الأساس الأول في معرفة مصادر الثلاثي وإدراك صيغها المختلفة إنما هو الاطلاع على النصوص اللغوية الفصيحة، وكثرة قراءتها، حتى يستطيع القارئ بالدربة والمرانة أن يهتدي إلى المصدر السماعي الصحيح الذي يريد الاهتداء إليه.
أما الأوزان والصيغ القياسية الآتية فضوابط أغلبية صحيحة تفيد كثيرًا في الوصول إلى المصدر القياسي؛ فيكتفي به من شاء، ولكن الاطلاع والقراءة أقوى إفادة، وأهدى سبيلًا.
وفيما يلي أوزان المصادر القياسية للفعل الثلاثي المتعدي واللازم:
1- إن كان الماضي ثلاثيًّا متعديًا غير دالٍّ على صناعة؛ فمصدره القياسي "فَعْل"، نحو: أخذ أخْذًا، فتح فتْحًا، حمد حَمْدًا، سمع سمْعًا.
فإن دل على صناعة فمصدره الغالب: "فِعَالة"، نحو: صاغ الخبير المعادن صياغة دقيقة-حاك العامل الثوب حياكة متقنة، ثم خاطه الصانع خياطة جميلة.
ويلاحظ أن الثلاثي المتعدي لا يكون إلا مفتوح العين أو مكسورها، أما مضمومها فلا يكون إلا لازمًا، نحو: حسن، ظرف، شرف…
2- وإن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مكسور العين، غير دالٍّ على لون، أو على معالجة، أو على معنى ثابت، فمصدره القياسي: "فَعَل" نحو: تعِب تَعَبًا، جزِع جَزَعًا، وجِع وَجَعًا، أسِف أَسَفًا.
فإن دل على لون، فالغالب في مصدره: "فُعْلَة"؛ نحو: سَمِر الفتى سُمرة، خضر الزرع خُضرة.
3- وإن كان الماضي الثلاثي لازمًا، مفتوح العين، صحيحها، غير دال على إباء وامتناع، ولا على اهتزاز وتنقل وحركة متقلبة، ولا على مرض، ولا سير، أو صوت، ولا على حرفة أو ولاية- فإنَّ مصدره القياسي: "فُعُول" نحو: قعد قعودًا، سجد سجودًا، ركع ركوعًا، خضع خضوعًا…
فإن كان معتل العين فالغالب في مصدره أن يكون على: "فَعْل"، مثل: نام نومًا، صام صومًا. أو على "فِعَال"، نحو: صام صِيَامًا، قام قيامًا … و… .
فإن دل على إباء وامتناع فمصدره: "فِعَال" نحو: أبى إِبَاء، نفر نِفَارًا، شرد شِرَادًا، جمح جِمَاحًا.
وإن دل على تنقل وحركة متقلبة فيها اهتزاز فمصدره: "فَعَلان"؛ نحو: طاف طوفانًا، جال جولانًا- غلى غليانًا.
وإن دل على مرض فمصدره: "فُعَال"، نحو: سعل سُعَالًا، رعف الأنف رُعَافًا.
وإن دل على نوع من السير فمصدره: "فَعِيل"، نحو: رحل رحيلًا، ذمل ذميلًا.
وإن دل على نوع من الصوت فمصدره: "فَعِيل" و"فُعَال"؛ نحو: صرخ الطفل صريخًا وصراخًا، ونعب الغراب نعيبًا ونعابًا.
وقد اشتهر "فعيل" مصدرًا لبعض الأفعال أكثر من "فعال"؛ مثل صهلت الخيل صهيلًا، أزت القدور أزيزًا.
"ويؤخذ مما سبق أن وزن: "فعال" يكون مصدرًا لما يدل على مرض أو صوت، وأن وزن "فعيل" يكون مصدرًا لما دل على سير أو صوت أيضًا".
وإن كان دالَّا على حرفة أو ولاية فمصدره: "فِعَالَة": نحو: تجر تجارة، سفر سفارة، أمر إمارة، نقب نقابة.
4- إن كان الماضي ثلاثيًّا، لازمًا، مضموم العين فمصدره: إما: "فَعَالة"، وإما "فُعُولة". فيكون "فَعَالة" إذا جاءت الصفة المشبهة منه على وزن "فعيل": نحو: ملُح فهو مليح، ظرُف فهو ظريف، شجُع فهو شجيع… فالمصدر: ملاحة، ظرافة، شجاعة.
ويكون: "فعولة" إذا جاءت الصفة المشبهة منه على: "فعْل"، نحو: سهُل فهو سهْل، عذُب فهو عذْب، صعُب فهو صعْب… فالمصدر: سهولة، عذوبة، صعوبة …
وهذا الضابط في الحالتين أغلبي منقوض بأمثلة أخرى، مثل: ضخُم فهو ضخْم، مع أن المصدر الشائع هو ضَخَامة. وملُح الطعام -أي: صار مِلحًا- ومصدره: المُلُوحة. مع أن الصفة المشبهة منه ليست على فعل ولا فعيل.
تلك هي الأوزان القياسية للفعل الثلاثي بنوعيه؛ المعتدي واللازم؛ وهي أوزان أغلبية. وقد يرد في الكلام المأثور ما يخالفها، فيجب قبوله على اعتباره مسموعًا يصح استعماله -بنصه- مصدرًا لفعله الخاص به، دون استخدام صيغته ووزنها في أفعال أخرى، أو القياس عليها في فعْل غير فعله.
وهذا الوزن السماعي لا يمنع استعمال الصيغة القياسية؛ كما أوضحنا أول الباب. ومن أمثلة السماعي: سخط سُخْطًا، ذهب ذَهَابًا، شكر شُكْرًا، عظم عَظَمَة … وغير هذا كثير؛ جعل النحاة يقررون ما سبق من أن أوزان المصادر القياسية للماضي الثلاثي أوزان جارية على الأغلب، ولا تفيد الحصر؛ لوجود كثير سماعي غيرها؛ حتى قيل إنها لا تكاد تنضبط، واقتصر بعض النحاة على سرد تسٍع وتسعين صيغة تخالف كل واحدة منها القياس الخاص بمصدر فعلها"… أما المصادر القياسية لغير الثلاثي فمضبوطة محصورة -غالبًا- وقل أن تخرج على الضوابط والحدود الموضوعة لها كما سنرى
م/ن