انت لي : الحلقة التاسعة
أخيرا جاء دوري !
صرتم تعرفونني جميعا …
اسمي رغد ، و أنا يتيمة الأبوين أعيش في بيت عمّي الوحيد شاكر منذ الطفولة .
أنهيت دراستي الثانوية مؤخرا و أفكر في الالتحاق بكلية للفنون و الرسم . أعشق الرسم كثيرا و أنا ماهرة فيه .
الجميع يعرفني برغد المدللة ، حيث أنني تعودت منذ الصغر الحصول على كل ما أريد ، و بأي طريقة !
اليوم نقيم في منزلنا الصغير حفلة متواضعة بمناسبة تخرجي من المدرسة الثانوية . لم يتسن لنا إقامتها قبل الآن لأن والدتي ـ أي زوجة عمي ـ كانت متوعكة الصحة .
في الواقع ، صحة والدتي ليست على ما يرام منذ سنين …
دانه تبالغ في وضع المساحيق لتبدو ملفتة للنظر !
رغم أنها لم تكن ترحب بفكرة الحفلة ، إذ أننا لم نقم حفلة عند تخرجها ، إلا أنها مصرة على سرقة الأضواء مني هذه الليلة !
" إنها حفلة بسيطة و لا تقتضي منك كل هذا ! تبدين كعروس بكامل زينتها ! "
قلت لها و أنا واقفة أراقبها و هي ( مزروعة ) أمام المرآة منذ ساعات !
لم تلتفت إلي ، و قالت :
" ما دمنا قد دعوناهن، فلنبهرهن ! قد تعجب بي إحداهن فتخطبي لأخيها مثلا ! "
و ابتسمت بدهاء !
أنا أعرف من تقصد تحديدا … لديها صديقة من عائلة ثرية جدا و شقيقها رجل تحلم نصف فتيات العالم بالزواج منه ، أما النصف الآخر فيبغضه بشدة !
إنه لاعب كرة قدم مشهور و صوره تملأ الصحف و المجلات و برامج التلفاز أيضا!
قلت :
" لا أعرف ما الذي يعجبكن في شخصية كهذه ! إنه حتى لا يتوقف عن توزيع الضحك و الابتسامات و كأنه مهرج ! "
نظرت إلي بحدة من خلال المرآة ، ثم قالت :
" على كل ٍ ، الأمر لا يعنيك فأنت أخذت نصيبك و انتهى دورك ! "
ثم انشغلت بتزيين خصلة من شعرها بسائل ملمّع …
صرفت نظري عنها ، إلى يدي اليمنى ، بالتحديد إلى إصبعي البنصر ، و بمعنى أدق ، إلى خاتم الخطوبة الذي أضعه منذ سنين …
بمجرد أن بلغت الرابعة عشر من عمري أي قبل ثلاث سنوات و أكثر ، تم عقد قراني على ابن عمي سامر …
و بقينا مخطوبين حتى إشعار آخر .
سامر … يكبرني بخمس سنوات تقريبا ، و ما أن تخرج من الثانوية حتى بادر بطلب الزواج مني
والدي ، بل و والدتي و دانة أيضا … الجميع كان يريد ذلك ، فأنا أصبحت فتاة بالغة و لم يكن من الممكن بقائي و ابن عمي في بيت واحد دون حرج على كلينا
عدا عن ذلك ، فإن سامر يحبني بجنون !
كما و أنني كنت السبب في الحادث الذي شوه وجهه ، و قلل فرصه لنيل إعجاب الفتيات قطعا
أما أنا ، و بالرغم من كوني جميلة أيضا ، إلا أن هذا الخاتم يصرف الجميع عن الالتفات إلي …
على أية حال نحن لا نفكر في الزواج الآن فسامر لا يزال يبحث عن وظيفة و أنا أطمح إلى الحصول على شهادة جامعية …
نبهتني دانة من شرودي الذي لاحظته من خلال انقطاعي عن التعليق المستمر على مظهرها
قالت :
" أين سرحت ؟ ألن تبدلي ملابسك ؟ إنهن على وشك الوصول ! "
غادرت غرفتها و اتجهت إلى غرفتي ، حيث ارتديت فستاني الجديد الرائع … و الذي أضطر والدي لشرائه لي رغم ارتفاع ثمنه ، فقط لأنني قلت : أريده لي !
كان فستانا خمري اللون مطرزا بخيوط ذهبية ، طويل الذيل ، و بدون كمّين ، مما يسمح للندبة القديمة في ذراعي اليسرى بالظهور …
أكملت زينتي و تحليت بطقم العقد الذهبي الذي أهدتني إياه والدتي قبل أيام …
حينما لففت السوار حول معصمي الأيسر ، لم يبدُ منظره متناسقا مع الساعة …
إذ أن السوار ذهبي بينما الساعة فضية اللون …
هممت بخلعها ، لكنني لم أستطع … لا أريد أن أبقيها بعيدة عني في هذه الليلة …
لطالما كانت قريبة مني و ملتصقة بي …
لم أكن آبه لتعليقات زميلاتي المزعجة حول ارتدائي لساعة رجالية !
إنها شيء لا أستطيع التخلص منه … تماما كهذه الندبة !
نزعت السوار الذهبي ، و حاولت لفه حول معصمي الأيمن ففشلت !
" سحقا ! "
صحت بغضب ، في ذات اللحظة الذي طرق فيها الباب …
لابد أنها دانه جاءت تقارن بين مظهرينا كالعادة !
" ادخل "
قلت ذلك و أنا مازلت أحاول إغلاق السوار بيدي اليسرى حول معصمي الأيمن دون جدوى
" مساء الخير ! "
لم يكن هذا صوت دانه ، بل سامر
رفعت بصري إليه و باندفاع قلت :
" سامر ، هل لا أغلقت هذه قبل أن أحطمها ؟ "
و أقبلت نحوه أمد إليه بمعصمي الأيمن و بالسوار …
" رويدك ! هاتي .. "
و أغلق السوار حول يدي اليمنى ، فسحبتها إلا أنه أمسك بها و قال :
" تبدين رائعة ! جدا "
تورد خداي خجلا .. ثم قلت :
" مساء النور … ! هل قلت ُ ذلك ؟ "
ابتسم ، و قال :
" لا أظن ! "
" إذن مساء النور ! "
ثم سحبت يدي فأطلقها
توجهت إلى سريري ألملم الأشياء التي بعثرتها أثناء تزيين نفسي ، و دخل سامر و أغلق الباب …
" رغد "
ناداني بصوت مرح و بابتسامة مشرقة ، و سعادة تملأ عينيه
" نعم ؟ "
أقبل نحوي ، و عاد يمسك بيدي و قال :
" لدي خبر سار جدا "
ابتسمت و قلت :
" هات ؟ "
" لقد عثرت على فرصة ذهبية للعمل في وظيفة مرموقة "
فرحت كثيرا ! قلت بسرور :
" حقا ! أوه أخيرا … ممتاز ! "
شد سامر قبضته على يدي و قال منفعلا :
" أخيرا ! كم أنا سعيد و لا يتسع صدري لفرحتي هذه ! سأحصل على راتب عظيم ! "
بالنسبة لنا فهذا شيء مهم جدا ، لأن أحوالنا المادية كانت في انحطاط بسبب ظروف الحرب ، و كنا بحاجة لدعم مادي جيد .
قلت :
" متى تباشر العمل ؟ "
" حالما أنهي الإجراءات اللازمة . سأحاول إتمامها خلال يومين أو ثلاثة "
" وفقك الله "
قرب سامر يدي من صدره ، و قال :
" يجب أن نحدد موعد الزواج "
تفاجأت ، فنحن لم نتحدث عن الزواج بجدية بعد …
حالما رأى سامر علامات التعجب ظاهرة على وجهي قال :
" عملي سيكون في مدينة أخرى ، و أريد أخذك معي "
سحبت يدي مجددا ، في توتر ..
فالخبر قد فاجأني ، و لم يعجبني … قلت :
" في مدينة أخرى ؟ … لم عليك الذهاب لمدينة أخرى ؟ "
قال :
" تعرفين كم هو صعب العثور على وظيفة جيدة بسبب ظروف البلد … إنها فرصة لا يمكنني رفضها مطلقا . أخبرت والدي ّ فشجعا ذهابي "
صرفت نظري عنه إلى الأرض بضع ثوان ، ثم عدت أنظر إليه و قلت :
" و شجعا زواجنا ؟ "
ابتسم ، و قال :
" لم أذكر ذلك لهما بعد . أود أن نناقش الأمر نحن أولا "
من البرود الذي اعترى تعابيري أدرك سامر عدم موافقتي ، فقال :
" لم لا ؟ "
قلت :
" و الكلية ؟؟ "
قال :
" الكلية … هل هناك ضرورة لها ؟ "
" بالطبع … أريد أن أدرس ، إنها فرصتي "
صمت سامر قليلا ، ثم قال :
" اصرفي نظر عنها يا رغد أرجوك … أنا لا أريد تضييع الفرصة ، كما لا أريد العيش وحيدا هناك … تعلمين أنني لا أستطيع الابتعاد عنك … "
و أخذ ينظر إلى نظرات رجاء و أمل …
كنت على وشك قول : لنؤجل النقاش في الأمر لوقت أنسب لأن ضيفاتي على وشك الوصول ، إلا أن طرق الباب سبقني ، و دخلت دانة مباشرة و هي تقول :
" رغد ! ألم تنتهي ؟ وصلت نهلة ! "
التفتنا أنا و سامر نحو دانة ، و التي أخذت تحدق بي قليلا ثم التفتت إلى سامر و قالت :
" أنت هنا سامر ؟ قل لي كيف أبدو ؟ أليس فستاني أكثر جمالا من فستان رغد ؟ "
سامر أخذ يدور ببصره بيننا ثم قال مداعبا :
" أنا لا أصلح للحكم بين خطيبتي و أختي ! فخطيبتي ستبدو أجمل في كل مرة ! "
ثم انصرف مسرعا و هو يضحك .
بقينا نحن الاثنتان كل منا تتأمل الأخرى ، حتى وقعت عينا دانه على ساعة يدي ، فقالت بحدة :
" رغد ! ستبدين في منتهى السخافة هكذا ! اخلعيها و لا تحرجينا أمامهن ! "
نظرت إليها بغضب و قلت بعناد :
" لن أخلعها ، و سأظل الأجمل أيضا ! "
في غرفة الضيوف حيث نقيم الحفلة ، وجدت نهلة و سارة ، ابنتا خالتي قد وصلتا و كانتا أول من حضر .
" واو ! فستان رائع ! ما أجمله يا رغد ! "
قالت نهلة و هي تبعد يدها بعد مصافحتي …
نهلة كانت صديقة طفولتي الأولى ، و انتقلت مع عائلتها للعيش في هذه المدينة مثلنا أيضا منذ سنين ، و لا تزال أفضل صديقة لدي .
أما سارة فهي الشقيقة الوحيدة لنهلة ، و تصغرني بست سنوات ، و تلازم نهلة كالظل !
" هل أعجبك حقا ؟ اشتراه والدي بسعر مرتفع ! إنني أعامله كأي قطعة من حليي هذه ! "
ابتسمت نهلة و قالت :
" كم أحسدك ! لديك أب يدللك كما لا يدلل والد ابنته ! رغم أنك لست ابنته الحقيقية ! "
هذه الكلمة تزعجني كثيرا ، فأنا لا أحب أن يشير أحد إلى والدي ّ بأنهما ليسا والدي ّ الحقيقيين . إنني اعتبرتهما كذلك منذ الصغر و لا أعرف والدين غيرهما مطلقا .
قلت بنبرة مازحة :
" لأنني البنت الصغرى ، و آخر العنقود … يجب أن أتدلل ! "
ثم نظرت إلى سارة و قلت :
" أليس كذلك سارة ؟ "
أجابت ببرود :
" كما تقول أختي "
رفعت نظري عن هذه الفتاة البليدة ، و عدت أخاطب نهلة :
" و كيف حال خالتي و زوج خالتي ؟ و حسام ؟ "
أجابت :
" بخير جميعا ! حسام أوصلنا إلى هنا و أظنه يلقي التحية على والدك الآن "
ثم أضافت ، و هي تنظر إلي من زاوية عينها بخبث :
" و على فكرة ، هو يبعث إليك أيضا بتحية حارة مشتعلة !! "
رفعت إصبعي السبابة الأيمن و ضربت جبينها ضربة خفيفة و أنا أقول :
" لا تتوبين ! "
و انبعث ضحكاتنا تملأ الأجواء .
ما إن حضرت صديقتنا الثرية حتى استقبلتها دانه استقبالا حميما ، و أولتها اهتماما مركزا طوال الحفلة !
أتساءل … هل هذا ما يحدث مع جميع الفتيات !
هل يجذبن العرسان إليهن بهذه الطريقة ؟؟
حقيقة لا أعرف !
بينما كنا في أحاديثنا المتواصلة في الحفلة ، سألتني هذه الصديقة :
" هل أنت مخطوبة ! "
و كانت تنظر إلى خاتم الخطوبة المطوق لإصبعي ، و في دهشة واضحة !
تولت دانة الإجابة بسرعة :
" ألم أخبرك مسبقا ؟ إنها و شقيقي مرتبطان منذ زمن ! "
قالت الصديقة :
" و لكن … تبدين صغيرة ! "
و مرة أخرى تدخلت دانة قائلة :
" تصغرني بعامين و بضعة أشهر ، لكن حجمها صغير ! "
صحيح أن طولي لا يقارن بطول دانه أو سامر ، لكنني لست قصيرة ! بل هما الطويلان كما هما أبي و أمي !
إنني أبدو بالفعل لست من هذه العائلة !
قلت مداعبة :
" هذا يجعلني قادرة على ارتداء الأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي المتماشية مع الموضة ! على العكس من دانة ! "
و ضحكنا جميعا بمرح …
قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سامر الأخير .
و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي .
في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سامر …
" ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! "
" الرسم لا يتعبني مطلقا يا سامر ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر "
قال :
" و لا حتى معي أنا ؟؟ "
كان سامر يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد … و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى
و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي
" رغد … "
لم أجب …
مد سامر يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى …
قال :
" رغد … هل فكرت بموضوعنا ؟ "
في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع !
آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي !
سامر كان يتحدث باهتمام … فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل …
لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا
فقلت :
" لازلت أفكر … "
سامر قال بنبرة مليئة بالرجاء :
" أرجوك يا رغد … يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة "
نظرت إليه و قلت :
" ماذا لو … عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا … ثم … "
لم أتم جملتي ، إذ أن سامر هز رأسه اعتراضا و قال :
" لا … إما أن نذهب سويا … أو نبقى سويا … "
كنت أدرك أن سامر لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه .
حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين إلا نادرا
سامر … هو شخص هادئ و مسالم … و طيب القلب …
قلت :
" دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك … يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية "
ابتسم سامر و قال :
" سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! "
ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي …
كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت …
و في الليل ، تركت سامر يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة … و أخذت أفكر …
و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم !
أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب …
نهضت عن سريري بفزع … و أصغيت إلى الهتاف …
" رغد … رغد افتحي … افتحي بسرعة ! "
كانت دانة !
سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق …
و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل دانة في انفعال …
كانت في حالة يصعب علي وصفها …
كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور … ذراعاها مفتوحتين … و يداها مرفوعتين
و أصابعها منفرجة ، و تهتز بشدة …
و الدموع تنهمر بغزارة على خديها
قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر :
" دانه … ماذا حدث ؟؟ "
" رغد … رغد … "
و عادت تلهث …
" رغد … رغد … أخي … أخي … "
تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في صدري …
حاولت قول : ماذا …
ألا أنني عجزت من الذعر …
هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على صدري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما …
كانت دانة تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب …
خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا :
" سامر … "
هزّت دانة رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج …
" و …
و …
وليد …
وليد عـــــــــــــــــــــــــــــ اد "
للحظة … ظللت أحدق في دانة … في تشتت
لم أكن أعرف … هل هذا واقع أم أحد أحلامي … ؟
تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي …
كل شيء كان مبهما …
دانة عادت تقول :
" وليد قد عاد … عاد يا رغد … عاد "
لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي … و بقيت واقفة على نفس الوضع …
فأقبلت دانة نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما …
لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما
لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة …
و أطير …
أطير …
نحو مصدر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل …
بالتحديد … مدخل المنزل …
و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل …
توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي …
و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ …
و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي …
و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل ….