الفصل الخامس
في المحرمات بالنكاح
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله فرض فرائض فلا تضيّعوها، وحد حدودا فلا تتعدوها)[10].
و من جملة الحدود الشرعية التي حدّ الله تعالى حدودها النكاح حلاًّ و حرّمة، حيث حرّم على الرجل نكاح نساء معينة لقرابة أو رضاعة أو مصاهرة أو غير ذلك – و المحرمات من النساء على قسمين:
قسم محرمات دائما و قسم محرمات إلى اجل.
1-محرمات دائما و هن ثلاثة أصناف:
أولا: المحرمات بالنسب: وهن سبع ذكرهن الله تعالى بقوله في سورة النساءحرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم و أخواتكم وعماتكم وخالاتكم و بنات الأخ وبنات الأخت)(النساء- 23) فالأمهات: يدخل فيهن:الأم، و الجدات سواء كن من جهة الأب أم من جهة الأم.
2-و البنات: يدخل فيهن: بنات الصلب و بنات الأبناء و بنات البنات ( وان نزلن).
3-و الأخوات: يدخل فيهن الأخوات الشقيقات و الأخوات من الأب و الأخوات من الأم
4- و العمات: يدخل فيهن: عمات الرجل و عمات أبيه و عمات أجداده و عمات أمه و عمات جداته.
5- و الخالات: يدخل فيهن: خالات الرجل و خالات أبيه وخالات أجداده و خالات أمه و خالات جداته.
6- و بنات الأخ: يدخل فيهن بنات الأخ الشقيق و بنات الأخ من الأب و بنات الأخ من الأم و بنات أبنائهم و بنات بناتهم( وان نزلن)
7-و بنات الأخت: يدخل فيهن: بنات الأخت الشقيقة و بنات الأخت من الأب و بنات الأخت من الأم و بنات أبنائهن و بنات بناتهن( وان نزلن).
ثانيا: المحرمات بالرضا ع: ( وهن نظير المحرمات بالنسب ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))[11] و لكن الرضاع المحرم لا بد له من شروط منها:
1- أن يكون خمس رضعات فأكثر فلو رضع الطفل من أربع رضعات لم تكن أما له. لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان فيما انزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم و هي فيما يقرا من القران)) [12]
2- أن يكون الرضاع قبل الفطام أي يشترط أن تكون الرضعات الخمس كلها قبل الفطام فان كانت بعد الفطام أو بعضها قبل الفطام و بعضها بعد الفطام لم تكن أمّا له و إذا تمت شروط الرضاع صار الطفل ولدا للمرأة و أولادها أخوة له سواء كانوا قبله أو بعده و صار أولاد صاحب البن أخوة له أيضا سواء كانوا من التي أرضعت الطفل أم من غيرها. وهنا يجب أن نعرف بان أقارب الطفل المرتضع سوى ذريته لا علاقة لهم بالرضا ع و لا يؤثر فيهم الرضاع شيئا فيجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أمه من الرضاع أو أخته من الرضاع أما ذرية الطفل فإنهم يكونون أولادا للمرضعة و صاحب البن كما كان أبوهم من الرضاع كذلك.
3- ثالثا: المحرمات بالصهر:
1- زوجات الآباء و الأجداد و إن عَلَوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم، لقوله تعالى: (( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)) ( النساء- 22) فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبنائه و أبناء أبنائه و أبناء بناته و إن نزلوا سواء دخل بها أم لم يدخل بها.
2- زوجات الأبناء وان نزلوا،لقوله تعالىو حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم)( النساء-23) فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبيه و أجداده و إن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم بمجرد العقد عليها و إن لم يدخل بها.
3- أم الزوجة وجداتها و إن علون، لقوله تعالىو أمهات نسائكم)( النساء- 23) فمتى عقد الرجل على امرأة صارت أمها و جدتها حراما عليه بمجرد العقد و إن لم يدخل بها سواء كن جدتها من قبل الأب أم من قبل الأم.
4- بنات الزوجة، و بنات أبنائها و بنات بناتها وان نزلن وهن الربائب و فروعهن لكن بشرط أن يطأ الزوجة فلو حصل الفراق قبل الوطء لم تحرم الربائب و فروعهن، لقوله تعالى: (( و ربائبكم الآتي في حجوركم من نسائكم الآتي دخلتم بهن فان لم كونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم))-( النساء-23) فمتى تزوج الرجل امرأة وطئها صارت بناتها و بنات أبنائها و بنات بناتها و إن نزلن حراما عليه سواء كن من زوج قبله أم من زوج بعده أما إن حصل الفراق بينهما قبل الوطء فان الربائب و فروعهن لا يحرمن عليه.
2- المحرمات إلى اجل
وهن أصناف منها:
1- أخت الزوجة و عمتها و خالتها حتى يفارق الزوجة فرقة موت أو فرقة حياة و تنقضي عدتها لقوله تعالى: (( و أن تجمعوا بين الأختين))-( النساء- 23) و قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يجمع بين و عمتها و لا بين و خالتها))[13]
2-متعددة الغير: أي إذا كانت في عدة لغيره فانه لا يجوز له نكاحها حتى تنتهي عدتها و كذلك لا يجوز له أن يخطبها إذا كانت في العدة حتى تنتهي عدتها.
3-المحرمة بحج أو عمرة: لا يجوز عقد النكاح عليها حتى تحل من إحرامها. وهناك محرمات أخرى تركنا الكلام فيهن خوفا من التطويل.
و أما الحيض: فلا يوجب تحريم العقد على فيعقد عليها وان كانت حائضا لكن لا توطأ حتى تطهر و تغتسل.
الفصل السادس
في العدد المباح في النكاح
لما كان إطلاق العنان للشخص في تزوّج ما شاء من العدد أمرا يؤدي إلى الفوضى و الظلم و عدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات و كان حصر الرجل على زوجة واحدة قد يفضي إلى الشر و قضاء الشهوة بطريقة أخرى محرمة أباح الشارع للناس التعدد إلى أربعة فقط لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل و القيام بحق الزوجة و يسد حاجته إن احتاج إلى أكثر من واحدة. قال الله تعالى: (( فأنكحوا ما طاب لكم النساء مثنى و ثلاث و رباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة))- ( النساء- 3) و في عهد النبي صلى الله عليه وسلم اسلم غيلان الثقفي و عنده عشرة نساء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا و يفارق البواقي، وقال قيس بن الحارث: أسلمت و عندي ثمانية نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: (( اختر منهن أربعا))[14].
فوائد النساء إلى هذا الحد:
1- انه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان مثل: أن تكون الزوجة كبيرة السن أو مريضة لو اقتصر عليها لم يكن له منها إعفاف و تكون ذات أولاد منه فان امسكها خاف على نفسه المشقة بترك النكاح أو ربما يخاف الزنا وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها فلا تزول هذه المشكلة الا بحل التعدد.
2- إن النكاح سبب للصلة و الارتباط بين الناس و قد جعله الله تعالى قسيما للنسب فقال تعالى( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا))- ( الفرقان-54) فتعدد الزوجات يربط بين أسر كثيرة و يصل بعضهم بعض وهذا أحد الأسباب التي حملت النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بعدد من النساء
3- يترتب عليه صون عدد كبير من النساء و القيام بحاجتهن من النفقة و المسكن وكثرة الأولاد و النسل و هذا أمر مطلوب للشارع.
4- من الرجال من يكون حاد الشهوة لا تكفيه الواحدة و هو تقي نزيه و يخاف الزنا ولكن يريد أن يقضي وطرا في التمتع الحلال فكان من رحمة الله تعالى بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم.
الفصل السابع – في حكمة النكاح
قبل أن نبدأ الكلام في خصوص تلك المسألة يجب علينا أن نعلم علما يقينا بان الأحكام الشرعية كلها حِكَم و كلها في موضعها وليس فيها شئ من العبث و السفه ذلك لأنها من لدن حكيم خبير و لكن هل الحِكَم كلها للخلق؟ إن الآدمي محدود في علمه وتفكيره وعقله فلا يمكن أن يعلم كل شئ و لا أن يُلهَم معرفَة كل شئ قال الله تعالى: ((وما أوتيتم من العلم الا قليلا)( الإسراء-85) إذن: فالأحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده يجب علينا الرضا بها سواء علمنا حكمتها أم لم نعلم لأننا إذا لم نعلم حكمتها فليس معناه انه لا حِكَمة فيها في الواقع إنما معناه قصور عقولنا و أفهامنا عن إدراك الحكمة.
من الحكم في النكاح: 1-حفظ كل من الزوجين و صيانته قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج)[15]
2-حفظ المجتمع من الشر و تحلل الأخلاق فلولا النكاح لانتشرت الرذائل بين الرجال و النساء.
3-استمتاع كل من الزوجين بالآخر بما يجب له من حقوق و عشرة فالرجل يكفل و يقوم بنفقاتها من طعام و شراب و مسكن و لباس بالمعروف قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف))[16] و تكفل الرجل أيضا بالقيام بما يلزمها في البيت من رعاية و إصلاح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( … و راعية في بيت زوجها و مسئولة عن رعيتها)) [17]
4- أحكام الصلة بين الأسر و القبائل فكم من أسرتين متباعدتين لا تعرف إحداهما الأخرى و بالزواج يحصل التقارب بينهما و الاتصال و لهذا جعل الله الصهر قسيما للنسب كما تقدم.
5- بقاء النوع الإنساني على وجه سليم فان النكاح سبب للنسل الذي به بقاء الإنسان قال الله تعالى: (( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)) ( النساء-1) و لو لا النكاح للزم احد أمرين أما: 1- فناء الإنسان 2- أو وجود إنسان ناشئ من سفاح لا يعرف له اصل و لا يقوم على أخلاق- و يطيب لي أن استطرد هنا قليلا لحكم تحديد النسل فأقول: تحديد النسل بعدد معين خلاف مطلوب الشارع فان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتزوّج الولود أي كثيرة الولادة وعلل ذلك بأنه مكاثر بنا الأمم أو الأنبياء و قال أهل الفقه: ينبغي أن يتزوج المعروفة بكثرة الولادة أما بنفسها إن كانت تزوجت من قبل و عرفت بكثرة الولادة أو بأقاربها كأمها و أختها إذا كانت لم تتزوج من قبل.
ثم ما الداعي لتحديد النسل؟ هل هو الخوف من ضيق الرزق أو الخوف من تعب التربية ؟ إن كان الاول فهذا سوء ظن بالله تعالى لان الله سبحانه وتعالى إذا خلق خلقا فلا بد أن يرزقه. قال الله تعالى: (( و ما من دابة في الأرض الا على الله رزقها)) (هود-6) وقال تعالىوكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها و إياكم وهو السميع البصير)( العنكبوت 60) وقال تعالى في الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر: (( نحن نرزقهم وإياكم)) ( الإسراء 31) و إن كان الداعي لتحديد النسل هو الخوف من تعب التربية فهذا خطأ فكم من عدد قليل من الأولاد أتعبوا أتعابا كبيرا في التربية و كم من عدد سهلت تربيتهم بأكثر ممن هم دونهم بكثير. فالمدار في التربية صعوبة و سهولة على تيسير الله تعالى و كلما اتقى العبد ربه و تمشى على الطرق الشرعية سهل الله أمره قال الله تعالى: (( و من يتقى الله يجعل له من أمره يسرا)) ( الطلاق 4).
و إذا تبين أن تحديد النسل خلاف المشروع فهل تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من ذلك؟ الجواب: لا ليس تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من تحديد النسل في شئ و أعني بتنظيم النسل أن يستعمل الزوجان أو احدهما طريقة تمنع من الحمل في وقت دون وقت فهذا جائز إذا رضي به من الزوج و الزوجة مثل: أن تكون الزوجة ضعيفة و الحمل يزيد ها ضعفا أو مرضا وهي كثيرة الحمل فتستعمل برضا الزوج هذه الحبوب التي تمنع من الحمل مدة معينة فلا باس بذلك وقد كان الصحابة يعزلون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم و لم يُنهوا عن ذلك و العزل من أسباب امتناع الحمل من هذا الوطء.
الفصل الثامن
في الآثار المترتبة على النكاح
يترتب على النكاح آثار كثيرة منها ما يلي:
أولا: وجوب المهر: و المهر: هو الصداق المسمى باللغة العامية – ( جهازا- فالمهر ثابت للمرأة بالنكاح سواء شرط أم سكت عنه وهو (المال المدفوع للزوجة بسبب عقد النكاح) فان كان معيّنا فهو ما عيِّن سواء كان قليلا أم كثيرا و إن كان غير معيَّن بان عقد عليها و لم يدفع جهازا و لم يسمُّوا شيئا فعلى الزوج أن يدفع إليها مهر المثل وهو ما جرت العادة أن يدفع لمثلها – وكما يكون المهر مالا أي عينا يكون كذلك منفعة فلقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة برجل على أن يعلمها شيئا من القران[18] و المشروع في المهر أن يكون قليلا فكلما قل و تيسر فهو أفضل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم و تحصيلا للبركة فان أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة و روى مسلم في صحيحه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أني تزوجت امرأة.قال: (( كم أصدقتها ؟ قال: أربع أواق ( يعني مائة و ستين درهما ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك و لكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه))[19] وقال عمر رضي الله عنه: (( لا تَغلُوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما اصدق النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه و لا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، و الأوقية أربعون درهما)) و لقد كان تصاعد المهور في هذه السنين له أثره السيئ في منع كثير من الناس من النكاح رجالا و نساء و صار الرجل يمضي السنوات الكثيرة قبل أن يحصِّل المهر، فنتج عن ذلك مفاسد منها:
1-تعطل كثير من الرجال و النساء عن النكاح 2- أن أهل صاروا ينظرون إلى المهر قلة و كثرة فالمهر عند كثير منهم هو ما يستفيدونه من الرجل لامرأته فإذا كان كثيرا زوَّجوا و لم ينظروا للعواقب و إن كان قليلا ردوا الزوج و إن كان مَرْضيا في دينه و خُلُقه 3- أنه إذا ساءت العلاقة بين الزوج و الزوجة و كان المهر بهذا القدر الباهظ فانه لا تسمح نفسه غالبا بمفارقتها بإحسان بل يؤذيها و يتعبها لعلها ترد شيئا مما دفع إليها و لو كان المهر قليلا لهان عليه فراقها. ولو أن الناس اقتصدوا في المهر و تعاونوا في ذلك و بدا الأعيان بتنفيذ هذا الأمر لحصل للمجتع خير كثير و راحة كبيرة و تحصين كثير من الرجال و النساء و لكن مع الأسف أن الناس صاروا يتبارون في السبق إلى تصاعد المهور و زيادتها فكل سنة يضيفون أشياء لم تكن معروفة من قبل ولا ندري إلى أي غاية ينتهون؟ و لقد كان بعض الناس و خصوصا البادية يسلكون مسلكا فيه بعض السهولة وهو تأجيل شئ من المهر مثل: أن يزوجه بمهر قدره كذا نصفه حال و نصفه مؤجل إلى سنة أو اقل أو أكثر و هذا يخف عن الزوج بعض التخفيف.