دفعت متطلبات الحياة المادية الشباب الفلسطيني، وحتى العربي إلى التفكير بالزواج من فتاة عاملة، أو عمل الزوجات للمساندة في متطلبات الحياة الأسرية، وسط غلاء في الأسعار وأجور السكن.
وأصبح هناك توجه ملحوظ في المجتمع لعمل الزوجة إن كانا متزوجين، أو البحث عن فتاة عاملة للزواج منها… في هذا التقرير شبكة (الإسلام اليوم) اقتربت من عدد من الأسر، وتحدثت معها عن عمل الزوجة، فوجدت من يبحث عن زوجة عاملة، ومنهم من دفع بزوجته للعمل للمساندة.. وآخرون أصبحوا عاطلين عن العمل، فسدّت زوجاتهم النقص والتحقن بسوق العمل.
زوجة عاملة شرط للزواج
أحمد وسمر زوجان عاملان … قررا أن يتقاسما أعباء الحياة في ظل الغلاء، وكثرة أعباء الحياة، والوضع الاقتصادي المتردي.
يقول أحمد: هذا القرار جاء في ظل كثرة متطلبات الحياة والغلاء.
ومحمد قاسم تزوج حديثاً يتحدث لـ(الإسلام اليوم) قائلاً: من خلال متابعتي للحياة وظروفها القاسية والغلاء قررت أن أتزوج من فتاة عاملة لكي يسند بعضنا بعضاً في الحياة؛ فكثير من المشاكل التي تنتج في الأسرة يكون سببها الناحية المادية، وهكذا أنا موظف وهي أيضاً، وبالتالي نتقاسم أعباء الحياة، ونبني أسرة بإذن الله.
ويضيف لا أريد أن أبقيها زوجة عاملة، ولكن لنتساند في بداية الطريق لكي نبني أنفسنا ثم تترك عملها.
ويوافقه كمال الرأي.. يقول: أنا شاب عازب وأفكر بالزواج في المستقبل القريب، ولكن وقت اختيار الزوجة سأختارها زوجة عاملة وبالتحديد موظفة.
ويبرر ذلك بالقول: الغلاء غير معقول في هذه الأيام، و أجرة البيت كذلك، وبالتالي فإن زوجاً وزوجة عاملين سيقدران على احتمال أعباء الحياة.
فقدان العمل سبب لعمل الزوجة
محمود كان يعمل سائقاً بشركة نقل، تم توقيفه عن العمل لأسباب مالية بالشركة، ولا يجيد عملاً سوى هذه المهنة التي قضى بها عشر سنوات. يقول لـ (الإسلام اليوم): أنا الآن عاطل عن العمل، وما اختزنته من مال خلال العمل ينفد بسرعة؛ فأعباء الحياة كثيرة، ومتطلبات الأبناء تكبر معهم أيضاً وسط الغلاء، فلم أجد حلاً سوى أن تعمل زوجتي.
ويضيف قائلاً: تعمل زوجتي الآن براتب لا يكفي نصف متطلبات الحياة، وأقوم بالبحث عن العمل منذ أكثر من سنة دون جدوى. أعمل في بعض الأعمال لمدة أيام حسب الحاجة في المكان الذي أعمل به، ثم أعود إلى البطالة!!
أنا أعيش في حالة اكتئاب نتيجة عمل الزوجة؛ فهذا مغاير لثقافتنا وحياتنا العربية، ويجعلني دائما سيئ المزاج في التعامل مع من حولي.
أما طلال بركة فيقول: في ظل الإغلاق الإسرائيلي على الضفة الغربية، وعدم قدرتي على الذهاب للعمل في فلسطين المحتلة عام 48 مررت بظروف اقتصادية صعبة للغاية، حاولت العمل في كثير من المجالات دون جدوى، والأجور متدنية، وعليك أن تبذل طاقة كبيرة فوق ما تسطيع، ولم أجد حلاً سوى عمل زوجتي.
ويضيف: هي اليوم تعمل براتب يصل إلى (500) دولار تقوم برعاية البيت من خلال وظيفتها، وأنا الآن عاطل عن العمل، مما ينعكس عليّ في حالة من التعب والقهر.
سامية محمود تعمل بمصنع خياطة تقول لـ(الإسلام اليوم): إنها اضطرت للعمل بعد أن فقد زوجها عمله، وعدم وجود دخل آخر للأسرة، فقررت أن تعمل في الخياطة عند أحد أقربائها، وتقوم بالإنفاق على البيت.
تضيف قائلة: صحيح أن المعادلة معكوسة، ولكن ما العمل؟ فزوجي لا يجد عملاً ولا يستبقي جهداً إلاّ ويقوم به للحصول على عمل، والديون بدأت تتراكم علينا، فقررت أن أعمل، على الرغم من معارضته في البداية للفكرة، إلاّ أنني أقنعته بذلك، وأعلم أنه ما زال لا يتقبل الفكرة.
متطلبات الحياة تدفع لعمل الزوجة
أحمد يقول لـ(الإسلام اليوم): قبل أن أتزوج لم أكن أفكر بأن تكون زوجتي عاملة، ولكن بعد مرور عامين على الزواج حدثت تغيّرات كبيرة في الوضع المالي، فقررنا معاً أن تعمل زوجتي؛ فهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم الإدارية، مما أعطاها فرصة جيدة للحصول على وظيفة.
يضيف أحمد قائلاً: استطعنا أنا وزوجتي أن نتخطى المشكلة المالية معاً، وبناء حياة فضلى لأسرتي الصغيرة.. مع أن هذا الأمر لم يكن ضمن تفكيرنا أيام الخطوبة، ولكن فرضت الحياة علينا ذلك.
ويقابله مسعود مدرس لغة عربية يقول: تزوجت فتاة حاصلة على شهادة الثانوية العامة، ولم أكن أبحث عن فتاه تحمل شهادة جامعية، ولكن مع نمو الأسرة وزيادة مطلبات الحياة قمت بتدريس زوجتي بالجامعة لتحصل على شهادة البكالوريوس، وها هي اليوم تعمل مدرسة لغة إنجليزية تقاسمني بناء الأسرة.
وبيّن مسعود لـ(الإسلام اليوم) أن متطلبات الحياة في ظل الاحتلال الإسرائيلي والإغلاق والحصار يتطلب أن تشارك المرأة زوجها في أعباء الحياة.
موقف الفتيات من ذلك
في المقابل انقسمت الفتيات بين مؤيد لعمل الزوجة ومعارض؛ إذ ترى إيمان أنها تقبل أن تتعاون مع زوجها في العمل لبناء أسرتهم، وتقول: أنا أعلم جيداً مدى كثرة متطلبات الحياة في هذه الأوقات، مما يصعّب على موظف بدخل محدود أن يتحملها، لذلك أنا مع أن أكون زوجة عاملة، ولكن ليس أن يكون زوجي عاطلاً عن العمل، ولا يبحث عنه، و لايبذل جهداً، فهذا يصبح اتكالاً واتكاء عليّ!!
في المقابل ترى نورة أنها ترفض أي شاب يبحث عن فتاة عاملة، أو يفكر أن تكون زوجته عاملة؛ فهي تفضل أن تكون سيدة منزل فقط، وهذا هو مكانها الطبيعي.
عمل الزوجة مشاكل أسرية
على الرغم مما يتضمنه عمل الزوجة من دخل مادي على الأسرة إلاّ أن مشاكل كبيرة تحدث في الأسرة نتيجة عمل الزوجة، وخاصة في حال كان الزوج عاطلاً عن العمل.
منار زكي تقول: لا يخلو يوم دون مشاكل في البيت، وأنا أقدر ذلك لزوجي العاطل عن العمل، فخلقه ضيق؛ لأنه يرى أن زوجته تصرف عليه وعلى البيت، وأن طعامه هو من جهد زوجته، وهو مغاير للطبيعة والفطرة البشرية، وبالذات عند العرب، مما يجعله دائماً في حال شجار حتى مع نفسه، ويدقق على كل الأمور وأبسطها.
و يقول الأستاذ عصام كمال اختصاصي علم الاجتماع لـ(الإسلام اليوم): إن عمل الزوجة في المجتمع العربي المحافظ، وفي الفلسطيني بشكل أخص، ينجم عنه مشاكل أسرية قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الانفصال بين الأزواج.
ويقول عصام كمال: الرجل مع الفطرة هو سيد البيت، وهو المسؤول عنه، عندما يصبح عاطلاً عن العمل، وزوجته هي التي تعمل ينعكس عليه بحالة مزاجية خطيرة، وتعب نفسي كبير تؤدي إلى إحداث مشاكل أسرية، كما أنه لا يستطيع أن يقابل المجتمع وهو عاطل عن العمل، وزوجته هي العاملة.
وبيّن كمال أن لعمل الزوجة والزوج معاً للمساندة في الحياة جانباً جيداً حيث يبنيا حياتهما معاً، ولكن في حال فقدان الزوج العمل يحدث عدم توازن في الميزان، كما أسلفنا مسبقاً.
ويعاني المجتمع الفلسطيني من حالة فقر وبطالة عالية جداً؛ إذ تبلغ نسبة البطالة ما يقارب الـ 25%، ونسبة الفقر تفوق الـ 30% حسب الاحصائيات الرسمية الفلسطينية.