التصنيفات
منتدى اسلامي

روائع المحبة

روائع المحبة

كيف لا نحب القمر وهو يضيء دجى ليلنا،
وكيف لا نحب النجوم وفي ظلمات البر والبحر نهتدي بها،
وكيف لا نحب الماء البارد وهو يروي ظمأنا،
وكيف لا نحب غيث السماء وفيه حياتنا ورغد عيشنا؟
وكيف لا نحب محمدًا وقد أضاء الله به ظلمات الحياة،
وكيف لا نحب محمدًا وقد هدانا السبيل إلى ربنا،
وكيف لا نحب محمدًا وقد روى ظمأ البشرية إلى الصلة بخالقها
، وكيف لا نحب محمدًا ونحن نعيش على هديه وغيث حكمته.
إنه حبيب الرحمن وخليله،
إنه صفيه من خلقه وخير رسله
، إنه رحمة الله للعالمين
، إنه صاحب الشمائل،
وجامع المناقب،
إنه القرآن يمشي على الأرض
، إنه هادي البشرية إلى ربها،
ومعلمها الأخلاق والقيم والمبادئ،
إنه صاحب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، وصاحب الشفاعة العظمى يوم لا يشفع أحد إلا بإذن الله.
لأجل هذا ويزيد، كان لأصحابه قرة أعين، مهجة القلوب، حديثه على قلوبهم برد وسلام، ومحياه أمام ناظريهم شعاع من البهاء والحكمة، تبسمه بلسم لأرواحهم، هفت إليه قلوبهم، وأوت إليه كما يأوي الطائر إلى عشه في الليلة المطيرة، كان أباهم وأخاهم وصديقهم، وإمامهم وقائدهم ومعلمهم، تخللت محبته مسالك الأرواح منهم.
ولن يصف القلم قدر محبتهم، لذا نترك أخبارهم تعبر بنفسها عن حقيقة المحبة، بغية أن نقتدي بهؤلاء الكرام، ونقتفي أثرهم على درب المحبة لرسول الله، والتي هي من أصول الإيمان.
وارتوى الصدِّيق:
لم أقرأ ولم أسمع من قبل بكلمة تعبر عن المحبة بمثل تلك العبارة الندية التي جرت على لسان الصديق أبي بكر، كلمة ذات معان تاخذ بتلابيب القلب، وتجعله يهتز ويرق لتلك الروعة الصديقية في المحبة، فهذه مشاعر (يبثها قلب الصديق رضي الله عنه، في كلمات تقرأ، يقول أبو بكر رضي الله عنه: كنا في الهجرة وأنا عطش، فجئت بمذقة لبن، فناولتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت له: اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت [أصل القصة في صحيح البخاري، (2259)]) [قلب يحب محمدًا، فريد مناع، ص(33)].
فيا لروعة المحبة،حين يكون ري أبي بكر ليس في مذقة لبن يتجرعها على عطش، وإنما ريه في أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم يشرب حتى يرتوي.
أغلى من نفس الفاروق:
بينما كان الفاروق عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم، أراد عمر أن يعبر عما يجيش بصدره من محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شىء إلا من نفسى .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسى، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (الآن يا عمر) [رواه البخاري، (6632)].
مأساة ثوبان:
ثوبان مولى رسول الله، عاش يومًا ما في مأساة، لم تكن بسبب فقر أو مرض أو دين أو لأي شيء له تعلق بالدنيا، تعال نتعرف على مأساة ثوبان من خلال هذا المشهد:
دخل ثوبان يومًا على رسول الله متغير الوجه هزيل الجسم، ترتسم أمارات الحزن على وجهه، فقال صاحب أحنى قلب: يا ثوبان ما غير لونك؟ وهنا يفرغ ثوبان ما احتقن في قلبه من الأسى والحزن: يا رسول الله، ما بي من مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك، اشتقت إليك، فاستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك.
ثم ذكرت الآخرة، فأخاف ألا أراك هنالك،لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذاك حين لا أراك أبدًا.
فهذا سر مأساة يعيشها ثوبان، ذلك التقي الذي كان لا يطيق غياب ناظريه عن رسول الله، ولكنه قد أتاه ما يثلج صدره، ويسكن فؤاده، ويطفئ الجمر المشتعل في قلبه، جاءه وعد الله في كتابه:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] [انظر تاريخ دمشق لابن عساكر، (11/174)].
أروع قِصاص:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف المؤمنة قبل ملحمة أحد، كان أحد سواد بن غزية غير مستو في الصف، وكان بيده قدح فطعنه به في بطنه قائلًا: استو يا سواد، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق، فأقدني.
عجبًا، هل يريد سواد أن يقتص من نبيه وحبيبه وإمامه؟! شيء لم يعهد على صحابة رسول الله أن يفكر أحد منهم في أن يكون له قصاص من رسول الله يومًا ما، فما النبي بالذي يفعل ما يوجب منه القصاص، وما الصحابة بالذين يتخيلون يومًا أن يقتصوا من رسول الله.
وهنا يكشف النبي عن بطنه الشريف، وهو يقول لسواد: (اقتص مني يا سواد)، وهنا أدرك الجميع لماذا طلب سواد القصاص من رسول الله، فلقد انكب على بطن النبي صلى الله عليه وسلم يقبله، ويسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على هذا يا سواد)، قال: يا رسول الله ! حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك : أن يمس جلدي جلدك) [البداية والنهاية، ابن كثير، (3/331)].
يوم بكت المدينة:
كان بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا) [رواه أبو داود، (4985)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (4985)].
وكان بلال قد أقام في الشام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى النبي يومًا في منامه يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟
فانتبه حزينا، وركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال ! نشتهي أن نسمع أذانك.
ففعل، وعلا السطح، ووقف، فلما أن قال: الله أكبر، الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ازداد رجتها، فلما قال: أشهد أن محمدا رسول الله، خرجت العواتق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله، فما رؤي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من ذلك اليوم) [سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/385)].
محبة دينارية:
إنها امرأة من بني دينار، تمكنت محبة الحبيب من قلبها حتى علت على كل رابطة ووشيجة لديها، ففي معركة أحد كان زوجها وأخوها وأبوها كلهم في القتال مع رسول الله، فلما عاد الجيش الإسلامي إلى المدينة، تلقتهم فنعوا إليها أباها وأخاها وزوجها في وقت واحد.
لقد كان موقفها مذهلًا، لم تلتفت إلى فجيعتها في أبيها ولا في أخيها، ولا في شريك حياتها، إنما توجه كيانها كله إلى الاطمئنان على الحبيب، فقالت لهم: (فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا خيرًا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين، قالت أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل) [تاريخ الطبري، (2/210)].
أبو الحسن يتكلم:
أبو الحسن أو أبو تراب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي جسد روائع المحبة وهو ما زال غلامًا إذ نام مكان النبي صلى الله عليه وسلم ساعة الهجرة، ضاربًا أروع أمثلة المحبة والتضحية من أجل الحبيب، ها هو بعد طول زمان يُسأل عن محبة الصحابة لرسول الله، فعبر عنها علي بأروع ما تكون كلمات المحبة، فقال: (كان والله أحب إلينا من اموالنا وأولادنا وأبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ) [الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، (2/19)].
أمنية الشيخين:
أبو بكر وعمر، وما أدراك ما محبة أبي بكر وعمر، لما علم الصديق حزن النبي صلى الله عليه وسلم على عدم إسلام أبي طالب، تمنى أمنية عجيبة، تنم عن صدق محبته لرسول الله، وإيثار محابه، فقال أبو بكر: (والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه يعني أباه أبا قحافة وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك) [المصدر السابق]، فسبحان الله إسلام أبي طالب أحب إلى أبي بكر من إسلام أبي قحافة والده، لا لشيء إلا لرغبة رسول الله في أن يسلم عمه.
وأما الفاروق عمر، فكان من حرصه على إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، أن فاقت أمنيته في إسلام العباس أمنيته في إسلام الخطاب أبيه، فها هو يقول للعباس: (أن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) [المصدر السابق].
شوق العجوز:
خرج عمر رضي اللله عنه ليلة يحرس الناس فرأى مصباحا في بيت وإذا عجوز تنفش صوفا وتقول :
على محمد صلاة الأبرار صلى عليه الطيبون الأخيار
قد كنت قواما بكا بالأسحار يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل تجمعني وحبيبي الدار
تعني النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس عمر رضي الله عنه يبكي [المصدر السابق].
حتى أنت يا جذع:
عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إلى أصل شجرة أو قال إلى جذع ثم اتخذ منبرا قال فحن الجذع قال جابر حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه فسكن فقال بعضهم لو لم يأته لحن إلى يوم القيامة [رواه ابن ماجة، (1482)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة، (1417)].
وكان الحسن البصري إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: (هذه خشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
وشجرة تشتاق:
عن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله عنه قال: (.. ثم سرنا فنزلنا منزلًا، فنام النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته، ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له، فقال: (هي شجرة استأذنت ربها عز وجل أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها) [قال الألباني: صحيح لشواهده].
وماذا عنك؟
أين محبتك أنت لرسول الله؟ هل أنت صادق في دعوى المحبة، أم انها مجرد ادعاء؟ إن الأجابة على ذلك السؤال لا تكون بالكلمات المنمقة، إنما تكون بالأفعال، هل تنقاد لشريعة محمد؟ هل تقتفي أثره؟ هل تلتمس سنته وتعمل بها؟ هل تنصره وتذب عنه؟ هل تنشر هديه بين الأنام؟
إن كنت كذلك فأنت المحب حقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم تكن فراجع نفسك وقف معها وقفة محاسبة ومعاتبة في دعوى المحبة، سائلًا لك المولى أن يرزقك محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم.




يسلمووووووووووووووو

موضوع رائع

ويسعدني اكون من اول الرادين لموضوعك




شكرا على ردك



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.