وفي قَولِهِ تَعَالَى : وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
هَذِهِ صِفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ الذَّاهِبِ بِنَفْسِهِ زَهْوًا ، وَيُكْرَهُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُوقِعَهُ الْحَرَجُ فِي بَعْضِ هَذَا . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَخُوهُ : اتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقُولُ : عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ ، مِثْلُكَ يُوصِينِي! وَالْعِزَّةُ : الْقُوَّةُ وَالْغَلَبَةُ ، مِنْ عَزَّهُ يَعُزُّهُ إِذَا غَلَبَهُ .
وَمِنْهُ :وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ
وَقِيلَ : الْعِزَّةُ هُنَا الْحَمِيَّةُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَقِيلَ : الْعِزَّةُ هُنَا الْمَنَعَةُ وَشِدَّةُ النَّفْسِ ، أَيِ اعْتَزَّ فِي نَفْسِهِ وَانْتَحَى فَأَوْقَعَتْهُ تِلْكَ الْعِزَّةُ فِي الْإِثْمِ حِينَ أَخَذَتْهُ وَأَلْزَمَتْهُ إِيَّاهُ . وَقَالَ قَتَادَةُ : الْمَعْنَى إِذَا قِيلَ لَهُ مَهْلًا ازْدَادَ إِقْدَامًا عَلَى الْمَعْصِيَةِ ، وَالْمَعْنَى حَمَلَتْهُ الْعِزَّةُ عَلَى الْإِثْمِ . وَقِيلَ : أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِمَا يُؤْثِمُهُ ، أَيِ ارْتَكَبَ الْكُفْرَ لِلْعِزَّةِ وَحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَنَظِيرُهُ : بَلِالَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
وَقِيلَ : الْبَاءُ فِي بِالْإِثْمِ بِمَعْنَى اللَّامِ ، أَيْ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ وَالْحَمِيَّةُ عَنْ قَبُولِ الْوَعْظِ لِلْإِثْمِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ ، وَهُوَ النِّفَاقُ ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ يَصِفُ عَرَقَ النَّاقَةِ :
أَيْ حَشَّ الْوَقُودُ لَهُ وَقِيلَ : الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ ، أَيْ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ مَعَ الْإِثْمِ ، فَمَعْنَى الْبَاءِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ التَّأْوِيلَاتِ . وَذُكِرَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ عِنْدَ هَارُونَ الرَّشِيدِ ، فَاخْتَلَفَ إِلَى بَابِهِ سَنَةً ، فَلَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ ، فَوَقَفَ يَوْمًا عَلَى الْبَابِ ، فَلَمَّا خَرَجَ هَارُونُ سَعَى حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَنَزَلَ هَارُونُ عَنْ دَابَّتِهِ وَخَرَّ سَاجِدًا ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ أَمَرَ بِحَاجَتِهِ فَقُضِيَتْ ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، نَزَلْتَ عَنْ دَابَّتِكَ لِقَوْلِ يَهُودِيٍّ! قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ تَذَكَّرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ
حَسْبُهُ أَيْ كَافِيهِ مُعَاقَبَةً وَجَزَاءً ، كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ : كَفَاكَ مَا حَلَّ بِكَ! وَأَنْتَ تَسْتَعْظِمُ وَتُعْظِمُ عَلَيْهِ مَا حَلَّ . وَالْمِهَادُ جَمْعُ الْمَهْدِ ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ لِلنَّوْمِ ، وَمِنْهُ مَهْدُ الصَّبِيِّ . وَسَمَّى جَهَنَّمَ مِهَادًا لِأَنَّهَا مُسْتَقَرُّ الْكُفَّارِ . وَقِيلَ : لِأَنَّهَا بَدَلٌ لَهُمْ مِنَ الْمِهَادِ ، كَقَوْلِهِ :
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
وَنَظِيرُهُ مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهُمْ : لِلشَّاعِرِ مَعْدِي كَرِبَ
وصدق اللهُ تعالي القائِل في مُحكَمِ التَّنزيل من سورة البقَرَة :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ &1754 إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ 208
209
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ &1754 وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ 210
دمتم بحفظ الرحمن
أذا أعجبكم موضوعي لا تنسون تقيموني:101xv6:
المسك