الرجل في المطبخ..!!
إذا كان المثل الذي يقول إن أقرب طريق إلى قلب الرجل هو معدته..
فإن أفضل مكان أن يلتقي فيه الرجل والمرأة هو المطبخ..
في المطبخ يشعر الرجل أنه طفل .. والطفل مجرد معدة تريد الطعام باستمرار.. ولا يبكي الطفل شيء مثل الجوع.. فالرجل يتحول في المطبخ إلى طفل جائع وتصبح المرأة أماً يسعدها أن تلبي حاجة طفلها إلى الطعام والشبع..
وبين رائحة الطماطم والبقدونس وتقلية البصل ورائحة اللحم المشوي يشعر الرجل بقربه الشديد من المرأة وتندفع عواطفه نحوها.
وهناك نوعان من الزوجات : هناك واحدة لا تحب أن يدخل زوجها المطبخ..فهي تشعر بالقلق إذا وجدته معها وتفضل أن يبقى بعيداً حتى تعد الطعام ( على راحتها ).. ثم تقدمه بعد أن تتخلص من رائحة البصل والثوم.. كما إنها لا تحب أن يساعدها في عمل المطبخ فهي ترى أن هذا المكان هو مملكتها التي لا يجب أن لا ينافسها فيها أحد..حتى زوجها.
وهناك امرأة تحب أن يساعدها زوجها في أعمال البيت وفي المطبخ حيث يقوم بالعمليات التمهيدية لإعداد الطعام مثل تقشير البصل وعصر الطماطم وتقطيع اللحم.. وتشعر بأن زوجها بهذه الأعمال البسيطة إنما يهتم بها وبراحتها.
ومن النوع الأول كانت إحدى فتيات العائلة وقد ظلت حتى الثلاثين من دون زواج..وبعد عدد من الخطاب رفضتهم تقدم لها خطيب مناسب جداً سعدت به كثيراً..
تزوجت (مريم) من (سيد) في جو من البهجة والسعادة ثم كان أن استيقظت في صباح يوم الزفاف على زوجها العزيز يحمل إليها طعام الإفطار في الفراش.. وذهلت مريم وأحست أنها مقصرة واعتذرت له فقال لها إنه يحب أن يعد بنفسه الطعام فقد ماتت أمه وهو صغير وتعود أن يجهز الطعام له ولإخوته حتى عرف أسرار المطبخ وأجاد طهو أكثر أنواع الطعام البسيط منه والمركب.. وأشتهر في وسطه العائلي بلقب (سيد الطباخ)
وقد تصورت مريم أن المشكلة بسيطة وهي أن تطلب منه الابتعاد عن المطبخ فإذا لم يرتدع أقامت مشاجرة صغيرة تنتهي بالجلاء..لكن المسألة كانت أعمق من ذلك وأشد خطورة فقد رفض سيد الطباخ الجلاء عن المطبخ ولم تجد التوسلات ولا الخناقات في فك الاشتباك بين مريم وسيد واحتدت المشكلة ووصلت إلى والدتها وكانت بالطبع سيدة من الطراز القديم الذي يعتبر المطبخ مملكة الزوجة ومنطقة نفوذها فاستبقت ابنتها في البيت ورفضت عودتها إلى سيد ثم تعقدت المشكلة أكثر عندما سمع سيد من حماته قولها: هو ذا راجل ولا ست؟!
تحولت المشكلة إلى مسألة كرامة وكادت تنتهي بالطلاق لو لا تدخل أولاد الحلال الذين أقنعوا مريم أنه لا بأس من دخول سيد المطبخ في أيام الإجازات حتى ترتاح هي من عمل البيت ويشعر هو أنه في إجازة حقيقية خاصة أنها كانت تعمل في شركة ينتهي العمل فيها في الخامسة بعد الظهر.. وأصبحت حكاية مريم وسيد الطباخ تراثاً في العائلة نتندر عليه كلما ذكر موضوع حب بعض الأزواج للمطبخ.
علماء النفس والأنثروبولجيا لهم رأي في أن الرجل البدائي أيام الحياة في الغابة كانت أهم وظائفه وربما وظيفته الوحيدة الحصول على الطعام الحيواني منه والنباتي..وهكذا كان يقضي طول نهاره يطارد الحيوانات إما أن يقتلها أو تقتله ثم يعود للبيت يحمل فريسته..من ذلك الوقت البعيد ارتبط الطعام في حياة الرجل بالحياة ذاتها..فهو إن لم يحصل على فريسة مات من الجوع..وكثير من عادات الرجل المتحضر تعود إلى عادات أسلافه البعيدة..
وعن الرجل في المطبخ قرأت في لندن قبل سنوات مسرحية قصيرة بعنوان (رائحة اللحم) تروي قصة زوجين مثل مريم ولأخ سيد الطباخ وبعد أن تتقدم المشكلة وتتعقد يتم الاتفاق بين الزوجين على وجود مطبخين يمارس كل منهما فيه هوايته ولما كانت حالتهما المادية لا تسمح بإعداد مطبخ آخر فقد اقتسما المطبخ الموجود..من أواني الطبخ إلى السكاكين والشوك والملاعق..وحتى البوتاجاز أصبح لها نصفه الأيمن وهو نصفه الأيسر.. ثم امتدت وشملت غرفة النوم..ولما كان عندهما سرير واحد فقد قسماه إلى نصفين.
والمسرحية تأخذ المطبخ كبداية للفراق..فقد امتدت مشكلة المطبخ لتشمل البيت كله.. وواقعياً أصبح الزوجان منفصلين..والسبب ليس المطبخ فهو مجرد رمز لعدم التفاهم والاختلاف على الأساسيات.
ويذكرني هذا بالحكاية التي تقول إن العروس صباح ليلة الزفاف أيقظت العريس من نومه لتقدم له طعام الإفطار وكان هو ما زال في حاجة إلى النوم..وحتى لا يغضبها سألها برقة وهو يفرك عينيه: كم ساعة أبقيت البيض على النار؟
فردت: ربع ساعة بالضبط!
فقال العريس المرهق: أنا لا أكل البيض المسلوق إلا إذا بقي على النار ثلاث ساعات!!
وعاد إلى النوم.
ع ع
الطرح الرائع