التصنيفات
منوعات

التوكل الشيخ سالم العجمي

التوكل على الله

الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف الشدائد والنقم ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فُضِّل على جميع الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد عباد الله:

فإن من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى حسن التوكُّل عليه في أموره كلها؛ وإنّ بلوغ هذه المنزلة لهو من أعظم الامتنان والتفضل على العبد؛ فمن توكلّ على الله عز وجل حق التوكل سكن قلبه؛ واطمأنت نفسه؛ ولذّ عيشه, ذلك أن حقيقة التوكل هي صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح, ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة, وتفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه, وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه, وهذه منزلة لا يبلغها إلا الصدّيقون؛ قال سعيد بن جبير: « التوكل جماع الإيمان » .

فالتوكل عبادة قلبية محضة؛ ليست قولاً باللسان, ولا عملاً بالجوارح؛ ولذلك قال الإمام أحمد : « التوكل عمل القلب » .

فلابد للقلب أنْ يكون متعلقاً بالله حق التعلق, وأنْ يوقن العبد بأن مردَّ الأمور إلى الله ؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .

ولعظم منزلة التوكل فقد جاءت الأدلة الكثيرة تحث عليه وتبين منزلته ليأخذ به المسلم؛ لما فيه من حلاوة العيش وحسن العاقبة؛ فقد قال الله تعالى: ( و من يتوكل على الله فهو حسبه) أي: كافيه؛ وقال: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .

وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».

ففي هذا الحديث ضرب النبي r المثل بالطير على ضعفه وأن الله ﻷ قد تكفل له بالرزق وهداه لأسبابه, وهذا مما يورث اليقين عند العبد بأن عَيْشَه مكفول, فإذا علم ذلك أورثه ذلك حسن ظنٍّ بربه سبحانه, لأن المتوكل حقيقةً من يعلم أن الله قد ضمن لعبده رزقه وكفايته, فيصدِّق الله فيما ضمنه, ويثق بذلك حقَّ الثقة؛ ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق؛ وأن الرزق مقسوم لكل أحدٍ من بَرٍّ وفاجر, ومؤمن وكافر؛ كما قال تعالى: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )؛ هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق, فما دام العبد حياً, فرزقه على الله, وقد ييسره الله بكسب أو بغير كسب, وإن كان بذل الأسباب مطلوباً .

والتوكل دليل على حسن ظن العبد بربه, قال محمد الذهلي: سألت الخريبي عن التوكل فقال: « أرى التوكل حسن الظن بالله », فعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له يكون توكله عليه, فحسن الظن بالله يدعو العبد إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنه به؛ ولا التوكل على من لا يرجوه, وهذا ما فعله أولياء الله تعالى في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ حيث فوضوا أمورهم إلى الله عز وجل لحسن ظنهم بكفايته لهم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: « حسبنا الله ونعم الوكيل, قالها إبراهيم r حين أُلقي في النار, وقالها محمد r حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل » .

فهذا بيانٌ لحال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكيف بلغ بهم التوكل على الله تعالى وحسن ظنهم به على الرغم مما هم فيه من الخوف والضنك الشديد؛ فكان قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل؛ أي: أنه كافينا في مهماتنا وملماتنا, وهو نعم الكافي ومن نُفَوِّضُ له الأمر .

فإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ لما دعا قومه إلى التوحيد وكسّر أصنامهم؛ أوقدوا له ناراً عظيمة ثم رموه فيها؛ فلما رموه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فكانت النتيجة أن أنجاه الله من النار؛ قال تعالى: ( قُلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )؛ فنجاه الله ﻷ لحسن ظنه به وصِدْقِ توكله عليه .

و لما رجع النبي r من غزوة أُحد؛ وقد هُزِم المسلمون فيها وأصابهم غمٌّ شديد وضنك عظيم وقُتِل منهم خلق كثير, جاء من أخبر النبي r أنَّ المشركين عزموا على العودة إلى النبي r وصحابته ليستأصلوا بقيتهم, وقد جمعوا لذلك الجموع, فما كان من النبي r وصحابته إلا أن فوضوا أمرهم إلى الله؛ وأحسنوا الظن به سبحانه؛ وزادهم ذلك الأمر على شدته إيماناً؛ وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل .

فما كانت النتيجة؟

قال تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم).

وفي ذلك أعظم دليل على أن الإنسان مهما مسه من الضنك والشدائد؛ إن لجأ إلى الله سبحانه في أموره أعانه وتولاه و نصره, لكنَّ البلاء العظيم أن بعض الناس إذا مسه الكرب لجأ إلى الأمور المادية يبحث من خلالها عن الفرج؛ ولو تعلق قلبه بخالقه لكفاه ما أهمه .

ثمَّ إن اعتماد القلب على الله تعالى؛ واستناده وسكونه إليه, يُذهِبُ عنه ما يكون في القلوب من التشويش؛ والخوف من فوات الأسباب؛ لعلمه أن هذه الأسباب بيد مسببها سبحانه؛ ولذلك لا يبالي بإقبالها وإدبارها, ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها, وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه, واستناده إليه, قد حصنه من خوفها ورجائها, فحاله في ذلك حال من خرج عليه عدوٌّ عظيم لا طاقة له به, فرأى حصناً مفتوحاً فأدخله صاحبه إليه, وأغلق عليه باب الحصن, فهو يشاهد عدوّه خارج الحصن, فاضطرابُ قلبهِ وخوفُه من عدوّه في هذه الحال لا معنى له .

و مَثَلُه في ذلك مَثَل الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه؛ لا يعرف غيره, وليس في قلبه التفات إلى غيره, ولذلك قال بعض العلماء: المتوكِّل كالطفل لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمِّه, كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه .

وروح التوكل ولبُّه وحقيقتُه في تفويض الأمور إلى الله؛ وأن يلقي المرء أموره كلَّها لله سبحانه, وإنزالها به طلباً واختياراً؛ لا كرهاً واضطراباً؛ بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره أمورَه إلى أبيه العالِمِ بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له, فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه, وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها, فلا يجد له أصلَح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه, وراحتِه من ثقل حملها؛ مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها؛ وعلمه بكمال من فوّض إليه وقدرتهِ وشفقته .

وقد قال الله تعالى فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون حيث قال: ( وأفوِّضُ أمري إلى الله )؛ والمفوِّض لا يفوِّض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده, وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيراً فهو راض به لأنه يعلم أنه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه, وهكذا حال المتوكل سواءً؛ بل هو أرفع من المفوض, لأن مقام التوكّل اعتماد القلب كله على طاعة الله بعد تفويضه .

ومِن أجلِّ ثمرات التوكل على الله الرضا بما يقدره الله سبحانه, وهذا من أعظم درجات العبودية؛ قال بشر الحافي رحمه الله:« يقول أحدهم توكلت على الله, يكذب على الله, لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به».

فمن وكّل الله سبحانه في أمره؛ فمن تمام عبوديته أن يرضى بما كتب الله له وقدّره عليه فيما وكّل الله فيه من الأمور .

و من تأمل الجزاء الذي جعله الله تعالى للمتوكِّل عليه؛ وأنه لم يجعلْه لغيره علم أن التوكل أحبُّ السبل الموصلة إليه سبحانه؛ فقد قال تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشف ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لأرباب البصائر أنوار الهدى؛ أحمده سبحانه تنزه عن كل النقائص وعلى العرش استوى؛ وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له فالق الحب والنوى؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

أما بعد أيها المسلمون:

فإن من تمام التوكل الأخذ بالأسباب, ولا يعني التوكل أنْ لا يأخذ العبد بالأسباب؛ لأن ترك الأسباب جملةً ممتنعٌ عقلاً وحساً, وما أخل النبيr بشيء من الأسباب, فقد لبس درعين يوم أحد, واستأجر دليلاً مشركاً يدله على طريق الهجرة, وكان إذا سافر في حج أو جهاد حمل الزاد والمزاد, وهكذا فعل أصحابه y وهم أولو التوكل حقاً .

ومع كون الأخذ بالأسباب من تمام التوكل فإن الواجب على المسلم أنْ لا يلتفت قلبه إلى الأسباب بل إلى مسببها سبحانه, فقد يجمع المرء جميع الوسائل المادية ولا يتم له ما عزم عليه, فإن الأمور بيد الله .

ولما كان الأمر كله لله سبحانه , وليس للعبد فيه شيء البتة, كان توكلُه على الله تسليمَ الأمر لمَن هُوَ لَه, وعزْلَ نفسِه عن منازعة مالكه, واعتمادَه عليه فيه, وخروجَه عن تصرفه بنفسه وحولهِ وقوّته إلى تصّرفِّه بربه؛ وكونِه به سبحانه دون نفسه, وهذا مقصود التوكل .

فإذا عزل العبد نفسه عن مقام التوكل عزلها عن حقيقة العبودية, وقد خاطب الله سبحانه- في كتابه- بالتوّكل خواصَّ خلقه وأقربهم إليه وأكرمهم عليه, وشَرَط في إيمانهم أن يكونوا متوكلين؛ وهذا يدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل, فمن لا توكل له لا إيمان له, قال الله تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشفوعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين)؛ وقال تعالىالتوكل على الله الحمد لله ذي الألطاف الواسعة والنعم، وكاشفوعلى الله فليتوكل المؤمنون )؛ وقال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون)؛ و هذا يدل على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصفة؛ وأخبر تعالى عن رسله بأن التوكل ملجأُهم ومعاذُهم فقال تعالى: (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين * فقالوا على الله توكلنا..)؛ وقال رسل الله وأنبياؤه: ( ومالنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) .

فالعبد آفته إمّا من عدم الهداية, وإما من عدم التوكّل, فإذا جمع التوكلَ إلى الهداية فقد جمع الإيمان كله .

وقد كان في دعاء النبي r ما يدل على توكله الدائم على خالقه سبحانه؛ فكان من دعائه r قولُه: «اللهم لك أسلمت, وبك آمنت, وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت» .

فإذا كان هذا حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم فينبغي على المسلم أن يقتدي بهم, وأن يستشعر حقيقة التوكل في قلبه, والتي ينتج عنها ترجمة هذه العقيدة القلبية على لسانه وجوارحه؛ ويوقن أشد اليقين بأن العبد إذا توكل على الله تعالى أورثه ذلك علماً أكيداً بأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره حولاً ولا قوة, وأن استطاعته بيد الله لا بيده؛ فهو مالِكُها دونه, وأنه إنْ لم يعطه الاستطاعة فهو عاجز, وأنه لا يتحرك إلا بالله لا بنفسه ولذا كان من دعائه r: «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث؛ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .

وكان من دعاء علي بن الحسين رحمه الله: « اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيّعوني » .

فالواجب على المسلم أن يلزم التوكل لأنه محض العبودية وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقة؛ ومن ترسخت في قلبه هذه العقيدة فهو الموفق حقاً .

اللهم اغفر لنا وارحمنا؛ وتوفنا وأنت راضٍ عنا..




ان شاء الله تستفيدومن الموضوع



باااركـ الله فــيكــي أختــي الغــااالية



وفيكي بارك الله اخيتي



التصنيفات
منتدى اسلامي

الصدق ومجانبة الكذب للشيخ سالم العجمي

إنّ من سعادة المرء اشتغاله بصلاح حاله وتصحيح سلوكه؛ ومن أعظم ما يعين على ذلك أن يتعاهد لسانه بما يصلحه؛ فقد قال النبي r: «طوبى لمن ملك لسانه؛ ووسعه بيته؛ وبكى على خطيئته»؛ ومن أهمّ ما يجب على العاقل فعله أنْ يداوم على رعاية لسانه بلزوم الصدق وما يعود عليه نفعه في الدارين، لأن اللسان يقتضي ما عُوِّد؛ إن صدقاً فَصَدْق، وإن كان غير ذلك فهو على حسب ما عوّده عليه.

واللسان بوابةٌ يلج من خلالها المرء في تعامله مع الآخرين؛ فمن الناس من يُكْرَم للسانه، ومنهم مَن يهان بسببه؛ ولذا فالواجب على العاقل أنْ يتعاهد لسانه، ولا يكون ممن يشقى بسببه.

وخير ما يحمل المرء لسانه عليه أن يعوِّده الصدق ومجانبة الكذب في الأقوال والأفعال؛ فإنَّ كل شيء يستعار ليُتَجمَّلَ به إلا اللسان؛ فإنه ينضح بما اعتاده؛ فإنَّ الألسنة مغاريف القلوب؛ والصدق ينجي صاحبه والكذب يرديه.

وقد قيل:

عَوِّد لسانك قول الخَير تَحْظَ به

إن اللسان لما عَوَّدْتَ معتادُ

موكّلٌ بتقاضي ما سنَنْتَ له

اختر لنفسك وانظر كيف ترتادُ

والصدق من أعظم أبواب الخير التي تقود صاحبها إلى جنات الخلد؛ كما قال النبي r: «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر؛ وإن البر يهدي إلى الجنة؛ وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا؛ وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور؛ وإن الفجور يهدي إلى النار؛ وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» .

قال الفضيل بن عياض: ما من مُضْغْة أحبُّ إلى الله من لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله من لسان كذوب .

ولِما تميَّز به الصدق من الفضل وعلوّ المنزلة فقد أوصى به العقلاء؛ وحَثَّوا عليه؛ ومدحوا صاحبه؛ وما ذاك إلا لأنَّ الصدق عمود الدين، وركن الأدب، وأصل المروءة، فلا تتم هذه الثلاثة إلا به .

قال عمر بن الخطاب t : إن أبا بكر قام فينا عام أول فقال: إنه لم يقسم بين الناس شيء أفضل من المعافاة بعد اليقين، ألا إن الصدق والبرَّ في الجنة، ألا وإن الكذب والفجور في النار .

قال عمر t: عليك بالصدق وإن قتلك.

وقال المهلب بن أبي صفرة: ما السيف الصارم في يدِ الشجاعِ بأعزَّ له من الصدق .

وقال إسماعيل بن عبيد الله: لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه فقال لهم: يا بَنيَّ عليكم بتقوى الله؛ وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق حتى لو قَـتَل أحدكم قتيلاً ثم سئل عنه أقرَّ به، والله ما كذبْت كذبة قط مذ قرأت القرآن .

ومن لزم الصدق وعوَّد لسانه عليه وُفِّق؛ فلا يكاد ينطق بشيءٍ يظنه إلا جاء على ظنه، وأحسن الكلام ما صدق فيه قائله وانتفع به سامعه؛ كما أنّ الله تعالى يرزق صاحبه من الصفات ما يتميّز به بين الناس مَن عرف منهم ومَن لم يعرف؛ قال يوسف بن إسباط: للصادق ثلاث خصال؛ الحلاوة، والملاحة، والمهابة؛ فالصادق يرزقه الله مهابة وجلالة؛ فمن رآه هابه وأحبه والكاذب يرزقه إهانة ومقتاً فمن رآه مقته واحتقره .

والصدق يرفع المرء في الدارين، ولو لم يكن في الصدق خصلة تحمد إلا أن المرء إذا عُرِف به قُبِل كذبه وصار صدقاً عند من يسمعه؛ لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في تدريب لسانه حتى يستقيم له على الصدق ومجانبة الكذب.

قيل لسيار: تروي عن مثل خالد القسري؟ فقال: إنه أشرف من أن يكذب.

ولذلك فينبغي على الوالد أن يربي ولده على الصدق من حين الصغر؛ فإنهم إذا نشأوا على ذلك صار لهم عادة ملازمة؛ وصفة دائمة؛ وقد كان عبد الملك بن مروان يقول لمؤدب ولده: عَلِّم بنيَّ الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم الكذب، وإن كان فيه كذا وكذا؛ يعني القتل .

وقد كانت العرب تفخر بالصدق ومجانبة الكذب حتى في أيام جاهليتهم وشركهم؛ حتى قال أبو سفيانt – وقد كان مشركاً-: كنت امرءاً سيداً أترفع عن الكذب؛ فلما جاء الإسلام ازدادوا به تمسكاً وفخراً .

جاء عن بلالt أنه خطب لأخيه امرأة قرشية، فقال لأهلها: نحن مَن قد عرفتم كُنّا عبدَيْن فأعتقنا الله تعالى، وكنا ضالَّيْن فهدانا الله تعالى، وكنا فقيرَيْن فأغنانا الله تعالى، وأنا أخطِب منكم فلانةً لأخي، فإن تزوجوه فالحمد لله، وإن تردونا فالله أكبر .

فأقبل بعضهم على بعض؛ فقالوا: بلال ممن عرفتم سابقتَه ومشاهِدَه ومكانه من رسول اللهr فزوِّجوا أخاه، فزوَّجوه، فلما انصرفوا قال له أخوه: يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهِدَنا مع رسول الله r ما عدا ذلك، فقال: مه يا أخي صدقْتَ فزوَّجك الصدق .

وامتدح ابنُ ميادة جعفرَ بنَ سليمان، فأمر له بمائةِ ناقة، فقبَّل يده وقال: والله ما قبَّلْتُ يدَ قُرشيٍّ غيرك إلا واحداً، فقال: أهو المنصور؟ قال: لا والله، قال: فمن هو؟ قال: الوليد بن يزيد .

فغضب وقال: والله ما قبلتَها لله تعالى، فقال: واللهِ ولا يدُك ما قبلتُها للهِ تعالى، ولكنْ قبلتُها لنفسي، فقال: واللهِ لا ضرَّك الصدقُ عندي؛ أعطوه مائة أخرى .

وقد تورع السلف رحمهم الله عن الكذب حتى فيما تهاون الناس فيه بدعوى مجاملة الآخرين؛ قال المنصور لهشام بن عروة: يا أبا المنذر، تذكرُ يوم دخلت عليك أنا وإخوتي مع أبي، وأنت تشرب سويقاً بقصبةِ يراع؟ فلما خرجنا قال أبونا: اعرفوا لهذا الشيخ حقه، فإنه لا يزال في قومكم بقيةٌ ما بقي .

قال: لا أذكر ذلك يا أمير المؤمنين؛ فلما ذهب المنصور لاموا هشاماً؛ لأنه لم يسايره في حديثه مجاملةً؛ فقال: لم يعودني الله في الصدق إلا خيراً .

وكما يجب على المسلم لزوم الصدق فيجب عليه كذلك مجانبة الكذب؛ عامداً كان أو مازحاً؛ فالكلام أكثر من أن يكذب فيه عاقل؛ ومَن أكثر الكذب لم يترك لنفسه شيئاً يُصَدَّق به؛ وإنما يكذب الكاذب من مهانة نفسه؛ ولو لم يكن للكذب من الذمّ إلا إنزاله صاحبه بحيث إنه إنْ صَدَق لم يُصدَّق لكان الواجب على العاقل أن يتجنبه ويلزم التثبت بالصدق الدائم.

كذبتَ ومنْ يكذب فإن جزاءه

إذا ما أتى بالصدقِ أن لا يُصَدَّقا

إذا عُرِف الكذابُ بالكِذْبِ لم يزل

لدى الناس كذاباً وإن كان صادقا

ومن آفةِ الكذاب نسيانُ كذبِه

وتَلقاهُ ذا فَقْهٍ إذا كان حاذِقا

والكذب يهوي بصاحبه في الدنيا والآخرة؛ فلا يترك له قيمةً ولا أثراً؛ ومن أجل ذلك قالت الحكماء: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب؛ فلا شيءَ أشدَّ وأشنعَ من الكذب؛ حيث يضع صاحبه ويحقِّره بحيث لا يرتفع بعد ذلك؛ كما قيل:

كم من حسيبٍ كريمٍ كان ذا شرف

قد شانه الكِذْبُ وسط الحيّ إن عمدا

وآخرٌ كان صُعْلوكاً فشَرّفه

صدقُ الحديث وقولٌ جانب الفَنَدَا

فصار هذا شريفاً فوق صاحبه

وصار هذا وضيعاً تحته أبدا

والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه ويكسوه برقعاً من المقت يراه كل صادق؛ فتظهر سيما الكاذب في وجهه بينة يراها من له عينان؛ فالواجب على العاقل أن يتنزه عنه حفاظاً على دينه أن يُجرح؛ وعلى مروءته أن تُقدح .

ومن تمام عقل المرء تجنبه الخوض فيما لا يَعلم؛ حتى لا يُتَّهم فيما يعلم؛ ولا يجب على المرء إذا سمع شيئاً يعيبه أن يحدِّث به؛ لأن من حَدَّث عن كلِّ شيءٍ أزْرَى برأيه وأفسَد صِدْقَه؛ قالr: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»؛ وقال عبد الله بن مسعودt:حَسْبُ المؤمن من الكذب أن يحدث بكل ما سمع.

فالواجب على المسلم أن يحتاط لدينه؛ وأن يبتعد عما شأنه أن يزري بدينه ويحط من قدره؛ ولا شيء يبلغ به هذا المبلغ من نسبته إلى الكذب؛ لأن الكذبَ رأسُ الذنوب؛ وهو يبدي الفضائح ويكتم المحاسن .

هذا وإنَّ من أنواع الكذبِ تعمدُ الكذبِ بدعوى المزاح؛ وقد حذر النبيr من ذلك أشدّ تحذير فقال:«ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويلٌ له ويلٌ له»؛ وقال عمر بن الخطاب t: لا يجد عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يَدعَ المراء وهو مُحِقّ، ويدع الكذب في المزاح وهو يرى أنه لو شاء لغلب.

فالواجب على المسلم أن يلزم الصدق في أقواله وأعماله؛ وأن يجتنب الكذب في جميع أحواله؛ ويحفظ لسانه عن جميع ما يُضعف دينه؛ فإنَّ في ذلك النجاة؛ قال عبد الله بن عمرو: لا تنطق فيما لا يعنيك، واخْزُنْ لسانك كما تخزن دراهمك .




ارجو ان تستفدن من الموضوع



التصنيفات
منتدى اسلامي

لاتجزع سالم العجمي

لا تجزع

أخي ؛ أختي:

هل أيقنت أنّ كل شيء في هذه الدنيا إنّما هو بتقدير الله سبحانه؛ وأنه لا يخرج عن قضائه وقدره شيء؟

إنّك حين تعتقد بذلك؛ فإنّ ذلك يورثك برداً من اليقين تجد حلاوته في قلبك وتحس به كالنور الذي يضيء لك المسير .

فمما تخاف وأنت تعلم أنَّ الذي يملك النفع والضرّ هو الله؛ فإن شاء الله سبحانه ألان لك قلوب الأعداء؛ وجعل نصرك على يد أعتى خلقه .

ومما تخاف وأنت تعلم أن الأجل بيد الله تعالى؛ فإن شاء أطال في مهلة العبد على رغم ما يعتريه من الحوادث، ومن ترجو من دونه وأنت تعلم أنّ الرزق بيده ومقاليد الأمور بيديه .

أليس هو الذي جاء بك عارياً فكساك؟ وظمآناً فسقاك ؟ وجائعاً فأطعمك وضالاً فهداك؟

فكيف بقلب واعٍ أن يلتفت إلى سواه وكل ما سواه تحت قهره وسلطانه؟

أين أنت من قوله تعالى: ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )؟.

وأين أنت من قول النبيr:«إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته»([1]) .

ألست توقن بقوله r: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك؛ ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف»([2]) . فكيف لك بعد ذلك أن تخاف من عدو؛ أو تضجر من استبطاء رزق؛ أو تتململ لابتلاء حلَّ بك .

وعليك إن أردت الخير كله أن تتوكل على الله حقَّ توكله؛ وتعلم أنَّ ما كُتِب في اللوح المحفوظ لن يُبَدَّل ولن يغيَّر؛ وعليك بلزوم الصبر على ما ابتليت به؛ ولزوم حمد الله على ما أنعم عليك به .




الردود



التصنيفات
منتدى اسلامي

حسن الخاتمة للشيخ سالم العجمي

3139 زائر
14-04-2010
admin

حسن الخاتمة

فإن من توفيق الله عز وجل للعبد أن يهديه إلى الحق ويثبته عليه, ويعينه على العمل بطاعته حتى يأتيه أجله وهو على ذلك, قال الله عز وجل: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)؛ أي: الموت .

ومن أعظم السعادة أن يوفق اللهُ سبحانه العبدَ للتوبة النصوح قبل موته, ثم يحسن خاتمته؛ فيقبضه على عمل صالح يكون له شفيعاً بين يدي الله تعالى, قالr: «لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يُختم له؛ فإن العامل يعمل زماناً من دهره-أو برهة من دهره- بعملٍ صالحٍ لو مات عليه دخل الجنة؛ ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيئٍ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد اللهُ بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ثم يقبضه» .

ولذا فالواجب على المسلم أن يسأل الله دائماً أن يحسن خاتمته، ويستعيذ بالله من سوء الخاتمة، فإنه ما أضجَّ مضاجع الصالحين مثل الخوف من سوء الخاتمة، وليحذر العاقل من الأمن من مكر الله عز وجل-حين يكون مقيماً على الذنوب- أن يسلبه الله سبحانه دينه وإيمانه في وقت يكون أحوج ما يكون إليه، قال أبو الدرداء t: والله ما من أحد يأمن أن يُسلب إيمانه إلا سُلبه .

وقال بعض السلف: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة وعند كل حركة وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: (وقلوبهم وجلة) .

ولما احتُضر سفيان جعل يبكي ويجزع، فقيل له: يا أبا عبد الله؛ عليك بالرجاء فإنَّ عفوَ الله أعظم من ذنوبك، فقال: أَوَ على ذنوبي أبكي؟. لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبالِ بأنْ ألقي الله بأمثال الجبال من الخطايا .

فإن كان هذا خوف الصالحين الأتقياء البررة من سوء الخاتمة، مع رسوخ دينهم وقوة إيمانهم ، فكيف لا يخاف ذلك الضعفاء المقصرون ؟!.

فعلى المسلم الصادق أن يؤدي ما عليه من حقوق الله سبحانه؛ ومع ذلك لا يغترّ بعمله، وعليه أنْ يلازم الخوف من سوء الخاتمة ، فيسأل الله أن يحسن خاتمته، وأن يتجنب الذنوب والمعاصي التي تردي بصاحبها أحوج ما يكون أحوج إلى ربه واستحضار قلبه .

كما ينبغي للعاقل أن يلازم الدعاء بأن يثبت اللهُ قلبَه على دينه؛ وأن يصرِّفَ قلبَه على طاعته، فإن المرء إنْ لـمْ يُعِنْه الله على طاعته لم يُوَفَّق إلى الظفر بها، ولذا فقد صح عن معاذ tأنه قال: أخذ بيدي رسول اللهr فقال: «إني لأحبك يا معاذ، فلا تدعَ أن تقول في دُبر كل صلاة:ربِّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسنِ عبادتك » .

وعلى المرء أن يجتهد في الدعاء أن يحسن إليه خاتمته؛ فقد كان بعض السلف يدعو بحسن الخاتمة، فقيل له: وما حسن الخاتمة؟ قال: أن يقبضني وأنا ساجد .

ومع ما يرى المسلم من الفتن التي تموج كموج البحر، عليه أن يلزم الدعاء مع استشعار الخوف من تغيِّر الحال، بسبب ذنبٍ خفيٍّ أو فتنة جامحة؛ فقد كان دعاء بعض السلف-مع صلاح قلوبهم وأعمالهم-: اللهم سلِّم سلِّم .

وعليه أنْ يتفقَّد قلبُه بين الفينة والأخرى؛ ويدعو الله بصلاحه واستقامته، فإنَّ استقامة الأعمال نتيجة لاستقامة القلوب، وليحذر أن يهمل معالجة قلبِه حتى يحول الله بينه وبينه قال تعالى: (يا أيها الذين امنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)؛ قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر؛ ويحول بين الكافر وبين الإيمان، وقال غيره: يحول بين المؤمن وبين سوء الخاتمة، وبين الكافر وبين حسن الخاتمة .

نسأل الله أن يحسن خاتمتنا وأن يرحمنا برحمته .




نسال الله حسن الخاتمة



التصنيفات
منوعات

المراة المحتشمة وسهام الحاقدين للشيخ سالم العجمي

ليس غريبا أن ينشأ في الأمة أناسٌ قد تشربوا المدنية الغربية فانحرفوا عن السلوك المحافظ وفقدوا بريق المبادئ ؛ لكن الغريب حقا أن يقوم هؤلاء بالحملات الشرسة والهجوم المتتابع لإسقاط الأمة في مستنقع الرذائل وغمرات النيران.

ولربما أن فقدان بعض الناس لما يميزهم كبشر من المحافظة والاستقامة السلوكية؛ يدفعهم لدعوة الناس إلى ما سقطوا فيه حين عجزوا هم عن استعادة ما فقدوه؛ وذلك على حدّ قول عثمان t:« ودت الزانية لو أن النساء كلهن زواني» .

فقلما تجد منحرفاً على اختلاف درجات هذا الانحراف؛ إلا وهو يتمنى بل يعمل جاهدا ليكون له شركاء يعملون بعمله .

وربما بعض الناس يُزَج به في هذا المضمار ليدعو الناس إلى الانسلاخ استغلالاً لانبهاره بالمدنية الغربية؛ أو لشبهة تعلقت في قلبه لم يستطع دفعها؛ فيندفع في هذا المضمار فيكون أول قتيل .

كثير هي الدعوات لتبرج المرأة وسفورها واختلاطها بالرجال؛ حتى تصير مع مرّ الأزمان ألعوبة في أيديهم تتدافعها الأيدي الملوثة بكل خزي ودنس .

وقد تحمل هذه الدعوات صورة المتباكي على حال المرأة؛ الذي يحاول إنقاذها من القيود التي تثقلها؛ فإذا بها مع طول الأمد تتبين النتيجة التي تراد من وراء

ذلك؛ وهي أن تقوم المرأة في سوق الكساد تنادي :« هيت لكم أيها الإباحيون..» .

وتعجب من ولع هؤلاء بقصة تحرير المرأة؛ والتمطق بحديثها؛ والقيام والقعود بأمرها وأمر حجابها وسفورها وحريتها وأسرها؛ وكأنهم قد قاموا بكل واجب للأمة فلم يبق إلا هذا الواجب الحتمي.

ومن تأمل الأمر رأى أن هؤلاء لا يَرْثون للمرأة؛ بل يرثون لأنفسهم؛ ولا يبكون عليها؛ بل على أيام قضوها في ديار يسيل جوها تبرجاً وسفوراً؛ ويتدفق خلاعة واستهتاراً ؛ ويودون بجدع الأنف لو ظفروا هنا بذلك العيش الذي خلفوه هناك.

ومن عرف ذلك علم أبعاد تلك الحملة الشعواء الشرسة على الحجاب الشرعي في البلاد المحافظة ؛ وما يحصل من الهجوم الشرس على المرأة المحتشمة من قبل أناس عميت بصائرهم؛ فصوبوا سهامهم نحو الفضيلة؛ وتهجموا على أخواتهم اللاتي كان من الواجب عليهم أن يكونوا لهن ستراً ووقاءً من الأعاصير المدمرة؛ والرياح الهوجاء.

دعوة يئن أصحابها أنين الثكالى متباكين؛ وكأنهم وجدوا أن حجاب المرأة يحول دون كونها امرأة ذات قيمة وهدف؛ ورفعوا لواء الدعوة إلى الفحش بأسلوب جاف؛ وزادوا على ذلك تناقضهم الشديد في قولهم:إن الحجاب الشرعي « حرية شخصية »؛ ثم إذا بهم يتناقضون ويسارعون بالهجوم على المرأة المحتشمة وسترها وحيائها.

إذن أين الدعوى بأن الحجاب الشرعي حرية شخصية ؟! أم أن هذه الكلمات ما كانت إلا من باب ذر الرماد في العيون ؟!

على أننا لا نوافق أن مسألة الحجاب الشرعي مسألة حرية شخصية؛ بل هي عبادة ربانية لا يملك المسلم إلا الإذعان لها .

إن هؤلاء المتأثرين بالغرب؛ الذين وجهوا سهامهم عليك أيتها المرأة العفيفة؛ قد غاظهم حجابك الشرعي وسترك وحشمتك ؛« حتى بدأت كالشامة السوداء في خد الحسناء »؛ واغتبطَت بك بلادك وأمتك؛ وافتخر بك كل صالح غيور ذي مروءة؛ فانهالوا بسهامهم عليك لعلهم يظفرون منك بمقتل؛ وبدأوا يدعون إلى السفور والتبرج؛ وكأنهم لا يبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لهم نساؤهم؛ فترجع المرأة بعد ذلك وقد أباها الخليع؛ وترفع عنها المحتشم؛ فلا تجد بين يديها غير باب السقوط؛ فتسقط .

انتبهي يا مستودع العفة..

فإنه بسبب أمثال هذه الصيحات المغرضة؛ والدعاوى المضللة ؛ انتشرت الريبة بين صفوف كثير من المجتمعات؛ وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها؛ وبدأ بعض الناس يعيش حالة من الوسوسة نحو النساء؛ وكأنه لا توجد بينهن عفيفة-ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا هو بكاؤهم على المرأة ؛ وهذا رثاؤهم لها وعطفهم عليها!.

ومما أقدم عليه زمرة الشر أنهم لم يكتفوا بالدعوة إلي التبرج والسفور؛ بل إنهم زادوا على ذلك أن وجهوا سهامهم إلى الدين الحنيف؛ وبدأوا يثيرون الشبه ويطعنون في الأحاديث النبوية التي تأمر بالاحتشام؛ ويؤولون كتاب الله وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم؛ من أجل الولوج إلى قلوب الناس من خلال الشبه الشيطانية.

إن هؤلاء ما قاموا بهذه الحملة الشرسة إلا لما رأوا من تمسك المرأة بعفافها وحجابها- فالناس لا ترمي إلا الشجر المثمر- وقد غاظهم احتشامك في وقت تفسخ فيه الكثير؛ فصوبوا سهامهم نحوك.

فافهموا اللعبة..!!.

فليست المسألة مسألة حرية ؛ وليست مطالبة بالحقوق؛ ولكنها مطالبة بالخروج عن المبادئ.

وهؤلاء ومن دعا بدعوتهم سيبوؤون بإثمهم وإثم من تابعهم على ذلك؛ فيا ويلهم إن أخذهم الله بذنبهم .

إن بلاداً كثيرة دعا بعض رموزها إلى التبرج والانحلال؛ فذهب أولئك النفر بآثامهم وآثام من تبعهم؛ وبقي أهل العفة والاحتشام كالجبال الراسية الشامخة في وجه الرياح العاتية؛ فحافظوا على استقامتهم وحيائهم؛ وحمدوا -حين تقدم العمر وقرب الأجل- تمسكهم واحتشامهم؛ الذي ورّثوه لأبنائهم وبناتهم؛ حتى صارت البنات مطمعاً لكل عفيف؛ ومضرباً للمثل في الحياء .

* هذا وبالمناسبة فإنني أدعو إخواني وأخواتي لقراءة مقالة الحجاب: في كتاب « العبرات » للأديب الراحل مصطفى المنفلوطي/والتي عاصر فيها أحداث خلع الحجاب؛ ومعايشته لذلك الوضع المأساوي ؛ وذكره لكثير من الأهداف التي يأمل تحقيقها أرباب هذه الدعوات المضللة؛حتى نعلم حقيقة اللعبة بقلم رجل ناقد؛ أحس بحاجة الأمة إلى نذير؛ وإنما هي وجوه تتكرر بأسماء مختلفة؛ وبلدان متنوعة.

ويا أختنا.. يا شرفنا.. ومستودع أعراضنا..

تمسكي بحجابك؛ فإنه رمز عفافك؛ لا يخيفنك فحيح أفعى؛ ولا عواء ذئب؛ فسرعان ما تتبدد غيوم الزيف إذا ظهرت شمس الحقيقة .

وأنت أيتها المحتشمة شمس الحقيقة.




وينكم



التصنيفات
منوعات

حين اكتب عن امي للشيخ سالم العجمي

حين أكتب عن أمي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد..

أماه عذراً.. فماذا أكتب عنك..؟

فكل جانب من حياتك أسطورة تروى على مر الأجيال، لتروي ظمأ المتعطشين لقصص العظماء.

هل أكتب عن تواضعك يا قمة التواضع؟!

أم أكتب عن أمومتك التي لا يحدها الوصف؟

حاولت أن أكتب فيك شعراً.. فطأطأ الرأس وقام معتذراً، وحق له أن يعتذر، فكيف يمدح العظماء وليس إليه سبيل؟

ومن أين يأتي بالمعاني، وقد أبحر فيها فانقطع به الطريق أمام مآثرك..

أمـاه عـذراً إذا ما الشعــر قـام على سـوق الكســاد ينـادي مـن يواسيني

مـالـي أراه إذا مـا جئـت أكتبـــه نـــاح القصيـدُ ونـوح الشعر يشجيني

حــاولـت أكتـب بيتـاً في محبتكـم يا قمـــة الطهـر يا مـن حبكـم ديني

فأطـرق الشـعـر نـحوي رأسه خجلاً وأسبـل الـدمـع مـن عينيـه في حينِ

وقـال عــذرا فإنّـي مسـني خورٌ شـحّ القصيـدُ وقـام البيـتُ يـرثيـني

أتدرون من أمي..؟

هي أم المؤمنين.. عائشة بنت أبي بكر الصديق.. زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي فرض الله علينا حبها واختارها زوجة لنبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وسماها أم المؤمنين، قال تعالى: {وأزواجه أمهاتكم}.

أما يكفي أن النساء أمهات لمجموعة قليلة من البشر وهي (أم المؤمنين).

فكم لها من الفضائل.. فأيها أبدأ..؟!

وكم لها من المنازل العظيمة.. فكيف أصفها؟..

أليست هي التي يقول عنها صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".

إن القلب حين يفيض محبة لأمه، فهذا دليل نقائه، وعندما يمتلئ غلاً لها فهذا دليل حقده وزندقته ونفاقه.

ولأنها أمي وأمكم، سأذكر جوانب من سيرتها، وهذا حق الأم على الأبناء البررة.

فلماذا يفخر الفجار بالكفار؟، والزنادقة بالملحدين؟ ولا نفخر بأساس الطهارة، وعنوان العفة، المبرأة من فوق سبع سماوات مما رماها به المنافقون وورثتهم إلى عصرنا الحالي.

كانت أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحين سئل: "من أحب الناس إليك؟" قال: "عائشة"، قالوا: "من الرجال؟" قال: "أبوها"،وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليحب إلا طيبًا.

وكان خبر حبه صلى الله عليه وسلم لها أمراً مستفيضاً، حيث إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم للنبي صلى الله عليه وسلم يوم عائشة من بين نسائه تقرباً إلى مرضاته، فقد جاء في الحديث الصحيح: " كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فاجتمعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة، فقلن لها: إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان. فذكرت أم سلمة له ذلك، فسكت فلم يردّ عليها، فعادت الثانية، فلم يرد عليها، فلما كانت الثالثة قال: "يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها".

وهذا الجواب دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها.

وهي التي أقرأها جبريل عليه السلام السلامَ، قال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة: هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام". قالت: "وعليه السلام ورحمة الله، ترى مالا نرى يا رسول الله"، فهل يسلم جبريل إلا على من يستحق السلام؟، وهل يسلم إلا على مطهرة نقية، اختارها الله زوجة لنبيه؟ فهل من متفكر؟!

لقد تبوأت أمّنا عائشة بنت الصديق رضي الله عنها مكانة عالية في قلب نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت أحب نسائه إليه.. وكان بها لطيفاً رحيماً على عادته صلوات ربي وسلامه عليه، "استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر، فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يترضاها، وقال: "ألم تريني حلتُ بين الرجل وبينك؟".

ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى، فسمع تضاحكهما، فقال: أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما".

وقال أبو قيس مولى عمرو: "بعثني عبد الله إلى أم سلمة: وقال: سَلْها أكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم؟ فإن قالت: لا، فقل: إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبلها وهو صائم، فقالت: لعله لم يكن يتمالك عنها حبًّا".

وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العظم فأتعرقه، ثم كان يأخذه، فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي".

وكان صلى الله عليه وسلم يستأنس إليها في الحديث ويسرُّ بقربها ويعرف رضاها من سخطها، فقد قال صلى الله عليه وسلم لها: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى". قالت: "وكيف يا رسول الله؟" قال:"إذا كنت عني راضية قلت: لا ورب محمد، وإذا كنت عليَّ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم"، قالت: "أجل والله ما أهجر إلا اسمك".

وكان يحملها على ظهره لترى لعب أهل الحبشة بالحراب في المسجد ويطيل حملها ويسألها.. أسئمت؟.. فتقول لا.. وليسبها حب النظر إلى اللعب، ولكن لتعرف مكانتها عنده صلوات ربي وسلامه عليها.

فهذه النصوص الصحيحة من صميم ديننا لا يكذِّب بها إلا المبطلون ومن في قلوبهم مرض والذين ارتابوا، أما نحن معاشر المسلمين الذين نوقر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نحبُّ من أحبه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ـ لاسيما عائشة ـ أحب أزواجه إليه، رأس الفضيلة.. ونبراس التقوى.. وقمة الورع.

فلو كـان النسـاء كمن ذكرن لفضلت النساء علـى الـرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ومـا التذكير فخــرٌ للهـلال

هذا ومن عقيدتنا أن عائشة مطهرة، ومن قول أهل الكذب والبهتان مبرأة، ولا نشك بأن الله جل وعلا لا يمكن أن يجعل تحت نبيِّه إلا مطهرة عفيفة مصونة.

هذا من صميم عقيدتنا.. ومن زعم في عائشة غير هذا مما رماها به أهل البهتان، كرأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول ووارثيه إلى هذا الزمان، كرميهم لها بالفاحشة، فهذا كافر بإجماع المسلمين، وغداً عند ربهم يجتمعون، فيقتص المظلوم ممن ظلمه، فيا ويح من كان خصمه محمد صلى الله عليه وسلم..فالله الموعد..

اللهم إني أشهِدك أني أحب عائشة رضي الله عنها، وأتقرب إليك بهذا الحب، وأعدّه أرجأ أعمالي، وأسألك حسن الجزاء الذي يليق بك.

كانت عائشة رضي الله عنها امرأة مباركة، ما وقعت في ضيقة إلا جعل الله تعالى بسبب ذلك فرجاً وتخفيفاً للمسلمين، تقول رضي الله عنها: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، انقطع عقدي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه وليسوا على ماء، فأتى الناسُ أبا بكر رضي الله عنه، فقالوا: ما تدري ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء!.

قالت: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا.

فقال أسيد بن حضير: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر!، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته، فقال لها أبو بكر حين جاء من الله رخصة للمسلمين: والله الذي علمت يا بنيَّة أنك مباركة، ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر".

وكانت رضي الله عنها من أعلم الصحابة..

قال أبو موسى رضي الله عنه: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علما.

وكانت مُوقرةً من الصحابة.. يعرفون لها قدرها وعلمها ومنـزلتها بين الناس، نال رجل من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال له عمار: "اغرب مقبوحاً أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال عمار: "إنها لزوجة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة".

أشهد بالله إنها لزوجته.

وكان مسروق رحمه الله إذا حدث عن عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات.

وقال معاوية رضي الله عنه: والله ما سمعت قط أبلغ من عائشة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكانت رضي الله عنها وعن أبيها، من أحسن الناس رأياً في العامة، قال الزهري رحمه الله: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.

وقال مصعب بن سعد: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف.. عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فما بال أقوام عميت أعينهم.. وطمست قلوبهم أن يعرفوا لها قدرها، فهل مثلها تخفى شمائله وطيب خصاله؟

وهل من شهد له هؤلاء النفر الأخيار بالعلم والتقى، تبقى في قلوبنا ريبة نحوه، ولا نستشعر حبه؟!

أما إنه لا ينكر فضلها، وزنة عقلها، وطهارة قلبها، وأنها حطت في الجنة رحلها، لا ينكر ذلك إلا منافق مطموس القلب.. يمشي كالبهيمة العجماء.. {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون . إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}.

وحين أكتب عن ورع أم المؤمنبن ـ عائشة رضي الله عنها ـ وزهدها وخوفها من خالقها تتلاشى عند ذلك الكلمات وتهرب حينئذٍ المعاني خجلاً أن تدرك بلوغ الثناء الذي يليق بها..

لقد كانت رضي الله عنها رمزاً في الكرم، وغاية في العظمة وسخاء النفس، كيف لا وقد تعلمتها ممن كان أصل الكرم والوفاء، ومعلم البشرية كلها أخلاق الخير؟

بعث معاوية رضي الله عنه وعن أبيه إليها مرة بمائة ألف درهم، فما أمست حتى فرقتها، فقالت لها خادمتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحماً؟ فقالت: ألا قلتِ لي.

وقال عطاء: إن معاوية بعث لها بقلادة بمائة ألف، فقسمتها بين أمهات المؤمنين.

وقال عروة ـ ابن أختها ـ: إن عائشة تصدقت بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها. رضي الله عنها…

تجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود

"وبعث إليها ابن الزبير رضي الله عنه بمال بلغ مائة ألف، فدعت بطبق، فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست، قالت: هاتي يا جارية فطوري، فقالت: يا أم المؤمنين أَما استطعت أن تشتري لنا لحماً بدرهم؟ قالت: لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت".

وكانت قمة التواضع فلا ترى نفسها شيئاً ـ وهيَ من هيَ ـ وكانت تخاف ثناء الناس عليها فلا تودّ سماعه مخافة الفتنة..

"جاء ابن عباس رضي الله عنهما يستأذن على عائشة، وهي في الموت، وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقيل لها: هذا ابن عباس يستأذن، قالت: دعني من ابن عباس لا حاجة لي به ولا بتزكيته، فقال عبد الله: يا أمّه.. إن ابن عباس من صالحي بنيك، يودِّعك ويسلم عليك.

قالت: فأْذن له إن شئت، قال: فجاء ابن عباس، فلما قعد قال: أبشري فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب، وتلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة، إلا أن تفارق روحُك جسدك.

كنت أحبَّ نساءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب إلا طيباً، سقطت قلادتك ليلة الأبواء، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلقطها، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله: {فتيمموا صعيداً طيباً}، فكان ذلك من سببك، وما أنزل الله بهذه الأمة من الرخصة، ثم أنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماوات، فأصبح ليس مسجدٌ يذكرُ فيه اسم الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار، قالت: دعني يا ابن عباس فو الله وددت أني كنت نسياً منسياً".

وقال ابن أبي مُليكة: إن ابن عباس استأذن على عائشة وهي مغلوبة فقالت: أخشى أن يُثني عليًّ، فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك؟

فقالت: بخير إن اتَّقيتُ، قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجةُ رسول الله ولم يتزوج بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء، فلما جاء ابن الزبير، قالت: جاء ابن عباس وأثنى عليًّ وودت أني كنت نسياً منسياً.

رضي الله عنها قمة التواضع، ومنتهى الذلة لله، وهي تعلم أنها من أهل الجنة، المحبوبة لخالقها سبحانه.

فالواجب علينا كمسلمين اعتقاد هذه العقيدة دون النظر لأقاويل المرجفين الدخلاء على ديننا وشرعنا، فمن لم تكن أمه عائشة فلا أم له.

ويكفي أن الله سماها أم المؤمنين، هي وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فمن لم تكن عائشة أمه فليس بمؤمن، ومن تبرأ منها فحريُّ به أن يحال بينه وبين جنان الخلد.

فإذا اعتقدت موالاتها ومحبتها، فاعلم أنك عملت عملاً عظيماً تستحق عليه الأجر من الكريم الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا..

واعلم أنه لا يحزن على عائشة إلا من كانت هي أمه، وأما أولئك السقط المتهافتون وراء الإفك، الصادون عن الحق، الطاعنون في خير الخلق، فإياك وإياهم، واحذر طريقهم، فإنهم يقودون إلى الهاوية، والتبرأ من خير البشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وموالاة كل كافر وفاجر.

فقُم أيها القارئ واقرأ سيرة سلفك الأطهار، وعش معهم، وهلَّ الدمع على الدّين الذي كانوا ينعمون به، والأخلاق التي يتصفون بها، لعل ذلك أن يكون سبب رحمة الله لك.

فإذا طويت الصفحات. فتذكّر قول القائل:

الله يشهد مـا قلّبت سيرتهم يوماً.. وأخطأ دمع العين مجـراه




الردود



التصنيفات
منوعات

حسن الجوار للشيخ سالم العجمي

حسن الجوار

الحمد لله الذي يسَّر للسالكين إليه الطرق والأسباب؛ وفتح لهم من خزائن رحمته كل باب, وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بلا ارتياب, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الذي منّ الله به على المؤمنين يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الحكمة والكتاب, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد؛ أيها المسلمون :

فإنَّ من محاسن الإسلام العظيمة وصيته بالجار؛ والحثّ على أداء حقوقه والإحسانِ إليه؛ وقد تظافرت الأدلةُ من الكتاب والسنة مبينةً هذا الأمر أتمَّ بيانٍ وأوضحَه؛ قال الله عز وجل : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ..)؛ الجار ذو القربى: أي ذو القرابة؛ والجار الجنب: أي الجار الأجنبي منك .

واقتران الوصية بالجار بأعظم المأمورات- وهو التوحيد ونبذ الشرك- لأكبرُ دليلٍ على عظيمِ منزلةِ الجار وكبير حقِّه .

وقد عظمت الوصية بالجار حتى قال النبيُّ r: « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه »؛ أي: حتى ظننت أن الوحي سينزل بتوريثه. وما كان النبيُّ r ليظنَّ هذا الظن إلا لكثرة ما كان يؤمر به من الوصية بالجار؛ فتأملوا هذا رحمكم الله .

ويحصل امتثال الوصية بحسن الجوار بإيصال أصناف الإحسان للجار حسب الوسع والطاقة؛ من بذلِ السلام له؛ وطلاقةِ الوجه والبشرِ عند لقائه, وتفقُّدِ أحواله والسؤالِ عنه؛ وتقديمِ الهدية له, ومعاونتِه فيما يحتاج إليه, والنصحِ له, وتعليمِه ما يجهله .

وما جاءت الشريعة بالأمر بالإحسان إلى الجار إلا لما يكون بين الجيران من الملاصقةِ الطويلة, والاتصالِ الدائم, وبطبيعةِ الحال لن يستقرَّ الإنسانُ ولن يهنأَ له بالٌ إلا بتلقيه الإحسان من غيره وبذله للغير .

وقد جاءت السنة النبويّة بما يرقِّقُ القلوب وينشرُ السعادة بين الجيران, ويفتحُ لهم أبوابَ الإحسان حتى يكونوا كالأُسْرةِ في البيت الواحد؛ ومن ذلك قول النبي r لأبي ذرt: « إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ».

فهذا من أعظم الإحسانِ؛ حيث إنه يدل على تحسُّسِ المرءِ لأحوال جيرانه ومحبةِ إشراكِه لهم في طعامه, وهذا فيه ما فيه من ردة الفعل النفسية الجميلة من الجار تجاه جيرانه حين تذكروه في طعامهم وأشركوه معهم، وليس بالضرورة أن يكون الجارُ مُحتاجاً لما يرسلونه له من الطعام؛ ولكنه يَنظُر لها من جانب آخر وهو أن جارَه لم ينسَه في هذا المقام؛ فيؤنسه ذلك ويُسَرُّ به؛ فهل فكرنا في أنْ نرسلَ من طعامنا لجيراننا؛ حتى تدومَ الألفةُ والمحبةُ بيننا؟ .

كما أنَّ إكرامَ الجار من علاماتِ الإيمان؛ قالr: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره »؛ وكان ابن عمر بإذا ذبح الشاة أرسل لجارٍ له يهودي .

وإكرامُ الجار ليس له حدٌّ محدود, فليجتهد المسلمُ بتحقيق ذلك على حسب ما تيسَّر له, وليعلم أنه بفعله ذلك قد تقرَّب إلى الله ﻷ بعمل يحبه سبحانه ويرضاه؛ وليعلم أن المرء لازال بخيرٍ ما دام محبوباً إلى جيرانِه محسناً إليهم؛ فالجارُ أعظمُ شاهدٍ على سلوكِ جاره وأخلاقه؛ جاء رجل إلى النبيr فقال: يا رسول الله؛ كيف لي أن أعلمَ إذا أحسنتُ أني قد أحسنت؛ وإذا أسأتُ أني قد أسأت؛ فقال رسول الله r: « إذا قال جيرانُك قد أحسنت فقد أحسنت, وإذا قالوا إنك قد أسأت فقد أسأت » .

قال أبو قلابة رحمه الله: « خيرُ الناس خيرُهُم في أهله؛ وخيرُهم في جيرانه؛ فهم أعلم به »؛ وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن رجلٍ؛ فقال: هذا يُسأل عنه جيرانه؛ فإذا أثنوا عليه قُبِل منهم .

وقد ضرب السلفُ أروعَ الأمثلة بحسنِ الجوار؛ حتى أصبح هذا الوصفُ قريناً لأسمائهم, وضُرب بهم المثل في ذلك .

باع أبو جهمٍ العدوي داره بمائة ألف درهم؛ ثم قال: «فبكم تشترون جوارَ سعيد بن العاص؟؛ قالوا: وهل يُشترى جوارٌ قط؟؛ قال: رُدُّوا عليَّ داري ثم خذوا مالكم؛ لا أدع جِوارَ رجلٍ إنْ قعدت سأل عنِّي؛ وإن رآني رحَّبَ بي, وإن غبتُ حفظني؛ وإنْ شهدْتُ قرَّبني؛ وإن سألتُه قضى حاجتي, وإنْ لم أسألْه بدأني, وإن نابتني جائحة فرَّج عني؛ فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم » .

وكان للإمام عبد الله بن المبارك جارٌ يهودي؛ فأراد أن يبيعَ داره, فقيل له: بكم تبيع ؟ قال بألفين؛ فقيل له: إنها لا تساوي إلا ألفاً؛ قال: صدقتم؛ ولكنْ ألفٌ للدار, وألفٌ لجوار عبد الله بن المبارك؛ فأُخبر ابنُ المبارك بذلك, فدعاهُ فأعطاه ثمن داره وقال: لا تبعها .

وكان كعبُ بنُ أمامة يُضرب به المثلُ في حسنِ جواره, فيقال: جارٌ كجارِ أبي دؤاد؛ وكان أبو دؤاد – يعني كعباً – إن مات لجاره بعيرٌ أو شاةٌ أخلفها عليه, وإذا مات الجارُ أعطى أهلَه مقدارَ ديتِه من ماله .

ومن ظريف ما يذكر؛ أن الإمامَ أبا حنيفةَ كان له جارٌ بالكوفه إسكاف, يعمل نهارَه أجمع, حتى إذا جنَّهُ الليلُ رجع إلى منزله وقد حمل لحماً فطبخه أو سمكة فيشويها, ثم لا يزال يشرب, حتى إذا دبَّ الشراب فيه وسكر غنى بصوت عال :

أضاعوني وأيُّ فتى أضاعوا

ليوم كريهةٍ وسدادِ ثغرِ

فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم, وكان أبو حنيفة يسمعُ صوتَه كلَّ ليلة وهو قائم يصلي الليل؛ ففقد أبو حنيفة صوته, فسأل عنه؛ فقيل له : أخذه العسس منذ ليال وهو فحبسوه .

فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غدٍ, وركب بغلته؛ واستأذن على الأمير, فقال الأمير: ائذنوا له, واقْبَلُوا به راكباً؛ لا تدعوه ينزل عن بغلته؛ فلما دخل على الأمير وسَّع له في محله؛ وقال: ما حاجتك؟

فقال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليالٍ؛ يأمر الأمير بالافراج عنه. فقال: نعم.

فأمر بتخليته, فركب أبو حنيفة؛ والإسكافُ يمشي وراءه, فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه؛ وقال: يا فتى أضعناك ؟ .

فقال: لا . بل حفظتَ ورعيتَ؛ جزاك الله عن حرمة الجوار ورعاية الحق, وتاب الرجلُ ولم يعد إلى ما كان عليه .

عباد الله :

إن الديارَ لا تقاس على الحقيقة بجميلِ بنيانها, وإنما تغلو وترخص بجيرانها, فعلى المسلم إن أراد أن يسكن بيتاً أنْ يجتهدَ وسعه في اختيار جيرانه, فإنَّ بهم صلاحَ السكنى وفسادَها ؛ وقد قيل :

اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم

لا تصلح الدارُ حتى يصلحَ الجارُ

وإذا ابتُليتَ بجارٍ مؤذٍ؛ فاصبر على ما بُليت به حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً, فإنَّ من حسن الجوار الصبر على أذى الجار, حتى قال الحسن البصري:« ليس حسنُ الجوار كفّ الأذى, حسن الجوار الصبر على الأذى »؛ وقال: « إلى جنْبِ كلِّ مؤمنٍ منافقٌ يؤذيه » .

فلا تقابل الإساءةَ بالإساءة, بل اصبر على ذلك؛ فإن الله ناصرُك, قالr: «واعلم أن النصر مع الصبر » .

أيها المسلمون :

إن من أعظمِ التوفيق وأسبابِ السعادة أن يُحسَن المرء إلى جيرانه ويُحسنوا إليه؛ وأن يبذلَ جهده في ذلك, وأن يبسطَ إليهم معروفه ويحفظَ جوارهم غاية الحفظ وبما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ فإن حفْظَ الجوار من كمال الإيمان؛ والموفق من وفقه الله تعالى .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

الخطبة الثانية

الحمد لله والشكر له على إحسانه العام، وأشهد أنْ لا إله إلا الله تفرد بالكمال والتمام, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه هداة الأنام ومصابيح الظلام .

أما بعد؛ أيها المسلمون :

فمن أعظم حقوق الجار كفُّ الأذى عنه سواء كان بالقول أو الفعل, وقد حذَّر النبيr من ذلك أشدّ التحذير فقالr: « والله لا يؤمن, والله لا يؤمن, والله لا يؤمن. قيل: مَن يا رسولَ الله؟ قال: الذي لا يأمن جارُه بوائقه»؛ أي: الذي لا يأمن جاره ظلمه وغدره وخيانته وعدوانه؛ وهذا دليلٌ على تحريم العدوان على الجار بأي صورة كانت وأنَّ ذلك من كبائر الذنوب؛ فليحذر المسلم أشدَّ الحذر أن يكون متصفاً بشيءٍ من هذه الأوصاف .

وقد استعاذ النبيr من جار السوء فقال: « اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول»؛ وما استعاذ النبيr من جار السوء إلا لعظم ضرره؛ حيث إنه مطلعٌ على أسرار جاره, قريبٌ من الأحداث التي تمرُّ به, ولذلك فإنه يبلغ في أذاه ما لم يبلغه غيره .

فالواجب على المسلم كف أذاه عن جاره فلا يؤذيه بقوله أو فعله؛ كاطّلاعه على محارمه؛ أو إفشاء أسراره؛ أو تتبع عوراته؛ أو أنه لا يكف أبناءه عن أذية جاره؛ كمن يرى تعدي أولاده على بيت جاره بالأذى ولا يأخذ بأيديهم؛ فإنَّ هذا من سوء الجوار المخالف للآداب الإسلامية والأخلاقِ الممدوحة .

قال عمر t:« من حق الجار أن تبسط إليه معروفك؛ وتكف عنه أذاك » .

وكان لأبي الأسود الدؤلي بالبصرة دار، وله جارٌ يتأذى منه في كل وقت؛ فباع داره, فقيل له: بعت دارَك؟؛ قال: بل بعت جاري, فأرسلها مثلاً .

وباع رجلٌ منزله بثمن رخيص فعوتب على ذلك فقال :

يلومونني إذ بعت بالرخص منزلي

وما علموا جاراً هناك ينغِّصُ

فقلت لهم كفوا الملامَ فإنها

بجيرانها تغلو الديار وترخصُ

وقد كان أهل الجاهلية يفتخرون بإحسانهم إلى الجار وكفِّ الأذى عنه؛ قال عنتر بن شداد:

وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي

حتى يوارى جارتي مأواها

وقال غيره :

وإن جارتي ألوت رياحُ ببيتِها

تغافلت حتى يستر البيت جانُبه

فإذا كانت هذه أخلاق أهل الجاهلية؛ أفلا يحسن بالمسلم الذي كرمه الله بالإسلام أن يكون متصفاً بها من باب أولى؟.

إن إلحاق الأذى بالجار بأي نوع من الأنواع خلقٌ دنيءٌ لا يليق بمسلم يتخلق بأخلاق الإسلام أن يتصف به, كما أنه باب من أبواب الإثم؛ وسبيل إلى دعاء الناس على هذا المؤذي, وليس بخيرٍ من دعا عليه الناسُ .

تأملوا عباد الله :

جاء رجل إلى النبيr يشكو جاره؛ فقال: « اذهب فاصبر؛ فأتاه مرتين أو ثلاثاً, فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق؛ فطرح متاعه في الطريق؛ فجعل الناسُ يسألونه فيخبرهم خَبره, فجعل الناس يلعنونه: فعل الله به وفعل وفعل, فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئاً تكرهه » .

فهل يريد ذلك المؤذي أن يدعو عليه جارُه حين يرى تفاقمَ ظلمه وعدوانه. عباد الله :

وكما أن حفظ الجوار من علامات كمال الإيمان؛ فإنَّ أذية الجار من منقصات الإيمان؛ فالواجب على العاقل الحذر منها, قال رسول الله r:« من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره » ؛ فقد جعل النبيr كفَّ الأذى عن الجار دليلاً على كمال الإيمان .

ويعظم المصاب إذا وقع الأذى على الجار في دار إقامته في مثل هذه البيوت المتلاصقة التي لا سبيل للانتقال عنها, فإذا كان هو في بيت إقامتِه وجارُه لا يكف عنه أذاه وأذى أبنائه فكيف السبيل إلى الخلاص؟ .

ومن أجل ذلك فقد قال النبي r: « تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام فإنَّ جار البادية يتحول عنك » ؛ فليتق اللهَ المسلمُ بكف أذاه عن جيرانه؛ وليأخذ على يد زوجته وأبنائه؛ وليكن كفُّ الأذى قولاً وفعلاً, ولا يستغلُّ حياءَ بعض جيرانه أو ضعفهم, وليحذر أنْ يسلِّط اللهُ عليه من لا يرحمُه, جزاءً وفاقاً بعمله السيئ .

قال الله تعالى:( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ) .

نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين؛ وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين




الردود



بارك الله فيك وجزاك خيرا ان شاء الله



بارك الله فيك



بارك الله فيكن



التصنيفات
منتدى اسلامي

الصديق المفقود للشيخ سالم العجمي

الصديق المفقود

(الغيرة).. ذلك الصديق العزيز، الذي كنا ننعم ونأنس بسكناه بين أظهرنا ـ وقد عاش بيننا ـ فسار الكثير دون إدراك ولا تفكير.

صدقوني.. الوضع خطير.. خطير..

يحتاج إلى أناس يؤججون نار الغيرة في قلوبهم لاستدراك ما فات وإصلاح ما سيأتي.

هل ننتظر تدهوراً أكثر مما نحن فيه؟

هل نتوقع مستقبلاً أفضل مما نحن فيه؟

انظر.. يمينك.. شمالك…. أمامك.. خلفك…كل شيء يدفع للخوف من المستقبل القادم الذي نجهل حوادثه.

الوضع سيئ.. انهيار أسر.. تفسخ أخلاق.. موت فضيلة.. انتشار رذيلة.. وانعدام مبادئ..

أين القدوة الصالحة..؟ أين الموجه..؟

لقد فُقدوا في زحمة الفتن..!

ومـن عجـب أني أحـن إليهمو وأسأل عنهم مـن لقيت وهم معي

وتبكيهم عيني وهـم في سـوادها ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي

إن لم نحي جذوة الغيرة في قلوبنا.. فإننا سنحصد نتاج التفكك الأسري الذي نعيشه قريباً.. أقرب مما نتصور.

الوضع في انحدار.. عشر سنوات أنتجت عندنا مجتمعاً متغيراً ملوثاً.. فكيف لو طال بنا الزمان؟!

أين عقيدة الولاء للمسلمين؟ والبراءة من المشركين؟ أين هويتنا الإسلامية؟ أين العباءة الفضفاضة، والقفازات السوداء؟ أين الغطوة الساترة، أين السواد الذي يستر ما خلفه؟

واأسفاه.. لقد أصبح عند كثير من الناس ماضياً مشوهاً.

أليست هذه فتنة..؟ أن يصبح الماضي الجميل الناصع.. ذكريات مشوهة؟؟ يجب أن يستيقظ من وضع رجله على بداية الطريق المظلم، وينتبه قبل فوات الأوان وضياع الفرصة، واندراس ما تبقى من المآثر، فيعيش الصراع الأبدي في داخله.. بين رغبته في العودة إلى الأصل، وبين ما أفلت زمامه فلا يستطيع السيطرة عليه، ولعله لا يكتشف تلك الحقيقة إلا بعد أن ينجلي غبار المعركة فيقوم ليبكي زماناً اغتر فيه عاضاً أصابع الندم بسبب تفريطه.

يجب أن نستدرك ما بقي.. الأجيال في خطر.. نخشى أن يأتي الزمان الذي يبحث فيه الرجل عن زوجة تحتضن المبادىء السامية في قلبها وظاهرها فلا يجد!.. نخشى أن يأتينا الزمان الذي ترى فيه المرأة التي ليس لها صديق (معقدة!!).

الرعب يخيم على قلوبنا..

نخاف أن يأتي الزمان الذي تنسلخ فيه البقية الباقية من أخلاقها فيسقط ذلك الفارس الغيور مضرجاً بدمائه، يضحك على فروسيته السابقة، ويراها تخلفاً وجهالات، ويكون هو أكثر من يصرخ في وجهك قائلاً: وماذا في الأمر حين يكون لابنتي صديق؟؟!

الوضع خطير.. مخيف.. وكل ما ذكرته ليس ببعيد إن لم يتداركنا الله برحمة منه. فكم استبعدنا من الوقائع أن نراها بيننا، فما لبثت حتى صارت واقعاً لنا تصعب مخالفته.

لقد تغير الكثيرون في مجتمعاتنا المسكينة التي لا تعرف ماذا يراد بها..

لا والذي حجت قريش بيته مستقلبين الركن من بطحائها

ما أبصرت عيني خيام قبيلـة ألا بكـيت أحبـتي بفنائها

أما الخيـام فإنها كخيـامهـم وأرى نساء الحي غير نسائهـا

يجب أن نعترف أن في الساحة أجراء مستغربين، ولهم أتباع أجراء من سذجة الفساق، أتباع كل ناعق، يفوقون سهامهم لاستلاب الفضيلة من نساء المسلمين، وإنزال الرذيلة بهن.

فهل يريد أجراء اليوم أن تصل الحال إلى ما وصلت إليه البلاد الأخرى من الحال الأخلاقية البائسة والواقع الأليم، نسأل الله أن يعود ذلك الصديق المفقود، لتحتضنه القلوب، وتحرسه الأعين، فكم اشتقنا لوجوده بيننا..

وحق لمثله أن يفتقد…




بــوووركتــي



التصنيفات
منتدى اسلامي

فضل الادب للشيخ سالم العجمي

ل الأدب
3011 زائر
23-08-2010
admin

فضل الأدب

الحمد لله رب العالمين؛ والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد؛ وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإن من تمام منة الله على أمة الإسلام أن وفقها لأهدى طريق وأقوم سبيل؛ وجعل لذلك الطريق علامات تهدي إليه وتدل عليه؛ من تمسك بها ظفر وفاز؛ وتميز على أقرانه غاية الامتياز؛ ومن ضل عنها فاته خير كثير؛ وتردى في ظلمات الجهل والتقصير.

ومن تلك العلامات الهادية إلى ذلك الهدف المراد؛ التمسك بالآداب الشرعية؛ التي دلت عليها نصوص الشريعة؛ واتصف بها العقلاء في كل زمن؛ من جملة الآداب التي بلغت بهم ذرى المجد ودرجات السؤدد.

فتعلم الآداب من الأمور المطلوبة شرعاً وعرفاً؛ والأدب يكون باستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً؛ والأخذ بمكارم الأخلاق؛ والوقوف عند كل وصف مستحسن؛ وكلما عظم أدب المرء كلما زاد قدره؛ وعلا شأنه؛ وعلى قدر اكتسابه من الآداب؛ على قدر ما يكون له من علو المنزلة؛ ومن أجل ذلك فقد تتابعت النصوص عن سلف الأمة الكرام تحث على اكتساب الآداب والاتصاف بها؛ لما يؤدي إليه ذلك من فتح أبواب الخيرات؛ وكونه سبيلاً لوقاية الدين من الآفات.

قال عمرt : « تأدبوا ثم تعلموا » ؛ وقال ابن عباس: «اطلب الأدب فإنه زيادة في العقل، ودليل على المروءة؛ مؤنس في الوحدة؛ وصاحب في الغربة؛ ومال عند القلة ».

وقال النخعي : « كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وصلاته وإلى حاله ، ثم يأخذون عنه » .

وقال الإمام عبد الله بن المبارك : « لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزين علمه بالأدب »؛ ويروى عنه أيضاً أنه قال: « طلبت العلم فأصبت منه شيئاً ، وطلبت الأدب فإذا أهله قد بادوا ».

وقال أيضاً : « إذا وصف لي رجل له علم الأولين والآخرين لا أتأسف على فوت لقائه، وإذا سمعت رجلاً له أدب النفس أتمنى لقاءه وأتأسف على فوته»؛ وكان يقال: « العون لمن لا عون له الأدب » .

فينبغي لكل مؤمن أن يعمل بالآداب المحمودة في كل أحواله؛ وأن يجعل الأدب لباساً يلتحف به؛ فإنه ما ستر العيوب مثل جميل الأدب وحسن الخلُق. وعلى المرء أن يغرس الآداب في نفوس أبنائه ومن كانوا تحت يده من أول نشأتهم؛ فإنه مما لا يخفى على أحد أنه كلما كان التأديب على صغر السن كلما كان أحرى بأن يؤتي ثماره ولو بعد أمد؛ وإنما هو بذل لأسباب النجاة والأخذ بمكارم الصفات والأخلاق؛ ومرد الأمر إلى الله سبحانه؛ وقد كان يقال: الأدب من الآباء، والصلاح من الله .

وقد جاء عن علي t أنه قال في قول الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً )؛ قال: أدبوهم وعلموهم.

وقال محمد بن سيرين: « كانوا يقولون: أكرم ولدك وأحسن أدبه ».

فمن أدّب ابنه صغيراً قرت به عينه كبيراً ؛ ومن أدّب ابنه أرغم أنف عدوه؛ وما ورّثت الآباءُ الأبناءَ شيئاً أفضل من الأدب؛ فإنها إذا ورثتها الآداب كسبت بالآداب الأموال والجاه والإخوان والدين والدنيا والآخرة؛ وإذا ورثتها الأموال تلفت الأموال وقعدت عُدْما من الأموال والآداب.

قال الحسن: « التعلم في الصغر كالنقش في الحجر»؛ وهو ما أشار إليه القائل بقوله:

حرض بنيك على الآداب في الصغرِ

كيما تقر بهم عيناك في الكبرِ

وإنما مثل الآداب نجمعـــــــها

في عنفوان الصبا كالنقش في الحجرِ

وقال غيره :

قد ينفع الأدبُ الأحداثَ في مهلٍ

وليس ينفع بعد الكِبْرَة الأدبُ

إن الغصون إذا قوَّمْتَها اعتدلت

ولا تلين إذا قومتَها الخشُبُ

ولما تولى الحجاج شؤون العراق؛ أمر العسس أن يطوفوا بالليل؛ فمن وجدوه ضربوا عنقه؛ فطاف العسس ذات ليلة فوجد ثلاثة صبيان؛ فقبض عليهم وسألهم: من أنتم حتى خالفتم أمر الأمير؟ فقال الأول:

أنا ابن من تخضع الرقابُ له

ما بين مخزومِها وهاشمِها

تأتيه بالذل وهي صاغرةٌ

يأخذ من مالِها ومن دمِها

فأمسك عن قتله وقال: لعله من أقارب الأمير.

وقال الثاني:

أنا ابن الذي لا ينزل الدهرَ قدرُه

وإن نزلت يوماً فسوف تعودُ

ترى الناسَ أفواجاً إلى ضوء نارِه

فمنهم قيامٌ حولها وقعودُ

فتأخر عن قتله وقال: لعله من أشراف العرب.

وقال الثالث:

انا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه

وقوَّمَها بالسيف حتى استقامتِ

ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما

إذا الخيل في يوم الكريهة ولّتِ

فترك قتله وقال: لعله من شجعان العرب.

فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج؛ فأحضرهم وكشف عن حالهم؛ فإذا بالأول ابن حجام؛ والثاني ابن فوال؛ والثالث ابن حائك .

فتعجب الحجاج من فصاحتهم وقال لجلسائه: علموا أولادكم الأدب؛ فلولا فصاحتُهم لضُربت أعناقهم؛ ثم أمر بإطلاقهم .

وحُكِي أن البادية قحطت في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت عليه العرب، وهابوا أن يكلموه، فلما جلس إليهم دخلوا عليه وكان فيهم فتى يبلغ سنه أربع عشرة سنة؛ فنظر إليه هشامٌ والتفت إلى حاجبه وقال: ما شاء امرؤ أن يدخل عليّ حتى الصبيان؛ فوثب الفتى بين يديه وقال: يا أمير المؤمنين؛ إن دخولي عليك لم يحط بقدرك ولكنه شرفني؛ وإن هؤلاء الوفود ائتمنوني واتمُّوا بي؛ وقدموا في أمر فهابوك دونه؛ وإن للكلام نشراً وطياً، وإنه لا يُعرَف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرتُه، فأعجبه كلامه وقال له: انشره لله درك، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنه أصابتنا سنون ثلاث؛ سنة أذابت الشحم؛ وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإن كانت لله ففرقوها على عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم، وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين؛ فقال هشام: ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: ألك حاجة؟؛ قال: ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين، فخرج من عنده وهو من أجل القوم.

كما أن الأدب يصقل العقول ويهذبها؛ فالعقل يحتاج إلى مادة من الأدب؛ كما تحتاج الأبدان إلى قُوتِها من الطعام؛ ولذا فقد قال عليّt : « الأدب كنز عند الحاجة؛ عون على المروءة؛ صاحب في المجلس؛ أنيس في الوحدة؛ تُعمَر به القلوب الضعيفة، وتحيا به الألباب الميتة؛ وينال به الطالبون ما حاولوا ».

وقيل لعبد الله بن المبارك : « ما خير ما أعطِيَ الرجل؟ قال: غريزة عقل . قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن . قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره . قيل: فإن لم يكن؟ قال: صَمْتٌ طويل . قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل » .

ومن فضائل الأدب أنه يرفع قدر صاحبه؛ فإن من كَثُر أدبُه كثر شرفه وإن كان وضيعاً، وبَعُد صيته وإن كان خاملاً؛ وساد وإن كان غريباً، وكثرت حوائج الناسِ إليه وإن كان فقيراً؛ والأدب يُحرز الحظ؛ ويؤنس الوحشة ؛ وينفي الفاقة؛ ويعرِّف النكرة؛ ويُثمِّر المكسبة؛ ويكمد العدو؛ ويُكسِب الصديق؛ ويكفي من شرف الأدب أن أهله متبوعون والناس تحت راياتهم؛ فيعطِّفُ ربك تعالى عليهم قلوباً لا تعطِّفُها الأرحام؛ وتجتمع بهم كلمة لا تأتلف بالغلبة؛ وتُبذل دونهم مهج النفوس .

ومن شرف الأدب أن يتشعب منه التشرفُ وإن كان صاحبه دنيّا؛ والعزُّ وإن كان صاحبُه مهيناً؛ والقربُ وإن كان صاحبه قصيّا؛ والغنى وإن كان صاحبه فقيراً؛ والنبلُ وإن كان صاحبه حقيراً؛ والمهابةُ وإن كان وضيعاً؛ والسلامةُ وإن كان سفيهاً؛ وسمع بعض الحكماء رجلاً يقول: أنا غريب؛ فقال: الغريب من لا أدب له .

لكل شيءٍ زينةٌ في الورى

وزينةُ المرءِ تمامُ الأدبْ

قد يشرفُ المرءُ بآدابِه

فينا وإن كان وضيعَ الأدبْ

وقيل: الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب؛ ومن تأدب من غير أهل الحسب ألحقه الأدب بهم؛وقد دخل أبو العالية على ابن عباس فأقعده معه على السرير؛ وأقعد رجالاً من قريش تحته، فرأى سوء نظرهم إليه وحموضةَ وجوههم فقال: ما لكم تنظرون إليّ نظر الشحيح إلى الغريم المفلس، هكذا الأدب يشرِّفُ الصغيرَ على الكبير؛ ويرفعُ المملوكَ على المولى، ويقعدُ العبيدَ على الأسرَّة .

وقال الحجاج لخالد بن صفوان: « من سيدُ أهل البصرة؟ قال: الحسن البصري؛ قال: وكيف ذاك وهو مولى؟!. قال: احتاج الناس إليه في دينهم؛ واستغنى عنهم في دنياهم؛ وما رأيت أحداً من أشراف أهل البصرة إلا وهو يطلب الوصول في حلقته إليه؛ ليستمع قوله ويكتب علمه؛ قال الحجاج: هذا والله السؤدد » .

وكم نحن بحاجة في هذه الأزمان التي ضعف بها التمسك بالآداب كثيراً؛ لأناس يتصفون بتلك الأخلاق التي تقودهم لكل خير؛ حتى يصبحوا قدوة لغيرهم؛ ومنارات هدى لمن يتأثر بهم؛ فإن المتصف بذلك لا يقتصر أثره على نفسه؛ بل إنه يتعدى إلى المجتمع الذي هو أحوج ما يكون إلى إحياء تلك المبادئ والقيم فيه حتى لا تندثر.

فإن وافق ذلك عند المسلم نية صالحة وقصداً حسناً؛ فقد وُفق لكل خير؛ وفاز بأجر من تابعه على ذلك؛ ومن هنا نعلم فضل الدعوة إلى التمسك بالآداب والحث عليها .




وينكم



باااركـ الله فــيكــي أختــي الغــااالية



التصنيفات
منوعات

قصة محزنة للشيخ سالم العجمي

2561 زائر
25-06-2009
admin

قصةٌ حزينة

قبل زمن ليس بالبعيد كانت تتجلى في مجتمعاتنا صور جميلة مشرقة، تعكس مدى ما كان عليه الناس من التمسك بالأخلاق العالية، والآداب الرفيعة.

ولو جلست مع من أدرك ذلك الزمان، ولم ينسلخ من مبادئه الكريمة، وطلبت منه أن يحدثك عن أحوال الناس آنذاك.. لحدثك حديثـًا مصحوبـًا بالتنهدات والزفرات الحارة، هذا إن لم يعلو صوته نشيج وبكاء.. وحاله كقول القائل:

فزعت إلى الدموع فلم تجبني وفـقد الدمع عند الحزن داءُ

وما قصرت في حزن ولكــن إذا عظم الأسى ذهب البكاءُ

فلا تستغرب.. ولا يأخذك العجب!! فإن طهارة الماضي صحبتها رقة في القلوب، وحنين لا ينقطع.

لقد كانت الغيرة والحياء والمروءة ومكارم الأخلاق هي السمة العامة لأغلب أهل المجتمع، ورأس المال الذي لا يُفرِّطون به، ولا يسمحون لأحد أن يناله بسوء، وقد جمعني ذات مرة مجلس مع أحد كبار السن، ودار حديثي معه حول تلك الحقبة التاريخية الطيبة، وغيرة الناس في ذلك الزمان، فكان مما قال:

"كانت الطفلة في السابق قبل سن العاشرة تخرج إلى الجيران، ترسل إليهم (النقصة)، فإذا بلغت العاشرة تمنع من الخروج، وتسمى (مخـفـرة).. أما المرأة فكان لباسها يتكون من ثوب فضفاض يغطي كل جسمها، ويسحب في الأرض، تَجُرُّه من خلفها، وتغطي وجهها بالملفع أو اللثام، وتلبس العباءة فوق ذلك.. وعادة النساء في ذلك الوقت أنه كان للمرأة يوم تزور فيه أهلها، تذهب مع الفجر مع الظلام قبل أن تشرق الشمس، ويبدو ضوء النهار واضحا، حتى لا يكتشف الناس ملامحها.. يأخذها زوجها يذهب بها إلى أهلها، وعادة تأتي بعد صلاة العشاء حيث يكون الظلام أكثر فلا يراها الناس" اهـ.

وقد بلغت الغيرة عند أولئك الناس في الزمن الماضي ذروتها، ولم تقتصر غيرتهم على أنفسهم فقط بل كانوا يغارون على مجتمعهم مما أثر في تماسكه وترابطه.

فقد كان الجار في الماضي له منزلة رفيعة، وتقدير من نوع خاص، حتى إن الرجل ليغار على محارم جاره كما يغار على محارمه، وربما يسافر الرجل الأيام المتوالية، وجاره يقوم على أهله بكل مروءة وحياء، لا تخالط قلبه ريبة، ولا طمع في رذيلة…

وكانت المرأة في ذلك الوقت تسير محتشمة متسترة، تخرج لقضاء حوائجها، ولا يستطيع أحد أن يقربها، أو يتـَفـَوَّه عليها بكلمة، لأنه ما أن يفكر في ذلك إلا ويرى الناس تلتف حوله من كل مكان، وقد يصل الأمر إلى ضربه.

وفي الماضي القريب كان الرجل يتهيّب أن يمر بين المنازل أكثر من مرة، لأنه ما إن يفعل ذلك حتى يستوقفه أهل الشارع، ويسألونه عن حاجته، فإن كان له حاجة وإلا مُنِع من المرور.. ولكن يا للأسف..

مالبثت هذه الصور المشرقة أن آلت إلى الغروب، وما لبثت تلك الصور الجميلة أن صارت مشوهة قاتمة، ليس إلى الوضوح فيها من سبيل.. فبدأنا نرى تلك المناظر الموحشة والمشاهد المحزنة ـ التي تنزه عنها أهل الجاهلية، والتي تدل على تغير الناس، وتبدل أحوالهم.. فانظر يا رعاك الله كم من المسلمين وضع على منزله جهاز (الستلايت) أو (الدش) بحجة أنه يريد أن يرى الكرة أو الأخبار {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}.. وهو يعلم بما يعرضه هذا الجهاز المفسد.. ثم يخرج من بيته ويترك الأسرة هملاً.. ولك أن تتصور عندما تأتي إحدى نسائه، وتدير هذا الجهاز بقصد أو بغير قصد، على إحدى القنوات اليهودية أو الفرنسية ـ أو ما تبثه بعض الدول المسلمة التي تخلت عن مبادىء الإسلام ـ، فتشاهد فيهن العري والتفسخ، بل وتشاهد الرجل وهو يواقع المرأة، ومن هنا تبدأ المأساة، وتبدأ المرأة تحولاً جديدًا في حياتها..

فهل يا ترى أن هذا الرجل الذي وضع (الستلايت) لا يعلم ما يُعرض فيه؟.

بل هو يعلم، ولعله كان ينتقد من يضعه فوق بيته، ولكن بعد أن وضعه هو غَشِيَته الغفلة، واستحكم عليه الهوى وحب الشهوات، فلم يعد يتذكر حاله قبل ذلك.

وبعض المسلمين لا يحلو له المقام في بلاده في فترة الصيف، فيسافر إلى بعض البلدان التي تكثر فيها الفواحش، ومواخير الدعارة، والمراقص، والخمارات.. ولا يكتفي أن يذهب إليها بنفسه، بل يزيد على ذلك أن يأخذ أسرته معه إلى تلك البلاد المنسلخة من الفضيلة، بحجة أنه يريد (التصييف)، يتخلص بذلك من لوم بعض الفضلاء.

بل وصل الحال ببعضهم أن يأخذ بيد زوجته فيدخل معها إلى المرقص!!.

يدخل إلى هذا المكان القذر ليرى زوجته عورات النساء الراقصات العاهرات، التي لا تضع إحداهن على جسدها إلا ما يستر سوءتها، ولك أن تتصور حاله بعد أن يأخذ نصيبه من ذلك المسكر حيث يكون كالحمار يدور حول الرحا.. حتى لو فُعِل بزوجته ما فُعِل لا يدري.

وبعض المسلمين يترك نساءه يعملن أو يدرسن بين صفوف الرجال، بل ومن المحزن أن ترى امرأة ذات نسب عريق، وأصل أصيل، وقد توظفت (سكرتيرة) عند بعض المسؤولين، تعرض مفاتنها أمامه، وتعطر المكتب قبل حضوره، وتنسق الزهور له، وتتفنن في أنواع اللباس حتى تكون غاية في الأناقة…

فـيا لله العجب!!.. هل يتصور أن يحدث مثل هــذا؟!!، ولو رأيت والدها أو أخاها أو زوجها في المجالس لقلت ليثـًا غضنفراً، لا تقف في وجهه الرجال، ولكن ـ للأسف ـ مظهر فقط.. ولكنه خاوٍ من أدنى معاني الرجولة الحقيقية…

ومن الأمور المحزنة.. أن هذا الداء قد انتشر بين أهل الخير، فدَبّ فيهم التساهل والضعف.. فإنك إذا رأيت أحدهم حين يمسي عليه الليل رأيت شهمـًا غيوراً ذا حمية وإباء، وما إن يصبح عليه الصباح حـتـى ترى ما يهولك، فقد تغير ذلك الشهم الغيور إلى إنسان منسلخ منحرف، حـَلَّ فـي قـلبه الوَهَن والخَوَر، وتساوت عنده الأمور، فلم يعد يـميـّز بين الفضيلة والرذيـلـة.. و…

الـملح يصلح ما يخشى تغيره فكيف بالملح إن حلت به الغِيَرُ

فتجد أن أحدهم تخرج معه زوجته وهي كاشفة لوجهها أو رأسها، أو لابسة النقاب الذي يظهر نصف الوجه، أو تظهر من خلاله العينان وقد وضعت عليها الكحل والزينة، فلا يتأثر.

وبعضهم تخرج ابنته أو زوجته أو أخته وقد لبست البنطلون أو (الجيبـي كلوت) فلا يغار، بحجة أنها لبست فوقه العباءة.

وبعضهم تخرج نساءه إلى حفلات الأعراس، متجملة متبرجة، وحيدة مع السائق إلى ساعات الصباح الأولى، فلا يهتم لذلك.. بل قد لا يدري!!!.

وبعضهم تسافر نساءه من بلد إلى بلد، أو من مدينة إلى مدينة من غير محرم.. تركب إحداهن الطائرة متعرضة للأخطار والفتـن ونظرات الرجال، وهي وحيدة ليس معها من يـحميها …

وزد على ذلك أن بعض النساء إذا ركبت الطائرة وليس معها رجل، فإنها لن تسلم من نظرة (المضيف) أو غيره، وتليين الكلام معها طمعـًا في الحصول على شيء منها، لأنه يراها صيدًا سهلاً…

وأدهى من ذلك وأمر.. ما يندى له القلب.. مما يحصل من بعض النساء حين تركب الطائرة، فإنها تكشف وجهها، أو تخلع عباءتها، حيث لا يكون عليها رقيب ولا حسيب…

ولا أظنه خافيـًا ما يحصل من بعض النساء من الضحك، والخـلوة، والخضـوع بالقـول مع الأطباء، أو الباعة، أو مع بعض الموظفين في الدوائر الحكومية، ناهيك عن قيادة بعض النساء للسيارات يمرحن يمينـًا وشمالاً.

وهذا كله على سبيل التمثيل لا الحصر، وإلا فإن الهموم كثيرة والجروح نوازف..

وما خشيت من الماضي ونكبته إني أخاف على قومي من الآتي




ارجو ان تقرؤوه وتستفيدو منه



باااركـ الله فــيكــي أختــي الغــااالية