التشريع الاسلامي يعبر عن ارادة الله سبحانه, فالسيادة العليا في الدولة الاسلامية للشريعة الاسلامية ولا يستطيع الممارس للسلطة (الشعب او الحاكم) ان يخرج عن النصوص الدينية قرانا كانت ام حديثاً نبوياً ام إجماعاً. وتزداد القيود تشدداُ اذا تعلق الامر بالحرام والحلال.
تقرر الشريعة الاسلامية اباحة الرقيق ولا يستطيع اي مفكر مسلم ان يعلن تحريم الرق حتى وان انعدم التعامل به في العصر الراهن, بل تبقى القواعد المقررة لتنظيم امور الرقيق ملزمة وفي حالة من "البيات التشريعي" ان جاز التعبير تعاود فاعليتها في حال التعامل بالرقيق مرة اخرى, وهو امر من الممكن حدوثه في الفكر الاسلامي!
كذلك الامر في مجال الحرية الدينية حيث لا مجال للمشرك والملحد في الدولة الاسلامية وفي الفكر الاسلامي, اذ ينعدم وجودهما المعنوي ومن ثم تنعدم حقوقهما الشخصية كأفراد, وبالتالي ليس لهما حق البقاء على معتقداتهما في الدولة الاسلامية, كما لا يجوز شرعاً دخولهما في اطار العلاقات الاجتماعية الاسرية كالزواج مثلاً من المسلمات. لذلك فان المران العقلي والتطور الاجتماعي لابتداع قواعد جديدة للتعامل الانساني ليس له موقع فاعل في الفكر الاسلامي نظراً الى قيام هذا الفكر على المبدأ الديني, حيث يجد المسلم ذاته الاسلامية الحقيقية من خلال التعبير عن ارادة الخضوع للذات الالهية, حيث يجب تقبل الاوامر الالهية كما اوحى بها الى النبي (ص) من دون داع للتبرير العقلاني البشري, اذ توجد بعض الاوامر الالهية التي قد لا تتسق ظاهرياً مع المعيار العقلي, على سبيل المثال شعائر الحج والصيام ايام محددوة وعدد الصلوات وهيئاتها وتحريم اكل الحيوان المقتول بطريقة غير اسلامية واكل لحم الحمر الالهية (الحمير التي تربى في البيوت) بل ان التبرير العقلي للوصول الى علة التحريم في رأي البعض مرفوض شرعاً. فتحريم الخمر ولحم الخنزير لا تعود لاسباب طبية كما يحلو للبعض ان يفسرها بل لانها محرمة شرعاً, فالاصل في العبادات الاتباع لا الابتداع, وفي مجال المعاملات التي تقوم على اساس ان الاصل هو الاباحةو حتى يرد نص التحريم. فلا تخلو بدورها من التصور الديني المسبق الذي يقيدها وينظمها وفقاً لهذا التصور, وقد يثور التساؤل حول الاجتهاد ودوره بهذا الصدد, وكل من لديه علم بالشريعة يعلم ان الاجتهاد لا يعني باي حال من الاحوال الخروج من دائرة الشرع. بل اعمال العقل بغية الوصول الى حكم شرعي من خلال مصادر الشريعة حتى وان كان الحكم الشرعي غير متقبل في حكم لعقل.
خلافاً للمجتمع الاسلامي, يقوم المجتمع الغربي على اساس الانفصال الطلق والتام عن الدين المسيحي. وهنا تجب ملاحظة ان العلمانية وتطبيقها مبدأ فصل الدين عن الدولة. انما يتم فقط في الدول ذات الديانة المسيحية, وعلة ذلك ان الديانة المسيحية ليست ذات تشريع ملزم لاتباعها, وهي ديانة روحانية لا تتعامل مع الواقع من خلال التشريعات الالهية, الامر الذي جعل من السهل على الاوروبيين ان ينفصلوا عن دينهم في تعاملهم مع احداث الحياة واذا انعدم النقل او الوحي فلا يتبقى للانسان سوى العقل الذي ليس امامه سوى التجارب الانسانية يقبلها كيفما يشاء من خلال مبدأ التجربة والاختبار في قضايا الاقتصاد والسياسة والاجتماع وبناء رؤية مادية بحتة لتطور الانسان والمجتمع.
التجربة الانسانية الاوروبية منفصلة عن الدين والاساس عندهم في تصورهم للحياة يعتمد على العقل, ولا يرغب الاوروبيين على ما يبدو في ان يكون للدين صلة بحياتهم المادية بشكل عام, وخصوصاً ان المجتمع الاوروبي قد مر بتجربة مريرة في الصراع بين الدين والعلم في القرون الوسطى ولا يرغب في وجود اي علاقة بين مبادئ الكنيسة وتطور الحياة الاجتماعية, فالحياة الدينية عند الاوروبيين ليست جسراً للاخرة, ولذلك يصف القران الكريم اعمالهم بقوله تعالى:
(والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمأن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه).
موضوع حقوق الانسان لا يمكن دراسته في الفكر الاسلامي بعيداً عن الدين او بمعزل عنه, مما يؤدي الى استحالة دراسة الموضوع بروح او بنظرة علمانية على غرار الفكر الغربي مما يخلق العديد من التناقضات, اذ ليس من السهل للعقل بصورة مجردة ان يقبل القيود الدينية التي يفرضها الشرع تحت غطاء الالوهية او من خلال مبدأ الاجماع الذي يصعب خرقه والخروج عليه, المصادر الشرعية هي الاساس الذي يقوم عليه الفكر الاسلامي, ولذلك فان دراسة حقوق الانسان تتم وفقاً للنظر الشرعي والتطبيق المصاحب لهذا النظر.