ما زلنا نتابع معك عزيزي القارئ الكريم، هذه الوقفات المباركة في مسيرة العلم والعمل، ومطابقة الجانب الإسلامي، وهو التوحيد، مع الجانب الآخر من شخصية الإنسان (الإداري)، ومقارنة أوجه الشبه، واستنتاج الروابط التي تجمعهما، أو الأهداف والنتائج التي تكون جسوراً بينهما. ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن العقيدة التي تشكل عصمة الإنسان عن الانزلاق في مهاوي الزلل والانحراف، أو تقيه مصارع السوء والانهيار في مستنقعات المعاصي، والشرود عن جادة الطريق المستقيم، تشكل لدى الإنسان المسلم، حصناً منيعاً، وسواراً محيطاً، وحصانة داخلية عظيمة، تنأى به دائماً عن الولوج في أبواب الغواية، وتصحح له مساره كلما اعوجّ عن جادة الهداية، أو شرد عن درب الرشاد ..
ولذلك كان التركيز الأعلى للدين الإسلامي على سلامة هذه العقيدة، والعمل على تصفيتها دائماً من الشوائب، وتنقيتها من العيوب والمثالب، وهو ما جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقضي ثلاثة عشر عاماً في مكة يعالج اعوجاج عقائد الجاهلية لدى البشر، ويقيم فيهم الفكر العقدي السليم، الذي يساير الفطرة، ويواكب العلم والعقل معاً. ومرة أخرى يدعونا الحديث لكي نعرف كيف تكون هذه العقيدة الصحيحة نبراساً هادياً في عالم الإدارة، ومشكاة مضيئة للعاملين في شتى ميادين علوم الإدارة الواسعة، كمثل تلك التي تبحثها مجلتكم هذه مجلة ابداع ..
إن العقيدة السليمة كما أسلفنا تواكب الفطرة، وتستخدم العقل السليم للوصول إلى حقائقها ودقائقها، وتسرج العلم في ظلمات الجهل، وذلك لهدف واحد يسعى إليه الناس جميعاً، وهو الوصول إلى الحقيقة، وامتلاك أفضل وأيسر الطرق والأساليب للتعايش مع الكون من حولنا، والناس المحيطين بنا، ولذلك لم تكن العقيدة الحقيقة أهلاً إلا لمن أعمل عقله، واستخدم بصيرته، واستنفد جهده وتفكيره. وعندما يريد الإنسان أن يُعمل عقله لتتكون له العقيدة السليمة، المتكاملة من جميع الجوانب، لابد له – من دون ريب – أن يتعامل مع عقول أخرى لدى الناس، لينتفع بما لديهم، ويتبادل الفكرة معهم ..
وهكذا شأن الإنسان دائماً، يسأل عن مالا يعرف، ويدفعه فضوله لتعلم ما يجهل.. غير أن التعامل مع عقول الآخرين، لا سيما المثقفين منهم لابد له من قواعد سليمة، فكم يخوض الناس في جدل لا يخرجون منه سوى بزيادة الجهل، واضطراب المعاني، وتعقد الأمور ..
وهذه القواعد المنطقية في التفكير مع الآخرين أفرد لها علماء الإدارة أبحاثاً واسعة، وخصصوا لها كتباً ودراسات كثيرة، فوضعوا أسس التفكير المنطقي السليم، واهتم علماء آخرون بسيكولوجية التفكير المنطقي، والطبيعة الإنسانية، واستنتجوا قواعد التعامل مع الجمهور، وفنون مشافهة الآخرين، وقواعد المناظرة ..
بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك فاكتشف علوم البرمجة العصبية، وبحث الآخرون في العقل الباطن والقدرات الكامنة، واهتم آخرون في جوانب المعرفة والثقافة، فاكتشفوا قدرة الإنسان على سرعة التعلم والمذاكرة، فحاضر بعض العلماء في القراءة التصويرية، أو القراءة السريعة، حسبما يحلو لكل منهم أن يصطلح على فنه، ولا مشاحة في الاصطلاح.. وأخيراً أسس باحثون ومهتمون معاهد ومراكز للتدريب، وهكذا دارت عجلة الحضارة على رحى حاجة الإنسان لتصحيح شيء ما بداخله، ونحن لا نرى هذا الشيء إلا عقيدته الداخلية، التي يسعى دائماً وأبداً للوصول بها إلا سدة الكمال، وغاية الإتقان.. وفي هذه الزاوية نتابع معكم بقية للحديث في العدد القادم عن سبب رغبة الإنسان المستمرة في تحصيل العلم، وصلته الوطيدة بالعقيدة السوية ..
يا قلبو