
يسلمو على هيك طررح
مرره حلوو
تحــيتي
تسلمى على الذوق حبيبتى
يسلمو على هيك طررح
مرره حلوو
تحــيتي
تسلمى على الذوق حبيبتى
امرأة استثنائية
"عمر محمد" من الرجال الذين خططوا لحياة زوجية مختلفة، كان يحلم أن يرتبط بفتاة ناعمة ليس في شكلها، ولكن في مبادئها، تستطيع أن تتلمس القيم الإنسانية بقلبها، كان يريدها مُحبة بيضاء صادقة، وكان يأمل أن تكون امرأة استثنائية، تجدها في المواقف الصعبة كأكثر من وقفة رجل ليس فقط معه، بل كان يريدها تحمل رسالتها الإنسانية حتى مع الآخرين، كان يتمناها أن تكون رقيقة جداًّ حتى البكاء، قوية جداًّ حد الصلابة والحزم، ترفض أن يتقاطع أي شيء مع ضميرها، وتسارع لكل شيء يتماس مع إنسانيتها، كان "عمر" يرسمها امرأة حقيقية بقيمها وليست مجرد زوجة، بحثت له أمه عن فتاة أحلامه، لم يشترط أن تكون فارعة الجمال لكنه طلب أن تكون فتاة حقيقية، لم تستطع والدته أن تفهم كثيراً ما ينحته بداخله من لوحة فنية مختلفة، لكنها اجتهدت بحسها الأمومي أن تبحث له عن زوجة العمر، فاختارت له زوجة جميلة ومن أسره كريمة!.
أروى: خلل في الشخصية – عمر: مغرورة مع الآخرين – أم عبدالرحمن: يغتاب أصحابه
سليطة اللسان
يقول "عمر": منذ بداية الأشهر الأولى وأنا أتلمس من زوجتي إساءة لكل التفاصيل التي حولنا، قد لا يتوقف عندها رجل آخر، لكنها كانت تعني لي الكثير، مضيفاً: "ذات مرة خرجت مع زوجتي إلى الحديقة فأقترب منا طفل ومد يده إليها يطلب منها أن تشتري علبة المناديل التي كانت بحوزته، والتي كان يبيعها على المارة، فنظرت له باستحقار ونهرته بوصفه بالشحاذ والمتسول، وحينما حاولت أن أتناقش معها عن سوء إنسانيتها مع ذلك الطفل، علقت بأنه يتسول بحجة البيع"، مشيراً إلى أنه من الصعب أن يفهم زوجته بأن ما فعلته شيء كبير، قد يدفع ذلك الطفل إلى أن يترك العمل كبائع ويتحول إلى مدمن مخدرات أو سارق، موضحاً أن حياته الزوجية لم تستمر كثيراً مع زوجته، فقد عاش معها سنة وجد من خلالها بأن ذلك النموذج من الزوجات أجهض بداخله نموذج المرأة الإنسانية، فقد كانت سليطة اللسان مع أقاربه، سيئة مع والدته، مغرورة مع الجيران، كثيرة الكذب والاحتيال حتى قرر طلاقها.
اختلاف قيمي
ولا تختلف تجربة " أم عبد الرحمن " كثيراً عن "عمر"، فقد تزوجت برجل لا يمت للقيم الإنسانية بصلة -بحسب تعبيرها-، فعلى الرغم من كون زوجها متعلماً وملماً بكل جوانب المعرفة على اختلاف تنوعها، وبالرغم من كونه شخصية معروفة، ويترأس منصباً في عمله، إلا أنه لم يستطع أن يكون إنساناً حقيقياً في حياته، موضحةً أنها لاحظت الاختلاف القيمي والسلوكي منذ بداية زواجهما، فهي تتعامل مع أسرته برقي ومحبة، في حين لا يُحسن التعامل الجيد مع أسرتها، فقد كان ينتقد أخاها في أي مجلس، وربما علق على تصرف والدها بشكل غير لائق، متحدثةً عن الخلافات الدائمة التي كثيراً ما حدثت بينهما بسبب الاختلاف في النظرة للأمور من منظور إنساني، قائلةً: حينما يتحدث مع صديقه عبر الهاتف يدخل في أحاديث مليئة بالكذب والتلفيق والإساءة لأصدقاء آخرين، وحينما يقفل السماعة من ذلك الصديق يتصل بمن تحدث عنهم، ليبدأ بسرد "حكاية الغيبة" عن الصديق الأول، مبينةً أنها حين تحاول أن تتحاور معه عن إشكالية الخداع التي يتصف بها، ينهرها ويطلق عليها الصفات السيئة بأنها الجاهلة والغبية، وربما سخر منها بوصفها صاحبة القيم!.
شعور عميق
وأشارت إلى أنها تعرضت لبعض الأزمات النفسية التي كثيراً ما شعرت بها بسبب إخفاقها بتغيير ذلك الزوج الذي لا يتعامل من منطلق القيم الإنسانية التي تحب أن تتعامل معها، مضيفةً أنه من الأمور الصعبة أن يرتبط المرء بشريك في الحياة لا قيم ولا إنسانية في تعاملاته، لافتةً إلى أن الإنسانية ليست فقط سلوك وإنما أيضاً شعور بالداخل يتعمق من خلال نظرتنا للأشياء ومدى ارتباطها بالقيمة التي اكتسبناها من خلال تجربتنا الحياتية.
شرخ كبير
وتتفق معها "أنوار الشويرد" والتي ترى أن القيم الإنسانية حينما تختفي من إنسان فإنها تسلبه القيم النبيلة، والتي لا يمكن أن يتصف بها إلا من دفع في الحياة ثمناً باهظاً في التعلم والتجارب، مشيرةً إلى أن العودة إلى الله والتمسك بكل مبادئ الإسلام هي من تعطي السر في التمسك بالقيم الإنسانية، مؤكدةً على أن اختلاف القيم من أخطر الأمور التي إن وجدت بين زوجين، فإنها تتسبب في "شلخ" كبير، ليس فقط على مستوى الزواج، بل ينعكس ذلك على تربية الأبناء، مبينةً أن الزوجة الخالية من القيم لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تربي أبناء صالحين، وذلك ما لوحظ على جميع النساء اللاتي لا قيم لديهن، بأن أبناءهم ظهروا بشكل سيئ ، ليس فقط مع المجتمع بل كذلك في تعاطيهم مع الأب ذاته والأم وكذلك الأسرة.
حملة وطنية
وأكدت المدربة "أروى الغيلاني" -المستشارة التربوية- على أن المنهج القرآني والسنة النبوية دائماً هو الحل، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ينظر الزوج لزوجته لتحدث الألفة، وهي القبول المبدئي، فإن حصلت لابد أن تنتقل تلك المرحلة الأولى إلى مرحلة التعارف الحقيقي، داعيةً إلى ضرورة تزود الزوجين بالثقافة، والتي لابد أن تكون عن طريق الدورات والمحاضرات، موضحةً أن الثقافة الزوجية لابد أن تكون بشكل جاد وحقيقي، مشددةً على ضرورة أن يكون هناك حملة وطنية تتخذ من شعار: "ممنوع التزويج إلا بالحصول على رخصة قيادة الأسرة والمهارات الزوجية"، ذاكرةً أن الزواج قد يحدث بين الشاب وابنة خالته أو عمه، وذلك يعني بأنهما من نفس البيئة، فيحدث الطلاق بعد شهر أو أثنين، فالعبرة هنا ليس في أن أعرف الآخر، ولكن العبرة في كيف أعرفه؟، وما الذي يجب أن أعرفه فيه؟، فالفتاة قد تعرف في الشاب طوله وشكله وفزعته ونخوته، ولكنها لا تعرف كيف سيكون حينما يكون معها في بيت واحد وذلك هو المحك.
تحمل المسؤولية
وأوضحت أن على من يقدم الدورات التوعية في الزواج، لابد أن يكون متمتعاً بصفات الاحتراف والتخصص فيها، فهناك بعض المدربين يتحدثون في كل شيء في التربية والطلاق والمرأة والأسرة، وذلك غير مجدٍ، فلابد من التخصص، متحدثةً عن تجربتها في التماشي مع الإيقاع السريع للجيل الحالي، والذي يصعب على المرء الخوض بداخله وتعليمه القيم، فالفتاة في السابق كان من الممكن تعويدها على الصبر والاحتمال لمساوئ الزوج، واليوم لا ترضى أبداً أن تسكت عن المساوئ، فمفهوم الطاعة غائب، مبينةً أنه لابد أن يُعلم الوالدان الأبناء على تحمل المسؤولية والأبوة والأموة ومفهوم الزواج والتعامل مع الآخرين برقي وخلق، وذلك لن يتم إلا بطرح المواقف والمشاكل.
طلاق نفسي
وذكرت تجربتها في محاولتها الدائمة لتوسعة دائرة الحوار مع ابنتها، فحينما تحدث الخلافات في الأسرة تلجأ إلى ابنتها لتسألها عن رأيها في المشكلة والحل، فتجد بأن رأيها يختلف كثيراً عن رأي الأجيال السابقة، مشددةً على ضرورة تعزيز القيم بشكل دائم لدى الأبناء في جميع المواقف الحياتية، موضحةً أن التناقض في السلوك مع الآخرين سواء صدر من الزوج أو الزوجة، لا ينموا من خلل في القيم الإنسانية، بل أنه يعكس خلل في الشخصية، فقد يحدث أن يكون تعامل الزوجة مع زوجها جيد، لكنها تتعامل مع الخادمات مثلا بطريقة لا إنسانية، وهذا يدل على النظرة المترسبة في الأعماق لدى الزوجة، والتي تنظر للخادمات ب"الدونية"، مستبعدةً أن يحدث الطلاق بين الكثيرين من الأزواج بسبب الاختلاف القيمي بين الزوجين، فالطلاق النفسي قد يحدث، فيعيش كلا الزوجين في بيت واحد دون أن يكون بينهما أي اتصال، ولكن استمرار الحياة الزوجية هنا تكون بسبب الأبناء، وربما يتسبب الطلاق العاطفي إلى الطلاق الحقيقي، مبينةً أن الحوار هو من بيده وقف عجلة ذلك الاختلاف والإطلاع والثقافة.
أما (المخفقون) فيسمحون لعاداتهم القديمة، ولأناس آخرين، وللظروف المحيطة بهم أن تملي عليهم أهدافهم، أو تؤثر في أولوياتهم، إنهم يتبنون القيم والأهداف السائدة
في مجتمعهم، وتقاليدهم، وثقافتهم، دون فحصها للتأكد من صحتها، أو مناسبتها لهم، ويشرعون في تسلق (سلم النجاح) الذي يتخيلونه، فإذا وصلوا إلى آخر درجة فيه
اكتشفوا أنه مستند على غير الجدار المطلوب!
إن (التصور الثاني)، أي: الوجود الفعلي المادي، يتبع (التصور الأول)، أي: الوجود الذهني، كما يتبع إنشاءُ مبنى على الأرض وجود (مخطط) البناء. فإذا كان المخطط
صحيحًا، وممتازًا، وتم التنفيذ بالشكل المطلوب كان البناء ممتازًا
انت لي: الحلقة الثانية
في كل ليلة أقرأ قصة قصيرة لصغيرتي رغد قبل النوم . و هذه هي آخر ليلة تباتها رغد في غرفتي بعد ثلاث سنوات من قدومها للمنزل .
ثلاث سنوات من الرعاية و الدلال و المحبة أوليتها جميعا لصغيرتي ، كأي أم أو أب !
إنها الآن في السادسة و قد ألحقناها بالمدرسة هذا العام و كانت في غاية السعادة !
في كل يوم عندما تعود تخبرني بعشرات الأشياء التي شاهدتها أو تعلمتها في المدرسة . و في كل يوم بعد تناولها الغذاء أتولى أنا تعليمها دروسها البسيطة
و قد كانت تلميذة نجيبة !
بعد الانتهاء من الدروس تأخذ صغيرتي دفتر التلوين الخاص بها و علبة الألوان ، و تجلس على سريرها و تبدأ بالتلوين بهدوء
تقريبا بهدوء !
" وليد لوّن معي ! "
لقد كنت شارذا و أنا أتأملها و أتخيل أنني و منذ الغد لن أجد سريرها في تلك الزاوية و أستمع إلى ( هذيانها ) و تحدثها إلى نفسها قبل النوم !
" و ليــــــــــــــــد لوّن معي ! "
هذه المرة انتبهت إلى صوتها الحاد ، نظرت إليها و ابتسمت ! لقد كنت ُ كثيرا ما ألوّن معها في هذا الدفتر أو غيره ! و هي تحلق سعادة حينما تراقبني و أنا ألون !
أطفال … فقط أطفال !
" حسنا "
قلت ذلك و هممت بالنهوض من على سريري و التوجه إليها ، و لكنها و بسرعة قفزت هي و دفترها و علبة ألوانها و هبطت فوق سريري في ثانيتين !
بدأت كالعادة تختار لي الصفحة التي تريد مني تلوينها و قد كانت رسمة لفتاة صغيرة تحمل حقيبة المدرسة !
" صغيرتي … لم لا تلونين هذه ؟ فهي تشبهك ! "
قلت لها ذلك ، فابتسمت و أخذت تقلب دفترها بحثا عن شيء ما ، ثم قالت :
" لا يوجد ولد يشبهك ! سأرسمك ! "
و أمسكت بالقلم و أخذت ( ترسمني ) في إحدى الصفحات … و كم كانت الرسمة مضحكة ، و لاحظت أنها رسمت خطا طويلا أسفل الأنف !
" ما هذا ؟؟ "
" شارب ! "
" ماذا !؟ و لكن أنا لا شارب لدي ! "
" عندما تكبر مثل أبي سيكون لديك شارب طويل هكذا لأنك طويل ! "
ضحكت ُ كثيرا كما ضحكت هي الأخرى !
إن طولي قد أزداد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ، و يبدو أنني سأصبح أطول من والدي !
قمنا بعد ذلك بتلوين الصورتين ( رغد الصغيرة ، و وليد ذي الشارب الطويل ) !
من كان منا يتوقع … أن هاتين الصورتين ستعيشان معنا … كل ذلك العمر …؟؟؟
عندما حل الظلام ، قمت بنقل سرير رغد و أشيائها الأخرى إلى غرفتها الجديدة . و كانت صغيرة و مجاورة لغرفتي .
الصغيرة كانت مسرورة للغاية ، فقد أصبح لها غرفتها الخاصة مثل دانة و لم يعد بمقدور دانة أن ( تعيّرها ) كما كانت تفعل دائما .
العلاقة بين هاتين الفتاتين كانت سيئة !
بالنسبة لي ، كنت ُ حزينا بهذا الحدث … فأنا أرغب في أن تبقى الصغيرة معي و تحت رعايتي أكثر من ذلك … إنها تعني لي الكثير …
انتهينا أنا و أمي من ترتيب الأشياء في الغرفة ، و رغد تساعدنا . قالت أمي بعد ذلك :
" و الآن يا رغد … هاقد أصبح لديك غرفة خاصة ! اعتني بها جيدا ! "
" حسنا ماما "
و جاء صوت دانة من مكان ما قائلة :
" لكن غرفتي هي الأجمل . هذه صغيرة و وحيدة مثلك "
جميعنا استدرنا نحو دانة ، و بعين الغضب . فهي لا تترك فرصة لمضايقة رغد إلا و استغلتها .
" لكنني لست ُ وحيدة ، و لن أشعر بالخوف لأن وليد قريب مني "
" لكن وليد ليس أمك و لا أباك و لا أخاك ! إذن أنت وحيدة "
هذه المرة والدتي زجرت دانة بعنف و أمرتها بالانصراف . لقد كانت لدي رغبة في صفع هذه الفتاة الخبيثة لكنني لم أشأ أن أزيد الأمر تعقيدا .
إنني أدرك أن الأمور تزداد سوءا بين دانة و رغد ، و لا أدري إن كان الوضع سيتغير حالما تكبران …
اعتقدت أن الأمر قد انتهى في وقته ، إلا أنه لم ينته …
بينما كنت غاطا في نومي ، سمعت صوتا أيقظني من النوم بفزع …
عندما فتحت عيني رأيت خيال شخص ما يقف إلى جانبي … كان الظلام شديدا و كنت ُ بين النوم و الصحوة … استيقظت فجأة و استطاعت طبلة أذني التقاط الصوت و تمييزه …
كانت رغد !
نهضت ، و أنرت ُ المصباح المجاور ، و من خلال إنارته الخفيفة لمحت ُ ومض دموع تسيل على خد الصغيرة …
مددت ُ يدي و تحسست وجهها الصغير فبللتني الدموع …
" رغد ! ما بك عزيزتي ؟ "
قفزت رغد إلى حضني و أطلقت صرخات بكاء قوية و حزينة … إنني لم أر َ دموع غاليتي هذه منذ أمد بعيد … فكيف لي برؤيتها بهذه الحال ؟؟
" رغد … أخبريني ماذا حدث ؟ هل رأيت حلما مزعجا ؟؟ "
اندفعت و هي تقول كلماتها هذه بشكل مبعثر و مضطرب … و بمرارة و حزن عميقين :
" لماذا ليس لدي أم ؟
لماذا مات أبي ؟
هل الله لا يحبني لذلك لم يعطني أما و لا أبا ؟
هل صحيح أن هذا ليس بيتي ؟
أين بيتي إذن فأنا أريد أن يصبح لدي غرفة كبيرة و جميلة مثل غرفة دانة "
طوقت الصغيرة بذراعي و جعلت أمسح رأسها و دموعها و أهدئ من حالتها
لم أكن أتخيل أن مثل هذه التساؤلات تدور في رأس طفلة صغيرة في السادسة من العمر …
بل إنها لم تذكر لي شيئا كهذا من قبل رغم ثرثرتها التي لا تكاد تنتهي حين تبدأ …
" صغيرتي رغد ! ما هذا الكلام ! من قال لك ذلك ؟ "
" دانة دائما تقول هذا … هي لا تحبني … لا أحد يحبني "
شعرت بالغيظ من أختي الشقية ، في الغد سوف أوبخها بعنف . قلت محاولا تهدئة الصغيرة المهمومة :
" رغد يا حلوتي … دعك ِ من دانة فهي لا تعرف ما تقول ، سوف أوقفها عند حدها . أبي و أمي هما أبوك و أمك "
قاطعتني :
" غير صحيح ! لا أم و لا أب لدي و لا أحد يحبني "
" ماذا عني أنا وليد ؟ ألا أحبك ؟ اعتبريني أمك و أباك و كل شيء "
توقفت رغد عن البكاء و نظرت إلي قليلا ثم قالت :
" و لكن ليس لديك شارب ! "
ضحكت ! فأفكار هذه الصغيرة غاية في البساطة و العفوية ! أما هي فقد ابتسمت و مسحت دموعها …
قلت :
" حين أكبر قليلا بعد فسيصبح لدي شاربان طويلان كما رسمت ِ ! أ نسيت !؟ "
سمت أكثر و قالت :
" و هل ستشتري لي بيتا كبيرا فيه غرفة كبيرة و جميلة تخصني ؟ "
ضحكت مجددا … و قلت :
" نعم بالتأكيد ! و تصبحين أنت سيدة المنزل ! "
الصغيرة ابتسمت برضا و عانقتني بسرور :
" أنا أحبك كثيرا يا وليد ! و حين أكبر سآخذك معي إلى بيتي الجديد ! "
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
اللعب هو هواية الأطفال المفضلة على الإطلاق ، و لأنني ( وليد الكبير ) و لأن دانة هي ( الطرف المعادي ) فإن رغد لم تجد من تلعب معه في بيتنا هذا غير سامر !
كثيرا ما كانا يقضيان الساعات الطوال باللهو معا ، ربما كان هذا متنفسا جيدا للصغيرة .
عندما كانت رغد تسكن غرفتي ، كانت كلما بقيت ُ في الغرفة لسبب أو لآخر،أتت هي الأخرى و عكفت على دفتر تلوينها بسكون …
كنت ُ أستذكر دروسي و ألقي عليها نظرة من حين لآخر … و كان ذلك يسعدني …
بعد أن استقلت في غرفتها ، لم أعد أراها معي …
كانت كثيرا ما تقضي الوقت الآن مع سامر في اللعب !
في أحد الأيام ، عدت ُ من المدرسة ، و حين دخلت ُ البيت وجدت ُ الصغيرة تشاهد التلفاز …
" رغد ! لقد عدت ! "
و فتحت ذراعي ، فهي معتادة أن تأتي لحضني كلما عدت من المدرسة ، كأنها تعبر عن شوقها و افتقادها لي …
ابتسمت الصغيرة ثم قفزت قاصدة الحضور إلي ، و في نفس اللحظة دخل شقيقي سامر إلى نفس الغرفة و هو يقول :
" أصلحته يا رغد ! هيا بنا "
و بشكل فاجأني و لم أتوقعه ، استدارت ْ إلى سامر و ركضت نحوه ، و غادرا الغرفة سويا …
ذراعاي كانتا لا تزالان معلقتين في الهواء … بانتظار الصغيرة …
نظرت من حولي أتأكد من أن أحدا لم ير َ هذا … قد يكون موقفا عاديا لكنني شعرت ُ بغيط و خيبة لحظتها … ما الذي يشغل رغد عني ؟؟
لحقت بالاثنين ، فرأيتهما يركبان دراجة سامر التي يبدو أن خللا كان قد أصابها مؤخرا و أصلحه سامر قبل قليل …
كانت رغد في غاية السرور و هي تجلس على مقعد خلفي ، و سامر ينطلق بدراجته الهوائية مسرعا …
ذهبت إلى غرفتي و استلقيت على سريري و أخذت أفكر …
مؤخرا ، ظهرت أمور ٌ عدة تشغل الصغيرة … كالمدرسة و الواجبات المدرسية و صديقاتها الجدد … و دفاتر تلوينها الكثيرة … و اللعب مع سامر !
طردت الأفكار التي استتفهتها فورا من رأسي و انصرفت إلى أمور أخرى …
إنها السنة الأخيرة لي في المدرسة الإعدادية و والدتي تعمدت إبعاد رغد عني قدر الإمكان لأتفرغ لدراستي .
رغد … رغد … رغد !
لماذا لا أستطيع طردها الآن من رأسي ؟؟ إنها طفلة مزعجة لا تحب غير اللعب و العناية بها كانت مسؤولة كبيرة و مضجرة ألقيت على عاتقي و ها أنا حر أخيرا !
في الواقع ، ظل التفكير بهذه الصغيرة يشغلني طوال ذلك اليوم … لم أستطع التركيز في الدراسة ، و قبيل غروب الشمس قررت القيام بجولة في الشارع على الأقدام ، علني أطرد رغد من دماغي …
الجو كان لطيفا و نسماته عليلة و قد استمتعت بنزهتي الصغيرة …
التقيت في طريقي بشخص أبغضه كثيرا ! إنه عمّار …
عمار هذا هو الابن الوحيد لأحد الأثرياء ، و هو زميلي في المدرسة ، ولد بغيض مستهتر سيئ الخلق ، معروف و مشهور بين الجميع بانحرافه و فساده … و كان آخر شيء أتمنى أن ألتقي به و أنا في مزاجي العكر هذا اليوم !
" وليد ؟ تتسكع في الشوارع عوضا عن الدراسة !؟ لسوف أفضحك غدا في المدرسة "
قال لي هذا و أطلق ضحكة قوية و بغيضة ، أوليته ظهري و ابتعدت متجاهلا إياه
قال :
" انتظر ! لم لا تأت ِ معي نلهو قليلا ؟ و أعدك بأن تنجح رغم أنف الجميع ! مثلي "
استدرت إلى عمّار و قلت بغضب :
" حلّ عني أيها البغيض ! لا يشرفني التحدث إلى شخص مثلك ! أيها المنحرف الفاسد "
لا أدري ما الذي دفعني لقول ذلك ، فأنا لم أعتد توجيه مثل هذا الكلام لأي كان …
و لكني كنت مستاءا …
عمار شعر بغيظ ، و سدد نحوي لكمة قوية موجعة و تعاركنا !
منذ ذلك اليوم ، و أنا و هو في خصام مستمر ، هو لا يفتأ يستفزني كلما وجد الفرصة السانحة لذلك ، و أنا أتجاهله حينا و أتعارك معه حينا آخر …
و الأمر بيننا انتهى أسوا نهاية … كما سترون …
في طريق عودتي للبيت ، مررت بإحدى المكتبات ، و وجدت نفسي أدخلها و أفتش بين دفاتر تلوين الأطفال ، و أشتري مجموعة جديدة … من أجل رغد
إنني سأعترف ، بأنني فشلت في إزاحتها بعيدا عن تفكيري ذلك اليوم … لقد كانت المرة الأولى التي تترك فيها ذراعي ّ معلقين في الهواء … و تذهب بعيدا
حين وصلت إلى البيت ، كانت رغد في حديقة المنزل ، مع سامر و دانة ، كانوا يراقبون العصفورين الحبيسين في القفص ، و اللذين أحضرهما والدي قبل أيام …
كانت ضحكاتها تملأ الأجواء …
كم هي رائعة هذه الطفلة حين تضحك !
و كم هي مزعجة حين تبكي !
اعتقدت أنني لن أثير انتباهها فيما هي سعيدة مع شقيقي ّ و العصفورين … هممت بالدخول إلى داخل المنزل و سرت نحو الباب … و أنا ممسك بالكيس الصغير الذي يحوي دفاتر التلوين …
" وليــــــــــــــد " !
وصلني صوتها الحاد فاستدرت للخلف ، فإذا بها قادمة تركض نحوي فاتحة ذراعيها و مطلقة ضحكة كبيرة …
فتحت ذراعي و استقبلتها في حضني و حملتها بفرح و درت بها حول نفسي بضع دورات …
" صغيرتي … جلبت ُ لك ِ شيئا تحبينه ! "
نظرت إلى الكيس ثم انتزعته من يدي ، و تفقدت ما بداخله
أطلقت هتاف الفرح و طوّقت عنقي بقوة كادت تخنقني !
بعدها قالت :
" لوّن معي ! "
ابتسمت ُ برضا بل بسعادة و قلت :
" أمرك سيدتي ! "
اعتقد … بل أنا موقن جدا … بأنني أصبحت مهووسا بهذه الطفلة بشكل لم أكن لأتصوره أو أعمل له حسابا …
و سأجن … بالتأكيد … فيما لو حدث لها مكروه ٌ … لا قدّر الله ….
اراكم في الحلقة الثالثة
ما هو سن اليأس؟
سن اليأس هو السن الذي تتوقف فيه الدورة الشهرية في حياة المرأة، ويحدث هذا التغير نتيجة توقف المبيضان عن إنتاج الهرمونات الأنثوية (الاستروجين والبروجسترون) مع تقدم المرأة بالعمر، وبذلك لاتستطيع المرأة الإنجاب، ولعل تسمية هذه المرحلة العمرية بسن اليأس كون المرأة تكون خلالها يائسة من الانجاب، لكنها ماتزال قادرة على الإستمتاع بحياتها الجنسية أو الإجتماعية.
سن الأمل
تقول أستاذ العلوم الطبية الدكتورة رندا مصطفى، أن كل امرأة تمر برحلة لا يمكن الفرار منها فهي الطفلة ثم الشابة ثم الأم ثم المسنة، ولهذا يجب أن نعرف كيف نتعامل مع مراحل الحياة المختلفة، فبالنسبة لسن اليأس عندما تتضطرب هرمونات الجسد ويتوقف الجسد عن انتاج هرمونات الاستروجين والبروجسترون، ولذلك يجب على كل امرأة تعويض هذه الهرمونات عن طريق التغذية وليس عن طريق الأدوية والعقاقير حيث أثبتت الدراسات العلمية أن العلاج البديل للهرمونات يزيد خطر التعرض لسرطان الثدي والأمراض القلبية الوعائية، واستنتجت دراسة أخرى غياب هذه المخاطر كلها في حال تناول الاستروجين والبروجسترون لمدة خمس سنوات فقط، مؤكدة أنه توجد بعض الخيارات البديلة لتعويض هذه الهرمونات، والتي تستحق تجريبها فول الصويا أحدها، مؤكدة أن سن اليـأس ليس بداية التقدم في العمر، بل هو ببساطة، مرحلة تطورية، ستجدين أنك قادرة على التعامل معها تماماً، فلا تدعي نفسك تضلي الطريق بأية معلومات متشائمة تسمعينها، وإن كنتِ تجدين صعوبة في إيجاد المساعدة في البداية، لا تفقدي الأمل، بإمكانك أن تجديها إن بحثتي بشكل جيد، ودعينا نطلق على هذه السن سن الأمل.
كيف تتصدين للإصابة بالاكتئاب في سن اليأس؟
هناك بعض النصائح التي أثبتت فاعليتها في التصدي لنوبات القلق والاكتئاب المصاحبة لهذه المرحلة:
• أول شيء ينبغي عمله هو أن تحدد المرأة السبب وراء إحساسها بالاكتئاب وتعمل على تصحيحه.
• ممارسة الرياضه الخفيفة واليومية للمحافظة على الصحة والنشاط.
• الإكثار من الخضار والفواكه للمحافظة على الفيتامينات والمعادن المفيدة
• الإقلال من المواد الدهنية والأملاح.
• الإكثار من ساعات النوم والاهتمام بالراحة الجسدية.
• إقامة الصداقات، فلاشك أن السيدة في هذه السن الناضجة يمكنها إقامة صداقات مفيدة وهامة مع سيدات أخريات في مثل سنها، تقوم من خلالها بأنشطة مختلفة تهدف إلي صالح المرأة بصفة عامة.
• الذهاب للطبيب والبداية بأخذ العلاجات المناسبة لأنها تخفف من الصداع والاكتئاب النفسي.
هو ضرب من الجنون
أم ضرب من الخيال
أن نعود إلى الحب
بعد أن قررنا تركه
وراء ظهورنا
عدنا إليه وكأننا قد ولجناه للمرة
الأولى
نسينا ما جرى لنا
نسينا كل آلآمه
ونسينا جروحه
عدت إليك كما يعود الطفل الخائف
إلى والديه
عدت إليك مشتاقا
عدت إليك عودة المدمن للمشروب
فأدمنت إسمك
وأدمنت صورة وجهك
وأدمنت كل شيء فيك
حاولت نسيانك
فوجدتك في نسياني
وأصبحت جزاءً من ذاكرتي
بل أصبحت كياني
حبي لك يمنعني حتى
من التفكير
لم استطع النوم تلك الليلة
جعلت أتقلب على فراشي و الأمور الثلاثة : الدراسة ، الحرب ، و رغد تآمرت علي و سببت لي أرقا و صداعا شديدا
أوه يا إلهي … أنا متعب … متعب !
فلتذهب الدراسة للجحيم !
ولتذهب الحرب كذلك للجحيم !
و رغد …
رغد …
فلأذهب أنا إلى رغد !
قفزت من سريري في رغبة ملحة جدا لرؤية الصغيرة …
لابد أنها غارقة في النوم الآن … كم كنت قاسيا معها ! كم أنا نادم !
سرت ببطء حتى دخلت غرفة رغد ، و تعجبت إذ رأيت الظلام مخيما عليها !
صغيرتي تخاف النوم في الظلام الشديد و تصر على إضاءة النور الخافت
اقتربت من السرير و أنا أدقق النظر بحثا عن وجه الصغيرة ، إلا أنني لم أره
أضأت ُ المصباح الخافت المجاور لسريرها ، و أصبت بالفزع حين رأيت السرير خاليا …
نهضت مذعورا … و تلفت من حولي … ثم أنرت المصباح القوي و دققت النظر في كل شيء … لم تكن رغد في الغرفة …
خرجت من الغرفة كالمجنون و ذهبت رأسا إلى غرفة دانة ، ثم سامر ، ثم جميع غرف المنزل و أنحائه و لم أبق منه مترا واحدا دون تفتيش … عدا غرفة والديّ
سرت و أنا أترنح و متشبث بأملي الأخير بأن تكون رغد هناك …
توقفت عند الباب ، و رفعت يدي استعدادا لطرقه فخانتني قواي
ماذا إن لم تكن رغد هنا ؟أين يمكن أن تكون ؟
القلق بل الفزع و الخوف على رغد تملكاني و ألقيا جانبا أي تفكير سليم من رأسي
طرقت الباب طرقات متوالية تشعر أيا كان بالذعر !
ثوان ، و إذا بأمي تقف أمامي في فزع :
" وليد ؟ خير يا بني ؟
التقطت عدة أنفاس متلاحقة ثم قلت :
" هل رغد هنا ؟ "
كنت أحدق بعين والدتي و كأنني أريد أن أخترقها إلى دماغها لأعرف الجواب قبل أن تنطق به …
قولي نعم أمي … أرجوك !
" نعم ! نامت هنا "
كأن جبلا جليديا قد وقع فوق رأسي لدى سماعي إجابتها
ارتخت عضلاتي كلها فجأة ، فترنحت و أنا أعود خطا للوراء حتى جلست على أحد المقاعد
والدتي أقبلت نحوي ، و ألقت نظرة سريعة على ساعة الحائط ، ثم عادت تنظر إلي بقلق …
" وليد ؟ ما بك عزيزي ؟ "
أغمضت عيني لثوان ، و أنا عاجز عن تحريك أي عضلة من جسمي …
ثم نظرت إليها و قلت بصعوبة :
" قلقت حين لم أجدها في غرفتها … بل كدت أموت قلقا … "
اقتربت مني والدتي ، و مسحت على رأسي و قالت :
" هوّ ن عليك يا بني …
جاءتني تبكي البارحة و تقول أنك غاضب منها و أخرجتها من غرفتك !
كانت حزينة جدا ! "
ربما تريد أمي معاتبتي لتصرفي مع رغد
أرجوك أمي يكفي فأنا قد نلت من تأنيب الضمير ما يكفي و يزيد …
ألا ترين أنني لم أنم حتى هذه الساعة بسبب ذلك …؟؟
" آسف لإزعاجك أماه ، تصبحين على خير "
رغد !
ما الذي تفعلينه بي !؟
نهضت متأخرا في الصباح التالي ، و حينما ذهبت إلى المطبخ وجدت أمي مشغولة في إعداد الطعام فيما تلعب رغد ببعض الدمى إلى جوارها
عندما رأتني رغد ، ابتسمت لها ، ألا أنها قامت و التصقت بأمي ، كأنها تطلب الحماية !
تضايقت كثيرا من هذا … هل أصبحت طفلتي الحبيبة تخاف مني ؟؟
" رغد ! تعالي إلي … "
لم تتحرك بل تشبثت بوالدتي أكثر ، الأمر الذي أشعرني بضيق شديد جدا فغادرت المطبخ فورا
ستنسى بعد قليل … إنها مجرد طفلة و الأطفال ينسون بسرعة !
بل من الأفضل ألا تنسى حتى تبقى بعيدة عني و أتخلص من أحد همومي !
في المساء ، حضرت أم حسام بطفليها حسام و نهلة لزيارتنا
أم حسام هي خالة رغد الوحيدة و التي كانت ترعاها في السابق ، بعد وفاة والديها
حسام هو ابنها الأكبر و البالغ من العمر سبع أو ثمان سنوات على ما أظن ، أما نهلة فتصغر رغد ببضعة أشهر
و يبدو أن ( أخا جديدا ) على وشك الانضمام لهذه العائلة !
رغد تحب خالتها هذه كثيرا ، و الخالة تتردد علينا من حين لآخر للاطمئنان على رغد
تحوّل بيتنا إلى ملعب أطفال … لعب ، ضحك، بكاء ، شجار ، عراك ، هتاف ، صراخ !
كانوا جميعا سعداء ، أما أنا فقد لزمت غرفتي و عكفت على الدراسة .
اختفت الأصوات تماما فيما بعد ، فاستنتجت أن الضيوف قد رحلوا .
في وقت العشاء ، كنت أول الجالسين حول المائدة فقد كنت جائعا ، و لم أكن قد تناولت أي وجبة رئيسية لهذا اليوم .
الكرسي المجاور لي هو الكرسي الذي تجلس عليه صغيرتي رغد عادة
و كنت أساعدها في تناول الطعام دائما
اجتمع أفراد أسرتي حول المائدة ، إلا أن الكرسي المجاور ظل شاغرا !
" أين رغد ؟؟ "
وجهت سؤالي إلى والدتي ، فأجابت :
" أصرت على الذهاب مع خالتها و بما أن الغد هو يوم جمعة تركتها تذهب لتبات عندهم ! "
اندهشت ، فهي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا … لطالما كانت الخالة تزورنا فلماذا تصر على الذهاب معها اليوم و اليوم فقط ؟؟
لقد فقدت شهيتي للطعام ، و لم أتناول منه إلا اليسير …
مساء الجمعة ذهبت مع أبي لإحضار رغد من بيت خالتها
دخلت أنا للمنزل فيما ظل والدي ينتظر في السيارة
لقد كان الأطفال ، رغد و نهلة و حسام ، يلعبون ببعض الألعاب في إحدى الغرف
عندما رأوني توقفوا عن اللعب ، و اخذوا يحدقون بي !
هل أبدو مرعبا ؟؟
ربما لأنني طويل و ضخم البنية نوعا ما !
ابسمت لهذه المخلوقات الصغيرة ثم قلت :
" مرحبا أعزائي ! ألم تكتفوا من اللعب ! "
لم يبتسم أي منهم أو يحرك ساكنا !
وجهت نظري إلى صغيرتي رغد ، و قلت أخاطبها :
" صغيرتي الحلوة ! حان وقت العودة إلى البيت "
" لا أريد "
كانت أول جملة تنطق بها رغد ! إنها لا تريد العودة للبيت !
" ماذا رغد ؟ يجب أن نعود الآن فغدا ستذهبين إلى المدرسة ! "
" سأبقى هنا "
" رغد ! سوف نأتي بك إلى هنا لتلعبي كل يوم إن أردت ! هيا فوالدنا ينتظر في السيارة "
لم يبد ُ أنها عازمة على النهوض .
و الآن ؟؟ ماذا أفعل مع هذه الصغيرة ؟؟
كيف يجب أن يكون التصرف السليم ؟؟
تدخلت أم حسام قائلة :
" بنيتي رغد ، غدا سيحضرك وليد إلى هنا من جديد . و كل يوم إذا أردت اللعب مع نهلة فتعالي و أحضري ألعابك أيضا "
" لا أريد "
ثم بدأت بالبكاء …
ربما تظن خالتها أننا نسيء إليها بشكل ما !
ماذا جرى لهذه الصغيرة ؟ لماذا أصبحت لا تريد الاقتراب مني ؟ أكل هذا لأنني أخرجتها من غرفتي بقسوة تلك الليلة ؟
أم حسام أخذت تمسح على رأس الصغيرة و تهدئها و تكرر
" غدا سيحضرك وليد إلى هنا عزيزتي "
قلت ، محاولا إغراءها بالحضور بأي طريقة :
" سنمر بمحل البوضا و نشتري لك النوع الذي تحبين ! "
يبدو أن الفكرة أعجبتها ، فتوقفت عن البكاء و آخذت تنظر إلي …
قالت خالتها مشجعة :
" هيا بنيتي ، و عندما تأتين غدا سنشتري لك و لنهلة و حسام المزيد من البوضا و الألعاب "
و أخذت تقربها نحوي حتى صارت أمامي مباشرة
رفعت رغد رأسها الصغير و نظرت إلي
إنها نظرة لا أستطيع نسيانها ما حييت …
كأنها تعاتبني على قسوتي معها … و تقول … خذلتني !
مددت يدي و رفعت الصغيرة عن الأرض و ضممتها إلى صدري و قبلت جبينها
كيف لي أن أعتذر ؟
إنها اليتيمة التي و لو بذلت الدنيا كلها لأجلها ، ما عوضتها عن لحظة واحدة تقضيها في حضن أمها أو أبيها …
قلت :
" ماذا تودين بعد ؟ لعبة جديدة أم دفتر تلوين جديد ؟ "
قالت :
" أريد لعبة و أريد دفترا "
قلت :
" يا لك من سيدة طماعة ! حاضر ! كما تأمرين سيدتي ! "
فابتسمت لي أخيرا …
شعرت بشيء ما يحرك بنطالي …
نظرت إلى الأسفل فإذا بها نهلة تمسك ببنطالي و تهزه ، ثم تقول :
" احملني ! "
نظرت إليها بدهشة و استغراب !
" رغد تقول أنك قوي جدا و كنت تحملها مع دانة سوية "
ربّاه !!
في تلك الليلة ، جعلت رغد تنام على سريري للمرة الأخيرة … و لونت معها كثيرا و قرأت لها أكثر من قصة ، و طبعا اشتريت لها أكثر من لعبة و أكثر من دفتر تلوين إضافة إلى البوضا !
ربما كانت هذه طريقتي في الاعتذار !
إن كنت أدلل صغيرتي كثيرا فهذا لأنني أحبها كثيرا …
و هي نائمة على سريري بسلام ، أخذت أتأملها بعطف و محبة …
كم هي رائعة !
و كم أنا متعلق بها !
كم يبدو هذا جنونا !
ذهبت إلى حيث وضعت صندوق الأماني ، فأخذته و جعلت أنظر إليه بحدة
كم تمنيت لو أن بصري يخترق الصندوق إلى ما بداخله !
ليتني أعرف … الاسم الذي تلا هذه الجملة
( عندما أكبر سوف أتزوج …. ؟ )
عندما تكبرين يا رغد …
فقط عندما تكبرين ….
فإنني …
في أحد الأيام ، قررنا تناول بعض المشويات في المنزل
في حديقة المنزل أعد والدي ما يلزم و أشعل الفحم
كان يوما جميلا ، و كنا مسرورين لهذه ( النزهة المنزلية ) التي قلما تحدث
الأطفال ، سامرـ إن كنت أعتبره طفلا ـ و دانة و رغد كانوا يتجولون هنا و هناك
سامر مهووس بدراجته الهوائية و التي لا يتوقف عن قيادتها و العناية بها في جميع أوقات فراغه ، و رغد تهوى كثيرا الركوب معه ، و قد تعلمت كيف تقودها بنفسها
كانت تقود الدراجة فيما يجلس سامر على المقعد الحفي ، و كانت تترنح ذات اليمين و ذات الشمال و تسقط بالدراجة من حين لآخر
ألا أنها كانت سقطات خفيفة غير مؤذية ، يستمتعان بها و يضحكان مرحين !
دانة كانت تساعد أمي في إعداد اللحم ، فيما والدي يهف الجمر فيزيده اشتعالا
كنت أنا أراقب الجميع في صمت و برود ظاهري ، بينما أشعر بشيء يتحرك و يشتعل في صدري مثل ذلك الجمر … لا أعرف ما يكون …؟؟
ذهب والدي لإحضار شيء ما …
و ابتعاده عن الجمر أعطاني مجالا أوسع لأراقب اشتعاله و تأججه …
و جحيمه !
إن عيني ّ كانتا تتنقلان بين رغد و سامر على الدراجة ، و بين الجمر المتقد …
ثم شردت …
فجأة … ترنحت الدراجة و هي تسير بسرعة ، تقودها رغد الصغيرة ، و قبل أن يتمكن سامر من إيقافها ارتطمت بشيء فسقطت …
كان يمكن لهذه السقطة أن تكون عادية كسابقاتها لو أن الشيء الذي ارتطمت الدراجة به لم يكن صينية الجمر المتقد ….
تعالت الأصوات و انطلق الصراخ القوي يزلزل الأجواء …
ركضنا جميعا نحو الاثنين بفزع …
والدتي تولول ، و دانة تصرخ … و رغد تصرخ … و سامر يتخبط مستنجدا … صارخا … من فرط الألم …
جمرة واحدة أصابت رغد بحرق في ذراعها الأيسر …
أما سامر …
فقد انتهى بوجه مشوه مخيف ، و جفن منكمش يجعل العين اليمنى نصف مغلقة … مدى الحياة …
لقد كان حادثا سيئا جدا … و انتهى يومنا الجميل بندبة لا تمحى …
و رغم العمليات التي خضع لها ، ألا أن وجه سامر ظل يحمل أثر الحادثة المشؤومة إلى الأبد
رغد و التي خرجت من الحادث بأثر حرق واحد في الذراع ، خرجت منه بآثار عميقة لا تمحى في الذاكرة و القلب
أما دانة ، فقد غرست في نفس رغد الاعتقاد الأكيد بأنها السبب فيما حدث لسامر لأنها من كان يقود الدراجة وقتها
رغد أصبحت مرعوبة فزعة متوترة معظم الأوقات … و أصبحت تخشى النوم بمفردها و تصر على أن أبقى إلى جانبها حتى تدخل عالم النوم ، و كثيرا ما كانت تستيقظ فزعة من النوم في أوائل الأيام … و تركض إلي …
و المرة التي كنت أعتقد أنها الأخيرة ، تلتها مرات أخرى ، نامت فيها الصغيرة في غرفتي … طالبة الأمان و الطمأنينة …
"وليد أنا خائفة … النار مؤلمة … "
"وليد لن أركب الدراجة ثانية ً … "
" وليد لا أريد أن أبقى وحدي … الجمر يلاحقني … "
" وليد … عندما أكبر سأصبح طبيبة و أعالج سامر " !
و في إحدى تلك المرات ، كتبت إحدى أمانيها و أدخلتها في ذلك الصندوق !
و هذه المرة لم تسألني عن أية كلمة …
لكنني أكاد أجزم بأنها كتبت :
( يا رب اشف سامر ) !
توالت الأيام و الشهور … و تأقلم الجميع مع ما حدث ، و سامر اعتاد رؤية وجهه المشوه في المرآة و تقبله ، و استسلم الجميع إلى أنها حادثة قضاء و قدر …
أما أنا …
فأشك في أن شيطانا قد خرج من صدري و قاد الدراجة نحو الجمر المتقد …
و احرق سامر و رغد بنار كانت في صدري …
و لم تزد النار صدري إلا اشتعالا
و لم تزد الحادثة الاثنين إلا اقترابا …
و لم تزدني الأيام إلا تعلقا و تشبثا و جنونا برغد ….
اراكم في الحلقة الخامسة
موضوع رآآئع
و عضوة أروع
لي الشرف
إني أكون متواجده بمواضيعك قلبوو
لاتحرمينا منك ومن المواضيع
الجونانية
تقبلي مروري
تستطيع أن تحب جميع الناس
ولكن لا تستطيع أن تجبرهم على أن يحبوك
°•.?.•°
تستطيع أن تظلم وتتجبر وتتسلط
ولكن لا تستطيع أن تكون منصف عادل دائماً
°•.?.•°
تستطيع أن تصفح وأن تنسى
ولكن لا تستطيع أن تجبر أحد على مسا محتك
°•.?.•°
تستطيع أن تثور تنفجر وتغضب ببساطة
ولكن لا تستطيع أن تمسك بأعصابك ببساطة
°•.?.•°
تستطيع أن تحلم كيفما تشاء ومتى تشاء
ولكن لا تستطيع أن تحقق أحلامك من دون عناء ومتى تشاء
°•.?.•°
تستطيع أن ترتقي إلى قمة المجد والشهرة بسهولة
ولكن لا تستطيع أن تحافظ على نفس مستواك بنفس السهولة
°•.?.•°
تستطيع أن تمنع نفسك من الفرح والسرور
ولكن لا تستطيع أن تمنع نفسك من الحزن والألم
°•.?.•°
تستطيع أن تكون حريصاً حذراً من جور الأيام والغدر
ولكن لا تستطيع أيضا أن تسلم دائماً فلا ينفع الحذر مع القدر
°•.?.•°
هنالك أفعال كثيرة تستطيع أن تقوم بها
وهنالك أيضا أفعال لا تستطيع أن تقوم بها
°•.?.•°
وذلك لــ سبب بسيط جداً
هو لــ أنك إنسان
الاخت العزيزة /
جميلة هى مشاعرك
وراقى هو احساسك
استمتعت بوجودى هنا اطالع ابداعك
وابحر فى خضم الكلمات العذبة
لك منى ارق التحايا
دمت لنا ….. ودام قلمك يخط بأحساس جميل
اختك ________ ندى
أتت كالشروق قويه في أضائتها
نعم
هكذا تكون الكلمه ذات مردود قوي على النفس
أتى أختيارك عالي وذوقك في أمتلاكك للفكر راقي وراقى لي كثيراً
أنتظر أبداعك الجديد يا عسل
سلمت يداكِ وروحك
وقفت جامدا في مكاني ، و أنا أراقب عمّار يترنح ، ثم يهوي ، و تسكن حركاته …
كان دوي الطائرة يزلزل طلبتي أذني … دققت النظر إليه … لم يحرّك ساكنا
رفعت قدمي بصعوبة و حثثتها على السير نحو عمّار
بصعوبة وصلت قربه فرأيت عينيه مفتوحتين ، و الدماء تسيل من أنفه ، و صدره ساكنا عن أية أنفاس …
أدركت … أنه مات … و إنني أنا … من قتله
استدرت للخلف و عيناي تفتشان عن رغد …
صغيرتي الحبيبة …
مدللتي الغالية …
مهجة قلبي …
رأيتها تقف بذعر عند سيارتي ، و تنظر إلي و دموعها تنهمر بغزارة ، فيما يستلقي حزامها القماشي على الرمال الناعمة بكل هدوء …
بتثاقل و بطء ، بانهيار و ضعف شديدين ، سرت باتجاهها …
نفذ كل ما كان في جسدي من طاقة ، فكأنما كنت أعمل على بطارية انتزعت مني و تركتني بلا طاقة و لا حراك …
في منتصف الطريق ، انهرت …
خررت على الأرض كما تخر قطعة قماش كانت متدلية كالستار المثبت إلى الحائط و ارتطمت ركبتاي بالرمال … و هبطت أنظاري برأسي نحو الأرض …
رفعت رأسي بصعوبة و نظرت إلى رغد ، و هي لا تزال واقفة في نفس الموضع و الوضع …
بصعوبة فتحت ذراعي قليلا ، و قلت بصوت مخنوق خرج من رئتي :
" تعالي … "
رغد نظرت إلي دون أن تتحرك ، فعدت أقول :
" تعالي … رغد "
الآن ، أقبلت نحوي بسرعة ، و بقوة ارتمت في حضني و كادت تلقيني أرضا …
طوّقتني بذراعيها بقوة ، و حين حاولت تطويقها أنا عجزت إلا عن رمي ذراعي المنهارتين حولها بضعف
بكيت كثيرا … و كثيرا جدا …
لما ضاع … و لما انتهى ..
و لما هو آت و محتوم …
بقينا على هذا الوضع بضع دقائق ، لا أقوى على قول أو فعل شيء … و السكون التام يسيطر على الأجواء …
كان طريقا بريا موحشا ، و لم تمر بنا أية سيارة حتى الآن …
استعدت من القوة ما أمكنني من تحريك يدي قليلا ، فجعلت أمسح على رأس طفلتي و أنا أقول بحرقة و مرارة :
" سامحيني يا رغد … سامحيني … "
رغد استردت أنفاسها التائهة ، و قالت و وجهها لا يزال مغمورا في صدري :
" دعنا نعود للبيت "
أبعدت رأسها قليلا عني و سمحت لأعيينا باللقاء … و أي لقاء ؟؟
لقاء مبلل بسيول عارمة من الدموع الدامية
لم يجد لساني ما يستطيع النطق به …
حاولت النهوض أخيرا ، و ذراعاي تجاهدان من أجل حمل الصغيرة ، ففشلت
أطلقت صيحة حسرة و ألم مريرة تمنيت لو أنها زلزلت الكون كله ، و حطمت كل الأجرام و الكواكب و من عليها … و محت الدنيا من الوجود …
و طفلتي الصغيرة تبكي على صدري مذعورة فزعة … و عدوّي الوغد جثة هامدة تقطر دما … و حلمي الكبير قد ضاع و تلاشى كغبار عصفت به ريح غادرة …
و مصيري المجهول البعيد … كما وراء الأفق … و الساحة الخالية إلا من رغد وأنا … و الشمس تشهد ما حدث و يحدث … رفعت يدي إلى السماء … و صرخت :
" يا رب …. "
استطعت أخيرا أن اشحن بالطاقة الكافية ، لأنهض و أحمل صغيرتي على ذراعي ، و أسير بها نحو السيارة …
لم أجلسها على المقعد المجاور لا ، بل أجلستها ملتصقة بي ، فأنا لا أريد لبضع بوصات أن تبعدها عني …
رن هاتفي المحمول ، و الذي كان في السيارة ، ألقيت نظرة لا مبالية على اسم المتصل الظاهر في الشاشة ، كان صديقي سيف ، أخذت الهاتف و أسكته ، و ألقيت به جانبا … فكل شيء قد انتهى …
انطلقت بالسيارة ببطء ، و أنا لا أعرف إلى أين أتجه … فكل شيء أمامي كان مبهما و مجهولا …
قطعت مسافة طويلة في اتجاهات متعددة ، و نار صدري تتأجج ، و دموعي عاجزة عن إطفاء شرارة واحدة منها …
صغيرتي ، ظلت متشبثة بي ، لا تتكلم ، و تنحدر دمعة من عينها تخترق صدري و تمزق قلمي قبل أن ينتهي بها المصير إلى ملابسها المتعطشة لمزيد من الدموع …
بعد فترة ، مررت في طريقي بحديقة عامة
و تصورا أي تصرف لا يمت لوضعي بصلة ، هو الذي بدر مني دون تفكير !
" رغد عزيزتي ، ما رأيك باللعب هنا قليلا ؟ "
رغد رفعت بصرها إلي ببراءة و شيء من الاستغراب … فحتى على طفلة صغيرة محدودة المدارك ، لا يبدو هذا تصرفا طبيعيا ..
" سأشتري بعض البوضا لنا أيضا ! هيا بنا "
و أوقفت السيارة ، و فتحت الباب ، و نزلت و أنزلتها عبر الباب ذاته .
أمسكت بيدها و حثثتها على السير معي نحو مدخل الحديقة
هناك ، كان العدد القليل جدا من الناس يتنزهون ، مع أطفالهم الصغار ، فهو نهار يوم دراسي و حار …
إنني أعرف أن صغيرتي تحب الأراجيح كثيرا ، لذا ، أخذتها إلى الأرجوحة و بدأت أؤرجحها بخفة …
تخلخل الهواء ملابسها الغارقة في الدموع ، فجففها ، و صافحت وجهها الكئيب فأنعشته …
تصوروا أنها ابتسمت لي !
عندما كانت رغد تبتسم ، فإن الدنيا كلها ترقص بفرح في عيني ّ و البهجة تجتاح فؤادي و أي غبار لأي هموم يتبعثر و يتلاشى …
أما هذه الابتسامة … فقد قتلتني …
لم أع لنفسي إلا و الدموع تقفز من عيني ّ قفزا ، و أوصالي ترتجف ارتجافا ، و قلبي يكاد يكسر ضلوعي من شدة و قوة نبضاته …
تبتسمين يا رغد ؟ بكل بساطة … و كأن شيئا لم يكن !؟
ألا يا ليتني … قتلتك يا عماّر يوم تعاركنا …
ليتني قضيت عليك منذ سنين …
ليتني أحرقتك قبل أن تحرق قلبي و تدمر ماضي و مستقبلي … و تحطّم أغلى ما لدي …
" وليد "
انتبهت على صوت رغد تناديني ، و أنا غارق في الحزن المرير …
مسحت دموعي بلا جدوى ، فالسيل منهمر و الدمعة تجر الدمعة …
" نعم غاليتي ؟ "
" هل نشتري البوضا الآن ؟ "
أغمضت عيني …
و أوقفت الأرجوحة شيئا فشيئا ، فنزلت و استدارت إلي … فأخذتها في حضني و قلت باكيا و مبتسما :
" نعم يا صغيرتي ، سنشتري البوضا و أي شيء تريدينه … و كل شيء تتمنينه …
أي شيء أيتها الحبيبة … أي شيء … أي شيء … "
و انخرطت في بكاء قوي …
رغد ، تبدلت تعابير وجهها و قالت و هي تندفع للبكاء :
" لا تبكي وليد أرجوك "
و أجهشت بكاءا هي الأخرى …
جذبتها إلى صدري و طوقتها بحنان و عاطفة ممزقة … و بكينا سوية بكاءا يعجز اللسان عن وصفه …
و القلب عن تحمله ..
و الكون عن استيعاب فيض عبره
و امتزجت دموعنا …
و لو مر أحد منا لبكى …
و لو شهدتم بكاءنا لخررتم باكيين …
ألا و حسبنا الله و نعم الوكيل ….
بعد ذلك ، مسحت دموعها و دموعي ، و ابتسمت لها :
" إلى البوضا الآن ! "
حملت الطفلة الصغيرة الحجم الخفيفة الوزن الضئيلة الجسم البريئة الروح على ذراعي ، فهي تحب ذلك …
و أنا سأفعل كل ما تحبه و تريده … و لو أملك الدنيا و ما عليها لقدمتها لها فورا …
قبل الرحيل …
و هل سيعوّض ذلك شيئا …؟؟
اشترينا البوضا ، و جلسنا نتناولها قرب النافورة ، و حين فرغت من نصيبها اشتريت لها واحدا آخر …
و كذلك ، أطعمتها البطاطا المقلية فهي تحبها كثيرا !
أطعمتها بيدي هاتين …
نعم … بهاتين اليدين اللتين كثيرا ما اعتنتا بها … في كل شيء …
و اللتين قتلتا عمّار قبل قليل …
و اللتين ستكبلان بالقيود ، و تذهبان إلى حيث لا يمكنني التكهن …
جعلتها تلعب بجميع الألعاب التي تحبها ، دون قيود و دون حدود ، بل ركبت معها و للمرة الثانية في حياتها ذلك القطار السريع الذي جربنا ركوب مثيله قبل 3 سنوات …
و كم أسعدتها التجربة الثانية !
نعم … ببساطة … أسعدتها !
كأي طفلة صغيرة وجدت فرصة لتلهو … دون أن تدرك حقائق الأمور …
لهونا كثيرا … ، و حين اقترب الموعد الذي يفترض أن أكون فيه عند مدرسة رغد و دانة ، في انتظار خروجهما …
" عزيزتي ، سنذهب لأخذ دانة من المدرسة ، لا تخبريها عن أي شيء "
نظرت رغد إلي باستفهام ، أمسكت بكتفيها و قلت مؤكدا :
" لا تخبري أحدا عن أي شيء ، أنا سأخبرهم بأنك لم تشائي الذهاب للمدرسة فأخذتك معي … اتفقنا رغد ؟ عديني بذلك ؟ "
و ضغط على كتفيها و بدا الحزم في عيني … فقالت :
" حسنا "
قلت مؤكدا :
" أخبريهم فقط أنك ذهبت معي ، و نمت أثناء الطريق و لا تعلمين أي شيء آخر … لا تأتي بذكر أي شيء آخر رغد … فهمت ِ عزيزتي ؟ "
" نعم "
" عديني بذلك يا رغد … عديني "
" أعدك … وليد "
" إذا أخلفت وعدك ، فإنني سأرحل و لن أعود إليك ثانية "
توجم وجهها ، ثم أمسكت بيدي و شدّت قبضتها بقوة و اغرورقت عيناها بالدموع و تعابيرها بالفزع و قالت :
" لا لا ترحل وليد . أرجوك . لا تتركني . أعدك . أعدك "
وصلنا إلى البيت أخيرا ، بدا الوضع شبه طبيعي ، إلا من سكون غريب من قبل رغد و التي يفترض بها أن تكون مرحة …
الكل عزا ذلك للحزن الذي يعتريها بسبب سفري المرتقب .
سألتني أمي :
" كيف كان الامتحان ؟ "
قلت :
" سأخبرك بعد الغذاء "
و تركت العائلة تنعم بوجبة هنيئة أخيرة …
بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة والدي ّ في وقت قيلولتهما الصغيرة …
" والدي … والدتي … لدي ما أخبركما به "
بدا القلق على وجهيهما ، و تلعثمت الكلمات على لساني…
أمي ، حين لاحظت حالتي المقلقة قالت :
" هل الامتحان …. ؟؟ "
قلت :
" لم أحضر الامتحان "
اندهشا و تفاجأا …
قال والدي :
" لم تحضره ؟ كيف ؟؟ لماذا ؟؟ ماذا حصل ؟؟ "
نظرت إليهما ، و سالت دموعي … و انهرت … و طأطأت رأسي للأرض …
هتفت أمي بقلق و فزع :
" وليد ؟؟ "
أخذت نفسا عميقا … و رفعت بصري إليهما و بلسان مرتجف و جسد يرتعش و شفتين مترددتين قلت :
" لقد …. قتلت عمّار "
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
الهاتف المحمول الخاص بعمار، و الرقم الأخير الذي تم طلبه ، و الأخير الذي تم استقباله فيه ، و توقيت الاتصال ، و توقيت حدوث الوفاة ، و العراك الذي حصل مؤخرا بيني و بينه و تدخلت فيه الشرطة ، و عدم حضوري للامتحان ، كلها أمور قد قادت الشرطة إلي ّ بحيث لم يكن اعترافي ليزيدهم يقينا بأنني الفاعل …
بقي … شيء حيّرهم … تركته ساكنا في قلب الرمال …
حزام رغد
ما سر وجوده هناك … ؟؟
أنكرت أي صلة لرغد بالموضوع بتاتا ، و لدى استجوابها أخبرتهم أنها لا تعرف شيئا ، حسب اتفاقنا
سيف أيضا تم التحقيق معه ، و أكد للشرطة أنه حين اتصل بي كنت على مقربة من المبنى حيث قاعة الامتحان
و ظل السؤال الحائر :
لماذا عدت أدراجي ؟
ما الذي دفعني للذهاب إلى شارع المطار ، و الشجار مع عمّار ، و من ثم قتله
لماذا قتلت عمّار ؟؟
ما الذي أخفيه عن الجميع ؟؟
والد صديقي سيف كان محاميا تولى الدفاع عني في القضية ، باعتبار أنني قتلته دون قصد … و أثناء شجار … و بدافع كبير أصر على كتمانه …
و سأظل أكتمه في صدري ما حييت … فإن هم حكموا بإعدامي … أخبرت أمي قبل تنفيذ الحكم …
و إن عشت ، سأقتل السر في صدري إلى أن أعود … من أجل صغيرتي …
تعقدت الأمور و تشابكت … و ظلّ الغامض غامضا و المجهول مجهولا ،
و حكم علي ّ بالسجن لأمد بعيد …
" أمي … أرجوك … لا تخبري رغد بأنني ذهبت للسجن … اخبريها بأنني سافرت لأدرس … و سأعود حالما أنتهي … و قولي لها أن تنتظرني "
" أبي … أرجوك … لا تقسو على رغد أبدا … اعتنوا بها جيدا جميعكم …
فأنا لن أكون موجودا لأفعل ذلك "
كان ذلك في لقائي الأخير بوالدي ّ ، قبل أن يتم ترحيلي إلى سجن العاصمة حيث سأقضي سنوات شبابي و زهرة عمري فيه … بدلا من الدراسة في الجامعة … و أعود إن قدرت لي العودة خريج سجون بدلا من خريج جامعات … و بمستقبل أسود منته ، بدلا من بداية حياة جديدة و أمل …
هكذا ، انتهت بي الأحلام الجميلة …
هكذا ، أبعدت عن رغد … محبوبتي الصغيرة ، و لم يبق لي منها إلا صورتين كنت قد وضعتهما في محفظتي قبل أيام …
و ذكريات لا تنسى أحملها في دماغي و أحلم بها كل ليلة …
و صورتها الأخيرة مطبوعة في مخيلتي و هي تقول :
" لا لا ترحل وليد . أرجوك . لا تتركني "
اراكم في الحلقة السابعة