التغلب على مشاعر الغيرة بين أطفالك
كيف تتغلبين على مشاعر الغيرة بين أطفالك؟
نحن جميعاً سمعنا النصيحة التى تقول: “انتظرى فترة قبل التفكير فى إنجاب طفل آخر.” لكن ما يبعث على شعورنا بالصدمة هو أنه عند استقبال طفل جديد وأياً كان عمر أخيه غالباً ما يصاب ببعض الارتداد للطفولة ويشعر ببعض الاستياء من أخيه الأصغر. إن ردود الأفعال هذه هى أولى علامات الغيرة التى قد يظهرها طفلك تجاه أخيه أو أخته، والتى من الممكن أن تستمر بينهما طوال حياتهما.
فى الواقع، تأتى الغيرة بين الأخوين من شعورهما بالمنافسة على حب أبويهما. فبينما يشعر الأبوين عادةً أنهما يظهران من الحب ما يكفى أطفالهم جميعاً، إلا أنه بالنسبة لكل طفل يبدو له حب أبويه غير كاف لأنه يشعر وكأن قد أصبح له شريك فى هذا الحب.
تعتقد بعض المصادر أن المنافسة بين الأخوين تكون مشكلة أكبر عندما يكون الفارق فى العمر بينهما من عامين ألى خمسة أعوام. إذا كان الفارق أقل من ذلك، فغالباً لا يتذكر الطفل الأكبر أنه كان طفلاً وحيداً يستمتع بالاستحواذ التام على اهتمام أبويه. أما عندما يكون الفارق فى العمر أكبر من ذلك، فغالباً ما يكون اهتمام الطفل الأكبر قد توجه إلى الأنشطة الخاصة به ولا يشعر بالتهديد من قبل أخيه الأصغر. على كل حال فأياً كان عمر طفلك الأكبر، فالشعور بالغيرة والمنافسة شئ طبيعى عند استقبال طفل جديد فى البيت.
استقبال الطفل الجديد
خلال الأيام الأولى المشحونة بعد استقبال المولود الجديد، يستطيع الأبوين تقليل شعور الغيرة عند أخيه الأكبر. بالنسبة للطفل الأكبر سناً القادر على فهم الأمور، احرصى على أن تعرفيه أنكم فى انتظار أخ جديد أو أخت جديدة قبل ذهابك إلى المستشفى لوضع مولودك الجديد والعودة به إلى البيت، واشرحى لطفلك ماذا يعنى وجود مولود جديد فى البيت. قومى بأفضل ترتيب ممكن لرعاية طفلك أثناء فترة وجودك بالمستشفى، فيجب أن يشعر طفلك بالأمان وبأنه سيلقى الرعاية اللازمة أثناء غيابك.
عندما يأتى طفلك الأكبر لزيارتك لأول مرة فى المستشفى بعد وضع مولودك الجديد، رتبى أمورك بحيث تستقبلينه استقبالاً حافلاً. فرؤية طفلك للمولود فى فراشه الصغير أهون كثيراً من رؤيته له بين أحضانك. إن تحضيرك لهدية صغيرة تقدمينها لطفلك عند زيارته الأولى لك بالمستشفى سيظهر له كم افتقدتيه وستكون الهدية أكثر فائدة إذا كانت ستشغله باقى مدة الزيارة. فمثلاً كتاب تقرئينه له أو كوتشينه تلعبين بها معه سيشعره بأنه مميز.
عندما تعودين للبيت قد يعود طفلك الأكبر لبعض سلوك الأطفال الصغار وهو شئ طبيعى جداً. فالطفل الذى اعتاد على استخدام القصرية قد يخطئ ويقضى حاجته وهو مرتدى ملابسه، كذلك بالنسبة للطفل الذى تم فطامه عن ثدى أمه منذ شهور قد يرغب فى الرضاعة من أمه أو قد يحاول استخدام ببرونة أخيه الأصغر. كذلك فإن الطفل ذا الطبيعة اللطيفة قد ينفجر فى نوبات غضب. كل هذه أمور شائعة وتظهر إلى أى مدى يلاحظ ويفكر طفلك – فهو يرى أن أخيه يحظى باهتمام أمه المستمر كلما احتاج لتغيير الحفاضة، كما تحمله أمه كلما بكى من أجل رغبته فى الرضاعة، ويرى أن هذه الأمور عندما تصدر من أخيه الأصغر تنجح فى حصوله على اهتمام أمه، فلماذا لا يجرب هو أيضاً نفس الطرق؟
رغم صعوبة تجاهل هذه السلوكيات، إلا أن أفضل ما يمكنك عمله تجاهها هو عدم التعليق عليها والمبالغة فيها. فمثلاً أخبريه كم هو جميل أن يكون ولداً كبيراً نظيفاً بدلاً من تعنيفه وتلومينه طول الوقت على أنه قد بلل ملابسه.
يجب أن يتذكر الآباء أيضاً أنه رغم عدم احتياج الطفل الكبير للانتباه طوال الوقت إلا أنه يحتاج لبعض الاهتمام الشخصى من أبويه كل يوم، فاحرصى إظهار حبك واهتمامك بطفلك كل يوم. قاومى شعورك بالرغبة فى حمل مولودك الجديد طوال الوقت ولا تستغلى كل دقيقة متبقية لك من وقتك فى رعاية الشئون المنزلية. بدلاً من ذلك عندما يكون مولودك الصغير هادئاً ومستعداً للبقاء فى فراشه لبعض الوقت، استغلى هذه الفرصة وامنحى طفلك الأكبر اهتمامك الكامل. اجعليه يختار النشاط الذى تقومان به سوياً، لكن يمكنك اقتراح أشياء يصعب القيام بها فى وجود طفلك الأصغر مثل اللعب بلعبة مكونة من أجزاء صغيرة أو قراءة كتاب بدون مقاطعة. إذا رأيت ضرورة قيامك ببعض الشئون المنزلية خلال نوم طفلك الصغير، اشركى معك طفلك الأكبر. كثير من الأطفال يعشقون مشاركة أمهاتهم فى أعمال المطبخ أو حتى فى الأعمال المنزلية – ذلك إذا اخترت لهم الجزء اللطيف من هذه الأعمال!
بالإضافة إلى الاهتمام الشخصى، يحتاج طفلك الأكبر أيضاً إلى أن تتسم متابعتك السلوكية له بالثبات لأن ذلك يعطيه الشعور بالأمان وهو أساس بناء تقديره لذاته. يحتاج الآباء لوضع قواعد أسرية توضح حدود كل فرد فى الأسرة مع ضرورة احترام كرامة كل طفل، كما يجب أن يلتزم الآباء أيضاً بهذه القواعد. يحتاج الأطفال لمعرفة المطلوب منهم فهم يحتاجون لمعرفة القواعد والحدود التى يجب عليهم الالتزام بها وأيضاً النتائج التى تترتب على عدم التزامهم بتلك القواعد والحدود.
نمو طفلك
بمجرد أن يعتاد طفلك على وجود أخ جديد أو أخت جديدة فى البيت، قد تظنين أن الأمور ستسير بعد ذلك بسلام ولكن الواقع غير ذلك فغالباً ما تستمر الغيرة بين الأخوة. عندما يبدأ طفلك الصغير يبتسم، يجلس، يتقلب، يحبو، أو يمشى قد يندهش طفلك الأكبر من قدر الاهتمام الذى تبدينه تجاه هذه الأفعال البسيطة. فرغم كل شئ فهو أيضاً يبتسم ويمشى. حاولى إيجاد فرص لمدح أفعال طفلك وعلقى كثيراً على متعة أن يكون الطفل كبير ويلعب بلعب الأطفال الكبار وكتبهم وأيضاً يستمتع بقضاء وقت فى الحديقة الخاصة بالأطفال الكبار.
أن يكون لديك طفل فى سن تعلم المشى وطفل آخر رضيع يزيد احتمال حدوث أخطر أشكال الغيرة. لابد وأن ينتبه الآباء جيداً كلما اقترب الطفل الأكبر من أخيه الصغير لأنه قد يحتضنه بقوة شديدة أو يعضه وكأنه يقبله، إلى غير ذلك من التصرفات العنيفة التى يعبر بها عن مشاعر غضبه أو ضيقه.
حاولى إشراك طفلك الأكبر مع أخيه الأصغر بطريقة إيجابية. فمساعدة طفلك الأكبر لك فى بعض الأمور البسيطة قد تشعره بأنه مهم، على سبيل المثال يمكنه مساعدتك بغسل بطن أخيه بالإسفنجة أثناء الحمام وذلك تحت إشرافك، أو مداعبة أخيه أثناء تغييرك لحفاضته، أو حتى مجرد جريه ليأتى لك بحفاضة نظيفة. لكن انتبهى فبعض الأطفال يحبون الاشتراك فى الأمور الخاصة بأخوتهم الصغار ولكن بعضهم لا يحب ذلك، فلا تحاولى الإلحاح على طفلك للقيام بمثل هذه الأمور إذا لم يظهر اهتمامه بذلك.
لتشجيع الحب بين أطفالك، علقى على رد فعل المولود الصغير تجاه أخيه الأكبر وكم يحبه. فأغب الأطفال الصغار لا يستطيعون تحويل نظرهم عن الأطفال الأكبر سناً، فغالباً ما ستجدى الكثير من الفرص لتأكيد حب المولود لأخيه الأكبر. إذا شعر طفلك الأكبر بحب أخيه الأصغر فسيحبه هو أيضاً.
تذكرى أيضاً أن المولود الصغير عندما يكبر قليلاً ويستطيع تمييز رغبته فى الحصول على انتباهك، قد يشعر حينئذ هو أيضاً بالغيرة من أخيه الأكبر.
أخوة إلى الأبد
عندما يكبر الأخوة تقل خطورة الغيرة بينهم ولكن تحتاج لجهد أكبر من الآباء. فكما يقول الكثير من الآباء – لأطفال فى سن المدرسة – أن الأخوة يعشقون مجادلة بعضهم البعض. فإذا لم تكن المجادلة بخصوص حصول أحدهم على قطعة أكبر من التورتة، فتكون بخصوص من يختار قناة التلفزيون، أو بخصوص من يجلس بجوار أبيه على المائدة. بالرغم من رغبة أغلب الآباء فى التدخل لحل مشاكل أطفالهم، إلا أن التدخل المستمر فى كل صغيرة وكبيرة قد يدفعك إلى الجنون كما قد يؤدى إلى تعليم أطفالك أنهم غير قادرين على حل مشاكلهم بأنفسهم. أنت تحتاجين للإشراف على تلك المشاكل – خاصة إذا كان الأطفال فى سن ما قبل المدرسة أو أصغر – ولكن لا يجب أن تخبريهم باستمرار عن الكيفية التى يتعاملون بها معاً. إعطى لهم فرصة لحل خلافاتهم ثم إذا لم يستطيعوا حلها تدخلى بهدوء واعطى إرشاداتك لكيفية التفاهم والتعامل مع بعضهم البعض.
عندما يكبر الأطفال (فى سن السادسة تقريباً أو أكبر)، يمكنك تقليل تدخلك تدريجياً فى خلافاتهم. لكن لابد أن تتدخلى إذا تطورت المعركة إلى حد العنف أو إذا غضب أحد أو كلا الأخوين غضباً شديدأ، ولكن محاولة معرفة من بدأ المشكلة ومعاقبته ليس دائماً هو الحل الأمثل. بدلاً من ذلك، اعرضى عليهم أن يختارا إما أن يحلا المشكلة بنفسيهما أو أن يقضى كل منهما بعض الوقت وحيداً (أن يذهبا إلى غرفتيهما، ألا يخرجا للفسحة، ألا يجلسوا مع الأسرة على مائدة الطعام وذلك إلى أن يصبحا مؤدبين، …الخ)
فكرة المشاركة كثيراً ما تؤدى إلى الخلافات بين الأخوة ويجب أن تكون توقعات الأبوين واقعية فى هذا الخصوص. فبالرغم من أهمية تعليم طفلك المشاركة إلا أن من حق كل أخ أن يكون لديه بعض الممتلكات الخاصة به وأيضاُ مساحة خاصة به حتى ولو كانت درجاُ أو جزءاُ من الدولاب، وكلما كبر الطفل كلما أصبحت خصوصيته شئ أهم بالنسبة له. يجب أن يشجع الآباء أطفالهم على المشاركة لكن يجب عليهم فى نفس الوقت أن يفهموا أن الملكية الخاصة شئ هام. يمكن للآباء أن يحددوا بعض اللعب يتشارك فيها الأخوة، والبعض الآخر يخص كل منهم على حدة.
من أحد أصعب الموضوعات التى يمكن التعامل معها هى مسألة العدل. ينشغل الأطفال دائماً بمسألة العدل بينهم وكثيراً ما يظنون أن العدل معناه أن يعامل الآباء كل أبنائهم بالتساوى فى كل الأوقات. لكن سرعان ما يتضح للآباء الذين لديهم طفلين أو أكثر أنه من الصعب الالتزام بذلك دائماً. فعندما تحملين طفلك الصغير عند تجولك فى المحل لا يعنى أنك ستستطيعين أو أنه يجب أن ينتظر منك حمل طفلك الأكبر من السيارة إلى البيت. يجب أن توضحى لأطفالك أنك تحبينهم جميعاً حباً متساوياً ولكن نظراً لاختلاف أعمارهم فإن احتياجاتهم تختلف – وهو يعنى أنك لن تستطيعى دائماً معاملتهم معاملة متشابهة. فالطفل فى الخامسة من عمره يستطيع أن يمشى، ولكن الطفل ذا السنتين قد يحتاج أن تحمله أمه.
حاولى أيضاً أن توضحى لهم أنك أحياناً لكى تكونى عادلة يكون عليك أن تجعلى كل طفل يأخذ دوره فى اختيار القطعة الأولى من التورتة أو اختيار قناة التلفزيون. هذا يعنى أنك لا يجب أن تتوقعى أن يستسلم الأخ الأكبر دائماً لما يطلبه أخوه الأصغر. إذ1 قبل الأخ الأكبر ذلك من نفسه، امدحى فيه تصرفه الناضج، ولكن لا يجب أن تستجيبى للسلوك العنيف الذى قد يلجاء إليه الأخ الأصغر لتنفيذ ما يريد كأن يبكى بصوت مرتفع أو يلقى بنفسه على الأرض صارخاً.
رغم أن الغيرة بين الأخوة قد لا تكون ظريفة وقد تكون أحياناً خطيرة إلا أنها رد فعل طبيعى له جوانبه الإيجابية. فمثلما نشعر بالمنافسة تجاه زملائنا، العاملين معنا، أو حتى أصدقائنا، فإن الأطفال أيضاً يشعرون بذلك. فى كثير من الأحيان قد يكون هذا الشعور دافعاً لهم لأن يتفوقوا فى المدرسة، أن يكونوا مهذبين، أو أن يتميزوا فى مجال آخر غير أخواتهم. لكن مسئولية توجيه هذا الشعور إلى شكل إيجابى يعود على الأبوين. تجنبى المقارنة بين أطفالك وبدلاً من ذلك قارنى بين أفعال الطفل وإمكانياته هو و إنجازاته السابقة وليس بين إمكانيات أو أفعال أخيه.