خالد بن سعود البليهد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إلى كل من نزل به المرض المزمن من السرطان.
واشتد عليه الألم.
وصار المرض ينهش من جسده.
وذاق الأمرين من جرعات الدواء والكي.
وصار معه حزن واكتئاب دائم.
وفقد شهية الطعام.
وفارق نشوة الفرح والمتعة في دنياه.
وفقد حلاوة العبادة في بيوت الله.
واستوحش الأصحاب والأحباب حين جفوة وانقطعوا عن زيارته.
وانقطع رجاؤه من الدنيا وعاش حالة الرحيل إلى الآخرة.
إليك أيها المريض المبتلى الأخ الحبيب أخاطبك فأقول:
أبشر بكل خير من المولى عز وجل.
أبشر بعظيم الأجر ورفعة الدرجات كما جاء في الخبر:(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). رواه الترمذي.
أبشر بالجنة عند فقدك لعضو من أعضائك فعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل إذا أخذت بصر عبدي فصبر واحتسب فعوضه عندي الجنة). رواه أحمد.
أبشر بالجنة جزاء صبرك ورضاك بالبلاء عن ابن عباس أنه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى قال: هذه المرأة السوداء أت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك قالت: أصبر قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا له). متفق عليه.
أبشر بتوفيه الأجر من غير حساب قال تعالى:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِساب).
أبشر إن صبرت واحتسبت بأنك ستكتب في عداد الصابرين.
أبشر فإن الله فتح عليك عبادة الصبر وبابا يوصلك إلى الجنة.
يجب أن توقن أن ما أصابك من البلاء عادة الله مع صفوة خلقه من الأنبياء والصديقين والصالحين كما قال رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة). رواه أحمد.
وتوقن أن الله ابتلاك ليمحص ذنبك ويعرف صدقك قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
وتوقن أن الله أراد بك خيرا عظيما لا يدركه عقلك ولو كان الأمر في ظاهره شرا وسوءا بالنسبة لك.
أيها المبتلى اعلم أن ما حل بك من الحزن والهم والبؤس وأهل الدنيا يفرحون ويمرحون فإن الله سيقلب حزنك إلى سرور دائم وهمك إلى حبور مستمر في دار لا يحزن أهلها ولا يصيبهم غم كما قال تعالى: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
أيها المبتلى اعلم أن ما يجري عليك الآن من المحن والبلاء هو خير لك قضاه الله عليك لحكمة بليغة فاصبر واحتسب كما قال رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). رواه مسلم.
تفكر وتأمل أن ما نزل بك من البلاء هو قدرك لا مهرب لك ولا نصير منه فإما أن تتسخط وتجزع فتكون محروما من نعيم الدنيا والآخرة. وإما أن تصبر وتجمل فتفوز وتفلح.
تذكر أن ما فقدته من أعضائك وخلق من جلدك وتساقط منك سيكون جزاؤه عظيما في الآخرة يغبطك عليه أهل العافية في الدنيا لما ورد في الخبر: (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقارض). رواه الترمذي.
تذكر أيها الحبيب وأنت تعاني وتكابد تداعيات السرطان قصة النبي المبتلى الصابر أيوب عليه الصلاة والسلام حين ابتلي بالمرض المزمن بلاء عظيما وفقد أعضائه إلا قلبه ولسانه وتخلى عنه أقرب الناس إليه فصبر فكانت عاقبته حسنة ومكافأته عظيمة. قال أنس: (ابتلي سبع سنين وأشهراً وألقي على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده حتى فرج الله عنه وعظم له الأجر وأحسن الثناء عليه).
أوصيك بأن تقاوم المرض بالدعاء وكثرة الصلاة وتلاوة القرآن والمداومة على الصدقة فإنها مباركة تخف البلاء وترفعه بإذن الله كما جاء في الأثر: (داو مرضاكم بالصدقة).
أيها الحبيب حسن ظنك بربك وعظم رجائك فيه وأيقن وأيقن وأيقن بأن الشافي من المرض هو الله وحده عظمت قدرته وتناهى علمه وأحاط بكل شيء من مخلوقاته خالق السباب والأسباب الذي لا يعجزه شيء ولا يمتنع عنه شيء فتعلق برحمته وجوده ولطفه.
أيها الحبيب اعلم أن أعظم سلاح يقاوم السرطان هو ارتفاع معنوياتك ورباطة جأشك وقوة نفسيتك وزيادة إيمانياتك واعتقادك الشفاء والنفع بالدواء الصالح. فإياك ثم إياك ثم إياك أن تيأس ويتسل الخوف والقنوط لقلبك فإن ضعف النفس وتدهورها له أثر بالغ في استشراء مرضك وتمكنه من جسدك فلا تحزن وتماسك واستشرف الأمل والشفاء في المستقبل وحاول أن تستمتع بحياتك على حسب استطاعتك وزاول أعمالك وقت نشاطك ولا تركن للكسل والفراغ فتهلك الوساوس والهموم وتقضي عليك.
داوم على الرقية الشرعية من القرآن والأدعية النافعة ولازمها ولا تفرط فيها في وقت من الأوقات فإن القرآن شاف لسائر الأمراض وله تأثير عجيب في مقاومة المرض وتخفيفه ولا تلتفت لمن يزهد فيه وينفي نفعه من الذين عبدوا الدنيا وبهرتهم المادة وحكموا عقولهم القاصرة.
وأخيرا أخي الحبيب لماذا تخاف ولماذا تحزن ولماذا تشعر بالحسرة فإنك إن بذلت السبب وصبرت واحتسبت وتوكلت على ربك فأنت بين حسنين إما أن تشفى ويرفع عنك البلاء وإما أن تموت فيكتب لك أجر الشهيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والمبطون شهيد). رواه أحمد.
فاستقبل العمل الصالح فيما تبقى من زمانك واشتغل بالتوبة والإحسان ولازم مجالس الصالحين وقدم الخير لنفسك وكن من أهل الآخرة ليختم لك خاتمة حسنة وتكون من أهل الجنة.
خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
بارك الله فيك
تقبلي مروري
اختك ام ورد