السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الموت حقيقة قاسية رهيبة، تواجه كل حي فلا يملك لها رداً، قال تعالى(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)إنها نهاية الحياة واحدة فالجميع سيموت لكن المصير بعد ذلك يختلف، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، وفي الموت عظة وتذكير وتنبيه وتحذير، وكفى به من نذير، وأنه الحادث الأهدم للذات والأقطع للراحت والأمنيات,ولكننا مع الأسف الشديد نسيناه أو تناسيناه وكرهنا ذكره ولقياه، والعجب من عاقل يرى استيلاء الموت على أقرانه وجيرانه وكيف يطيب عيشه, وكيف لا يستعد له, إن المنهمك في الدنيا، المكب على غرورها المحب لشهواتها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت، ومن لم يتذكر الموت اليوم ويستعد له فاجأه في غده وهو في غفلة من أمره وفي شغل عنه, ولكن كثيراً من الناس, يضيع عمره في غير ما خلق له، ثم إذا فاجأه الموت صرخ رَبِّ ارْجِعُونِ, ولماذا ترجع وتعود لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ, وأين أنت عن هذا اليوم أيها الغافل, ألا تعمل وأنت في سعة من أمرك وصحة في بدنك، ولم يدن منك ملك الموت بعد، فحامل الجنازة اليوم محمول غداً،ويُترك وحيداً فريداً في قبره مرتهناً بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر,ولكن ما أقل من اتعظ وما أنذر من اجتهد، واستفاد من كل لحظة من لحظات عمره في طاعة ربه وتحسر على كل وقت أضاعه بدون عمل صالح يقربه إلى الله، ونحن نعلم أن وراء الموت القبر وظلمته، والصراط ودقته والحساب وشدته، أهوال وأهوال لا يعلم عظمها إلا بالله,القبر هو أول منازل الآخرة فكيف بنا أهملنا بنيانه, وليس بيننا وبين الانتقال إليه إلا أن يقال, فلان مات,قال عليه الصلاة والسلام(القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه ومن لم ينج منه فما بعده أشد منه)نظرة واحدة بعين البصيرة في هذا القبر والله سوف تعطيك حقيقة هذه الدنيا فبعد العزة وبعد الأموال وبعد الأوامر والنواهي وبعد الخدم والحشم وبعد القصور والدور، أهذه هي نهاية ابن آدم في هذه الحفرة الضيقة المظلمة,
انظر لحال الموتى وتأمل حالهم ومآلهم فوالله إنه سيأتيك يوم مثل يومهم وسيمر عليك ما مرّ بهم, فهل تصورت نفسك وأنت مكان هذا المدفون،وجاء في الحديث عن النبي أنه قال(إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت, قدموني، قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها, ياويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق) فتخيل نفسك وأنت محمول على الأعناق وعلى أي الحالتين تحب أن تكون,وجاء في الأثر أن الإنسان إذا وضع في قبره وكان فاجراً عاصياً تقول له الأرض, والله إن كنت لمن أبغض الناس إليّ وأنت تمشي على ظهري فجئت اليوم في بطني فسترى ماذا أصنع بك من غيظي، فتخيل يا عبدالله وأنت في هذا القبر الموحش المظلم يقال لك مثل هذا الكلام فحينئذ لا ينفعك ندم ولا صياح ولا بكاء ولا أنين,جاء في الحديث,أن الميت إذا وضع في قبره جاءه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه فإن كان ممن مات على الذنوب والمعاصي لم يوفق للإجابة فحينئذ يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه ويضرب بمرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لهدته
وتفتح له نافذة الى النار ويرى مقعده فيها ويأتيه من حرّها وسمومها ويبقى هو في قبره في عذاب على حسب عمله، وإن كان الميت ممن أطاع الله وعمل صالحاً فإن الله يثبته ويوفقه للإجابة ويوسع له في قبره وينور له فيه، ويرى مقعده من الجنة ويفرش له في قبره خضراً إلى يوم القيامة,فأي المقعدين تريد, وأيهما أهون عليك طاعة الله أم تلك الأهوال التي أمامك, والله إن طاعة الله أهون عليك بكثير مما أمامك فما الذي يمنعك من ذلك وماذا تنتظر,هل تذكرت لحظة الفراق عندما تلقي آخر النظرات على هذه الدنيا وتستقبل الآخرة بما فيها من الأهوال والصعاب فإما أن تنتقل إلى سموم وحميم وتصلية جحيم فاعمل من الآن عملاً ينجيك بإذن الله مما أمامك من أهوال ما دام في الوقت مهلة وما دمت تستطيع ذلك لتخرج من هذه الدنيا مرتاحاً وفرحاً مسروراً بلقاء ربك، وبما أعده لك من النعيم المقيم,
اللهم إجعل قبورنا روضه من رياض الجنه ولا تجعلها حفره من حفر النار.
اللهم امين
جزاك الله الجنان
اللهم امين