أنا أعاني من الخوف والرعشة وجفاف الحلق وخفقان القلب بشدة عندما يهاجمني الآخرون بغضب، ولا أستطيع الرد والدفاع عن نفسي، ولا أملك الشجاعة مطلقا لاسترجاع حقي بالقوة عند الحاجة لذلك.. لقد مررت بطفولة بالغة القسوة من والدي حفظه الله وغفر له، فلم أحظ بأي اهتمام منه لي كطفل، ولم أحصل على حقوقي بداية من اللعب مع باقي الأطفال، فكان كل همه هو مساعدتي له في العمل وكنت مطيعا له، ومع ذلك كان يضربني ضربا مبرحا على أتفه المواقف، علاوة على التأنيب المستمر لي، ولا يستمع لي ولا يعطيني أي اهتمام، وإذا أراد نصحي يهينني ويحرجني أمام الآخرين، وكان دائم الشكوى مني بأني غير مطيع، ووالدتي أيضا نهجت معي نفس المنهاج، وكانت هي الأخرى تخاف جدا ويظهر عليها القلق بوضوح إلى أن أصيبت بمرض السكر اللعين، وكانت تخرج ما بها من خوف وقلق في إيذائي وضربي، وهي الزوجة الثانية لأبي في وجود الأولى، علمًا بأن الأسرة كلها في منزل واحد وأخي يكبرني بعشرين عاما تقريبا، ويعاملني أيضا بكره نتيجة انقياده لزوجته الحقودة، فكان يضربني ويحرمني من اللعب بحجة أنه يريد تعليمي المهنة، وكان شديد التسلط علي مع أنني كنت ذكيًا وأفهم بسرعة، لذلك كنت أشعر بالاضطهاد المستمر حتى من العاملين مع أبي، وذلك لأنهم يعلمون طبيعة أبي فهو حاد الطباع وكانوا يتسببون لي في الضرب ثم يضحكون.. كنت أجد نفسي معزولاً وأحيانًا أدخل غرفة خالية لأنفجر بالبكاء بدون سبب، ودائم الشعور بالقلق والخوف من أبي، وكانت أمي ترسخ عندي هذا الشعور دائما.. كنت أخاف من مشاركة زملائي اللعب، ولا أستطيع الدفاع عن نفسي مع أني لست ضعيفا، وأخاف من الدخول في الأماكن المزدحمة لشراء شيء ما، وكنت دائم الهدوء، وأشعر بالإحراج الشديد عندما يوجه لي سؤال من المدرس، علما بأني كنت ذكيًا ومتفوقًا ولا أهمل واجبي إطلاقا، ولكن لا أجيد الاختلاط برفاقي، ولا أزورهم ولا يزوروني نظرا لانشغالي التام مع والدي بعد اليوم الدراسي.. بعد الدراسة الجامعية عملت معلمًا بالوزارة الحمد لله أنا متمكن جدا من المادة العلمية، فليس لدي أي مشكلة مع تلاميذي في الشرح ومواجهة المشاكل داخل الفصل، ولكن أشعر بأني انقيادي لبعض الزملاء، وأني غير واثق من نفسي، ولا أستطيع قول لا، وأيضا في الحياة العامة وبعد الزواج، أريد ألا أكون متسلطا كوالدي، فزوجتي تمتلك ثقة بنفسها وأخشى أن تتأثر بي وكذلك أولادي، حيث إنني لا أستطيع الدفاع عن نفسي، فكيف أدافع عن زوجتي وأولادي، وعندما أتعرض للإهانة أو المواقف الصعبة المفاجئة كالظلم وسلب حقي أشعر بانهيار وضعف قوتي ونبرات صوتي، وأحيانا لا أستطيع الدفاع ولو بالكلام من شدة الارتباك. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الحبيب أهلا ومرحبا بك، تبدو قصتك تتلخص في فقدان الثقة بالذات والتي نتجت عن ظروف التربية والقهر الذي تعرضت إليه في حياتك مما أفقدك هذه الثقة وجعلك تتعامل مع الآخرين بخوف شديد وحذر خوفا من أن تفقد تعاطفهم معك عند مواجهتهم، والكل قد اتفق على أهمية الثقة بالنفس في شق طريق الحياة، وعلى إحراز النجاح في الأعمال المختلفة.
ومعنى الثقة بالنفس: الشعور الذي ينتاب الشخص عند مقابلته مواقف أو أشخاص ويكون محتوى هذا الشعور "أني لست أقل من هذا الموقف" أني لست أقل منك، أو أقل منكم" -وهذا أيضا يجعلنا نفرق بين الثقة في النفس والغرور الذي قد يتلبس في ذهن البعض من الناس فيخلطون بين الثقة بالنفس والغرور- ولكن هذا يتضح من خلال المثل السابق، فإن الشخص الواثق في نفسه يقول للآخرين كما ذكرت "لست أقل منكم" – أما الشخص المغرور فإنه يقول للآخرين "لستم أفضل مني" أو "لست أفضل مني".
مستويات الثقة في النفس :
وهناك مستويان للثقة بالنفس -مستوى يتصل بذاتية الشخص، ومستوى يتعلق بالموضوع أو الموقف الذي يوجد به الشخص. فبالنسبة للمستوى الأول فإننا نستطيع أن نقرر أن هناك شخصيات تكاملت مقوماتها الداخلية، فاستطاعت أن تكون لنفسها فلسقة في الحياة تستند إليها واطمأنت إلى نجاحها. وبذا فإنها تكون قد أحرزت ثقة بالنفس. ولكن نفس تلك الشخصيات الواثقة في نفسها وهي صادرة في ذلك عن جوهر كيانها قد تبدي ارتباكا أو عدم ثقة بالنفس مؤقتا في مواقف بعينها. ولكن ما تفتأ تعود إلى طمأنينتها التي اعتادت عليها بمجرد زوال الموقف الغريب الذي سبَّب فقدان الثقة بالنفس المؤقت.
ليس هناك شك في أن الصحة النفسية والتي يسعى إليها الناس أجمعون تعتمد في ركن من أركانها الأساسية على الثقة بالنفس، فالشخص الصحيح نفسيا هو الشخص المتمتع بثقة في نفس، والشخص المريض نفسيا هو شخص غير واثق في نفسه.
ولست مبالغا حينما نقول: إن نقطة البداية في أغلب الأمراض النفسية تبدأ بفقدان الثقة بالنفس، ثم القلق كقاعدة عريضة يتبعها المريض النفسي ذاته.
ويجب أن نعرف أن الثقة بالنفس شيئا نسبيا، وأنها ليست شيئا نحصل عليه فيصير ملكا لنا إلى الأبد، فواقع الأمر أن الثقة في النفس هي حالة نفسية نحاول جاهدين الحفاظ عليها والاستمساك بنواهيها والاستزادة منها.
واليك بعض الحلول المهمة:
1. ابحث عن مقومات الثقة واغتنمها..
المقومات الجسمية:
ونقصد بها أن طاقة الجسم على أداء الأعمال وعلى الحياة بصورتها المختلفة تكون تسمح بهذا، وكثيرا ما نلاحظ أنه أثناء الأمراض نجد أن بعض الأشخاص يبدأون في الشعور باليأس ويفقدون الثقة في أنفسهم بما يؤدي إلى زيادة المرض.. وأشخاص آخرون يقاومون الأمراض بثقة شديدة في الله وفي أنفسهم مما يؤدي إلى التغلب على المرض ولذا فالطاقة الحيوية الموجودة في الإنسان مهمة على اختلافها النفسي والجسماني.
المقومات العقلية:
مما لا شك فيه أن النشاط الذهني يؤثر في النشاط الوجداني، كما أن النشاط الوجداني يؤثر بدوره في النشاط العقلي، ومن هنا فإن المقومات هامة للثقة بالنفس ونقصد بها :
أ – الذكاء، وهو القدرة العامة لدى الشخص على اكتساب الخبرات العشورية التي تعتمد على إدراك العلاقات بين العلاقات.
ب – الذاكرة، وهي قدرة الشخص على تذكر ما قد خزنه في عقله واستدعاءه عند الحاجة.
والشخص الواثق في نفسه هو الشخص الذي يستطيع أن يحسن استخدام ذاكرته.
المقومات الوجدانية وأهمها.
– الاتزان الوجداني والانفعالي.
– الخلو من المخاوف المرضية.
– التفاؤل.
– التقدير الذاتي الصحيح..
– التواضع.
المقومات الاجتماعية:
ونقصد بها أن الوضع الاجتماعي يحدد مدى ثقة الشخص بنفسه، ذلك لأن الكيان الاجتماعي لأي شخص يحدد بالتالي كيانه النفسي وفكرته عن نفسه.
المقومات الاقتصادية:
ونقصد بها الصلة بين دخل الفرد وثقته في نفسه.
كيف تنمي الثقة في نفسك؟
1- تعلم كيف تتكلم.
ونقصد أن تتعلم كيف تتواصل مع الآخرين مستخدما التواصل اللفظي والتواصل غير اللفظي.
والكلام مثله مثل المشي -فعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الناس يمشون فإن قلة قليلة منهم تجيد المشي، بحيث ينم مشيهم على اتساق في الحركة واعتدال في القوام وعلى تعاون وتناسق بين الحركات.. كذلك فإننا نلاحظ أن الكثير من الناس لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم بالحركات والإيماءات والأصوات المناسبة: كما أن اللغة التي يستخدمونها لصيانة مشاعرهم من كلمات مفهومة تأتي نابية عما قصدوا إليه، ولا تقع في النفس وقعا سليما كما أرادوا أن تكون.
2- آمن بفلسفة للحياة والتزم بها.
الإنسان ككائن حي يختلف عن سائر الكائنات الأخرى بأنه كائن مريد يستطيع أن يختار، وإذا ما استطاع الإنسان أن يجمع مجموعة متناسقة من الاختيارات ومراعاتها في حياته وتطبيقها في المواقف المتباينة، فإنه يكون قد شكل فلسفة حياة تضبط سلوكه وتوجه حياته.
3- كن قويا.
ممالا شك فيه أن هناك صلة وثيقة بين القوة والثقة بالنفس، وقد أحس الإنسان بهذه الحقيقة منذ بواكير تفتحه على هذا الوجود. فأخذ يتسلح بالقوة بشتى أنواعها التي تتاح له، ولكننا نقصد هنا بدون شك القوة العضلية والنفسية والثقافية والخبراتية والانفعالية.
4- اكتشف مواهبك واستثمرها.
يولد الإنسان وهو مفعم بمجموعة هائلة من المواهب التي لا يستعمل منها بالفعل في حياته إلا أقل القليل – والعجيب أن الإنسان لا يستطيع أن يقف على ما أفهم به من مواهب إلا إذا واتاه الحظ بإخراجها من الكون إلى حيز الواقع، ذلك أن معرفة الإنسان بنفسه لا تواتى جميع الناس، بل إن الذين استطاعوا أن يعرفوا أنفسهم قد تكلفوا في ذلك مشقة وأخذوا في تدريب أنفسهم على سبر آغوار شخصياتهم بتدريبات شاقة ومستمرة.
5 – ابدأ من جديد.
قد يشكل الماضي في كثير من الأحيان عقبة في سبيل الثقة بالنفس ، ولكن يمكننا أن نبدأ من جديد، فالبداية مسئولية كل فرد، فعلينا أن نبدأ من جديد.
وأخيرا نتمنى لك دوام العافية وتابعنا..