إن الصلاة ركن من أركان الدين وعامود الإسلام العظيم وشعاره المتين , ومن عظم هذا الركن أن جعله الله من العبادات المتكررة في اليوم والليلة , وهي عبادة محببة للنفس المؤمنة ولا يبغضها أو يتكاسل عنها إلا منافق معلوم النفاق , بل كان الصحابة يجاهدون أنفسهم لأدائها جماعة ولو كانوا يشتكون من مرض , و حببت للنفس لما فيها من ركوع وسجود وأذكار يمجد فيها المصلي ربه ويسأله حاجته ويتقرب إليه بكثرة التسبيح لعل الله أن يتقبل طاعته ويزيده من فضله , فهذه العبادة يحبها الله ورسوله وقد جبلت المخلوقات كلها على السجود يقول الله تعالى ( والنجم والشجر يسجدان ) , بل حتى الملائكة في السموات لا تنفك عن عبادة ربها بالصلاة وهي تركع وتسجد خافضة جباهها للحي القيوم , ذكر الألباني في صحيح الجامع بسند حسن عن أبي ذر الغفاري قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع ، إلا وملك واضع جبهته لله تعالى ساجدا ، والله لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله " .
إن الصلاة عبادة لها هيئة خاصة تؤدى بها ولا يصح أن يأتي المسلم بحركات وهيئات لم يشرع الله بها , بل على المسلم أن يصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وذلك أتباع لأمره , فقد روى البخاري في صحيحه بسند صحيح عن مالك بن الحويرث قال : أتينا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن شبَبَةٌ متقارِبونَ، فأقَمْنا عِندَه عشرينَ ليلةً، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟َفيقًا، فلما ظنَّ أنا قد اشتَهَينا أهلَنا، أو قد اشتَقنا، سألَنا عمَّن تركْنا بعدَنا فأخبرناه، قال : ( ارجِعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلِّموهم ومُروهم ) . وذكَر أشياءَ أحفظُها أو لا أحفظُها : ( " وصلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي " ، فإذا حضَرتِ الصلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم ) , وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة تنقل لنا صفة صلاته بدقة وكأننا نشاهده بأعيننا , فعلى المسلم المتابعة وتصحيح صفة صلاته إن كان يريد كمال الثواب والأجر .
ولذلك سنتطرق إلى رفع اليدين في الصلاة لمعرفة مواضعها الصحيحة وكيفية رفعها , فقد روى البخاري في صحيحه عن سالم بن عبدالله عن ابيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا كبر للركوع , وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد , وكان لا يفعل ذلك في السجود " , ( والمنكب ) هو المفصل الذي يصل العضد بالكتف , والحديث الأخر الذي رواه البخاري في صحيحه عن نافع " أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه , وإذا ركع رفع يديه , وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه , وإذا قام من الركعتين رفع يديه , ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم " , فكانت المواضع أربعة , أولا / عند تكبيرة الإحرام , وثانيا / عند التكبير للركوع , وثالثا / عند الرفع من الركوع وقول سمع الله لمن حمده للأمام أو قول ربنا ولك الحمد للمأموم , ورابعا / عند القيام من التشهد الأول , ويقوم برفع اليدين في المواضع الأربعة كما كان يفعل في تكبيرة الإحرام بأن يرفع يديه وهو قائم حذو منكبيه , وهذا العمل هو موافق للسنة ومن لم يفعل ذلك في صلاته فصلاته صحيحة ولا تبطل ولكنه ترك سنة ولم يوافق صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في صفتها .
وذكر بعض العلماء في رفع اليدين كما ذكر النووي في شرح مسلم : أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام , وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة .
روى البخاري في صحيحه عن خالد عن أبي قلابة أنه رأى مالك ابن الحويرث إذا صلى كبر ورفع يديه , وإذا أراد أن يركع رفع يديه , وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه , وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا .
وذكر ابن حجر في شرحه أن أحاديث الرفع رواه سبعة عشر صحابي , وذكر الحاكم وأبو القاسم بن منده أن ممن رواه العشرة المبشرين , وذكر الشيخ أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا .
ومن المشاهد أن ترى كثير من الناس يصلي ويكبر في حركاته أثناء الصلاة ولكن لا يرفع يديه غير تكبيرة الإحرام وهذا مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم و ترك للموافقة لهذه السنة حيث أنه قال " صلوا كما رأيتموني أصلي " والسنة الصحيحة الثابتة نقلت لنا كل تفاصيل الصلاة من بداية التكبير حتى نهاية التسليم فلماذا تتهاون في مطابقة صلاتك بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لنا قدوة حسنة في أمورنا كلها فكيف بالصلاة .
قد يكون الفارق بينك وبين صلاة الآخرين المحافظين سنن بسيطة ولكن الفرق عظيم والقدر كبير في الثواب عند الله ويكفي أن فيها متابعة لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم , فعليك بتحسين صلاتك وتفقد كل ما يتممها بل كان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون عن تفاصيل صلاته وحتى عما يقوله في السكتة بين التكبير والقراءة من أجل المتابعة فلا تتهاون ولو بسنة واحدة كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلعلك تتقدم غيرك من المصلين بفارق سنة واحدة وتحشر مع نبيك بصلاة كاملة غير منقوصة الأجر ……. والحمد لله رب العالمين