أحياناً كثيرة تكون هذه هي الكلمات، التي تخرج من عمق الجرح الذي يصيب أفئدة المطلقات، بغض النظر، هل هي من اختارت الانفصال وسعَت له، أم أنه وصلها إلى عقر دارها كما الطاعون! ويزيد الأمر سوءاً، إن كان هناك أولاد، فتُحرَم منهم يوم طلاقها أو تُهدَّد بحرمانهم عند أول هفوة، نزوة أو ربما ارتباط شرعي، إن كان الزوج على قدرٍ كبير من الرحمة، فأبقاهم إلى حين بلوغ السن القانوني لحضانته..
لن أدخل هنا في ماهية الطلاق، الذي بات يصوَّر أنه مشكلة، بينما هو حل لمشكلة.. ولن أخوض في حكم الطلاق، ولو أنه أصبح معروفاً أنه "حرامٌ عرفاً"!! والويل للمرأة التي تخلع أو تطلب الطلاق فستُرمى بأبشع الأوصاف أقلّها التجريد من الإيمان والصبر! ولو عدنا إلى خير القرون لرأينا أن المطلقة يتهافت عليها الرجال أكثر، ولكن المواريث الاجتماعية العُرفية جعلت النظرة إلى المطلقة نظرة دونية!.. ولن أتكلم عن أسباب الطلاق، ومن كان السبب في خراب بيتٍ وتقريب إبليس لجنوده الذين سعوا للطلاق سعيه، فأنا أومن أنه مهما بلغت درجة الخطأ عند طرف، فإن الطرف الآخر يشاركه المسؤولية، خاصة من جهة عدم الاحتواء والمعالجة.. ولن أتكلم أيضاً هنا عمّا تعانيه المرأة من النظرة القاسية لها لكونها مطلّقة في مجتمع أصابه التخلف والبُعد عن الدين، والذي سقط في جب المصالح والأهواء والأعراف والتقاليد.. ولن أخوض في مشاعر المرأة التي – في أغلب الأحيان ومهما بلغت من القوّة – تهتز لما يصبّ في مسمعها من كلام الناس عن سبب الطلاق وافتراءات ما أنزل الله بها من سلطان، خاصة إن صدرت من أناس توسّمت فيهم الخير يوماً أو المفترض بهم أنهم ملتزمون، ولا يخوضون في الأعراض وخصوصيات البشر؛ لأنه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فضلاً عن خوضهم في الكذب وإصدار الاتهامات والتبريرات لأيّ من الطرفين على حساب الآخر.. وقضية الطلاق من دون شك محنة للزوجين وأهلهم والمحيطين بهم، هل يلتزمون بأحكام الإسلام عند هذا المصاب أم يخوضون مع الخائضين فتفترق قلوب وتقع خصومات، بعد أن تمّ التفريق بين الزوجين، ولعل ما يحصل بعد الطلاق من عرض لتفاصيل الحياة الزوجية والتباهي عند أصحاب الفضول، أنهم يعرفون الأسرار وليتها تكون صحيحة، وما يدور حول "الأراكيل" في الجلسات وإثارة التهم أخطر بكثير من نتائج الطلاق نفسه على العائلتين..
ما أريد تناوله في صفحتي هذه، هي الحالة النفسية للمطلّقة وشعورها أن العالم قد انتهى وذاب في طيّات الطلاق، وانتهى كل شيءٍ جميل ترقّبته في بداية حياتها مع طليقها يوماً حين زيّنت الحياة بورود حسبت أنها لن تذبل أبداً!.. وهي رسالة أتوجّه فيها إلى التي جزمت أنه لن يكون هناك نور في أفق الحياة بعد الطلاق، وأنها ستبقى في نفق مظلمٍ حتى يأتيها الموت وتندثر حين تفترش التراب..
أختي الحبيبة المطلّقة.. بداية اعلمي أنها ليست نهاية العالم، بل ربما تكون محنة تتبعها منحة ربانيّة، إن أنت أحسنتِ قراءة مفردات الحياة.. ودعيني أتناول رسالتي هذه في نقاط، حتى تتضِح الرؤيا ويسهل عليك قراءة النبضات..
• الله جلّ وعلا خلقنا للعبادة والاستخلاف في الأرض.. وجعل للإيمان ممحِّصا وهو الابتلاء، وقال عز من قائل "أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتَنون".. وكلما كان الابتلاء أعظم كان الصبر مأجوراً عليه أكثر، وأشدّكم بلاء الأنبياء فالأمثل والأمثل.. وحمداً لله جل وعلا، أن لم يجعل محنتك في دينك فكل بلاء في غير الدين نعمة.. فلو تفكّرتِ بأن هذا البلاء هو من محبة الله تعالى لكِ، وأن أمركِ كله خير إن صبرتِ وشكرتِ هانت عليك الأمور كلها وعواقبها!
• الشكوى لغير الله مذلّة ولا أروَع من تعفير الجبين في السَحَر حين يفيض كأس الحياة بالهَمّ، وبذلك يكون القرب من الله جل وعلا في هذه المحنة، "إنما أشكو بثي وحزني إلى الله".. فخذي الأمر بنظرة ايجابية.. وليكن لك في حبيبك محمد -صلى الله عليه وسلّم – أسوةٌ حسنة.. أتذكرين عام الحزن حين ابتلى الرحمن -جل وعلا- الحبيب – صلى الله عليه وسلم – بوفاة أمّنا خديجة – رضي الله عنها – التي آزرته، ووفاة عمّه الذي سانده، وهما أقرب الناس إليه ولعل الله جلّ وعلا اختارهما إلى جواره، في ذلك الوقت ليكون متنفس الحبيب يومها ذكر الله وحده، فالتمسي من هذه المعاني معيناً لصبرك وقوةً لالتجائك إلى الله جل وعلا..
• محنة طلاقك قد تكون فاتحة خير لكِ في الولوج بمشاريع خير عديدة، فلا تقعدي نفسك على نفسك حسرات، وإنما انطلقي في ميادين تعود عليك بالنفع والأجر وعاودي الاندماج في مجتمعك بما يفيد، وأهّلي نفسك بمهارات تفيدين فيها نفسك ومجتمعك، ولا خير في الركون إلى الألم والوهن واليأس المحبط "ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".. واعلمي أختي أن المرأة المطلّقة هي – عادة – الأكثر نشاطاً والأكثر قدرةً على الحركة وبتخطيط ذكي لن يكون هذا على حساب الأولاد.. ومن هذه المشاريع التي يمكنك الدخول فيها: – المشاركة في جمعيّات أهليّة ونسائيّة للعمل الاجتماعي – تعلّم مهارات تنفع الأمّة كدراسة الكمبيوتر والحياكة وغيرها – متابعة الدراسة الأكاديمية – حفظ القرآن وتعلّم التجويد في دور الإقراء – تعلّم العلم الشرعي في المعاهد المتخصّصة – تعلّم الإنترنت والمساهمة في نُصرة قضايا الإسلام عن طريقها – حضور الندوات واللقاءات الفكريّة – إلخ.. وتذكري قول الله – جل وعلا- "وإن يتفرقا يُغنِ الله كلاّ من سعته وكان الله واسعا حكيما".. ومن يدري لعلّك حين تتعدّين الأزمة تساعدين بدوركِ الخارجات من أزمة الطلاق بإرشادهنّ وإعادة ترميمهنّ ونصحهنّ بالطريقة الأمثل لخروجهنّ هنّ أيضاً من هذه الأزمة وأجركِ على الرحمن في عونِ أخواتٍ لك خرقهنّ سهم الطلاق واعتقدنَ أنها النهاية..
• الحياة ليست دائماً حلوة نضرة.. ولكن كل محنة نمر بها يجب أن نجعلها مفتاحاً لأملٍ جديد، وننتظر كل الخير من رب السماوات والأرض.. ولا تجعلي لقلبك سوراً تُحكميه وتمنعي أي خاطب من الدخول.. فليس كل الرجال سواء ولعل الله – جلّ وعلا – يرزقك بمن يرفع قدرك في نفسه، ويُحسن إليك ويُنسيك مرّ الأيام التي كوتكِ بلهيبها.. لا تتكبّري على ما رزقكِ الله – جل وعلا – من فطرةٍ وغريزةٍ فطرها فيك وتحاربي مشاعر طبيعيّة عند كل أنثى بدعوى الخوف من القادم.. بل افتحي قلبكِ ولكن فكري جيداً بهدوء وموضوعية، بهذا الوافد الجديد واستخيري واستشيري قبل القبول، حتى لا تُعيدي مأساةٍ يمكن تفاديها من جديد.. ولإشباع حاجتك العاطفية في غياب الرجل في حياتك عليكِ بالمشاريع الخيرية والتعبّدية التي تكلمت عنها في النقطة السابقة..
• إن لم يقدّر الله – جل وعلا – لك الارتباط من جديد فاحمديه على كل حال، فلربما حياتك هكذا هي الفضلى لك، فالله يفعل ما يشاء ويختار، وفيما اختاره الخير، ولكن قصور الإدراك والمعرفة بالمستقبل عندنا تجعلنا نستعجل أموراً مؤخّرة، أو نرغب أُخرى محجوبة.. واعلمي أن حالك لربما أفضل من حال الكثيرات، اللواتي يرزحن تحت نير الاضطهاد الذكوري، (وليس الرجولي) ممّن لا يعرف من الإسلام إلا العبادات، أما المعاملات فلا يدرك من مكنونها شيئاً، ولو علمها ما طبّقها. ويتغنّى بالقوامة التي باتت شمّاعة الأذى والظلم! والرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه، يقول: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"!
• إنّ المهمّة المنوطة بكِ أختي الحبيبة في حال كنت تربّين أطفالك، هي المهمّة السُميا الموكَلة لنساء الأرض.. فأنت تهيّئين للأمّة جيلاً متميّزاً مسلماً يحرّر الأرض من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. فيساهم في نشر الدين والقضاء على الكفر ولعله يكون من بينهم قادة يحرِّرون القدس والعراق وسائر بلاد المسلمين ويفتحون مغاليق القلوب؛ بإذن ربّهم فيعود إليك الأجر مضاعفاً أضعافاً كثيرة لمساهمتك في تربيتهم على النَحو الذي يُرضي الله جلّ وعلا.. وتأكّدي أنه لو بقيتِ في مستنقع الألم والتحسّر على نفسك وزعزعة الثقة بها، فلن يدفع الثمن أحد أكثر من أطفالك، الذين هم بحاجة إلى أمّ قويّة ثابتة ترعى شؤونهم، وتكون لهم القدوة في كل شيء، لا سيّما في تحمّل المسؤولية والرضا.. فاقبلي التحدّي.. ثقي بنفسك وانطلقي واصنعي من الليمون الحامض عصيراً حلواً!
• ما تجدينه من ضغط نفسي شديد بسبب طلاقك، من حيث: – الرقابة الاجتماعية الظالمة أحياناً وخاصة من الأهل – خوف النساء الأُخريات على أزواجهنّ من وجودك – كونكِ المعيل الوحيد الذي يجب أن يعمل أقصى ما في وسعه لإعالة الأولاد – همسات الآخرين "هذه مطلقة" وعزوف الكثير من الرجال عن الزواج منك، حتى لو كانوا ممّن لديهم تجارب سابقة أو حالات خاصة – إلقاء اللوم عليك في فشل حياتك الزوجية لأنك فقط "امرأة".. كل هذا تجدينه في حياتك بعد الطلاق ولكن عليك بالصبر والاحتساب وحسن التوكل على الرحمن جلّ وعلا "ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً"، واعلمي أنه "سيجعل الله بعد عسرٍ يُسراً".. ولا تركني لما سيشنّفون آذانك به من تهم تترى فإنّ الله جلّ وعلا يدافع عن الذين آمنوا.. وتسلّحي بالإيمان والقوة حتى لا تتأثّر صحتك النفسية والجسدية من هذا الضغط، وفي النهاية لن يعطيك أحد صك الغفران وكفى بالله شهيدا.. كل هذا بالإضافة إلى ضرورة أن تكوني متوازنة في تصرفاتك ولا تسيئي التحرك فتُثار هواجس النساء فيك..
• اعلمي أختي أنك لستِ الوحيدة التي عضّها ناب الطلاق، فهناك عشرات الآلاف من النساء، اللواتي تطلّقن حتى أن نسبة الطلاق في بعض المجتمعات حتى الإسلامية منها مخيفة، وقد تصل إلى 40%، فتخيّلي لو أن النساء التزمن البيوت وأغلقن النوافذ ورضخن لليأس فأي مجتمعٍ سيرقى بعدهنّ؟!! وقد رأينا نماذج برّاقة لنساء رفضن الاستسلام فبهرنَ الآخرين بما قمن به من إنجازات.. فما الذي يعيقك ويمنعك أن تكوني مثلهنّ؟!