تفسير سورة التوبة
هذه السورة آخر ما نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم تبدأ بالبسملة لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة فى المصحف الإمام واقتدوا فى ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه
نزلت لما رجع الرسول صلى اله عليه وسلم من غزوة تبوك وأراد أن يحج
وكان المشركين يحضرون هذا المسم ليطوفوا عراة بالبيت كعادتهم فكره الرسول صلى اله عليه وسلم مخالطتهم وأرسل أبا بكر أميرا على الحج هذا العام ليعلم الناس مناسك الحج وليأمر المشركين بأن لا يحجوا بعد عامهم هذا
وأن ينادى فى الناس بأن الله ورسوله يتبرأون من المشركين
ثم أرسل فى تبعته على بن أبى طالب رضى الله عنه ليكونوا عصبة معا .
وقيل أنها بدأت ببراءة من الله ورسوله من المشركين وهذا ينافى سماحة البسملة
الآيات 1 ـ 2
( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزى الله ، وأن الله مخزى الكافرين )
تبرأ الله ورسوله من المشركين الذين لهم عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكمل عهدهم إلى مدتهم ومن كان عهده أقل من أربعة أشهر فيكمل له الأربعة
واعلموا أيها المشركين بأنكم لا تعجزون الله فى الأرض ، والله يخزى أعمالكم الضالة .
الآية 3
( وآذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ، ورسوله ، فإن تبتم فهو خير لكم ، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله ، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم )
وآذان : وإنذار من الله ومن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس يوم الحج الأكبر يوم النحر الذى هو أفضل أيام الحج ومناسكه وأكبرها جميعا
أن الله ورسوله برئ من المشركين وأفعالهم فى البيت ، ودعاءا لهم بالتوبة
فإن تبتم مما أنتم فيه من ضلال فهذا خير لكم فى الدنيا والآخرة ، وإن توليتم
واستمررتم على ما أنتم فيه فاعلموا جيدا أنكم لن تعجزوا الله ولن تهربوا منه ولن تعصوا عليه ، بل قادر عليكم وأنتم فى قبضته ، وبشر المشركين بالنكال والعذاب فى الدنيا والجحيم فى الآخرة .
الآية 4
( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ، إن الله يحب المتقين )
ومن كانت مدة عهده أكثر من أربعة أشهر وهم على عهدهم ولم ينقصوكم شيئا مما تعاهدتم عليه ولم يستنصروا بأحد ولم ينصروا عدوا على المسلمين ، فعلى المسلمين أن ينتظروا عليهم إلى مدة عهدهم ويستكملونها
وهذا من تقوى الله والله يحب من يتقيه ولو مع الكفار .
الآية 5
( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ، إن الله غفور رحيم )
فإذا انقضت الأربعة أشهر التى حرم فيها نقض العهود معهم وكانوا آمنين فيها ، فيجب على المسلمين قتل المشركين أينما وجدوهم فى الأرض وأسروهم وخذوهم
وحاصروهم فى حصونهم واقصدوهم واقعدوا مترصدين لهم فى الطرقات لكى
تضيقوا عليهم وتضطروهم للقتل أو الإسلام
فإن تابوا ودخلوا الإسلام وأقاموا الصلاة ودفعوا زكاة أموالهم فاتركوهم وسالموهم لأن الله يحب العفو والمغفرة والرحمة .
الآية 6
( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون )
وإذا استجار واستأمنك أحد هؤلاء المشركين الذين أمرت بأن تقاتلهم فاعطيه الأمان واستجب لطلبه حتى تسمعه القرآن وتذكر له أوامر الدين الإسلامى ليكون عليه حجة ، وهو آمن حتى يرجع بلده وداره
وذلك لأنهم لا يعلمون ويجب أن نعلمهم الدين وتنتشر الدعوة .
الآية 7
( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ، فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، إن الله يحب المتقين )
كيف يكون للمشركين أمان ويتركون فيما هم فيه وهم كافرون بالله وبرسوله
إلا المشركين الذين عاهدوهم فى صلح الحديبية
فإن تمسكوا بما تعاهدتم عليه من ترك الحرب عشر سنين فاستمروا فى عهدكم معهم ، لأن الله يحب المتقين
وإن نقضوا عهدهم فانقضوه واقتلوهم مثلهم كمثل باقى المشركين .
وقد نقضت قريش عهدهم بعد ستة سنوات فغزاهم الرسول فى رمضان وفتح الله عليه البلد الحرام ومكنه منهم والحمد لله .
الآية 8
( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون )
إلا : قرابة
ذمة : عهد
كيف تتركوا المشركين وهم لو نقضوا عهدهم وظهروا عليكم لن يرحموكم ولا يراعوا فيكم قرابة ولا عهد
لو أرضوكم بألسنتهم فلن ترضى قلوبهم ويحملون لكم البغضاء ومعظمهم فاسقون خارجون على أمر الله .
وهذا القول من الله لتحريض المسلمين على قتال المشركين والبراءة منهم .
الآية 9 ـ 11
( اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله ، إنهم ساء ما كانوا يعملون * لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة ، وأولئك هم المعتدون * فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون )
إن هؤلاء المشركين فضلوا على الإيمان بآيات الله ثمنا قليلا ودنيا غرورة زائلة فحاولوا منع الناس عن اتباع طريق الله ورسوله ـــــ فبئس ما عملوا
إنهم لا يراعوا فيكم قرابة ولا عهد ، وهذا هو حق الإعتداء .
فإن تابوا واستقاموا وآمنوا وأقاموا الصلاة فى أوقاتها وأدوا شعائرها ودفعوا زكاة أموالهم ، فهم إخوانكم فى الدين
إننا نوضح ثانيا الآيات للقوم ليعلموا .
الآية 12
( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر ، إنهم لآ أيمان لهم لعلهم ينتهون )
وإذا نقض هؤلاء المشركين عهدهم معكم على المدة التى اتفقتم عليها
وعابوا فى دينكم بسب أو إنقاص ، فقاتلوا رؤوس الكفر
فهم لا عهد لهم لعلهم يرجعون عما هم عليه من عناد وضلال .
الآيات 13 ـ 15
( ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة ، أتخشونهم ، فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ، ويتوب الله على من يشاء ، والله عليم حكيم )
وكيف لا تقاتلون المشركين وهم قوم نقضوا عهودهم وحاولوا إخراج رسول الله من مكة وهم فعلوا ذلك فى يوم بدر حين خرجوا لنصر عيرهم ، فلما نجت استمروا على القتال بغيا وتكبرا وقاتلوا مع حلفائهم بنى بكر لخزاعة أحلاف الرسول صلى الله عليه وسلم
هل تخافونهم ، فالله أحق أن تخافوه
لا تخافوا وقاتلوهم ينصركم الله عليهم ويعذبهم بأيديكم ويذهب غل نفوس المؤمنين جميعا ويتوب على من يشاء من عباده
والله عليم بما يصلح عباده حكيم فى أوامره عادل لا يجور ولا يضيع أجر عامل فى الدنيا ولا فى الآخرة .
الآية 16
( أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ، والله خبير بما تعملون )
أيها المؤمنون ، هل ظننتم أن نترككم بدون اختبار لنفرق بين الصادق من الكاذب
ومن يطيع الله فى أوامره بالجهاد ومن يعصيه ومن يتخذ من غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وعونا
والله يعلم بما يكون وما لم يكن ويعلم أفعالكم ولا راد لقدره .
الآيات 17 ـ 18
( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ، أولئك حبطت أعمالهم وفى النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )
ليس للمشركين الحق فى أن يعمروا مساجد الله التى بنيت على اسمه لا شريك له وهم يشهدون على أنفسهم بالشرك والكفر
لقد حبطت أعمالهم وبطلت وليس لهم إلا النار خالدين فيها
ولكن يجب أن المؤمنين هم الذين يعمروا مساجد الله فهم يؤمنون بالله لا شريك له ويقيموا الصلاة فى أوقاتها ويؤدون الزكاة ولا يخشون إلا الله
وهؤلاء هم المهتدين المفلحون .
الآيات 19 ـ 22
( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لايستوون عند الله ، والله لا يهدى القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ، وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا ، إن الله عنده أجر عظيم )
ليس هناك مساواة بين عمارة المشركين البيت والقيام على السقاية مع الشرك بالله وبين الإيمان بالله والجهاد مع نبى الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالبعث واليوم الآخر ، إنهم لا يتساوون عند الله
والله لا يحب أن يهدى من ظلم .
فمن آمن بالله وترك بلده وهاجر فى سبيل الله مجاهدا بماله ونفسه له درجات عظيمة عند الله وهم الفائزون فى الدنيا والآخرة.
ويبشرهم الله ربهم بأن لهم الجزاء الأوفى فى جنات بها نعيم دائم .
خالدين فى الجنة إلى ما لا نهاية ، وما عند الله من أجر فهو عظيم وكبير .
الآيات 23 ـ 24
( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ، والله لا يهدى القوم الفاسقين )
يأمر الله المؤمنين أن يتبرؤا من ذويهم وإخوانهم وآبائهم الذين كفروا وأحبوا الكفر على الإيمان بالله وطاعة الله ورسوله ، ولا يتخذوا منهم أنصارا
ومن يتخذهم أنصار وأحباء فهو ظالم .
إذا كانت آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وقبائلكم وشعوبكم وأموالكم التى اكتسبتوها وجمعتوها وتجارتكم التى تخافون ضياعها وخسارتها ومساكن تحبون أن تقتنوها وإذا كان ذلك كله تحبونه أكثر مما تحبون الله والجهاد فى سبيل رفعة كلمة التوحيد ودين الله فانتظروا عذاب الله وغضبه
ولا يهدى الله من فسق وخرج على طاعته وطاعة رسوله .
الآيات 25 ـ 27
( لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ، ويوم حنين ، إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا ، وذلك جزاء الكافرين * ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ، والله غفور رحيم )
وهذا فضل الله عليكم أيها المؤمنين ، نصركم الله فى غزوات كثيرة مع رسوله وهذا النصر فضل من الله وليس بكثرة عددكم ولا بعدتكم وشجاعتكم ، والدليل أنكم يوم حنين أعجبتكم كثرة عددكم ولكن مع ذلك فررتم هاربين إلا قليل منكم بقوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أنزل الله السكينة على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه من مؤمنين ، وأنزل جنودا لم تراها أعينكم وهم الملائكة ، ونصركم على الكافرين الذين عذبهم جزاء لهم بأعمالهم السيئة وكفرهم
وتاب الله على من تبقى من قبيلة هوازن فأسلموا ولحقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليهم ما سبى منهم وألف بين قلوب المؤمنين .
والله غفور لمن تاب وأسلم ورحيم بمن عمل صالحا .
الآيات 28 ـ 29
( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ، إن الله عليم حكيم * قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )
يأمر الله المؤمنون بأن يمنعوا المشركين من دخول المسجد الحرام ولا حتى مجرد الإقتراب منه لأنهم نجس فى دينهم فلا يحجون ولا يطوفون عراة كما كانوا يفعلون من قبل .
وتدل الآية على نجاسة المشرك وطهارة المسلم
ولو أنكم أيها المؤمنون خفتم عيلة بمقاطعة الكافرين المسلمين فى تجارتهم وأسواقهم فسوف يعوضكم الله بما قطع عنكم بما يؤخذ من أهل الكتاب من جزية .
والله يعلم ما يصلح أموركم وحكيم فى أوامره .
وأمروا أهل الكتاب بدفع جزية ( ضريبة ) مقابل حمايتهم ومجارتهم معكم فى بلدكم إن لم يسلموا وذلك عن يد ( قهر وغلبة ) وهم صاغرون ( ذليلون حقيرون )
لهذا لا يجوز رفع أهل الذمة على المسلمين بل يجب تحقيرهم وإذلالهم .
الآيات 30 ـ 31
( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قاتلهم الله ، أنى يؤفكون * اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا ، لآ إله إلا هو ، سبحانه عما يشركون )
يحث الله المؤمنين على قتال الكافرين فيقول :
قالت اليهود أن عزير هو ابن الله ، وقالت النصارى المسيح هو ابن الله ، وقالوا هذا بظنهم ولم ينزل لهم سلطان من الله بهذا ، الله قاتلهم فإلى أين ينصرفون بعقولهم
اتبع اليهود أحبارهم واتبع النصارى رهبانهم وتركوا كتاب الله وأوامره وأحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحله
وما أمرهم المسيح ابن مريم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له
تعالى الله وتقدس عما يصفوه به وتنزه عن أن يكون له ولد أو ابن أو صاحبة
الآيات 32 ، 33
( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )
يريد الكفار من المشركين ومن أهل الكتاب أن يطغوا على ما جاء به القرآن من توحيد الله وما أرسل الله مع نبيه بالجدال ، مثلهم كالذى يريد أن يطفئ نور القمر أو ضوء الشمس
ولكن الله عازم على أن يظهر الحق ، وينصر دينه الحق على جميع العقائد مهما كره ذلك الكافرون
الآيات 34 ـ 35
( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ، والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون )
الأحبار : علماء اليهود
الرهبان : عبّاد النصارى
القسيسون : علماء النصارى
يحذر الله جل جلاله من علماء السوء وعبّاد الباطل مما ذكر فى الآية ومن شابههم
فهم يأكلون أموال الناس بتحكمهم بمناصبهم بينهم
وهم مع ذلك يمنعون الناس عن اتباع الحق ويخلطون الحق بالباطل
وهؤلاء الذين يكنزون المال ولا ينفقونها فى الأوجه التى حددها الله ولا يخرجون زكاة أموالهم ، فإنهم يفسدون بذلك أحوال الناس ، فبشرهم يا محمد بعذاب الله الشديد.
فيوم القيامة توقد فيهم وفى أموالهم النار ويقال لهم توبيخا : هذا ما جمعتم لأنفسكم
فذوقوا العذاب فى النار .
الآية 36
( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ، ذلك الدين القيم ، فلا تظلموا فيهن أنفسكم ، وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ، واعلموا أن الله مع المتقين )
خلق الله السموات والأرض وكتب فى اللوح المحفوظ أن السنة تتكون من اثنا عشر شهرا ، وتدور الشمس والقمر محافظة على هذا التقدير من الله لتظل دائما السنة تتكون من اثنا عشر شهرا .
ومن هذه الأشهر جعل الله أربعة أشهر حرما ، يعظم فيها الظلم والخطيئة فيها يكبر وزرها والمحاسبة عليها فيها أكثر من سائر الأشهر ، ويحرم فيها القتال .
فينهى الله الناس عن ظلم أنفسهم فيها ويأمر بقتال المشركين جميعا و فى جميع الأشهر كافة إذا كان المشركين يقاتلون المسلمين جميعا و فى جميع الأشهر
ولكن إن لم يقاتلوا فلا يقتلوا فى هذه الأشهر الأربعة .
والله يحب وينصر من اتقاه .
وهذه الأشهر هى : ذو القعدة ــ ذو الحجة ــ المحرم ــ رجب
فهذه ثلاثة متتاليات ، ثم رجب
وكان العرب يحرمونها فى الجاهلية ولكن بعضهم كان يتلاعب فيقدم ما يقدم وينقص ويزيد كيف يحلوا لهم بما عرف بالنسئ
والله يحرم كل هذا
الآية 37
( إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ، زين لهم سوء أعمالهم ، والله لا يهدى القوم الكافرين )
ثم يقول الله جل جلاله :
إن النسئ : وهو تغيير ما شرع الله بأهواء المشركين فيحلون شهر من هذه الأشهر عاما ويحرمونه عاما آخر ويغيروا فى الأشهر فيحرمون شهر حلال حتى يوافقوا عدة الأربعة أشهر وفقا للحمية والعصبية الجاهلية ، فكانوا يتركون شهر محرم عاما ويحلونه عاما آخر فهذا تلاعب بشرع الله وهذا مما وصفه الله بأنه زيادة فى الكفر ، وقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم ولا يهدى الله قوما كفروا بالله وشرائعه
الآيات 38 ـ 39
( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا ، والله على كل شئ قدير )
ينادى الله من تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك ويقول لهم :
يا أيها المؤمنون ( ليحثهم بالإيمان الذى تحلوا به ) ماذا بكم ، ما لكم إذا دعيتم للجهاد تكاسلتم وملتم إلى الأرض ونعيمها الزائل
هل رضيتم بالحياة الدنيا الزائلة بدلا من الآخرة الدائمة ونعيمها المقيم
إن متاع الدنيا قليل وزائل إذا قيس بنعيم الآخرة
لو أنكم دعاكم الرسول للجهاد وامتنعتم عن تلبيته فسوف يعذبكم الله عذابا شديدا ويهلككم ويأت بقوم آخرون يطيعونه ولا تضروا الله ولا الرسول شيئا مهما قل
والله قادر على أن يفعل كل شئ وقادر على أن ينتصر على الأعداء بدونكم .
الآية 40
( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هى العليا ، والله عزيز حكيم )
إن لم تنصروا رسول الله ، فإن الله ناصره كما نصره من قبل يوم أن حاول المشركين أن يقتلوه فهاجر وتتبعه المشركين ليقتلوه هو وصاحبه أبوبكر الصديق
واختبأا فى الغار ويقول لصاحبه لا تخشى شيئا فإن الله معنا ينجينا وينصرنا على أعداءه وأعدائنا
وأنزل الله السكينة والطمأنينة على قلبه وساعده بجنود من الملائكة لحمايتهما فى الغار لم ترون هذه الجنود
وجعل الله الشرك مهزوما وجعل كلمة التوحيد هى العليا وهزم المشركين
والله عزيز قوى فى انتقامه وانتصاره لا يغالب
وحكيم فى أقواله وأفعاله .
الآية 41
( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون )
يأمر الله المؤمنين بالخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد فى سبيل الله خفافا وثقالا ( شبانا و كهولا ، و أغنياء وفقراء ، وقوى أو ضعيف )
وأن يجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم
وأن فى ذلك خير لهم لو كانوا يعلمون الغيب إذ يغرمون القليل ويعوضه الله بالكثير من الغنائم فى الدنيا ويوم القيامة النعيم المقيم فى الجنة .
الآية 42
( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة ، وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون )
والذين تخلفوا فى غزوة تبوك عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلو كان عرضا قريبا غنيمة قريبة
أو وسفرا قاصدا سفرا قريبا
كانوا جاؤوا معك
ولكن بعدت عليهم الشقة ( المسافة إلى الشام ) فاعتزروا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
يحلفون للرسول صلى الله عليه وسلم لو لم يكن عندنا أعذار لكنا خرجنا معك
هم يحلفون كذبا ويهلكون أنفسهم بالتخلف عنك
والله يعلم حقيقة نفوسهم فهم كاذبون .
الآيات 43 ـ 45
( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين * لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، والله عليم بالمتقين * إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون )
يعاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه أذن للمتخلفين بالقعود
حتى تعلم من يكذب ومن يستحق القعود
فلا يحق لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يستئذن فى عدم الخروج للجهاد بنفسه وماله
والله يعلم خبايا النفوس ويعلم من اتقى ومن غير ذلك .
ولكن الذين يستئذنون لذلك هم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر وقلوبهم فى شك يتخبطون فى التردد والشك .