توقفي عن توجيه هذه الاسئلة لنفسك
من أحد أهم الموضوعات التي يجب الحرص عليها كيف يتمكن الإنسان من ترويض عقله ليكون حليفا بدلا من أن يكون عدوا له، فالمعاناة التي تمر بها كل يوم على مدار الحياة ترتبط بدرجة كبيرة جدا بالعقل الذي يجعلنا عبيدا لكل من مشاعر القلق والهوس، كما نقع بين راحتي الخوف من تكرار الآلام القديمة والتوتر من كل ما هو جديد حتى قبل أن يحدث.
ومن أشهر العوامل التي تعمل على تفاقم خطر هذه المشاعر السلبية توجيه الشخص لنفسه بعض الأسئلة التي قد تبدو معتادة ومتداولة على لسان الجميع بصفة مستمرة، لكن خطرها كامن يحدث تآكل في مسيرة الإنسان الحياتية ويعيقها وتتلخص فيما يلي:
1- ما الخطأ في..؟؟
2- ماذا سوف يحدث لي..؟؟
3- كيف أخرج من هذه المشكلة ..؟؟
4- من أين يمكنني الحصول على المال ..؟؟
يعتبر التخلص من هذه المشاعر أمراً غاية في الصعوبة، وتكمن الصعوبة في كونها مستمرة ولا تستطيع أن تحل نفسها بنفسها، كما أن الحلول التي نحاول تجربتها لا تفيد، لأننا غالبا نتجاهل البحث في الأسئلة المزعجة كنوع من النكران الذاتي لنثبت لأنفسنا أنه ليس هناك شيء خطأ مما يزيد من حالة القلق والشك، وهذه وسيلة أخرى سلبية.
ونبرر ما نمر به من مشاعر قلق من خلال توضيح قيمتها من أجل تحقيق السعي وراء المال، السلطة والإنجاز، وقد ينتج عنها بالفعل تحقيق الثراء والنجاح، لكن ذلك لا يضع حدا أو نهاية للخوف الذي يسيطر على الإنسان حتى تتملكه فكرة أن المستقبل يحمل شيئاً مروعاً ومجهولاً لابد من الانتباه له.
ويصبح من الضروري تجربة طريقة جديدة لتحقيق التقدم تحول العقل من عدو إلى صديق، ولعمل ذلك يجب الانتقال من مستوى المشكلة إلى مستوى الحل، وأول خطوة تكون من خلال إلقاء نظرة صادقة على ما تفعله تلك الأربعة أسئلة السلبية للشخص ومن أين تنبع.
والآن عرض لتفاصيل الأربعة أسئلة المدمرة:
1- ما الخطأ في ..؟؟
لماذا يسأله الشخص لنفسه؟
ينبع هذا السؤال عندما يعاني الشخص من ثلاثة اضطرابات نفسية داخلية وهي:
– انعدام داخلي للشعور بالأمان.
– فقدان الثقة بالنفس والشك بها.
– حكم الفرد ضد نفسه.
عندما يحدث صراع داخلي من الشكوك الذاتية للشخص يقع في صراع مع النفس ويقول لها أشياء معاكسة له، فنجده يقول لنفسه يوما "ليس هناك شيء خطأ أو عيب في" ويوما آخر تقلب الآية ويقول لنفسه "أنا في حالة مزرية وكل شيء خطأ في"، وتكون الخطوة التالية لهذه المشاعر المتناقضة تطور الأمور من السيء للأسوأ.
والحقيقة أن كلا الأمرين ليس حقيقياً، لكن هذه ليست المشكلة، حيث أصبحت الإجابة المزيفة واقعاً وعادة ثابتة لا توصل صاحبها إلى أي شيء.
ومن الأفكار الخاطئة الأخرى التي تراود الشخص عن نفسه بعض العبارات التي يكررها على نفسه وتشمل ما يلي:
– أنا دائما أفعل بنفسي هذا.
– أنا أحمق.
– أنا وحيد تماما.
– أنا لا أحصل على راحة أبدا.
والمشكلة هي أنك تحاول مرارا وتكرارا الإجابة عن سؤال انهزامي للذات يراودك، وبدلا من ذلك يجب النظر في الأسباب التي جعلت هذا السؤال يطرأ في الذهن ويحل تلك المشكلة وهي الشعور بعدم الأمان.
ويتحقق الشعور بالأمان من خلال التمركز حول الذات والاهتمام بها.
2- ماذا سيحدث لي ..؟؟
يتعلق هذا السؤال بالمخاوف حول المستقبل وفقدان الثقة بالنفس؛ ففي الحياة لا يمكن أن يعلم الإنسان ما سيحدث، وأي محاولة لمعرفة ذلك هي محاولة عقيمة غير مجدية، وهذا بالطبع سؤال من الأسئلة التي تهزم الذات.
وبدلا من تكرار هذا السؤال يحتاج الشخص أن يعيش الحاضر والواقع، ويدرك أن المستقبل شيء ليس مجهولاً بالنسبة له فقط، إنما هو كذلك بالنسبة لأي إنسان آخر لأن الله وحده هو عالم الغيب، ولن يتمكن الإنسان من معرفته مهما حاول أو مهما شعر بالقلق عليه.
ومن هنا فإن القلق على المستقبل يشبه تماما القلق على شبح غير مرئي، يتراكم الخوف به على أشياء افتراضية وسيناريوهات تقدم أسوأ الحالات وتنتهي كل هذه الهواجس عندما يركز الشخص انتباهه على مبدأ ما هو موجود هنا أمامه والآن في الوقت الحالي.
3- كيف أخرج من هذه المشكلة..؟؟
ينبع هذا السؤال من إحساس الشخص بأنه محاصر أو واقع في فخ ما، ولإنهائه يجب أن تترك مساحة للابتكار أو الإبداع؛ فكثرة تكرار وسواس الشك شيء يتلف قدرات المخ الإبداعية لدى الشخص.
والخوف لا يقدم حلولاً لأي مشكلة، إنما عند إعادة هيكلة الموقف الواقع به الشخص، وبدلا من النظر إليه كسجين يجب رؤيته كفرصة يثبت من خلالها أنه قادر على مواجهة الواقع، وبالتخلص من الخوف يفتح المجال لظهور حلول جديدة.
4- من أين يمكنني الحصول على المال ..؟؟
من الناحية السطحية يبدو سؤالاً يخص الجوانب المالية للشخص، ولكن عند التعمق به فإنه ناتج عن إحساس داخلي يراود الإنسان بأن حياته سوف تؤخذ منه معتقدا أن المال هو الشيء الذي يحميه من فقدان السيطرة، وإذا لم يكن لديه ما يكفيه من المال سوف تتغلب عليه قوى أخرى غير مرئية.
وبدلا من أن يصبح الشخص ضحية القلق بشأن المال وكيفية الحصول عليه يجب خلق مكان آمن بداخله، ويتحقق ذلك بالخطوات التالية:
– الإيمان بأن المال وحده لن يوفر له الشعور بالأمان.
– لا يمكن إنكار أن توفر مقدار معقول من المال شيء هام ولكن إحساس النقص شيء نفسي وليس مادي.
– سوف يشعر الإنسان بالأمان الداخلي ليس بامتلاكه ما يكفي من المال ولكن عندما يستطيع القول بأنه قانع.
وفي النهاية، فإن توقف الإنسان عن طرح الأسئلة السابقة يتحقق عندما يقوى بداخله الإيمان بالقضاء والقدر وأن الرزق بيد الله وأن عالم الغيب هو الله، وكل ما علينا القيام به في هذه الدنيا هو العبادة والعمل بصدق واجتهاد وتأدية ما علينا من واجبات والسعي للحصول على حقوقنا في الدنيا، وهذا سوف يعيد لنا الشعور بالأمان فالثقة بالله تكسب العبد الثقة بنفسه والراحة والسلام الداخلي.