الشوكولاتة الداكنة الصافية التي لا تخلط بالحليب والسكر والمضافات تتسم بمزايا صحية
الرياض: د. حسن محمد صندقجي
الحلويات والمشروبات من ثمار الكوكا، كالشوكولاتة أو الكاكاو وشراب الكولا مفيدة للقلب، وكذلك مفيدة للدماغ فهي تقلل من إصابات الشرايين وتخفض ضغط الدم ولا ترفع الكولسترول وتقلل من الاكتئاب وتبعث الشعور بالفرح وتزيد من نشاط الجسم…. وقائمة طويلة من الفوائد التي تناولتها بشكل متنوع الدراسات الطبية المنشورة منذ بداية هذا العام في المجلات الطبية الأوروبية والأميركية المهمة. ثم تأتينا هوليوود بفيلم تشارلى وقصته في مصنع الشوكولاتة، لتزيد من متعتنا بالشوكولاتة كي نقدمها في المناسبات لمن نحبهم ويعزون علينا بكل اطمئنان! منذ أن صدر بحث هارفارد الشهير عام 1999 حول ملاحظة أن متناولي الشوكولاتة أطول أعماراً من غيرهم وسيل الدراسات لم يتوقف حول دور مكوناتها في تحسين صحة القلب والوقاية من مسبباته كضغط الدم والكولسترول وتأثيرها أيضاً على مراحل عدة من عملية نشوء مرض تصلب الشرايين، والملاحظ أنها تصب في مجرى النصيحة بتناولها!، لكن هذا السيل أصبح كالطوفان منذ بداية هذا العام، مما يوجب مراجعتها والبحث عن سبل آمنة لتناول ثمار نبات الكوكا كحلويات الشوكولاتة ومشروب الكولا، فطريقة تقديمهما للمستهلك تحتاج إلي إعادة نظر كي يجني الناس الفوائد دون الضرر.
* أبحاث جديدة
* الدكتورة «ناومي فيشر» والدكتور «نورمان هولينبيرغ» من كلية هارفارد للطب في بوسطن بالولايات المتحدة يقولان في مقدمة البحث الذي سينشر في عدد أغسطس القادم من «مجلة ضغط الدم» التابعة لرابطة القلب الأميركية ما نصه: «استفاض حديث الدراسات الطبية في الآونة الأخيرة عن فوائد تناول ثمار نبات الكوكا لصحة القلب والأوعية الدموية وتقليل الإصابة بأمراضهما لأنها تحتوي من مادة «الفلوفونايد» ما يفوق غيرها من النبات بكثير جداً، والأدلة العلمية على هذا عالية المستوى اليوم». وعرضا الكثير منها واعتبرا أن الحاجة تستدعي مزيدا من الدراسات الأخرى للتعرف على آلية هذه الفوائد.
إن الجانب الأهم لفائدة تناول ثمار الكوكا كالشوكولاتة أو مشروب الكولا هو مادة «الفلوفونايد» إذْ هي مادة مضادة للأكسدة، وهذه الخاصية تمكنها من منع ترسب الكولسترول الضار داخل جدران الشرايين وبالتالي يتم إيقاف نشوء تصلب الشرايين. من أجل هذا تكون فائدة تناول أي منتج نباتي يحتوي على مضادات الأكسدة كالفاكهة والخضر الطازجة وبدرجة أعلى الشاي والقهوة وبدرجة تفوقهما الكوكا.
الكثير من الدراسات أثبتت أنها تخفض نسبة كولسترول الدم وبعضها الآخر لم يثبت هذا الأثر لكن الأهم أنها لم تثبت رفع نسبته بتناولها! وأيضاً تطرقت إلى فائدتها عبر خفض الشهية في إنقاص الوزن!. وكذلك الحال مع صفائح الدم فهي تشير إلى تقليل قابلية الصفائح للترسب على جدران الشرايين أو على بعضها البعض، وعلى حد قول الدكتور «ديترش رين» من جامعة كاليفورنيا فإن تأثير الشوكولاتة على ترسب الصفائح يشبه الأسبرين وهو ما ذكره ضمن دراسته حول هذا الأمر التي نشرها في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية.
* مزايا الشوكولاتة
* أحد أهم أثار تصلب الشرايين هو اضطراب عمل الخلايا المبطنة للشرايين مما يفقد الشريان مرونته ووسائل حماية نفسه كإفراز مادة «نتروز أوكسايد» التي ترفع من قدرته على التوسع عند الحاجة إلى زيادة تدفق الدم عبره. مضادات الأكسدة تعمل على تنشيط عمل هذه الخلايا وزيادة إفراز هذه المادة الشبيهة الأثر بالحبة الوردية التي يضعها مريض القلب تحت لسانه عند الشعور بألم الذبحة الصدرية، وبالتالي ترتفع كفاءة عمل الشريان وتقل فرصة حصول جلطات القلب أو آلام الذبحة الصدرية، فبعض الدراسات أشارت بوضوح إلى أن تناول الشوكولاتة الصافية يزيد من تدفق الدم خلال الشرايين ويستمر هذا الأثر لمدة ثلاث ساعات، الأمر الذي عرضه الباحثون من اليونان في المؤتمر الماضي لمجمع القلب الأوروبي الذي عقد في ألمانيا.
انخفاض ضغط الدم بتناول الشوكولاتة أظهرته عدة دراسات حتى الآن، إحداها نشرت حديثاً في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية التابعة للمجمع الأميركي للتغذية الإكلينيكية وفيها أن الدكتور ديفيد غراسيا من إيطاليا فحص تناول الشوكولاتة الداكنة الصافية من قبل أصحاء الناس وأثر ذلك على مقدار ضغط الدم ونشاط عمل الأنسولين فيهم، ووجد أن ذلك يقلل من مقدار ضغط الدم ويزيد من كفاءة عمل الأنسولين، مما علق عليه حينها الدكتور سيزر فارغا من جامعة كاليفورنيا قائلاً ان معالجة أمراض القلب والوقاية منها تتطلب تناول الغذاء المفيد وهو ما يشغل الناس اليوم البحث عنه، والإيجابيات كثيرة حول فائدة الشوكولاتة في هذا المضمار والنتائج من هذه الدراسة بالذات على ضغط الدم مغرية، لذا يجب إجراء دراسات أخرى على مرضى ارتفاع ضغط الدم ومرضى السكري، لكن يجب التنبه إلى أن محتوى الشوكولاتة من مضادات الأكسدة يتأثر كثيراً حسب اختلاف النوع من نبتة إلى أخرى وحسب اختلاف طريقة الصنع والتسويق. وهذا التعليق غاية في الدقة والأهمية، فالدراسات حينما تناولت الشوكولاتة كانت تتحدث عن الشوكولاتة الداكنة الصافية الأصلية وليس الحليب والسكر المضاف إليها وأيضاً النوعيات الجيدة منها.
إن كل الدراسات المتقدمة وغيرها كثير تشير إلى أمر واحد وهو أن هناك إيجابيات لتناول المنتجات الغذائية من ثمار نبات الكوكا والتي من أهمها الشوكولاتة ومشروب الكبلا، وهذه الإيجابيات الصحية تترجم بتحسين حالة الشرايين في الجسم وأهم الشرايين هي شرايين القلب التاجية عبر تقليل فرصة إصابتها بالتصلب وتقليل ترسب الكولسترول في جدرانها وتنشيط عمل الخلايا المبطنة لها وكذلك تقليل فرصة ترسب الصفائح الدموية فيها وتقليل مقدار ضغط الدم وخفض، ولو طفيف، للكولسترول. ما الذي يعنينا من هذا؟، يعنينا بعبارة بسيطة ودقيقة أن ثمار النبتة الأصلية مفيدة، فلا يجب على الإنسان استهلاكها بكيفية ضارة! والاستهلاك الضار أساسه هو التناول المفرط والعشوائي لمنتجات في الأصل غير صحية، إذْ حينما تغرق الشوكولاتة الداكنة الأصلية المفيدة بالحليب والدهون والمركبات الكيميائية كالمصبغات والمواد الحافظة فمن أين ستأتي فائدة هذا الخليط المركب من السكر والدسم، وهل تبقي ثمة من فائدة للمنتج من ثمار الكوكا؟!. وحينما تخلط الكوكا لصنع المشروبات الغازية بكل ما فيها من خلطات عجيبة وسكريات وأملاح الفسفور والكربونات والمواد الأخرى الحارقة التي تجعل الأسنان والعظام هشة وترقق صلابتها وتتلف بطانة الجهاز الهضمي وتخلخل اتزان عمليات معقدة في الكلى، فمن أين سنجني فائدة ثمار نبتة الكوكا المفيدة للقلب؟!.
إن الباحثين حينما يستغرقون الجهد في البحث عما يفيد الناس من الأغذية يطلبون تعاون الصانعين لمنتجات الغذاء كي يقدموها في هيئة لا تفقدها نقاؤها وطبيعتها و فائدتها.
الشوكولاتة مفيدة للقلب، وربما ليس «تشارلي» هو من سيزور مصنع الشوكولاتة بل ربما طبيب القلب هو من سيفعل ذلك!
* ثمار الكوكا من حضارة الأزتك إلى هدية المناسبات الحميمة
* الشوكولاتة عبارة عن مسحوق ثمار نبات الكوكا المحمصة التي تشكل جزء من شراب الكولا أيضاً، فهي مسحوق غامق اللون مر الطعم، نسبته في ألواح الشوكولاتة المرة الحلوة 60% و الغامقة 39% و الفاتحة أو شوكولاتة الحليب 11%، والشوكولاتة البيضاء تحتوي على زبدة مسحوق الكوكا فقط. غالب إنتاج العالم اليوم من حبوب نبات الكوكا يأتي من غرب أفريقيا وليس أميركا الوسطى موطنها الأصلي الذي عرفت فيه منذ سبعة آلاف عام، ودخلت العالم بعد اكتشاف الأسبان للقارة الأميركية، وحينها عرفت كمشروب مفيد جداً للصحة بناء على خبرة أطباء حضارة الأزتيك، لكن الأوروبيين حولوها من شراب بارد لمسحوقها المفيد إلى قطع شوكولاتة حلوة مضاف لها الحليب والسكر ظهرت أول ما ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر، فغدا الناس يلمزونها ويقدحون في جدوى تناولها. ولا ينافس السويسريين اليوم أحد في استهلاكها، ففي حين يبلغ معدل استهلاك الفرد في الولايات المتحدة لها حوالي 4.5 كلغ في العام، يبلغ استهلاك السويسريين أكثر من ضعف ذلك أي حوالي 10 كلغ سنوياً للفرد.
* مواد الشوكولاتة المؤثرة على الدماغ
* تحتوي الشوكولاتة على العديد من المواد التي تقلل من معاناة الألم وتزيد من الإحساس بالوعي وترفع مستوى الشعور بالصحة والنشاط وتبعث علي التفاؤل بالحياة. وهناك قائمة من المواد الكيميائية أولها الزيوت العالية في مسحوق الكوكا نفسه إذ تعمل على حث الدماغ علي إفراز مواد شبيهة بالأفيون، وهذا أمر عام يعلل الشعور بالرضا عند تناول الطعام الدسم ولذا حينما تكتئب بعض النساء فإنهن يلجأن إلى الأكل! وهناك مادة الكانابينويد الشبيهة بالماروانا التي تبعث على الشعور بعلو المزاج لكنها قليلة جداً فكما يقول الباحثون يجب تناول أكثر من عشرة كيلو غرامات دفعة واحدة ليتساوى مفعول الشوكولاتة مع تدخين سيجارة ماروانا واحدة!. لم يتضح ما يعلل شغف الكثيرين بتناولها خاصة من أواخر بعد الظهر إلى وقت النوم ولدى النساء في أوقات معينة من الدورة الشهرية، فما زال الأمر محل دراسة متعمقة، وبرغم حديث بعض المصادر عن وجود إدمان عضوي في خلايا الدماغ ينشأ بالتعود على تناولها بدليل أنه حينما يعطى من لديه شغف بالشوكولاتة أدوية تعطل مستقبلات الأفيون في الدماغ تقل رغبته فيها، لكن كذلك أيضاً الرغبة في الحلويات والدهون، كما أن إعطاء حبوب مسحوق الكوكا لهم لا يشبع رغبتهم بقدر الشوكولاتة المخلوطة مع السكر والحليب. فالإدمان لا يبدو وصفاً وتعليلا سليما للشغف بتناول الشوكولاتة.
علاقة العواطف وخاصة الشعور بالحب أمر طريف في الشوكولاتة إذْ فيها من المواد ما يعمل على الاسترخاء وتقليل التوتر وإبعاد الشعور بعدم الثقة في النفس، وأمر آخر هو الفرمونات إذْ كما أن الهرمونات تعمل في جانب الأنوثة والذكورة الفسيولوجية هناك ما يسمى فرمونات التي تعمل على صنع مواد معقدة تجذب الجنس الآخر من خلال الرائحة وعناصر الجذب الأخرى، وما زال هذا الجانب محل دراسة تبدو كثير من جوانبه مبهمة التعليل.
إن تأثير المواد الكيميائية في الشوكولاتة المؤثرة على الدماغ من جوانب عدة أمر معقد لسببين، الأول أنها قليلة النسبة ومتنوعة جداً وبهيئة مختلطة والثاني هو اختلاف طرق الصنع والإنتاج عموماً. الأمر الأول من المهم إدراكه، فتأثير تناول كمية من مادة معينة يختلف عن تناول كمية أخرى مع مواد أخرى. وسيظل البحث مستمراً في تأثير الشوكولاتة على الدماغ والعواطف