كان هناك فتى أسمه ( إيهاب ) وكان يحبّ لبحر منذ الصغر , وإيهاب يعشق النظر إلى هذا المحيط الأزرق الكبير من المياه ,
يذهب إليه كلما سمحت له فرصةً, مع أخته أو مع والديه , يقف أمامه على الشاطئ , ويترك عينيه تسافران مع أمواجه الزرقاء ,
وكأنهما مركبان يرحلان إلى البلاد البعيدة ….
أمس نظر (إيهاب) إلى البحر وكان هادئاً وصافياً , فوجده أكثر زرقة ً من ذي قبل , كأنما هو مرآة ينعكس عليها لون السماء ….
رفع (إيهاب) رأسه إلى السماء وكانت لا تعكر صفوفها الغيوم , فوجدها زرقاء أيضاً , كأنما ينعكس في صفحتها لو البحر …
عَاد (إيهاب) في المساء إلى المنزل , ونظر إلى وجهه في المرآة متأملاً في عينيه الواسعتين الزرقاوين , اللتين ظهرتا وكأنهما
تحملان آثار لون البحر ولون السماء …..قال ( إيهاب) في نفسه .. لا شك أن اللون الأزرق هو أجمل الألوان …وأضاف .. أنه لون البحر
ولون السماء ولون عينيَ , قال الفتى الصغير … ذلك في نفسه … ثم أغمض جفنيه ونام …رأى (إيهاب) في ما يرى النائم , أنه يقوم
برحلة بحرية , على ظهر مركب . طُليَ خشبه بطلاء أزرق , وأنه كان في صفحة الماءِ وحده , يحرك المجداف , فيتقدم به المركب في
هدوء , بين زرقة البحر وزرقة السماء , ورأى طيوراً بيضاء تقترب من المركب , ثم تبتعد عنه , لتذوب في زرقة السماء البعيدة ,
فردّد في نفسه … لا بد أنها النوارس البيضاء , طيور البحر التي طالما حدّثتني أمي عنها …
وحين أفاق (إيهاب) من نومه قال لأمه … أريد أن أقص عليك يا أمي رؤيا ( يعني حلم ) رأيتها .. لقد رأيت في ما يرى النائم ,
أني مسافر في البحر على ظهر مركب أزرق وكان كل شيء حولي يصطبغ بهذا اللون , المياه والسماء والغيوم البعيدة , فهل
أنا وحدي يا أمي أرى البحر والسماء زرقاء , لأن عيوني بهذا اللون … ضمته أمه إلى صدرها .. وقالت له بحنان .. وهي تضحك …
كلا يا (إيهاب) …كلاّ فالعيون السوداء أيضاً ترى البحر أزرق وترى السماء زرقاء , إن هذا اللون خلقه الله لنا يا ولدي , مثلما خلق
سائر الألوان , ليكمّل به جمال الطبيعة , ويسكب فيها الصفاء والهدوء , لقد وضع الله اللون الأزرق في الأشياء يا ولدي مثلما وضعها
في عيونك الجميلة الزرقاء … قالت له أمه ذلك …بينما كان هو يُطبق جفنيه قليلاً قليلاً , ويعود نومه الهادئ اللذيذ