" أنا لا أريد أن أخرج من رأسك "
اندهشت ! نظرت إليها باستغراب ، و قلت :
" عفوا ؟؟ ! "
رددت :
" أنا لا أريد أن أخرج من رأسك "
" و لماذا ؟؟ "
ابتسمت بخبث و قالت :
" لكي أستطيع رؤية الناس من الأعلى فأنت طويـــــــــــــــــــــــــــ ـل "

ابتسمت لها بهدوء ، ثم فجأة ، مددت يدي نحوها و رفعتها عن الأرض على حين غفلة منها إلى الأعلى عند رأسي و أنا أقول :
" هكذا ؟؟ "
رغد أخذت تضحك بسعادة و بهجة لا توصف !
أتذكرون كم كانت تعشق أن أحملها !؟
لا تزال كذلك !
دخلت المنزل ، ثم المطبخ و أنا لا أزال أحملها و هي تضحك بسرور ، ثم أجلستها على أحد المقاعد و ألقيت التحية على والدتي ، و التي كانت مشغولة بتجهيز أطباق المائدة

قالت أمي :
" رغد ، هيا اذهبي و أدي صلاتك ثم اجلسي عند مائدة الطعام "
قامت رغد ، و هي تنزع الحقيبة المدرسية عن ظهرها و تنظر إلى أمي و تقول :
" بطاطا مقلية ؟ "
" نعم ! حضرتها لأجلك "
و انطلقت رغد فرحة ، و غادرت المطبخ .
للعلم ، فإن صغيرتي هذه تحب البطاطا المقلية كثيرا !
والدتي استمرت في عملها و حدثتني دون أن تنظر إلي :
" لم تعد صغيرة ! "
ركزت بصري عليها ، و قلت :
" رغد ؟ لقد كبرت قليلا ! "
" لم تعد صغيرة لتحملها على ذراعيك "
غيرت كلمات والدتي هذه مجرى ما فهمت …
إذن ، فهي معترضة على حملي للصغيرة هكذا …؟
" و لكن … إنها مجرد طفلة صغيرة و خفيفة ! و هي تحب ذلك … "
" إنها في التاسعة من العمر يا وليد … "

جملة والدتي هذه ، جعلت شريط الذكريات يعرض فجأة في مخيلتي …

تذكرت كيف حضرت إلى منزلنا قبل ست أو سبع سنين … !
آه … ( المخلوقة البكاءة ) !
يا للأيام …
من كان ليصدق أنني ( ربيت ) رغد في جحري و أطعمتها بيدي و سرحت شعرها و نظفت أذنيها !
من جرّب أن يكون أما و أبا ليتيمة ، و هو طفل أو حتى مراهق لم يبلغ العشرين !
يا للذكريات !
في غرفتي لاحقا ، أخذت أقلب ألبوم الصور الذي يشمل أفراد عائلتي …
صحيح … لقد كبرت الصغيرة !
مر الوقت سريعا …
و ها أنا مقدم على الجامعة ، و حين أسافر … … …

توقفت عند هذا الحد …
فأنا لا أستطيع التفكير فيما بعد ذلك
كيف لي أن أبتعد عن أهلي و وطني …؟
كيف لي أن أتحمل الغربة و الوحدة ؟
كيف لصباح أن يطلع علي ، دون أن أحتسي شاي والدتي العطر ، و كيف لشمس أن تغرب دون أن أقرأ أخبار الصحف لوالدي ؟
كيف لعيني أن تغمضا دون أن أتمنى لأخوتي نوما هانئا …
كيف لقلبي أن ينبض … دون أن أحمل رغد على ذراعي ؟؟؟

إنني سأذهب لإجراء الامتحان بعد الغد و إذا ما اجتزته ، فسأغادر البلد خلال أسبوع أو أكثر بقليل
إنها أفكار تجعلني أشعر بخوف و توجّس …
هل أقوى على ذلك ؟؟
لابد لي من ذلك … فأحوالنا في تدهور و شهادتي الجامعية ستعني الكثير …

المرشحون لهذا الامتحان قليلون ، و كانت فرصة ذهبية أن أضيف اسمي إليهم و أنا واثق من قدرتي على اجتيازه ، بإذن الله …

قلبت الألبوم و أنا في حيرة … أي صورة آخذها معي ؟؟
ثم وقع اختياري على صورة تضمنا جميعا ، تظهر فيها رغد متشبثة برجلي !
فيما ترتسم ابتسامة رائعة على وجهها الجميل …

" هذه هي ! "
أخذت الصورة ، و صورة أخرى لرغد و هي تلوّن في أحد دفاترها ، و وضعتهما في محفظة جيبي .
في المساء ، ذهبت مع أخي سامر لأحد المتاجر لاقتناء بعض الأشياء ، و وقفنا عند حقائب السفر رغبة في شراء بعضها
فيما كنا هناك ، حضر مجموعة من الشبان ، كان عمّار فيما بينهم .
عمّار نجح بصعوبة ، و تخرج ـ رغم إهماله ـ من المدرسة الثانوية ، و اعتقد أن والده ذا النفوذ الكبير قد استطاع تدبير مقعد دراسي له في إحدى الجامعات … بطريقة ( غير قانونية ! )
عندما رآني عمّار ، أقبل نحوي تسبقه ضحكته البغيضة ، و قال :
" يبدو أن وليد ينوي السفر أيها الأصحاب ! هل عثر والدك على كرسي جامعي شاغر لك !؟ أم أن حطام الجامعة قد حطّم قلبك يا مسكين ؟؟ "
و بدأ مجموعة الشبان بالضحك و القهقهة
أوليتهم ظهري فقال عمّار :
" لا تقلق ! سأطلب من والدي أن يساعدك في البحث عن جامعة ! أو … ما رأيك بالعمل عندنا ! فمصنعنا لم يحترق ! سأوصي بك خيرا ! "
سامر لم يتحمّل هذه السخرية من ذلك اللئيم ، و ثار قائلا :

" لم يبق إلا أن يعمل الأعزة عند الأذلة المنحرفين ! "

صرخ عمّار قائلا :
رس أيها الأعور القبيح ! من سمح لك بالتحدث ! ألا تخجل من وجهك المفزع ؟ "
و التفت إلى أصحابه و قال :
" اهربوا يا شباب ! الأعور الدجال ! "
سيل من اللكمات العنيفة وجهتها بلا توقف و لا شعور نحو كل ما وقعت قبضتي عليه من أجساد عمّار و أصحابه …
لحظتها ، شعرت برغبة في فقء عينيه و سلخ جلده …
أخي سامر نال منهم أيضا
و احتدّ العراك و تدخّل من تدخل ، و فر من فر ، و انتهى الأمر بنا تدخل من قبل الشرطة !
في تلك الليلة و للمرة الأولى منذ الحادثة المشؤومة ، سمعت صوت بكاء أخي خلسة .
عندما أصيب بالحرق ، كان لا يزال طفلا في الحادية عشرة من العمر … ربما لم يكن شكله يشغل تفكيره و اهتمامه بمعنى الكلمة ، أما الآن … و هو فتى بالغ أعمق تفكيرا ، فإن الأمر اختلف كثيرا …
ليلتها ، قال أنه يريد أن يخضع لعملية تجميل جديدة …
لكن أوضاعنا المادية في الوقت الحالي ، لا تسمح بذلك ….
عندما أحصل على شهادتي الجامعية … و أعمل و أكسب المال ، فسوف أعرضه على أمهر جراحي التجميل ، ليعيده كما كان …
فقط عندما أحصل على شهادتي …
في اليوم التالي ، وجدت سيارتي مليئة بالخدوش المشوهة !
" إنه عمّار الوغد ! تبا له ! "
أوصلت أخوتي للمدرسة ، و شغلت نفسي ذلك الصباح بمزيد من الإعدادات للسفر المرتقب !
امتحاني سيكون يوم الغد … لذا ، قضيت معظم الوقت في قراءة مواضيع شتى من كتبي الدراسية السابقة …
و كلما قلبت صفحة جديدة من الكتاب ، قلبت صفحة من ألبوم الصور …
كيف أستطيع فراق أهلي …؟
كيف أبتعد عن رغد ؟
إنني أشعر بالضيق إذا ما مضت بضع ساعات دون أن أراها و أداعبها … و أنزعج كلما باتت في بيت خالتها بعيدا عني …

فيما أنا منهمك في أفكاري و قراءتي ، جاءتني رغد … !
طرقت الباب ، ثم دخلت الغرفة ببطء ، تاركة الباب نصف مفتوح …
" وليد … لدي تمرين صعب … ساعدني بحله "
لم يكن هناك شيء أحب إلي من تعليم صغيرتي ، ألا أنني يومها كنت مشغولا … لذا قلت :
" اطلبي من والدتي أو سامر مساعدتك ، فأنا أريد أن أذاكر ! "
لم تتحرك من مكانها !
نظرت إليها مستغربا و قلت :
" هيا رغد ! أنا آسف لا أستطيع مساعدتك اليوم ! "
و بقيت واقفة في مكانها …
إذن فهناك شيء ما !
حفظت هذا الأسلوب !

تركت الكتاب من بين يدي و نهضت ، و قدمت إليها و جثوت على ركبتي أمامها :
" رغد … ما بك ؟ "
تقوس فمها للأسفل في حزن مفاجئ و قالت :
" هل صحيح أنك ستسافر بعيدا ؟ "
فاجأني سؤالها ، إنني لم أكن أتحدث عن أمر السفر معها ، فالحديث سابق لأوانه …
قلت مازحا :
" نعم يا رغد ! إلى مكان بعيد لا يوجد فيه رغد و لا دانة و لا شجار ! و سأترك رأسي هنا ! "
لم يبد ُ أنها فهمت مزاحي أو تقبلته ، إذ أن تقوس فمها الصغير قد ازداد و بدأت عيناها تحمرّان

قالت :

" و هل ستأخذني معك ؟ "
هنا … عضضت على شفتي و جاء دور فمي أنا ليتقوس حزنا …
طردت الموجة الحزينة التي اعترتني
و قلت :
" من أخبرك بأنني سأسافر ؟؟ "
" سمعت والداي يتحدثان بهذا "
مسحت على رأسها و قلت :
" سأسافر فترة مؤقتة لأدرس ثم أعود "
" و أنا ؟؟ "
" ستبقين مع الجميع و حالما أنهي دراستي سأعود و آخذك إلى أي مكان في العالم ! "
" لا أريدك أن تذهب وليد ! من الذي سيحبني كثيرا مثلك إذا ذهبت ؟ "
شعرت بخنجر يغرس في صدري …
رغد … أيتها الفتاة الصغيرة … التي تربعت في كل خلايا جسمي ، ألا تعلمين ما يعنيه فراقك بالنسبة لي !؟؟
لا أعرف إن كانت قد أحست بالطعنة التي مزقت قلبي أم أنني أهوّل الأمر ، ألا أن دموعها سالت ببطء من مقلتيها …
دموع أميرتي التي تزلزل كياني …
مددت يدي و مسحت دموعها و أنا أحاول الابتسام :
" رغد ! عزيزتي … لا يزال معك دانة و سامر … و أمي و أبي … و نهلة و حسام و سارة ( و سارة هي الابنة الثانية لأم حسام ) مع أمهم ! و كل صديقاتك ! لن تكوني وحيدة ! أنا فقط من سيكون وحيدا ! "
قالت بسرعة :
" خذني معك ! "
ضغطت على قبضتي ، و قلت :
" يا ليت ! لا يمكنني … صغيرتي ! لكنني عندما أعود … "
و لم أكمل جملتي ، رمت رغد بكتابها جانبا و قاطعتني بسيل من الضربات الخفيفة الموجهة إلى صدري …
إلى قلبي …
إلى روحي …
إلى كل عصب حي في جسدي …
و شريان نابض …
" لا تذهب … لا تذهب … لا تذهب … "
" رغد … "
" أنت قلت أنك ستعتني بي كل يوم و دائما ! لا تذهب … لا … لا … لا .. "
و أخذت تبكي بعمق …
و كلما حاولت المسح على رأسها أبعدت يدي و ضربت صدري استنكارا …
ضرباتها لم تكن موجعة ، لو أنني لم أكن مصابا ببعض الكدمات و الرضوض في صدري ، أثر عراكي الأخير مع عمّار و أصحابه …
شعرت بالألم ، و لكنني لم أحرك ساكنا …
تركت لها حرية التعبير عن مشاعرها قدر ما تشاء …
لم أوقفها … لم أبعدها … لم أنطق بكلمة بعد …
إنها رغد التي تربت في حضني … و عانقت ذات الصدر الذي تضربه الآن …
ليتهم لم يحرقوا الجامعة …
ليتهم لم يحرقوا المصنع …
ليتهم أحرقوا شيئا آخر …
ليتهم أحرقوا عمّار !

و يبدو أن صوت رغد قد وصل إلى مسامع والدي فجاء إلى غرفتي و وقف عند فتحة الباب …
عندما رأى ولدي رغد تضربني ، غضب من تصرفها و بصوت حاد قال ، و هو واقف عند الباب :

" رغد … توقفي عن هذا "

رغد رفعت رأسها و نظرت إلى والدي ، ثم قالت :
" لا تدعه يذهب "
إلا أن أبي قال بحدة :
" خذي كتابك و عودي إلى أمك ، و دعي وليد يدرس "
لم تتحرك رغد من مكانها ، فرفع والدي صوته بغضب و قال :
" ألم تسمعي ؟ اذهبي إلى أمك و كوني فتاة عاقلة "
رغد التقطت كتابها من على الأرض ، و خرجت من الغرفة
أما قلبي أنا فكان يعتصر ألما …
بعدها ، قلت لأبي :
" لماذا يا أبي ؟ إنها ستظل تبكي لساعات ! جاءت تطلب مني تعليمها "
والدي قال بغضب :
" لقد كانت والدتك تعلّمها ، و حين جيء بذكر سفرك ، حملت كتابها و أتت إليك ، نهيناها فلم تطع "
قلت مستاءا :
" لكنك صرفتها بقسوة يا أبي "
لم تعجب جملتي والدي فقال :
" أنت تدللها أكثر من اللازم يا وليد … يجب أن تعلمها أن تحترمك لا أن ترفع يدها عليك هكذا ، تصرف سيئ "
" لكني لا أستاء من ذلك يا أبي … إنها مجرد طفلة ، كما أنني أتضايق كثيرا إذا أساء أحد إليها ، والدي … أرجوكم لا تقسوا عليها بعد غيابي … "
من يدري ماذا يحدث ؟ بعد أن أغيب …؟
هل سيسيء أحد إلى طفلتي ؟؟
إنني لا أقبل عليها كلمة واحدة …
ليتني أستطيع أخذها معي !

انتظرت حتى انصرف والدي من المنزل ، ثم فتشت عن رغد ، فوجدها في غرفتها … و كما توقعت ، كانت غارقة في الدموع …
أقبلت إليها و ناديتها :

" رغد يا صغيرتي … "
رفعت رأسها إلي ، فرأيت العالم المظلم من خلال عينيها البريئتين …
اقتربت منها و طوّقتها بذراعي ، و قلت …
" لا تبكي يا عزيزتي فدموعك غالية جدا … "

قالت :
" لا تذهب … وليد … "
قلت :
" لا بد أن أذهب … فسفري مهم جدا … "
" و أنا مهمة جدا "
" طبعا أميرتي ! أهم من في الدنيا ! "
أمسكت بيدي في رجاء و قالت :
" إذا كنت تحبني مثلما أحبك فلا تسافر "
في لحظة جنون ، كنت مستعدا للتخلي عن أي شيء ، في سبيل هذه الفتاة …
و بدأت أفكار التخلي عن حلم الدراسة تنمو في رأسي تلك اللحظة …
ليتني … أيا ليتني استمعت إليها …
يا ليتني فقدت عقلي و جننت لحظتها بالفعل …
لكنني للأسف … بقيت متشبثا بحلمي الجميل ….
" عزيزتي ، سأكون قريبا … اتصلي بي كل يوم و أخبريني عن كل أمورك ! و إذا تشاجرت معك دانة فأبلغيني حتى أعاقبها حين أعود ! "

نظرت إلي نظرة سأضيفها إلى رصيد النظرات التي لن أنساها ما حييت …
ما حييت يا رغد لن أنسى هذه اللحظة …

" وليد … خذلتني … لم أعد أحبك "

]]]تتمة]]]

رغد لم تكلمني طوال الصباح التالي ، بل و لم تنظر إلي …
كانت حزينة و قد غابت ضحكتها الجميلة و مرحها الذي يملأ الأجواء حياة و حيوية …
الجميع لاحظ ذلك ، و استنتجوا أنه بسبب موضوع سفري و غضب والدي منها يوم الأمس …
و كالعادة ، أوصلت سامر إلى مدرسته ، ثم دانة و رغد ….
وهي تسير مبتعدة عن السيارة و متجهة نحو مدخل المدرسة ، كانت رغد مطأطئة الرأس متباطئة الخطى
جعلت أراقبها قليلا ، فألقت علي نظرة حزينة كئيبة لم أتحمل رؤيتها فابتعدت قاصدا المكان الذي سأجري فيه اختباري المصيري …
المشوار إلى هناك يستغرق قرابة الساعة ، و كنت ألقي بنظرة على الساعة بين الفينة و الأخرى خشية التأخر
أعرف أنها فرصة العمر و أي تأخير مني قد يضيعها …

حينما أوشكت على الوصول ، وردتني مكاملة هاتفية عبر هاتفي المحمول من صديقي ( سيف ) يتأكد من وشوكي على الوصول . و سيف هذا هو أقرب أصحابي ، و هو مرشح معي أيضا لدخول الامتحان .
بعد دقيقة ، عاد هاتفي يرن من جديد …
كان رقما مجهولا !

" مرحبا ! لابد أنك وليد ! "
بدا صوتا غير معروف ، سألته :
" من أنت ؟؟ "
قال :
" يا لذاكرتك الضعيفة يا مسكين ! يبدو أن الضرب الذي تلقيته من قبضتي قد أودى بقدراتك العقلية ! "
الآن استطعت تمييز المتحدث … إنه عمّار !

" عمّار ؟؟؟ !"
" أحسنت ! هكذا تعجبني ! "
استأت ، كيف حصل على رقم هاتفي الخاص و ما الذي يريده مني ؟
" ماذا تريد ؟ "
" انتبه و أنت تقود ! أخشى أن تصاب بمكروه ! "
" أجب ماذا تريد ؟؟ "
ضحك ذات الضحكة الكريهة و قال :
" لا شك أنك في طريقك للامتحان ! أليس كذلك ! إن الوقت سيستغرق منك أقل من ساعتين فيما لو قررت الذهاب إلى المطار ! "
ضقت ذرعا به ، قلت :
" هل لي أن أعرف سبب اتصالك ؟ فإما أن تقول ماذا أو أنه ِ المكالمة "
" رويدك يا صديقي ! سأمهلك ساعتين فقط ، حتى تمثل أمامي و تعتذر قبل أن أسافر بهذه الصغيرة بأي طائرة ، إلى الجحيم ! "

بعدها سمعت صرخة جعلت جسدي ينتفض فجأة و يدي ترتعشان ، و المقود يفلت من بينهما ، و السيارة تنحرف عن حط مسيرها ، حتى كدت أصطدم بما كان أمامي لو لم تتدخل العناية الربانية لإنقاذي ….

" وليد … تعال … "
لقد كان صوت رغد ….
جن جنوني …

فقدت كل معنى للقدرة على السيطرة يمكن أن يمتلكه أي إنسان … مهما ضعف

صرخت :
" رغد ! أهذه أنت رغد ؟؟ أجيبي "
فجاء صوت صراخها و بكاؤها الذي أحفظه جيدا يؤكد أن أذني لا زالتا تعملان بشكل جيد …
" رغد أين أنت ؟ رغد ردي علي ّ "
فرد عمّار قائلا :
" تجدنا في طريق المطار ! لا تتأخر فطائرتي ستقلع بعد ساعتين … إلا إن كنت لا تمانع في أن أصطحب شقيقتك معي !؟ "
صرخت :
" أيها الوغد أقسم إن أذيتها لأقتلنك … لأقتلنك يا جبان "
ضحك ، و قال :
" لا تتأخر عزيزي و لا تثر غضبي ! تذكر … طريق المطار "
ثم أنهى المكالمة …
استدرت بسيارتي بجنون ، و انطلقت بالسرعة القصوى متجها نحو المطار …
لم أكن أرى الطريق أمامي ، الشوارع و السيارات و الإشارات … اجتزتها كلها دون أن أرى شيئا منها
لم أكن أرى سوى رغد
و أتذكر كيف كانت تنظر إلي قبل ساعة …
ثم أتخيلها في مكان بين يدي عمّار
لم أعرف كيف أربط بين الأحداث أو أفكر في كيفية حدوث أي شيء …
أريد أن أصل فقط إلى حيث رغد
لا أعرف كم الوقت استغرقت …
شهر ؟
سنة ؟
قرن ؟
بدا طويلا جدا لا نهاية له …
و سرت كقارب تائه في قلب المحيط …
أو شهب منطلق في فضاء الكون …
لا يعرف إلى أين …
و متى
و كيف سيصل …
و بم سيصطدم …
أخذت هاتفي و اتصلت برقم عمّار الظاهر لدي ، أجاب مباشرة :
" لقد انقضت عشرون دقيقة ! أسرع فشقيقتك ترتجف خوفا ! "
" إياك أن تؤذها … و إلا … "
" سأفعل إن تأخرت ! "
" أيها الـ … … … دعني أتحدث إليها "
جاءني صوتها الباكي المذعور :
" وليد لا تتركني هنا "
" رغد … عزيزتي أنا قادم الآن … لا تخافي صغيرتي أنا قادم "
" أنا خائفة وليد تعال بسرعة أرجوك … آه … أرجوك … "
أي عقل تبقى لي ؟؟
لماذا لا تتحرك هذه السيارة اللعينة ؟
لماذا لم اشتر صاروخا لمثل هذه الظروف ؟
لماذا لم تحترق في الحرب يا عمّار …
ألف لعنة و لعنة عليك أيها الجبان … ويل لك مني ..

بعد ساعة و نصف ، و فيما أنا منطلق كالبرق على الشارع المؤدي إلى المطار ، إذا بي ألمح سيارة تقف جانبا ، و يقف عندها رجل

و أنا أقترب توضح لي أنه عمّار

بسرعة ، أوقفت سيارتي خلف سيارته مباشرة و نزلت منها كالقذيفة و ركضت نحوه ، في الوقت الذي فتح هو في الباب ، و أخرج رغد من السيارة …
جاءت رغد تركض نحوي فالتقطتها و رفعتها عن الأرض و أطبقت بذراعي حولها بقوة …

" رغد … رغد صغيرتي … أنا هنا … أنا هنا عزيزتي "
رغد كانت تحاول أن تتكلم لكنها لم تستطع من شدة الذعر …
كانت ترتجف بين يدي ارتجاف الزلزال المدمر … كانت تحاول النطق باسمي لكن لم تستطع النطق بأكثر من

" و … و … و "

انهمرت دموعي كالشلال و أنا أضغط عليها و هي تضغط علي و تتشبث بي بقوة و أشعر بأصابعها تكاد تخترق جسدي فيما ترفع رجليها للأعلى كأنما تتسلقني خشية أن تلامس رجلها الأرض و تفقدها الأمان …

" أنا معك عزيزتي لا تخافي … معك يا طفلتي معك … "

حاولت أن أبعد رأسها قليلا عني حتى أتمكن من رؤية عينيها و إشعارها بالأمان ، لكنها بدأت بالصراخ و تشبثت بي بقوة أكبر و أكبر كأنها تريد أن تدخل بداخلي …

" وليد ! لديك امتحان مهم ! هل ستضيّع الفرصة ؟ "

قال هذا عمّار الوغد و أطلق ضحكة كبيرة …

انتابتني رغبة في تحطيمه ألا أن رغد عادت تصرخ حينما خطوت خطوة واحدة نحوه …

" خسارة يا وليد ! جرّب حظك في مصنع والدي ! "

و ابتسم بخبث :
" دفّعتك الثمن … كما وعدت "
ثم استدار و هم بركوب سيارته …
خطوت خطرة أخرى نحوه ، فأخذت رغد تصرخ بجنون :
" لا .. لا .. لا .. لا .. لا "

انثنى عمّار ليدخل السيارة ، ثم توقف ، و استقام ، و استدار نحوي و قال :
" نسيت أن أعيد هذا ! "
و من جيب بنطاله أخرج شريطا قماشيا طويلا ، و رماه في الهواء باتجاهي

رقص الشريط كالحية في الهواء ، وأنا أراقبه ، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها طائرة في السماء مخترقة قرص الشمس المعشية ، و دوت بصوتها في الأجواء ، فيما يتداخل صوتها مع صوت عمّار وهو يقول :

" إلى الجحيم ! "
ثم هبط الشريط المتراقص تدريجيا و بتمايل حتى استقر عند قدمي ّ …
ركزت نظري على الشريط ، لأكتشف أنه الحزام الذي تلفه رغد حول خصرها ، و التابع لزيها المدرسي الذي ترتديه الآن …
رفعت نظري ببطء و ذهول و صعق إلى وجه عمّار ، فحرك هذا الأخير زاوية فمه اليمنى بخبث إلى الأعلى في ابتسامة قضت علي ّ تماما … و دمرتني تدميرا

أبعدت وجه رغد عن كتفي و أجبرتها على النظر إلي … فيما أنا عاجز عن رؤية شيء … من عشي الشمس … و هول ما أنا فيه …

لم أر إلا دمارا و حطاما و نارا و جحيما …
لهيبا … و صراخا … و دموعا تحترق … و آمالا تتبعثر … و أحلاما تظلم …
سوادا في سواد …
عند هذه اللحظة ، نزعت رغد عني عنوة ، و دفعت بها أرضا و نظرت من حولي فإذا بي أرى صخور كبيرة قربي …
التقطت واحدة منها ، و بسرعة لا تجعل مجالا للمح البصر بإدراكها ، و قوة لا تسمح لشيء بمعاكستها ، رميتها نحو عمار و هو يهم بركوب سيارته ، فارتطمت برأسه … و صرخ … و ترنح لثوان ..
ثم هوى أرضا …
و انتفض جسده …
و انتزعت روحه …

و إلى الجحيم …

اراكم في الحلقة السادسة




يالله باقي اخر حلقه ياعسوله ننتظرك