الوسم: الايمان
اسباب زيادة الايمان تدبر القرأن
فبه يخرج العبد من الظلمات إلى النور: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15ـ 16).
إنه الشفاء لأمراض الصدور من الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .وقال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء: من الآية82).
وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)(فصلت: من الآية44)
إنه الروح الذي تحيا به القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).
إنه الكتاب الذي أحيا الله به قلوبا كانت ميتا وجعلها به في مصاف المؤمنين الصادقين :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).
إن تدبر القرآن يزيد العبد إيمانا ونورا وبصيرة ؛ فهذا لتدبر يعينه على الفهم والعمل بما علم ، وهذا الذي كان عليه الأسلاف رضي الله عنهم وأرضاهم ، كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
وكان يعتب على من جعل همه مجرد القراءة ، وإن كان القارىء يؤجر بمجرد قراءته ، لكن الذي لا شك فيه أن القراءة النافعة للقلب المؤثرة في زيادة الإيمان هي القراءة المتدبرة الخاشعة ، ولهذا يقول الحسن رحمه الله:يا ابن آدم :كيف يرق قلبك وإنما همك في آخر سورتك؟! .
إن الله تعالى دعانا إلى تدبر آيات كتابه العزيز ، وبين سبحانه أن التدبر من أعظم المقاصد فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29).وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .
ويقول الله عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).
وقد استجاب العلماء والصالحون لهذا التوجيه الرباني الكريم فرأينا منهم عجبا.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وكانت عيناه تذرفان حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟
وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
أما أصحابه فكان الواحد منهم ربما قام الليلة بآية واحدة يرددها ويتدبرها فلا يتجاوزها ،؛ لما فيها من العجائب أو الوعد والوعيد،يقول محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".
وإذا قرأ العبد القرآن لتدبر ازداد إيمانا وفاز بالعديد من الثمرات التي ذكر الإما ابن القيم رحمه الله شيئا منها حين قال: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.
وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه".
نسأل الله تعالى أن يرزقنا تدبر كتابه ، وأن يزيدنا إيمانا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الايمان بالعرش
معنى "عرش" في اللغة:
قال ابن فارس (395 هـ) : ( «عرش» العين والراء والشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك) (1)
والعرش في كلام العرب يطلق على عدة معان منها:
– سرير (2) المَلِك:
قال الخليل الفراهيدي (170 هـ) : (العرش: السرير للمَلِك.) (3)
وقال أبو منصور الأزهري (370 هـ) : "والعَرش في كلام العرب: سرير المَلِك، يدلُّك على ذلك سرير مَلِكة سبأ، سمَّاه الله- جل وعز- عرشًا فقال:{إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل، آية: 23] (4)
وفي حديث بدء الوحي: قال النبي صلى الله عليه وسلم ”ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِى الْهَوَاءِ -يَعْنِى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ- “ [صحيح البخاري] أي رأى جبريل على سرير في الهواء.
– سقف البيت:
قال الخليل: (وعرش البيت: سقفه.) (5)
قال ابن فارس: (ويُقال لسقف البيت: عَرش. قال الله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة : 259]، والمعنى أنّ السقف يسقُط ثم يَتهافت عليه الجُدرانُ ساقطةً.) (6)
– قِوامُ أمرِ الرجُل:
قال الخليل: (وعَرشُ الرجل: قِوامُ أمرِه، وإذا زال عنه ذلك قيل: ثُلَّ عرشُه.) (7)
وقال الجوهري (393 هـ) : (وقولهم ثل عرشه: أي وهى أمره وذهب عزه.) (8)
وغير ذلك من المعاني.
وكل معنى من تلك المعاني يتحدد بحسب ما أُضيف إلى الكلمة، أي بحسب سياق الكلام.
عرش الله عز وجل
وعرش ربنا عز وجل المذكور في القرآن في آيات كثيرة كقوله تعالى:
{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج : 14 ، 15]
وقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] وغيرها من الآيات
فقد بيَّن أهل العلم أن معناها هو: السرير.
قال ابن قتيبة (276 هـ) عند الرد على متأولي العرش : (وطلبوا للعرش معنى غير السرير، والعلماء باللغة لا يعرفون للعرش معنى إلا السرير وما عرش من السقوف وأشباهها.) (9)
قال ابن جرير الطبري (310 هـ) في تفسير قوله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر : 75] : (يقول تعالى ذكرُه: وترى يا مُحمد الملائكة مُحْدِقين مِن حولِ عرشِ الرحمن، ويعني بالعرش: السرير.) (10)
وقال: ({ذُو الْعَرْشِ} [غافر : 15] . يقولُ: ذو السرِير المُحيط بما دونه.) (11)
قال محمد الكرجي القصّاب (360 هـ) : (وأن عرش الله أيضا – جل جلاله- هو سريره الذي استوى عليه لا العلم كما يزعم الجهلة من الجهمية.) [نكت القرآن للقصاب (ج1 ص626)]
قال البيهقي (458 هـ) بعد ذكر قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة : 17] : (وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم، خلقه الله تعالى وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة.) (12)
وقال: (قال الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] والعرش هو السرير المشهور فيما بين العقلاء.) (13)
قال أبو المظفر السمعاني (489 هـ) في تفسيرقوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون : 86] : (أي: السرير الضخم.) (14)
قال أبو محمد البغوي (510 هـ) في تفسير قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون : 116] : (يعني السرير الحسن.) (15)
وقال في تفسير قوله تعالى {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج : 15] : (قرأ حمزة والكسائي: "المجيدِ" بالجَر، على صفة العرش أي السرير العظيم.) (16)
قال أبو عبد الله القرطبي (671 هـ) : (والعرش مخلوق عظيم شريف كريم ليس فوقه مخلوق. يلي صفحته العُليا العَدَم. ويلي صفحته السُّفلى الجنة. فإنه سقفها، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه «فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تنفجر الجنة) خرجه البخاري وابن ماجه وغيرهما.) (17)
قال ابن كثير (774 هـ) في مقدمة كتابه "البداية والنهاية" : (ورَفَع السماوات بغير عَمَدٍ، وزيَّنها بالكواكب الزَّاهِرَات، وجعل فيها سِراجًا وقمرًا منيرًا، وسوَّى فوقهُنَّ سَرِيرًا، شَرْجَعًا (18) عاليًا مُنِيفًا مُتَّسِعًا مُقَبَّبًا مُستَديرًا، هو العرش العظيم، له قوائِمُ عِظامٍ، تحمِلُه الملائكة الكرام) (19)
أما تفسير بعض الفرق المبتدعة للعرش بأنه المُلْك، وأنه السماوات والأرض وكل خلق الله، فقد رد عليه الإمام الحافظ عثمان الدارمي (280 هـ) فقال في كتابه "الرد على الجَهميَّة" في «باب الإيمان بالعرش» :
(وما ظَنَنَّا أنَّا نضطر إلى الاحتجاج على أحد ممن يدعي الإسلام في إثبات العرش والإيمان به حتى ابتلينا بهذه العصابة الملحدة في آيات الله فشغلونا بالاحتجاج لما لم تختلف فيه الأمم قبلنا وإلى الله نشكو ما أوهت هذه العصابة من عرى الإسلام وإليه نلجأ وبه نستعين.)
ثم قال: (فادعت هذه العصابة أنهم يؤمنون بالعرش ويقرون به لأنه مذكور في القرآن فقلت لبعضهم ما إيمانكم به إلا كإيمان {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة : 41] وكالذين {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون}َ [البقرة : 14]، أتقرون أن لله عرشا معلوما موصوفا فوق السماء السابعة تحمله الملائكة والله فوق كما وصف نفسه بائن من خلقه ؟ فأبَى أن يقر به كذلك، وتردد في الجواب، وخلط ولم يُصرِّح … فقال لي زعيم منهم كبير: لا، ولكن لما خلق الله الخلق، يعني السموات والأرض وما فيهن، سمَّى ذلك كله عرشا له واستوى على جميع ذلك كله.
قلتُ: لم تَدَعُوا مِن إنكار العرش والتكذيب به غاية، وقد أحاطت بكم الحُجج من حيث لا تدرون، وهو تصديق ما قلنا إن إيمانكم به كإيمان {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة : 41]. فقد كَذَّبَكم الله تعالى به في كتابه، وكذَّبكم به الرسول صلى الله عليه وسلم. أرأيتم قولكم: إن عرشه سماواته وأرضه وجميع خلقه، فما تفسير قوله عندكم: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر : 7] ؟ أحَمَلَةُ عرش الله أم حَمَلةُ خلقه ؟ وقوله{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة : 17] أيحملون السموات والأرض ومن فيهن أم عرش الرحمن ؟ فإنكم إن قلتم قولكم هذا، يلزمكم أن تقولوا: عرش ربك خَلْقُ ربك أجمع، وتُبطِلون العرش الذي هو العرش، وهذا تفسير لا يشك أحد في بُطوله واستِحالَته، وتكذيب بعرش الرحمن تبارك وتعالى.
فقال الله تبارك وتعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود : 7] وقال رسول الله: ”كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء“ [صحيح البخاري] ففي قول الله تعالى، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة ظاهرة، أن العرش كان مخلوقا على الماء، إذ لا أرض ولا سماء، فَلِمَ تُغالِطُون الناس بما أنتم له مُنكِرون ؟! ولكنكم تُقِرّون بالعرش بألسنتكم تحَرُّزًا من إكفار الناس إيّاكم بِنَص التنزيل، فتُضرَبَ عليه رِقابُكُم، وعند أنفسكم أنتم به جاحدون. ولعمري لئن كان أهل الجهل في شكٍّ من أمْرِكُم، إن أهل العلم من أمركم لَعَلَى يقين.)
ثم ذكر مجموعة من الأحاديث وقال: (ففي ما ذكرنا من كتاب الله عز و جل، وفي هذه الأحاديث بَيَانٌ بَيَّن أن العرش كان مخلوقا قبل ما سواه من الخلق وأن ما ادَّعى فيه هؤلاء المعطلة، تكذيبٌ بالعرش وتخرصٌ بالباطل، ولو شئنا أن نجمع في تحقيق العرش كثيرا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لجَمَعنا. ولكن عَلِمنا أنه خَلُص عِلْم ذلك والإيمان به إلى النساء والصبيان إلَّا إلى هذه العصابة الملحدة في آيات الله، طَهَّر الله منهم بلاده وأراح منهم عباده.) (20)
الإيمان بالعرش:
قال خُشَيش بن أصرم (253 هـ) في كتابه "الاستقامة" : (من كفر بآية من كتاب الله فقد كفر به أجمع، فمن أنكر العرش فقد كفر به أجمع، ومن أنكر العرش فقد كفر بالله، وجاءت الآثار بأن لله عرشا وأنه على عرشه.) (21)
قال أبو جعفر الطحاوي (321 هـ) في عقيدته المشهورة : (والعرش والكرسي حق)
قال ابن أبي زَمَنِين (399 هـ) : «باب في الإيمان بالعرش» قال: (ومِن قول أهل السنة: أن الله عز وجل خَلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خَلَق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 5 ، 6] وفي قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد : 4]، فسبحان مَن بَعُدَ فلا يُرى، وقرُب بِعِلمِه وقدرته فسَمِع النَّجوى.) (22)
صفة العرش:
ما يلي بعض صفات العرش:
1. خلق الله عرشه على الماء:
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود : 7]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ“ الحديث [صحيح البخاري]
2. أنه سقف الجنة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ“ [صحيح البخاري، ومسند أحمد وغيرهما]
3. أنه فوق السماوات، فوق جميع المخلوقات:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمس مئة عام وبين كل سماءين مسيرة خمس مئة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة خمس مئة عام وبين الكرسي وبين الماء مسيرة خمس مئة عام والعرش فوق الماء والله تبارك وتعالى فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه» إسناده حسن. (23)
4. له قوائم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ”النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ.“ [صحيح البخاري]
5. له حَمَلة من الملائكة يحملونه:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر : 7]
وقال سبحانه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة : 17]
أبدعتي فـ طرحك
اثر الايمان فى حياة المسلم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أثر الإيمان في حياة المســــــــــــــلم ..
إذا كان التدين عموماً حاجة إنسانية، وفطرة فطر الله الناس عليها، فإن التدين بدين الإسلام هو الذي لا يقبل الله من عباده غيره، ولا يرضى الله لعباده سواه، قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام} (آل عمران:19) وقال أيضاً:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران:85.
والاستسلام لله سبحانه هو جوهر الرسالات السماوية، فبه جاءت وإليه دعت أقوامها، ثم طرأ على الكتب السابقة من التبديل والتحريف ما جعلها تخرج عن الطريق القويم، وكان دين الإسلام هو الدين الخاتم الذي حفظه الله سبحانه من أي تبديل أو تحريف، وجعله مهيمناً على ما سبقه من الأديان، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عليه}(المائدة:48) فهو الدين الخاتم، وهو الدين الحق، وهو الدين الذي رضيه الله لعباده.
وما دام دين الإسلام هو الدين الذي رضيه الله لعباده، فهذا يعني أن الخير فيه، وسعادة الإنسان مرتبطة به، لأنه سبحانه لا يرضى لعباده إلا ما فيه خيرهم وصلاحهم.
وإذ ثبت أن دين الإسلام هو الدين الحق، فإن للتدين به آثاراً على حياة الإنسان، نحاول في مقالنا التالي أن نتعرف على أهمها.
أول تلك الآثار أن التدين بدين الإسلام يُعرِّفُ الإنسان بحقيقة نفسه، ومكانته في هذا الوجود، فهو أولاً وآخراً مخلوق لله، خلقه سبحانه في أحسن تقويم، وكرَّمه الله على سائر مخلوقاته، كما أخبرنا بذلك تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}(الإسراء:70).
فإذا عرف الإنسان حقيقة نفسه سار في حياته على هدى ونور من ربه، قال تعالى:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الملك:22) وهذا الاهتداء لا يحصل إلا لمن كان على دين قويم.
ومن أهم آثار التدين بدين الإسلام أنه يُعرِّف الإنسان أن لهذا الكون خالقاً ومدبراً، وأن ما من شيء في هذا الكون إلا بأمره سبحانه، كما قال سبحانه:{ألا له الخلق والأمر} الأعراف:54.
ثم إن من آثار التدين بدين الإسلام معرفة الإنسان للغاية من وجوده في هذه الحياة، وهي عبادة الله وحده، وأنه لم يُخلق عبثاً ليلعب ويلهو، ويأكل ويشرب، بل خُلق للعبادة قبل كل شيء، قال سبحانه:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}(الذاريات:56) فلفظ (إلا) في الآية يفيد الحصر، أي إن الغاية من إيجاد الخلق عبادة الله وحده، وليس من غاية أخرى وراء هذه الغاية. وقال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً}(المؤمنون:115).
فإذا عرف المؤمن الغاية التي لأجلها خُلق، والهدف الذي يحيا له، عاش حياة مطمئنة ومستقرة، مصداق ذلك قوله تعالى:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين أمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} يونس:62-64.
ومن آثار التدين بدين الإسلام – إضافة لما سبق – أنه يقيم التوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، فلا يطغى جانب على آخر، ولا يهمل جانب لمصلحة آخر، بل هو الوفاق والوئام والوسط الذي جاء به الإسلام، قال تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}(البقرة:143). وقد ذم سبحانه اليهود لتغليبهم مطالب الجسد على مطالب الروح – وبالمقابل – ذم النصارى لتغليبهم مطالب الروح على مطالب الجسد.
بينما جاء الإسلام بالوسط بينهما، فلا إفراط ولا تفريط. وقد ثبت العديد من الأحاديث التي تؤكد هذه الحقيقة، من ذلك ما البخاري ومسلم أن ثلاثة نفر جاؤوا إلى عائشة رضي الله عنها فسألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهم بها، فتقالُّوها – أي رأوها قليلة – فبدا لهم أن يأتوا من العبادات ما هو أكثر، فعلم رسول بأمرهم، فقال: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
فقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم المنهج الوسط، والطريق الأرشد في العبادة، حفاظاً على هذا التوازن بين مطالب الجسد ومطالب الروح، الذي لا يمكن لحياة الإنسان أن تستقيم إلا به.
ومن أمعن النظر فيما سبق من آثار التدين بدين الإسلام علم أن مجموع تلك الآثار تؤدي إلى سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، السعادة التي يبحث عنها كثير من الناس فلا يجدونها إلا في هذا الدين – وهذا باعتراف من أسلم منهم – مع الإشارة إلى أن مفهوم السعادة لا يعني التفوق المادي ونحوه، وإنما السعادة الحقيقة يحياها من التزام دين الإسلام حق الالتزام. يشهد لهذا واقع الناس اليوم، فإن كثيراً ممن لا يدين بهذا الدين يشعر بالفراغ الروحي، وبفقدان الأمن والاستقرار النفسي.
وقد ذكر سبحانه في كتابه الكريم أن حصول الأمن إنما يحصل لعباده الذين أمنوا به واتبعوا سبيله، فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82) فمع الإيمان الحق يكون الأمن والاطمئنان، ومع الأعراض يكون الضنك والشقاء، قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طـه:124) ويجمع هذا وذاك قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} لأعراف:96.
تعال وتذوق حلاوة الايمان
به أهل اللهو في لهوهم ، كما قال- صلى الله عليه وسلم – (( ذاق طعم الأيمان من رضي
بالله ربا وبالآسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا)) بل أن لذة الأيمان لاتشبه
لذة الشهوات ، لأن لذة الايمان لذة قلبية روحية، أما لذة الشهوات والمحرمات فهي لذةشهوانية
جسدية، ويعقبها من الألأم والحسرات أضعاف ما نال صاحبها من متعة .
جزأك الله خيراً
ينقل للقسم المناسب
تجديد الايمان فى القلب
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرو بن العَاص رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّ الإِيمَانَ لَيخلق فِي جَوْفِ أَحَدكُمْ
كَمَا يَخلقُ الثَّوْبُ فَاسْأَلُوا الله أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ". أخرجه الحاكم ( 1 / 4 )، وحَسَّنَه الألباني (السلسلة الصحيحة، 4/ 113).
هكذا جعل الله العبد المؤمن، لكي يظل في جهاد مستمر، قال بعض السلف: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، فبلغت بعضهم فقال: طوبى له! أوقد استقامت؟ ما زلت أجاهدها ولم تستقم بعد أربعين سنة!
وهم في أفضل جيل وأفضل بيئة، فكيف بنا اليوم ونحن في عصر المغريات وفي عصر الشهوات؟! فمن أعظم أسباب قسوة القلب: طول الأمد عن ذكر الله، وعن تقوى الله، وعن مجالس وحلق الذكر والخير، وعدم التفكر في ملكوت السماوات والأرض وعدم التفكر في الموت، وقراءة القرآن وتدبره والعمل به، هي من أعظم ما يزيد الإيمان؛ لأن الإنسان إذا قرأ كتاب رب العالمين سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه يجد فيه الشفاء والحق والمواعظ والحث على التفكر وعلى التدبر
ومع ذلك أيضاً يدعو الإنسان ربه عز وجل، فندعو الله أن يمنَّ علينا بالإيمان، وأن يمنَّ علينا بالهداية، وأن تلين قلوبنا لذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يخيب من دعاه.
والحمد لله رب العالمين
الايمان بالرسل
ثم أخذته وذهبت مسرعة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وقصَّت عليه ما حدث لزوجها محمد، وكان (ورقة) قد اعتنق النصرانية في الجاهلية، ودرس الإنجيل، فقال ورقة للنبى (: هذا الناموس الذي نزل على موسى، وإنك لنبي هذه الأمة. [البخارى].
فالإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان التي وضحها النبي ( عندما سأله جبريل -عليه السلام- عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله…) [متفق عليه].
وقد أرسل الله -سبحانه- الكثيرين من الرسل، ذكر بعضَهم القرآنُ الكريم ولم يذكر الآخرين، وعلينا أن نؤمن بهم جميعًا، يقول تعالى: {فآمنوا بالله ورسله} [النساء: 171]. ويقول أيضًا: {والذين آمنوا بالله ورسوله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 152].
النبي والرسول:
النبي رجل حر من بني آدم أُوحِيَ إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول رجل حر من بني آدم أوحِىَ إليه بشرع وأمر بتبليغه، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.
عدد الرسل:
أرسل الله تعالى رسلا وأنبياء كثيرين، وذكر الله سبحانه في القرآن أسماء خمسة وعشرين نبيًّا ورسولا وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وصالح، وهود، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، ويونس، وموسى، وهارون، واليسع، وذو الكفل، وداود، وزكريا، وسليمان، وإلياس، ويحيى، وعيسى، ومحمد -(-. قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلاً من قبلك مهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} [غافر: 78].
وظيفة الرسل:
لما أنزل الله تعالى قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]. صعد الرسول ( جبل الصفا ثم نادى: (يا صباحاه!) فاجتمع الناس إليه، فقال (: (يا بني فلان! يا بني فلان! يا بني فلان! يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب!) فاجتمعوا إليه، فقال لهم: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح (أسفل) هذا الجبل أكنتم مُصدِّقِىَّ؟) قالوا: ما جربنا عليك كذبًا. قال: (فإنى نذير لكم بين يدى عذابٍ شديد) [مسلم].
فالله سبحانه قد أرسل الرسل لدعوة الناس إلى توحيده وطاعته، فيبشرونهم برضوان الله وجنته إن آمنوا وأطاعوا، وينذرونهم من عذاب الله إن خالفوا وعصوا. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون} [الأنعام: 48-49].
الأنبياء بشر:
والأنبياء بشر مثل باقي البشر يأكلون ويشربون، ويفرحون ويحزنون، ويمشون في الأسواق، وعندما كان المشركون يطلبون من الرسول ( أشياء لا يقدر عليها، كان ( يتعجب منهم، ويذكر لهم دائمًا أنه بشرٌ: {قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولاً} [الإسراء: 93]. ويقول تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي} [الكهف: 110].
عصمة الأنبياء:
اختار الله الرسل وفضَّلهم على خلقه، ونزَّههم عن السيئات، وعصمهم من ارتكاب المعاصى كبيرها وصغيرها، وميَّزهم بالصفات الكريمة، والأخلاق العظيمة من حلم وصدق وأمانة؛ حتى يكونوا قدوة لغيرهم، فيسير الناس على نهجهم ويقتفوا آثارهم، لذلك فقد عصمهم الله من الإثم، ونزَّههم عن الوقوع في المعاصي، فهم خيرة خلق الله، وأفضل من عبد الله -عز وجل- وأطاعه، وهم المثل الأعلى الذي يسترشد به الناس. يقول تعالى: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر به هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين. أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 89-90].
صفات الأنبياء:
هناك صفات واجبة في حق الرسل، يتساوون فيها وإن كانوا يتفاضلون في غيرها، والصفات الواجبة في حق الرسل هي:
الصدق:
فيجب أن نعتقد بصدق الرسل جميعًا، وأنه يستحيل عليهم الكذب
والله -عز وجل- يقول: {وصدق المرسلون} [يس: 52] وسيرة الأنبياء جميعًا وصفاتهم تشهد لهم بالصدق؛ فقد كانت قريش تلقب الرسول ( قبل البعثة بالصادق الأمين.
الأمانة:
الرسل يتصفون بالأمانة، ويستحيل عليهم الخيانة؛ فهم محفوظون ظاهرًا وباطنًا من فعل أي معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران: 361].
الذكاء:
فالرسل يخاطبون كلَّ البشر على اختلاف عقولهم ودرجات ذكائهم، ويواجهون أصعب المواقف، وهو مطالب بدعوة كل هؤلاء والتأثير فيهم والتغيير من سلوكهم، ولذا فضل الله الرسل بنعمة الذكاء.
وفي قصة الحجر الأسود خير دليل على فطنة نبينا محمد (، فعندما تنازع زعماء القبائل من قريش فيمن يحمل الحجر الأسود ليضعه مكانه، لأن كلا منهم يريد الحصول على هذا الشرف العظيم، كادت أن تقع مشاجرة بينهم، ولكنهم اقترحوا أن يحكِّموا بينهم أول من يدخل عليهم، فكان الداخل هو الرسول (، فاطمأن الجميع لعلمهم بصدقه ورجاحة عقله. وتتجلى فطنة النبي ( وذكاؤه حينما خلع رداءه ووضع الحجر عليه، وجعل كل واحد من رؤساء القبائل يمسك من الثوب طرفًا؛ فحملوه جميعًا وانتهي الموقف دون اختلاف أو مشاجرة بذكاء نبينا محمد (.
وهذا إبراهيم ( يدعو الملك الكافر النمروذ ويقول له: {ربي الذي يحيي ويميت}. فيقول هذا المعاند: أنا أحيي وأميت. ويحضر رجلين سجينين فيقتل أحدهما ويطلق الآخر ولكن ذكاء إبراهيم -عليه السلام- قد فاجأ النمروذ بأمر لا جدال فيه فقال له: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} فوقف النمروذ عاجزًا حائرًا لا يستطيع أن يفعل هذا الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله. قال تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين} [البقرة: 258].
التبليغ:
يجب على الرسل إيصال كل ما أمرهم الله به وتبليغه إلى الناس، لأنه يستحيل عليهم أن يكتموا شيئًا من شرع الله سبحانه. وقد قام الرسل بدورهم خير قيام فجزاهم الله عنَّا خير الجزاء. قال تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ}
[المائدة: 99] وقال أيضًا: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}
[المائدة: 67].
وقال الله عن نوح: {ولكني رسول من رب العالمين. أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 61-62].
وعندما نزل قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، وقف الرسول ( خطيبًا، فقال: (يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أُغني عنكم من الله شيئًا. يا بني عبد مناف،لا أُغني عنكم من الله شيئًا. يا عباس بن عبد المطلب،لا أُغني عنكَ من الله شيئًا) [البخارى].
أولو العزم من الرسل:
فضّل الله -سبحانه- بعض الأنبياء، لأنهم صبروا وتحملوا الإيذاء والتكذيب في سبيل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله أكثر من غيرهم من بقية الرسل، وهؤلاء سماهم الله -عز وجل- بـأولى العزم من الرسل وهم: محمد، وإبراهيم، ونوح، وموسى، وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم، يقول تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} [الأحقاف: 35] . ويقول تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} [الأحزاب: 7].
الصفات المستحيلة في حق الرسل هي:
يستحيل على الرسل كل نقص يُخل برسالتهم، أو يؤدى إلى نفور الناس منهم، فيستحيل عليهم أن يتصفوا بالصفات الآتية:
الكذب:
فقد أرسل الرسول ( إلى هرقل ملك الروم يدعوه إلى الإسلام، وكان بالشام حينئذ أبو سفيان وبعض قريش، فأرسل هرقل في طلب من كان في بلده من العرب، فجاءه أبو سفيان وذلك قبل أن يسلم، فسأله هرقل عن النبي (، وكان مما سأله: هل يكذب؟ قال أبو سفيان: لا. فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ثم يكذب على الله. فالرسل لا يجوز في حقهم الكذب، بل كيف يصطفي الله ويؤيد من هو كاذب. فالرسل صادقون مصطفون، وعندما أُسْرِيَ بالنبي ( وأخبر المشركين بذلك، جاءوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة واحدة، والناس يذهبون في شهر، ويرجعون في شهر، فقال أبو بكر: إن قال ذلك فقد صدق.
الخيانة:
والخيانة لا تجوز في حق الرسل، فكيف يأتمن الله -عز وجل- من ليس أمينًا، فالله -سبحانه- اصطفي الرسل ليقوموا بأعظم مهمة، ألا وهي الدعوة إلى الله، قال تعالى: {إن الله اصطفي آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
[آل عمران: 33] .
عدم التبليغ (الكتمان):
كتمان الرسالة لا يجوز في حق الرسل، لأن الله -عز وجل- يأمر بأداء الأمانة، وهذا رسولنا ( يقول في حجة الوداع وهو يودع أمته: (ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد) [متفق عليه].
البلادة:
أرسل الله -عز وجل- الرسل لهداية الناس إلى صراط الله المستقيم، فيستحيل عليهم أن يتصفوا بالغباء والبلادة لأن الرسول لو كان بليدًا؛ فلن يؤثر في قومه، ولن يهدي الضالين، ولن يقتنع أحد بحجته، فلابد إذن أن يكون الرسول ذكيًّا، يدعو الناس، ويفتح قلوبهم للإيمان. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125].
صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى ال نبينا محمد وعلى
اصحاب نبينا محمد
مجالس الايمان تحفها الملائكة فلا تحرمي نفسك من نورها
أختى المسلمه : إن الطاعه تجعل السعاده دائما تخيم على البيت المسلم.
ومجالس الطاعه تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة وتتنزل عليهم السكينه, ويباهى الله بهم الملائكه فى الملأ الأعلى.
فيا لها من ساعة مباركة .. فبينما أهل الدنيا يلهثون ورائهم والدينار وتجلس المسلمه التقية تسعى,
بل وتسارع لتفوز بحسنه تبيض وجهها ويوم القيامه.. فتعقد مع زوجها وأولادها لقاء أسبوعيا كله طاعه لله
يقرءون القرآن, ويتعلمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدون قصه من قصص الأنبياء
عليهم صلوت بى وسلامه.. أو قصه من قصص الصحابه رضى الله عنهم , ثم يعقدون مسابقة فى نهاية اللقاء ويقدمون من خلالها الحلوى والهدايا الجميله , وإن كانت رخيصة الثمن ؛ لأن الهدايا ليست غاية , وإنما هى وسيله لكى تشتاق القلوب لمثل هذا اللقاء الأسبوعى على تلك المائده التى تحفها الملائكة .
تالله يا أختاه … إنها مجالس رحمة ونور فأحرصى عليها واجعلى بيتك مدرسة تخرج أجيالا تحاكى الرعيل الأول الذين تربوا بين يدى الحبيب محمدا صلى الله عليه وسلم.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك
فإنه حرى بالمسلم أن يحرص على مواطن نزول الرحمات ومواطن البركات والخيرات من رب البريات سبحانه وقد أوجدها الله سبحانه في مجالس الذكر التي تملأ القلوب خشية للواحد القهار
وهذه بعض من فضائلها :
* أن الله يباهي بأصحاب مجالس الذكر :
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في حلقة من أصحابه فقال : «ما أجلسكم ؟» قالوا : جلسنا نذكر الله .. قال : «أما إني لم استحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة» [ رواه مسلم ]
* أصحاب مجالس الذكر لهم نداء من السماء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مامن قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لايريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات» [ رواه الإمام أحمد وصححه الألباني]
* ثواب مجالس الذكر الجنة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « غنيمة مجالس الذكر الجنة» [ رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني ]
* مجالس الذكر تبعث النور لاصحابها يوم القيامة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولاشهداء»
قال : «هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه» [رواه الطبراني وصححه الألباني]
* مجالس الذكر تغشاها الملائكة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لايقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده» [ رواه مسلم ]
* مجالس الذكر روضة من رياض الجنة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» ( أي : اجلسوا وامكثوا) قالوا: ومارياض الجنة؟ قال : « حِلقُ الذكر» [رواه الترمذي وحسنه الألباني ]
وبعد هذا كله فهل يهون على النفس أن تزهد في مجالس الخير بعد ماعلمت ما فيها من الخير والبركات ونزول الرحمات من رب الأرض والسموات؟؟ أترك الجواب لك
أحوال المجالس التي لايذكر فيها الله سبحانه
* من جلس مجلس لم يذكر الله فيه كان عليه حسرة يوم القيامة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما من قوم يقومون من مجالس لايذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة» [ رواه أبو داود وصححه الألباني ]
* من مجلس لم يذكر الله فيه كان عليه حسرة وندامة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما جلس قوم مجلس لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تره فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم» [ رواه الترمذي وصححه الألباني ]
وإذا تأملت يا عبد الله حال مجلس لايذكر الله فيه ستجد غالب المجلس إما غيبة أو نميمة أو كذب والتحدث على فلان وغيره وإن سلموا من هذا فقد وقعوا في مجلس فراغ لا فائدة فيه والله المستعان
كفارة المجلس لمن حصل فيه لغط
* كلمات يكفر الله بهن لغط المجلس :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من جلس مجلسا كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك , سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك, إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك» [ رواه النسائي وصححه الألباني ]
* فضل كفارة المجلس:
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من قال : سبحانك الله وبحمده وسبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك, فقالها في مجلس ذكر كان كالطابع يطبع عليه ومن قالها في مجلس لغو كان كفارة له» [ رواه النسائي وصححه الألباني ]
وفي رواية : «إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة وإن تكلم بشر كان كفارة له» [ رواه النسائي وصححه الألباني ]
وختاما: فاحرص يا عبد الله على مجالس الذكر فإن فيها خيرا وأجرا كبيرا وعظيما ويكفيك شرفا أن يقال لك في نهاية مجالس الذكر : ( قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم إلى حسنات ) وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الايمان بين الزيادة والنقصان
الحمد لله الذي ارتضى لنا الحنيفية السمحة فسمانا مسلمين وما جعل علينا في الدين من حرج.
الحمد لله الذي جعلنا أمة وسطًا، لنكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدًا.
الحمد الله الذي فطرنا على التوحيد فقال سبحانه: ] فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [ .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، نشهد أن الحق ما شرعته، والهدى ما حكمت به، ونشهد أن محمدًا عبدك ورسولك وصفيك من خلقك، رسم لنا بهديه منهجًا بينًا لا عوج فيه، وأضاء لنا الدروب قولًا وعملًا.
وبعد: أخواتي..
من سبل الخير التي يسرها الله لنا حلق الذكر ومجالس العلم، وما يحصل فيها من زيادة إيمان وترقيق قلوب، ولما فيها من ذكر الله، وغشيان الرحمة، ونزول السكينة، وحف الملائكة للذاكرين، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى، ومباهاته بهم الملائكة.
ولكن:
ولكن ينقطع البعض عن هذه الحلق بسبب سفر أو إجازة أو ظرف من الظروف العائلية حتى نسمع الشكوى من قسوة القلوب وتردد عبارات (أحس بقسوة في قلبي) (لا أجد لذة للعبادة) (أشعر أن إيماني في الحضيض) (لا أتأثر بقراءة القرآن) (أقع في المعصية بسهولة) إلى غير ذلك.
ومما لا شك فيه أخواتي أن الابتعاد عن الأجواء الإيمانية مدعاة لضعف الإيمان في النفس يقول الله تعالى: ] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ .
فدلت الآية الكريمة على أن طول الوقت في البعد عن الأجواء الإيمانية مدعاة لفتور النفس وتكاسلها عن الطاعات لافتقارها إلى الجو الإيماني الذي كانت تنعم في ظلاله وتستمد منه قوتها وعزيمتها، وهذا الابتعاد إذا استمر يخلف وحشة تنقلب بعد حين إلى نفرة من تلك الأجواء الإيمانية، فيقسو على أثرها القلب، ويظلم ويخبو فيه نور الإيمان وقد يؤدي إلى حدوث انتكاسة لدى البعض.
قال ابن مسعود عندما نزلت الآية: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين.
ولهذا حذر رسول الله r من هذا المظهر فقال: «إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل» وفي رواية «فقد هلك».
وروي أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي r أنه قال: «لكل شيء شرة ولكل شرة، فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه.. » وقد استعاذ عليه الصلاة والسلام صباحًا ومساءً من العجز والكسل فقال: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل والبخل والجبن، وضلع الدين، وقهر الرجال»
قوله r « شرة» قال المناوي: (الشرة) الحرص على الشيء والنشاط فيه (ولكل شرة فترة) أي وهنًا وضعفًا وسكونًا.
يعني أن العابد يبالغ في العبادة أولًا، وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين. قال المناوي: قال القاضي: المعني أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط (الشرة) والتفريط (الفترة).
(فارجوه) يعني أرجو الصلاح والخير معه.
(وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه) لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيًا.
وقيل: هو داء يصيب العاملين يؤدي في أسوأ أحواله إلى الانقطاع بعد الاستمرار، وفي أحسن أحواله يظهر السكون والكسل والتراخي والتباطؤ بعد الحركة.
من الحديثين السابقين يتبين لنا أهمية الحديث عن هذه الظاهرة التي تسمى بالفتور – أو بضعف الإيمان – وتنبثق هذه الأهمية من خلال ما يأتي:
(1) أن الله ذم المنافقين: لتثاقلهم عن الصلاة وكسلهم فيها، وعن الإنفاق كراهية فقال سبحانه: ] وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [ . وذمهم كذلك حين كرهوا الجهاد في سبيله: ] فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [
وعاتب المؤمنين فقال: ] مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [ والتثاقل هو الفتور بعينه.
(2) أن الكسل والفتور لا يختص بطائفة معينة من الناس: بل إنه يسري في الناس على مختلف طبقاتهم وأعمارهم وأحوالهم.
(3) ما للفتور من خطورة: حيث يؤدي بكثيرة من الناس إلى الانحراف ولا أدل على خطورته من كثرة استعاذة رسول الله r منه. وقد بين رسول الله r نوعين من الفتور: فمنه ما هو مستديم، ومنه ما هو طارئ (عارض):
أ) فأما المستديم: كأن يكون المرء دائم الكسل عن أداء الطاعات متثاقلًا عنها، لا يجد في نفسه رغبة عند أدائها وهذا سببه مرض في القلب، وقد يكون يحب هذه العبادات ويحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره تمر عليه الليالي وهو يريد قيام الليل وختم القرآن ولكنه لا يفعل، وهذا أخف درجة من الأول.
وهذه حال كثير من المسلمين الآن، وهذا النوع من الفتور هو الذي أشار إليه رسول الله r بقوله: «ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل».
ب) وأما الفتور العارض: الذي لا يوقع في معصية ولا يخرج من طاعة – وهذا لا يسلم منه أحد – إلا أن الناس يتفاوتون فيه فهو الذي قصده رسول الله r : «فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى» .
* وهو الذي أبكى ابن مسعود – رضي الله عنه – في مرض موته لأنه أصابه في حال فترة ولم يصبه في حال اجتهاد.
* وهو الذي جعل حنظلة – رضي الله عنه – يظن النفاق في نفسه حين لقيه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قال: نافق حنظلة. لأنه حين يكون عند رسول الله r فيذكرهم بالنار والجنة حتى كأنهم رأي العين، فإذا خرجوا من عنده عافسوا الأزواج والأولاد والضيعات فنسوا كثيرًا.
يقول ابن القيم رحمه الله: فتخلل الفترات للسالكين أمر لازم لابد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم: رُجي له أن يعود خيرًا مما كان، مع أن العبادة المحببة إلى الله سبحانه وتعالى هي ما داوم العبد عليها.
ولذا: كان من حديث رسول الله r لعائشة حين سأل عن امرأة كانت عندها، قالت هذه فلانة تذكر من صلاتها.. قال: «مه، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه».
قال الإمام النووي شارحًا الحديث: فيه الحث على الاقتصار في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليه بنشاط، وأنه إذا فتر فليعقد حتى يذهب الفتور.
من صور الفتور
الصورة الأولى:
السرف ومجاوزة الحد في تعاطي المباحات والاهتمام الزائدة بالدنيا، والدنيا حلوة خضرة فقلَّ أن ينجو منها من وقع فيها، لذلك لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض المباح قال رحمه الله: (هذا يتنافى مع أصحاب الهمم العالية ولذلك قيل (همك على قدر ما يهمك، خواطرك من جنس همك) فاهتمامات الإنسان عنوان على ما في داخله من عزم أو خور.
الصورة الثانية:
وهي نتيجة للصورة الأولى تبدأ بالتكاسل عن أعمال الخير والعبادات، مع ضعف وثقل أثناء أدائها ثم يقسو القلب فلا يعود يتأثر بالقرآن، وبالمواعظ، حتى يصل من قسوة قلبه ألا يتأثر بموت ولا ميت.
وأعظم من ذلك عدم تأثره بآيات الله وهي تتلى عليه.
ويصل الفتور إلى درجة أبعد إذا ألف الوقوع في المعاصي والذنوب وقد يصر على بعضها ولا يحس بخطورة ما يفعل وهو يقول هذه صغيرة وتلك أخرى وهلم جرا، وقد يصل به الأمر إلى المجاهرة.
وأود أن أشير إلى أن هناك فرقًا بين الفتور والانحراف، ولكن الفتور قد يصل بصاحبه إلى الانحراف إن لم يتداركه الله بمنة منه وفضل.
الصورة الثالثة:
ومما يترتب على الصورة الثانية من المظاهر الغلو في الاهتمام بالنفس مأكلًا ومشربًا وملبسًا ومركبًا، فبعد أن كان لا يلقي لهذه الأشياء بالا إلا في حدود ما شرع الله إذا هو ينفق الوقت والمال والاهتمام بأمور كمالية، فتضيع الأوقات بما لا ينفع. قال تعالى: ] يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [ .
الصورة الرابعة:
ومع ظهور الصورتين الثانية والثالثة تظهر صورة رابعة هي جد خطيرة، ألا إنها انطفاء الغيرة وضعف جذوة الإيمان وعدم الغضب إذا انتهكت محارم الله، فيرى المنكرات ولا تحرك فيه ساكنًا، وقد يكتفي بالحوقلة والاسترجاع إن كان فيه بقية من غيرة.
ومن يَهُن يسهلِ الهوان عليه
ما لجرحٍ بميّتٍ إيلامُ
الصورة الخامسة:
انفصام عرى الأخوة بين المتحابين وضعف العلاقة بينهم، وقد ورد عنه r أنه قال: «ما تواد اثنان في الله عز وجل، أو في الإسلام فيفرق بينهما أول ذنب وفي رواية: ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما».
فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك واجعلنا من المتحابين في جلالك: ] الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [ .
الصورة السادسة:
ومن الصورة الخفية للفتور: الاهتمام بالحوار العقلي في تفنيد شبه الملاحدة والعلمانيين، والاكتفاء بالترف العلمي على حساب الهمم والحركة ودون عمل يفيد الأمة وبالتالي ضياع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود عليه بالنفع.
أسباب الفتور والعلاج
للفتور أسباب كثيرة ومتنوعة إذا سلم المسلم من بعضها فقل أن يسلم من بعضها الآخر، وسأذكر مع كل سبب العلاج لما له من وقع خاص وتأثير لا ينكر وإذا عرف السبب بطل العجب، «وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء»:
1) عدم الإخلاص أو عدم مصاحبته: قال تعالى: ] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [ ، والإخلاص يدفع المسلم إلى الجد الاجتهاد وعدم الملل والسآمة، أما إذا ضعف الإخلاص أو دب الرياء فسرعان ما يخبو الحماس وتضعف العزيمة، وأنبه هنا إلى حالتين مهتمين في عدم الإخلاص وهو:
أ) إما أن يكون أساس العمل غير مقرون بالإخلاص كما قيل:
صلى المصلي لأمر كان يطلبه
فلما انقضى لا صلى ولا صاما
ب) أن يكون أساس العمل خالصًا ثم طرأت عليه صوارف أضعفت الإخلاص. (رياء – سمعة – حب جاه – طلب دنيا)، لذلك وجب على المسلم تعاهد إخلاصه وتجديده، عند كل عمل يرجو به وجه الله فهذا أبقى وأنقى.
2) ضعف العلم الشرعي: والجهل داء قاتل، فكلما ضعف العلم الشرعي كان صاحبه أكثر عرضة لأن يصاب بداء الفتور فهو لا يعلم الأثر المترتب على العمل مما يضعف من عزيمته، قال تعالى: ] قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [ . وقال تعالى: ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ .
والعلم نور يرفع صاحبه إلى الدرجات العلا، قال تعالى: ] يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ وعلى قدر زيادة علم المرء تزداد معرفته بالله وبحقه وما أعده للعاملين، ولذلك كان فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، والعلاج بالمواظبة على الدروس والمحاضرات وحلق الذكر.
3) غلبة هم الدنيا على هم الآخرة: حتى يصبح القلب عبدًا لها والرسول r يقول: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم».
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع من وجد لذته وسلواه في الدنيا وحطامها نسي الآخرة أو كاد، فيضعف الإيمان شيئًا فشيئًا حتى تصبح العبادة ثقيلة ومن ثم يدب الفتور. وعلاج هذا المظهر إنما يكون: بقصر الأمل.
يقول ابن القيم رحمه الله: ومن أعظم ما فيها هذه الآية: ] أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [ وقوله تعالى: ]كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ [ فهذه كل الدنيا.
قال بعض السلف لرجل : صل بنا الظهر، فقال الرجل: إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر. كذلك التفكر في حقارة الدنيا قال تعالى: ]وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [ يقول: r : «إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلًا، فانظر ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه، قد علم إلى ما يصير».
4) الحياة في الأجواء الفاسدة ومن ثم الوقوع في المعاصي والمنكرات: كأن يعيش في وسط يعج بالمعاصي ويتفاخرون بالآثام. إن هذا المجتمع الصغير الذي يحيط بالمسلم يضعفه وقد لا يستطيع المقاومة فيدب الفتور إلى أوصاله، ويسري التراخي إلى عبادته وأعماله. ومن ثم الوقوع في المعاصي والمنكرات التي تكون بمثابة أثقال معنوية في الدنيا تثقل قلب صاحبها ونفسه، وهي يوم القيامة أثقال حسية قال تعالى: ]وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [ . ولا يتوقف أثر المعاصي على الفتور فحسب، بل تؤدي في غالب الأحيان إلى الانحراف.
5) صحبة ذوي الإرادات الضعيفة والهمم الذاتية: وهذا السبب وإن خالف في مفهومه السبب السابق فقد يحاول المسلم الابتعاد عن الأجواء الفاسدة، ولكنه يصحب ذوي الهمم الضعيفة والعزائم الواهنة، فلا يحس بأثرهم عليه ويضعف شيئًا فشيئًا حتى يتلاشى نشاطه أو تكاد تفتر همته وتخبو عزيمته.
لا تصحب الكسلان في حالاته
كم صالح بفساد آخر يفسدعدوي البليد إلى الجليد سريعة كالجمر يوضع في الرماد فيخمد
6)عدم وضوح الهدف: الكثير من الناس يطلبون العلم، أو يدعون إلى الله، ونلحظ منهم نشاطًا وجدية حتى قد يحتقر الإنسان نفسه عند هؤلاء. ثم نفاجأ بأنهم لم يعودوا كما كانوا، ولو دققنا النظر لوجدنا من أهم الأسباب التي أوصلتهم إلى هذه الحالة أنهم كانوا يعملون دون أهداف واضحة فقد تكون فترة طفرة أو حماس بعد سماع محاضرة أو قراءة كتاب أو تأثير صديق، لذلك سرعان ما ينقطعون.
7) العقبات والمعوقات: قد يكون في طريق بعض السالكين مثبطات وعقبات تعيق السير إلى الله بجد وعزيمة، ولهذا ركز القرآن الكريم على هذه القضية تبصيرًا للسائرين وتثبيتًا للعالمين قال تعالى: ]أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [ والآيات في هذا الباب كثيرة جدًّا.
والأحاديث تؤكد هذه الحقيقة وتجليها، منها حديث خباب عندما جاء إلى رسول الله r وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فقال: ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فقال: «إن الرجل قبلكم كان يمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب. ويُنشر بالمنشار فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليظهرن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
8) الفردية: الإسلام دين جماعي لا مكان للفردية فيه. ولا أقصد هنا بعض العبادات الخاصة كقيام الليل والنوافل وإنما باعتبار الغالب. كصلاة الجماعة للرجال، وأما الزكاة فإنما هي تعبير عن تضامن جماعي بين الأغنياء والفقراء، والصيام، والحج، حتى في الأمور المألوفة عند الناس، كالنسل فهو نتاج تزاوج وتصاهر ونسب، مع أن الله قادر على أن يخرج النسل من أحدهما دون الآخر كما خلق حواء من آدم، وأخرج عيسى من مريم.
وحتى في أمور العادات حث الرسول rعلى أدائها جماعية كالأكل حيث قال: «اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه» والسفر حيث قال: «والثلاثة ركب» والآيات تؤصل هذا الباب قال تعالى: ] وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [ والجماعة هي الأصل قال r : «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة».
قال علي بن أبي طالب: (كدر الجماعة خير من صفوها) وهي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وهي من كان على مثل ما كان عليه رسول الله r وأصحابه. من شذَّ عن هذا الأصل العظيم، وآثر الفردية، أو حياة التفرد، فإنه منقطع أثناء الطريق، وستخور قواه، وتضعف عزيمته وتتكالب عليه شياطين الإنس والجن ويكون كالمنبت الذي لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، وصدق رسول الله r حيث قال: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».
9) الجهل بفقه الأولويات: إن عدم إدراك فقه الأولويات يجعل المرء في حيرة من أمره، فتتزاحم أمامه مجموعة من المصالح والأهداف يصعب عليه القيام بها جميعًا فيقدم هذه ويؤخر تلك دون ضابط أو قيد، ومن ثم تنشأ عن هذه مجموعة من المشكلات تصيبه بالفتور مما يلهيه بالمفضول والمرجوح، ليبدأ بالتخلص من الفاضل وتنقلب عنده الأسس والموازين، كمن يتحرز من رشاشة النجاسة، ولا يتحاشى من غيبة وبهتان، أو يكثر من الصدقة ولا يبالي بمعاملات الربا، أو يتهجد بالليل ويؤخر الفريضة عن الوقت.
10) ضعف التربية: فهي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، وهي أن هناك ضعفًا ظاهرًا في تربية رجال الأمة ومن ثم شبابها ونسائها، وأصبح التدين مظهرًا عامًا في داخله دخن عند كثير من المؤمنين، فالصلة بالله ضعيفة، والعلم قليل، والتجربة محدودة، بينما المشاعر فياضة، والحماس طاغ وقد يرى الناظرين كالسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا إلا من عصم الله ووفق وثبت.
وهناك إشارات يجب الإشارة إليها في باب ضعف التربية:
ضعف البدايات: حيث تخلو التربية من الأصول والمنهج السليم بل تعتمد على العواطف والعلاقات الشخصية التي لا يمكن أن تورث ثباتًا. فصفاء الانتهاء من صفاء الابتداء ومن يقصر في البدايات يذهل عن الغايات، والعلاج يكون أحيانًا بتذكر أوقات البداية وجمع الهمة على السير إلى الله، فالسائر تعرض له فترة فيشتاق في تلك الفترة إلى حالة وقت الطلب والاجتهاد.
هذا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يمر على رجل وهو يبكي من خشية الله فيقول: (هكذا كنا حتى قست قلوبنا).
أ) ضعف الثقة بالنفس والخوف من الفشل.
ب) الغفلة عن مبدأ الثواب والعقاب.
ج) التعنيف في المحاسبة وتضخيم الأخطاء وكثرة العتاب.
د) الإمعة والتقليد والسلبية.
وأخيرًا لا شك أن التربية المتوازنة المستقاة من الكتاب والسنة اللذين هما المنهج الشامل المتكامل الذي يربي المسلم التربية الجيدة ويبني الشخصية القوية في انطلاقها، القادرة على الاستمرار، البعيدة عن التراجع والاضطراب، وكلما كانت التربية أشمل وأكمل كانت أبقى وأنقى وأدوم، ومع قدر الخلل يكون التقصير.لقد ربى رسول الله r صحابته خير تربية عرفتها البشرية ولم يكن هذا بالأمر السهل والهين، بل مكث سنوات طويلة في مكة وبعد ذلك في المدينة يتعاهد صحابته ويربيهم على عينه حتى تخرج على يديه الكريمتين تلك الصفوة المباركة التي ما عرف التاريخ مثلها.
واجهوا المشكلات والعقبات فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ذلوا وما استكانوا.
11) عدم الواقعية: وهو عدم التناسب بين الإمكانات الذاتية وبين مقدار العطاء من عبادة، وعلم، ودعوة. وهذه قد يكون منشؤها الفرد، وقد يكون المجتمع الذي يعيش فيه ومن هذه الأمثلة:
أ) الغلو والتشدد.
ب) الحماس الزائد لطلب العلم أو الدعوة إلى الله مع إهمالٍ لحق الأهل والبيت أو التقصير بحق النفس من النوم والطعام ومتطلبات الجسد.
ج) عدم تناسب الأهداف مع ظروف الزمان أو المكان.
د) الفوضوية في طلب العلم والبداية بحماس دون النظر إلى بداية الطريق من أوله وعلو السلم من أسفله.
هـ) الفتور في علاج الفتور.
من الأسباب عدم استشعار خطورة الفتور والتقصير في علاجه، فالفتور مرض من الأمراض تكون بداياته غالبًا يسيرة فإذا ما تساهل فيه المسلم ولم يبادر إلى علاجه والبحث عن أسبابه سرعان ما يزداد ويتأصل ويصبح علاجه أشد وأقسى، ويحتاج إلى جهد مضاعف ووقت أطول، ولنتذكر حديث المصطفى r في أول المحاضرة «إن لكل شيء شرة».
12) أمراض القلوب: كالحسد، وسوء الظن، والغل، مما يشغل المرء بالخلق عن الخالق لذلك امتن الله على نبيه r بأن شرح له صدره، ووصف أهل الجنة فقال تعالى: ] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا [ وأثنى على المؤمنين الذين يقولون في دعائهم: ]وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا
13) التقصير في العبادة: أو النظر إلى ما هو دونه في الطاعة والعبادة والدعوة.
14) أحاديث النفس ووساوس الشيطان:
فهذه مجموعة من أسباب الفتور وبعض طرق علاجها، وبقي أن نشير إلى أهم وسيلة من سبل العلاج ولهذا أفردتها وأخرتها ألا وهي:
تعاهد الإيمان وتجديده:
فإن قضية الإيمان ليست أمرًا على هامش الوجود، يجوز لنا أن نغفل أو نستخف بها، كيف وهي أمر يتعلق بوجود الإنسان ومصيره؟
إنها سعادة الأبد أو شقوته، إنها لجنة أبدًا أو لنار أبدًا فكان لزامًا على كل ذي عقل أن يفكر فيها.
مثال هذا القصة التي رواها الإمام مسلم في صحيحه برهانًا مبينًا على مبلغ أثر الإيمان ذلك أن رجلًا كان ضيفًا على النبي r فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر بثانية فشرب حلابها، ثم بثالثة فرابعة حتى شرب حلاب سبع شياه، وبات الرجل، وتفتح قلبه للإسلام، فأصبح مسلمًا، معلنًا إيمانه بالله ورسوله، وأمر الرسول له في الصباح بشاة فشرب حلابها ثم أخرى لم يستتمه، وهنا قال الرسول r كلمته المأثورة: «إن المؤمن ليشرب في معي واحد والكافر ليشرب في سبعة أمعاء».
والشاهد من الحديث أن الإيمان الجديد أشعر الرجل بغاية ورسالة، وفروض وواجبات، ونفذ ذلك إلى أعماقه نفوذًا. وليست هذه حادثة فردية، أو واقعة شاذة، فهل يمكن أن ننكر أو ننسى ما فعله الإيمان بأمة العرب جميعًا؟
* هذا الإيمان: الذي جعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ينتقل من جاهلية عبد فيها صنمًا من الحلوى ثم أكله، ووأد بنتًا له في الجب –كانت تمسح الغبار عن لحيته وهو يحفر لها مكانها في التراب– إلى الإسلام – حتى يقطع شجرة الرضوان التي بايع النبي r أصحابه يوم الحديبية تحتها خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسونها.
* هو الإيمان الذي جعل الخنساء التي فقدت أخاها لأبيها (صخرًا) فملأت الآفاق عليه بكاءً وعويلًا، وشعرًا حزينًا، ثم هي بعد الإيمان امرأة أخرى، تقدم فلذات أكبادها إلى الميدان أي إلى الموت راضية مطمئنة بل محرضة دافعة… فقالت مقولتها الشهيرة: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
الإيمان حقيقة يقينية قاطعة، وقوة مؤثرة عجيبة، وهو أساس الخير، ومنبع العزة، ومصدر الكرامة، ولا توجد إلا معه ولا تتولد الكرامة إلا منه، الإيمان نور، وهدى، ونعمة غامرة من أجل نعم هذه الحياة، الإيمان هو الوجود وهو الحياة.
الإيمان منحة ربانية وفيض إلهي غامر، ونور هادٍ مضيء، الإيمان زينة جميلة حبيبة لطيفة، يهبها الله سبحانه لعبادة المؤمنين: ] حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [ .
إن الإيمان على قوته ومتانته أشبه ما يكون بالشجرة التي تغرس في الأرض فإذا أراد لها صاحبها حياة قوية وثمرًا وعطاء فلا بد أن يتعاهدها منذ غرسها، وأن يهيئ لها الوسط الملائم والتربة الخصبة، وأن يبعد عنها الشوائب الضارة، وأن يديم خدمتها حتى تضرب جذورها في أعماق الأرض وتمد فروعها في السماء… ثم تقدم ثمرًا طيبًا وعطاء نافعًا… إنها لا تعطيه إلا بعد ما يعطيها، ولا تمنحه إلا بعد ما يمنحها، ولا تقدم له زادًا إلا بعد ما يقدم لها زادها.
وهكذا طبيعة الحياة خدمة متبادلة وعطاء متبادل وهكذا الإيمان الراسخ النامي، الذي يرسخ جذوره في قلب المؤمن ويثمر ثمارًا يانعة هي الطاعات والحسنات ويعطي ظلالًا وارفه هي الطمأنينة والرضا والسكينة.
الإيمان يزيد في قلب وحياة صاحبه، يزيد ويزيد حتى يملأ من صاحبه قلبه ووجوده ويكون نورًا يضيء له حياته، ويكون هو قد تمثل الإيمان عمليًّا في حياته، وتجسد الإيمان به وحل كيانه؛ كلامه إيمانه، نومه ويقظته إيمان، حركته وسلوكه إيمان، أنفاسه ودقات قلبه إيمان، خواطره وخيالاته إيمان… أو قل إنه إيمان.
وبما أن الله عز وجل قدر للإيمان أن يتأثر بالظروف والملابسات والأجواء المحيطة به وبصاحبه كما قال رسول الله r : «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم».
وفي حديث آخر قال رسول الله r : «ما من قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذا تجلت عنه فأضاء».
يعني بذلك أن الإيمان يبلى في القلب كما يبلي الثوب إذا اهترأ وأصبح قديمًا وكذلك القلب يعتريه في بعض الأحيان سحابة من سحب المعصية فيظلم فتحجب نوره فيبقى الإنسان في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله عز وجل انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء كما كان يقول بعض السلف: من فقه الإيمان أن يتعاهد العبد إيمانه، وما ينقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أم ينقص؟ وإن من فقه العبد أن يعلم نزعات الشيطان أني تأتيه؟.
ومما يزيد الإيمان أمور عدة أسردها سردًا:
(1) كثرة العبادات وتنوعها: والمحافظة على الفروض والسنن والنوافل وتعاهد الخشوع فيها (صلاة، صيام، صدقة)لأن هذا الإيمان يعطي القلب نفحات إيمانية، ودفعات قوية، وزادًا في الطريق.
(2) مراقبة الله والإكثار من ذكر: فالله ناظر إليك فلا تجعله أهون الناظرين إليك، ومن هنا تتولد استشعار عظمته سبحانه وتولد الخوف والخشية والمحبة والرجاء.
(3) كثرة الذكر: والمحافظة على الأذكار الواردة صباحًا ومساءً وفي كل حال: يقول ابن القيم: إن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطق فعله بدونه.
وخص رسول الله r ذكرًا يعين كثيرًا فقال لأبي موسى الأشعري: «يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة».
قال ابن القيم: وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة وتحمل المشاق والدخول على الملوك، ومن يخاف ركوب الأهوال.
(4) تدبر القرآن العظيم: والتفاعل مع الآيات الكونية.
(5) تذكر منازل الآخرة.
(6) مناجاة الله: والانكسار بين يديه.
(7) محاسبة النفس: في تجديد الإيمان قال تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [ .
وختامًا: فإن دعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجدد الإيمان في قلوبنا.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل، وثبتنا وثقل موازيننا، وحقق إيماننا، وارفع درجتنا، ونسألك الدرجات العلا من الجنة.آمين..
المراجع
(1) كتاب الفتور، ناصر العمر.
(2) كتاب ظاهرة ضعف الإيمان، محمد المنجد.
(3) كتاب الإيمان والحياة، القرضاوي.
(4) كتاب في ظلال الإيمان، صلاح الخالدي.
ثمرات الإيمان وحسن الختام
1) ثمرات الإيمان:
1) من ثمرات الإيمان الصحيح أنه يجعل الإنسان شخصية إيجابية.
2) والإيجابية في حياة المؤمن تظهر في معاملته مع الله، ومعاملته مع الخلق.
3) والإيجابية في المعاملة مع الله: أن يكون العبد ربانيا، وذلك بعمل الطاعات، والبعد عن السيئات، ومحاسبة النفس، ومراقبتها.
4) والإيجابية في المعاملة مع الخلق: أن يحب لهم ما يحبه لنفسه، ويتعاون معهم على البر والتقوى، ويتعامل معهم بالحسنى.
5) فإذا لم يكن العبد كذلك، ففي إيمانه خلل: إما من حيث التصور، أو من حيث النقصان.
2) حقيقة تبعث في الروح اليقظة:
1) قال -تعالى-: (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
2) قال -صلى الله عليه وسلم-: ((وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم)).
3) إن هذه النصوص تقرر حقيقة تبعث في الروح اليقظة، وفي القلب الرهبة والرغبة. لماذا؟ لأن هناك رجوعا إلى الله الحكم العدل. وهناك يوم تُوزن فيه الأعمال المسطورة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. يوم تُوفى فيه كل نفس ما كسبت. فكيف لا تخاف النفوس المؤمنة، والقلوب الحية، والضمائر اليقظة؟!
4) إن المنجي من أهوال ذلك اليوم هو سبيل التقوى، وطريق الإيمان، ومنهج الحق. فمن حُرِم الهداية إلى ذلك السبيل، وضل عن تلك الطريق، وحاد عن ذلك المنهج، أو قصَّر فيه، فقد عرَّض نفسه للخسران، وألقى بنفسه في التهلكة.
3) حتى تكون خاتمتك حسنة!
خاتمة حياة كل واحد منا مجهولة، ولا يعلمها إلا الله؛ فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها))، ولذلك فإن على العاقل أن يجتهد في أن تكون خاتمته حسنة.
وذلك:
1) المداومة على الطاعة، والمسارعة إلى التوبة عند ارتكاب الذنب، والإكثار من الاستغفار، قال – تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت: 30].
2) دعاء الله بحسن الخاتمة؛ فقد أخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة".
قال ابن كثير: وهذا حديث حسن.
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب، والنسائي، والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع الزرقي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: ((اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين)).
3) رجاء حسن الخاتمة، وحسن الظن بالله؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله أنا عند ظن عبدي بي)).
4) الثقة في وعد الله، قال – تعالى -: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27].
من
جزاك الله الجنة بغر حساب ولا سابق عذاب.