التصنيفات
منوعات

أخلاقنا الإسلامية العظيمة الشورى

الشورى
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
أحمد الله و أستعينه و استغفره و ما توفيقى إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .

تدل اهمية الشورى فى حياة الجميع .
و لعل من أجل و أسمى السمات التى دلت على ذلك
هى نزول سورة قرآنية كريمة تحمل نفس الإسم .
و ما أغرب ما ينادى به الساسة الجدد من دعوات للديمقراطية !
و يتناسى الجميع أن رسولنا الحبيب الكريم صلى الله عليه و سلم
كان من أكثر الناس ديمقراطية و تشاوراً مع اصحابه و فى مواطن كثيرة
و لعل اهمها أوقات الغزوات و كان دائماً يأخذ بالرأى الأنسب و الأصلح .
كما حدث فى غزوتى أحد و الخندق .

و ترسيخ مبدأ الشورى يجب أن يبدأ اولاً على مستوى الأسرة

و يعمم بعد ذلك على مستوى المجتمع ككل .
و لا عيب أبداً أن تشاور زوجتك و تأخذ بهذه المشورة و لا تتمسك بالمفاهيم المغلوطة
بأن المرأة ليست صاحبة رأى و لا تستطيع إبداء الرأى السديد .
و لا أرى حرجاً على الإطلاق فى مشورة الطفل فكم من أطفال يملكون رؤية لا نملكها نحن الكبار .
كما يجب بل و يتحتم على كل رئيس فى كل موقع أن يقر هذا المبدأ
لأنه ببساطة عند إقرار هذا المبدأ ستسود المودة و الثقة و حسن أداء العمل
فعندما يشعر المرؤوس بكونه شريكاً فى القرار أو صاحباً للفكرة أو الإقتراح
كلما أحب عمله أياً كان و أقبل عليه .
و لكن ما أكثر ما نرى هذه الأيام من التسلط و فرض الأراء و قمع المبدعين .
لقد سادت روح " الأنا " و غابت روح " نحن "
و هنا أقول لصاحب التشبث و التسلط بالرأى من أنت ؟؟

و ما هو قدرك بالمقارنة برسول الله صلى الله عليه و سلم ؟؟
هل أنت تملك رجاحة العقل كما ملكها هو صلى الله عليه و سلم ؟؟
و هل تملك القيادة الحكيمة و الإدراة الرشيدة و الرأى السديد
كما كان هو صلوات ربى و صلاته عليه ؟؟
بكل تأكيد الإجابات كلها بالنفى أى ( كلا و ألف كلا ) .
و برغم بعض ما ذكرت من صفاته صلى الله عليه و سلم أكد على مبدأ الشورى
و دعم قواعدها كأروع ما يكون و أحسن ما يكون .
و على الرغم من أنه كان يملك إصدار الأمر دون نقاش أو مشورة
إلا أنه كان المربى المعلم الذى كان يزرع الثقة فى نفوس الصحابة
و يؤسس قواعد الدولة الإسلامية القوية الصحيحة
و التى نحن فى حاجة ماسة إلى التمسك بكل ما جعلها
قوية و فتية و فاتحة و طامحة و سائدة و ممتدة من اقصى الشرق إلى اقصى الغرب .
بعدنا للأسف عن أساسيات التعاليم القرآنية و النبوية و تاهت بنا الخطى
بحثاً عن مصطلحات " إفرنجية " و هى فى الأصل فرع هش
من شجرة أصيلة ثابتة فى الأرض غرسها القرآن الكريم
و رواها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و رعاها صحابته الكرام من بعده .
و ما زال منا و فينا من يؤصل الشورى و يتمسك بالقرآن و السنة .
أقوال فى الشورى
من القرآن الكريم :
" فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "
آل عمران آية 159

من السنة المطهرة
" خرج النبي صلى الله عليه و سلم في ساعة لا يخرج فيها و لا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر
فقال ما جاء بك يا أبا بكر ؟
فقال : خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنظر في وجهه و التسليم عليه ،
فلم يلبث أن جاء عمر ،
فقال : ما جاء بك يا عمر ؟
قال : الجوع يا رسول الله ،
قال : و أنا قد وجدت بعض ذلك .
فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري ،
و كان رجلا كثير النخل و الشياه ، و لم يكن له خدم فلم يجدوه ،
فقالوا لامرأته : أين صاحبك ؟ فقالت : انطلق يستعذب لنا الماء ،
و لم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها ،
ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه و سلم و يفديه بأبيه و أمه ، ثم انطلق بهم إلى حديقته ،
فبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
أفلا تنقيت لنا من رطبه ؟
فقال : يا رسول الله إني أردت أن تختاروا – أو قال : تخيروا – من رطبه و بسره ،
فأكلوا و شربوا من ذلك الماء ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ،
ظل بارد ، ورطب طيب ، وماء بارد .
فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاما ،

فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
لا تذبحن ذات در .
فذبح لهم عناقا أو جديا ، فأتاهم بها فأكلوا .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم :
هل لك خادم ؟
قال : لا . قال : فإذا أتانا سبي فأتنا . فأتي النبي صلى الله عليه و سلم
برأسين ليس معهما ثالث ، فأتاه أبو الهيثم ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
اختر منهما .
فقال : يا نبي الله اختر لي ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
إن المستشار مؤتمن ، خذ هذا فإني رأيته يصلي و استوص به معروفا .
فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ،
فقالت امرأته : ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم إلا أن تعتقه ،
قال : هو عتيق .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إن الله لم يبعث نبيا و لا خليفة إلا و له بطانتان ،
بطانة تأمره بالمعروف و تنهاه عن المنكر ، و بطانة لا تألوه خبالا ،
و من يوق بطانة السوء فقد وقي "
الراوي : أبو هريرة
المحدث : الترمذي
المصدر : سنن الترمذي- الصفحة أو الرقم:2369
خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح غريب

السلف الصالح
" ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم"
الحسن البصرى

" قال قيسٌ لابنِه : لا تُشاوِرَنَّ مَشغولاً و إنْ كان حازماً ، و لا جائعاً و إنْ كان فهيماً ،
و لا مَذعوراً و إنْ كان ناصحاً ، و لا مَهموماً و إن كان فَطِناً ،
فالهَمُّ يَعقِلُ العَقلَ ( أي يربِطُه و يُقَيِّدُه ) ، و لا يَتَوَلَّدُ مِنه رأيٌ ، و لا تَصدُقُ مِنهُ رَوية .
و قيل: لا تُدخِلْ في مَشورَتِكَ بَخيلاً فَيُقصِّرُ بِفِعلِك ، و لا جباناً فَيُخَوِّفُكَ ،
و لا حريصاً فَيَعِدُكَ ما لا يُرتَجى ؛
فالجبنُ و البُخلُ و الحِرصُ طَبيعَةٌ واحدة ، يَجمعُها سوءُ الظن .
و قيل : لا تُشاوِرْ مَن لَيسَ في بَيتِهِ دقيق .
و كانَ كِسرى إذا أرادَ أنْ يَستَشيرَ إنساناً بَعثَ إليهِ بِنَفَقَةٍ سَنةً ثُمَّ يَستَشيرُه "
الأصفهانى

برأى لبيب أو مشورة حازم
إذا بلغ الرأى المشورة فاستعن
شاعر قديم




بارك الله فيك



التصنيفات
مصلى المنتدى - تفسير وحفظ القران - ادعية و اذكار

تفسير سورة الشورى

تفسير سورة الشورى

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات 1 ـ 6

( حم *عسق *كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ )

الحروف فى بداية السور كما أوضحنا من قبل وهى :
قال فيها العلماء عدة أقوال :

1 ـ أن هذا القرآن بنفس حروف الهجاء بلغة العرب ، حتى ينتبهوا لما ينزل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يحدثهم فى امور دنياهم وأخراهم

2 ـ أن هذا القرآن ينزل بنفس حروف الهجاء للغتهم ولم يفهموا معناها بالرغم من براعتهم فى استخدام اللغة

3 ـ ويتحدى البلغاء منهم أن يأتوا بسورة مثلها ، أو آية

فهو أداة إعجاز كما كانت العصاة أداة إعجاز موسى

4 ـ عندما يحدث البلغاء بحروف لم يفهموها فهذا يجذب الأنتباه

فكأنه يقول ( انتبهوا فالأمر جد خطير )

ـ أنزل الله عليك القرآن كما أنزل الكتب والصحف على من قبلك من الأنبياء ، فالله هو العزيز القوى فى أفعاله حكيم فى شرعه
ـ ولله جميع ما فى السموات والأرض من خلق وهو المتصرف فيها وحده ومالكها وقاهرها
ـ ومن شدة العظمة والإجلال توشك السموات أن تنشق
والملائكة يذكرون الله ويحمدونه على أنعمه ويدعون لمن فى الأرض أن يغفر لهم الله ، فمن غير الله القادر على المغفرة والرحمة بعباده
ـ والمشركين الذين عبدوا مع الله إلاها آخر الله هو الذى يحاسبهم على ذلك ويجازيهم وأنت يا محمد ليس بمسئول عن كفرهم ، إنما عليك أن تنذرهم والله وكيل بهم

الآيات 7 ، 8

( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ *وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )

وكذلك : وكما أوحينا للأنبياء من قبلك
أوحينا إليك مثلهم هذا القرآن بلغة العرب الواضحة لتنذر وتبلغ أهل مكة والبلاد التى حولها شرقا وغربا بأن يوم القيامة لا شك فيه وسيكون فريق فى النار ممن كذبوا وفريق فى الجنة وهم من آمنوا بما تنذر به

ولو أراد الله لجعل الناس كلها على شكل واحد إما مؤمنون وإما كافرون ولكن له الحكمة لأن يدخل المؤمنون الجنة بعملهم ويدخل النار المكذبون وأيضا بعملهم وليس لهم من ينصرهم .

الآيات 9 ـ 12
(أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ *فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )

ــ لقد اتخذ الكافرون لأنفسهم أولياء غير الله
فالله هو الولى الحق ولا ينبغى العبادة إلا له وحده
وهو وحده قادر على إحياء الموتى ومحاسبتهم وقادر على كل شئ

ــ وكل شئ تختلفون فيه فحكمه فى كتاب الله وسنة نبيه
فهو الحاكم فى كل شئ و الرجوع إليه فى كل الأمور

ــ فهو ( فاطر ) خالق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما
خلق منكم الذكر والأنثى
وخلق من الأنعام ثمانية أزواج من الذكور والإناث
( يذرؤكم فيه ) ويخلقكم فى الرحم على هذه الصفة ذكور وإناث
وليس مثل الله شئ فهو يسمع ويرى خلقه ويتصرف كيف يشاء وله الحكم والعدل التام




الآيات 13 ، 14

( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ *وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ)

يا أمة محمد قد شرع الله لكم دينكم مثلما شرع لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ، فأقيموا الدين ولا تتفرقوا لأنه واحد من الله الواحد
ولكن شق على المشركين ما تدعوهم إليه يا محمد من توحيد
فالله هو القادر على الهداية لمن يلجأ إليه

ولكنهم تفرقوا بعد وصول الحق لديهم نتيجة بغيهم وعنادهم
ولولا أن الله قضى بتركهم حتى يوم القيامة لمحاسبتهم لكان أجرى عليهم العقوبة فى الدنيا
ولكن الجيل الذى ورث آباءه دائما يقلد آباءه ويصبح فى شك مخيف وحيرة

الآية 15

( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ )

ولهذا فعليك يا محمد بأن تنذر وتدعوا لعبادة الله الواحد كما أمرك الله ولا تطيع الكافرين
وقل لهم آمنت بالله وما أنزل فى القرآن وأمرنى الله لأعدل بينكم
فالله هو خالقنا وخالقكم ولنا عملنا ولكم ما تعملون ولا حجة بيننا وبينكم إلا ما أمر الله به
والله سيجمعنا يوم القيامة ليحاسب كلٌ يوم القيامة وله مصير كلا منا إما الجنة لمن آمن ، وإما السعير لمن كذب وعصى

الآيات 16 ـ 18

( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ *يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ )

والذين يجادلون فى ما أنزل الله المؤمنين ( من بعد ما استجيب له )
ليصدوهم عن الإيمان بالله ، فإن عليهم غضب من الله وحجتهم باطلة ويعذبهم الله العذاب الشديد يوم القيامة .

فالله قد أنزل كتبه بالعدل والحق على أنبياءه
ولا تعلم يا محمد ربما تكون القيامة قريبة فلا يعلمها إلا الله ….. وهذا ترغيب فى الأخذ بما فى القرآن والإطمئنان للنصر على الكفار

فإن الكافرين بيوم القيامة يقولون متى هو ويستعجلونه
أما المؤمنين فهم خائفون منها ويعلمون أنها آتية حقا كما وعد الله ويعملون من أجلها
فالذين يجادلون ( يمارون ) فى القيامة فى جهل شديد لأن من قدر على خلق السموات والأرض قادر على إعادة الموتى .




الآيات 19 ـ 22

( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ *مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ *أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )

الله لطيف بجميع خلقه ويرزق ويوسع على من يشاء ولا يعجزه شئ
فمن عمل بعمل الآخرة يعينه عليه ويجازيه به ويضاعف لمن يشاء الأجر
ومن عمل بعمل الدنيا يؤتيه منه وليس له فى الآخرة من جزاء
ومن شاء الله حرمه من عمل الدنيا والآخرة

وهؤلاء الكفار والمنافقين لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين يا محمد
ويتبعون ما تتلوا عليهم الشياطين ، فهل شرع لهم أصنامهم وشركاءهم هذا الذى حرمه الله عليهم

ولولا أن حدد لهم الله يوم القيامة للحساب لكان عجل لهم العقوبة ، ولكن يوم القيامة لهم العذاب الشديد

حيث ترى يوم القيامة الظالمين خائفين مما سيقع بهم من عذاب
وترى المؤمنين والصالحين فى نعيم الجنات ولهم كل ما يطلبون من الله
وما أعظم من ذلك جزاء .

الآيات 23 ، 24

(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )

وهذا الجزاء يبشر الله به عباده الصالحين الذين يعملون الصالحات طلبا لرضى الله
وقل يا محمد للمشركين لا أسألكم على هذه الدعوة و النصح أجرا ، وإنما كل ما أطلبه هو مراعاة ما بينى وبينكم من قرابة فتتركونى أبلغ رسالات ربى ولا تؤذوننى
ومن يعمل حسنة نزيد له فيها حسنا ونضاعف له الثواب
والله يغفر كثير من السيئات

ويقول الجاهلون أنك تفترى على الله كذبا
لو أراد الله لطبع على قلبك ونزع ما فيه من قرآن
ويزيل الله الباطل ويثبت الحق ويوضحه بالحجج
والله يعلم ما فى الضمائر والسرائر




الآيات 25 ـ 28

( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ *وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ )

يقول سبحانه أنه جل وعلا يقبل توبة التائبين ويغفر لهم ويسترهم وهو يعلم جميع ما يفعل العباد جهرا وسرا

ويستجيب لدعاء المؤمنين الذين يعملون الصالحات
ويزيدهم فوق ذلك من فضله
أما الكافرين فلهم يوم القيامة العذاب الشديد

ولو أعطى الله للناس رزقا فوق حاجتهم لطغوا وبغى بعضهم على بعض
ولهذا ينزل الرزق بقدر يعلمه الله لصالحهم فيغنى من يشاء ويفقر من يشاء وهو أعلم بمن يستحق ذلك أو ذاك ، فهو خبير بنفوس عباده

وهو الله الذى ينزل المطر بعد أن يكون الناس قد يئسوا من نزوله فيعم الخير على البلد التى ينزل فيها المطر بعد أن كان أهلها يائسين
فيعم الرحمة والخير على البلد وهو سبحانه الولى المتصرف فى عباده المحمود العاقبة فى جميع أفعاله وأقداره

الآيات 29 ـ 31

( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ *وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ *وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )

ومن آيات الله الدالة على قدرته وعظمته خلق السموات والأرض وما فيهن من ملائكة وإنس وجان ودواب وما فى البحار من أحياء وما فى التربة من أحياء والزروع باختلاف الأشكال والأنواع والطباع والجمادات
والله قادر على جمع الأولين والآخرين يوم القيامة ليحكم بينهم .

وما يصيب الناس من مصائب فهى بما فعلوا من سيئات
والله يعفو عن سيئات كثيرة ولو أخذهم بذنوبهم لهلكوا .

ولن يقدرالناس أن يهربوا من عقاب الله ولا يستطيعون ذلك ، وليس لهم من ينصرهم من حسابه ولن يعجزوه هربا .

الآيات 32 ـ 35

( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ *إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ *أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ *وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ )

ومن علامات قدرة الله تعالى تسخيره البحر لتجرى فيه السفنبأمر الله وتجرى فى البحر كأنها جبال ( أعلام )
ولو شاء الله لأسكن الريح حتى لا تتحرك السفن وتظل راكدة لا تروح ولا تجئ على سطح الماء ( ظهره )
وذلك آيات وعلامات لكل شديد الصبر فى الشدائد وكثير الشكر فى الرخاء

( أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ) : ولو شاء الله لأهلك السفن وأغرقها بذنوب الراكبون فيها ولكن رحمة الله واسعة فهو يعفو ويغفر ذنوب كثيرة .

وليعلم الذين يجادلون فى آيات الله وقدرته أنه ليس لهم من منجى من عذاب الله وقهره لهم .




الآيات 36 ـ 39

( فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ *وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ )

الدنيا حقير شأنها وما فيها وما جمعتم وما حصلتم عليه إنما هو متاع زائل قليل
وإنما ما عند الله وثوابه خير وأعظم قدرا وهو الباقى لمن آمن وعمل صالحا وتوكل على الله

ومن تجنب فعل الآثام والفواحش وإذا غضبوا كان غضبهم لله ويعفون عمن ظلمهم ويصفحون عن الناس
( الإثم هى الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه والبغى هى الخطايا المتعلقة بحقوق الغير والفواحش هى كل ما منه يؤدى إلى الزنا بالقلب أو العين أو اللسان أو الفرج )
والذين اتبعوا رسل الله وأطاعوه وأقاموا الصلاة وهى أعظم العبادات ولا يقرروا أمرا إلا بعد التشاور فيما بينهم ( كالحرب والأمور العامة التى ليس بها تشريع واضح ) وينفقون من أموالهم ولا يكنزونها

( والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون ) : إذا ظلمهم أحد أو اعتدى عليهم فإن فيهم قوة للإنتقام منه وقادرين على ذلك ولكنهم يعفون ويصفحون

الآيات 40 ـ 43

( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ *إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ *وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )

وشرع الله من أساء لكم فلكم الإعتداء عليه بمثل ما اعتدى عليكم
ومن عفا وأصلح فإن الله لا يضيع أجره لأن الله لا يحب الظلم والظالمين المبتدئين بالإعتداء

ولكن لا حرج بمن انتصر ممن ظلمه بغير زيادة فى الإعتداء ولا عقاب له فى أخذ حقه
ولكن الحرج على من يبدأ بظلم الناس ويسلبهم حقهم ويعتدى عليهم فلهم عذاب مؤلم
ولمن صبر على الأذى وغفر فذلك من عزم الأمور وله الثواب العظيم

الآيات 44 ـ 46

( وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ *وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ *وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ )

من يهدى الله فلا مضل له ومن يضله فلا هادى له
وهؤلاء المشركين عندما يروا العذاب يقولون ياليتنا نرد إلى الدنيا فنؤمن ونعمل صالحا

ويعرضون على النار فى ذلة بما فعلوا من عصيان ينظرون كأنهم يسرقون النظر خوفا من أن يقعوا فيها وهم متأكدون من حدوث ذلك
ويقول المؤمنون إن الخسارة الأكبر لمن خسر أهله وأحبابه وأقاربه ونفسه يوم القيامة وذهب إلى النار
إن الظالمين يوم القيامة فى عذاب لا يخرجون منه أبديا

وليس لهم من ينقذونهم من عذاب الله
ومن أضله الله فليس له من خلاص .




التصنيفات
منوعات

الشورى فى الاسلام

مكانة الشورى في الإسلام خصائص وحدود

الإسلام في شريعته المنزّلة ومنهجه المرسوم عقدٌ تنتظم فيه صور الكمال في المقاصد ، والسمو في المباديء ، والإحكام في القواعد ، وما مبدأ الشورى إلا صورة من صور هذا الكمال ، فمن خلاله تُبسط الآراء وتناقش القضايا ، بين النُخبة من أفراد الأمة ، لتقرير ما يرتّب شؤون الحياة ويحفظ توازن المجتمع .

والشورى هي نظامٌ اجتماعي ، وأصلٌ من أصول الحكم ، يسعى لتلبية حاجات الناس المتجدّدة وحلّ مشكلاتهم المختلفة ، بإشراك أرباب العقول وذوي الأفهام في الفكر والرأي .

وتظهر مكانة الشورى في الإسلام من خلال اقترانها بأوصاف المؤمنين الصادقين في قوله تعالى :

{ والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم }
( الشورى : 38 )

يقول الإمام الجصاص : " هذا يدل على جلالة موقع المشورة لذكرها مع الإيمان وإقامة الصلاة " ، علاوةً على كونها السبيل لاستقرار الأسرة المسلمة وائتلافها ، قال تعالى :

{ فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما }
( البقرة : 233) .

ثم إن الله سبحانه وتعالى أمر نبيّه بمشاورة أصحابه بالرغم من استغنائه عن آرائهم ، فقد تكفّل الله بإرشاده وتوجيهه ، ولكنّه إرشادٌ للأمة بضرورة العمل بهذا المبدأ ، قال تعالى :

{ وشاورهم في الأمر }
( آل عمران : 159 ) .

فكان – صلى الله عليه وسلم – أكثر الناس مشورة في أحواله كلّها ، في السلم والحرم ، وأمور الخاصّة والعامة ، حتى شهد أصحابه بذلك .

ففي أمور الحرب ، تبرز مواقف النبي – صلى الله عليه وسلم – التي شاور أصحابه فيها ، ابتداء بغزوة بدر ، حيث شاورهم فيها حول الخروج لملاقاة العدو ، واختيار المكان الذي ينزلون فيه ، وفي شأن الأسرى وكيفيّة التعامل معهم .

وفي غزوة أحد ، استشار النبي – صلى الله عليه وسلم – في اختيار المكان الذي يحارب منه المسلمون ، ونزل على رأي من أراد الخروج ، كما أخذ عليه الصلاة والسلام بمشورة صاحبيه بعد المعركة في ملاحقة فلول قريش ومطاردتها .

وعندما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر الخندق ، استحسن النبي – صلى الله عليه وسلم – فكرته وأمر بتنفيذها ، فكانت سبباً رئيسياً من أسباب النصر في تلك الغزوة.

وكثيراً ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يأخذ بمشورة أصحابه حتى وإن خالفت رأيه ، فقد نزل على رأي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما في عدم إعطاء ثمار المدينة لغطفان ، وأخذ بمشورة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بقصد المسجد الحرام لأداء العمرة وترك قتال قريش يوم الحديبية ، ومشورة الحباب بن المنذر رضي الله عنه في اختيار معسكر المسلمين في غزوة الطائف ، ورأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عدم ملاحقة جيش الروم في أرض الشام وضرورة العودة إلى المدينة ، ومنع الصحابة من نحر الإبل حينما اشتدّ بهم الجوع ، وغير ذلك من المواقف الكثيرة التي ذكرها علماء السيرة .

وبعيداً عن شؤون الحرب ، فقد وردت في السيرة النبوية مجموعة من القضايا استشار فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – الآخرين واستمع إلى آرائهم ، ففي يوم الإسراء والمعراج شاور عليه الصلاة والسلام جبريل في تخفيف الصلاة ، وشاور كلاً من علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما في قضيّة الإفك ، وشاور الناس في كيفيّة التعامل مع من آذاه في عرضه الشريف ، وفي غزوة الحديبية نزل عند رأي زوجته أم سلمة رضي الله عنها بمباشرة النحر وحلق الشعر بنفسه عندما تثاقل الناس عن فعل ذلك .

وعند استعراض مبدأ الشورى في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، نجد أن لها مجالاً معيّناً ونطاقاً محدّداً لا تتعدّاه ، وهي الأمور التي لم يرد فيها نصٌّ شرعيٌّ من الكتاب والسنّة ، وأما ما ورد فيه نصٌّ فليس أمام المسلم سوى القبول والتسليم ، ولا سبيل إلى تعطيله أو معارضته ، وإنما تكون الشورى في البحث عن كيفيّة تنفيذه بما يتوافق مع أصول الإسلام وقواعده ، وبما يراعي مقتضى الظروف المحيطة وواقع الحال .

وللشورى في حياة الصحابة رضوان الله عليهم مكانةٌ عظيمة ، فقد كانوا حريصين أشدّ الحرص على معرفة رأي النبي – صلى الله عليه وسلم – في مختلف القضايا ليأخذوا به ، فمن ذلك استشارة أبي هيثم رضي الله عنه للنبي – صلى الله عليه وسلم – في اختيار خادمه من السبي ، رواه الترمذي ، واستشارة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها للنبي عليه الصلاة والسلام فيمن تقدّم لخطبتها ، فأشار لها بقبول أسامة رضي الله عنه ، فكان زواجها منه سبباً في سعادتها وحلول البركة في بيتها ، رواه مسلم .

وعن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه أن والده جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : " يا رسول الله ، أردت أن أغزو ، وقد جئت أستشيرك " ، فقال له : ( هل لك من أم ؟ ) ، قال : نعم ، فقال له : ( فالزمها فإن الجنة تحت رجليها ) رواه النسائي .

ومن بعد عصر النبوّة أرسى الصحابة رضوان الله عليهم مبدأ الشورى منذ اللحظة الأولى ، فما كان اختيار خليفة المسلمين يوم السقيفة إلا نتاج المشورة بينهم ، ولا إنفاق أموال الفتوحات الإسلامية على الدولة في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه إلا بمشورة أصحابه ، وبذلك صارت الشورى ركيزة أساسية في حياتهم .

وعندما نعود إلى قول النبي – صلى الله عليه وسلم :

"المستشار مؤتمن "

الراوي: أبو هريرة – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح أبي داود

وهكذا أصبحت المباديء التي قرّرها النبي – صلى الله عليه وسلم – دستوراً للبشريّة ، ومنهاجاً للإنسانيّة ، وعنواناً للأمم الراقية على مرّ العصور

___________

الشورى في الإسلام

والشورى في الإسلام حق للأمة وواجب على الحاكم، وهي نظام سياسي واجتماعي، وحلقة وصل بين الحاكم ورجاله. والشورى مبدأ أساسي من مبادئ الإسلام، وليس هذا فحسب، بل إن الإسلام جعلها من صفات المؤمنين الصالحين، حتى إنها وردت في السياق القرآني الكريم بين ركنين عظيمين من أركان الدين هي الصلاة والزكاة، قال تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} [الشورى: 38].

وكانت الشورى من أهم صفات الرسول (، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله () [الترمذي]. واستشار رسول الله ( الناس في الأسرى يوم بدر، فقال: (إن الله أمكنكم منهم). فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: يا رسول الله اضرب أعناقهم. فأعرض عنه رسول الله (، فقال أبوبكر -رضي الله
عنه-: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. [أحمد].

ومن الدلائل التي تدل على أهمية الشورى في الإسلام أن الله سبحانه وتعالى أمر بها رسوله الكريم، فقال تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} [آل عمران: 159]. وأكد عليها الرسول الكريم (، فقال: (المستشار مؤتمن)
[ابن ماجه]. وقال: (إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه) [ابن ماجه]. وقال: (من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه) [أحمد].

والرسول ( لم يُحدد مَنْ يخلفه في قيادة الدولة الإسلامية وإنما ترك ذلك للمسلمين بعد أن يتشاوروا على من يرضونه خليفة لرسول الله. وسار الخلفاء الراشدون على سنة الرسول (، فعن عمر بن الخطاب قال: (من بايع رجلا أميرًا عن غير مشورة من المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه) [البخاري].

خصائص الشورى وحدودها في الإسلام

وللشورى في الإسلام خصائص وحدود منها:

* أنها جزء من الدين، وطاعة لله، وقدوة صالحة يؤمر بها الأنبياء قبل غيرهم؛ حتى لا يتعاظم عليها من يدَّعون النزاهة والأهلية والفقه، فليس بعد الأنبياء في الصلاح والعصمة أحد. فالشورى هي السبيل إلى الرأي الجماعي الذي فيه خير الفرد والمجتمع. قال (: (إن أمتي لا تجتمع على ضلالة) [ابن ماجه].

* أن الشورى يجب أن تتم في إطار الشريعة، وأن تقوم على أخوة المسلمين وتراحمهم، وعلى أنهم أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي عليها نشر الإيمان بالله على أساس التطابق الكريم بين الغاية والوسيلة.

* أن الشورى عبادة وبحث عن الحق والصواب، ووسيلة للكشف عن المواهب والقدرات، واختبار لمعادن الرجال، وجمع للقلوب وتأليف بينها على العلم والخير والإيمان، وتربية للأمة، وبناء لقواها الفكرية، وتنسيق لجهودها، وإفادة من كل عناصرها، وإغلاق لأبواب الشرور والفتن والأحقاد.

* أن الشورى توحيد للجهود وربط لجميع مستويات الأمة برباط من نور؛ لما فيه قوتها وتماسكها، وعزة الإسلام ورفعة رايته. قال الحسن: ما تشاور قوم إلا هُدُوا لأرشد أمرهم.
ومع الاتفاق حول هذه الخصائص والحدود فقد ترك الإسلام للمسلمين حرية تطبيق الشورى؛ وذلك وفق ظروفهم وخصائص حياتهم، ولكن شرط عليهم أن يتم ذلك التطبيق في إطار المنهج الذي وضعه الله لهم وطبقه رسوله الكريم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين

خليجية[/IMG]




خليجية