إغلاق المدارس الذي تم اللجوء إليه في الولايات المتحدة خلال الربيع الماضي، عند بدء انتشار وباء إنفلونزا الخنازير، ربما ليس من الضروري تكراره في الخريف المقبل،هذا أبرز ما توصلت إليه اللجان الفيدرالية الصحية بالولايات المتحدة في إرشاداتها الجديدة الصادرة في السابع من أغسطس الحالي.
إلا أن الإرشادات استدركت بأن الأمر قد يتغير إذا ما تحولت الحالة الوبائية الحالية بالولايات المتحدة إلى مرحلة شديدة، تتميز بسهولة العدوى وعدد الإصابات وتفاقم تداعيات المرض على المصابين.
وحينما يغرق الكثيرون في الهلع غير المبرر، إما لعدم وضوح الرؤية العلمية السليمة والصحيحة لدى الأوساط الطبية حول هذا المرض، أو لعدم إيصالها بطريقة سليمة وواضحة لعامة الناس في مختلف المراحل العمرية، فإن الخيال والوهم سيسطر على التفكير بما يؤدي إلى سوء التدبير إزاء التعامل المنطقي والمفيد مع الجائحة الحالية لوباء إنفلونزا الخنازير.
وعلى الرغم من كل ما يقال عن انتشار المرض وتداعياته، فإنه لا مناص عن النظر والتأمل والفهم للحقائق الأساسية والبسيطة حول هذا المرض وكيفية انتشاره ووسائل الوقاية منه، ومن سوء تدبير البعض، الاستمرار في ممارسة كل ما من شأنه تسهيل الإصابة بالمرض، وانتظار الفرج فقط بتوفر اللقاح وتلقيه، بغية دحر تفشي هذا الوباء.
إن هذا اللقاح ليس الوسيلة الوحيدة، ولا كل الأمراض المعدية يتوفر لها لقاح على الرغم من انتشار بعضها من عشرات السنين.
وفي شأن إنفلونزا الخنازير بالذات، لا يزال هناك الكثير جدا مما يمكن فعله، أو ترك فعله، لخفض عدد الإصابات بهذا المرض، والأهم لخفض عدد الوفيات جراء الإصابة به.
وعدم اتباع عموم الناس أنفسهم للإرشادات الأساسية في الوقاية وحال احتمال الإصابة وحال الإصابة الفعلية، ربما هو السبب وراء هذا التباين الواضح في انتشار الإصابات بالمرض في مناطق دون أخرى من العالم، ولأن الحالة الوبائية أصبحت اليوم واقعا عالميا، فإن من المطلوب بداهة التعامل الواقعي معها.
والأهم، فهم وتطبيق كيفية التعايش معها بطريقة تقلل عدد الإصابات، دون إعاقة أو شلل لحركة ونشاط الحياة الطبيعية للناس، وهو ما يتطلب، عند ذكر المدارس واختلاط الأطفال فيها بشكل يومي، تهيئة مرافق التعليم الخاصة بالأطفال والمراهقين، للتعامل مع هذه الحالة الوبائية الطارئة.
تحضير المدارس
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقد صباح السابع من أغسطس الحالي، والخاص بإعلان الإرشادات الصحية الجديدة المتعلقة بالمدارس، قالت كاثلين سي يس، وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، ما نصه: «الإرشاد الجديد للمدارس من قبل المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية، سوف يساعد المدارس على التحضير والتفاعل مع إنفلونزا «إتش1 إن1»، حيث إن الأطفال يستعدون للعودة للمدارس في غضون الأيام المقبلة».
وقالت جانت نابوليتانو، وزيرة الأمن الوطني، في المؤتمر نفسه: «يجب أن يكون هناك إرشاد واضح للمدارس عن كيفية تقليل انتشار مرض إنفلونزا (إتش1 إن1)». وأضافت: «القرار بإغلاق مدرسة هو قرار محلي.
وحينما تغلق مدرسة، كما شاهدنا في الربيع الماضي، فإن ذلك يسبب موجات مرتدة ذات تأثيرات بالغة الأهمية، لأن الأطفال سيبقون في منازلهم، وهو ما يعني بالتالي أن الوالدين بحاجة للتفكير في خططهم الخاصة».
أي للعناية بالأطفال في المنزل، سواء كان كلا الوالدين من العاملين، أو أحدهما.
واستطردت بالقول: «والإرشاد الذي نقدمه اليوم سيعطي إدارات المدارس الوسائل التي تحتاجها لإعداد قرارات مبنية على المعرفة حول كيفية تقليل التعرض للإصابة بالإنفلونزا مع الحد من اضطراب عملية التعليم يوما وراء يوم في المدارس».
وقال الدكتور توماس فريدين، مدير المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية،: لا نعلم ما إذا كان، أو متى، ستعود إنفلونزا (إتش1 إن1).
ومن المحتمل جدا أن تعود للظهور حينما تعود المدارس لفتح أبوابها، ومن المحتمل أيضا أن ذلك الظهور لن يحصل». وأضاف: «والإرشادات الجديدة تقدم مدى من الخيارات عند انتهاء فترة إغلاق المدارس»، أي بنهاية الإجازة.
ووفق تقارير المراكز الأميركية المذكورة، فإن أكثر من 55 مليون طالب و7 ملايين طاقم تعليمي، سيتجهون كل يوم إلى الـ 130 ألف مدرسة موجودة في الولايات المتحدة، وذلك طوال العام الدراسي المقبل. وإرشاداتها الجديدة في الحقيقة، على حد قولها، توازن بين الحاجة إلى احتواء انتشار إنفلونزا (إتش1 إن1)، في مقابل اضطراب عملية التعليم وإزعاج الوالدين، وهو ما قد يتسبب فيه إقفال المدارس.
عناصر من الإرشادات
ومن بين العناصر العديدة للإرشادات، والمفيد جدا الاطلاع عليها، ما يلي:
ـ يجب على الطلبة وطاقم التعليم المدرسي ممارسة ما يعرف بـ «نظافة الإنفلونزا» flu hygiene، بطريقة جيدة، وذلك مثل غسل اليدين جيدا بالماء والصابون، وتغطية الأنف والفم بمحارم ورقية (منديل)، حال العطس وحال السعال، وأن البديل للمحارم الورقية، إذا ما لم تكن متوفرة في تلك اللحظات المهمة، هو استخدام الأكمام الطويلة للقميص أو الثوب الذي يرتديه الطالب.
ـ إذا كان ثمة شك في احتمال إصابة طالب ما، أو أحد أفراد الطاقم التعليمي، بالإنفلونزا، فإن من الضروري الاتصال، أسرع ما يمكن، بالشخص العامل على القيام بتوفير الرعاية الصحية بالمدرسة، كالممرض أو الطبيب المدرسي.
والأشخاص الذين يصنفون بأنهم «ذوو خطورة عالية للإصابة بالإنفلونزا وبتداعياتها» People at high risk، عليهم تناول العقار المضاد للفيروس antiviral medication في الحال لتقليل احتمالات خطر الإصابة وطول أمدها ومضاعفاتها.
وينطبق هذا على المصابين بأمراض مزمنة، كالربو أو مرض السكري، والحوامل والأطفال الصغار.
ـ يجب أن تكون لدى المدارس خطط واضحة العناصر للعمل بها حال حصول تفش للإنفلونزا في كل مدرسة، ومن ضمنها توفير غرف خاصة لإبقاء الأشخاص الذين يشك باحتمال إصابتهم بالإنفلونزا، إلى حين توفر وسيلة نقلهم إلى منازلهم. كما يجب أن يكون لدى المدرسة «خطة طوارئ بديلة» contingency plan في حال لو تعرض أشخاص مهمون بالمدرسة للإنفلونزا، كالممرض المدرسي.
ـ تنصح مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية، بارتداء أقنعة الجراحة surgical masks، لتغطية الأنف والفم، من قبل الأطفال المرضى ومن قبل الأشخاص الذين يتولون رعايتهم.
ـ تعليم الطلاب الذين يصابون بالمرض ويمكثون في منازلهم، يجب أن يستمر، إما باستخدام المكالمات الهاتفية، أو إرسال الواجبات المنزلية بالمظاريف، أو استخدام التعليم عبر شبكة الإنترنت.
ـ أي شخص يصاب بالإنفلونزا، سواء كان طالبا أو من أفراد الطاقم التعليمي، يجب أن يبقى في منزله للراحة مدة 24 ساعة إضافية بعد زوال كامل أعراض المرض عنه، مثل ارتفاع حرارة الجسم أو غيرها، حتى لو كان ذاك المريض يتناول بانتظام عقار «تاميفلو» Tamiflu، الموجه للمساعدة على تخفيف الإصابة الفيروسية هذه.
ـ نوعية خاصة ومختارة من المدارس المعنية بتدريس شريحة خاصة من الطلاب ذوي «الخطورة العالية للإصابة بالإنفلونزا وتداعياتها»، ربما يجب التفكير بجدية في إبقائها مغلقة، أي عدم فتح أبوابها لاستقبال طلابها من البداية.
حالة شدة الوباء
ومع هذا كله، استدرك الخبراء الصحيون بالقول: ربما تحتاج هذه الإرشادات إلى المراجعة إذا ما ثبت أن إنفلونزا الخنازير أشد خطورة في خريف هذا العام.
وفي هذا الظرف:
ـ يجب على الوالدين أن يتفقدا أطفالهما كل صباح لمعرفة مدى وجود أي أعراض يشتبه بأنها ناتجة عن الإنفلونزا، وبالتالي يتم إبقاؤهم في المنزل حال وجود ارتفاع في حرارة الجسم، كما يجب إجراء مسح للأطفال لمعرفة مدى وجود أي من تلك الأعراض حال وصول الأطفال إلى المدرسة.
ـ إذا ما ثبتت إصابة أي من أفراد عائلة أحد الطلبة، فإن على ذلك الطالب البقاء في منزله لمدة 5 أيام، بدءا من اليوم الأول لظهور الأعراض، وفق ما أكده هؤلاء الخبراء.
ـ زيادة المسافة بين الطلاب عبر توزيع مقاعدهم بطريقة متباعدة، وإلغاء الصفوف التي يتم فيها تجميع الطلاب من عدة فصول دراسية.
ـ إطالة مدة السماح بالتغيب عن المدرسة للأطفال المرضى إلى مدة 7 أيام، حتى لو زالت الأعراض عنهم قبل نهاية تلك المدة.
ـ إغلاق المدارس يجب أن يتم بعد إجراء تقييم بعناية، تحصل فيه موازنة ما بين المخاطر والفوائد للطلبة وللمجتمع، والمدارس حينما تغلق، يجب أن يتم ذلك لمدة سبعة أيام متواصلة، ثم يقوم المختصون بإعادة تقييم النصيحة حول إعادة افتتاح المدرسة لأبوابها استقبالا للطلبة.
ـ حتى أثناء إغلاق أبواب المدرسة، يجب أن يحضر الطاقم التعليمي إلى المدرسة للاستمرار في تقديم التعليمات للطلاب عبر الإنترنت أو أي وسيلة أخرى متوفرة للتواصل مع طلابهم.
وخلال المؤتمر الصحافي نفسه، قال أرني دينكن، وزير التعليم بالولايات المتحدة، في تعليقه المباشر على هذه الإرشادات: «بواقعية، بعض المدارس لن تفتح أبوابها هذا الخريف، وإذا ما حصل هذا، فإن من المهم أن تستمر عملية تعليم الطلاب».
وهو ما عقبت عليه جانت نابوليتانو بالقول: «وحدها المدارس التي تضم عددا كبيرا من الأطفال ذوي الخطورة العالية للإصابة بإنفلونزا الخنازير، أو المدارس التي يصاب فيها عدد كبير من الطلاب بهذه الإنفلونزا، هي التي يجب عمليا أن تغلق أبوابها».
عند توفر اللقاح
وهذه الإرشادات الوقائية للتعامل مع ضرورة الاستمرار في العملية التعليمية من خلال المدارس، إلا أنه من المتوقع توفر أفضل الوسائل لمنع انتشار الإصابات بإنفلونزا الخنازير، وهو اللقاح الخاص بهذا المرض الفيروسي، وقالت كاثلين سي يس: «أفضل طريقة لمنع انتشار هذه الإنفلونزا هي اللقاح.
والعلماء يعملون بجد لتوفيره للاستخدام في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل».
ووفق ما أكده الدكتور توماس فريدين، فإن: «اللقاح سيكون غالبا وعلى أقل تقدير متوفرا للأطفال، ويتطلب تلقي جرعتين تفصل بينهما حوالي ثلاثة أسابيع أو أكثر».
وذكر بملاحظة أخرى بقوله: «لأن الكثير من الأطفال لا يتلقون لقاح الإنفلونزا، بطريقة سنوية منتظمة، فإنه سيكون تحديا أن يتم تلقيح الكثيرين منهم»، ولكنه أضاف: «نأمل أن يتم استخدام اللقاح وإعطاؤه للطلاب عند توفيره للعاملين على تقديمه للناس، وإذا ما أمكن تخصيص أماكن في المدارس، كعيادة لتقديم اللقاح، فإن ذلك سيكون وسيلة عظيمة لضمان تلقيح كل الأطفال».
فى امان الله