الجواب : الحمد لله
أولاً:
لا بد أن تعلم أخي السائل أن الأولاد مسئولية في عنق الوالدين ، كما جاء في الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) .
رواه البخاري ( 853 ) – واللفظ له – ومسلم ( 1829 ) .
ومن تلك المسئولية الملقاة على عاتق الأهل تجاه أولادهم : منعهم من كل يسبب إفسادهم ، أو يؤثر في أخلاقهم سلباً .
ثانياً:
من المعلوم أن تدريس ما يسمَّى بـ " الثقافة الجنسية " عند الغرب أصبح هوساً وجنوناً ، وصار شغلا شاغلا لهم ، فخصصت له الحصص في المدارس والبرامج في التلفاز , وعقدت له الندوات ، والمؤتمرات وللأسف أنه تأثر بهذه الثقافة الكثير من أبناء المسلمين , وخصوصاً من اغتر بثقافتهم وحضارتهم .
ولا شك أن تدريس مسائل الجنس ، وما يتعلق بها ، للأبناء في مراحل مبكرة من عمرهم : فيه مفاسد كثيرة .
ثالثاً:
ليُعلم أن تعليم الأولاد – ذكوراً وإناثاً – الآداب الإسلامية المتعلقة بستر العورة , والنظر ، والاستئذان : أنه يبتدئ ذلك معهم من الصغر ، وعند التمييز ، قبل البلوغ بمرحلة ، وقد جاءت الأدلة من الوحي المطهر صريحة بهذا ، ومنه :
1. قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) النور/ 58 .
قال ابن كثير – رحمه الله – :
فأمر الله تعالى المؤمنينَ أن يستأذنَهم خَدَمُهم مما ملكَت أيمانهم ، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحُلُم منهم في ثلاثة أحوال : الأول : من قبْل صلاة الغداة لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرُشهم .
( وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ) أي : في وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله .
( وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ) لأنه وقت النوم .
فيُؤمَرُ الخدمُ ، والأطفال : ألا يهجمُوا على أهل البيت في هذه الأحوال لمَا يُخشى من أن يكون الرجل على أهله ، ونحو ذلك من الأعمال .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 82 ) .
وأما عند بلوغ الأطفال : فإن الاستئذان يكون في كل الأوقات ، كما قال تعالى : ( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) النور/ 59 .
2. وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ) .
رواه أبو داود ( 495 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله – :
قال المناوي في " فتح القدير شرح الجامع الصغير " : أي : فرِّقوا بين أولادكم في مضاجعهم التي ينامون فيها إذا بلغوا عشراً حذراً من غوائل الشهوة ، وإن كن أخوات .
وقال الطيبي : جمع بين الأمر بالصلاة ، والفرق بينهم في المضاجع في الطفولية تأديباً لهم ، ومحافظة لأمر الله كله , وتعليماً لهم , والمعاشرة بين الخلق , وأن لا يقفوا مواقف التهم ، فيجتنبوا المحارم .
" عون المعبود " ( 2 / 115 ) .
فهذه وصايا وإرشادات من الوحي المطهر فيما يتعلق بالعورات ، وإثارة الشهوات ، وهو – كما رأينا – يبدأ في سن العاشرة ، وهو سن التمييز عند أكثر الأطفال .
وعند قرب البلوغ يعلَّم الأولاد علامات البلوغ ، والصفات التي تفرِّق بين الرجال والنساء ، وأنواع السوائل التي تَخرج من القبُل لدى الجنسين ، ومثله أحكام الوضوء ، والغسل ، على أن تراعى الألفاظ المستعملة في التعليم ، وعلى أن يكون ذلك حسب الحاجة لذلك .
وثمة أمران مهمان غاية ، يبدآن في سن مبكرة جدّاً – حوالي السنة الثالثة – ، ولهما تعلق أصيل بالثقافة الجنسية ، وهما :
1. ضرورة أن يفرِّق الطفل والطفلة بين الذكورة والأنوثة ، والخلط بينهما في تلك السن المبكرة من شأنه أن يحدث خللاً وفساداً في التصور ، والصفات ، والأفعال ، لدى الجنسين ، لذا كان من الضروري إفهام الطفل أنه لا يلبس ملابس أخته ، ولا يضع الحلق في أذنه ، ولا يطوق معصمه بسوار لأن هذا للإناث ، لا للذكور ، وهكذا يقال للبنت بالنسبة لأفعال ، وصفات أخيها الذكَر .
2. تعليم الأطفال خصوصية العورة ، وأنها مما ينبغي أن لا تُكشف أمام أحد ، فتعليمهم هذا ، وتربيتهم عليه : من شأنه يربي فيهم خلق العفاف ، والحياء ، وأن يمنع المعتدين الشاذين من الاعتداء عليهم .
رابعاً:
أما مسألة الثقافة الجنسية المتعلقة بالجماع ، أو بعموم ما يكون بين الزوجين : فهذه تكون عند الحاجة إليها ، كقرب زواجه – مثلاً – ، أو نضجه بحيث يعقل مسائل العلم ، كأحكام الزنا ، وما يشبهه ، مما له تعلق بالجماع ، والعورات .
وليعلم أن ما يحتاج إليه من ذلك هو ـ في أصله ـ أمر فطري وما يحتاج إلى التنبيه عليه ينبغي أن يصل إلى مسامع الأولاد تدريجيّاً ، مع مراحل نموهم ، وذلك من خلال دروس الفقه , ومجالس العلم وحصص المدرسة مع لزوم التحفظ في العبارة ، ومراعاة السن المناسبة لطرح الموضوع , والتحذير من مظاهر الانحلال الخلقي عند الكفار , ومقابلة ذلك بذِكر محاسن الإسلام من حثه على الستر ، والحياء ، وحفظ الفروج عن الحرام .
وننصح بالاطلاع على كتاب: " يا بني لقد أصبحت رجلاً " للشيخ محمد بن عبد الله الدويش ، ففيه بيان طرق المعالجة الشرعية للشهوة عند الأولاد .
والله أعلم