إذا رأيت جبلاً شامخاً، يمشي على الأرض بكل سكينة ووقار وفخر، في مجتمعه المحافظ، والذي لم يسلم أيضاً من سموم الفكر الدخيل، فإنك حتماً ستقف احتراماً لذلك الجبل، وترفع القبعة…!
فكيف وأنت تراه، وتسمع عن شموخه في بلد الكفر والعلمنة؟!
إنه لأمر يبعث على الفخر والاعتزاز بهذا الدين أولاً، والفرح والسرور بهذا الجبل الثابت في زمن الانحدار ثانياً…!
وما ذاك الجبل إلا (المرأة المسلمة)، (الشامخة)، (الأبية)، التي رفعت لواء العزة، عالياً، وسارت به معلنة صرخة النصر مدوية!
النصر على الفتن، النصر على الشهوات، النصر على الشبهات، النصر على شياطين الجن والإنس في كل مكان…
ما يدعوني لهذا الحديث هو: حلول الإجازة الصيفية…
هذه الأوقات الجميلات، واللحظات الهادئات، بين الأهل والأصدقاء، بعد موسم حافل بالجد والمثابرة، خاصة للطلاب والطالبات…
هذه الإجازة التي إما أن تكون نعمة على صاحبها بحفظ الوقت واغتنامه، أو الترفيه في حدود المباح، وإما أن تكون نقمة على نقمة بالتفريط في الواجبات، والترفيه المحرم!
من صور ذلك الترفيه المحرم: إخلال المرأة المسلمة بأمر شرعي عظيم، ألا وهو (التهاون في ارتداء الحجاب)، خاصة: عند السفر…!
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}(الأحزاب: 59)
فمنهن من تعمد إلى نزع الحجاب، وحسر الرأس، منذ دخولها الطائرة، لتقدم أنموذجاً سيئاً للمسلمة والإسلام عامة، وعن (بنت الحرمين) "خاصة "، وترسل رسالة للآخرين – من حيث علمت أو لم تعلم- مفادها: إن هذا الحجاب ما هو إلا ضرب من ألوان التخلف، الرجعية، المجبرة عليه قسراً في بلدٍ محافظ بعينه!
كأن الله تعالى لم يفرضه إلا على هذا القطر أو ذاك…!
ناهيكم عن الأخذ بضوابط السفر للخارج، أو ما يتبع الإخلال بهذا الواجب من مشكلات ومفاسد…
قال الشيخ العلامة عبدالله الجبرين، حفظه الله تعالى: السفر للخارج يعتبر من الشرور العظيمة التي فتحت على المسلمين، حيث يسافرون مع نسائهم لبلاد إسلامية وغير إسلامية ينتشر فيها السفور والتبرج، غير مبالين بالأضرار الكبيرة التي تعود عليهم وعلى نسائهم من هذه الأسفار، ومن تلك الأضرار تأثُّر نسائهم بمشاهدة نساء تلك البلاد سافرات عن وجوههن؛ فيقلدن أولئك النسوة في ذلك، فيتساهلن بالحجاب ويسفرن عن وجوههن ولو بعد حين. (2)
_ وحديثي هنا: عن تلك الأبية في بلاد الغرب خاصة، وفي بلاد الإسلام عامة، ذلك أن غربة الدين تشتد في بلاد الكفر، ويصبح القابض على دينه هناك كالقابض على الجمر، فإني لأعجب وتعجبون عندما نرى أختاً مسلمة تمتثل لأمر الله في الحجاب أيما امتثال…!
امتثالاً قد لا نراه في بلاد المسلمين، في بعض الأحيان…!
فضلاً عن التمسك بشعائر الدين الأخرى!
(إسلامنا الحل) في ظل الله نرقبه *** في هدي طه وقد جاءت به السور
(إسلامنا الحل) للدنيا التي خربت ***والجهل ينبيك والأمراض والضرر (3)
هنا يتملكني العجب الشديد! كيف استطاعت هذه الأخت المباركة – بعد توفيق الله تعالى لها- التمسك بالدين، والحفاظ على دينها من براثن الهوى والمغريات؟!
ولم تكن يوماً بوقاً للعلمانية والليبرالية، كما تفعل ويفعل من تربى في بلاد المسلمين، مع الأسف الشديد…
– تذكر لي إحدى العزيزات، وهي تعيش بدولة غربية منذ سنوات:
أن أبناءها لا يمشون بشوارع المدينة إلا بالجبة والعمامة! وملتزمون بحلقة قرآنية منتظمة…!
فضلاً عن نشاطاتها الدعوية الأخرى، بارك الله تعالى فيها، وفي كل الموفقات أمثالها…
فهذه النماذج المعتزة بدينها على أي أرض كانت، لهي نماذج فخر وشرف في الأمة…
فحري ببنت الإسلام الأبية امتثال هذا الشرف العظيم في بلد الإسلام خاصة، وفي غيره عامة، إن دعت ضرورة للسفر!
وأن تكون خير سفيرة لهذا الدين، وخير من يعتز بتطبيقه على أي أرض كانت، مع مراعاة الاستطاعة…
قالت وفي أجفانها كحل *** يغري، وفي كلماتها الجد
عربية… حريتي جعلت *** مني فتاة ما لها نــــــد
أغشى بقاع الأرض ما سنحت *** لي فرصة، بالنفس أعتد
فسألتها والنفس حائرة *** والنار في قلبي لها وقــــد:
من أين هذا الزي؟ ما عرفت *** أرض الحجاز ولا رأت نجد
هذا التبذل يا محدثتي *** سهم من الإلحاد مرتــــــد
فتنمرت ثم انثنت صلفاً *** ولسانها لسبابها عبــــــد
قالت: أنا بالنفس واثقة *** حريتي دون الهوى ســــد
فأجبتها والحزن يعصف بي: *** أخشى بأن يتناثر العقــد
ضدان يا أختاه ما اجتمعا ***دين الهوى والفسق والصــــد
والله ما أزرى بأمتنا *** إلا ازدواج ما له حــــد (4)